المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 021.doc

حق الحضانة وأحكامه

  • المبحث الرابع في حق الحضانة:

والحضانة هي حماية الطفل ورعايته وهي في الجملة من الأمور الطبيعية التي جعلها الله تعالى بين الأم وأولادها لحنانها وللحاجة بين الولد والأم من ناحية الارتباط الروحي والإنشداد العاطفي والحاجة النفسية بينهما وهي ليست من مختصات الإنسان بل حتى في الحيوان كل بحسبه فالحضانة في الأنعام مثلاً بنحو معين ولها مدة وفي الطير بنحو أخر ولها مدة كما تكون في مثل حيتان البحار والحشرات أيضاً وذلك تقدير العزيز العليم الخبير في خلقه ولذا فهي حق طبيعي خاص للأم لمدة خاصة لحكم ومصالح تتعلق بها حياة الطفل وبناء مستقبله الإنساني والاجتماعي.

  • أدلة حق الحضانة

ويمكن أن يستدل على أصل وجوب الحضانة في الجملة بالأدلة الأربعة:.

أما الكتاب فإطلاق قوله تعالى (لا تضار والدة بولدها).

ومن الواضح أن قطع الطفل عن أمه وفصله عنها كما إن فصل الأم عن ولدها فيه غاية الضرر النفسي وفيه غاية الحرج.

وإما السنة فهي أخبار كثيرة منها قول الصادق (عليه السلام) في معتبرة أبي الصباح الكناني (فهي أحق بابنها حتى تفطمه).

وقريب من هذه الرواية غيرها أيضاً كما ستعرفه.

وإما الإجماع فظاهر الفقهاء التسالم على أصل الحكم في الجملة وإن كان ربما اختلفت كلماتهم.

وإما العقل فحكمه بأن هذا الوقت أي وقت الطفولة خصوصاً في أوائل أوقاتها هي أشد أوقات احتياج الطفل إلى الحضانة وارأف الناس به الأبوان خصوصاً الأم في هذه الجهة ومن هنا نقول:.

أن الحضانة مشتركة بين الأم والأب وقد أدعى الشيخ أبن فهد الحلي (رضوان الله عليه) كما في الفقه الإجماع عليه بل وظاهر الآية المتقدمة لأنها نسبت عدم المضارة إلى كليهما حيث قالت الآية الشريفة (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده).

مضافاً إلى النصوص الخاصة وهنا مسائل:.

  • حق الأم في الحضانة ومدته

المسألة الأولى: أن الأم أحق بحضانة الولد وتربيته وما يتعلق بها من مصلحة حفظه مدة الرضاع وهي حولان كاملان إما أصل حق الحضانة فللعرف والسيرة وقد عرفت أن الأدلة تدل على أنه حق مشترك بين الأب والأم وظهور الإجماع مضافاً إلى الروايات وإما تعيينه في مدة الرضاع فأنه المتيقن من الحضانة ذكراً كان أو أنثى لإطلاق الأدلة وتصريح الفقهاء بذلك سواءً أرضعت الأم الولد بنفسها أو بغيرها لأن الرضاعة شيء والحضانة شيء أخر ولا ربط لأحدهما بالآخر وكما أن الطفل يحتاج إلى التغذية يحتاج أيضاً إلى الحفظ والصيانة وإشباع الحاجات الروحية بالعطف والحنان والمحبة فلا يجوز للأب أن يأخذ الولد في هذه المدة من الأم لظواهر ما مر من الأدلة كما في معتبرة الكناني (فهي أحق بابنها حتى تفطمه).

وقوله (عليه السلام) (المرآة أحق بالولد) فإذا أنقضت مدة الرضاع فالأب أحق بالذكر والأم أحق بالأنثى حتى تبلغ سبع سنين من عمرها أجماعاً ونصوصاً محمولة على هذا التفصيل منها قول الصادق (عليه السلام).

(المرآة أحق بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين إلا أن تشاء المرآة).

وفي مكاتبة أبي الحسن علي بن محمد (عليهما السلام) (كتبت إليه مع بشر بن بشار جعلت فداك تزوج أمرآة فولدت بنتاً ثم فارقها متى يجب له أن يأخذ ولده ؟.

فكتب (عليه السلام) (إذا صار له سبع سنين فأن أخذه فله وإن تركه فله).

ويشهد لذلك الاعتبار أيضاً هذا إذا لم تكن هناك عناوين ثانوية في البينوالا فالحكم يدور مدار العناوين الثانوية مثل الحرج والضرر على الطفل وعلى الأم وما أشبه ذلك وعليه فإنه لايكون للأب بالبنت حق  تبلغ سبع سنين ثم يكون الأب أحق بها بعد ذلك لأن الأب أحق عرفاً بتربية الأولاد وتعليمهم الآداب الشرعية والأخلاق الإنسانية.

هذا وإن  فارق الأم بفسخ النكاح أو بالطلاق قبل أن تبلغ البنت سبع سنين لم يسقط حق حضانة الأم لإطلاق الأدلة واستصحاب بقاء حق الحضانة.

  • سقوط حضانة الأم بالزواج

نعم: إذا تزوجت الأم بالغير فأنه حينئذٍ يسقط حقها في الحضانة إجماعاً ونصاً كما عن أبي عبد الله (عليه السلام) في معتبرة المنقري (المرآة أحق بالولد ما لم تتزوج).

