المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 023.doc

الفصل الثالث من الأحوال الشخصية في الطلاق

وفيه مباحث نبحثها على التوالي إن شاء الله تعالى بعد تقديم مقدمة:

الطلاق: بمعنى الترك والفراق والسراح وبهذا المعنى اللغوي جعل موضوعاً للأحكام الشرعية الخاصة في الكتاب والسنة وكلمات الفقهاء أيضاً وهو من الأمور الشايعة في المجتمعات على اختلاف مذاهبها وأديانها وقد ثبت في الشريعة المقدسة إنه من أبغض الأشياء عند الله عز وجل قال نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله): (ما من شيء أحب إلى الله عز وجل من بيت يعمر بالنكاح وما من شيء أبغض إلى الله عز وجل من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة).

يعني الطلاق وعن الصادق (عليه السلام) في الصحيح: (ما من شيء أحله الله أبغض إليه من الطلاق وإن الله عز وجل يبغض المطلاق الذواق).

الى غير ذلك من الروايات الدالة على المبغوضية الكاشفة عن شدة الكراهة وفي الرواية المتقدمة دلالة على مبغوضية المطلاق الذواق ذلك الرجل الذي يطلق ذوقاً ويتزوج ذوقاً وكأنه يجعل العلاقة الزوجية السامية تخضع للذوق بناء وهدماً فيخرج الزواج عن هدفيته .

وكيف كان فإن الطلاق من الإيقاعات لا من العقود ولذلك يقع بإنشاء طرف واحد هو الزوج في الغالب حسب الشروط الشرعية فهو كجملة من الإيقاعات في الفقه التي خصصها الفقهاء بالبحث والتفصيل كاللعان والإيلاء والوقف وما أشبه ذلك.

والظاهر إن لا حقيقة شرعية للطلاق لأنه كان قبل البعث معمولاً به بين الناس في مختلف المجتمعات نعم الشارع زاد فيه بعض الشيء وانقص منه فإن الشارع بعد أن لاحظ العقود والإيقاعات التي كان معمولاً بها في المجتمعات قبل الإسلام أمضى بعضها وصحح بعضها وتصرف في بعضها زيادة ونقيصة حسب المنهج الشرعي الصحيح على تفصيل ذكره الفقهاء في الفقه.

فالبيع والنكاح مثلاً كان معمولاً به بين الناس قبل الإسلام إلا إن الشارع أضاف عليه بعض الشروط وحذف منه بعض العادات القديمة التي لم يرتضها الشارع.

وكيف كان فإن مقتضى القاعدة العقلائية إن الطلاق بيد الإنسان كما إن النكاح بيد الإنسان أيضاً لأنهما من شؤون المجتمع ومن الشؤون الخاصة التي ترتبط بإدارة الإنسان نفسه بما يراه من مصلحته ومن مضرته.

وعليه فإن إيجاد العلقة الزوجية ترجع إلى الإنسان كما إن فك هذه العلقة الزوجية ترجع إليه أيضاً وباختياره بحسب ما يراه من المصالح والمضار فقول المسيحيين بالعدم وإن الإنسان إذا أوجد العلقة الزوجية لا يتمكن بعد ذلك من الفكاك منها معللين بأن النكاح رباط جعله الله سبحانه وتعالى فلا يمكن فك الرباط الذي جعله الله سبحانه وتعالى بيد الإنسان هذا كلام غير تام ولا يساعد على السيرة العقلائية لأمثال العقود والإيقاعات إذ مادام الرباط كان بيد الإنسان كالزواج كان الطلاق مثله أيضاً لأن حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد.

وكيف كان فإن قول المسيحيين بعدم إمكان فك الرباط بعد إيجاد العلقة الزوجية كلام في غير محله ولعله لهذه الجهة وقعت الكثير من الأسر عندهم في مشاكل وأزمات كبيرة لم تتمكن من الخلاص منها ألا بالتمرد على الشرع الذي التزموا به كما هو معروف في التقارير والإحصاءات.

هذا ويستثنى من كراهة الطلاق عدة صور.

منها إذا لم يتحقق بين الزوجين توافق في الأخلاق أو توافق في الدين أو توافق في المزاج وفي العادات الاجتماعية وما أشبه ذلك من أضرار اجتماعية تعود على نفس الإنسان وعلى أولاده وعلى مستقبله وقد وردت الروايات في هذا أيضاً منها ما عن الحارثي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمس لا يستجاب لهم رجل جعل بيده طلاق امرأته وهي تؤذيه وعند ه يعطيها ولم يخل سبيلها ورجل أبق مملوكه ثلاثة مرات ولم يبعه ورجل مرّ بحائط مائل وهو يقبل إليه ولم يسرع المشي حتى سقط عليه ورجل أقرض رجلاً مالاً فلم يشهد عليه ورجل جلس في بيته وقال اللهم ارزقني ولم يطلب).

