المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 013.doc

حقوق الزوجية

من الواضح أن لكل واحد من الزوجين حقاً يجب على صاحبه القيام به فكما يجب على الزوج النفقة من الكسوة والمسكن والمأكل والإسكان فكذلك يجب على الزوجة التمكين من الاستمتاع وتجتنب ما ينفر الزوج منه وبشكل عام لكل من الزوج والزوجة حقوق على الآخر بعضها واجبة وبعضها مستحبة لكن المستفاد من الأدلة أن حق الزوج أكثر من حق الزوجة وأعظم من جهة عقلانية الرجل وعاطفية المرأة مما تحتاج بسببها إلى قيّم حتى أنه ورد عن النبي صلّى الله علّيه وآله و سلّم (لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها).

وهناك روايات أخرى مستفيضة بين المسلمين تدل على ذلك بل وفي الكتاب العزيز قوله سبحانه وتعالى ((وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ))(1)

ولعله عقلاً المسألة هكذا أيضاً لأن الرجل هو القائم بالمصالح كالنفقة وتربية الأولاد فيكون حقه أعظم.

ولعله يمكن تقسيم الحقوق الزوجية إلى قسمين:

القسم الأول: هي الحقوق المستحبة والإرشادية التي تزيد في سعادة الحياة الزوجية إذا راعاها الطرفان.

القسم الثاني: الحقوق الواجبة:

أما القسم الأول فالذي يراجع الروايات الواردة في الآداب والسنن في العلاقات الزوجية يجد أنها تعرضت لبعض الحقوق التي ينبغي للمرأة أن تراعيها لزوجها مضافا إلى   وجود الحقوق التي يجب على الزوج ان يراعيها للزوجة.

فأما حقوق الزوج فمنها ما رواها محمد ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال (جاءت امرأة إلى النبي صلّى الله علّيه وآله و سلّم فقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة  فقال لها أن تعطيه ولا تعصيه وأن لا تصدق من بيته إلا بإذنه ولا تصوم تطوعاً إلا بإذنه ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه وإن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها).

والقتب بالتحريك: رحل البعير وهو صغير عدا السنام وجمعه(أقتاب) كأسباب(2) وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت ماحق الزوج على المرأة قال أن تجيبه على حاجته وإن كانت على ظهر قتب  ولا تعطي شيء إلا بإذنه فإن فعلت فعليها الإزر وله الأجر ولا تبيت ليلة وهو عليها ساخط، فقالت يا رسول الله وإن كان ظالماً؟ قال نعم قالت والذي  بعثك بالحق لا تزوجت زوجاً أبداً).

والظاهر أن المراد من الظلم من هذه الرواية ليس الظلم الحقيقي وإنما المراد ما تزعمه الزوجة ظلماً كما هو المتعارف عند بعض النساء من أنهن لا يقفن عند حقوقهن وحدودهن، فإذا رأينا الزوج على خلاف ما يتوقعنه منه نسبنه إلى الظلم وإلى فإن وقوع الظلم من كل أحد لا يجوز.

وعن أبي بصير أيضاً (قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النساء فقال يا معاشر النساء تصدقن ولو من حليكن ولو بتمرة ولو بشق تمرة فإن أكثركن حطب جهنم وإنكن تكثرن اللعن وتكثرن اليسير فقالت امرأة من بني سليم لهاعقل يا رسول الله ألسنا نحن الأمهات الحاملات المرضعات أليس منا البنات المعينات والأخوات المشفقات؟ فرق لها رسول الله صلى الله عليه وآله فقال حاملات والدات مرضعات رحيمات لو لا ما يأتين إلى بعولتهن ما دخلت مصلية منهن النار)

والظاهر أن المقصود من قوله (لها عقل) أي لها فهم وعلم وذكاء.

وعن أبي الصباح الكناني على أبي عبد الله عليه السلام (قال إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحجت بيت ربها وأطاعت زوجها وعرفت حق علي عليه السلام فلتدخل من أي أبواب الجنان شاءت)

وعن موسى ابن بكر عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: (جهاد المرأة حسن التبعل)

هذا بعض ما ورد في حقوق الزوج على الزوجة وهو كثير ولكنا اكتفينا بهذا القدر.

وأما ما ورد متضمناً حقوق المرأة على الزوج فمن ذلك ما رواه إسحاق بن عمار قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما حق المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ قال: يشبعها ويكسوها وإن جهلت غفر لها)

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال (جاءت امرأة إلى رسول الله صلّى الله علّيه وآله و سلّم فسألته من حق الزوج على المرأة فأخبرها ثم قالت فما حقها عليه؟ قال: يكسوها من العري ويطعمها من الجوع وإن أذنبت غفر لها فقالت ليس عليه شيئ غير هذا؟ قال صلّى الله علّيه وآله و سلّم :لا).

