المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 015.doc

أحكام الخلافات الزوجية

  • النشوز

وهو ما يصطلح عليه الفقهاء بالنشوز استفادة من القرآن الكريم وأصل النشوز هو القيام والارتفاع، يقال نشز الرجل ينشز إذا كان قاعداً فنهض قائماً. قال سبحانه وتعالى ((وَإِذا قِيلَ لكم انْشُزُوا فَانْشُزُوا)).

أي انهضوا إلى أمر من أمور الله تبارك وتعالى أو قوموا عن المكان حتى تذهبوا وسمي نشوز الرجل أو المرأة نشوزاً لأنه بمعصيته قد ارتفع عما أوجب الله تعالى عليه من واجبات تجاه الآخر أو لأنه قد ارتفع عن الآخر فلم يستعد للتساوي معه في المعاشرة والصداقة والتعاون وما أشبه ذلك ولذا يطلق النشوز على الرجل أيضاً فيما لو خرج عن الطاعة والالتزام بالأحكام المتعلقة في ذمته تجاه الزوجة.

وعليه فكل واحد من الزوجين إذا ارتفع عما أمر الله تعالى بالنسبة إلى الآخر ولم يعمل به يصدق النشوز بالنسبة إليه سواء كان هو الزوج أم كانت هي الزوجة، قال تبارك وتعالى: ((وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ)) ، وقال الله تعالى: (وأن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً).

ومنه يتضح أن النشوز أطلق في القرآن الكريم على كلا الزوجين والظاهر أن النشوز من المعاني العرفية الاجتماعية بين الناس وبهذا المعنى العرفي جعل مورد للحكم الشرعي ولهذا قسمه الفقهاء حسب ما استفادوه من الأدلة إلى أقسام ثلاثة.

القسم الأول نشوز الزوجة.

القسم الثاني في نشوز الزوج.

والقسم الثالث في نشوز كل منهما على الآخر وهذا الأخير اصطلحوا عليه بالشقاق كما قال تبارك وتعالى: ((وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما)).

والظاهر أن إطلاق الشقاق على ارتفاعهما لكون أحدهما في شق والآخر في شق فليسا هما في مكان واحد ولا على حالة واحدة ولا على تعاون واحد أو معاشرة واحدة.

ومن الواضح أن الشقاق مصدر من باب المفاعلة كالضراب ونحوه ومنه يظهر بأنه ارتفاع كل منهما على الآخر.

وكيف كان فإنا سنتعرض إلى تفصيل الأحكام في الأقسام الثلاثة حسب التسلسل.

  • نشوز الزوجة.

القسم الأول في نشوز الزوجة على الزوج.

وهو بمعنى خروج الزوجة عن طاعة الزوج الواجبة عليها وذلك لأنه لا يتحقق النشوز في غير ما يجب عليها بالنسبة إلى زوجها إجماعاً وهذا الخروج يتحقق بعدم تمكين نفسها وعدم إزالة المنفرات المضادة للتمتع والالتذاذ بها أو معها بل وترك التنظيف والتزيين مع اقتضاء الزوج لهما وذلك لمنافاته لتمكينها بما يطلبه الزوج من جهات الاستمتاع والالتذاذ التي هي من الحقوق الواجبة عليها ومع تقصيرها في كل ذلك مع العمد والاختيار يتحقق النشوز ويجري عليها أحكامه حينئذ

 وقد تقدم منا أن الاستمتاع الذي هو حق الزوج على أقسام.

منها: ما لم يرد فيه نهي شرعي ولا يكون مخالفاً لما هو متعارف ولا ريب أن في مثله إذا قصرت الزوجة تحقق النشوز موضوعاً.

ومنها : ما ورد فيه النهي الشرعي كمطالبة الزوجة بالوطي في حالة الحيض أو في حالة الإحرام أو في حالة الاعتكاف أو الصيام وغيرها فإن في مثل هذه الحالة لا ريب في عدم إطاعة الزوجة لزوجها إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وعليه فإنها إذا خالفته في هذه الأحوال لا يتحقق النشوز موضوعاً لذا يخرج هذا الأمر عن أحكام النشوز.

ومنها ما لا يكون مخالفاً للشرع ولكنه مخالف للعرف ومقتضى إطلاق وجوب طاعة الزوجة للزوج في مطلق استمتاعاته أن هذا يجب عليها القيام به أيضاً إلا إذا كان الاستمتاع من الموارد التي تنصرف عنه الأدلة وقد يبين الشارع قدر استمتاع الزوج من المرأة بمثل قوله عليه السلام (لا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب).

أو بقوله صلّى الله علّيه وآله (وعليها أن تتطيب بأطيب طيباتها وتلبس أحسن ثيابها وتتزين بأحسن زينتها وتعرض نفسها عليه غدوة وعشية).

وفي حديث آخر عنه صلّى الله علّيه وآله وسلّم (لا يحق لمرأة أن تنام حتى تعرض نفسها على زوجها تخلع ثيابها وتدخل معه في لحافه فتلصق جلدها في جلده فإذا فعلت فقد عرضت).

