المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 022.doc

هذا وربما يمكن الجمع بين القولين بأن نقول: بأن المقصود من العجز عن التكسب هو العجز بالفعل بسبب عدم القدرة التكوينية كالمقعد والمريض ونحو ذلكأو بسبب الموانع الخارجية كعدم وجود فرص للعمل مع بذل همته في ذلك أو كالجهل بالعمل أو عدم وجود خبروية إذا أراد التعلم أو كان في ذلك موانع خاصة تمنع من العمل فأن في هذه الصورة تشمله أدلة وجوب النفقة.

وإما من يترك العمل مع قدرته على ذلك طلباً للراحة أو إهمالا للمسؤولية أو تخلياً عن الالتزامات الاجتماعية والشخصية فمقتضى القاعدة عدم شمول أدلة النفقة له.

لعل من هنا قال جمع من الفقهاء بأن الولد والبنت إذا قدرا على تعلم الصنعة كالبنت إذا تعلمت الخياطة الكافية لمعيشتها والابن إذا كان قادراً على تعلم الكتابة أو الصياغة أو التجارة أو السياقة الكافية لنفقته ولكنهما تركا التعلم ولكن كان الترك لا لأجل الإهمال والكسل أو التفريط ولكن لأن التعلم يحتاج إلى زمن وفي أثنائه يحتاج إلى نفقة أو كانت فرص العمل غير متهيأة أو غير متوفرة فمقتضى القاعدة أن أدلة وجوب الأنفاق تشمله لصدق أنه غير قادر على النفقة وهو محتاج إليها عرفاً وإن كان لم يصدق الاحتياج بالنسبة إليه دقة وعقلاً.

إلا أن المناط في هذه الموارد هو الفهم العرفي لا الدقة العقلية.

وكذا لو أمكنه التكسب بما يشق عليه تحمله كحمل الأثقال المجهدة أو لا يناسب شأنه كبعض الأشغال لبعض الأشخاص ولم يكتسب لأجل ذلك فأنه يجب على الوالد حينئذٍ الأنفاق عليه أو على الأقارب لأن قدرته على ما لا يليق بشأنه كالعدم شرعاً وعرفاً فيكون بحكم غير القادر على الإنفاق على نفسه حينئذٍ فيجب على أقربائه خصوصاً الوالد إذا كان موجوداً أو الأم الإنفاق عليه.

وإما أن كان قادراً ويتمكن أن يحصل على عمل يناسب حاله وشأنه كالقوي القادر على حمل الأثقال والوضيع اللائق بشأنه بعض الأشغال ومن كان كسوباً وله بعض الأشغال والصنائع الخبروية في ذلك لكنه ترك العمل طلباً للراحة فالظاهر عدم وجوب الأنفاق عليه حينئذٍ لفرض تحقق قدرته على نفقة نفسه موضوعاً وفقره نشأ من إهماله فيتوجه اللوم إليه عرفاً مما يكشف عن الفهم العرفي في أن وجوب النفقة منصرفة عن مثله.

نعم لو فات عنه زمان اكتسابه بحيث صار محتاجاً فعلاً بالنسبة إلى يوم أو أيام كالصياد في أيام المنع من الصيد ، والسائق في أيام منع التجوال أو ظروف الحرب المانعة من العمل فأنه غير قادر على تحصيل نفقته وجب الإنفاق عليه حينئذٍ لصدق الاحتياج الفعلي من غير إقتدار على رفعه عرفاً .

وجوب الإنفاق على طلبة العلم والجنود ونحوهم

فإن كان ذلك العجز قد حصل باختياره كما أنه لو ترك التشاغل بالاكتساب لا لطلب الراحة بل لاشتغاله بأمر دنيوي أو ديني هو أهم من العمل عرفاً وشرعاً كطلب العلم الواجب لم يسقط بذلك التكليف بوجوب الإنفاق عليه لأنه محتاج فعلي من دون توجه مذمة وملامة بالنسبة إليه لا عرفاً ولا شرعاً وهذا كما يشمل طلبة العلم يشمل أيضاً الجندي في المعركة الذي يحمي حمى الوطن أو الرجال الذين يحرسون الأموال والأعراض.

هل أمثال الزواج يسقط وجوب النفقة ؟

المسألة الثانية: إذا أمكن للمرآة التزويج بمن يليق بها ويقوم بنفقها دائماً ومنقطعاً فهل تكون بحكم القادر فلا يجب على أبيها أو ابنها الأنفاق عليها أولاً ؟.

وجهان في المسألة:.

أوجهما الثاني لخروج مثل هذا القسم عن الأدلة عرفاً وشرعاً بالانصراف فيرجع في مثله إلى عمومات الإنفاق مع صدق الموضوع عرفاً بأنها محتاجة ومستحقة للنفقة.