والرواية طويلة أخذنا منها موضع الشاهد (وعن سفيان أبي عيينة عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام ان رسول الله صلّى الله علّيه وآله و سلّم قال: (أنا أولى من كل مؤمن من نفسه وعلي عليه السلام أولى به من بعدي فقيل : له ما معنى ذلك؟ فقال: قول النبي صلّى الله علّيه وآله و سلّم من ترك ديناً أو ضياعاً فعلي ومن ترك مالاً فلورثته فالرجل ليس له ولاية على نفسه إذا لم يكن لديه مال وليس له على عياله أمر ولا نهي إذا لم تجري عليهم النفقة والنبي وأمير المؤمنين ومن بعدهما ألزمهم بهذا فمن هناك صارا أولى بهم من أنفسهم وما كان سبب إسلام عامة اليهود إلا من بعد هذا القول من رسول الله صلّى الله علّيه وآله و سلّم فإنهم أمنوا على أنفسهم وعيالا تهم)

والروايات في هذا المجال متضافرة.

ومن الواضح أن مراعاة الحقوق بين الطرفين لكل واحد منهما للآخر موجب لمزيد المحبة والوئام والسعادة الزوجية.

وقد دل الكتاب والسنة المتواترة بين المسلمين بل وسيرة العقلاء في جميع المسلين على لزوم مراعاة الحقوق الزوجية بين الطرفين.

أما من الكتاب فقوله سبحانه وتعالى ((وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) وقد فسر ذلك علماؤنا في جملة من المسائل التي تنفع في المقام.

وواضح أن الآية في مقام بيان أصل الحقيقة للمرأة والرجل وأما الكيفية والكمية فأوكلهما الشرع المقدس إلى ما تعارف عليه الناس وما بينه الشرع المقدس بواسطة النصوص الخاصة التي عرفت بعضها.

  • الحقوق الواجبة... حق الوطي

وأما الحقوق الواجبة وهي التي تهمنا في هذا البحث لأنها الأهم فهي على قسمين:

القسم الأول : حقوق الوطي

والقسم الثاني: حقوق المعاشرة

فإن من الواضح أن للزوج حق الوطي متى شاء ومتى أراد إلا أن يمنع من ذلك مانع أو عذر.

وأما حق الزوجة في الوطي ففيه قولان:

القول الأول وهو المشهور أن لا حق لها إلا في كل أربعة شهور واستدلوا لذلك بصحيح صفوان بن يحيى (عن الرضا عليه السلام أنه سأله عن الرجل تكون عنده المرأة الشابة يمسك عنها الأشهر والسنة لا يقرب لها ليس يريد الإضرار بها يكون له مصيبة يكون في ذلك آثماً قال عليه السلام إذا تركها أربعة أشهر كان آثماً بعد ذلك)

وفي أخرى أضيف فيها (إلا أن يكون بأذنها) وأما القول الثاني فإنه لم يحدد ذلك بأربعة شهور بل بحسب الحاجة اليه في المرأة أو أقتضاء الرغبة وذلك لأن قوله سبحانه وتعالى: ((فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ)) يشمل حتى الجماع فإذا كانت المرأة لها اقتضاء الجماع لشهوة وشبق فيها كثير بحيث لا تصبر على القليل أو كان تأخير المجامعة عسراً عليها وسبب للحرج أو الضرر فإنه يجب على الزوج اشباع رغبتها فإن عدم ذلك خلاف قوله تعالى ((فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ)).

وأما الرواية التي استدل بها المانعون فالظاهر أنها منصرفة إلى غير ذلك بل يمكن أن نؤيده بأن اشباع الرغبة الجنسية أهم في بعض الموارد من وجوب الكسوة والنفقة وما أشبه ذلك فالقول بوجوب الكسوة والنفقة مع عدم القول بلزوم إشباع الرغبة الجنسية بعيد عن مذاق الشارع.

وربما يؤيد ذلك طائفة كبيرة من الروايات فضلاً عن الأيات الشريفة منها ما رواه اسحق ابن عمار عن جعفر عليه السلام عن أبيه (أن علي عليه السلام سئل عن المرأة تزعم أن زوجها لا يمسها ويزعم أن يمسها قال يحلّف ثم يترك) فإنه إذا لم يكن المس لازماً كان اللازم التفصيل في الجواب فترك التفصيل دليل العموم.

بل لا يبعد استفادة ذلك من قوله تعالى: ((وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) فكما أن على المرأة الإطاعة في الجماع على الرجل الاستجابة لذلك بالمعروف إلا في صورة الضرر والحرج وما أشبه ذلك.

كما يمكن الجمع بين القولين بأن نقول أن وجوب المجامعة على الرجل أكثره في الأربعة أشهر أما في الاقل من ذلك فانه يجب إذا كان تركه يسبب ضرراً أو حرجاً على المرأة ومن ذلك يعرف أن للمرأة حق الطلاق ان لم تصبر على أربعة أشهر ولم يستجب الزوج لها فإن الحاكم الشرعي في مثل ذلك يخيره بين الامساك بمعروف والتسريح بإحسان سواء كان عدم جماعه لمانع في بدنه كالمرض مثلاً أو أنه سجن مثلاً أو سافر سفراً طويلاً أو نحو ذلك فإن مثل (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) ((وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)) يشمله كما أن قوله سبحانه وتعالى ((يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)) وقوله صلى الله عليه مسألة (ان هذا الدين رفيق) إلى غير ذلك يجيز للمرأة أن ترفع أمرها إلى الحاكم وتطلب الطلاق.