وغير ذلك مما فصلته النصوص.

وعليه فإنه يجب على الزوجة الاستجابة للزوج في مطلق الاستمتاعات ما دام لم يرد فيها نهي شرعي أو لم يكن فيها مستنكر عرفا بحيث ينصرف الدليل الشرعي عنها. ومن الواجبات على المرأة التي لو لم تفعلها تحقق النشوز هو خروجها من بيته من دون إذنه وذلك للإجماع وللنصوص التي بعضها ومنها ما في معتبرة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (قال: قال: صلّى الله علّيه وآله من  حق الزوج على الزوجة لا تخرج من بيتها إلا بإذنه).

وعليه فأنها إذا خرجت من المنزل بدون أذن الزوج ثم رجعت إليه فمقتضى الأصل بقاء النشور إلا أن تحصل منها التوبة أو كان نفس الرجوع إلى المنزل بعنوان التوبة فعلاً وحينئذ يتحقق في ذمتها وجوب مراضاة الزوج في مثل ذلك.

ومن الموارد التي يتحقق فيها النشوز موضوعاً هو العاملة مع الزوج بمذام الأخلاق وسيئها قولاً وفعلاً بل وحركة وسكوناً مما توجب النفرة الطبيعية للزوج عنها وتنقص الاستمتاع وهي تقدر على إزالتها من نفسها وعليه يظهر أن محققات النشوز أربع هي.

عدم التمكين وعدم إزالة المنفرات المضادة للتمتع والخروج من البيت من دون إذن الزوج والتعامل بمذام الأخلاق وسيئها وأما في غير ذلك كما لو تركت طاعة الزوج فيما ليس بواجب عليها فالظاهر أنه لا يتحقق النشوز معها حينئذٍ للأصل ولأطلاقات الأدلة والإجماع فمثلاً إذا امتنعت المرأة عما لا يجب عليها من الرضاع للأولاد والطبخ والكنس والغسل وما أشبه ذلك فإن هذه من الأمور المستحبة أو التي تقتضيها محاسن المعاشرة بالمعروف وليست بواجبة على المرأة فإذا لم تطع زوجها فيها فإنه لا يتحقق النشوز موضوعاً كما أنها لو امتنعت من خدمات البيت والقيام بحوائجه التي لا تتعلق بالاستمتاع من الكنس أو الخياطة أو غير ذلك حتى سقي الماء فنستصحب جميع أحكام الزوجية.

كما تشتملها الاطلاقات مثل (قوله تعالى ((وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)).

والدالة على لزوم معاشرة الزوج لها بالمعروف أيضاً في هذه الحالة.

لكن هل يجوز للزوج الضغط على الزوجة في غير حق الاستمتاع لتقوم بشؤون البيت والآداب الاجتماعية وغيرها أم لا ؟.

الظاهر أن مقتضى الأصل عدم ولاية الزوج على ذلك إلا إذا انطبق عليه عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهنا تفرعات ومسائل.

  • سوء أخلاق الزوجة والطرق الشرعية لمعالجتها.

المسألة الأولى: إذا ظهرت من الزوجة علامات النشوز والطغيان بسبب تغير عاداتها مع الزوج سواء بالقول أو الفعل كما لو كانت تجيب الزوج بكلام خشن بعد ما تجابهه بكلام لين أو تظهر عبوساً في وجهه أو تبدي تثاقلاً ودمدمة وقد كانت على خلاف ذلك وغيره من العلامات والإمارات التي هي كثيرة وتختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة والعادات والتقاليد والطوائف والأعراف والنساء..

فإنه في هذه الصورة يجوز للزوج هجر الزوجة في المضجع كتاباً وسنة وإجماعاً (قال تعالى ((وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً)).

وعن الباقر عليه السلام (قال: يحول ظهره إليها) بل ولأنه في مصاديق النهي عن المنكر فيترتب عليه حكمه قهراً متدرجاً من أساليب المعالجة من الضعيف إلى القوي ومن القوي إلى الأقوى كما هو شأن النهي عن المنكر في جميع الموارد.

ولعل مراتب التعامل المذكورة في الآية الشريفة من الموعظة ثم الهجر ثم الضرب لترتيب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولا يخفى أن الهجر في المضجع قابل للشدة والضعف وله مراتب كثيرة تختلف باختلاف الحالات والأشخاص والعادات لذلك فإن قوله تعالى ((وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ)).

يحمل على كونه نوعاً من العقوبة أو من الضغط النفسي على المرأة حتى تعود إلى الطاعة ولا يراد منه أن يكون المضجع واحد ويولى الرجل ظهره إليها بطبعه العادي في المعتاد وإنما المقصود منه أن يحول ظهره إليها بعنوان المنافرة والمباغظة أو يعدد المضجع كما لو كان في غرفة واحدة فينام في غرفة أخرى بقصد المنافرة والمباغظة وأما إذا لم يحتو الهجر على المباغظة والمنافرة فالظاهر أنه ليس بالهجر المقصود في الآية مصداقاً لأن المتيقن في الآية وأقوال الفقهاء هو ما كان هجراً دالاً على المنافرة بل وهو المتحصل من مجموع ما فسر في المقام وكلمات الأعلام فإذا لم ينفع ذلك فيها وتحقق منها النشوز مصداقاً جاز له ضربها حينئذ وذلك لنص الآية الشريفة.