في مستحقي النفقة

المسألة الثالثة: أنه لا فرق في مستحق النفقة بين أن يكون ولداً صغيراً أو ولداً كبيراً فأن الملاك والمدار هو الحاجة إلى النفقة والمدار على الاستحقاق كما بيناه.

نفقة المرآة الناشز أو المطلقة على أهلها

ومنه يظهر أن المرأة وإن تزوجت إلا أن الزوج لو كان عاجزاً عن الإنفاق عليها مما يسبب ذلك عدم تمكنها من إدارة شؤونها ولو بالاستدانة أو الرد من مال الزوج أو كانت الزوجة ناشزة لا نفقة لها على الزوج أو ما أشبه ذلك فالظاهر وجوب نفقتها على الأبوين لإطلاق الأدلة التي لم يخرج عنها إلا صورة حصولها على النفقة من الزوج فغير هذه الصورة تكون مشمولة لإطلاقات الأدلة وبذلك يظهر أيضاً شمول أدلة وجوب النفقة بالنسبة إلى الطلبة وبالنسبة إلى الجنود وغيرها من الأولاد ذكوراً وإناثاً والمقصود من النفقة ما يكفيه لأكله وشربه وسكنه ولباسه بالمتعارف حسب الشأن والمقتضيات العرفية و يشمل ذلك حتى الدواء والمعالجة من المرض على ما بيناه سابقاً فلا نعيد.

في آداب الأولاد وطلبهم

المبحث الخامس: في بعض الآداب والمستحبات المتعلقة بالأولاد وفيه موضوعات ثلاثة:.

الموضوع الأول: في استحباب الاستيلاد وتكثير الأولاد فقد وردت الروايات الشريفة باستحباب ذلك فعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (إن فلاناً قال أني كنت زاهداً في الولد حتى وقفت بعرفة وإذا إلى جنبي غلام شاب يدعو ويبكي ويقول يارب والدي والدي فرغبني في الولد حين سمعت ذلك).

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (لما لقي يوسف أباه قال كيف استطعت أن تتزوج بعدي ؟ فقال أن أبي أمرني قال إن استطعت أن تكون لك ذرية تثقل الأرض بالتسبيح فافعل).

وعن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقرأ وأني خفت الموالي من ورائي يعني لم يكن له وارث حتى وهب الله بعد الكبر).

وبالإسناد أيضاً قال (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من نعمة الله على الرجل أن يشبهه ولده).

والمراد من الشبه هنا خلقاً وخلقاً لأن ذلك من أكثر الأشياء لذة فإن الإنسان يحب امتداد نفسه في الدنيا.

وعن سدير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال (من سعادة الرجل أن يكون له الولد يعرف فيه شبهه وخلقه وخلقه وشمائله).

والمراد من الشمائل طور الحركة والإشارة والحركات والسكنات ونحو ذلك.

وعن أبن مسكان عن بعض أصحابه قال (قال علي بن الحسين (عليهما السلام) من سعادة الرجل أن يكون له ولد يستعين بهم).

وعن محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال (قال أبو الحسن (عليه السلام) أن الله إذا أراد بعبد خيراً لم يمته حتى يريه الخلف).

استحباب أكرام الولد وحبه

ومن مستحبات هذا الموضوع استحباب أكرام الولد الصالح وحبه فعن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الولد الصالح ريحانة من الله قسمها بين عباده وإن ريحانتي من الدنيا الحسن والحسين (عليهما السلام) أسميتهما باسم سبطين من بني إسرائيل شبراً وشبيراً).

وكأن الريحان كما يوجب جلاء العين وترطيب الدماغ واستبشار النفس كذلك الولد وشبّر وشبير على وزن حسن وحسين (عليهما السلام) أسم أبني هارون وصي موسى (عليه السلام) وهما في اللغة العربية بمعناها في اللغة العبرية وبالإسناد نفسه قال (الولد الصالح ريحانة من رياض الجنة).

ومن الواضح أن الدنيا والآخرة وحدة واحدة كما أن ريحانة الجنة لها المزايا والخواص النافعة وكذلك الولد الصالح في الدنيا على تفصيل لا يسعنا ذكره هنا.

وعن أحمد بن خالد عن أبيه مرسلاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (من سعادة الرجل الولد الصالح).

وعن أبن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (أن الله ليرحم الرجل لشدة حبه لولده).

ومن هنا ورد أيضاً استحباب طلب الولد مطلقاً فعن بدر بن صالح قال كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) (أني اجتنبت طلب الولد منذ خمس سنين وذلك أن أهلي كرهت ذلك وقالت أنه يشتد علي تربيتهم لقلة الشيء فما ترى ؟ فكتب إليه أطلب الولد فأن الله يرزقهم).

