المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 012.doc

المبحث الأول: في الجهاز وأثاث الزوجية:

لا إشكال في أنّه يصح تهجيز البيت بكل متمولّ ما لم يكن فيه نهي شرعي لاطلاقات الأدلة الواردة في هذا المقام مضافاً إلى قاعدة السلطنة التي مفادها (الناس مسلطون على أموالهم) وعليه فيجوز للزوجين أن يتراضيا في تأثيث البيت بما يتمول عند العقلاء سواء كان مهراً أو غير مهر إلا في الموارد التي نهى الشارع عنها كأن يجعل المهر مصنع خمر مثلاً أو مرعى خنازير أو يجعل الزوج خدمته مهراً ولكن الخدمة في مرقص أو في مصنع خمر أو في شركات يجري فيها معاملات ربوية أو ما أشبه ذلك من الموارد التي حرمها الشارع وأما في غير ذلك فمقتضى القاعدة والسلطنة هو الجواز. ثم لا يخفى أن تأثيث البيت يمكن أن يتراضيا عليه فيمكن أن تجعل المرأة مهرها في أثاث البيت ويمكن أن لا تجعل ذلك لأن المهر ملك الزوجة فلها السلطنة التامة في التصرف فيه وعلى هذا يجوز لها أن تجيز للزوج بأن يشتري أثاث الدار من مالها الخاص أولا تجيزه فيشريه من ماله الخاص ومن الواضح أن ملكية الأثاث في هاتين الصورتين ترجع إلى رأس المال فلو جهزت الزوجة نفسها من مالها سواء كان هذا التجهيز من صداقها أم من مالها الخاص فهو ملكها ولا يحق لغيرها التصرف فيه إلا بإذنها وكذا بالنسبة إلى الزوج لإدلة حرمة التصرف بمال الغير من دون إجازة وأما إذا تصرف الزوج أو غيره فيما تملكه المرأة من الجهاز فإذا كان برضائها يصح ولا شيء عليه إذا تلف أو نقص منه شيء لفرض أن المالك الذي له سلطنة على المال قد أذن له ما لم يكن رضائها مقيداً بالعوض فحينئذٍ لا يجوز التصرف له بلا عوض أو ضمان.

فبناءً على هذا إذا تصرف وكان إذنها مشروطاً بالعوض فإذا رضيت يجزي رضاؤها أبداً ما لم يظهر الخلاف.

ولفرض زوال موضوع الحرمة مع التصريح بالاذن وفي صورة الشك فإن مقتضى القاعدة استصحاب بقاء الرضا ولو ادعى الزوج الأذن وأنكرت هي في تمام المنازعة والمخالفة فيقدم قولها مع يمينها وذلك لأن الأصل معها، إذ الأصل عدم الإذن واليمين هنا مطلوب لفصل الخصومة كما فصّله الفقهاء في باب القضاء إلا إذا كان للزوج بيّنة تثبت دعواه وأنّه كان مأذوناً بالتصرف لأن البيّنة حجة وأمارة في مقابل الأصل ومع وجود الأمارة لا مجال لجريان الأصل.

وكيف كان فلو تصرف الزوج أو غيره في الجهاز الذي تملكه الزوجة بغير إذنها و تلف بسبب هذا التصرف ضمِن الزوج المثل إن كان مثلياً أو ضمن القيمة أن كان قيمياً وذلك لأدلة الضمان.

وأما لو جهز الزوج من ماله متاع البيت ولم تجهز الزوجة شيئاً منه فالمسائل المتقدمة في جواز تصرفها وعدمه جارية هنا فإذا قلنا أيضاً أن التصرفات والملكية تتبع رأس المال. فاذا أذن كل منهما في التصرف فيما يملكه وتلف عند المأذون بالتصرف وادعى المالك الضمان بالشرط وأنكره المأذون يُقدّم قول المأذون مع اليمين وذلك للأصل واليمين أيضاً لرفع الخصومة إلا إذا كان للمالك بينة تقوم على إشتراطه الضمان.

  • ما تجهزه المرأة من بيت أبيها

وهنا تفريع هو أن ما تصحبه المرأة من بيت أبيها من الجهاز ما تجهزه المرأة من أبيها والأثاث فإن كان في البين قرائن تدل على أن الأب ملكها لهذا الجهاز أو ملك زوجها مثلاً فالقرائن حجة في مثله. وإذا لم تكن قرائن تدل على ذلك فمقتضى القاعدة بقاء هذا الجهاز على ملك الأب وذلك للإستصحاب الحاكم في المقام.