والسؤال هنا هو أن الآية الشريفة قالت ((وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ)) فهل المقصود من العطف بالواو بين الموعظة والهجر والضرب هو الترتيب بمعنى أنه لا يجوز للزوج أن يهجرها في المضجع بعنوان المنافرة إلا بعد عدم جدوى الموعظة ولا يجوز له الضرب إلا بعد عدم جدوى الهجر في المضجع أم الواو هنا لمطلق الجمع وحينئذ يكون الزوج مخيراً في اختيار أي أسلوب من الثلاثة المزبورة يريد؟.

الظاهر وهو ما عليه جمع من الفقهاء أنه للترتيب خصوصاً وأنه إذا دخل في صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تترتب على بعضها البعض.

  •  هل ضرب المرأة الناشز إهانة؟.

وهنا سؤال آخر قد ينقدح في ذهن البعض وهو أن الآية الشريفة أمرت بضرب الزوجة لتعود إلى الطاعة أفلا يعد هذا إهانة لكرامة المرأة  ؟.

الظاهر أنه لا يعد إهانة وذلك لأن الضرب إذا كان لغاية نبيلة ولغاية شريفة فإنه يكون حسناً تبعاً لحسن غايته كما يضرب الأب طفله لأجل التأديب أو يضرب المعلم تلاميذه لأجل التعليم ويعد حسناً عند العقلاء ما دامت الغاية نبيلة وضرب الزوجة الناشز يراد منه إعادتها إلى الطاعة لدوام المعاشرة بالمعروف ولذا يكون حسناً هذا أولاً.

وثانياً أن الزوجة بخروجها عن طاعة الزوج تكون قد تمردت على حقوقه فيحق له استرداد هذه الحقوق.

وثالثاً أن الضرب خير من التنازع والتخاصم والمراجعة إلى المحاكم وربما فقدان الصبر ثم الطلاق خصوصاً مع ما يرافق ذلك من الفضيحة وتفاقم المشكلة أكثر فأكثر والطلاق موجب لهدم العائلة وتضييع الأولاد فعليه فإنه يدور الأمر بين أن يحكم الشارع بجواز ضرب المرأة من قبل الرجل من أجل التأديب والإرجاع إلى حق الطاعة أو أن يزيد المشكلة ويتركها للآخرين يحكمون فيها على رغم حدوث الكثير من الفضائح والمشاكل التي تؤول في الغالب إلى ضياع العائلة وحرمانها من الدفء والهناء فتنتهي بالنتيجة إلى ما لا تحمد عقباه.

ومن الواضح أن الضرب في هذه الصورة يكون أقل ضرراً وأكثر فائدة من غيره هذا مضافاً إلى أن المشاكل الروتينية التي تتوارد على المحاكم مما يوجب التأخير في حل الخصومات والمنازعات وهذا مما يضيع الحقوق في الغالب ويجعل العائلة في مزيد من الغليان والتأثر وربما دخول وسائط وأطراف أخرى تزيد المشكلة إعضالاً بدلاً من حلها فهل تتمكن المحاكم مثلاً أن تستقبل كل يوم مئات المنازعات من هذا القبيل وما اكثرها في المدن والقرى والأرياف؟ وعليه فإنه حتى من الناحية الإدارية والحقوقية والقانونية فأن الظاهر أن الضرب الهادف أحمد عاقبة من غيره فلذلك يكون الضرب هنا كضرب التلميذ في المدرسة وما أشبه مما هو أصلح عند العقلاء من ترك التلميذ يفسد ويتأخر.

كما هو أصلح من مراجعة المحاكم لأنه قد يصبح من المجرمين في المستقبل.         

  • خصوصيات الضرب الجائز شرعاً

ومضافاً إلى ذلك فإن الشرع الأقدس اشترط في مسألة الهجر في المضجع وكذا الضرب أن يكون بقدر ما يتأمل معهما رجوع الزوجة إلى الطاعة.

وأما الأكثر من ذلك فيكون من مصاديق الظلم والإيذاء وهو محرم شرعاً.

كما اشترط الشرع الحنيف أن لا يكون الضرب مدمياً ولا يكون شديداً مؤثراً في اسوداد بدنها أو احمراره لأصالة عدم جواز ذلك كله بعد كون الضرب المأذون فيه في الآية الشريفة أعم من ذلك كله خصوصاً وأن الضرب يكون من الضرورات والضرورات تقدر بقدرها.

كما اشترط أن يكون الضرب بقصد الإصلاح لا الانتقام لأنه المتيقن من سياق الآية المباركة والمأنوس من مذاق المتشرعة بالنسبة للمرأة التي هي كالأسيرة عند الزوج كما في الروايات فلو حصل بالضرب جناية على المرأة وجب على الزوج الغرم لعموم أدلة الجنايات الموجبة للضمان.