والظاهر من الخمسة المذكورة من باب المثال إذ المراد إن كل من وجد السبيل إلى مقصد ولم يذهب إليه بالطرق المعتادة وإنما يريد ذلك بالطرق الغيبية مثلاً كمن يدعو بأن يصبح عالماً ولا يتعلم ولا يبذل جهده في هذا السبيل أو يدعو لنجاته من جار سوء ولا يبدل داره أو يدعو لشفاء مرضه ولم يذهب إلى طبيب إلى غير ذلك من الأمثلة إذا اللازم من مجموع الأدلة في الشريعة مراعاة الدواء والدعاء في كل الأمور فبناءً على هذا ينبغي على الإنسان أن يسلك السبل الطبيعية ثم يسددها بالدعاء لا أن يوكل الأمر إلى الدعاء حصراً فإن الدعاء حسن على  حال إلا إن الاعتماد عليه إنما يكون في الأمور التي يعجز عنها الإنسان وتخرج عن مقدوره أما مادام الإنسان غير عاجز عن سلوك السبل الطبيعية في تحقيق أغراضه ومقاصده فإن الدعاء يكون له جزء السبب لا كل السبب.

فبناءً على هذا يستفاد من هذه الرواية الشريفة إن الرجل إذا عاشر امرأة وهي تؤذيه ولا يتمكن من تحقيق السعادة بينه وبينها الأمر الذي يسبب ضيق المعاشرة التي تعود بالألم والأذى على الأولاد وعلى الأسرة فطلاقها مستثنى من الكراهية ويؤيد ذلك ما عن تفسير الإمام (عليه السلام) قال: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام) سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول ( ثلاثة لا يستجيب الله لهم بل يعذبهم ويوثقهم أما أحدهم رجل ابتلى بامرأة سوء فهي تؤذيه وتضاره وتعيب عليه دنياه ويبغضها ويكرهها وتفسد عليه آخرته فهو يقول اللهم يا رب خلصني منها فيقول الله يا أيها الجاهل خلصتك منها وجعلت طلاقها بيدك ) .

والتخلص منها طلاقها لما في معاشرتها من إضرار على دنيا الإنسان وعلى دينه وعلى أولاده وعلى مستقبله فبناءً على هذا يستثنى من كراهة الطلاق أمثال هذه الصور والروايات في هذا المعنى متظافرة جداً من ناحية المقدمة.

وأما من ناحية المباحث فنبحثها على التوالي إن شاء الله.

  • المبحث الأول: في شرائط الطلاق:

والشرائط تارة في الزوج المطلّق. وتارة في الزوجة المطلّقة وثالثة في صيغة الطلاق ورابعة في الإشهاد على الطلاق على التفاصيل التي ستعرفها من خلال البحث.

أما شرائط الزوج المطلّق فهي أربعة:

الأول والثاني: البلوغ والعقل إجماعاً ونصوصاً مستفيضة منها قول الصادق (عليه السلام) في الصحيح: (ليس طلاق الصبي بشيء) وعنه في الموثق (كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه أو الصبي أومبرسم أو مجنون أو مكره).

والمقصود من المعتوه ناقص العقل والمبرسم مرض معروف يوجب الهذيان في الكلام.

ومنها قول علي (عليه السلام): (لا يجوز طلاق الغلام حتى يحتلم).

وغيرها من الروايات وقد عرفت مما تقدم إن البلوغ والعقل من الشرائط العامة للتكليف فضلاً عن إنشاء العقود والإيقاعات وعليه لا يصح طلاق الصبي لا بالمباشرة بنفسه ولا بالتوكيل عن غيره حتى وإن كان الصبي مميزاً كل ذلك لظهور الإطلاقات وإجماع الأصحاب.

كما لا يصح طلاق المجنون جنوناً مطبقاً أو أدوارياً في حالة جنونه ويلحق به السكران أيضاً، والسكران من زال عقله إجماعاً ونصوصاً مستفيضة منها ما تقدم في الموثق ومنها أيضاً خبر أبي بصير: (لا يجوز طلاق الصبي والسكران).

وإطلاقه يشمل ما إذا كان لحق أو باطل.

  •  

الشرط الثالث: القصد فلا يصح طلاق غير القاصد للعقل الحاكم بأن كل فعل اختياري متقوم بالقصد والإرادة مضافاً إلى الإجماع والنصوص التي منها قول الصادق (عليه السلام) في المعتبر: (لا طلاق إلا لمن أراد الطلاق) أي قصده مع إنشاء الصيغة.

وعن أبي جعفر (عليه السلام) في خبر اليسع (لو أن رجلاً طلق ولم ينو الطلاق لم يكن طلاقه طلاقاً).

إلى غير ذلك من الأخبار فبناءً على هذا لا يصح طلاق غير القاصد كالنائم والساهي و الغالط بل الهازل الذي لا يريد وقوع الطلاق جداً وإنما يوقع الصيغة بلفظها هزالاً ومزاحاً لعدم تحقيق القصد والإرادة الجدية في جميع ذلك فالعقل يحكم بعدم تحقق الطلاق فيها مضافاً إلى إجماع الفقهاء على عدم الوقوع.

وما ورد عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): (ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة).