ولا يخفى أن قوله (عليه السلام) (فأن الله يرزقهم) لما كان في الإسلام كل شيء حراً إلا المحرمات فالتجارة والزراعة والصناعة واكتساب المباحات والسفر والبناء وغيرها هذه كلها كانت حرة كما إن الأرض لله ولمن عمرها ولذا يحدثنا التاريخ أنه قل ما يجد فقيراً في دولة الإسلام الحقة لتوفر الفرص ومجالات العمل والرزق نعم إلا إذا كان بسبب نفس الإنسان وتكاسله أو عدم تمكنه من العمل لعمى أو مرض أو نحو ذلك ثم أن بيت المال والحقوق الشرعية وما أشبه ذلك كان مما يسد حاجة الناس، إذ يوزع عليهم بحسب الحقوق والمقتضيات فمن لم يتمكن من العمل كان يعطى من بيت المال بالإضافة إلى أنه كانت تحفز الناس المبادئ الروحية والأخلاقية أكثر هي الآن فتشيع الرضا والقناعة في الناس باعتبارها من الفضائل الأخلاقية التي يشجع عليها الدين ولذا كان رزق الله سبحانه وتعالى شيئاً موافقاً للسنن الكونية والأسباب والمسببات المجعولة في هذا العالم إلا أنه حيث انتشرت الثقافة الغربية والمناهج المنحرفة وانتشر الجهل وأخذ الناس يستبعدون قوانين الله سبحانه وتعالى بسبب العوامل السياسية أو الإقتصادية أو الثقافية تحت ألف أسم وأسم تسبب الضيق على الناس حتى صار الناس فقراء ومن الواضح أنه كيف يأتي الإنسان الرزق وكل الأبواب إلا النادرة موصدة أمامه وقد قال سبحانه وتعالى ((ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)).

والكلام في هذا طويل لا يسعنا تفصيله.

 

استحباب طلب البنات وإكرامهن

ومن مستحبات الأولاد طلب البنات وإكرامهن فعن محمد الواسطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال إن إبراهيم (عليه السلام) سأل ربه أن يرزقه بنتاً تبكيه وتندبه بعد موته).

والظاهر أن هذا في قبال بعض الناس الذين يكرهون البنت على العادة الجاهلية ولعل قصده (عليه السلام) أن البنت تنفع حتى بعد الموت مما لا يأتي من الولد لا أن الطلب كان لأجل غاية البكاء بعد الموت فقط وإنما من باب أظهار خصوصية البنت.

وعن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)أبا بنات وهن فاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم (عليه السلام)).

وعن عمرو بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة فقيل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) واثنتين قال : واثنتين قيل له وواحدة فقال: وواحدة).

والظاهر أن النبي (صلى الله عليه وآله) ذكر أولاً من يكون مستحقاً للجنة بطريق أولى ثم تنزل إلى المستحق الأقل استحقاقاً منه كما هو قاعدة البلغاء.

في تدرج الكلام...

وعن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) نعم الولد البنات ملطفات مجهزات مؤنسات مباركات مفليات).

والمراد من ذلك يلطفن أجواء الدار بما يدخل السرور على أهل البيت ويجهزن أثاث البيت بمختلف أنحاء الخدمة وفيهن البركة بمعنى الثواب والبنات والدوام والخير والإفلاء أي الفحص عن الدواب في الثوب والرأس والمنزل وما أشبه ذلك، فلا يقال أن هذا بسبب انتشار ثقافة النظافة والتنظيف لم يعد موجوداً لأنه يقال أن أكثر أهل العالم يعيشون في حالة بؤس وفقر وبيئات ملوثة خصوصاً في القرى والأرياف فأنها موجودة الآن أيضاً وإن انتشرت ثقافة النظافة وما أشبه ذلك.

وعن محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال (قال الصادق (عليه السلام) من عال أبنتين أو أختين أو عمتين أو خالتين حجبتاه من النار).

يكره كراهة البنات

ويكره للإنسان كراهة البنات فعن إبراهيم الكوفي عن ثقة حدثه من أصحابنا (قال تزوجت بالمدينة فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام) كيف رأيت ؟ ما رأي رجل من خير بامرأة إلا وقد رأيته فيها ولكن خالتني فقال وما هو ؟ قلت ولدت جارية فقال لعلك كرهتها أن الله عز وجل يقول (آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً).

وعن الجارود بن المنذر قال (قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) بلغني أنه ولد لك ابنة فتسخط لها ما عليك فهي ريحانة تشمها وقد كفيت رزقها وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا بنات).

