المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 002.doc

موضوع البحث في علامات البلوغ

وسنبحث في هذه المحاضرة عن العلامة الأولى من هذه العلامات وقبل الدخول في صلب البحث نقدم مقدمتين:

المقدمة الأولى: البلوغ لغة له معنيان المعنى الأول هو الوصول يقال بلغ أي وصل ومنه البلاغ والتبليغ أيضاً كما قال سبحانه( يا أيها الرسول بلغ ) أي أوصل الحجة ومنه قوله تعالى:( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن)

أي وصلن الأجل ومنه أيضاً قوله تبارك وتعالى: (هدياً بالغ الكعبة )أي واصلها ومنه أيضاً قوله عز وجل:( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم) أي احتلموا ولزمهم التكليف الإلهي فالصبي بالغ والجارية أيضاً أيضاً يقال لها بالغ بغير تاء - أي لا يقال لها بالغةِ - بل بالغ على الخلاف اللغوي الذي ذكره علماء اللغة.

المعنى الثاني هو الإدراك ففي لسان العرب قال: بلغ الصبي والجارية أي البنت إذا أدركا وهما بالغان والظاهر إن كلا المعنين يدلان على ما نحن فيه فالمعنى الأول أي الوصول تعني معنى الوصول إلى النضج الجنسي الخاص بمعنى البلوغ البدني.

والمعنى الثاني أي الإدراك يتضمن معنى البلوغ العقلي وحسن التعامل في المصالح والمضار لأن الإدراك يتضمن فيه معنى الرؤية والبصيرة والتعقل ويمكن الجمع بين المعنيين بأن نقول كل واحد من هذين المعنيين يشير إلى البلوغ الشرعي الذي أخذه الشارع في أدلته وفي الروايات وفي الآيات الشريفة فيمكن الجمع بينهما بأن نقول بأن الطفل الواصل إلى مرحلة النضج الجنسي تنضج مداركه ويبدأ بدرك الأشياء ويفهمها فهماً أعمق وأوسع من ذي قبل ومن الواضح أنه بناء على هذا لا يبقى تدافع بين المعنى الأول والمعنى الثاني لأن الوصول يشمل الوصول العقلي والبدني والإدراك أيضاً يشمل كليهما صحيح أن البعض أخذ معنى الإدراك بمعناه الأعم يعني إدراك العقل والإدراك البدني إلى أنه حتى على مبنى من أخذ البلوغ بمعنى الإدراك العقلي فقط فإن هناك ملازمة عادية بين الإدراك العقلي والبلوغ الجسدي إذ في الغالب إذا وصل الإنسان إلى مرحلة البلوغ الجسدي تبدأ مداركه بالتفتح أيضاً فتكون إدراكاته أفضل وأعمق وأشمل كما أن العكس ربما يكون أيضاً صحيح يعني إذا وصل الإنسان إلى التفتح العقلي والإدراك الأعمق يكون في غالب العادة قد وصل إلى مرحلة البلوغ الجسدي.

نعم هنالك بعض الأفراد وهم القلائل يبلغون عقلاً قبل مرحلة البلوغ الجسدي لنبوغ أو ذكاء خاص لكن هذا نادر لا تنصب إليه الاحكام ولا يمنع من جعل الاصطلاحات على الغالب والذي يتبع ما ورد في الآيات الشريفة والروايات في تعريف البلوغ يجد أن النصوص والادلة عبرت عن البلوغ تارة بالإدراك وتارة بالبلوغ الجسدي وعنت به الذي يصل إلى حد النكاح ومن الواضح أن هذا النوع من البلوغ بمعنى الوصول والأول بمعنى الإدراك نعم تارة عبرت عنه الروايات بالاحتلام أيضاً حيث أن المؤدى واحد وربما لأن الاحتلام يشتمل الاثنين معاً لأن الحلم أيضاً مأخوذ من العقل وفيه إشارة إلى هذا الجهة.