ولكن الظاهر أن الفتوى به مما يحتاج إلى بعض التأمل والتدقيق.

ولا يختلف الحكم المذكور بين الزوجة الدائمة والمتمتع بها كما لا يختلف الحكم بين الشابة والعجوز على الأظهر كل ذلك لإطلاقات الأدلة.

ولكن هل يختلف هذا الحكم بين السفر والحضر بأن يجوز للزوج أن يترك الجماع في صورة السفر أما في صورة الحضر فيختص به الحكم المذكور؟

الظاهر عدم الفرق بين الحاضر والمسافر إلا في سفر الضرورة أو سفر الواجب ومع ذلك فإنه إذا صدق على السفر بإنه مخالف للامساك بمعروف كان لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي فيطلقها كسفر التجارة الطويل مثلاً فمع أنه ضرورة من الضرورات وربما يعد امتثالاً لحكم الشرعي من بعض الجهات إلا أن المرأة إذا كانت لا تصبر على المدة الطويلة لم يكن للزوج تركها بل لها أن تطلب الطلاق وهل يشترط أن يكون الوطي الواجب من القبل أم يكفي الوطي من الدبر؟

الظاهر أن في كفاية الوطي من الدبر إشكال كما أن الإدخال بدون إنزال فيه إشكال لانصراف الخبر إلى الوطي المتعارف الذي هو إرفاق بالزوجة وإطفاء لغريزتها وهو من دون الوطي الكامل محل تأمل.

ومنه يعلم عدم كفاية الإدخال لرأس الحشفة بل اللازم جميعه كما هو المتعارف والظاهر عدم توقف وجوب الوطي على مطالبتها وذلك لوجوب أداء كل حق لصاحبه سواء طلب ذو الحق أم لا، فحال الوطي حال الدين والفقه وغيرها فإذا جهلت المرأة بالحق مثلاً لم يسقط ذلك الوجوب عن الزوج نعم يجوز للزوج أن يترك الوطي إذا رغبت ذلك أو اشترط عليها ذلك حين العقد لأن حق الوطي كسائر الحقوق قابل للإسقاط بالشروط أو بالرضى فحاله حال ما إذا شرطت على الزوج عدم مقاربتها مطلقاً أو عدم مقاربتها في بيت أهلها مثلاً أو في زمان خاص مثلاً فإن مقتضى القاعدة نفوذ هذا الحق وأما في صورة عدم التمكن من الوطي لعدم انتشار العضو مثلاً أو لوجود موانع أو أعذار فهل يجوز لها المطالبة بالطلاق؟ فيه قولان:

قول بالعدم لأنه معذور من الوطي والمعذور لا يكلف بمورد العذر.

والقول الثاني بأنه إذا صدق عليه بأنه منافي للإمساك بالمعروف أو وقعت الزوجة بالعسر والحرج فلها أن تطالب بالطلاق فحال الوطي في مثل هذه المسائل حال ما إذا عجز عن الإنفاق عليها أو عجز عن حمايتها في قبال الأعداء وتمكنت من ذلك بسبب زوج آخر إذا طلقها هذا الرجل فإنها لها الحق بالمطالبة بذلك وكذا المسألة فيما إذا كان الرجل مريضاً بمرض معد أو بمرض خطير فإن مقتضى القاعدة أنه يجوز لها المطالبة بالطلاق لأن المقاربة أو المعاشرة مع زوج مريض بمرض خطير أو معد يتنافى مع الإمساك بالمعروف.

نعم الأمراض العادية أو المتعارفة أو القابلة للعلاج فلا يثبت لها حق المطالبة بالطلاق.

واما إذا سافرت الزوجة أو غابت عن الزوج غيبة طويلة وكان ذلك باختيارها فإن ذلك معناه إسقاط حقها واما إذا لم يكن باختيارها وكان إجبارا منه كما إذا سجنت ثلاث سنوات مثلاً بحيث لا يقدر الزوج على امساكها بمعروف كان لها طلب طلاقها لتتزوج أنسانًا أخر في السجن مثلاً أو في غيره.

وكيف كان فانه بناء على القول المشهور من وجوب وطي الزوجة في كل أربعة اشهر مرة إذا كانت الزوجة في شدة ميلها وشبقها لا تقدر على الصبر إلى أربعة أشهر بحيث تقع في المعصية إذا لم يواقعها زوجها فالأحوط على هذا الرأي المبادرة إلى مواقعتها قبل تمام الأربعة أو طلاقها وتخلية سبيلها.