وأما إذا وهب الأب أو الأم بعض الجهاز إلى بنته أو بنتها فمقتضى القاعدة أنّه يكون ملكاً للبنت لأن الهبة لذي الرحم من دواعي التمليك.

نعم يشترط ذلك بالقبض وأما ما تداول في هذه الأعصار من إرسال بعض الهدايا من قبل الزوج إلى زوجته فتارةً تكون من الصداق بشواهد الحال والقرائن الظاهرة فيه وأخرى تكون خارجة عن الصداق وإنما مجرد هبة ليس لها علاقة بالصداق وثالثاً نشك بأنّه هل كان هذا من الصداق أم لم يكن من الصداق؟

فلا إشكال أنّه إذا كانت من ضمن الصداق فهو ملك المرأة و إذا كان من غير الصداق فيجري عليه حكم الهبة.

وأما في الصورة الثالثة فهو صورة الشك فمقتضى القاعدة أن هذا الشيء المهدى إلى الزوجة باقٍ على ملك الزوج وذلك للاستصحاب.

  • الزوجة الموظفة

ثم أنه إذا كانت الزوجة موظفة أو تعمل في صنعة من الصنائع أو كانت تملك مالاً لكونها ثرية مثلاً وما أشبه ذلك فإذا جهزت من مالها متاع البيت فهذا المتاع باقٍ على ملكها إلا إذا صرّحت بالخروج عن ملكها إلى الزوج أو إلى أولادها مثلاُ وفي صورة الشك أو الاختلاف فإنه لا يقبل قول الزوج بالهبة له في صورة إنكارها لذلك إلا إذا أقام الزوج البيّنة على ذلك.

ومن الواضح أن التجهيز إذا كان من مهر الزوجة أو اشترت بعض الأثاث من مالها الخاص فلا يشترط فيه إذن الزوج وذلك لقاعدة السلطنة التي تجيز للمالك مطلق التصرفات في ماله كما أن الظاهر أنه لا حق للزوج في المنع أو بالإجازة في تصرفاتها فيه إلا إذا كانت هنالك محاذير في البين تمنع من السلطنة وإلا فإن مقتضى الادلة هو الجواز.

  • التجهيز من نفقة الزوجة

إذا جهزت المرأة متاع البيت بالتقتير على نفسها من النفقة التي يعطيها الزوج لها. في هذه الصورة تملك ذلك المتاع لأنها تملك ما أخذت من النفقة وصارت ملكاً لها فما يشترى بما تملكه من المال يكون ملكاً لها أيضاً.

  • هدايا الزواج

وأما الهدايا التي تهدى إلى العروسين في أيام الزواج فالظاهر إنها ليست من الجهاز وحينئذٍ إذا علمنا أنها أهديت إلى الزوجة بشكل خاص ولو بالقرائن مثلاً فهي لها وكذلك إذا علمنا أنها أهديت للزوج بشكل خاص فهي له وإذا علمنا أنها من المشتركات بينهما فمقتضى القاعدة التنصيف في مثلها وإذا لم نعلم بذلك كما لو لم نعلم بقصد المُهدي مثلاُ وفي هذه الصورة يجوز لها التصرف فيها. وأما بالنسبة إلى الملكية فإذا كانت هنالك قرائن أو متعارف عرفي على أن مثل هذه الهدايا تهدى إلى بيت الزوجية فالظاهر أنه من المشتركات بينهما وإذا لم يكن هنالك قرائن تدل على ذلك فيكون بالتراضي بينهما لأنه مقتضى المصالحة والصلح خير.

هذا فيما إذا اتفق الزوجان على دينٍ واحد وأما إذا اختلف الدين بأن كانت الزوجة كتابية وكان الزوج مسلماً فإذا كان الأثاث جائزاً في الدينين معاً كالبطانيات مثلاً والشراشف مثلاً والسجاد والأجهزة الكهربائية ونحو ذلك فلا إشكال فيه.

وأما إذا اختلف الدينان من هذه الجهة بأن يكون عندهم مما يتمول ولكن عندنا من المنهي عنه شرعاً فإذا كان الزوج هو الذي يؤثث من ماله الخاص فلا يجوز له أن يؤثث بغير المتمول شرعاً كالخمر والخنزير والصلبان ونحوهما إذ أن هذه الأمور لا مالية لها عندنا بل لا يجوز للمسلم أن يتعامل بها بيعاً أو شراءً أو ما أشبه ذلك.