والظاهر أننا لو أخذنا البلوغ بمعنى الوصول أو أخذنا البلوغ بمعنى الإدراك فانهما يشيران إلى هذا الجهة الشرعية التي ورد فيها الاصطلاح الشرعي كما بيناه لك.

وعليه فإن البالغ من بلغ الحلم ووصل إلى حد النكاح بسبب تكوّن المني في البدن وتحرك الشهوة والنزوع إلى الجماع وإنزال الماء الدافق الذي هو مبدأ خلق الإنسان بمقتضى الحكمة الإلهية في البشر وفي غيره أيضاً لبقاء النوع فإن البلوغ لا يختص بالإنسان بل يشمل الحيوانات أيضاً بل ولعل البعض أيضاً وكما هو الثابت في علم النباتات أن البلوغ يشمل النباتات أيضاً لأن النباتات أيضاً فيها تلقيح وفيها تلاقح ولو في الجملة ولولاه لم يحفظ نوعها وبهذا تظهر بأن البلوغ كمال طبيعي للإنسان يبقى فيه النسل ويكبر معه العقل ويدخل الإنسان فيه عالماً جديداً أكرمه الباري سبحانه وتعالى فيه وجعله قابلاً لتلقي الخطابات الإلهية وتحميله المسؤوليات الشخصية والاجتماعية فيكلفه بالاحكام ويلزمه بالحقوق فيكون هذا الإنسان البالغ الذي كلفه الشارع بالاحكام الشرعية والزمه بالحقوق مسؤولاً لا منغلقاً ومنضبطاً ضمن ضوابط الخلق التي أودعها الله سبحانه وتعالى في هذا الكون كما يكون متوازناً مع قوانين الكون بما يحفظ له حياته بأمن وسلامة ويحقق الغايات الإلهية من خلقه وإيجاده في الكمال والسعادة هذا والذي يتبع كلمات الفقهاء أيضاً يجد أن في تعاريفهم لذلك إشارات لهذين ففي الجواهر قال: (لا يخفى على من لاحظ كلمات العلماء أن من المعلوم لغة كالعرف كون الغلام متى احتلم بلغ وادرك وخرج عن حد الطفولة ودخل في حد الرجولة وكذا الجارية إذا أدركت واعصرت فإنها تكون امرأة كسائر النساء)1 وتلاحظون أن هذا التعبير الذي ذكره صاحب الجواهر رضوان الله عليه نسبه إلى كلمات العلماء وحيث أن الجمع المحلى باللام تفيد العموم ولم يخصص أو يقيد اسماً من العلماء قال بهذا على وجه التحديد يكون ظاهراً في الاجماع حيث قال: (أنه من المعلوم لغة كالعرف كون الغلام متى احتلم بلغ وادرك) فأشار إلى الجهتين معاً أي بلغ والظاهر منه أنه بمعنى وصل وادرك بمعنى الوصول للادراك العقلي.

والظاهر أنه يمكن ارجاع الادراك إلى الوصول أيضاً فيكون المعنى بينهما واحد لكن الإدراك يشير إلى احدى الجهات والحيثيات في الإنسان والوصول يشير إلى حيثية أخرى لأن الإدراك أيضاً يتضمن معنى الوصول العقلي وانتقال الإنسان من حالة نقصان العقل في مرحلة الطفولة إلى كمال العقل وصل له من الإدراك الناقص إلى الإدراك الكامل وبهذا يرجع معنى الإدراك إلى الوصول ايضاً فيكون المعنى واحداً.