فالظاهر إنه قاصر سنداً وغير معمول به بين أصحابنا خصوصاً في مسألة الطلاق: وعليه فإذا أوقع صيغة الطلاق ثم قال إني ما قصدت الطلاق بها يقبل منه بينه وبين الله تعالى إذا لم تكن قرينة على الخلاف للأصل وموثق ابن يونس الذي رواه الحر العاملي (رض) في الوسائل في الباب الثامن والثلاثون من أبواب مقدمات الطلاق الحديث رقم 1 فمن أراد فليراجع.

  • لا طلاق مع الإكراه:

الشرط الرابع: الاختيار، بمعنى عدم الإكراه و الإجبار وذلك لقول نبينا العظم (صلى الله عليه وآله): (رفع عن أمتي ما أكرهوا عليه) وهو متفق عليه بين الفريقين ومعنى الرفع هنا رفع ترتب آثار الصحة عليه ولنصوص خاصة لقول أبي جعفر (عليه السلام) في موثق زرارة في طلاق المكره وعتقه. (ليس طلاقه بطلاق ولا عتقه بعتق) والروايات مستفيضة في هذا المجال.

منها ما عن الصادق (عليه السلام) كما عن صاحبي الجواهر والحدائق (قده): (لا يقع الطلاق بإكراه ولا إجبار ولا مع سكر ولا على غضب) إلى غير ذلك من الأخبار هذا مضافاً إلى الإجماع فلا يصح طلاق المكره الذي أجبر على إيقاع الطلاق مع التوعيد والتهديد على تركه وخوف الضرر.

ومعنى الإكراه هو حمل الغير على إيجاد ما يكره إيجاده مع التوعيد على تركه بإيقاع ما يضر بحاله عليه سواءً كان يضره نفساً أو عرضاً كالزوجة والأولاد أو مالاً بشرط كون الحامل للإكراه قادر على إتيان ما توعد به.

فلو أكرهه غير القادر على إيقاع الضرر لا يقع الإكراه وإنما ينبغي أن يكون المكره قادراً على إيقاع ما توعد به أما للعلم بذلك أو للظن بإيقاعه على تقدير عدم الاستجابة، هذا هو معنى الإكراه لغة وعرفاً وشرعاً ولا فرق فيه بين جميع موارد استعمالاته من أول الفقه إلى آخره كما ذكره السيد السبزواري (رضوان الله عليه في مهذب الأحكام).

ويلحق بالإكراه موضوعاً وحكماً ما إذا أمره بإيجاد ما يكرهه من خوف المأمور من عقوبته والإضرار عليه لو خالفه وإن لم يقع منه توعيد وتهديد لأن هذا من مصاديق الإكراه عرفاً.

وبالجملة فإن إصطلاح الفقهاء في الإكراه ليس اصطلاحاً خاصاً ولا زائداً على معناه العرفي في سائر الموارد فكل ما هو معناه عرفاً يكون كذلك في الفقه لأن الإكراه موضوع والموضوع يرجع في تحديده إلى العرف لا إلى الشرع وعليه فالإكراه الموجب لتبدل الطهارة المائية إلى الترابية مثلاً والموجب لجواز الإفطار في شهر رمضان والموجب لتبدل الحج إلى عمرة مفردة والموجب لبطلان كل عقد إلا مع الإجازة جميعاً الإكراه فيها متحد مع ما نحن فيه من دون زيادة في أي منها عن المعنى اللغوي والعرفي بشيء.

نعم لا يلحق بالإكراه لا موضوعاً ولا حكماً ما لو أوقع الفعل مخافة إضرار الغير عليه بتركه لكن تركه من غير إلزام الغير عليه فمثلاً لو تزوج على امرأته ثم رأى إنه لو بقيت في حباله لوقعت عليه وقيعة من بعض متعلقيها كأخيها أو أبيها أو عمها فالتجأ إلى طلاقها، فطلقها فإنه يصح طلاقها ولا يقع أكراها ، أما عدم كونه أكراهاً موضوعاً فلعدم تحقق الإلزام من المكره عليه وأما عدم كونه من الإكراه حكماً فللإجماع على الصحة في مثل هذه الموارد مضافاً إلى بعض الروايات.

ولو قدر المكره على دفع ضرر المكره ببعض الأساليب والتخلصات مما ليس فيها ضرر عليه كالفرار أو الاستعانة بالغير لم يتحقق الإكراه لعدم تحقق موضوعه لا لغة ولا عرفاً فلو أوقع الطلاق مثلاً حينئذ يقع منه صحيحاً لتحقق المقتضي للصحة وفقد المانع عنه فتشمله الإطلاقات والعمومات الدالة عليه.

  • في عدم اعتبار التورية:

نعم إذا قدر المكره على التورية فأوقع الطلاق من دون تورية فالظاهر وقوعه مكرهاً عليه وباطلاً لصدق الإكراه عرفاً حتى مع القدرة على التورية فعلاً وعدم جعل أهل المحاورة ومتعارف الناس القدرة على التورية كالقدرة على دفع المكره فعلاً والوجدان يحكم بذلك أيضاً فربما لا نرى إن القادر الفعلي على دفع المكره مكرها بخلاف القادر علىالتورية ولعل السر فيه إن الشارع ألغى اعتبار عدم القدرة على التورية رأساً لعدم التفات عامة الناس إلى ذلك بخلاف الفرار عن شر المكره فإنه أمر فطري لكل أحد أن يفعله مع إمكانه.