وعن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) (الأم أحق بحضانة أبنها ما لم تتزوج).

والروايات في هذا متظافرة فبناءً على هذا فأن حق الحضانة للأم يبقى مادامت لم تتزوج بزوج آخر و إلا يسقط حقها من ذلك وحينئذٍ إجماعاً وللنصوص.

ولو تزوجت الأم ثم بعد ذلك ففارقها الزوج الثاني فهل تعود حضانتها ثانية على الولد أم لا

وجهان في المسألة بل قولان:.

لا يخلو أولهما من رجحان وذلك لاستصحاب بقاء حق الحضانة بعد الشك في شمول قولهم ما لم تتزوج لذلك ومن قال بالسقوط المطلق تمسك باطلاق الحديث وإن صرف وجود الزواج منشأ لسقوط حق الحضانة أبداً ودائماً.

ومن الواضح أن هذا الحق بعد سقوطه بزواج الأم لا يعود إلا بدليل وحيث أنه لا دليل على العود أذن القول بعودته مشكل هذا إلاّ إن الظاهر لزوم العمل بالاحتياط فيه والاحتياط في مثله التصالح والتوافق بين الزوجين فيه.

ولا يخفى إن إسقاط حق الحضانة عن الأم بسبب زواجها بالغير حيث أنه كان الزواج أمراً اختياريا منها يكون بمنزلة إسقاط حقها من الحضانة لكن سقو+ط حق الأم من الحضانة بالزواج لا ينافي بقاء المواصلة بين الأم وبين الولد للأصل ولأن في منع الأم من الولد أو بالعكس فيه ضرر على كل منهما.

ولأنه من مصاديق قطع الرحم إلا إذا ترتب على ذلك عناوين أخرى فحينئذٍ ينبغي متابعة تلك العناوين للأهم والمهم أولحكوحة العناوين الثانوية على الأدلة الأولية كما ذكرنا.

  • شرائط حضانة الأم

المسألة الثامنة: يشترط في ثبوت حق الحضانة للأم أن تكون الأم مسلمة إذا كان الولد مسلماً وإن تكون الأم عاقلة وإن لا تكون مريضة مرضاً معدياً، وأن لا تكون متزوجة بزوج آخر كما ويعتبر في الأب الذي له حق الحضانة جميع ذلك إلا الأخير لأن زواج الأب من أمرآة أخرى لا يسقط عنه حق الحضانة.

إما سقوط حضانة الكافرة إذا كان الأب مسلماً و الابن يتبع اباه في الدين فتشمله الآية الشريفة.

(ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً).

ولأن (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه).

ومن الواضح أن حضانة الكافرة على الصبي الصغير من مصاديق العلو والسبيل الذي نفته الآية والقاعدة المذكورة سواءً قلنا إن الحضانة حق أو قلنا أنها من مصاديق الولاية.

فبناءً على هذا يشترط أن تكون الأم مسلمة حتى يثبت لها حق الحضانة إذا كان الولد مسلماً.

وإذا كان الأب والأم مسلمين فارتدا فالظاهر سقوط حضانتهما معاً لأن الولد لا ينقلب كافراً بكفر أبيه أو أمه للاستصحاب و لأنه لا سلطة للكافر على المسلم لقاعدة نفي السبيل التي بيناها.

  • في حضانة المجنون

وإما اشتراط العقل فلأن المجنون لا يتأتى منه الحفظ والتعهد فيتنافى مع حق الحضانة بل المجنون  نفسه يحتاج الى من يحضنه ولا فرق في ذلك بين الجنون الأطباقي أو الأدواري نعم، إذا وقع الجنون نادراً لا تطول مدته كالاختلالات العصبية الخاصة فلا يبطل الحق حينئذٍ وعليه فأنه يمكن أن يقال إن أدلة حق الحضانة منصرفة عن الجنون فلا تصل النوبة حينئذ إلى ولي المجنون لتفرعه على ثبوت الحق للمجنون.

وعليه فأنه فإذا كان كلا الأبوين مجنوناً انتقلت الحضانة إلى الخالة ونحوها من الأرقاب على قول و إلا فللحاكم الشرعي لأنه ولي من لا ولي له.

نعم لو كان الجنون يزول سريعاً بحيث لا يضر بالحضانة فأنه حينئذٍ يبقى الحق على حاله لعدم الإضرار بالحضانة عرفاً.

  • في حضانة المريض

وإما اشتراط عدم المرض المعدي من جذام أو برص أو ما أشبه ذلك فلأنه يترتب على حضانتها من خوف الضرر الشديد على الولد فقد قال (صلى الله عليه وآله) (فرّ من المجذوم فرارك من الأسد).

وفي رواية أخرى (وكره أن يكلم الرجل مجذوماً).

لكن ربما يمكن القول بأن المرض ولو كان معدياً لا يسقط حق الحضانة عن الأم تمسكاً لإطلاقات أدلة الحضانة وإنما نقول بعدم جواز مباشرة الحاضنة للولد من قبلها فحينئذٍ فيجوز لها أن تحول هذا الحق إلى غيرها من إخوانها أو أقاربها سواءً بمال أو بغير مال وهذا القول هو الذي مال إليه سماحة السيد الشييرازي (دام ظله) في الفقه.