وعن الحسين بن سعيد اللحمي (قال ولد لرجل من أصحابنا جارية فدخل على أبي عبد الله (عليه السلام) فرآه متسخطاً فقال له (عليه السلام) أرأيت أن الله لو أوصى إليك أن أختار لك أو تختار بنفسك ما كنت تقول ؟ قال كنت أقول: يارب تختار لي قال فأن الله عز وجل قد أختار لك ثم قال أن الغلام الذي قتله العالم الذي كان مع موسى (عليه السلام) وهو قول الله عز وجل (فأردنا أن يبدلها ربها خيراً منه زكاة وأقرب رحما) أبدلهما الله عز وجل به جارية ولدت سبعين نبياً).

والظاهر أن المقصود هنا إن الجارية ولدت هذا العدد بالوسائط أي هي وذريتها لا هي بنفسها ولدت سبعين نبياً.

وعن محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال (بشر النبي (صلى الله عليه وآله) بابنة فنظر إلى وجوه أصحابه فرأى الكراهة فيهم فقال مالكم ريحانة أشمها ورزقها على الله عز وجل).

وكان صلى الله عليه وألهِ وسلم (أبا بنات).

وعن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (البنات حسنات والبنون نعمة والحسنات يثاب عليها والنعمة يسأل عنها).

لعل الكلام في البنات هنا ذكر على وجه التقريب وتحبيب البنت و إلا فلا الذرية الأولاد والبنات نعمة من الله سبحانه وتعالى كما قال عز وجل ((يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ)).

ولذا لا ينبغي تمني موت البنات بل ينبغي زيادة الرقة عليهن فعن عمر بن يزيد أنه قال لأبي عبد الله (عليه السلام) (أن لي بنات قال لعلك تتمنى موتهن، إما أنك تمنيت موتهن ومتن لم تؤجر يوم القيامة ولقيت ربك حين تلقاه وأنت عاص).

وعن سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن الله تبارك وتعالى على الإناث أرق منه على الذكور وما من رجل يدخل على امرأة فرحة - بينه وبينها حرمة - إلا فرّحه الله يوم القيامة).

ولا يخفى أن المقصود من قوله (عليه السلام) (الله أرق منه) من باب خذ الغايات وأترك المبادئ كما بيناه سابقاً وقال (قال الصادق (عليه السلام) إذا أصاب الرجل ابنة بعث الله إليها ملكاً فأمرّ جناحه على رأسها وصدرها وقال ضعيفة خلقت من ضعف من ينفق عليها معان).

ولعل المقصود من ضعيفة من جهة الجسد والبدن أو من جهة العقل حيث أنها خلقت عاطفية كما أن الرجل ضعيف من جهة العاطفة، وهنا ليس من النقص وإنما لإظهار المزية والخصوصية كما إن قوله (خلقت من ضعف) أي أن بناءها كان كذلك من ناحية البنية الجسدية ومن ناحية عدم قدرتها على تحمل الصعوبات والمشاق التي ترتبط بالعواطف.

 

استحباب الدعاء لطلب الولد

ويستحب أيضاً الدعاء في طلب الولد بالمأثور فعن أبي عبيد قال (قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا أبطأ على أحدكم الولد فليقل (اللهم لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين وحيداً موحشاً فيقصر شكري عن تفكري بل اجعل عاقبة صدق ذكوراً وإناثاً آنس بهم من الوحشة وأسكن إليهم من الوحدة وأشكرك عند تمام النعمة يا وهاب يا عظيم يا معظم ثم أعطني في كل عافية شكراً حتى تبلغني منها رضوانك في صدق الحديث وأداء الأمانة ووفاء العهد).

ولعل المقصود من قوله عن تفكري _ أي أن وقتي يصرف في التفكر والاضطراب _ مما يسبب قصر الشكر حيث لا تجد النفس وقتاً كافياً للشكر ويحتمل غير ذلك أيضاً من المعاني بما لا يسعنا بيانها هنا وعن الحارث النظري (أني من أهل بيت قد انقرضوا وليس لي ولد قال أدع وأنت ساجد (ربّ هب لي من لدنك ولياً رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين) قال ففعلت فولد لي علي والحسين) وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال (إذا أردت الجماع فقل (اللهم أرزقني ولداً وأجعله تقياً ليس في خلقه زيادة ولا نقصان وأجعل عاقبته إلى خير)).

وعن محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال (قال علي بن الحسين لبعض أصحابه قل في طلب الولد (رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين وأجعل لي لدنك ولياً يرثني في حياتي ويستغفر لي بعد موتي وأجعل لي منه خلفاً سوياً ولا تجعل للشيطان فيه نصيباً اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك أنك أنت الغفور الرحيم) يقول ذلك سبعين مرة فأنه من أكثر من هذا القول رزقه الله ما تمنى من مال وولد ومن خير في الدنيا والآخرة فأنه يقول ((اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً، يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً)).