وكأن هذا في باب المنع من وقوع المنكر فإنه إذا كان النهي واجباً يكون المنع واجباً بالمناط وقد قال سبحانه وتعالى ((قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً)) وهذا من مصاديقه.

  • حق المعاشرة

القسم الثاني من حقوق الزوجية حق المعاشرة وقد أعطى القرآن الكريم ضابطة كلية في ذلك بقوله سبحانه وتعالى ((وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)).

والمقصود من العشرة المخالطة وهي المصاحبة بما أمر الله سبحانه وتعالى به من أداء الحقوق التي هي النصفة في القسم أي المبيت عند الزوجة والنفقة والإجمال في القول والفعل وتوجه الخطاب بقوله سبحانه ((وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) إلى الرجال لا يحصر المعنى بهم اذ إنه يشمل النساء أيضاً لقاعدة الاشتراك في التكليف ولعل توجه الخطاب هنا إلى الرجال أولاً من جهة الغلبة في ذلك أو من جهة القيمومة التي للرجال على النساء أو لجهة حاجة النساء إلى المداراة أكثر من حاجة الرجال إلى ذلك لانها عاطفية ورقيقة والمعيار في تحديد المعاشرة بالمعروف هو العرف لأنه هذا موضوع عرفي والموضوعات يرجع في تحديدها وفهمها إلى العرف إلا مع اسقاط الحقوق التي تريد الزوجة مثلاً اسقاطها.

وعلى هذا فانه ينبغي على الزوج مراعاة الحقوق الزوجية سواء الأولية أو الثانوية كما قال سبحانه تعالى ((أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ)) كما قال سبحانه وتعالى ((فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ)) حيث أن في هذه الآية الشريفة أيضاً

أوكل الانسان إلى المعروف مما يكشف عن أن الخصوصيات موكولة إلى العرف فإذا اختلفت الأعراف فالظاهر اتباع كل شخص لعرفه ، لوضوح أنه قد يكون ((مِنْ وُجْدِكُمْ)) لإنسان ولآخر لا يكون ((مِنْ وُجْدِكُمْ)) وقد يكون ضاراً وقد لا يكون ضاراً وعلى كل حال فالمسألة إذا أوكلت إلى العرف يرجع فيها إلى فهم العقلاء وفهم العرف في ذلك المجتمع.

وكيف كان فلكل واحد من الزوجين حق على صاحبه يجب عليه القيام به.

  • حقوق الزوج

أما حق الزوج فله على الزوجة أن تطيعه ان لم تكن الطاعة في معصية الله تبارك وتعالى للضرورة الدينية وقوله (عليه الصلاة والسلام لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).

فطاعة الزوجة منحصرة في المعروف أيضاً ربما حدده الشارع اذ لا تجب على الزوجة بل لا يجوز للزوجة أن تطيع زوجها في معصية الله واما إذا كانت حاجاته بالمعروف فلا تعصيه.

ومن حقوقه عليها أن لا تخرج من بيتها إلا بإذنه كما ورد في الأخبار المعتبرة كمعتبرة محمد ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة فقال لها أن تطيعه ولا تعصيه ولا تصدق من بيته إلا بإذنه ولا تصوم تطوعاً إلا بإذنه ولا تمنعه نفسها وان كانت على ظهر قتب ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه).

فبناء على هذا لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها إلا بإذن زوجها هذا من الخروج العادي وأما خروج المرأة إلى أهلها أو لعيادة والدها أو والدتها أو أخوتها ونحوهم أو لمشاركة في فرح أو عزاء عزيز أو المشاركة في زيارة أرحامها ضمن الضرورات التي تقتضيها الحياة الاجتماعية فهل يجوز الخروج؟

في المسألة قولان:

القول الأول للشرايع حيث ذهب إلى عدم الجواز ولعل الوجه فيه ما ورد في معتبرة عبد الله ابن سنان عن الصادق عليه السلام.

(قال: رجل من الأنصار على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله خرج في بعض حوائجه فعهد إلى امرأته عهداً أن لا تخرج من بيتها حتى يقدم قال : أن أباها قد مرض فبعثت المرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله تستأذنه أن تعوده فقال صلى الله عليه وآله لا!!  أجلسي في بيتك واطيعي زوجك قال فمات أبوها فبعثت إليه أن أبي قد مات فتأمرني أن اصلي عليه؟ فقال لا اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك قال فدفن الرجل فبعث اليها رسول الله صلى الله عليه وآله وقال أن الله قد غفر لك ولأبيك لطاعتك لزوجك).

القول الثاني: هو الجواز مستدلاً بأن مثل زيارة الامام والخروج لعيادة الوالد أو الوالدة أو المشاركة في أفراحهم وأحزانهم من مقتضيات المعاشرة بالمعروف.