وكيف كان فلو أوقع الطلاق عن إكراه ثم عقبه بالرضا لم ينفع ذلك في صحته لأن الطلاق إيقاع والإيقاعات لا ينفعها لحوق الرضا إجماعاً.

وهنا تفريعات:

  • طلاق المفترى عليها:

الأول لو افترى شخص على امرأة  ليطلقها زوجها فطلقها فتزوجها المفتري ثم بان الخلاف للزوج ففي صحة هذا الطلاق وجهان:

من تحقق قصد الطلاق وإنشائه من قبل الزوج بحسب الظاهر فيقع الطلاق.

ومن عدم تحقق قصد الطلاق الواقعي في الحقيقة لأن الزوج أوقع الطلاق مع القصد التقديري أي على تقدير صحة الافتراء الذي ادعاه الرجل فيكون قد  قصد الطلاق مقيداً.

إلا إن المفروض بعد تبين الخلاف يظهر له إن ذلك التقدير غير متحقق حينئذ فلا أثر لهذا الطلاق.

إلا إن الظاهر لزوم مراجعة الاحتياط والعمل به في مثل هذه الموارد لأنه سبيل النجاة.

التفريع الثاني:لا يعتبر في صحة الطلاق إطلاع الزوجة عليه فضلاً عن رضاها به للأصل والإطلاق والاتفاق هذا بالنسبة إلى شرائط المطلّق.

  • وأما شرائط المطلّقة:

الشرط الأول: أن تكون زوجة لعدم الموضوع للطلاق بدون الزواج.

الشرط الثاني: أن تكون زوجة دائمة فلا يقع الطلاق على المتمتع بها إجماعاً ونصوصاً منها قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم: (في المتعة ليست من الأربع لأنها لا تطلق ولا ترث وإنما هي مستأجرة).

وعليه فما عن الجواهر من قوله: (لم يحضرني من النصوص ما يدل على عدم وقوع الطلاق بالمستمتع بها) لعله من قبيل كبوة الجواد كما ذكره السيد السبزواري (قده) وأي جواد أفضل منه (رحمه الله) في السير في الأحاديث الفقهية.

الشرط الثالث: أن تكون المطلقة طاهرة من الحيض والنفاس إجماعاً ونصوصاً مستفيضة منها قول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح: (كل طلاق لغير العدة فليس بطلاق إن يطلقها وهي حائض أو في دم نفاسها أو بعدما يغشاها قبل أن تحيض فليس طلاقها بطلاق).

وتدل عليه الآية الشريفة: ((إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ))

- أي استتمام العدة وكمالها - وعليه فلا يصح طلاق الحائض والنفساء والمراد بهما ذوات الدمين فعلاً أو حكماً كالنقاء المتخلل بالبين كما فصله الفقهاء في مباحث الحيض.

وأيضاً لو نقيت النفساء من الدم أو نقيت الحائض من الدم ولم تغتسلا من الحدث صح طلاقهما للأصل والإجماع والنص لأن النص قال بعدم وقوع الطلاق على الحيض والنفاس والمنساق من هذه العبارة صورة التلبس بالحالة لا بعد انقضائها.

أما النفاس فهو حكم آخر لا علاقة له بالمسألة.

الشرط الرابع: إن لا تكون المطلّقة في طهر واقعها زوجها فيه إجماعاً ونصوصاً.

منها قول أبي جعفر (عليه السلام) في الموثق: (لا طلاق إلا على طهر من غير جماع).

وعنه (عليه السلام) أيضاً في الصحيح: (إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته فلينتظر بها حتى تطمث وتطهر فإذا خرجت من طمثها طلقها تطليقة من غير جماع) إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على الاستبراء من المواقعة.

  • طلاق المسافر أو الغائب:

ولا يخفى إنه يشترط الطهر من الحيض والنفاس فيما إذا كان الزوج حاضراً بمعنى كونهما في بلد واحد حين الطلاق لأن هذا معنى الحضور لغة وعرفاً فتنزل الأدلة عليه فلو كان الزوج غائباً عن الزوجة صح طلاقها وإن وقع الطلاق في حال الحيض لظاهر إطلاق معقد الاتفاق والنصوص.

لكن ذلك إذا لم يعلم الزوج حالها من حيث الطهر والحيض أو تعذر عليه استعلامها لأن هذا هو المتيقن من معقد الإجماع والمنساق من الأدلة اللفظية.

وعليه فإن غياب الزوج إنما يصح فيه الطلاق في صورة عدم العلم بحالها وتعذر عليه أو تعسر عليه العلم فإذا علم إنها في حال الحيض ولو من حجة علمه بوقت عدتها أو تمكن من استعلام حالها ولو بواسطة التلفون أو البريد الإلكتروني أو سائر وسائل الاتصال الأخرى وطلقها فتبين وقوعه في حال الحيض يبطل طلاقه.