ومن الواضح أن الاستغفار بالإضافة إلى أنه سبب غيبي يؤثر في زيادة الرزق والولد فأنه سبب خارجي أيضاً إذ الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى بالتوبة والمغفرة يلازم الأخذ بقوانينه والأخذ بقوانين الله تبارك وتعالى يسبب خير الدنيا من المال والولد وغيرها لأن الأخذ بقوانين الله توازن مع قوانين الكون في الخيرات والبركات.

ومن المستحبات الصلاة والدعاء والاستغفار لمن أراد أن يقبل له فعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (من أراد أن يغفر له فليصل ركعتين بعد الجمعة يطيل فيها الركوع السجود ثم يقول اللهم إني أسألك بما سألك به زكريا يارب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين اللهم هب لي ذرية طيبة أنك سميع الدعاء اللهم باسمك استحللتها وبأمانتك أخذتها فأن قضيت في رحمها ولداً فأجعله مباركاً ولا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً).

وعن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث (أنه علّم حاجب هشام بن عبد الملك وكان لا يولد له فقال له كل يوم إذا أصحبت وأمسيت (سبحانه الله سبعين مرة وتستغفر الله عشر مرات وتسبح تسع مرات وتختم العاشرة بالاستغفار) يقول الله عز وجل ((وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ)) إلى آخر الآية   الشريفة فقالها الحاجب فرزق ذرية كثيرة وكان بعد ذلك يصل أبا عبد الله).

وعن الحسن الطبرسي في مكارم الأخلاق عن الحسن بن علي (عليهما السلام) (أنه وفد على معاوية فلما خرج تبعه بعض حجّابه فقال: إني رجل ذو مال ولا يولد لي فعلّمني شيئاً لعل الله أن يرزقني ولداً فقال (عليه السلام) (عليك بالاستغفار) فكان يكثر من الاستغفار حتى ربما استغفر في اليوم سبعمائة   مرة فولد له عشرة بنين فبلغ ذلك معاوية فقال له هلاً سألته مم قال ذلك ؟ فعاد إليه فسأله الرجل فقال الم تسمع قول الله عز وجل في قصة هود ((وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ)) وفي قصة نوح ((وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ)).

والروايات في هذا المجال متظافرة.

استحباب رفع الصوت بالآذان طلباً للولد

ويستحب أيضاً في طلب الولد رفع الصوت بالآذان في المنزل فعن هشام بن إبراهيم (أنه شكا إلى أبي الحسن (عليه السلام) سقمه وأنه لا يولد له فأمره أن يرفع صوته بالآذان في منزله قال ففعلت فأذهب الله عني سقمي وكثر ولدي).

وكأن هذا من باب السبب الغيبي وربما أن له تأثيراً واقعياً لأن الآذان ورفع الصوت به يوجب التلقي واطمئنان النفس وإذا اطمأنت النفس ظهرت منها الآثار أيضاً وربما لغير ذلك مما علمه مودع عند أهله.

بعض مستحبات الجماع

ويستحب عند الجماع لطلب الولد بعض الأدعية والآيات في هذا المجال فعن  أبي جميلة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (قال له رجل لم أرزق ولداً فقال إذا رجعت إلى بلادك وأردت أن تأتي أهلك فأقرأ إذا أردت ذلك ((وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)) إلى ثلاث آيات فأنك سترزق ولداً إن شاء الله).

ولعل الظاهر من الآيات قوله سبحانه وتعالى ((وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ)).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (دخل رجل عليه فقال يا أبن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولد لي ثماني بنات رأس على رأس ولم أر قط ذكراً ؟ فقال: الصادق (عليه السلام) إذا أردت المواقعة وقعدت مقعد الرجل من المرأة فضع يدك اليمنى على يمين صرة المرأة وأقرأ ((إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)) سبع مرات ثم واقع أهلك فأنك ترى ما تحب وإذا تبين الحمل فمتى ما انقلبت من الليل فضع يدك يمنة سرتها وأقرأ ((إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)) سبع مرات قال الرجل ففعلت فولد لي سبع ذكوراً رأساً على رأس وقد فعل ذلك غير واحد فرزقوا ذكوراً).

والمقصود من قوله (رأساً على رأس) أي بطناً بعد بطن.

ولا يخفى أن هذه الآيات والأدعية إنما من باب المقتضيات التي تحتاج إلى ارتفاع الموانع حتى يظهر أثرها وليست من قبيل العلك التامة التي لا ينفك عنها أثرها.

في بعض أحكام البنات

الموضوع الثاني: في بعض أحكام البنات.