ومن الواضح أن وجوب العشرة بالمعروف ووجوب صلة الرحم والتأسي بالنبي والوصي عليهم السلام ومعاشرتهم مع نسائهما اللذان هما الميزان في تطبيق الأحكام على المواضيع الخارجية لأنهم الأسوة وأنهم عدل القرآن بما يبيّن لنا كيفية المعاشرة بالمعروف بما لا يتعارض مع حق الزوج في أمثال هذه الموارد اذ لم يرد في سيرتهم من يدل على المنع في مثلها ما دام في حدود المعروف ومن الواضح أن زيارة الوالد وزيارة الأم وزيارة الأرحام من الضرورات وخصوصاً في المواقع المهمة أو الشديدة من أجلى مصاديق صلة الرحم وحيث أن صلة الرحم واجبة لا يبقى موضوع لحق زوج من منع زوجته في ذلك إلا في موارد استثنائية خاصة التي تقع مما قد يزاحم صلة الرحم تكليف أهم ولعل الرواية التي استدل بها المانعون من مصاديق ما ذكرناه كما ولعل قضية زوجة الانصاري كانت قضية خارجية خاصة وبالنسبة إلى هذه المرأة أيضا كما قد يومي إليه قولها للنبي صلى الله عليه وآله (فتأمرني أن أصلي عليه) بل قد يقال أن منع المرأة (عليه السلام) حيث أنها من المحتمل أنها كانت تريد الأمر الخاص من النبي أو الإذن الخاص منه صلى الله عليه وآله لا بيان الحكم بل قد يقال أن منع المرأة عن الحضور عند والدها المشارف على الموت أو منعها من المشاركة في عزائه ونحوه من أجلى مصاديق الحرج ولولا أن تكون القضية خاصة لما منعها الرسول الاعظم صلى الله علي وأله وكيف كان فالظاهر أن الرواية بمفردها لا تصلح دليلاً لعمومية الحكم وانما مقتضى القاعدة في الحكم العام ولزوم المعاشرة بالمعروف أن لا حق للزوج في منع زوجته من زيارة أهلها وأرحامها أو ما أشبه ذلك إذا كان في المعروف.

نعم إذا خرج عن المعروف بما يمنع من حقوق الزوج أو يمنع الزوج عن حقوقه فإن في هذه الصورة يحق له المنع لكن ينبغي ان يكون المنع أيضاً بالمعروف وقد قدمنا أن المعروف موضوع عرفي يرجع في تحديده وحدوده إلى العرف ولهذا لا حق للزوج في تحديد الزوجة بما يضيّق عليها أو يكون ضرراً عرفياً أو حرجاً عليها كأن يحددها في الكون في غرفة خاصة من الدار مثلاً أو لبس لباس خاص أو طعام كذلك أو عدم معاشرة بعض أهلها أو معاشرة زميلاتها مثلاً أو جيرانها مثلاً أو يمنعها من الانارة الكافية ليلاً أو عدم التبريد والتسخين الكافيين صيفاً وشتاءً أو يمنعها من مجيئ أحد من أقاربها أو جيرانها عندها أو يمنعها من الذهاب اليهم لان ذك  مخالف للمعاشرة بالمعروف إلا إذا كان مزاحم أهم كما لا يخفى.

ولو كانت الدار للزوج فأيضاً الحكم جار لأن معنى النهي عن التضييق يشمل حتى ما إذا كانت الدار دار الزوج لإن اطلاق الآية يشمل مثل هذه الموارد.

وكذا أيضاً يجري هذا الحكم في مسألة تقطيب الوجه في وجهها أو ضرب أولادها مما يضيق عليها ولا يكون عسراً أو حرجاً عليها فيما إذا لم يكن التأديب والضرب واجباً كما لا حق للزوج في أن يأمرها بعدم تنظيف نفسها أو تنظيف ملابسها بحجة أن ذلك يسبب صرفاً كثيراً للماء أو يسبب أمتلاء البالوعة كما يصنع بعض الأزواج البخلاء أو غير ذلك من بعض التضييقات التي يمارسها بعض الأزواج من أصحاب النفوس الضيقة فإن كل ذلك غير جائز شرعاً إذا رآه العرف تضييقاً وضرراً وحرجاً ومخالفاً للمعاشرة بالمعروف كما هو الغالب وذلك لما ذكرناه من أن الموضوع يؤخذ من العرف والشارع قد رتب أحكامه على الفهم العرفي وقد قال سبحانه وتعالى: ((وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) فينبغي أن يكون الخارج عن المعروف الدليل لا أن يكون الداخل بالدليل لان الحقوق متكافئة بين الزوج والزوجة إلا ما استثناه الدليل الخاص ومنه يظهر أيضاً أن تصرفات الزوجة في بيتها أو في مالها أو في مال الزوجية المشترك بينهما كالصدقة والهبة والنذر ومراعاة الشؤون الاجتماعية التي تعود إلى شرفهم ومكانتهم ومقامهم بين الناس كهدايا الاعراس والمواليد ونحوها من الضرورات جائزة للزوجة أن تتصرف فيها إذا كانت هذه التصرفات بالمعروف أيضاً.

نعم يلزمها أخذ اذن الزوج ما دام الزوج متعاملاً بالمعروف معها أيضاً ولا يمنعها من حاجة أو ضرورة.