وعليه فإن الأقسام المتصورة في هذه المسألة ستة هي كالتالي:

الأولى: العلم بأنها حائض جعل الطلاق  وأوقع الطلاق فلا وجه في هذه الصورة لصحة الطلاق.

الثانية: العلم بالطهر حين الطلاق فيصح بلا إشكال.

الثالث: الجهل بالطهر أو الحيض إلا إنه صادف وقوع الصيغة في حال الطهر مع عدم إمكان الاستعلام بوجه فيصح الطلاق بلا إشكال.

الرابع: الصورة السابقة بعينها لكن مع وقوع الطلاق في حال الحيض ومقتضى إطلاق ما تقدم من الأدلة هو صحة الطلاق لفرض عدم القدرة على الاستعلام.

الخامس: الجهل به مع إمكان الاستعلام عرفاً ووقوعه في حال الطهر تصادفاً ومقتضى الإطلاقات الصحة كما مرّ مع تحقق قصد إنشاء الطلاق وسائر الشرائط الأخرى

السادس: ما تقدم من الصورة بعينها مع وقوع الطلاق في حال الحيض ولا وجه للصحة حينئذ لأن مع قدرته على الاستعلام ولو بأن يستذكر عادة المرأة الوقتية ولا يعمل بهذا الاستذكار أو مع قدرته على الاتصال بها أو الاتصال بمن يعلم بحالها بما يوجب للزوج العلم فإنه لو وقع الطلاق مع قدرته على الاستعلام لا يقع صحيحاً.

والظاهر إن الاستعلامات المتداولة في هذه الأيام مثل الهواتف ووسائل الاتصال الأخرى يعد من إمكان الاستعلام عرفاً.

وهنا تفريعات:

التفريع الأول: الزوج الحاضر الذي يتعذر أو يتعسر عليه معرفة حالة المرأة من حيث الطهر والحيض في حكم الغائب إجماعاً ونصاً ففي صحيح عبد الرحمن: (قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل تزوج امرأة سراً من أهلها وهي في منزل أهلها وأراد أن يطلقها وليس يصل إليها فيعلم طمثها إذا طمثت ولا يعلم بطهرها إذا طهرت؟ فقال (عليه السلام) هذا مثل الغائب عن أهله يطلق بالأهلة والشهور قلت ارأيت إن كان يصل إليها الأحيان والأحيان لا يصل إليها فيعلم حالها كيف يطلقها ؟ قال إذا مضى له شهر لا يصل إليها فيه يطلقها إذا نظر إلى غرة الشهر الآخر بشهود ويكتب الشهر الذي يطلقها فيه ويشهد على طلاقها رجلين فإذا مضى ثلاثة أشهر فقد بانت منه وهو خاطب من الخطاب وعليه نفقتها في تلك الثلاثة التي تعتد فيها)

ومن هذه الرواية وغيرها من الروايات يظهر عدم الموضوعية للغيبة عن الزوجة من حيث هي بل المناط كله إمكان التعرّف على حالها وعدمه وعليه يظهر إن الغائب لو فرض إمكان علمه بحالها كان كالحاضر لما علمت سابقاً من المناط ومن القدرة على الإستعلام.

  • طلاق اليائسة والصغيرة ونحوهن:

التفريع الثاني: يجوز الطلاق في الطهر الذي واقعها فيه في اليائسة والصغيرة وفي الحامل والمسترابة للإجماع في ذلك كله ، مع إن اعتبار هذا الشرط إنما هو لضبط العدة بعد وقوع الطلاق ولا للصغيرة وعدة الحامل وضع الحمل مطلقاً سواءً كان الطلاق في طهر غير المواقعة أم فيه وفي المسترابة  يعتبر مضي ثلاثة أشهر من زمان المواقعة كما بينه الفقهاء في محله فيصير قهرا  من طهر غير المواقعة هذا مع قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح إسماعيل بن جابر الجعفي: (خمس يطلقن على كل حال الحامل المتبين حملها والتي لم يدخل بها زوجها والغائب عنها زوجها والتي لم تحض والتي قد جلست عن الحيض).

والمقصود من المسترابة هي المرأة التي كانت في سن من تحيض لكنها لا ترى الحيض لخلقة أو عارض لإطلاق الإجماع وقوله (عليه السلام) في الحديث الذي مرّ آنفاً: (والتي لم تحض).

لكن يشترط فيها مضي ثلاثة أشهر من زمان المواقعة كما بيناه فإذا أراد تطليق المرأة المسترابة اعتزلها الزوج ثلاثة أشهر لم يواقعها فيه ثم طلقها فلو طلقها قبل ثلاثة أشهر من حين المواقعة لم يقع الطلاق لقاعدة فقد المشروط بفقد شرطه.

والظاهر إن هذا ما عليه الإجماع والنص، عن الصادق (عليه السلام) في مرسل العبّاد المنجبر (في المرأة يستراب بها ومثلها تحمل ومثلها لا تحمل ولا تحيض وقد واقعها زوجها كيف يطلقها إذا أراد طلاقها ؟ قال (عليه السلام) يمسك عنها ثلاثة أشهر ثم يطلقها).