  • و توقفت الحضانة على صرف مال

المسألة الثالثة: لو توقفت الحضانة على صرف مال فأنه لا يجب صرف المال على الأم وإنما على الأم في الحضانة بذل العمل فقط للإجماع ولإطلاق الأدلة وعموماتها وحينئذٍ فأن كان للولد مال فيصرف من ماله لعدم وجوب بذل العمل مجاناً وإنما هو في المقام من الواجبات النظامية التي لا تنافي أخذ العوض وحينئذٍ يجري عليه حكم النفقة فيصرف من مال الطفل إن كان له مال وأن لم يكن له مال فهو على الوالد لوجوب نفقات الأولاد على الآباء أن لم يكن لهم مال كما تتعرف عليه في باب النفقة.

  • في جواز الأستنابة في الحضانة

المسألة الرابعة: لا تعتبر المباشرة في الحضانة بل يجوز الإستنابة فيها للإطلاق وظهور الإجماع ولو وجدت محال خاصة لحضانة الأطفال وكانت هذه المحال مأمونة من جميع الجهات فيسقط وجوب مباشرة الحضانة إن أدخل الطفل فيها إن تحققت فيها شرائط الحضانة الشرعية لأنه لا وجه لوجوب مباشرة الحضانة على الأم أو الأب بعد تحقق الغرض بلا فرق في ذلك بين أن يكون دار الحضانة مؤسسة من قبل الدولة بعد إجتماع الشرائط أو مؤسسة خيرية يقوم بها جمع من المؤمنين أم غير ذلك.

  • الأم أحق بالحضانة بعد موت الأب وبالعكس.

المسألة الخامسة: لو مات الأب بعد انتقال الحضانة إليه أو قبله كانت الأم أحق بحضانة الولد إجماعاً ونصاً قال الصادق (عليه السلام) في معتبرة داود بن الحصين (فإذا مات الأب فالأم أحق به من العصبة).

فإذا كانت أحق من العصبة فتكون أحق من الوصي بالأولى أيضاً هذا مضافاً إلى الأصل.

وعليه فأننا قلنا بأن حق حضانة الأم يسقط بتزويجها من زوج آخر لكن هذا الحق يعود إليها إذا مات الأب ذكراً كان الولد أم أنثى كما أن الأم تكون أحق به من سائر الأقارب بلا استثناء لعموم إطلاق الدليل بذلك كله ولو ماتت الأم في زمان حضانتها كان الأب أحق بها من وصي الأم ومن أبيها ومن أمها فضلاً عن باقي الأقارب فعليه قولنا بأن إلى سن السابعة الأم أحق بها فإذا ماتت الأم والبنت صغيرة لم تبلغ السابعة كان الأب أحق بها من غيره، وكذا بالنسبة إلى الولد إذا كان أقل من السنتين، وإما إذا فقد الأبوان معاً فالحضانة حينئذٍ تكون للجد للأب _ أي آب الأب _ لأنه آب حينئذٍ وأن الولد يرجع إليه وإذا عدم الجد للأب ولم يكن وصي له ولا للأب كانت الحضانة حينئذٍ لا قارب الولد حسب ترتيب مراتب الإرث الأقرب منهم يمنع إلا بعد وذلك لإطلاق قوله سبحانه وتعالى.

((وَأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ))

الشامل هذا الإطلاق للحضانة أيضاً ولا يخفى أن للفقهاء في هذه المسألة أقوالً كثيرة إلا أنها غير مستندة إلى ركن وثيق يمكن ألاطمئنان إليه وعليه فأن مراعاة الاحتياط إذا لم نقل بالإطلاق للآية هو.

أولى وذلك بأن يأخذ أحد الأقارب الولد مع رضاية سائر الورثة، وفي صورة تعدد الأقارب وتساويهم في المرتبة والتنازع فيما بينهم على الحضانة فالحل هو القرعة لأنها لكل أمر مشكل ومع التنازع والخلاف يتحقق موضوعها وحينئذٍ نحتاج في رفع الإشكال إليها.

ولا يخفى أن القرعة تكون حلاً في صورة عدم التراضي بين الورثة وإذا وجد وصي للأب أو وصي للأم أو للجد الأب ففي كون مرجع الأخر إلى القرعة أو نقول بأن الحضانة ترجع إلى الوصي ثم من بعده إلى الأقارب وجهان بل قولان في المسألة:.

لا يخلو أولهما من رجحان وهذا هو الذي أختاره في الجواهر بدعوى أن الوصي بمنزلة نفس الموصي فكما ثبت هذا الحق للموصي يثبت للوصي أيضاً إلا أن الظاهر إن الأولى هو التصالح والتسالم بين الأطراف لأن الحق لا يعدوهما _ أي لا يعدو الوصي والأقارب _ فلابد من التصالح والتراضي بينهما حينئذٍ وذلك يتم بالرجوع إلى الحاكم الشرعي والاستئذان منه.