وأما إذا قلنا بأن هذا مما يتمول عندنا أيضاً لكن محرم علينا استعماله كجلد الحيوان غير المذكى الذي يصنع أحزمة أو أحذية أو قماصل ومعاطف وأراد الزوج أن يملّكه للزوجة الكتابية التي تستحله فمقتضى القاعدة إذا لم يدل دليل خاص على المنع هو الجواز لأن عدم جواز لبس المسلم له ما دام لم يسقطه عن المالية فلا يمنع من أن يملكه لمن يستحله إذ لا دليل على عدم الجواز إلا إذا كان هنالك نص خاص كالخمر مثلاً وما اشبه ذلك يمنع منه.

وأما إذا كانت الزوجة هي التي تشتري الأثاث من مهرها أو من مالها الخاص فهو جائز.

أما المهر فلأنّه ملكها وأما من مالها فواضح وذلك لقاعدة السلطنة. نعم إذا أسلمت الزوجة فيما بعد ذلك أو كان الزوج أيضاً كتابياً ثم بعد ذلك أسلما كلاهما فمقتضى القاعدة أنه يتبدّل الشيء المنهي عنه شرعاً إلى القيمة لتبدل الحال من هذه الصورة فيتبدل موضوع الحكم لا محالة ويدل على ذلك النصوص الخاصة أيضاً التي منها معتبرة عبيد بن زرارة. (قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: النّصراني يتزوج النّصرانية على ثلاثين دُنا(1) خمراً وثلاثين خنزيراً وأسلما بعد ذلك ولم يكن دخل بها. قال: ينظركم قيمة الخنازير وكم قيمة الخمر ويُرسل به إليها ثم يدخل عليها وهما على نكاحهما الأول) أما بقائهما على النكاح الأول فلقاعدة الإلزام و لقاعدة الجبّ التي مفادها (الإسلام يجبّ ما قبله) فإذا تعاقدا في زمان النصرانية ثم بعد ذلك أسلما يحكم بصحة نكاحها السابق اعتماداً على القاعدة المذكورة وأما تبدّله إلى القيمة فلإن الخمر والخنزير مما لا يصح أن يملكه المسلم فيتبدل إلى القيمة.

والدن الذي ورد في الرواية: ما عظم من الرواقية وهو كهيئة الحُبّ الا  أنه أطول مستوي الصنعة في أسفله والجمع دنان وهي الحِباب... ولا يقعد إلا أن يحفر له (2).

المبحث الثاني: في آداب وأحكام العلاقة الزوجية الخاصة.

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: يستحب عند الجماع الوضوء والاستعاذة والتسمية وإذا أراد طلب الولد أن يدعو الله سبحانه وتعالى بطلب الولد الصالح السويّ والدعاء بالمأثور وهو أن يقول:

(بسم الله وبالله اللهم جنّبني الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقتني)

أو يقول: (بسم الله الرحمن الرحيم الذي لا إله إلا هو بديع السموات والأرض اللهم إن قضيت منّي في هذه الليلة خليفة فلا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً ولا حظاً واجعله مؤمناً مخلصاً مصفى من الشيطان ورجسه جل ثناؤك).

كما يستحب أيضاً أن يكون الجماع في مكان مستور.

ويستحب الجماع في ليلة الاثنين وفي ليلة الثلاثاء وليلة الخميس وليلة الجمعة كما يستحب يوم الخميس عند الزوال ويوم الجمعة بعد العصر كما يستحب عند ميل الزوجة إليه.

وقد ورد جميع ذلك في وصية للنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) لمولانا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام وقد ذكرها الفيض الكاشاني (قده) في كتابه الوافي في مقدمات النكاح كما أوردها صاحب الوسائل رضوان الله عليه في أبواب مختلفة من الوسائل في مقدمات النكاح.

ويكره الجماع في أوقات مخصوصة:

منها ليلة خسوف القمر ويوم كسوف الشمس وفي الليلة واليوم اللذين يكون فيهما الريح السوداء والصفراء والحمراء واليوم الذي فيه الزلزلة بل في كل يوم أو ليلة حدث فيه آية مخوفة.

وهذا إشارة إلى وجود نوع ترابط بين ما يدور في عالم الكون من أحداث وظواهر تؤثر على الحياة الإنسانية.