المقدمة الثانية: يظهر مما تقدم أن البلوغ حالة تكوينية حقيقية ينتقل فيها الإنسان من الطفولة إلى الرجولة في الذكور ومن الطفولة إلى مرحلة النساء في الأناث وهي كسائر الحالات التكوينية البشرية كالصباوة والشيخوخة والهرم ونحو ذلك ويتضح من ذلك أن البلوغ حالة حقيقية لها مظاهر وعلامات إذا تحققت يكون قد بلغ الإنسان قهراً وليست أمراً تعبدياً اعتيادياً يجعله الشارع أو يرفعه بمعنى أن الشارع يعتبر البلوغ قد تحقق أو يعتبر البلوغ لم يتحقق، لأن الأمور التكوينية مما لا تنالها يد الشارع جعلاً أو رفعاً لأن حكم الشارع اعتبار والتكوين خلق والخلق لا يوجد أو يعدم بالاعتبار وإنما لعلله واسبابه والبلوغ منها فلذا لا مدخلية للاعتبار الشرعي في تحققه كسائر الحالات التكوينية التي تحصل في الوجود كالهواء والماء والشمس والقمر والبحر والشجر وما أشبه فإن هذه لا ترجع في تحققها إلى اعتبارات المعتبرين وإنما ترجع في وجودها إلى عللها واسبابها فإذا تحققت العلة تحقق معلولها أيضاً.

وعليه فإن وصل الإنسان إلى هذه المرحلة تكويناً يكون قد وصل إلى مرتبة البلوغ وحيئذ يبدأ الشارع بتكليفه ومن ذلك يظهر أيضاً أن البلوغ ليس حقيقة شرعية كالماهيات الشرعية المخترعة مثل الصلاة والحج وغيرها من العبادات التي أسسها الشارع والزم العباد بها فان الصلاة لغة بمعنى الدعاء لكن الشارع المقدس أسس الصلاة من جديد وهو ما كان أوله التكبير وآخره التسليم مثلاً وهكذا بالنسبة للحج الذي معناه لغة القصد والزيارة إلا أن الحج الشرعي له اصطلاح خاص واعتبارية خاصة اسسها الشارع لذلك يقولون أن مثل الصلاة والحج حقائق شرعية أي اسسها الشارع بأعتباراته الخاصة والزم العباد بها.

بينما البلوغ ليس حقيقة شرعية بل هو أمر تكويني يحدث باسبابه التكوينية لا بالاعتبارات الشرعية نعم الشارع حدد بعض علامات البلوغ لرفع الاشتباه وتميزه في الإسلام عن سائر القوانين والاديان والمذاهب حيث أن الإسلام جعل للبلوغ علامات تحرزاً من الاشتباه والخطأ في التطبيق إذ أن بعض الناس يشتبهون في الأمر وربما لا يدركون أنهم وصلوا إلى مرحلة البلوغ أو لم يصلوا بعد لقصور فهم أو لخفاء العلامات فلذلك جعل الشارع دلائل يرجع إليها الإنسان في معرفة حاله وأنه وصل مرحلة البلوغ أو لم يصل وعليه فان العلامات التي وضعها الشارع ليست سبباً للبلوغ تكويناً بل هي تدل على حصوله في عالم التكوين وتكشف عن حصوله لماذا؟ لأن أصل البلوغ لا يختص بملة أو دين إذ أن جميع الاديان والمذاهب تتفق على أن البلوغ حالة تكوينية يصل إليها الإنسان نعم ربما تختلف علاماته من دين لآخر أو مذهب لآخر كما هو الملحوظ اليوم مثلاً أن بعض القوانين ولعل هذا هو الغالب في القوانين الوضعية الحاكمة اليوم جعلت سن البلوغ 18 سنة وبعض القوانين جعلته 21 سنة وبعض شواذ الطوائف جعلت البلوغ في سن الاربعين أيضاً إلا أن الذي يراجع الأدلة التي ذكرت لم يظهر لديه دليل مقنع يرجع إليه في هذا المجال لكن حيث أن الكلام لا يدخل في موضوعنا هنا نرجئه إلى مكانه.

وبينما نرى الإسلام جعل السن أحد العلامات على البلوغ وليست العلامة الوحيدة والذي يستفاد من مجموع الأدلة والفتاوي يجد أن البلوغ يعلم بثلاث علامات في الشرع.

العلامة الأولى: انبات الشعر الخشْن على العانة.

العلامة الثانية: خروج المني الذي منه ينشأ الولد وهذان الوصفان يشترك فيها الذكور والاناث معاً.