وقد ورد في صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام: (ليس للمرأة مع زوجها أمر في حق ولا صدقة ولا تدبر ولا هبة ولا نذر في مالها إلا بإذن زوجها إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة رحمها).

وغيرها من الروايات المعتبرة وفي هذه الرواية استثنت اذن الزوج في المسائل الواجبة على الزوجة مراعاتها ومن الواضح أنه يشمل ما يراه العرف في الواجبات أيضاً لأن في خلافه عسر وحرج على الزوجة.

ولعل في حقوق الزوج على الزوجة تهيئة الأجواء الصالحة في داخل الدار فقد ورد في الروايات المعتبرة (أي امرأة قالت لزوجها ما رأيت منك خيراً قط أو في وجهك خيراً فقد حبط عملها وأي امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حق لم يتقبل منها صلاة ولا صوم حتى يرضى عنها).

ولعل هذا الحق يستفاد من قوله سبحانه وتعالى ((خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها)) أيضاً لان مقتضى السكونة والهدوء هو تهيئة الأجواء في داخل الدار وهذا ما يعود إلى المرأة في الغالب ويكون مقتضى معاشرتها لزوجها بالمعروف.

وأما الحق الآخر فهو الاستمتاع والتمكين وقد تقدم بعض الكلام فيه.

  • حقوق الزوجة

وأما حقوق الزوجة على الزوج فهو أن يشبعها ويكسوها وأن يغفر لها إذا  جهلت كما في معتبرة اسحاق بن عمار (قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما حق المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ قال: يشبعها ويكسوها وان جهلت غفر لها ) وقال أبو عبد الله عليه السلام ( كانت امرأة عند أبي تؤذيه فيغفر لها).

ومن حقها عليه أن لا يقبّح لها وجهاً لما في معتبرة شهاب ابن عبد ربه عنه عليه السلام (ما حق المرأة على زوجها؟ قال: يسد جوعتها ويستر عورتها ولا يقبّح لها وجهاً).

وعن الصادق عليه السلام (رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته فإن الله عز وجل ملكه ناصيتها وجعله القيّم عليها).

وقد تقدمت بعض الروايات الدالة على حسن المعاشرة بل وقد عرفت من أن هذا هو المستفاد من قوله سبحانه وتعالى ((وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)).

كما أن للزوجة على الزوج حق المضاجعة كما ستعرفه عن قريب.

  • في حكومة العناوين الثانوية في الحقوق

ولعل من المناسب هنا الاشارة إلى مسألة هي أن ما ذكرناه من حق الزوج على الزوجة وحق الزوجة على الزوج انما هو بحسب العناوين الاولية وأما بحسب العناوين الثانوية فيدور الحكم مدار تحقق هذه العناوين وعدمه انما في القيام فإن مثل حق طاعة الزوج على الزوجة ومثل حق الزوجة على الزوج في المضاجعة هما بحسب النظر الأولي ولكن إذا انطبق عليه عنوان آخر قد يرتفع الوجوب وعليه فلو أراد الزوج من الزوجة ما فيه ضرر ديني أو دنيوي لا يجب عليها اطاعته وذلك لحكومة قاعدة نفي الضرر والضرار في الاسلام الحاكمة على الأدلة الأولية وكذا نفي العسر والحرج الحاكمة على الأدلة الأولية مضافاً إلى أن هذا ما يحكم به للعقل أيضاً وأيضاً ليس للزوج مزاحمة صلاة الزوجة في ضيق الوقت مثلاً كمية وكيفية كما هو الواجب منها.

وكما ليس للزوج أن يمنعها من معالجة مرض بالذهاب للطبيب أو احضار الطبيب عندها أو نحو ذلك وقد تقدم أنه ليس عليها اطاعته لو أراد فعل الحرام معها أو طلب منها ترك واجب.

نعم إذا دار الأمر بين اطاعة الزوج فيما يأمر به من استمتاع كيفية أو كمية وبين أتيان بعض المندوبات التي تريدها المرأة كالذهاب إلى الزيارة أو المشاركة في حفل مثلاً وما أشبه ذلك فإن حق الزوج مقدم هنا لان مراعاة حق الزوج من الواجبات والعمل الذي تريده المرأة من المندوبات والواجب مقدم على المندوب بل لو تركت اطاعته فيما يريده فعلاً واشتغلت في عبادة مندوبة وعبادة واجبة مع سعة وقتها فإن جمعاً من العلماء أفتوا ببطلان عبادتها استفادة من الأخبار المتقدمة.

وعن جمع آخر ابتناء البطلان على مسألة الضد وان الأمر بالشيء حيث يقتضي النهي هذه تكون عبادتها حينئذ منهياً عنها فتقع باطلة لا محالة.

ولا يخفى أن حق الزوج في الاستمتاع تارة يكون مما هو المتعارف شرعاً وعرفاً فلا ريب في ثبوته له ويجب اطاعة الزوج فيه وأخرى يكون افتراضياً ولكن لا يستنكره المتعارف وهذا كالقسم الأول أيضاً لشمول العمومات والاطلاقات له.