ويكره أيضاً الجماع عند الزوال وعند غروب الشمس حتى يذهب الشفق وكذلك يكره الجماع في المحاق وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وفي أول ليلة من كل شهر إلا في الليلة الأولى من شهر رمضان فإنّه يستحب الجماع فيها.

وكذا في النصف من كل شهر وفي حالة السفر إذا لم يكن عنده الماء للإغتسال ويكره الجماع بين الأذان والإقامة وفي ليلة الأضحى.

ويكره الجماع مستقبل القبلة ومستدبرها وعلى ظهر الطريق.

والجماع وهو عريان وعقيب الإحتلام قبل الغسل أو الوضوء.

ويكره الجماع وهو مختضب أو هي مختضبة وعلى الإمتلاء أي كثرة الشبع.

وكذا يكره الجماع قائماً وتحت الشجرة المثمرة وعلى صفوف البنيان وفي وجه الشمس إلا مع الستر كما يكره أن يجامع وعنده من ينظر إليه ولو الصبي غير المميز.

ويكره أن ينظر إلى فرج المرأة حال الجماع كما يكره الكلام عنده إلا بذكر الله تعالى.

كما يكره أن يكون معه خاتم فيه ذكر الله أو شيء من القرآن. هذه بعض المكروهات والمستحبات الواردة في العلاقة الزوجية.

 

  • استحباب ملاعبة الزوجة

ومن المستحبات التي لها مدخلية كبيرة في تقوية العلاقات الزوجية وشد أواصرها ملاعبة الزوجة قبل المواقعة كما يستحب المكث وترك التعجيل عند الجماع لقول نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله): (إذا جامع أحدكم أهله فلا يأتيهنّ كما يأتي الطير ليمكث وليلبث).

وعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: (إذا إراد أحدكم أن يأتي زوجته فلا يعجلها فإن للنساء حوائج).

وقد ذكر الأطباء والمتخصصون في أمثال هذه الموارد أهمية المكث والتأثير على قلب المرأة وروحها فضلاً عن زيادة اللذة.

ومن المكروهات المجامعة تحت السماء إذا لم يكن مستوراً بغطاء كما يكره اتحاد خرقة الزوج والزوجة عند الفراغ منه.

  • مسائل المقاربة الجنسية

أما المقاربة الجنسية ففيها مسائل أيضاً:

المسألة الأولى: الأقوى وفاقاً للمشهور جواز اتيان الزوجة دبراً وإن كان فيه كراهة مغلظة بل عن جمعٍ منهم الشيخ وابن ادريس(قدهما) في السرائر الإجماع على الجواز إلا أن الظاهر إن الإجماع محل نظر لوجود من يخالف في ذلك حيث ذهب جمعٌ من الفقهاء إلى الحرمة خصوصاً مع احتمال أن يكون الإجماع هنا مدركيٌ لوجود الأخبار الذاهبة إلى ذلك.

وكيف كان ففي المسألة أدلة.

أما على أصل الجواز فمضافاً إلى الروايات التي منها رواية عبد الله بن أبي يعفور: (قال: سألت أبا عبد الله عن الرجل يأتي المرأة في دبرها، قال: لا بأس إذا رضيت. قلت فأين قول الله عز وجل ((فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ)) أي أمركم بمجامعتها من القبل؟ قال عليه السلام هذا في طلب الولد، فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله ـ أي من القبل ـ يقول الله عز وجل ((نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ))) وقوله سبحانه وتعالى فأتوا حرثكم أنى شئتم محمولة على الزمانية وعلى المكانية فيكون جواز الوطي من أي مكان أراد الزوج وفي أي زمان إلا ما خصصه الدليل كادلة حرمة مواقعتها قبلاً في حال الحيض.

ومنها رواية علي بن الحكم (قال سمعت صفوان يقول: قلت للرضا عليه السلام إن رجلاً من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة فهاب واستحيا منك أن يسألك عنها: قال عليه السلام ما هي؟ قال الرجل يأتي إمراته من دبرها؟ قال: نعم ذلك له، قلت وأنت تفعل ذلك قال عليه السلام: إنا لا نفعل ذلك) وقوله عليه السلام إنا لا نفعل ذلك لما ثبت في محله من علم الكلام من أن المعصومين عليهم الصلاة والسلام لا يفعلون المكروه ووطي الزوجة من الدبر وان كان جائزاً إلا أنه من المكروهات الشرعية وعلى كل حال فإن النصوص المقدمة تدل على جواز وطي الزوجة من الدبر خصوصاً في حالة طلبها أو موافقتها.