والعلامة الثالثة: هو السن ويختلف بين الذكور والاناث فعند الذكور أن يبلغ الولد خمسة عشر سنة مثلاً وفي رواية من ثلاثة عشر سنة إلى اربعة عشر سنة وفي رواية ثالثة أن يبلغ الولد عشر سنين إلا أن المشهور على العمل بالرواية الاولى بل وعليه الفتوى أيضاً.

أما بالنسبة إلى الاناث فإذا بلغت البنت إلى تسع سنين تكون قد وصلت إلى سن البلوغ.

أما بلوغ الخنثى هو الذي اجتمعت فيه آلة الذكور والاناث معاً على تفصيل خاص في الفقه فهو إذا بلغ 15 سنة من ناحية السن ويمكن أن يتميز البلوغ عنده بالمني من الفرجين والحيض من فرج النساء مع المني من فرج الرجال والاناث أيضاً فنلاحظ أيضاً من هذا المجموع وهو المستخلص من الادلة والفتاوي نجد أن علامات البلوغ ما ذكرناه.

وعليه فإنه إذا علم الإنسان بوصوله إلى هذه المرحلة فحينئذ لا يحتاج إلى هذه العلامات لأن الملاك لواقع البلوغ عند الاناث والعلامات كواشف فمع قطعه بالواقع لا يحتاج إلى العلامات لذا وجب عليه العمل بمقتضى التكاليف الإلهية المشروطة بالبلوغ سواء في الاحكام الشخصية والاجتماعية الخاصة والعامة وأما إذا لم يعلم الإنسان بوصوله إلى هذه المرحلة أو اشتبه عليه الأمر وشك في أنه وصل إلى هذه المرحلة أم لم يصل ففي هذه الصورة عليه أن يرجع إلى العلامات الثلاثة التي عينها الشارع ليعرف واقع الحال فبناء على هذا تكون هذه العلامات تمييزية تشخص الإنسان البالغ من غير البالغ وإنما ذكرنا هذه النكتة لوجود خلاف حصل بين الفقهاء في هذا المجال وهو في أن هذه العلامات هل هي بلوغ حقيقة بمعنى أن الإنسان البالغ تنطبق عليه هذه العلامات أم لا هي مجرد دلائل وعلامات والبلوغ حالة تحصل قبلها لكن حيث أن هذه الحالة قد تكون مبهمة أوغير معلومة تكون هذه العلامات من مظاهرها على تفصيل سنتعرض إليه إن شاء الله تعالى في المستقبل القريب

علامات البلوغ

العلامة الأولى وهي انبات الشعر الخشن على العانة قال المحقق الحلي رضوان الله عليه في الشرائع (ويعلم بانبات الشعر الخشن في العانة سواء كان مسلماً أو مشركاً). وقوله (قده) سواء كان مسلماً أو مشركاً اشارة إلى أن البلوغ حقيقة تكوينية لا يختص فيها دين أو مذهب ولا يتدخل في تحققها الايمان أو الكفر.

وان كان لها مدخلية في تعلق التكليف بذمتهما معاً بناء على أن الكفار مكلفون بالفروع أيضاً مضافاً إلى الاصول.

وفي كتاب القواعد قيده بعدم الفرق بين المؤمن والكافر أو الذكر أو الانثى وفي المسائل: نسب الشهيد الثاني رضوان الله عليه هذا الكلام إلى المشهور بل قال الشيخ الطوسي رضوان الله عليه: إن عليه اجماع الفرقة وأخبارهم وعليه فإنه يصبح اجماع الفرقة مأخوذ في الاخبار هنا حسبما يظهر من كلام شيخ الطائفة وحينئذ فان الذي لا يرى أن الاجماع بمفرده حجة ومعتبر شرعاً كما مال إليه جمع فإنه يكون عنده مدركياً أو محتمل المدركية لاحتمال استناده إلى هذه الاخبار فلا يكون حجة وفي كتاب كشف الحق للعلامة الحلي رضوان الله عليه قال: (إنه مذهب الإمامية بمعنى أن ظهور الشعر الخشن على العانة عليه مذهب الإمامية) هذا التعريف ربما يكون فيه اشارة إلى وجود مخالفة من العامة لكن في كتاب التذكرة قال: إنه دليل على البلوغ في حق المسلمين والكفار عند علمائنا.