ومضافاً للإجماع ولذا ورد الضرب في الروايات مقيداً بأنه غير مبرح.

والمقصود من كونه غير مبرح أي ما لا يدمي لحماً ولا يهشم عظماً ويكون كضرب الصبيان للتأديب بحيث يتألم المضروب وفي نفس الوقت لا يوجب ضرراً في بدنه.

بل وفي تفسير مجمع البيان عن الباقر عليه السلام: (أنه الضرب بالسواك) ولعله لأن الضرب بالسواك من مصاديق الضرب ولكنه في نفس الوقت يوجب الإهانة النفسية فهو يجمع الضرب النفسي والضرب الجسدي خصوصاً إذا كان السواك طويلاً كما هو المتعارف عند بعض الناس.

وأما تفسير البعض للضرب بأنه الذهاب من عندها ففيه ما لا يخفي لمخالفته للظهور.

هذا ويجب اجتناب المواضع المخوفة الحساسة من البدن لدى الضرب كالوجه والخاصرة ومراقي البدن ونحوها.

وأن لا يوالي الضرب على موضع واد بل يفرق على المواضع الصلبة مراعياً فيه الإصلاح لا التشفي والانتقام إذ أن الضرب في صورة التشفي والانتقام محرم.

كما لا يجوز تخويفها بما لا يشمله الضرب المذكور كإلقائها في الماء بحيث تخشى الغرق أو إلقاء نار عليها وإن لم تحرقها أو إلقائها من شاهق وإن لم تتأذى بذلك ولكنها تخاف خوفاً متزايداً.

ولا يجوز نتف شعرها أو تعذيبها أو جماعها جماعاً عنيفاً يوجب جرح الموضع إلى غير ذلك من المحرمات شرعاً لأن الضرب المقصود في الآية هو الضرب الخاص الذي يوجب بعض الألم البدني والنفسي حتى تعود المرأة إلى حق الطاعة لما ذكرناه من أن المقصود من الضرب هو الغاية النبيلة لا الانتقام والتشفي وفوق ذلك كله فإن الأمر في الآية الشريفة في الهجر في المضجع والضرب إنما هو من قبال توهم الحضر وإلا فلا يجب شيء من الثلاثة على الزوج لأنه حقه وله أن يتنازل عن ذلك الحق ولكن في غير مورد النهي عن المنكر مما يشمله قوله تعالى: ((قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً)).

فإنه في هذه الصورة يجب لأنه من مصاديق النهي عن المنكر لا لأنه من حق الزوج ولذا وردت الروايات ناهية عن ذلك.

منها ما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه قال أني أتعجب ممن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها لا تضربوا نساءكم بالخشب فإن فيه القصاص).

وفي حديث حولاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه قال فأي رجل لطم زوجته لطمة أمر الله عز وجل مالك خازن النيران فيلطمه على حر وجهه سبعين لطمة في نار جهنم).

وعن الغوالي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أيما رجل ضرب امرأته فوق ثلاث أقامه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق فيفضحه فضيحة ينظر إليه الأولون والآخرون).

إلى غير ذلك من الروايات التي تدل أولاً على حرمة ضرب المرأة من غير ضربها في حالة النشوز إرجاعاً لها للطاعة.

  • حكم الشك في النشوز.

المسألة الثانية : إذا شككنا في تحقق النشوز من جهة أنها كانت بطبعها سيئة الأخلاق أو أنها خشنة أو غير ذلك مع سبق الإطاعة فإنه يحكم بعدم النشوز ومع سبق النشوز تكون ناشزة حينئذ وذلك للأصل في الموردين ومع الجهل للحالة السابقة تجب على الزوج أن يعمل بتكاليفه تجاهها من وجوب النفقة وعدم جواز الهجر الضرب وغيرها.

  • هل في النكاح المنقطع نشوز؟

المسألة الثالثة: لا يتحقق النشوز بالنكاح المنقطع لأن عدم تمكين الزوجة لا يوجب شيئاً عليها إلا تقسيط الأجرة كما ذكره الفقهاء في النكاح المنقطع واما خروج المتمتع بها من البيت بغير إذنه فيجوز لما بينه الفقهاء أيضاً في ذلك النكاح.

كما لا يتحقق النشوز إن حصل منها زماناً لا ينافى الاستمتاع في الدائم ثم نزلت ورجعت إلى طاعته لأن النشوز إنما يتحقق بما يضاد الاستمتاع وينافيه والمفروض عدم ذلك فيجري الأصل بالنسبة إلى الأحكام على الزوج.

  • إذا تشارط الزوجان على عمل أو وظيفة.

المسألة الرابعة: لو اتفق الزوجان في عقد النكاح على شرط كزوجها عن البيت لممارسة وظيفتها أو حرفتها مثلاً ثم بعد ذلك أظهر الزوج عدم رضائه بذلك بلا عذر شرعي له فإنه ليس له ذلك ولا يتحقق به النشوز لعموم وجوب الوفاء بالشرط.

  •  إذا أختلف الزوجان.