ومضافاً إلى النصوص فإن أصالة البراءة الجارية في الشبهات الحكمية التحريمية تجري هنا في صورة الشك أيضاً، كما ثبت في محله من الأصول.

وعليه فانه إذا شككنا في أن الاستمتاع بالزوجة دبراً حرام أو لا وافترض انه لم يدل دليل بالخصوص على الحرمة فإن مقتضى القاعدة الجواز هذا بالنسبة إلى أصل الجواز اعتماداً على اصل البراءة.

وأما الكراهة فلوجود نصوص أيضاً تنهى عنه بل قد عرفت في رواية الرضا عليه الصلاة والسلام، قوله (إنا لا نفعل ذلك) الظاهر منه أنهم عليهم السلام يتنزهون عنه ويتسنكرونه ولولا كراهته لما تنزهوا عنه ويؤيده أن له في نفس المتدينين والمتدينات شيء وذلك لما يرون فيه من منقصة وحزازة ايضاً. لذا فإن الأحوط تركه خصوصاً مع عدم رضاها بذلك.

أما الاحتياط في الترك فلمواظبة أئمة الهدى عليهم السلام على تركه... مضافاً إلى مخالفة جمع من الفقهاء فيه حيث ذهبوا إلى الحرمة.

وأما شدة الاحتياط في صورة عدم رضاها فالمفهوم ما مر في قول الصادق (عليه السلام) في رواية عبدالله بن أبي يعفور المتقدمة.

وأما القائلون بالحرمة فهم جماعة منهم ابن حمزة وأبو الفتوح والراوندي وأبي المكارم (قدست اسرارهم) وفي كشف الرموز أيضاً حيث استدلوا بروايات منها خبر سُدير (قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول قال رسول الله صلّى الله علّيه وآله و سلّم: محاشي النساء على أمتي حرام).

وفي خبر آخر (محاشي نساء امتي على رجال أمتي حرام).

وفي خبر مرسل عن أبان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن أتيان النساء في أعجازهن فقال هي لعبتك لا تأتيها) إلا غير ذلك من الاخبار إلا أن المشهور حملوا هذه الروايات على الكراهة كما قد عرفت و عضدوا هذا الحمل بجملة من الآيات الصريحة في الجواز فمضافاً إلى ما ذكرنا من أدلتهم استدلوا للجواز بقوله تعالى: ((إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ)) فإنها تدل على جواز كل أقسام الاستمتاعات مضافاً إلى قوله سبحانه وتعالى في قصة لوط (عليه السلام): ((هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ)) فإن قومه لما أرادوا اللواط بالرجال أمرهم لوط (عليه السلام) بالزواج وإتيان النساء من الخلف لأنه أطهر لهم في اتيان الرجال إذ الاثنان يحققان الغرض.

هذا مضافاً إلى الروايات.

ويقابل هذا القول قول ثالث وهو التفصيل بين جوازه مع رضاها وعدم جوازه بدون ذلك واختار هذا التفصيل المرحوم الميرزا مهدي الشيرازي رضوان الله عليه كما نقله عنه سماحة السيد الشيرازي دام ظله في الفقه.

وهذا وللعامة في المسألة مذهبان منهم يجوّزه ومنهم من يحرمه.

وكيف كان فإن الظاهر أن الحمل على الكراهة أقرب إلى الاحتياط وأجمع بين الأدلة وهذا ما عليه مشهور الفقهاء.

هل يجوز وطي المرأة دبراً في حالة الحيض؟

وهل يجوز وطي المرأة من الدبر في حالة الحيض؟ الظاهر ذلك لأن أدلة التحريم تختص بصورة المجامعة من القبل ودلت على ذلك الروايات فمنها ما هو ظاهر في حلية الوطي ما عدا القبل ومنها ما هو ظاهر في حلية الوطي ما عدا موضع الدم أو ما عدا ذلك الموضع، ولذا ذهب جمع من الفقهاء أيضاً إلى جواز الوطي في تلك الحالة إذا كان من الدبر.

نعم من ذهب إلى الاحتياط حمله على الاستحبابي لا الوجوبي وهل يجوز للمرأة أن تمنع الزوج من وطيها دبراً؟ وهل ينافي حق الزوج في التمكين والاستمتاع أو لا؟

في المسألة قولان:

الأول ما ذكره بعض الفقهاء من اللذين قالوا بجواز وطي المرأة من الدبر في أنه إذا منعت الزوجة زوجها من وطيها دبراً يكون محققاً للنشوز وذلك لصدق عدم تمكين الزوجة.