وثالثاً يكون من الافتراضات التي يستنكرها العرف.

وفي ثبوت مثل هذا الحق للزوج إشكال من حيث الشك في شمول الأدلة له لما ذكرناه من أن الملاك في صدق الحق يحدده الشرع أو العرف والمطالبات الاقتراحية للزوج إذا لم يحددها الشرع ولا يراها العرف تصبح مشكوكة حينئذ ولا يحكم بثبوتها فيرجع فيها إلي أصالة عدم الثبوت.

ومن هنا يظهر أنه كما يجب على الزوج النفقة كذلك يجب على الزوجة التمكين من الاستمتاع بالأدلة الأربعة.

فمن الكتاب قوله سبحانه وتعالى: ((نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)) وقوله تعالى: ((وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)).

وفي السنة ما تواتر بين الأمة التي منها ما ورد عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله (وتعرض نفسها عليه غدوة وعشية) وتقدم قوله صلى الله عليه وآله (ولا تمنعه نفسها وان كانت على ظهر قتب) أي على ظهر جمل.

وقوله صلى الله عليه وآله في بيان حق الزوج عليها أن تجيبه إلى حاجته وان كانت على ظهر قتب إلى غير ذلك من الروايات مضافاً إلى اجماع المسلمين بل اجماع العقلاء عليه ومن العقل أن ذلك من مقومات الزوجية وبقاء النسل إلا إذا كان في التمكين مانع عقلي أو شرعي في البين وذلك لأدلة تقدم الموانع العقلية والنقلية كالحيض مثلاً على الأدلة الأولية.

ومن الحقوق عليها التجنب عما ينفر منه الزوج لما ستعرفه في بحث النشوز ان شاء الله تعالى وهذا يدخل موضوعاً ومصداقاً فيما ذكرناه سابقاً من أن من حق الزوج على الزوجة تهيئة الأجواء الصالحة في البيت.

وأما حق المضاجعة فهو حق يثبت للزوجة في ذمة الزوج سواء كان له زوجة واحدة أو اكثر والمراد في المضاجعة البيتوتة والنوم عندها ويصطلح عليه الفقهاء باسم ((القسم)) من القسمة أي أفراز النصيب كما قال تعالى: ((وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ)).

كما يطلق عليه التقدير أيضاً كما في قوله تعالى: ((أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ)).

أي قدرنا وفي المقام يرادفه قسمة الليالي بين الزوجات وتقديرها بقدر معلوم.

وعليه فإن من كانت له زوجة واحدة ليس لها على زوجها حق المبيت عندها والمضاجعة معها في كل ليلة بل ولا في كل أربعة ليالي ليلة على الأقوى وذلك للأصل والاطلاق ونصوص حصر حقوق الزوجية في غيرها كما تقدم بعضها وهي كثيرة ذكرها صاحب الوسائل (قده) في مقدمات كتاب ((النكاح)) كما ذكرنا خصوصاً بعد عدم الدليل علة وجوبها بحيث يمكن الاعتماد عليه.

وربما يمكن القول بأن القدر اللازم من حق المضاجعة أن لا يهجرها ولا يذرها معلقة لا هي ذات بعل ولا مطلقة لما ذكرنا بأن المدار في المعاشرة هو المعاشرة المعروف وعليه فإنه إذا كانت المضاجعة بالمعروف لا خصوصية فيها للوقت أو ما أشبه ذلك إلا في صورة تعدد الزوجات فإنه في هذه الصورة ينبغي التقسيم بالمعروف أيضاً نعم لها عليه حق المواقعة في كل أربعة أشهر مرة كما ذهب إليه المشهور أو في الاقل من ذلك خصوصاً إذا طلبت ذلك كما ارتضيناه لانه من مقتضيات المعاشرة بالمعروف كما بيناه.

  • في وجوب المضاجعة

وعلى أي حال فلا خلاف بين الأصحاب بوجوب القسمة بين الزوجات في الجملة وانما الخلاف في أنه هل القسمة واجبة على الزوج ابتداء وبمجرد العقد والتمكين والنفقة أو لا تجب عليه حتى يبتدأ بها؟

والثمرة بين القولين تظهر في أنه على القول الأول لو كانت له زوجة واحدة كان لها في كل أربعة ليالي ليلة تجب عليه المبيت عندها والليالي الثلاث الباقية تكون باختياره يضعها حيث يشاء لو كانت له زوجتان كان لكل واحدة ليلة في كل أربعة ليالي وليلتان يضعهما حيث يشاء في عمله أو في وظائفه أو ما أشبه ذلك وسواء يضعها عندهما أو عند غيرهما كما لو كان متمتعاً أيضاً أو مجرداً مثلاً ولو كانت له ثلاث زوجات يكون له في كل أربعة ليالي ليلة يضعها حيث يشاء ومن كانت له أربع زوجات لها يبقى له شيء من كل أربع فكلما فرغ من الدور استأنف دوراً جديداً على الترتيب الذي ذكر.