المسألة الخامسة: لو ادعت عذراً في نشوزها تسمع دعواها لفرض ثبوت الأثر على هذا الدعوى فتخاصم الزوج ويحكم الحاكم بمقتضى موازين القضاء ولو ادعى النشوز وانكرت هي يقبل قولها مع اليمين أما الأول: فلأصالة عدم النشوز وأما اليمين فلقطع الخصومة نعم إذا كان للزوج بينة في ذلك فمقتضى القاعدة تقديم البينة لأنها حجة شرعية تقدم على غيرها.

المسألة السادسة: هل تصح عبادات المرأة في حال النشوز؟ فيه وجهان.

الوجه الاول: هو عن جمع من الفقهاء حيث ذهبوا إلى البطلان وذلك لما يستفاد من مجموع ما ورد في تمكين الزوجة للزوج من مبعوضية ذات العمل الذي ينافي الاستمتاع.

والوجه الثاني: عن جمع آخر من ابتناء المسألة على كبرى اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده وعدمه.

فعلى القول بالاقتضاء تبطل عبادتها وتأثم وعلى القول بعدم الاقتضاء لا تبطل عبادتها ولكنها تكون آثمة.

  •  نشوز الزوج عن الزوجة .

إذن كما يكون النشوز من طرف الزوجة قد يكون من طرف الزوج أيضاً وذلك بتعديه على الزوجة وعدم القيام بالحقوق الواجبة عليه فإذا ظهر الزوج النشوز بمنع حقوقها من قسم ونفقة ونحوها فلها المطالبة بها لقاعدة أن لكل ذي حق مطالبة حقه ممن يعطله ويضيعه والتي هي توافق حكم العقل والنقل أيضاً ففي بنينا الأعظم صلّى الله علّيه وآله: (لصاحب الحق اليد واللسان).

وغير ذلك مما فصله الفقهاء في كتاب القضاء.

كما يجوز لها أن تعضه للقيام بواجبه فإن لم يؤثر رفعت أمرها إلى الحاكم فليزمه بها لأن الحاكم منصوب في الشرع لمثل ذلك من الأمور الحسبية وإحقاق الحق وإبطال الباطل.

وهل للزوجة أن تهجر زوجها في المضجع أو تضربه أم لا ؟ هناك قولان.

القول الأول: لصاحب الشرائع (رضوان الله عليه) وتبعه في ذلك صاحب الجواهر وغيره وصرحوا بأنه ليس للزوجة أن تهجر الزوج ولا تضربه وذلك للأصل وظهور الإجماع واشتمال الآية المباركة لضرب الزوج للزوجة عند نشوزها دون العكس متوقفاً على موضع الدليل قالوا بعدم جواز ضربه وهجره.

القول الثاني: وهو ما ذهب إليه جمع من الفقهاء ومنهم سماحة السيد الشيرازي دام ظله في الفقه حيث قالوا بأن للمرأة ذلك كما للرجل واستدل بذلك لقوله تعالى ((وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)).

وهذا لا ينافي قوله سبحانه وتعالى ((وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)) لأن المراد من الدرجة هنا ((بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ)) كما هو صريح الآية.

كما أن هذا لا ينافي قوله سبحانه وتعالى ((بِالْمَعْرُوفِ)) لأن إرجاع الزوج إلى الطاعة لله سبحانه وتعالى في إعطاء المرأة حقوقها هو أيضاً من مصاديق المعروف ويؤيده قوله سبحانه وتعالى ((هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ)).

والآية هذه تدل على التساوي في الحقوق والواجبات إلا فيما خرج بالدليل ولا يوجد دليل من نص أو إجماع يدل على أن المرأة لا يجوز لها أن تضرب الزوج أو تهجره خصوصاً إذا دخل الضرب والهجر في صغريات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه حينئذ تشمله إطلاقات أدلتهما ويؤيده أيضاً أنه لم يقل أحد في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بخروج الزوج بالنسبة إلى الزوجة عن ذلك.

وأما ما استدل به القوم من أن الآية الشريفة ذكرت الزوج ولم تذكر الزوجة فلأن هذا  منصب إلى المتعارف أو غالباً الأزواج هم الذين يضربون الزوجات والآية نزلت حسب المتعارف لا للحصر والمنع منه.

ويؤيده أن الآية لم تذكر الوعظ أيضاً أي وعظ المرأة للزوج فيما إذا نشز الزوج فهل يقال حينئذ أنه ليس للزوجة أن تعظ الزوج إذا نشز؟.

والظاهر أنه لا مجال للقول به مما يدل على أنه ذكر الزوج ليس إلا لعدم التعارض ولخوف المرأة من الطلاق غالباً إذا مارست ضرباً على زوجها لأن أمر الطلاق بيده ومنه يظهر أيضاً إجبار الزوج بأخذ حقها منه مثل غلق الباب عليه في ليلة حقها ليبيت عندها ومثل الأخذ من ماله إذا لم ينفق عليها ويدل على ذلك كله العمومات والإطلاقات مضافاً إلى قول الرسول صلى الله عليه وآله في هند بالأخذ من مال أبي سفيان كما عرفت تفصيله.