وعليه يحمل صحيح الاشعري الذي ورد عن الرضا (عليه السلام): (قال سألت الرضا (عليه السلام) عن المسترابة من الحيض كيف تطلق؟ قال (عليه السلام) تطلق بالشهور) وبحمل هذه الرواية على الرواية السابقة يفهم المقصود من الشهور هنا.

التفريع الثالث: لو واقعها في حال الحيض لم يصح طلاق المرأة في الطهر الذي بعد تلك الحيضة بل لابد من إيقاعه في طهر آخر بعد حيض آخر لأن ما هو شرط في الحقيقة هو كون المرأة مستبرئة بحيضة بعد المواقعة لا مجر وقوع الطلاق في طهر غير طهر المواقعة لأن هذا هو المتيقن من الإجماع والمنساق من مجموع الأخبار التي تقدم بعضها وأصالة بقاء الزوجية جار هنا إلى إن يتحقق العلم بالفراق.

الشرط الخامس: تعيين المطلّقة بما يرفع الإبهام والإجماع لو كان متزوجاً لأكثر من زوجة بأن يقول فلانة طالق أو يشير إليها بما يرفع الإبهام والإجمال عنها.

وذلك لأنه في هذه الصورة يستصحب بقاء الزوجية حتى نعلم المطلّقة بعينها وعليه لو كانت له زوجة واحدة فقال زوجتي طالق صح الطلاق لأن تعينها الخارجي يغني عن تعيينها باللفظ أو الإشارة بخلاف ما لو كانت له زوجتان أو أكثر وقال زوجتي طالق ولم يعين اسماً ولم يشر فإنه لا يصح منه الطلاق لغرض تحقق الإجمال وهو يوجب بطلان أصل الإنشاء.

وحينئذ لا موضوع لأصل الصحة حتى يستخرج بالقرعة فما نسب إلى الشيخ (قده) بل هو ظاهر الشرائع من القول بصحة وقوع الطلاق وتستخرجه المرأة المطلقة المجملة أو المهملة بواسطة القرعة لأنها لكل أمر مشكل مما لم يستظهر.

نعم يستثنى من هذا إذا قال ( زوجتي طالق ) وكانت له أكثر من زوجة إلا إنه في نفسه نوى زوجة معينة فإنه يقع منه الطلاق ويقبل تفسيره بالزوجة التي أرادها من غير يمين.

وذلك للإطلاقات والانسباق وعدم وجود دليل على  أزيد من التعيين بالنية والقصد وإنما يقبل تفسيره من غير يمين لأنه لا يعرف إلا من قبله فيقبل توله بلا حاجة إلى اليمين كما في نظائره.

  • وأما شرائط الصيغة التي يقع بها الطلاق:

وهي أربعة:

الأول: إنشاء الطلاق بصيغة خاصة ضرورة من الفقه بل قامت عليه النصوص الكثيرة والصيغة الخاصة هي قوله (أنت طالق) أو (فلانة طالق) ويأتي باسمها أو هذه ويشير إليها وما شاكلها من الألفاظ الدالة على تعيين المطلقة لأصالة بقاء النكاح مضافاً إلى نصوص متواترة تدل على أنه إذا لم يأتي بالصيغة بهذا البيان فلا يقع الطلاق ولذا لا يقع الطلاق بقول الرجل أنت أو هي مطلقة أو بقول طلقت فلانة فضلاً عن بعض الكنايات كقوله (أنت خلية) أو (أنت برية) أو (حبلك على غاربك) أو (الحقي بأهلك) وغير ذلك من العبارات للأصل والإجماع والنصوص التي تقدم بعضها ولا خصوصية للتعيين بنحو خاص بل يحصل الطلاق بكل ما حكم العرف بثبوت التعيين به من الألفاظ والقرائن المعتبرة.

وعليه فإن الطلاق لا يقع بالكناية وإن نواه إجماعاً ونصوصاً منها ما في قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم وعن الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي: (رجل قال لامرأته أنت مني خلية وبرية أو بته أو بائن أو حرام قال (عليه السلام) ليس بشيء) ومثله غيره أيضاً.

 

  • اشتراط الصيغة العربية:

الشرط الثاني: العربية وهو المشهور وعن الشهيد (قده) في المسالك والشرائع وعن أبن إدريس (قده) أيضاً.

وذلك مضافاً إلى ما عرفته من الأدلة التي قدمت في الفصل الثاني في باب النكاح فإنه يمكن أن يستدل له بأن اللفظ العربي هو الوارد في القرآن وهو المكرر في لسان أهل الشرع فينصب الدليل عليه مضافاً إلى استصحاب حكم العقل إلى أن يثبت المزيل شرعاً واللغة غير العربية لم يثبت لنا دليل بأنها صالحة لإزالة العقد ويمكن الاستدلال له أيضاً باستمرار سيرة المتشرعة في البلاد بعدم الاعتناء بغير العربية بل وعدم الاعتناء بالعربية الملحنة أيضاً حتى ولو تغيرت اللهجة أو قالها بالعامية لا بالفصحى حيث إنهم يرون لزوم العربية الصحيحة ولا يمكن أن يكون المنشأ لهذه السيرة إلا الاستمرار من زمانهم (عليهم السلام) ولو جاز غير العربية لكان مثل إجرائهم العقد بعد الإلتزام بالعربية الصحيحة وهكذا حال النكاح ومنه يعلم وجه النظر فيما عن الشيخ (قده) في النهاية وجماعة من الفقهاء من الاجتزاء بقول الزوج (أنت طالق) من اللغات وإن قدر على العربية حيث استدلوا لذلك بأن المقصود بالذات هو المعاني والألفاظ وضعت للدلالة على المعاني وهو حاصل بأية لغة اتفق هذا بالإضافة إلى خبر وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) عن علي (عليه السلام): (قال كل طلاق بكل لسان فهو طلاق).