  • لو امتنعت الأم من الحضانة وبالعكس

المسألة السادسة: لو امتنعت الأم من الحضانة صار الأب أولى بها لما تقدم من انحصار الحضانة فيه حينئذٍ ولو امتنعا معاً يجبر الحاكم الشرعي الأب بها إن كان موجوداً وكان في ذلك المصلحة لأنه حينئذٍ يكون من الأمور الحسبية ولا ريب في ثبوت ولاية الحاكم الشرعي على الأمور الحسبية فيجوز للحاكم أن يجبر الأب على الحضانة حينئذ.

  • هل يصح إسقاط حق الحضانة ؟

المسألة السابعة: هل يكون حق الحضانة قابلاً للإسقاط والنقل والانتقال سواءً بعوض أو بغير عوض أو لا يكون كذلك ؟.

قولان في المسألة:.

أوجهما الأول: وذلك لأن لكل ذي حق إسقاط حقه إلا ما خرج بالدليل والظاهر أنه لا دليل يدل على عدم جواز إسقاط حق الحضانة مع وجود المصلحة فيه.

ويحتمل أن نقول بعدم الجواز وذلك لاحتمال أن تكون الحضانة من قبيل الأحكام الشرعية والأحكام من لا تقبل الإسقاط.

ولكن الظاهر هو الأول ولهذا قلنا أوجههما الأول وذلك لما ورد في بعض الروايات المتقدمة من التعبير بالحق نصاً كقولهم (عليهم السلام) (الأم أحق بولدها) .

ومع كونه حقاً فأنه يجوز إسقاطه كما يجوز نقله وانتقاله سواءً كان بالعوض أو بغيره.

  • بقاء حق الحضانة بعد الفطام

المسألة الثامنة: لو فطم الولد قبل الحولين فالحضانة تبقى حتى ينقضي الحولان فيما إذا كان الولد ذكراً وذلك لا صالة بقاء الحضانة ولا يوجد دليل على الخلاف ولكن يظهر من بعض الفقهاء دوران بقاء الحضانة مدار الرضاع والإرضاع فأن تم إجماع فهو _ أي إجماع يمنع من بقاء الحضانة بعد الفطام _ إلا أن الظاهر أنه لا إجماع في المسألة فحينئذٍ نرجع إلى مقتضى الأصل وهو بقاؤها لأنه مع عدم وجود الإجماع نشك في إن الأم بعد أن فطمت الولد قبل الحولين سقط حق في الحضانة أم لا ؟ مع وجود اليقين السابق والشك اللاحق نتمكن من التمسك بالاستصحاب.

نعم: ورد في معتبرة أبي داود بن الحصين عن الصادق (عليه السلام) (فإذا فطم فالأب أحق به من الأم) إذ ربما يظهر منها أن حق حضانة الأم يسقط بمجرد الفطام لكن الظاهر أمكان القول بأنها واردة أو محمولة على الغالب التي يتم الرضاع في الحولين ثم يتحقق الفطام لا ما إذا كان الفطام قبل الحولين فتأمل.

  • لا يجوز للأم السفر بالولد إلا برضا والده

المسألة التاسعة: ليس للأم الحاضنة إن أرادت أن تسافر بالولد إلى بلد آخر بدون رضا الأب وذلك لأن الأب هو وليه الشرعي فلا يجوز السفر بالولد دون رضاه وكذا ليس للأب أن يسافر بالولد مادام الولد في حضانة أمه إن استلزم السفر الضرر على الطفل أو الضرر على الأم فحينئذٍ لا يجوز السفر بلا أشكال لقاعدة نفي الضرر وإما إذا لم يكن ضرر وكانت الأم راضية بذلك فمقتضى القاعدة الجواز. ولو سافرت الأم سفراً يعد عرفاً طويلاً تكون قد أسقطت حق حضانتها في تلك المدة وقد عرفت إن الحضانة حق فيحق لغيرها احتضانه من الأقارب الأقرب فالأقرب أن لم يكن الأب موجوداً ولو سافرت الأم سفراً واجباً كسفر الحج أو نحوه ولم يكن له آب يحضنه ولم يكن لها من الأقارب من يحضنه ولو في تلك المدة سوى وجود دور الحضانة التي لها قوانينها الخاصة كما لو كان من ضمن قانون دار الحضانة عدم إرجاع الولد إلا بعد سنين معينة أو بعد شروط معينة فأنه في هذه الصورة يدور الأمر بين ترك الولد يموت أو يمرض أو نحو ذلك وبين إعطائه للحاضنة مع الالتزام بالشروط التي منها عدم إرجاعه إلى الأم ولو بعد مجيئها من الحج ؟ فيه قولان:.

الأول: أن السفر الواجب يسقط عن الأم لأن في ذلك عسر وحرج وضرر عليها أو للأهم والمهم لأهمية حق الحضانة على التكليف الشرعي في مثل الحج، وقد ثبت في محله حكومة الأدلة الثانوية على الأدلة الأولية.

والقول الثاني: أن نقول بالجمع بين الحقين بأن نقول بوجوب مسافرة الأم إلى الحج وتسليم الطفل إلى دار الحضانة لتقدم حق الولد على حقها في هذه الصورة إذا دار الأمر بينهما فيسقط حق الأم بسبب حق الولد بالأهمية بل لوضوح أنه جعل حق الحضانة لها من جهة حق الولد فالجمع بين الحقين أن نقول تسلمه إلى دار الحضانة وتسافر إلا إن الظاهر والمستفاد من النصوص ومن مرتكزات المتشرعة ومن النصوص الخاصة مضافاً إلى العناوين الثانوية ما يقوي الاحتمال الأول فيسقط عنها وجوب السفر رعاية لحق الولد.