والظاهر أنه حكم شرعي لأنه الأصل في أقوالهم عليهم الصلاة السلام لا إجازة خاصة لهند بالخصوص من باب الولاية الشرعية للحاكم على شؤون الناس.

وعليه تكون المرأة في صورة نشوز الزوج مخيرة بين الرجوع إلى الحاكم وبين أخذ حقوقها بنفسها كما أن الزوج أيضاً مخير بين الرجوع إلى الحاكم وبين الهجر والضرب وما أشبه ذلك.

ويظهر أيضاً أن لها المنع عن بعض حقه في مثال المنع عن حقها كما يظهر من الأدلة خصوصاً وأنه من مصاديق المقاصة.

  • هل يجوز التنازل عن الحقوق الزوجية ؟

ومن المسائل المتفرعة على ذلك أن للزوجة ترك حقوقها من قسمة أو نفقة استمالة للزوج ويحل للزوج قبول ذلك وقد ادعى في الجواهر عدم الخلاف فيه بل الإجماع بقسميه عليه مضافاً إلى الأصل والكتاب والسنة إذ هو المراد من قوله تعالى ((وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً)).

وأن يتصالحا على أن تطيب له نفسا عن قسمة أو بعض القسمة والظاهر أن للرجل الصلح أيضاً إذا خاف من أعراض المرأة بما لا يجب عليها من رضاع الولد وكنس وطبخ وغسل وزيادة صنعة من الشؤون المنزلية أو مشاركة في الإنتاج في مثل الخياطة أو الزراع والراعي وغيرهم حيث تساعدهم زوجاتهم في الإنتاج غالباً وذلك لاطلاق الأدلة وللنماط في مقام وليس الأمر خاصاً في نشوز الزوج وأعراضه.

وكذا إذا كانت الزوجة وكيلة في طلاق نفسها فأرادت الطلاق فاستمالها الزوج لعدم الطلاق بالتنازل عن بعض حقوقه.

وكيف كان فإنه يدل على ذلك متواتر الأخبار مثل صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن قوله تعالى ((وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ)) إلى آخر الآية فقال عليه السلام هي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها إني أريد أن أطلقك فيقول له لا تفعل إني أكره أن تشمت بي ولكن أنظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت وما كان سوى ذلك من شيء فهو لك ودعني على حالتي وهو قوله سبحانه ((فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا) وهذا هو الصلح           .

وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن قول الله عز وجل ((وَإِنِ امْرَأَةٌ)) إلى آخر الآية قال هذا تكون عنده المراة لا تعجبه فيريد طلاقها فتقول له امسكني ولا تطلقني وأدع لك ما على ظهرك وأعطيك من مالي وأحللك من يومي وليلتي فقد طاب ذلك كله).

هذا إذا ترك الزوج بعض حقوقها غير الواجبة أو همّ بطلاقها مثلاً وأما لو ترك بعض حقوقها الواجبة أو آذاها بالضرب أو الشتم وغير ذلك فبذلت مالاً أو تركت بعض حقوقها لتقوم بما ترك من حقها أو ليمسك عن أذيتها أو ليخلعها فتخلص من يده حرم عليه ما بذلت لأنها حينئذ كالمظلوم الذي يبذل ماله للتخلص من ظلم الظالم فالأخذ حرام عقلاً وإجماعاً وإن كان يجوزالبذل منها حفظاً للنفس.

وإن لم يكن من قصده إلجاءها بالبذل على الأقوى وذلك لأنه ليس المناط على قصده وإنما المناط كله هو ترتب عنوان التخلص من الظلم على بذلها ولا ريب في تحقق هذا العنوان لو بذلت إليه تخلصاً من ظلمه.

  • في ولاية الحاكم على الزوج الناشز.

ثم إن الحاكم الشرعي إذا اطلع على نشوز الزوج وتعديه على زوجته نهاه عن فعل ما يحرم عليه وأمره بفعل ما يجب عليه لأدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشامل للمقام وغيره فإن نفع معه ذلك فبها وإلا حذره بما يراه صالحاً لأن للحاكم ولاية التحذير على من أصر على ترك المعروف وفعل المنكر.

وللحاكم أيضاً الإنفاق من مال الزوج الممتنع بصورة امتناعه من ذلك ولو ببيع عقاره إذا توقف عليه لأنه لامعنى لولايته على إحقاق الحق وإبطال الباطل إلا بإمثال ذلك.

  • في الشقاق بين الزوجين.

وأما القسم الثالث.

وهو الشقاق أي نشوز كلا الطرفين على بعضهما فإنه إذا وقع نشوز من الزوجين ومنافرة وشقاق بين الطرفين وانجر أمرهما إلى الحاكم الشرعي بعث حكمين حكما من جانب الزوجة وحكماً من جانب الزوج للإصلاح ورفع الشقاق بما يراه من الصلاح بالجمع بينهما أو الفراق.

والظاهر أن حالة الزوجين فيما بينهما لا تخلوا عن أحد أقسام أربعة.