إلا إن الظاهر إن هذه الأدلة التي ذكرت للقائلين بالجواز بغير العربية محل نظر لأن التي ذكرها من إن المقصود بالذات هو المعاني هذه العلة تجري حتى في مثل الصلاة وألفاظ تلبية الإحرام والقرآن والدعاء الوارد وغيرها مع إنهم لا يقولون بها في أنه تجوز الصلاة بأي لغة كانت مع إن العلة واحدة والعلة تعمم الحكم.

وأما الخبر الذي استندوا إليه ففي سنده وهب بن وهب وهو من أكذب البرية كما صرح به علماء الرجال فلا يمكن الاعتماد على خبره إضافة إلى إن أعراض الأصحاب عنه يكفي في إسقاطه عن الاعتبار.

نعم لو أردنا أن نأخذ به فنحمله على صورة العجز عن العربية وعدم التمكن من التوكيل فحينئذ لا يقع الطلاق بما يرادف الصيغة المزبورة من غير العربية مع القدرة على إيقاعه باللغة العربية.

ولكن لو عجز عن العربية يجزي إيقاع الطلاق بما يراد منها من أية لغة كانت حينئذ لظهور الإجماع على الجواز وما ورد من الأدلة في طلاق الأخرس ولانصراف ظاهر النصوص المانعة عن صورة العجز والا  كان تكليفاً بغير المقدور.

  • هل يقع الطلاق بالإشارة والكتابة:

الشرط الثالث: النطق بصيغة الطلاق المتقدمة فلا يقع بالإشارة والكتابة مع القدرة على النطق للأصل والإجماع وما تقدم من ظواهر الأدلة وفي صحيح زرارة : (قال سألته عن رجل كتب إلى امرأته بطلاقها أو كتب بعتق مملوكه ولم ينطق به لسانه؟ قال ليس بشيء حتى ينطق به).

وفي صحيح زرارة أيضاً: (قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) رجل كتب بطلاق امرأته أو بعتق غلامه ثم بدا له فمحاه قال ليس ذلك بطلاق ولا عتاق حتى يتكلم به).

وما دل على وقوع الطلاق بالكتابة مثل صحيح الثمالي: (قال سألت جعفر (عليه السلام) عن رجل قال لرجل أكتب يا فلان إلى امرأتي بطلاقها أو أكتب إلى عبدي بعتقه يكون ذلك طلاقاً أو عتقاً؟ قال: لا يكون طلاقاً ولا عتقاً حتى ينطلق به لسانه أو يخطه بيده وهو يريد الطلاق أو العتق ويكون ذلك منه بالأهلة والشهود غائباً عن أهله).

هذا الخبر الذي يظهر منه كفاية الكتابة محمول على صورة الغيبة وعدم القدرة على الاسماع أو مطروح لذهاب المشهور إلى خلافه بل ربما الإجماع على خلافه.

  • طلاق الأخرس:

وعليه فإنه إذا عجز عن النطق كما في الاخرس يصح منه إيقاعه بالإشارة والكتابة إجماعاً ونصوصاً منها قول أبي عبد الله (عليه السلام) في رواية السكوني: (طلاق الأخرس أن يأخذ مقنعتها ويضعها على رأسها ثم يعتزلها).

ومنها قول أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في صحيح ابن أبي نصر: (في الرجل تكون عنده المرأة فيصمت ولا يتكلم قال اخرس؟ قلت نعم قال يعلم منه بغضه لامرأته و كراهته لها قلت نعم أيجوز أن يطلق عنه وليه قال (عليه السلام) لا ولكن يكتب ويشهد على ذلك قلت أصلحك الله تعالى لا يكتب ولا يسمع كيف يطلقها؟ قال (عليه السلام) بالذي يعرف من فعله مثلما ذكرت من كراهيته لها وبغضه لها) فيتحصل منه إن مادامت القدرة على النطق موجودة لا يقع الطلاق بغير النطق وأما الكتابة والإشارة وما أشبه ذلك فلا يقع بها إلا في صورة العجز عن النطق.

وكيف كان فإنه لو كان أخرساً أو عاجزاً عن النطق فيكفي فيه الكتابة والإشارة لكن الأحوط تقديم الكتابة لمن يعرفها على الإشارة ويظهر وجه الاحتياط فيها من النص المتقدم عن الرضا (عليه السلام) مضافاً إلى إن دلالة الكتابة قد تكون أقوى من دلالة الإشارة.