ومن هذه الأحكام وجوب القناع على المرأة بعد البلوغ فعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال.

(لا يصلح للجارية إذا حاضت إلا أن تختمر) والروايات في هذا المعنى متظافرة وقد تقدم منا استحباب تعليم الأولاد قبل بلوغهم على الأحكام الشرعية ومنها لبس الخمار على البنت.

 

في مدة تقبيل البنت وحملها

ثم أن هناك حداً للبنت يجوز فيه للرجل حملها وتقبيلها بغير شهوة وهناك حد للغلام الذي يجوز أن يقبل المرأة فعن أبي أحمد الكاهلي وأظنني قد حضرته قال (سألته عن جارية ليس بيني وبينها محرم تغشاني فأحملها وأقبلها قال إذا أتى عليها ست سنين فلا تضعها على جحرك).

ولا يخفى أن قوله ست سنين من باب المثال وإنما المعيار الإثارة ولذا فالظاهر أن السن لا يختص بالستة لأن الفتيات يختلفن من حيث الرشد الجسمي وغيره نعم لعل السن الغالب في الرشد والتمييز هو السادسة.

وكذلك الكلام بالنسبة إلى الغلام وعن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (إذا بلغت الجارية الحرة ست سنين فلا ينبغي لك أن تقبلها) وعن هارون بن مسلم عن بعض رجاله عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام).

(أن بعض بني هاشم دعاه مع بعض جماعة من أهله فآتى بصبية له فأدناها أهل المجلس جميعاً إليهم فلما دنت منه سأل عن سنها فقيل له خمس فنحاها عنه) وعن غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام) قال (علي (عليه السلام) مباشرة المرأة أبنتها إذا بلغت ست سنين شعبة من الزنا).

ولعل المقصود من المباشرة هنا بشهوة وإلا فقد جرت العادة أن تباشر المرأة أبنتها في الحمام بلا ريبة وتلذذ. .

وعن زكريا المؤمن رفعه أنه قال (قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا بلغت الجارية ست سنين فلا يقبلها الغلام والغلام لا يقبل المرأة إذا جاز سبع سنين).

متى يجب أن يفرق بين الأولاد في المنام ؟

ويتفرع على هذا: الحد الذي يؤمر فيه الصبيان بالصلاة والحد الذي يفرق بينهم في المضاجع فعن أحمد بن أبي نصر عن الرضا (عليه السلام) قال (يؤخذ الغلام بالصلاة وهو أبن سبع سنين ولا تغطي المرأة منه شعرها حتى يحتلم).

وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الصبي والصبي، والصبي والصبية والصبية والصبية يفرق بينهم في المضاجع لعشر سنين).

قال وروي (أنه يفرق بين الصبيان في المضاجع لست سنين) والظاهر أن المدة المذكورة لأجل خوف الأهل من الفساد وما أشبه ذلك وهو المعيار في هذه المسائل والمذكورات من السنوات فهي من باب المصاديق وعن ميمون بن عبد الله القداح عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)  عن آبائه (عليهم السلام) قال (يفرق  بين الصبيان والنساء في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين).

وعن أبن القداح أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (يفرق بين الغلمان وبين النساء في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (أنا نأمر الصبيان أن يجمعوا بين الصلاتين الأولى والعصر وبين المغرب والعشاء الآخرة ماداموا على وضوء قبل أن يشتغلوا).

في آداب التربية وسننها

الموضوع الثالث: في بعض آداب التربية وحقوق الأولاد وفيه مسائل

 فترة تأديب الصبي

المسألة الأولى: في أوقات تأديب الصبي وكيفية التعامل معه عن يونس عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (دع أبنك يلعب سبع سنين والزمه نفسك سبع سنين فأن أفلح وألا فإنه لا خير فيه).

ولعل المقصود من قوله (عليه السلام) (لا خير فيه) على سبيل الاقتضاء لا العلة التامة والقضية صدرت وقتية لا مطلقاً والاختلاف بالروايات لاختلاف الاقتضاءات أو الأوقات أو اختلاف الأمزجة في الأولاد.

وعن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (أمهل صبيك حتى يأتي له ست سنين ثم ضمه إليك سبع سنين فأدبه بأدبك فأن قبل وصلح و إلا فخل عنه).

وعن يعقوب أبن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (الغلام يلعب سبع سنين ويتعلم الكتابة سبع سنين ويتعلم الحلال والحرام سبع سنين).

ما يجب تعليمه للأولاد

وعن يعقوب أبن سالم وفيه قال (قال أمير المؤمنين (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) علموا أولادكم السباحة والرماية).