الأول:أن يتحدا ديناً وعقلاً وأدباً وأخلاقاً ومن جميع الجهات الداخلية من حيث الإدارة والعقل والرضى والسخط والشهوة ونحوها فيما له دخل كثير في الألفة والمعاشرة الحسنة والبقاء على الزوجية مع النسل الصالح وهذه هي التي ورد فيها المدح عن العقلاء بل والأنبياء وأئمة الهدى وعن نبينا الأعظم صلّى الله علّيه وآله وسلّم (أنها من سعادة المرئ).

الثانية: عكس ذلك من كل جهة ، وذمها معلوم من كل أحد وهي المتيقنة من قولهم عليهم السلام: (التراب خير منها).

وعن نبينا الأعظم صلّى الله علّيه وآله وسلّم (كان يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من ولد يكون على ربحاً ومن مال يكون علي ضياعاً ومن زوجة تشيبني قبل أوان مشيبي).

الثالث:التباين أخلاقاً والتوافق من سائر الجهات.

الرابع: عكس الثالث.

وإنما قلنا بأنجرار أمرها إلى الحاكم في صورة ما إذا لا تنفع النصيحة ولو من الأقرباء أو من الأصدقاء أو لم يكن ناصح في البين مسموع الكلمة منهما.

والظاهر أن الآية الشريفة التي تقول: ((وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما)) لا تدل على أن المراد   حدوث الشقاق بينهما بل المراد كفاية خوف البقاء على ما حدث قبل ذلك وخوف الاستمرار والاستدامة لما أن ظاهر الأمر في الآية الكريمة ((فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها)) يراد منه الوجوب المولوي كما في سائر الأوامر من الكتاب والسنة المشتملة على الأوامر ولكن يمكن أن يقال إنه إرشاد أيضاً إلى طريق الإصلاح في الحياة الزوجية فحينئذ لا يستفاد منه الوجوب المولوي كما قد يستفاد من الآيتين ان المراد من الإصلاح ما يشمل المعروف والمحبوب عند الشرع بل عند جميع الناس وأن الخطاب موجه إلى كل من يطلع على الموضوع ويتمكن من المساهمة في رفع الشقاق بينهما بقول حسن وتدبير لطيف أو ما أشبه ذلك لأنه يدخل مصداقا بقوله تعالى ((فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)).

وعليه فإن مهمة الإصلاح بين الزوجين لا تختص بالحاكم الشرعي إلا إذا كان التنازع والتخاصم بينهما يحتاج إلى فصله بحسب موازين القضاء وإلا فمع إمكان الإصلاح بينهما عن طريق الأقرباء أو الأصدقاء أو الأبناء أو ما أشبه ذلك فمقتضى القاعدة ضرورة المساهمة فيه كما وربما يمكن أن يستفاد من الآية بل وهو مقتضى اطلاقها واطلاق الروايات أيضاً عدم اعتبار التفاتهما إلى ذلك بعد تحقق علم الحكمين بخصوصيات الشقاق بينهما من الخارج بمصاحبة أو معاشرة أو نحو ذلك وقد تقدم أن بعث الحكمين أحد طرق الإصلاح كما إن المراد من الحاكم الشرعي هو ما إذا توقف عليه رفع الشقاق لاحتياجه إلى القضاء وإلا فيكفي مطلق من له عقل وتدبير وتمكين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأما قوله سبحانه ((إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما)) ففيه احتمالات.

الأول: إن قصد الحكمان إصلاح ذات البين بان كانت نيتهما خالصة صحيحة وقلوبها مرتبطة بالله سبحانه وتعالى أنزل الله على الزوجين الألفة والوفاق بدل الشقاق.

الاحتمال الثاني: ان الضميرين يعودان للزوجين أي ان يريدا إصلاح ما بينهما وطلب الخير وأن يزول عنهما الشقاق ينزل الله عليهم الألفة وإبدالهما بالشقاق وفاقا وبدل البغضاء محبة ومودة إن الله كان عليما خبيرا.

والمستفاد من عموم الفتاوى والأدلة أن الحكم يرجع إلى الحكمين لا إلى الزوجين فإن (قوله سبحانه وتعالى ((وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً))

ورد عن الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (قال سألته عن قول الله عز وجل فابعثوا حكماً من أهلها وحكماً من أهلها قال: ليس للحكمين أن يفرقا حتى يستأمر الرجل والمرأة ويشترط عليهما أن شاءا جمعاً وأن شاءا فرقا فإن جمعا فجائز وأن فرقا فجائز).

وفي معتبرة علي بن أبي حمزة (قال سألت العبد الصالح عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالى ((وإن خفتم شقاق بينهما)) فقال يشترط الحكمان أن شاءا فرقا وأن شاءا جمعا ، فرقا أو جمعا جائز).

إلى غير ذلك من الروايات (ولعل المراد بقوله عليه السلام جائز) أي نافذ.

  • أحكام المصلحين

وهنا ينبغي بيان بعض الأحكام المتعلقة بالمصلحين أو بالحكمين.