جمع وقوله: عند علمائنا يشير أيضاً إلى هذه الجهة لظهور قوله (علمائنا) من علماء المذهب وهو المستفاد الأقوى من عبارة العلامة رضوان الله عليه (ومن الواضح أنه بعد تحقق الشهرة العظيمة وربما الاجماع الذي استند إليه الشيخ الطوسي والعلامة يظهر أن المتأخرين والمعاصرين أيضاً هم على هذا الرأي كما يظهر أيضاً من مراجعة الجواهر وموسوعة الفقه ومهذب الاحكام ومستمسك العروة وجامع المدارك وغيرها في الكتب الفقهية المعاصرة هذا بعض ما ورد من كلمات الفقهاء عن هذه العلامة) (ثم أن الدليل على أن الانبات علامة البلوغ هو النصوص المستفيضة ومنها روايات وردت من طريق الفريقين تدل على ذلك فمن طرقنا(1) مثلاً الرواية التي وراها في المستدرك الوسائل عن الغوالي)(1).

إن سعد بن معاذ حكم في بني قريظة بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم لأنهم كانوا من المقاتلين وكشف مؤتزرهم فمن أنبت فهو من المقاتلة ومن لم ينبت فهو من الذراري وقد صوبه النبي صلى الله عليه وآله على ذلك والظاهر أن المراد من كشف مؤتزرهم كناية عن كشف الملابس الساترة لمعرفة حقيقة الحال هذا إنما يصح أما من جهة إنهم غير معلومي البلوغ فيجوز النظر إليهم في مثل هذا الحال أو من باب الأهم والمهم وكيف كان إذا قيل ان صدق المحارب على الكفار غير ظاهر أو لأنهم كفار ومحاربون والكافر المحارب لا حرمة له.

ورويت أيضاً من طرق العامة منها كان في تفسيرالقرطبي (قال عرض رسول والله(ص) بني قريظة فكل من انبت منهم قتله بحكم سعد بن معاذ ومن لم ينبت منهم استحياه (2) فكنت فيمن لم ينبت فتركني لان المراهق في الغالب في سن غير متميز أمره وأنه وصل إلى مرحلة البلوغ بالفعل أم لا؟ لذلك كشف عن عورات المراهقين فمن أنبت منهم قتل ومن لم ينبت جعل في الذراري) هذا وهناك رواية أخرى رواها الحر العاملي رضوان الله عليه في الوسائل بهذا المضمون بل بنص مقارب لهذا النص

وربما يظهر أن الاشكال الذي أورده كتاب الغوالي بأنه كتاب يروي المرسلات غيرتام لأن الظاهر قوة اعتبار الكتاب واشكال الارسال المذكور غير وارد لأن ابن أبي جمهور الأحسائي قد ذكر سند الروايات في مقدمة كتابه وقال أن طرقي إلى مجموع هذه الروايات في هذا الكتاب كلها تنتهي إلى العلامة الحلي رضوان الله عليه والعلامة الحلي له طرق عدة إلى الشيخ الطوسي والشيخ الطوسي له طريقان إلى المعصومين عليهم الصلاة والسلام وذكر كل الاسماء التي وردت في سلسلة سند هذه الروايات فهذا الاشكال المشهور على السنة عند كتاب ابن أبي جمهور الاحسائي الذي ذكرت فيه ورايات هامة في الفقه وبعضها استفيد منها قواعد فقهية هامة تتفرع منها مئات الاحكام.