ولعل المقصود من السباحة والرماية من باب المثال و إلا فأن اللازم تعليم الأولاد ما يسبب لهم حياة كريمة ويشمله إطلاق الأدب فعن الفضل بن أبي قرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قبل ولده كتب الله له حسنة ومن فرّجه فرج إليه يوم القيامة ومن علمه القرآن دعي بالأبوين فكسيا حليتين تضيء من نورها وجوه أهل الجنة).

وعن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قال (لئن يؤدب أحدكم ولده خير له من أن يتصدق بنصف صاع كل يوم) وعن (صلى الله عليه وآله) (أنه قال أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم يغفر لكم).

 في استحباب تعليم الأولاد الحديث

المسألة الثانية: في استحباب تعليم الأولاد في صغرهم الحديث فعن جميل بن دراج وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (بادروا لحداثكم بالحديث قبل أن تسبقكم إليهم المرجئة).

ولعل المقصود من الأحداث هنا الأولاد الصغار كما أن المقصود من المرجئة هم الذين كانوا يقولون أن كل شيء بقدر الله لا باختيار الإنسان وهذه طائفة انحرفت عن موازين الكتاب والسنة وذكرها في باب المثال لأنهم كانوا في زمن ورود الرواية وإلا فمثل هذه الرواية نشمل حتى   زماننا هذا ولعل تخصيص المرجئة بالذكر مع وجود غيرهم من الطوائف المنحرفة لأن فكرهم جبري فيسوق الولد إلى عدم العمل والإهمال لأنه يقول بأن كل شيء يجبر عليه الإنسان الأمر الذي يدعو إلى تحطيم حياة الأبناء كما لا يخفى وعليه فأنه ينبغي أن يبادر الآباء إلى تعليم الأولاد الثقافة الصحيحة والفكر المستقيم ويدربونهم على الهداية قبل أن تسبقهم إلى ذلك الأفكار المنحرفة والأساليب الثقافية الباطلة التي تغزو عقول الأولاد فتحرفهم عن الطريق المستقيم.

وعن بشير الدهان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) (لا خير فيمن لا يتفقه من أصحابنا يا بشير أن الرجل منهم إذا لم يستغن بفقهه أحتاج إليهم فإذا أحتاج إليهم أدخلوه في باب ضلالتهم وهو لا يعلم ).

وهذه الرواية أيضاً تؤكد ما ذكرنا وعن أبي مريم قال (قال أبو جعفر (عليه السلام) لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة شرّقاً وغّرباً فو الله لا تجدان علماً صحيحاً إلا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت).

وعن علي (عليه السلام) في حديث الريحانة قال (علّموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به لا تغلب عليهم المرجئة برأيها).

استحباب تغريم الولد من صغره

ومن المستحبات: استحباب تغريم الغلام في صغره فعن صالح بن عقبة قال (سمعت العبد الصالح (عليه السلام) يقول يستحب غرامة الغلام في صغره ليكون حليماً في كبره).

ولعل المقصود من الغرامة هنا أعم من المالية والجسدية فإذا رأى الغلام الخسارة في عمل تركه وترك.

أمثاله والحليم هو الذي يتأنى ولا يتعجل في الأمور قبل أن يعلم عدم المضرة فعليه فأن الغرامة في الصغر وأن كانت ربما مما يؤلم الأب أو الأم نفسياً إلا أنه يلحظ الفائدة والمصلحة التي تترتب عليها في التأديب فأنه ينبغي القيام بها في الشريعة العمل بها ولعل لهذه الجهة استحب القيام بها في الشريعة

 بعض حقوق الأولاد.

وعن دروست عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال (قام رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال يا رسول الله ما حق أبني هذا ؟ قال تحسن أسمه وأدبه وضعه موضعاً حسناً).

ولعل المقصود في الرواية من الموضع الحسن يشمل الكسب والزواج وسكنى الدار والفكر والثقافة والتعليم ونحو ذلك.

وعن معمر بن خلاد قال (كان داود بن زغبي شكا أبنه إلى أبي الحسن (عليه السلام) فيما أفسد له قال أستصلحه فما مائة ألف فيما أنعم الله به عليك).

أي أستصلح الولد وأبذل جهدك في تعليمه وتربيته وإن استلزم ذلك إنفاق المال فأن استصلاح الولد خير من مائة ألف دينار تكون لك.

وعن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) رحم الله والَدْين أعانا ولدهما على برهما.

وعن زيد بن علي عن أبيه عن جده قال (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يلزم الوالَدْين من العقوق لولدهما ما يلزم الولد من عقوقهما).

ولعل المقصود هنا من العقوق عدم قيام كل منهما بحق الآخر سواءً من طرف الوالد أو طرف الولد.