  •  يجوز للوالدين إسقاط حقيهما في الحضانة أو تقسيمه

المسألة العاشرة: يجوز للأبوين أن يتفقا على إسقاط حق أحدهما واختصاص الحضانة بالآخر لأن الحق يدور بينهما فلهما إن يفعلا في ذلك ما شاءا كما يجوز أن يتفقا في تقسيم مدة الحضانة بأن تحضن الأم الطفل سنة مثلاً ويحضن الأب الطفل سنة أخرى لأصالة الجواز بعد عدم دليل على الخلاف وكون الحق لهما مع فرض التراضي بينهما وعدم ضرر في البين وذلك لا ينافي أحقية الأم كما مرّ ذكره.

  • لو اختلف الأبوان في الحضانة

المسألة الحادية عشر: لو اختلف الأم والأب في حضانة الولد فادعى الأب عدم جامعية الأم لشرائطها وأنكرت هي قدم قولها مع اليمين إذا لم تكن قرينة معتبرة على صحة دعوى الأب لأصالة الصحة الجارية في فعل الأم وقولها وإما اليمين فإنها هنا لقطع الخصومة نعم لو قامت قرينة معتبرة أو بينة على الخلاف تتبع تلك القرينة أو البيّنة.

  • هل يجوز إرجاع حق الحضانة بعد إسقاطه ؟

المسألة الثانية عشرة: لو أسقطت الأم حق حضانتها فهل يجوز الرجوع إليها مرة أخرى أو لا ؟.

وكذا الكلام لو أسقط الأب حق الحضانة فهل يجوز له الرجوع إليه بعد ذلك ؟.

وجهان: قد نقول بالجواز لأن إسقاطهما لهذا الحق وعودهما إليه بعد ذلك كاشف عن أن أسقطاه لمرحلة معينة وزمن معين ولم يسقطاه دائماً ولو ارتكازاً والعرف في مثل هذه الموارد يرى بقاء حقيهما في ذلك.

ويحتمل أن نقول بالعدم، لأننا قلنا بأن الحضانة حق وما دام الزوج أو الزوجة اسقطا هذا الحق فأنه لا دليل على عوده إلا بدليل.

  • لو تضرر الطفل من حضانة الأب

المسألة الثالثة عشرة: لو حصل للطفل ضرر من حضانة الأب له ولم يكن له أم يرجع إليها فأن الأمر يرجع إلى الحاكم الشرعي لما ذكرناه من إن الموضوع حينئذٍ يكون من صغريات الأمور الحسبية التي للحاكم فيها رأي وولاية لأنه ولي من لا ولي له.

  • لا يسقط حق الحضانة بنشوز الأم أو طلاقها أو كفرها

المسألة الرابعة عشرة: لا يسقط حق الحضانة عن الأم بنشوزها أو بطلاقها أو بالفسخ كل ذلك للأصل والإطلاق.

نعم إلا إذا تزوجت المرآة فيسقط حينئذٍ حق الحضانة وإما إذا أرتد أحدهما فيسقط حق المرتد لما بيناه سابقاً من عدم حق لحضانة الكافر على المسلم.

  • في حضانة ولد الزنا

المسألة الخامسة عشرة: الظاهر ثبوت حق الحضانة للأبوين وإن كان الولد ولد زنا سواءً كان الزنا من الطرفين كما لو تراضيا على الزنا أو كان من طرف واحد كما لو كان أحدهما عالماً بالزنا والآخر جاهلا أو أحدهما مضطراً أو أحدهما مشتبهاً إذ المنساق من ظواهر الأدلة أن حق الحضانة يثبت بالولادة التكوينية لا الولادة الشرعية وما في بعض الروايات من التعبير بالتزويج فهو من باب الغالب.

  • في حضانة الأم الفاسقة

وهل تثبت الحضانة للأم الفاسقة ؟.

فيه احتمالان بل قولان:.

قال الشهيد (ره) في المسالك (أن تكون الأم أمينة فلا حضانة للفاسقة أو كانت الحاضنة فاسقة لأن الفاسقة لا تؤمن أن تخون في حفظ الولد والحضانة موضوعها الحفظ والصيانة) ولذلك قال في المسالك لأنه لا حظ للولد في حضانة الفاسقة لأنه ينشأ على طريقتها فنفس الولد كالأرض الخالية ما القي فيها من شيء قبلته وقد أعتبر هذا الشرط الشيخ (قده) في المبسوط والعلامة (قده) في التحرير في ولاية الأب لكن خالف في ذلك جمع من الفقهاء منهم العلامة (قده) في القواعد وصاحب الجواهر (قده) وسماحة السيد الشيرازي (دام ظله) في الفقه فقد أستدل صاحب الجواهر (قده) بعدم اشتراط العدالة في حق الحضانة بأن الحضانة منشأها الشفقة التي هي من طبيعة كل حيوان ولذا لا علاقة للعدالة وغيرها فيه واستدل السيد الشيرازي (دام ظله) بإطلاق الأدلة مع كثرة الفسق فأن إطلاق الأدلة مع كثرة الفسق عرفاً يوجب شمول الأدلة حتى للفاسق.