ويقابل هذا القول قول آخر ذهب إلى عدم النشوز فأجاز للمرأة أن تمنع الزوج من وطيها دبراً وذلك لعدم الدليل على وجوب تمكينها من نفسها من كل ما هو جائز من أنواع الإستمتاعات حتى يكون تركه نشوزاً.

صاحب القول الأول هو صاحب الجواهر رضوان الله عليه في بحث النفقات إذ قال (أنه يتحقق النشوز لعدم تمكين الزوجة من وطئها دبراً لأنه لما جاز وطئها دبراً كان حقاً للزوج فمنع الزوجة منه خروج عن الطاعة وهو يحقق النشوز) ويقابل هذا القول قول جمعٍ كبير من الفقهاء حيث ذهبوا إلى الجواز خصوصاً مع ورود الروايات المانعة للزوج من أذية الزوجة التي تمنع من شمول أدلة وجوب الطاعة عليها لمثل ذلك لذا قالوا بأن ترك الطاعة في مثله لا يعد نشوزاً.

بل ذهب بعضهم ومنهم سماحة السيد الشيرازي دام ظله في الفقه إلى أن ترك طاعة الزوج في الجماع قبلاً في الأوقات الشديدة الكراهية خصوصاً مع ما ورد بسندٍ معتبر من إيجاد ذلك نقص الولد أو نقصها هي بجنون ونحوه لا يعد نشوزاً إذا امتنعت خوفاً من الاضرار المحتملة.

ولعلنا نحقق المسألة ببعض البيان وحاصله أن الاستمتاعات الزوجية على أقسام.

القسم ألأول: ما إذا كان الاستمتاع برغبتها فيه من دون ترتب إيذاءٍ عليه من إدماء عضو أو تغير لون البشرة أو نحو ذلك وهذا لا ريب في صحته وجوازه ورجحانه بل قد يكون واجباً في بعض الموارد.

القسم الثاني: ما إذا كان الاستمتاع بإدماءٍ جائز كالوطي الموجب لإزالة البكارة مثلاً وهو كالأول للإطلاقات والعلومات وسيرة الفقهاء المسلمين فتوى وعملاً على ذلك.

القسم الثالث: ما يوجب الأرش كبعض أقسام العض الذي يمارسه بعض الأزواج بحق الزوجات أو بالعكس.

القسم الرابع: ما يكون عيباً وعاراً عند أهلها كالوطي في الدبر عند بعضٍ وفي شمول أدلة وجوب إطاعتها للزوج في القسم الثالث والرابع تأمل شديد لصيرورتها في هذه الصورة خلاف المتعارف والأدلة منزلة على المتعارف فلا يتحقق النشوز عرفاً بترك الطاعة فيها خصوصاً إذا ترتب على ذلك عسرٍ وحرجٍ عليها.

ولكن الأحوط المراعاة مهما أمكن وعليه فإن إطلاق قوله تعالى ((وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) وعموم أدلة الآداب والمجاملات يشملها.

وفي كيفية معاشرة نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأوصيائه الهداة عليهم السلام وأتباعه المهتدون بهم تعليم لغيرهم كما أنه في قولهم عليهم السلام (المرأة ريحانة وليست بقهرمانة) أو (هي لعبتك) الدال على نوع من الارفاق ومعاملتها بالرقة وما أشبه ذلك إشارة إلى العناية والرفق معها فلذا لا يصح للزوج أن يؤلم الزوجة أو يؤذيها أو يضربها أو يعضها في موقع الاستمتاع إرضاءً لنفسه لأن هذا خلاف ظواهر الأدلة فضلاً عن مخالفته لسيرة المتشرعة.

هذا مع جواز أصل الاستمتاع وأما مع حرمته شرعاً زماناً أو مكاناً أو حالة للمرأة فلا نشوز للامتناع أو لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

نعم في صورة الشك في تحقق النشوز في مثل هذه الموارد نقول بأن مقتضى الأصل عدم تحققه إن كان مسبوقاً بالتمكين.

 

  • ما يترتب على الوطي دبراً من الاحكام الاخرى

هذا ويتفرع على هذه المسألة أيضاً بعض الأحكام الشرعية التي تترتب على الوطي.