وإذا كان له ليلة أو ليلتان له أن يخص بعض الزوجات بها أو بهما وان كان الفضل في المساواة بينهن.

وأما على القول الآخر فلو كانت له زوجة واحدة لم تجب عليه القسمة لها مطلقاً ولو بالمبيت ليلة عندها إلا بقدر المعاشرة بالمعروف المأمور بها في الآية الكريمة والروايات.

ولو كانت له زوجات متعددة لم تجب عليه القسمة لهن إلا مع المبيت عند احداهن فحيث أنه بدأ المبيت عند احداهن يجب عليه حينئذ القسمة للاخريات حتى يتم الدور وبعد تمامه لا تجب عليه الاستئناف بل كان له الاعتزال عنهن جميعا.

ولا يبعد ظهور الأدلة فيما ذكره المشهور عن وجوب القسمة ابتداءً بمعنى وجوبها بالعقد والتمكين والنفقة وذلك لقوله سبحانه وتعالى ((وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) فإنه لا إشكال عند العرف أنه لو كانت له زوجة فلا ينام عندها ليلة أو أربع فلا ينام عندهن في كل أربع ليلة أو يفضل بعضهن عن بعض في الليالي لم يكن ممن يعاشر بالمعروف وهو أي المعاشرة بالمعروف موضوع عرفي ويؤخذ من العرف إلا مع اسقاطهن هذا الحق.

ولعل هذا ما يستفاد من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله.

فقد روي عن العامة والخاصة في كتبهم الفقهية أنه صلى الله عليه وآله: (كان يقسم بينهن دائماً حتى كان يطاف به في مرضه محمولاً وكان يقول اللهم هذا قسمهن فيما أملك وأنت أعلم بما لا أملك).

ولعل المراد ((بما لا أملك)) هو الميل القلبي فقد روى العياشي في تفسيره عن هشام بن سعد (عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله سبحانه وتعالى: ((وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ)) ، قال : في المودة .

وروى الطبرسي في مجمع البيان عن الصادق عن آبائه عليه السلام: (أن النبي صلى الله عليه وأله كان يقسم بين نسائه في مرضه فيطاف به بينهن).

ويتفرع على هذا الحق مسائل:

المسألة الأولى: أنه يختص وجوب المبيت والمضاجعة بالدائمة فليس للزوجة للمتمتع بها هذا الحق سواء كانت واحدة أو متعددة وذلك للأصل والإجماع والنصوص الخاصة.

المسألة الثانية: للزوجة أن تهب ليلتها وحقها في القسم للزوج أو لضرتها لان الحق لها وهو من الحقوق القابلة للنقل نصاً وإجماعا وعليه يجوز للزوج بعد إسقاطها هذا الحق أن يمضي ليله فيما يشاء كما يجوز لها الرجوع عن هبة ليلتها ما دامت لم تنقضي بعد فرض كون الحق لها حدوثاً وبقاءً فيكون الاختيار لها كذلك إلا إذا انتفى الموضوع بانقضاء الليلة.

ونوع الهبة هنا ليست من قبيل الهبة الحقيقية المعتبر فيها أن تكون من العين واعتبار القبض والاقباض وإنما هي نوع من الإذن والترخيص واطلاق لفظ الهبة في النصوص عليها لعله من باب التوسع والعناية.

وعليه فإنه لا يقال أن الهبة إذا كانت لضرتها التي هي من أرحامها أو كانت الهبة إلى الزوج فلا يصح الرجوع فيها لأنه إذا كان ترخيصاً يصح الرجوع فيه.

المسألة الثالثة: تختص الزوجة الباكر في أول عرسها بسبع ليال يقضيها الزوج معها والثيب تختص بثلاث تتفضلان بذلك على غيرهن من الضرات ولا تجب عليه أن يقضي تلك الليالي لنسائه القديمة فيما بعد كل ذلك للنصوص الخاصة.

ولا يعتبر في وجوب القسمة والبيتوتة المواقعة لان الواجب هو المضاجعة لا المواقعة.

وهذا يختص وجوب القسمة في الليل دون النهار إلا إذا كان عمله في الليل كالحراس والسوّاق والصيادين مثلاً فيقسمون نهاراً.

وحينئذ الواجب فيها المضاجعة فقط لأنها المتعارف في المبيت عندها بل المنساق من قوله تعالى ((وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)).

  • استحباب التسوية بين الزوجات

ويستحب للزوج التسوية بين الزوجات في الإنفاق والالتفات واطلاق الوجه والمجامعة إطلاقا ونصوصاً وأن يكون في صبيحة كل ليلة عند صاحبتها لقول أبي عبد الله عليه السلام في معتبرة إبراهيم الكرخي: (ويظل عندها في صبيحتها).

ــــــــــــــ

الهامش

 1ـ البقرة: 228.

 2ـ مجمع البحرين، ج2، ص139، مادة للقتب.