  • الصيغة الملحونة:

وهنا تفريعات:

الأول: لو أوقع صيغة الطلاق ملحونة مادة أو هيئة يقع الطلاق وإن كان الأحوط خلافه جموداً على صيغة طالق المذكورة فيما مرّ من الأخبار.

  • وكالة الزوجة في التطليق:

الثاني: يجوز للزوج أن يوكل غيره في تطليق امرأته بنفسه بالمباشرة أو بتوكيل غيره سواء كان الزوج غائباً أو حاضراً بل وكذا بإمكانه أن يوكل نفس الزوجة بتطليق نفسها بنفسها أو بتوكيل غيرها كل ذلك للإجماع وإطلاق أدلة الوكالة.

وهل يجوز توكيل نفسها في تطليق نفسها متى شاءت دون شرط وقيد؟ مقتضى الإطلاق الجواز لو لم يرجع ذلك إلى جعل أصل الطلاق إليها وهو غير مشروع لأدلة (إن الطلاق بيد من أخذ بالساق).

و الأحوط ترك ذلك مطلقاً.

  • تنجيز الطلاق:

الشرط الرابع: التنجيز لظهور الاتفاق وظهور الأدلة الواردة في الطلاق والمراد من التنجيز هو وقوع الطلاق سواء كان الشرط مما يحتمل وقوعه كما إذا قال لها (أنت طالق إذا جاء أبوك من الحج) أو مما يتيقن حصوله كما إذا قال لها (أنت طالق إذا طلعت الشمس) لإطلاق أدلتهم الشامل لذلك أيضاً لكن لا يبعد جواز تعليق الطلاق بما يكون معلقاً عليه في الواقع لأن هذا ليس بشرط كما إذا قال: (إن كانت فلانة زوجتي فهي طالق) سواءً كان عالماً بأنها زوجته أم جاهلاً.

وذلك لأن الإنشاء معلق عليه في حاق الواقع والتعليق اللفظي لا يفيد في الواقع إلا توضيحاً وبياناً.

وكيف كان فإنه مع الشك في التعليق المبطل ففيه احتمالان:

الاحتمال الأول: أن نقول بالصحة تمسكاً بأصالة الصحة بكونه حينئذ من الرجوع إلى الدليل في الموضوع المشكوك.

الاحتمال الثاني: عدم الصحة لاستصحاب بقاء الزوجية.

  • في بطلان الطلاق الثلاثي:

وهنا تفريعات:

الأول: لو كرر صيغة الطلاق ثلاثاً في مجلس واحد فقال هي طالق ثلاث مرات بدون تخلل رجعة في البين قاصداً لعدد الطلاق تقع طلقة واحدة ولغت الطلقتان الأخريان.

أما وقوع الواحدة فبالإجماع وبالنصوص الكثيرة التي منها قول الصادق (عليه السلام) في صحيح زرارة : (في رجل طلق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد وهي طاهرة قال هي واحدة) إلى غير ذلك من الروايات وتقتضيه القاعدة أيضاً لوجود المقتضى وفقدان المانع بالنسبة إلى صحة الواحدة فتشملها الإطلاقات والعمومات.

وأما بطلان الطلقتين الأخريين فبضرورة المذهب وبنصوص كثيرة أيضاً وردت في هذا الشأن.

ولو قال: (هي طالق ثلاثاً) لم تقع الثلاث قطعاً لضرورة المذهب ونصوصه وهل تقع طلقة واحدة كالصورة السابقة أو يبطل الطلاق ولغت الصيغة بالمرة؟

قولان:

أقواهما الثاني لأصالة بقاء علقة النكاح بعد تعارض الأدلة وظهور كون لفظ (ثلاثاً) قيداً لنفس الطلاق فيكون من قبيل وحدة المطلوب وهو من مختصات غيرنا ومما جاءوا به في الطلاق بلا دليل معتبر.

وكيف كان فقد نسب إلى المشهور وقوع الطلاق الواحد وبطلان الزائد ويمكن تطبيقه على ما نحن فيه من حجة إن ذكر العدد كان من باب تعدد المطلوب فإذا بطل العدد لم يوجب بطلان الطلاق فيقع الطلاق مرة واحدة ويبطل العدد ، لكن ظاهر العنوان عند الخاصة والعامة في مثل قوله هي (طالق ثلاثاً) من باب وحدة المطلوب وهوة المنساق من الأخبار الخاصة فيدل على البطلان.

وإن كان الأشهر هو الأول ولكن عند العامة وقوع الطلاق ثلاثاً في الصورتين بلا فرق ظاهر بينهم وبين ما إذا كان المقصود وحدة المطلوب أو تعدد المطلوب لظهور إطلاق دليلهم وكلماتهم في ذلك ولذا قالوا: (إذا قال طالق ثلاثاً) أو (أنت طالق ثلاثاً) يقولون تبين منه زوجته وتحرم عليه حتى تنكح زوجاً غيره لأن ذلك من آثار الطلاق الثلاث وهو واقع بالعدد.

وهنا بعض التفصيلات الهامة فيما يرتبط باختلاف المذهب بين الخاصة والعامة.

    نذكرها بإيجاز: