المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 016.doc

في العيوب الموجبة لخيار فسخ عقد النكاح بين الزوجين

سواءً كانت بنحو الأمراض أو كانت بنحو الحالات التكوينية وقد قسمها الفقهاء كما استفادوه من الأدلة إلى ما يلي:

القسم الأول: وهو مشترك بين المرأة والرجل:

وهو الجنون بمعنى اختلال العقل.

ويقابله القسم المختص: قالوا هو في الرجل ثلاثة مضافاً إلى الجنون لو توفرت فيه حق للمرأة أن تفسخ العقد هي:

الأول: الخصاء.

الثاني: العنن.

الثالث: الجب.

وفي المرأة مضافاً إلى الجنون هناك عيوب ستة ذهب الفقهاء إلى إنها تجيز الفسخ للرجل الأول: الجذام.

الثاني البرص – الثالث القرن الرابع الإفضاء – الخامس العمى، السادس: الإقعاد.

  • الجنون مجيز لفسخ النكاح:

وسنتعرض في خلال البحث إلى بعض من معانيها وأحكامه لا إشكال في إن الجنون يجيز للزوجة حق الفسخ من النكاح سواء كان هذا الجنون دائماً أو كان إدواريا ومعنى الجنون لغة هو الاستتار فكأن المجنون مستور على عقله فلا يتمكن عقله من إظهار الأثر للتفكير وفي التوازن في التصرفات لذلك يخرج عن السيرة العقلائية وحيث إن المجنون لا يفعل بنفسه ما يصيبه وإنما له سبب خارج من مرض أو جن أو ما أشبه ذلك سمي مجنوناً بصيغة المفعول. والظاهر إن العرف إذا رأى الإنسان مجنوناً حكم عليه بأحكامه كما إذا رأى العرف إنه ليس مجنون لم يحكم بأحكامه ومن هنا يظهر إن السفيه والمعتوه والمخبط ومن مسه الشيطان ومن أشبه ذلك إذا سمي مجنوناً كان له أحكامه وإلا فلا.

ومنه يعلم أيضاً إن هيجان المرارة أو غلبة المرض أو ضرب الشمس أو الصداع الذي لا يسمى بالجنون الادواري أو الإغماء وما أشبه ذلك لا تسمى جنوناً فلا يشملها الحكم.

وعلى كل حال فالجنون قد يكون اطباقياً أي في كل الأوقات يكون الإنسان مجنوناً أو يكون أدوارياً وقد يكون هذا خفيفاً أو يكون ثقيلاً أو يكون متوسطاً.

والظاهر أنه لا يختلف الحكم بين هذه الأقسام والمراتب سواء كان الجنون دائماً أو اطباقياً أو كان في بعض الأوقات فإنه يوجب للطرفين فسخ النكاح سواء كان الجنون عند المرأة أو كان عند الرجل.

وفي الجواهر قال: (إن هذا الحكم لا مخالف فيه بل الإجماع إن لم يكن محصلاً فهو محكي عليه).

وهكذا ذكر الشهيد رضوان الله عليه في المسالك، فتحصل إذن أن لكل من الزوجين فسخ النكاح بجنون صاحبه لا طلاق قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي: (إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل). وكذا في خبر علي بن أبي حمزة المنجبر ضعفه بعمل الأصحاب قال: (سئل أبو إبراهيم (عليه السلام) عن امرأة يكون لها زوج قد أصيب في عقله بعدما تزوجها أو عرض له جنون قال (عليه السلام) لها أن تنزع نفسها منه إن شاءت).

فالظاهر من هاتين الروايتين إن الجنون مشترك مضافاً إلى حديث: (نفي الضرر والضرار في الإسلام) الذي يشمل الحالتين فعليه فإن للرجل إن يفسخ نكاحه قبل العقد مع جهل المرأة به أو حدث بعد العقد قبل الوطي أو بعده كل ذلك لظهور الاطلاقات والإجماع وإنما قيدنا في ما قبل العقد مع جهل الرجل به أو جهل المرأة به لأن مع علمهما به وإقدامهما عليه فإنه لا وجه لثبوت الخيار بالنسبة إليها أو بالنسبة إليه وقد ثبت في محله من قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) إن الإقدام على الضرر لا يشمله الدليل هذا مضافاً إلى النصوص الخاصة ففي معتبرة ابن محبوب قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) (عن رجل تزوج امرأة فوجدها قرناء قال هذه لا تحبل وينقبض زوجها من مجامعتها ترد على أهلها قال إن علم قبل إن يجامعها فقد رضي بها وإن لم يعلم بها إلا بعد أن جامعها فإن شاء بعد أمسكها وإن شاء سرحها إلى أهلها ولها ما أخذت منه بما استحل من فرجها) إلى غير ذلك من الأخبار ويبدو أن هذه الرواية وإن وردت في قرن المرأة لكن الظاهر أن القرن من باب المثال لا الحصر وكذلك الجنون أيضاً.

ثم إن بعض الفقهاء ذهبوا إلى عدم الفصل في الحكم بين النكاح الدائم والمنقطع وذلك لإطلاق الزوجة عليها فتشملها الإطلاقات وكذا العمومات الدالة على ذلك إلا إنه يمكن القول بأن المتمتع بها إذا كان جنونها دائمياً أو كان جنونه دائمياً فإن لها حق الفسخ لإطلاق الأدلة وأما إذا الجنون أدوارياً وكان في مدة المتعة على عقلهما فمقتضى القاعدة الصحة وعدم حقهما في الفسخ فالإطلاق الذي يظهر من الشرائع والجواهر بقولهم: بأن الجنون حتى في صورة المنقطع ولو كان أدوارياً مجيزاً للفسخ مما ينبغي التأمل فيه كما ذكر سماحة السيد الشيرازي (دام ظله) في الفقه.

ثم إنه لا إشكال ولا خلاف في إنها لو علمت عن الرجل الخاطب لها مجنون فقبلت بذلك وعقد عليها لم يكن لها حق الفسخ لأن ظاهر الأدلة إنما هو في صورة جهلها بجنونه حال العقد وكذا إذا كانت المرأة مسيحية مثلاً وليس من دينها الفسخ بالجنون لم يكن لها ذلك لقاعدة الإلزام فإن مفاد هذه القاعدة إلزامهم بما التزموا به ومادامت قد التزمت بالمسيحية والمسيحية لا تجعل للمرأة حق الفسخ بالجنون فلا يكون لها ذلك الحق أيضاً من غير فرق بين أن يكون الزوج مسلماً أو كافراً وكذلك الحكم بالنسبة المسلمة المخالفة في المذهب إذا اختلف مذهبها مع مذهب الزوج وظاهر الأدلة المذكورة في ثبوت حق الفسخ هو الفسخ بدون طلاق لأنه معنى يرد النكاح الوارد في الأدلة وهذا هو القول المشهور بين الفقهاء كما يظهر من كلماتهم.

وسيأتي بيانه تفصيلاً وعليه فإن ماعن ظاهر الشيخ (قده) وبعض آخر من الفقهاء من الاحتياج إلى الطلاق في مثل هذه المسائل غير ظاهر الوجه.

  • العيوب المختصة بالزوج:

أما العيوب المختصة فنبحثها في مبحثين وهي في الرجل ثلاثة كما قدمنا.

  • الأول الخصاء:

الخصاء هو سل الأنثيين أي إخراجهما وما في معناه بل قيل منه الوجاء أيضاً وهو رضهما والمشهور بين الفقهاء إنه عيب تتسلط به المرأة الجاهلة به على الفسخ ولا يبعد أن يكون من ذلك أيضاً عدم وجود الأنثيين خلقة عند الرجل ويدل عليه بإضافة إلى حديث (نفي الضرر) والتدليس والغرور جملة من الروايات منها ما عن الصادق (عليه السلام): (قال بعثت بمسألة مع ابن أيمن قلت: (سله عن خصي دلّس نفسه لامرأة ودخل ؟ قال (عليه السلام) يفرق بينهما ويوجع ظهره ويكون لها المهر بدخوله عليها) والظاهر من قوله (عليه السلام): (يوجع ظهره) تعزيراً لأنه غش المرأة.

وفي معتبرة أبن أبي بكير عن أحدهما (عليهما السلام): (في خصي دلّس نفسه لامرأة مسلمة فتزوجها فقال (عليه السلام) يفرق بينهما إن شاءت المرأة ويوجع رأسه وإن رضيت به وأقامت معه لم يكن لها بعد رضاها به أن تأباه) هذا مضافاً إلى ظهور الإجماع في المسألة.

وتفسخ به إذا تقدم على العقد مع عدم علمها به أما اعتبار السبق على العقد فالظاهر ما تقدم من الأدلة والإجماع ولأصالة اللزوم في العقود حتى يثبت الخلاف وأما اعتبار عدم علمها به فالقاعدة الإقدام على الضرر مع  علمها به حيث لا يثبت لها الخيار حينئذ .

  • لجب:

العيب الثاني: هو الجب وهو بمعنى قطع الذكر بشرط أن لا يبقى معه ما يمكن به الوطي ولو بقدر الحشفة وذلك لقاعدة نفي (الضرر والضرار) وظهور الإجماع وظهور النصوص التي منها صحيح أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال: (سألته عن امرأة ابتلي زوجها فلا يقدر على جماع أتفارقه ؟ قال نعم إن شاءت).

وفي معتبرة أبي الصباح الكناني قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة ابتلي زوجها فلا يقدر على الجماع أبداً أتفارقه ؟ قال: نعم إن شاءت).

ولا إشكال في شمول هذه الروايات للمجبوب بل لعله المتيقن منها.

ولعل تردد المحقق الحلي (قده) في الشرائع ثم اختيار الخيار لعدم ذكر الجب بالخصوص إلا إن الظاهر عدم التردد إذ لا وجه له بعد ذكر الكبرى فيها وعدم دليل على الخلاف.

وكيف كان: فإنه يجوز للمرأة أن تفسخ النكاح بسبب مجبوبية الزوج سواء سبقه العقد أو لحقه لإطلاق الأدلة كما ذكرنا بشرط كونه قبل الوطي لا بعده وذلك لإطلاق قول مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في معتبرة السكوني: (من أتى امرأة مرة واحدة ثم أخذ عنها فلا خيار لها) ولأصالة اللزوم وفي موثق إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه: (إن علياً (عليه السلام) كان يقول إذا تزوج الرجل امرأة فوقع عليها وقعة واحدة ثم أعرض عنها فليس لها الخيار لتصبر فقد ابتليت)

ولا يخفى إن الروايات التي تدل على عدم خيار الفسخ محمولة على إنها لو أصيبت بالعسر والحرج من عدم الجماع وما أشبه ذلك بعد رضائها أولاً فإنها تتمكن أن تطلب من زوجها الطلاق فيرجع الحكم حينئذ إلى حكم الطلاق من استحقاقها المهر وغير ذلك مما يترتب على الطلاق دون الفسخ.

  •  

العيب الثالث: العنن وهو مرض تضعف معه الآلة الذكرية عن الانتشار بحيث يعجز الرجل عن الإيلاج وهو المعروف بين اللغويين والأطباء وقد دلت النصوص على جواز حق الفسخ في مثله منها ما عن الصادق (عليه السلام): (في العنين إذا علم إنه عنين لا يأتي النساء فرق بينهما وإذا وقع عليها وقعة واحدة لم يفرق بينهما).

وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: (سألته عن عنين دلس نفسه لامرأة ما حاله ؟ قال (عليه السلام) عليه المهر ويفرق بينهما إذا علم أنه لا يأتي النساء).

هذا مضافاً إلى قاعدة (نفي الضرر والضرار) فلا إشكال في إن العنن يوجب فسخ المرأة العقد إن شاءت وفي الجواهر الإجماع بقسميه عليه وفي الحدائق قد أجمع الأصحاب إنه من العيوب الموجبة لتسلط المرأة على الفسخ.

والظاهر إنه لا فرق في العنين بين أن لا يشتهي النساء مما يسبب عدم انتشار العضو وإن كان صحيحاً أو لا يتمكن من إتيانهن وإن كان له الاشتهاء والرغبة.

وظاهر الأدلة إنه لا فرق بين العنن السابق على العقد أو اللاحق وكذا قبل الوطي أو بعده ولذا قال في الجواهر ممزوجاً مع الشرائع والظاهر إن لها الفسخ به وإن تجدد بعد العقد كما هو المعروف بين الأصحاب بل لا أجد فيه خلافاً منا بل الإجماع عليه بقسميه لأطلاق الأدلة بل لعله الفرد الظاهر المتجدد ولو بالاستصحاب نعم يشترط أن  لا يقع الوطي منه بالنسبة إليها وبالنسبة إلى غيرها ولو مرة واحدة فلو وطئها ثم حدثت به العنّه بحيث لم يقدر على الوطي أبداً أو كان قادر على وطي غيرها غير قادر على وطيها فلا خيار لها، لأن مع فرض وطيه ولو لغيرها لا يبقى موضوع للعنن حينئذ.

نعم إذا كانت المرأة تصاب بالعسر والحرج من عدم الجماع ونحو ذلك فإنها يمكن أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي فيطلقها حينئذ إن لم يطلقها الزوج.

ولا يخفى إنه إذا كان المعيار والضرر والحرج والتدليس وما أشبه لم يكن فرق بين عدم القدرة على الوطي وعدم القدرة على الإدخال سواءً كان لم يتمكن من الإدخال كاملاً أو من إدخال البعض الذي لا تنتفع به المرأة مما يكون فيه عليها العسر والحرج وما أشبه ذلك.

وكذا إذا أمكن الوطي دبراً لا قبلاً لوقوع إن المرأة غالباً إنما تريد القبل لا الدبر ومن هنا يظهر وجه النظر فيما ذكره الجواهر ممزوجاً مع الشرائع من سقوط خيارها لو وطأها في الدبر.

كما إن الظاهر إن حكم العنن جار فيما إذا شلّ الرجل في أعصابه بحيث لم يتمكن من الجماع أيضاً فإنه وإن لم يسم عنيناً اصطلاحاً ولغة وربما عرفاً إلا إن مقتضى بعض العمومات المتقدمة ووحدة المناط وحدة الحكم بل مما تشمله بعض الروايات المتقدمة مثل ما ورد عن أبي الصباح الكناني قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة أبتلي زوجها فلا يقدر على الجماع أبداً قال أتفارقه إن شاءت).

وإطلاق الرواية يشمل ما ذكرنا كما يظهر الأمر بالنسبة للمجبوب أيضاً فإنه لو كان مجبوباً قبل العقد ولكنه قبل فسخ المرأة أجرى عملية جراحية بوضع آلة غيره مكان آلته بما خرج عن كونه مجبوباً لم يصح لها الفسخ حينئذ وكذا بالنسبة إلى حال الخصي إذا أجروا له عملية جراحية بالحاق خصية إنسان آخر محل خصيته وكذا الحال لو وضع في مكان آلته ألة اصطناعية تقوم بوظائف الآلة الأصلية فهل لها حق الفسخ باعتبار أنه مجبوب أو ليس لها حق الفسخ. حيث يتمكن من الدخول والإنزال والتحريك ؟

احتمالان في المسألة:

وإن كان احتمال الخيار هنا أقرب ثم إنه إذا لم يكن للرجل مني خلقة أو حدث ذلك بسبب الطوارئ فهل لها الفسخ ؟ لا يبعد ذلك لشمول أدلة الضرر والتدليس ونحو ذلك له.

وأما إذا لم يكن في منيه القدرة على إنجاب الولد بأن كان عقيماً مثلاً فإنه لا يثبت لها حق الفسخ للفرق الواضح في اللذة وعدم اللذة فإن المرأة لا تلتذ اللذة الكافية بدون الإنزال بينما ليس كذلك الأمر إذا كان إنزال ولا يوجد منه الولد وكيف كان فإن الظاهر إن قول الشرائع (بأنه إنما يثبت هلا خيار الفسخ بشرط ألا يبقى معه إمكان الوطي ولو بقدر الحشفة) المراد منه إمكان الوطي مع توفر اللذة الكاملة للمرأة وإنما إذا لم تكن تلتذ بذلك ويكون فيه الضرر والحرج والتدليس يكون لها الخيار لقاعدة ثبوت الخيار.

  • في عيوب المرأة:

وهي ستة:

الأول الجذام: قال في الشرائع ممزوجاً بالجواهر (الجذام هو المرض السوداوي الذي يظهر معه يبس الأعضاء وتناثر اللحم ولابد أن يكون بيناً فلا يكفي قوة الاحتراق ولا تعكر الوجه أي غلظ وضعن. فإن كان بها زمانة لا يراها الرجال أجيزت شهادة النساء عليها) وعن رفاعة بن موسى قال سألته عن المحدودة والرواية طويلة إلى أن قال: (ولم يقضي علي (عليه السلام) في هذه ولكن قضى في امرأة برصاء بأنه يفرق بينهما ويجعل المهر على وليها لأنه دلسها).

والروايات في هذا متظافرة والظاهر إنه لا فرق في أقسام البرص وإنما المعيار على الصدق العرفي كما لا فرق في الجذام والبرص في اشتمالها على كل البدن أو على جزء واحد منه مثلاً على اليد أو الرأس أو ما أشبه ذلك.

وكيف كان ففي الجواهر قال: (لا اعتبار بالبهق)الذي فرق بينه وبين البرص مع كونهما أبيضين بأن البرص غائر في اللحم إلى العظم دون البهق ومن علاماته أنه إذا غرز في الموضع إبرة لم يخرج دم بل ماء أبيض وإن ذلك لم يحمر أيضاً ولكون جلده أنزل وشعره أبيض وإذا كان أسودين فإن البرص يوجب تفليس الجلد كما في السمك وربما قيل بأن البهق النقط الحمراء في الجسم.

وكيف كان فلا إشكال في أنه لو شك في أن هذه الحالة برص أو بهق أو غير ذلك كما لو كان مرضاً آخر مثلاً لم يكن تسلط على الفسخ – أي لا ينفسخ به العقد – لكن لو كان برص واقعاً وفسخ وقع الفسخ في موضعه إذ لا دليل على تقيده بالعلم لأن الأحكام دائرة مدار الواقع.

وكذلك الحال لو لم يعلم إنها مجنونة أو برصاء أو ما أشبه وفسخ وكانت في الواقع بهذه الصفات.

وكذلك ما لو قطع بأنها مجنونة أو برصاء أو ما أشبه وفسخ عملاً بقطعه وعلمه وفي الواقع لم تكن المرأة كذلك فإن لم يقع الفسخ وكذلك بالنسبة لفسخها نكاح الرجل.

  •  

العيب الثالث القرن وقيل هو العفل وهو عظم ينبت في الرحم يمنع من الوطي وقد اختلف الفقهاء واللغويون بأن القرن والعفل شيئان أو شيء واحد ؟

والظاهر إنهما شيئان من القرن وهو العظم والعفل لحم وكلاهما ينبت في الفرج فيمنع الوطي كلاً أو بعضاًوقد ورد كلاهما في الأخبار الشريفة والظاهر عدم المانع في ذلك فإطلاق كل خبر يوجب الشمول ولكل واحد منها وإن سمي العفل أحياناً وسمي القرن أحياناً أخرى ففي المصباح المنير:

عفلت المرأة عفلاً من باب تعب إذا خرج  من فرجها شيء يشبه عثرة الرجل فهي عفلاء وزان حمراء وقد وردت تعاريف أخرى لللغويين بما يقارب ذلك وعلى كل تقدير فإن النصوص قد دلت على إنهما عيبان يجوز الفسخ بهما فبأي معنى كانا من هذه المعاني فإن الفسخ بهما جائز لدوران الحكم مدار هذا الاسم بأي معنى كان لعل والذي يسهل الخطب هو إن المناط القطعي في مشاركة كل من العظم واللحم الناتئين واللحم المنتفخ في الباطن في الحكم من جهة مناسبات الحكم والموضوع حيث يستفاد من جهتها إن العلة للحكم – وهو جواز الفسخ – هو المانع عن الوطي تماماً أو بعضاً أو المنع من رغبة الزوج بالوطي كما لو حصلت القدرة فإن الوطي ممكن إلى آخره إلا أن الرجل ينقبض عن الجماع بل يفهم من بعض الروايات إنه مانع عن الحبل أيضاً وإن لم يكن مانعاً من الوطي فإنه موجب للرد بالعيب ففي جملة من الأخبار ذكر العفل كصحيح الحلبي (يرد من النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل).

وفي خبر آخر (إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل).

وفي جملة أخرى ذكر قرن كخبر الحسن بن صالح: (عن رجل تزوج امرأة فوجد بها قرن قال هذه لا تحبل وينقبض زوجها عن مجامعتها ترد إلى أهلها قلت فإن كان دخل بها قال إن علم بها قبل أن يجامعها فقد رضي بها وإن لم يعلم بها إلا بعد أن جامعها فإن شاء أمسك وإن شاء سرحها إلى أهلها ولها ما أخذت منه لما استحل من فرجها).

والروايات في هذا المعنى متظافرة ومنه يظهر إنه إذا كان هناك مانع من الوطي وأجرت المرأة العمل الجراحي حتى صارت كالمعتادة فهل له حق الفسخ باعتبار الأول أو لا باعتبار الثاني ؟

احتمالان الأول أن يقال له حق الفسخ وذلك للاستصحاب.

والاحتمال الثاني أن يقال ليس له حق الفسخ لتبدل الموضوع فإن حق الفسخ كان متوقفاً ومقيداً بوجود القرن أو وجود العفل وبعد إجراء العملية الجراحية قد خرجت عن هذه الحالة.

ومنه يظهر إنه لو كانت قرناء أو عفلاء قبل العقد ثم عقد عليها بعد استئصال القرن أو العفل لم يكن له حق الفسخ  كما انه لو نبت الشعر داخل الفرج لم يكن له ذلك إلا إذا قيل إنه إذا تحقق الانقباض عن مجامعتها ولو أمكنها الإزالة بالنورة أو بالطرق الطبية وما أشبه ذلك فإنه كان داخلاً في العلة المذكورة في الروايات.                             

  •  

العيب الآخر هو الإفضاء: وهو عبارة عن صيرورة المسلكين واحداً ولا خلاف في كونه عيباً ترد به المرأة قال سماحة السيد الشيرازي (دام ظله) في الفقه المسالك ثلاثة للبول والحيض والغائط وكذلك إذا صيّر المسالك الثلاثة واحداً ولا إشكال ولا خلاف عندهم في إن ذلك يوجب الفسخ وترد المرأة به.

وفي الجواهر الإجماع بقسميه عليه وتدل عليه صحيحة الحذّاء عن أبي جعفر (عليه السلام): (في رجل تزوج امرأة من وليها فوجد بها عيباً بعدما دخل بها فقال (عليه السلام) إذا دلست العفلاء والبرصاء والمجنونة و المفضاة أو من كانت بها زمانة ظاهرة فإنها ترد على أهلها من غير طلاق).

هذا بالإضافة إلى الإطلاقات وإطلاقات الروايات المتقدمة فإنه يظهر منها عدم الفرق بين أسباب الإفضاء سواء كانت هي أو كان بسبب عملية جراحية أو بسبب قفزة  أو بسبب زواج سابق لدوران الحكم مدار الموضوع كما ذكرنا غير مرة.

ولا يبعد شمول الحكم المذكور لكل علة تحصل في فرج المرأة تمنع من الوطي للعمومات السابقة والعلل المتقدمة ويؤيده رواية الدعائم: (عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إنه قال في حديث إنما ترد المرأة من الجذام والبرص والجنون أو علة في الفرج تمنع من الوطي) والظاهر إن ذيل الرواية يدل على ما ذكرنا

  •  

ومن العيوب الرتق كما عن الجوهري وهو التحام الفرج على وجه لا يصير فيه مدخل للذكر ويخرج البول معه من ثقبة ضيقة ولا فرق بين أن يكون ذلك بالخلقة أو بالخياطة الطبية أو سبب مرض أو ما أشبه ذلك كله لوحدة الملاك في الجميع والدليل على كونه موجباً: للفسخ بالإضافة إلى الأدلة العامة كالعسر والحرج والضرر والتدليس وما أشبه ذلك وما تقدم في خبر أبي الصباح والحسن بن صالح وغيرها مما هو كالتعليل للرد بالفعل والقرن بعدم القدرة على الجماع.

والظاهر من هذه الأدلة أن يكون الزوج غير قادر على الوطي فإن كان صغير الآلة وتمكن من الوطي الكامل لم يكن له وجه للفسخ لعدم شمول العلة له نعم لو دخل بالعفل فحينئذ يجوز وقلنا إن العفل عام سواء تمكن الزوج من الوطي أو لم يتمكن أو كان المعيار الزوج المتعارف كان عدم الفصل بين مختلف الأزواج هو مقتضى القاعدة أما في صورة عدم المتعارف من الأزواج لكبر الآلة خلقة أو مرض فالظاهر إنه لاحق له في الفسخ لأن المرأة حينئذ ليست معيبة والأدلة التي تدل على جواز الفسخ في المرأة المعيبة فهو كما إذا تزوج امرأة معتادة لكن لكبر بطنه لا يتمكن هو من الجماع فإن ذلك ليس عيباً فيها إنما هو عيب فيه وكأنه لهذا قال المسالك ولو لم يبلغ الارتقاء حد المنع من الوطي ولو لصغر الآلة فلا خيار لبقاء المقصود بخلاف ما لو منع مطلقاً كما إن في محكي جامع المقاصد لا شبهة في إن الخيار إنما يثبت بالرتق إذا كان مانعاً من الوطي ومنه يظهر إنه لا يلزم أن يكون الرتق انسداداً كاملاً بل يشمل انسداد البعض أيضاً والظاهر الخيار إنما يثبت إذا لم يمكن إزالة المانع عادة بفتح الموضع ولو بالعملية الجراحية مثلاً أو أمكن ذلك لكنها امتنعت منه أما لو رضيت أو أجرت العملية بحيث صارت عادية فلا خيار وهل للزوج أن يجبر الزوجة على إجراء العملية في مثل ذلك حينئذ أم لا ؟

احتمالان: الأول إنه ليس للزوج إجبارها على ذلك لأن ذلك ليس حقاً من حقوقه ولما للإقدام على الجراحة من تحمل الضرر والمشقة ولذا لم يكن إجبارها لأنه لا تعلق لها به.

والثاني: يقول بجواز إجبارها على الإزالة فيما إذا لم يكن في البين ضرر وحرج كالعمليات الجراحية في زماننا الحاضر حيث لا توجب ذلك عادة للمناط المستفاد من تهيئة المرأة للزوج من إزالة الشعر وغيره فإزالة المانع من الوطي بشكل أولى.

  •  

العيب الرابع: الذي ترد به المرأة العمى فإنه من العيوب الموجبة لخيار الزوج قال في الجواهر إنه لا خلاف صريح في ذلك بل عن المرتضى وابن زهرة (قده) الإجماع عليه وهو الحق لأنه بالإضافة إلى الأدلة العامة ودليل لا ضرر ودليل الغرور والتدليس وما أشبه ذلك يدل عليه جملة من الروايات الخاصة مثل صحيح داود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليه السلام): (عن الرجل يتزوج المرأة فيأتي بها عمياء أو برصاء أو عرجاء فقال (عليه السلام) ترد على وليها ويكون له المهر على وليها وإن كان بها زمانة لا يراها الرجال أجيز شهادة النساء عليها).

وموثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): (قال ترد البرصاء والعمياء والعرجاء).

والروايات في هذا المعنى كثيرة والظاهر إنه لا فرق في العمياء من انفتاح العين أو انسدادها بين ظهور نقط بيضاء في عينها أو غير ذلك نعم إذا أمكن إزالة العمى بالعمليات الجراحية وما أشبه ذلك فالظاهر إنه لا خيار إذا زالت نعم لا اعتبار بالعور لخروجه في المتفاهم العرفي عن معنى العمى.

ويدل عليه بالإضافة إلى ما ذكرناه ما ورد عن الأمام الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي: (في الرجل يتزوج الأمة إلى قوم وإذا امرأة عمياء ولم يبينوا له قال ترد)

وعن أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنه قال: (الرجل يتزوج إلى قوم وإذا امرأة عوراء ولم يبينوا له قال ترد).

والروايات أيضاً متضافرة في هذا المعنى فبناء على هذا فإنه لا ترد المرأة لأسباب غير هذا من أمراض العين كالعمشاء وغيرها نعم ربما يمكن أن يقال بالخيار فيما إذا كان عين المرأة معيباً عيباً يوجب الدخول في الضرر كالتدليس وأمثاله كما لو كانت مقطوعة الأجفان مثلاً أو ذات عين واحدة بأن كان مكان عينها الأخرى ممسوحاً أو كانت جاحظة قبيحة الجحوظ وما أشبه ذلك.

  •  

العيب الخامس: من العيوب الموجبة للفسخ العرج وقد وردت فيه النصوص أيضاً وهو المحكي عن الشيخين (قدهما) في التهذيب والنهاية والمقنعة وابن الجنيد وأبي الصلاح (قدهم) وأكثر الأصحاب وأما الإقعاد فهو أسوء منه فيفهم منه بالمناط وكيف كان فإن بعض الفقهاء قيدوا العرج بالإقعاد إلاّ إن الظاهر إن العرج بمفرده موجب للفسخ كما إن الإقعاد كذلك كل واحد منها سبب مستقل في ذلك.

قال في المسالك: (إن الظاهر معنى الإقعاد أن يبلغ حداً يعجز معه المشي) وفي تسمية مثل هذا عرجاً نظر إلا إن الظاهر إن بعض الفقهاء الذين قيدوا العرج بالإقعاد أما لأنهم استبعدوا كون مطلق العرج عيباً موجباً للخيار خصوصاً مع وقوع الخلاف فيه بين الفقهاء وحصول الشك معه في خروج العقد من اللزوم إلى الجواز معه ولمعارضة صحيحة الحلبي السابقة الدالة على عدم الرد بغير ما ذكر فيها من العيوب أو لأنهم أرادوا إخراج العرج اليسير الذي لا يعبأ به عرفاً فإنه لا يوجب نقصاً في المرأة فلا يوجب خياراً في الفسخ.

وكيف كان فإن ظاهر الأدلة إن العرج بنفسه سبب للخيار والإقعاد بنفسه سبب للخيار أيضاً ويلحق بها الزمانة وهو مرض يدوم زمناً طويلاً يمنع الزوج من نيل حقوقه من الزوجة.

بل عن الصحاح : الزمانة آفة تكون في الحيوانات ورجل زمن أي مبتلى بيّن الزمانة إلا إن بعض الفقهاء ومنهم سماحة السيد الشيرازي (دام ظله) حملوا الزمانة الواردة في الروايات على الإقعاد قائلاً إن ذلك هو المنصرف منه في زماننا.

وحينئذ تكون أصالة عدم النقل محكمة إلا إن صاحب الجواهر (رضوان الله عليه) ذهب إلى إن الزمانة والعرج أمران ولذا حكى عن الصدوق (قده) إنه جعل الزمانة غير العرج.

وكيف كان فإنه ينبغي أن يلحق بالعرجاء والمقعدة مقطوعة الرجلين أو مقطوعة الرجل الواحدة للمناط وكذلك حال أمثال هذه العيوب أيضاً كما إذا كانت منحنية الظهر أو كان في ظهرها حدبة أو كانت كبيرة الرأس أو كبيرة الرقبة أو بها داء الفيل ككبر الرجل أو كانت نابتة اللحية بقدر لا يتسامح فيه وإن أمكن إزالة الشعر بالوسائل والأدوات أو كانت المرأة خرساء أو طرشاء أو مقطوعة اللسان إلى غير ذلك من العيوب والأمراض الكثيرة التي يستفاد من الأدلة وحدة المناط بينها وبين الزمانة والعرج وما أشبه ذلك.

وكذلك أيضاً يكون الخيار إذا كانت المرأة قصيرة شديدة القصر أو طويلة شديدة الطول أو مشوهة الخلقة أو مبتلاة بالفالج حيث لا تتمكن من الحركة إطلاقاً أو ما أشبه ذلك.

  • الزنا قبل الدخول يوجب الفسخ:

ثم إن الصدوق رضوان الله عليه أفتى بأن زنا المرأة قبل الدخول بها يوجب خيارالفسخ  مستدلاً بقول علي (عليه السلام): (في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها يفرق بينهما ولا صداق لها لأن الحدث كان من قبلها).

وعن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله إلا إن المشهور أعرضوا عن ذلك قال الشيخ (قده) في النهاية: (المحدودة بالزنا لا ترد وكذلك التي كانت قد زنت قبل العقد فليس للرجل ردّها إلا  إن له أن يرجع على وليها بالمهر وليس له فراقها إلا بالطلاق).

ومثل ذلك قاله ابن أدريس (قده) أيضاً وفي المسالك قال في المحدودة بالزنا ذهب أكثر قدماء الأصحاب أنه يجوز للزوج فسخ نكاحها لأن ذلك من الأمور الفاحشة التي يكرهها الأزواج ونفور النفوس منه أقوى من نحو العمى والعرج ولزوم العار العظيم به يقتضي كون تحمله ضرراً عظيماً إلا إن هذا ما لم يرتضه بعض الفقهاء المعاصرين وقالوا إن هذا مالا يمكن العمل به وإن استدل له بالروايات المتقدمة لأن الزنا إذا جوز الفسخ كانت المحدودة بطريق أولى إلا إن أعراض المشهور يمنع من الأخذ به ويؤيده بل ويدل عليه رواية أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن رفاعة بن موسى: (سألته عن المحدودة قال لا يفرق بينهما).

    ولذا قال في الجواهر التحقيق عدم الرّد في غير ما عرفت ولما عرفت من إن مفهومي الحصر والعدد بالأمراض المذكورة بل في خبر البصري: (ترد المرأة من العفل والبرص والجذام والجنون وأما سوى ذلك فلا).