 نعم إلا إن يراد من الفسق، الفسق الذي يضر بالحضانة لا أي فسق كان ومن هنا يمكن أن يقال حتى لو ظهر عدم اهتمام المرأة بالولد فأنه يمكن أن يقال مقتضى الجمع بين الأدلة بقاء حضانة الأم لكن لا يعطى الولد لها حينئذ كما ذكروا ذلك في مسألة فسق الوصي ومتولي الوقف ونحوهما.

كما يظهر أيضاً أن الأمانة وعدمها لا تسقط هذا الحق مادام يمكن الأستنابة فيه كما ذكرناه سابقاً.

  •  اختصاص حق الحضانة بالنكاح الدائم

المسألة السادسة عشرة: أن ظاهر النص والفتوى بل أدعاه غير واحد إن حق الحضانة يجري في النكاح الدائم وفي النكاح المنقطع بلا فرق كما أن سقوط هذا الحق بزواج المرأة _ الأم _ يتم بمجرد زواجها سواء بالعقد الدائم أو بالعقد المنقطع وسواء حصل الدخول بها أم لا وسواء حصل التشاغل في حق الزوج أولا .

المسألة السابعة عشرة: يتعين حق الحضانة في الأم إذا مات الأب قبل ولادة الطفل وبالعكس إن ماتت الأم بعد الولادة لما تقدم من أن الحق مشترك بينهما فإذا ذهب أحد طرفيه يتعين في الآخر.

  • مدة انتهاء الحضانة

المسألة الثامنة عشرة: تنتهي الحضانة ببلوغ الولد رشيداً فإذا بلغ رشيداً فليس لأحد حق الحضانة عليه حتى الأبوين فضلاً عن غيرهما وذلك لا صالة عدم ثبوت هذا الحق عليه بعد انقطاع الأصل الموضوعي بإطلاق أدلة البلوغ والرشد مضافاً إلى الإجماع فيكون الولد بعد بلوغه ورشده مالكاً لنفسه فيكون إليه الخيار بالانضمام إلى من شاء من الأب أو الأم في صورة الطلاق أو الافتراق أو الفسخ ذكراً كان الولد أو أنثى لثبوت الاختيار في الفاعل المختار وعدم كون مورد اختياره مخالفاً للشريعة بل لقاعدة السلطنة التي تقول (الناس مسلطون على أنفسهم).

وبعد البلوغ لا أشكال في ثبوت هذه السلطنة في أمثال هذه الموارد.

  • مستلزمات الحضانة ونفقاتها

لا يخفى أن من مستلزمات الحضانة القيام بشؤون الطفل من حيث الغذاء واللباس المناسب الذي يقيه من الحر والبرد ويحفظ صحته بحسب المناسبة العرفية فأن من الواضح أن الموضوعات اللغوية العرفية التي لم يرد فيها تحديد خاص من الشارع نرجع في تحديدها إلى العرف بحسب المتعارف وحيث أن العرف يختلف بحسب الأزمنة والأمكنة بل والأطفال ونحو ذلك فينبغي أن يكون بالمعروف و إلا كان إخلالاً بالحضانة ولو اختلفا في كمية مصرف الحضانة فقالت الأم هي مائة دينار مثلاً وقال الرجل أنها أقل يقدم قول الرجل لأصالة البراءة عن الزائد الذي تدعيه المرأة إلا أن تأتي بحجة معتبرة على دعواها أو كان الظهور العرفي يمنع من دعوى الرجل.

ولو اختلفا في اقتضاء مدة الحضانة فالقول مع من يدعى البقاء للأصل إلا إذا كانت قرينة معتبرة على الخلاف والمفروض عدمها هنا أو يثبت لنا ذلك بحجة معتبرة.

  • إذا اختلف الأبوان لاختلاف الاجتهاد أو التقليد أو الدين أوالمذهب

المسألة الأخيرة: لو اختلف الزوج والزوجة من ناحية الاجتهاد أو من ناحية التقليد كما لو كان أحدهما يرى أن الحضانة للولد أكثر من حولين أو أقل وفي البنت أكثر من السبع أو أقل فالمرجع حينئذٍ هو القاضي الشرعي الذي يفصل في أمثال هذه الأمور حسب اجتهاده وعلى المخالف منهما لزوم القبول وذلك لأدلة القضاء.

وإما إذا اختلف الأب والأم من ناحية الدين أو من ناحية المذهب كما لو اختلف الأب المسلم والزوجة الكافرة قدّم الأب لأن (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه).

ولغير ذلك من الأدلة.

ولو اختلف السني والشيعي وكانا زوجين لم يبعد تحكيم قاعدة العدل وكذلك إذا اختلف الكافران وكان لهما قانون في الحضانة الزما به إما إذا لم يكن لهما قانون حكمنا كما نراه في ضوا بطنا ولو كان لأحدهما قانون وليس للآخر قانون قدّم من له القانون لجريان قاعدة الإلزام لمن له القانون.