المسألة الأولى: يجب على الحكمين البحث والاجتهاد في حال الزوجين وفي ما هو السبب والعلة لحصول الشقاق بينهما ثم يسعيان في أمرهما كما هو شأن كل حكم وحاكم عرفاً وشرعاً فكلما استقر عليه رأيهما حكما به ونفذ على الزوجين ويلزم عليهما الرضا به إجماعاً ونصا بشرط كونه سائغاً للإجماع ولضرورة الفقه كما لو شرطا على الزوج أن يسكن الزوجة في البلد الفلاني أو في مسكن مخصوص أو عند أبويهما أولا يسكن معها في الدار أمه أو أخته ونحو ذلك ولو في بيت منفرد أولا تسكن معها زوجته الأخرى في دار واحدة ونحو ذلك أو شرطا عليها أن تؤجله في المهر الحال إلى أجل أوترد عليه ما قبضته قرضاً ونحو ذلك بخلاف ما إذا كان غير سائغ كما إذا شرطا عليه ترك بعض حقوق الضرة من قسم أو نفقة أو خروج من بيته حيث شاءت وأين شاءت ونحو ذلك لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله.

مضافا إلى الإجماع والنص على بطلان الشروط المخالفة للشرع حكماً كان الشرط أو غير حكم.

ولو حكم الحكمان على أحدهما بشيء يجب عليه العمل به أن شرط ذلك حين بعث الحكمين وإلا كان لغواً.

وهل يجوز أن يكون شخص واحد حكماً عن كل منهما بأن يبلغ كلام كل منهما إلى الآخر ثم يصلح بينهما بما يراه.

الظاهر أن مقتضى الأصل الجواز بعد ترتب الأثر عليه.

والظاهر أن الآية ذكرت الحكمين من باب الغالب لا التقييد الحقيقي خصوصاً إذا كان الحكم الواحد مقبولاً من الطرفين ومسموع الكلمة بينهما ومحترم الشخصية.

كما يجوز أ ن يبعث أحدهما حكماً دون الآخر بل يتصدى لذلك بنفسه لفرض ترتب الأثر على ذلك وأصالة عدم اعتبار جعل حكم مستقل وقلنا أن ذكر التعدد في الآية المباركة إنما هو من باب الغالب والتسهيل.

  •  لا شقاق في زواج المتعة.

والأولى بل الاحوط أن يكون الحكمان من أهل الطرفين بأن يكون من أهله وحكم من أهلها فإن لم يكن لهما أهل أو لم يكن من لأهلهما من هو أهل لهذا الأمرتعين من غيرهم ولا يجب أن يكون من جانب كل منهما حكم واحد بل لو اقتضت المصلحة بعث أزيد من واحد تعين ذلك لأن المناط هو تحقق الصلاح والإصلاح وإزالة التنافر بينهما.

ولابد لحكم الزوج أن يخلو به ليطلع على الخصوصيات والأسرار وكذا حكم الزوجة وخلوته  خلوة غير محرمة بها ولابد لهما من بيان واثق وعدم خوف أحدهما من الآخر وعدم حشمته في البين كل ذلك لأن يظهر الحق ويرفع التباغض والباطل ويقع الإصلاح إن شاء الله تعالى.

ولو اجتمع الحكمان على التفريق ليس لهما ذلك إلاّ إذا اشترطا عليهما حين بعثهما بأنهما إن شاءا جمعا وإن شاءا فرقا وحيث أن التفريق لا يكون إلا بالطلاق فلابد من وقوعه عند اجتماع شرائطه بأن يقع في طهر لم يواقعها فيه وعند حضور العدلين ولو اختلفا في الطلاق فاختار حكم الزوج ذلك بخلاف حكم الزوجة لا يصح الطلاق. وذلك للنصوص الخاصة في المقام والظاهر أنه لا يعتبر حضور الزوجة في اعتبار رأي الحكمين فلو غابا يصح حكمهما وظهور الاطلاق بلا فرق في ذلك بين غيابها أو غياب أحدهما وبين السفر وغيره ولو إطلع الحكمان على الشقاق بين الزوجين فقاما بالإصلاح بينهما بما رأيا من دون علمهما ثم راجعاهما فأمضيا وأجازا ما فعلاه فالظاهر الصحة لكون الإجازة اللاحقة بمنزلة الإذن السابق إن لم يكن طلاق ولابد في الحكمين من الخبروية بجهة الإصلاح بينهما فلا تعتبر فيهما العدالة والإجتهاد وهل يعتبر الإسلام في الحكمين؟.

وجهان في المسألة.

مقتضى الأصل وإطلاق الأدلة عدم الإعتبار.

ومقتضى الإنصراف الاعتبار.

لكن الحق في المقام أن يقال أن الزوجين إن كانا مسلمين فالمنساق من ألأدلة حينئذٍ اعتباره في الحكمين وإن لم يكونا مسلمين فالإطلاق محكم من غير وجه للترخيص بعد كونهما صالحين للحكمية ولو كان واحد منهما أهل مسلم وغير مسلم وهما كانا مسلمين فالمنساق من الادلة بعث المسلمين.

ثم أن موضوع الشقاق يجري في الزواج الدائم فلا يجري في الزواج المنقطع للأصل واطلاقات الادلة.