منها أن الوطي في دبر المرأة كالوطي في قبلها يوجب الغسل والعدة واستقرار المهر وبطلان الصوم وما أشبه ذلك وفي صدق الدخول بدخول الحشفة أو مقدارها خلاف بين الفقهاء بحثوه في باب الجنابة.

كما يترتب على الوطي دبراً أيضاً أحكام المصاهرة المعلقة على الدخول كحرمة البنت والأم وغير ذلك إذا وطيء أمها أو بنتها دبراً. نعم في كفاية الوطي من دبر في حصول تحليل المطلقة ثلاثاً إشكال كما أن في كفاية الوطي من القبل بدون الإنزال إشكال في تحقق التحليل لما ورد في الأخبار في اعتبار ذوق عسيلته وعسيلتها فالاشكال في تحليل الوطي دبراً أقوى وهذا ما ذهب إليه في القواعد وفي مبسوط الشيخ (قده) وفي الجواهر أيضاً وتبعهم السيد الحكيم رضوان الله عليه في المستمسك مستدلين عليه:

بأن ذوق العسيلة من القبل لا من الدبر، لكن ذهب جمع من الفقهاء ومنهم سماحة السيد الشيرازي في الفقه إلى كفاية ذلك وحملوا الروايات الدالة على ذوق العسيلة على الكناية عن مجرد الوطي وذلك لأن رطوبات الذكر والفرجين عسيلة تشبيهاً بحلاوة العسل لوجود الحلاوة المعنوية ولذا يسمى الزفاف في أمثال هذه الأوقات بشهر العسل من زمان العقد إلى شهر مثلاً وكيف كان فأن في صورة الشك في الآمرين فأن الأصل هو عدم حصول الحلية بالوطي دبراً كما أن الإشكال في كفاية الوطي في القبل في حصول التحليل بدون ذوق العسيلة ناشئ من المراد منها إن كانت بمعنى الرطوبات فيحقق التحليل بدون الإنزال أو أنها المراد بها المني فلا يتحقق بلا انزال لكن ذهب جمعٌ إلى أن المراد هو الأول لأن مني المرأة لا يخرج إلى الخارج في الغالب حتى يذوق الرجل عسيلتها فلابد وأن يراد بذلك رطوبة الفرج ومنه يعلم أن المراد بعسيلته فرجه لا منيه أيضاً وعليه فإن من يحمل العسيلة على المني يشترط فيه الإنزال ومن يحملها على الرطوبة يكتفي فيها لمجرد الوطي.

ويتفرع على هذه المسألة مسألة الإحصان فهل يحصل الإحصان للمرأة بإمكان الوطي في الدبر دون القبل؟

احتمالان:

قال في الجواهر لا يثبت له فيه الإحصان بلا خلاف كما عن المبسوط أيضاً فلا يحد من لا يقدر على وطي زوجته إلا في الدبر.

ويمكن أن يؤيد هذا بانصراف الإحصان إلى الوطي قبلاً لا دبراً ولكن الظاهر أن في مقابل هذا احتمال ثاني وهو أن الدبر حيث كان أحد المأتيين يكون حكمه حكم القبل والانصراف المدّعى إلى الوطي قبلاً بدوي. وعليه فإنه لا يقام على الوطي دبراً ولا على الموطوءة دبراً حد الزنا على الثانية لكنه يقام على الثاني كما أنه إذا وطئت البكر في دبرها فالظاهر أن كفاية سكوتها في كونه إجازة باقية لأن البكارة خاصة بالقبل على الأول وهذا ما ارتضياه في الجواهر والفقه تبعاً للقواعد.

  • هل يجوز العزل في الإنزال؟

المسألة الأخرى: يجوز للزوج العزل عن الزوجة بمعنى إخراج الآلة عند الإنزال وإفراغ المني خارج الفرج سواء كان النكاح نكاحاً منقطعاً أو كان النكاح نكاحاً دائما وسواء كان الوطي وطياً في القبل أو كان في الدبر.

والظاهر أن المسألة مجمع عليها.

أما في المتعة فواضح لأن المتمتع بها والمتمتع إنما يقصدان اللذة ولم يقصد بها الإنجاب فتحمّل تبعة الإنجاب خلاف الغرض الأصلي من المتعة وهذه الحكمة تصلح أن تكون قرينة توجب انصراف النص المانع من العزل عند من يرى حرمة العزل عن الحرة إلى الزواج الدائم لا الزواج المنقطع.