وربما يحتمل تقديم قانوننا عليهما حينئذٍ لأن من ليس له قانون محكوم بحكمنا لأن الكفار مكلفون بالفروع كما هم مكلفون بالأصول وحينئذٍ يكون حكمنا مقدماً على من له القانون منهما أيضاً.

لكن لعل القول بالتصالح في أمثال هذه الموارد أفضل لكن لو أسلم أحدهما بعد كفره فأنه في هذه الصورة ينتقل حق الحضانة إليه.

نفقة الأولاد

المبحث الخامس: في الأنفاق على الأولاد.

ولا أشكال أن نفقة الولد ذكراً كان أو أنثى على أبيه ، وفي صورة عدم وجود الأب أو في صورة فقر الأب وعجزه عن النفقة فتجب على جده للأب، وفي صورة عدم الجد للأب أو إعساره فعلى جد الأب وهكذا متعالياً الأقرب فالأقرب ولو عدمت الآباء أو كانوا جميعاً معسرين فالنفقة تكون على أم الولد وذلك للإجماع ولظهور الأدلة في أن الأب مطلقاً هو الأصل في الإنفاق  إلا ما خرج بالدليل فمع وجوده ولو بالدرجات المتعالية لا تصل النوبة إلى غيره _أي الأم _ ولو بالدرجات القريبة وهذا الأصل هو المستفاد من الكتاب والسنة والإجماع بل والاعتبار أيضاً ولعدم وجوب النفقة على غيره في صورة وجوده مطلقاً إلا مع إعساره وعجزه عن النفقة قال في الحدائق (المفهوم من كلام الأصحاب هو أن نفقة الولد إنما تجب على أبيه دون أمه بقوله تعالى ((فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)) فأوجب أجرة الرضاع على الأب فكذا غير الرضاع من النفقات).

ويؤيده أيضاً عدم وجوب الإرضاع على الأم بل للأم الامتناع عنه كما عرفته مما تقدم فأن الأم من ناحية الرضاع كغيرها من الأجانب المستأجرات ولو كانت النفقة عليها واجبة كالأب لما صح ذلك ومنه يعلم حال تقارن الجد والجدة حيث أن نفقة الحفيد على الجد دون الجدة إلا إذا لم يكن جد أو كان فقيراًَ وعليه ففي صورة انعدام الأب أو انعدام الأجداد للأب تجب النفقة على الأم ومع عدم الأم أو إعسارها فعلى أبيها وأمها وأب أبيها وأم أبيها وأب أمها وأم أبيها للإجماع وإطلاق الوالد والأبوين الوارد في الأدلة وهكذا الأقرب فالأقرب للإجماع وبعض ما مرّ من النصوص كقوله (عليه السلام) في المعتبر (خذوا بنفقة أقرب الناس منه من العشيرة) ومع الاتفاق في الدرجة يشتركون في الإنفاق بالسوية وإن اختلفوا في الذكورة والأنوثة لانسباق التساوي من الأدلة في المقام مضافاً إلى الإجماع وفي حكم آباء الأم وأمهاتها أم الأب وكل من تقرب إلى الأب بالأم كاب أم الأب وأم أم الأب وأم أب الأب وهكذا لما مرّ من الإطلاق والانسباق بعد ملاحظة الترتيب المذكور في الإجماع وبعد ورود قوله سبحانه وتعالى ((وَأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ)).

فأنهم تجب عليهم نفقة الولد بعد فقد آبائه وأمه مع مراعاة الأقرب فالأقرب إلى الولد فإذا كان للولد أب وجد موسرين كان نفقته حينئذٍ على الأب وإذا كان له أب مع أم كانت نفقته على الأب وإذا كان له جد لأب مع أم كانت نفقته على الأم كل ذلك للإجماع والإطلاقات الشامل لذلك كله.

مع ملاحظة الترتيب في الوجود والعدم اليسر والإعسار وإذا كان له جد وجدة لأم كانا في الإنفاق عليه بالسوية لانطباق الموضوع على كل واحد منهما إجماعاً ولبطلان الترجيح بلا مرجح فلا محيص حينئذٍ عن الاشتراك وإذا كانت له جدة لأب مع جد وجدة لأم تشاركوا فيه ثلاثاً وحينئذٍ لو كان للأب ولدان ولم يقدر إلا على نفقة أحدهما وكان له آب موسر فإن اختلفا في قدر النفقة وكان ما عنده يكفي لأحدهما بعينه كالأقل نفقة اختص به لعموم الدليل بعد وجود المقتضي وفقد المانع وحينئذٍ تكون نفقة الولد الأخر على أبيه _ أي جد الولدين _ وإن اتفقا في مقدار النفقة فإن توافقا مع الجد في أن يشتركا في إنفاقهما وتراضيا أن يكون أحدهما المعين في نفقة أحدهما والآخر في نفقة الآخر و إلا _ إذا اختلفا_ رجعا إلى القرعة لأنها لكل أمر مشكل والمقام منه.

  • لو امتنع من وجب عليه الإنفاق

وإما لو امتنع من وجبت عليه النفقة عن الأنفاق أجبره الحاكم ومع عدم الحاكم أجبره عدول المؤمنين لأن المقام من الأمور الحسبية التي لابد من القيام بها خصوصاً إذا انطبق عليه عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن لم يمكن إجبار الممتنع فأن كان له مال وأمكن للمنفق عليه أن يقتص منه بمقدار نفقته جاز له ذلك لفرض كون المورد من موارد وجوب صصرف المال في الجملة والمفروض أن المنفق اعتدى بامتناعه وبمقتضى إطلاق قوله تعالى (ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) جواز التقاص إلا إذا ثبت العدم بإجماع معتبر.