وبناء على هذا تخرج روايات الغوالي عن الارسال وإن كان لمستشكل أن يناقش في صحة هذه الروايات أو ضعفها وإن خرجت رواياته عن الارسال (وكيف كان فان في النصوص ما يدل على ذلك بطرق أخرى منها رواية حمزة بن جمران عن أبي جعفر عليه السلام بأن الغلام لا يجوز أمره بالشراء والبيع ولا يخرج عن اليتم متى بلغ 15 سنة إي يحتلم أو يشعر أو ينبت)(1)  (2)والمراد من قوله عليه السلام: يجوز أمره في البيع والشراء أي ينعقد ويعتبر كما أن قوله عليه السلام: يشعر أي يظهر له الشعر في الوجه شعر اللحية وشعر الشارب كما أن قوله عليه السلام أم ينبت أي ينبت في العانة.

وهذه الرواية أيضاً مروية في فروع الكافي ومروية في وسائل الشيعة (الرواية الثالثة خبر يزيد الكناسي(أن الغلام إذا زوجه أبوه ولم يدرك كان الخيار له إذا أدرك وبلغ 15 سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته)(3) وهذا الرواية رواها أيضاً صاحب الوسائل في كتاب النكاح وورد في هذا المعنى ما في تفسير علي ابن إبراهيم في قوله تعالى (وابتلوا واليتامى)(4) وقال من كان بيده بعض مال اليتامى فلا يجوز له أن يعطيه حتى يبلغ النكاح أو يحتلم وإن كانوا لا يعلمون أنه قد بلغ فإنه يمتحن بريح ابطه أو بنبت عانته إن كان ذلك فقد بلغ وهذه الرواية رواها الصافي مسندة إلى الصادق عليه الصلاة والسلام والملحوظ في هذه الروايات أن بعضها عبرت بـ الاحتلام وبعضها  ببلوغ النكاح وبعضها بالادراك وهذا ربما يؤكد ما ذكرناه سابقاً من أنه لا تدافع بين المعنيين اللغويين سواء أخذنا  البلوغ بمعنى الوصول أو أخذناه بمعنى الادراك لأن الأثنين يشيران إلى جهة خاصة من جهات البلوغ هذه بعض الادلة التي يمكن أن تذكر في هذا المجال (وهنا سؤال ربما ينقدح في أذهان البعض وهو إن إنبات الشعر الخشن على العانة هل يختص بالذكور أم يشمل البنات أيضاً؟ فيه احتمالات: (الاحتمال الأول أن نقول أنه يشمل البنات أيضاً لأطلاقات الادلة بل والعموم في معقد الاجماعين الذين ذكرهما الخلاف والتذكرة كما أن الروايات المتقدمة لم تقيد انبات الشعر الخشن على العانة للذكر أو الانثى كما أن في الخلاف والتذكرة نسبة ذلك إلى اجماع الفرقة المحقة ولم يقيدوا ذلك بأنه مختص بالذكور أو الاناث فهذا العموم وذلك الاطلاق قد يدلان على اعتبار هذه العلامة عند الاناث أيضاً وقد أضاف صاحب الجواهر، لذلك تأييداً تكوينياً حاصله بأن الانبات امارة طبيعية اعتبرها الشارع لكشفه عن تحقق الادراك فلا يختلف الحال فيه بين ذكر أو أنثى فتدبر.

الاحتمال الثاني أن نقول بالعدم وذلك للأدلة الخاصة التي منها وجود روايات تصرح بأن البلوغ في النساء وبلوغ المرأة سن تسع سنين مما يدل هذا التقييد على أن العلامة الوحيدة عند الاناث هو السن لا غير ومن هذه الروايات ما رواه الصدوق رضوان الله عليه عن مولانا الصادق عليه السلام قال: (حد بلوغ المرأة تسع سنين)(5) وهذه الرواية أيضاً مروية في الفقه في وسائل الشيعة والجملة الخبرية فيها ظاهرة في الحصر بمعنى أن بلوغ المرأة محصور فقط في السن وربما يؤيده ندرة خشونة الشعر في المرأة قبل تسع سنين كما يراه بعض الاطباء بل لعله غير متفق موضوعاً أحياناً فبناء على هذا حيث أن من النادر أن يظهر عند المرأة الشعر الخشن عند العانة في هذا السن بل قد لا يتفق موضوعاً يؤكد ويؤيد مفاد هذه الروايات الشريفة والتي حصرت البلوغ في المرأة في السن .