وأما في النكاح الدائم فإذا اشترط عليها العزل حين الزواج فلا إشكال في جوازه ويدل عليه صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (أنه سئل عن العزل فقال: أما الأمة فلا بأس وأما الحرة فإني أكره ذلك إلا أن يشترط عليها حين يتزوجها) وفي صحيح آخر ما يؤدي هذا المعنى أيضاً والروايات في هذا المجال متعددة

وفي خبر يعقوب الجعفي (قال سمعت أبا الحسن (عليه السلام): يقول لا بأس بالعزل في ستة وجوه المرأة التي تيقنت أنها لا تلدوا المسنّة والمرأة السليطة والبذية والمرأة التي لا ترضع ولدها) والظاهر إمكان أن يفهم من هذا الحديث عدم كراهية العزل في كل مورد يكون في الاستيلاد محذور ديني أو دنيوي والظاهر أن العازل الطبي الذي يستخدمونه (العازل المطاطي) ونحوه هذا أيضاً يكون من مصاديق العزل نعم إذا أدخل ولم ينزل فالظاهر أنه ليس من مصاديق العزل كما إنه إذا أدخل وافرغ بعض منيه في داخل الفرج وبعضه في الخارج هذا أيضاً ليس من مصاديق العزل.

أما إذا لم يشترط عليها العزل بالعقد الدائم ففيه قولان:

المشهور هو الجواز لكن على كراهة.

والقول الثاني وهو المشهور وهو الحرمة وهذا ما ذهب إليه في المقنعة والخلاف والمبسوط، بل عن الخلاف ادعى الإجماع عليه واستدلوا للحرمة بما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (أنّه نهى أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها) وبمفهوم صحيح محمد بن مسلم أيضاً المتقدم حيث قال (وأما الحرة فإني أكره ذلك) بحمل الكراهة على الحرمة وايضا بمفهوم الخبر المتقدم حيث قال: (لا بأس بالعزل في ستة وجوه) والستة محمولة على الحصر فإذا لم تكن ترضى بذلك فمقتضى القاعدة عدم الجواز.

لكن يخالف هذا القول قول مشهور وهم اللذين استدلوا بروايات عديدة في المقام تدل على جوازه منها صحيح بن مسلم (قال سألت ابي عبد الله (عليه السلام) عن العزل فقال ذلك إلى الرجل يصرفه حيث يشاء). وصحيح عبد الرحمن بن ابي عبد الله (عليه السلام) (قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العزل فقال: ذاك إلى الرجل) وكذا موثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (قال: لا بأس بالعزل عن المرأة الحرة أن أحب صاحبها وإن كرهت فليس لها من الأمر شيء).

والروايات كثيرة في هذا المجال.

وأما الإجماع الذي ذكره المانعون فهو ليس بحجة بعد مخالفة المشهور له لعدم تحققه صغرى فضلاً عن وجود الروايات التي قد تشير إلى أنّه إجماع مستند أو محتمل الاستناد وهو مخدوش من ناحية الكبرى.

وأما الروايات التي استدلوا بها فغالباً ضعيفة السند وبعضها ظاهر بالكراهة فلذلك هي بنفسها غير صالحة للاستدلال على الحرمة خصوصاً إذا عارضتها الروايات الصحيحة الصريحة المعتبرة سنداً ودلالة الدالة على الجواز.

فبناءً على هذا فإن القول قول مشهور وهو جواز العزل.

نعم ربما لجهة أدلة المنع نحمل الجواز على الكراهة، هذا في صورة عزل الزوج عن الزوجة.

وأما في صورة عزل الزوجة عن الزوج بمعنى منعها من الانزال في فرجها فالظاهر حرمته إذا كان بدون رضا الزوج لأنه منافٍ للتمكين الواجب عليها ولا يبعد أن يكون العزل في بعض الموارد مستحباً كما إذا كان تكوين الولد مكروهاً في تلك الحالة أو كان الجماع منهياً عنه نهياً إرشادياً لأنه إذا تكون الولد فيحتمل أن يصير أخرس أو مجنوناً أو نحو ذلك وقد يكون في بعض الموارد العزل واجب كما إذا شرطت عليه العزل أو علم بأنه إذا لم يعزل سبب فتنة بسبب الحمل أو ضرراً بليغاً على المرأة أو ضرراً بليغاً عليه وما أشبه ذلك فإن العناوين الثانوية تجعل العزل من الواجبات

ــــــــــــ

الهامش

1ـ لسان العرب، ج 13، مادة دنى، ص 159.