  • وجوب الأنفاق تكليف

ثم أن الأنفاق في المقام واجب تكليفي محض ومجرد عن احتمال المالية وحينئذٍ إذا صار حكما يكون الممتنع قد ارتكب إثماً إلا أنه لا يجوز للمنفق عليه أن يقتص منه إلا أن الظاهر أن هذا من الممنوعات وإلا إذا لم يكن للممتنع مال ولم يتمكن من الأنفاق أمره الحاكم بالاستدانة عليه إذ لا معنى لحكومته إلا ولايته على مثل هذه الأمور والتسبيب لتحصيل هذه المقاصد ولا شك أن الاستدانة عليه لا مدخلية لها في المقاصة بوجه وحينئذٍ يجوز للولد أن يستدين مالاً فيقع وجوب أداء هذا المال على ذمة الولي الممتنع كالأب أو الجد إما في صورة تعذر الحاكم فأنه أيضاً يجوز له الاستدانة ويحسب على ذمة الممتنع لأنه يكون من مصاديق الإعانة على الخير فيكون مأذوناً شرعاً، وقد عرفت إن الأدلة دلت على وجوب النفقة على الأب وكان منها قوله سبحانه وتعالى ((وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ)) وقوله تعالى ((فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ)) وحديث زوجة أبي سفيان المتقدم حيث أجاز النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) أن تأخذ من مال أبي سفيان من دون علمه لأنه كان شحيحاً يمتنع عن الأنفاق ولمستفيض الروايات المتقدمة أيضاً مثل قوله (عليه الصلاة والسلام) في رواية جميل (لا يجبر الرجل إلا على نفقة الأبوين والولد).

ورواية حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال قلت له من الذي أجبر عليه وتلزمني نفقته ؟ قال الوالدان والولد والزوجة) مضافاً إلى الإجماع الدال على المقام والروايات في هذا المجال مستفيضة.

وهنا مسائل:.

  • اشتراط وجوب النفقة بالفقر

المسألة الأولى: قال في الشرائع: يشترط في وجوب الإنفاق الفقر وفي الجواهر لاخلاف في ذلك والمقصود من الفقر عدم وجدانه تمام ما يقوم ويظهر من بعضهم أنه مجمع عليه .

وفي المسالك هو المعروف من المذهب ويمكن أن يستدل لذلك بالإضافة إلى الأصل السالم عن ورود الروايات المتقدمة بأطلاق أدلة النفقة إلى الفقير والإجماع بل السيرة القطعية أيضاً قائمة عليه حيث أن الآباء لا ينفقون على أولادهم الأغنياء ولا العكس وربما الضرورة قائمة عليه وقد قلنا في باب الرضاع أن نفقة الرضاعة تكون على الولد إذا كان له مال وهل يشترط في وجوب النفقة العجز عن الاكتساب ؟ بمعنى أن الولد إذا كان قادراً على العمل إلا أنه بالفعل ليس بعامل فهل يسقط وجوب النفقة أم لا ؟.

قولان في المسألة:.

القول الأول: اشتراط العجز وذلك لأن النفقة معونة على سد الخلة والمكتسب قادر فهو كالغني.

وفي الجواهر قال بل لعله الأشهر ولم أعثر فيه على مخالف هنا وقد أدعى أنه أشهر القولين صاحب الرياض (رضوان الله عليه) أيضاً.

والقول الثاني يقول بعدم الاشتراط لأن مدار وجوب النفقة على الفقر وهذا فعلاً فقير وإن كان قادراً على الاكتساب نعم لو تلبس بالاكتساب بالفعل وكان هذا الاكتساب ساداً لحاجاته كان من الأغنياء فحينئذٍ يسقط وجوب الإنفاق عليه والروايات واردة في المعنيين.

وهل يدخل في ضمن القدرة على الاكتساب التزويج كما لو تتزوج المرأة من رجل غني فتكون في هذه الصورة غير واجبة الإنفاق أم لا ؟.

الظاهر أن الفهم العرفي عدم اندراج ذلك في القدرة والتكسب والإلزام مثله في الرجل المتزوج أيضاً إذا كان فقيراً وليس له ما يكفيه وزوجته إذ لا يجب عليه أن يطلق زوجته فيكون غنياً فيخرج عن استحقاق النفقة نعم إلاّ إذا قلنا أن القدرة على الكسب كافية في عدم استحقاق النفقة.

والمقصود من الكسب هو الكسب اللائق بحاله عادة وعرفاً فلا يكلف من كان شريف القدر ومن كان عالماً ونحوهما بالكسب في الأعمال التي تتنافى مع شأنهما ومقامهما عرفاً ولا فرق في عدم وجوب النفقة للقادر على التكسب بين الصغير والكبير فإذا وصل الطفل حداً يستطيع تحصيل نفقته بالتكسب بما يليق به مع أذن الولي لم يكن من واجبي النفقة.