وعن يونس بن رباط عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) رحم الله من أعان ولده على بره قال قلت كيف يعينه على بره ؟ قال يقبل ميسوره ويتجاوز عن معسوره ولا يرهقه ولا يخرق له وليس بينه وبين أن يدخل في حد من حدود الكفر إلا أن يدخل في عقوق أو قطيعة رحم ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الجنة طيبة طيبها الله وطيب ريحها يوجد ريحها من مسيرة ألفي عام ولا يجد ريح الجنة عاق ، ولا قاطع رحم ولا  مرخ الإزار خيلاء) أي المتكبر الذي يتخايل في مشيته وفي أسلوبه.

وفي روضة الواعظين قال (قال (عليه السلام) من حق الولد على والده ثلاثة يحسن أسمه ويعلمه الكتابة ويزوجه إذا بلغ).

استحباب أكرام البنت التي أسمها فاطمة

ومن المستحبات استحباب أكرام البنت التي أسمها فاطمة فعن السكوني (عليه السلام) (دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وإنا مغموم مكروب فقال لي يا سكوني ما غمك ؟ فقلت ولدت لي ابنة، فقال يا سكوني على الأرض ثقلها وعلى الله رزقها تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك فسرى والله عني فقال ما سميتها ؟ قلت فاطمة قال إما إذا سميتها فاطمة فلا تسبها ولا تلعنها ولا تضربها).

ومن الواضح أن هذا الأسلوب كرامة لصاحب الاسم وحيث أن هذا الاسم له علاقة بفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي هي أم أبيها وكان يكرمها رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما في متواتر الروايات فلعله لهذه الجهة ورد النهي عن السب اللعن والضرب للبنت التي أسمها فاطمة كرامة لسيدة نساء العالمين (سلام الله عليها) ولغير ذلك من الجهات.

في الوفاء بالوعد مع الأولاد

ثم أنه يستحب أن يبر الإنسان بولده ويحبه ويفي بوعده.

فعن أبي طالب رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال (قال رجل من الأنصار من أبر ؟ قال والديك قال قد مضيا قال برّ ولدكَ).

وعن عبد الله بن محمد البجلي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحبوا الصبيان وارحموهم وإذا وعدتموهم شيئاً فأوفوا لهم فأنهم لا يرون إلا أنكم ترزقونهم).

من الواضح أن عدم الوفاء مع الولد يخيب رجائه مما ينعكس على نفسيته فيؤثر على أخلاقه وأسلوبه في التعامل كبيراً وصغيراً.

وعن أبن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال أن الله ليرحم العبد لشدة حبه لولده).

يستحب تقبيل الوالد ولده على وجه الرحمة

 فعن الحسن بن علي بن يوسف الأسدي عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (قال جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال ما قبلت صبياً لي قط، فلما ولى قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا رجل عندي أنه من أهل النار).

ولعل قوله (صلى الله عليه وآله) ذاك لأنه كان كافراً أو كان منافقاً أو كان النبي (صلى الله عليه وآله) يعلم أن قساوة قلبه تجره إلى النار في عاقبة إلامر لأنها تجره إلى ارتكاب الكبائر، وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قبّل ولده كتب الله له حسنة).

وعن محمد بن علي الفتال قال (قال (عليه السلام) أكثروا من قبلة أولادكم فإن لكم في كل قبلة درجة في الجنة ميرة خمسمائة عام).

وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقبّل الحسن والحسين (عليهما السلام) فقال الأقرع بن حابس أن لي عشرة من الولد ما قبلت أحداً منهم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من لا يرحم لا يرحم).

ولا يخفى ما في هذا التعبير من الدلالة الكبيرة على التعاكس والمبادلة في أسلوب التعامل بين الوالد والأولاد فإذا رحم الوالد أولاده في الصغر رحموه في الكبر أيضاً إذا بادلهم المحبة بادلوه المحبة إذا بادلهم الرحمة بادلوه الرحمة كما هو ثابت في الحياة العملية الخارجية.

استحباب التصابي للصبي وملاعبته

ومن المسائل يستحب التصابي مع الولد وملاعبته فعن الأصبغ قال (قال أمير المؤمنين (عليه السلام) من كان له ولد صبا).

وعن محمد أبن علي بن الحسين قال (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كان عنده صبي فليتصابله).

ولعل المراد منه أنه يستحب للوالد أن ينزل إلى مرتبة الصبي بفعل ما يفعله الصبيان معهم ليسر الصبي به وليعلمه بعض الأشياء التي لا يمكن أن يتعلمها الصبي إلا بالنزول إلى مستواه.

   وقوله (عليه السلام)  في الرواية المتقدمة (صبا) إما إخبار أو إنشاء بالجملة الخبرية فحينئذٍ تدل على المطلوبية شرعاً كما تدل على الاستحباب.