وعليه فإذا شككنا في بلوغها بأنبات الشعر الخشن على العانة فإن تجاوزت السن المعين فلا إشكال في أنها قد وصلت إلى مرحلة البلوغ لأن العلامات قد انطبقت فيها على كل تقدير سواء كان بانحصار بلوغ المرأة في السن أولا. ولكن إذا اتفق ظهور الشعر الخشن على العانة وهي في سن الثامنة أو في سن السابعة مثلاً فمقتضى الاصل عدم البلوغ إلا في صورة واحدة وهي ما إذا كان هناك إجماع محقق من قبل الفقهاء في أنه لا فرق بين الولد أو البنت في إن إنبات الشعر الخشن على العانة من علامات البلوغ فحينئذ تمنع من حصر البلوغ بالسن وحينئذ نحكم ببلوغها وإن لم تصل إلى سن التاسعة أو نبت الشعر الخشن عندها ولم تعلم بسنها والظاهر أن التتبع في كلمات الفقهاء يوصلنا إلى الاطمئنان بوجود هذا      الاجماع صغرى (بل في مفتاح الكرامة قال السيد جواد العاملي رضوان الله عليه) بانه لا فرق بين ذلك((أي في كون أن انبات الشعر الخشن على العانة من العلامات )) بين الذكر والانثى بل قال هو المعلوم من معاقد الاجماعات والفتاوي مستدلاً له بمكان الاطلاقات أي اطلاقات الادلة وقد عرفتها في ما تقدم (بل في     مهذب الاحكام قال السيد البزاوي (قده): بأن اعتبار الشعر الخشن على العانة  بسبب الاجماع لعدم وجدان لفظ في ما وصل إلينا من النصوص فبناء على هذا نفهم من هذا أن اطلاق كلمات الفقهاء واطلاق فتاواهم في ذلك فضلاً عن اطلاقات الادلة كاشف عن عدم الفرق بين الولد أو البنت في علاميته للبلوغ نعم هنا ملاحظة يتعين الاشارة إليها وهي أن المعتبر في البلوغ هو الحالة والانبات دليل ومن هنا نعرف بأن الإنسان إذا استخدم بعض الادوية أو راجع الطب مما عجل في الانبات فإنه لا يكون كافياً في تحقق البلوغ لأن المنصرف من أدلة البلوغ ما كان انبات الشعر على العانة من نفسه وليس بسبب الادوية والمعالجات الطبية كما أنه لا يبعد تحقق البلوغ عنده وإن استخدم بعض الادوية أو راجع الطب وأخر انبات الشعر الخشن على العانة أو منع من انباته دائماً وذلك لأن المتفاهم عرفاً والمستفاد من الادلة أن البلوغ حالة تكوينية عند الإنسان والانبات دليل على هذا عند الاشتباه فإذا علم الإنسان بأنه قد وصل مرحلة البلوغ ولم يظهر له شعر خشن على العانة فإن الاعتبار يكون بالحالة وليس بالشعر لأن العلامة اعتبارها من جهة علاميتها والعلامية هي مجرد طريق لا موضوع والطريق موصل أو كاشف عن حصول هذا الحالة عند الإنسان (وبناء على هذا لا يتحقق البلوغ في الإنبات الصناعي أو استخدام الأدوية أو المعالجات الطبية وما أشبه ذلك لأن المعيار في ذلك هو الإنبات الطبيعي بل وهو المنصرف من الأدلة والفتاوى

ــــــــــــــــ

الهامش

1- ج (1) – باب (4) – ص (86) – رواية (45).

2- تفسير القرطبي: الجزء 5، ص: 35.

   1   - راجع الكافي ج: 7، ص: 197 رواية (1)

3- التهذيب ج:7 ص: 383 رواية :25 باب: 21

4- النساء (6)

5- المستدرك: ج (1) باب : 4 ص: 68 رواية 47.