البعدُ السياسي في تصوّف الحسين بن منصور الحلاج (244-309 هـ/858-922م)
التعرّض لسيرة الحلاج الغامضة، أو سبر غور أفكاره ورؤياه الصوفية والعرفانيه الغنية بالمعاني، والرموز؛ لا يمكن أن يكون تعرّضاً أمناً، أو سهلاً؛ فالحلاج شخصيةٌ ذات أبعاد معقّدة. والزمان لا يجود كثيراً، بسيرة مثل هذا العملاق.
لا ريبَ أن الحلاج شخصية مفصلية، وتاريخية مهمة للغاية. لقد شغل الحلاج عصره، وأضفى عليه غنى ومعنى وغاية. وهو جديرٌ أن ينقسم الناس حوله، بمواقف متفرّقة، وأخبار متداولة؛ ولا يختلف الناس إلّا حول شخصٍ عظيم.
وقد يخطأ الباحث أو يصيب، في هذا الموضع أو ذاك، والخطأ جزء من جهود البحث، ومعترك الأفكار، ونحن مع الحلاج نبحث في أنقاضٍ ومخلفات، وأوراق، لم تنجُ من رقابة السلطة، وفلاتر أعوانها، التي تعاضدت على طمس هويّة التصوف الحقيقية، وزحزحة تعريفه، بعيداً عن ميادين الإصلاح، والثورة ضدَ صدأ أصحاب الأهواء و الامتيازات. وخاصة ان خصوم التصوف، لا يستهان بهم، ولا يُحطُّ من شأنِّهم إلّا مغترٌّ بنفسه، أو غافلٌ، عن صولات الزمان، وتقلّب الحدثان.
والشواهد تأتينا متفرّقة، والإشارات تصل واهنة، ولكنّها شواهد وإشارات تلتئم، في وحدة حق، وومضة برق، لتخبر عن حقيقة التصوف، التي دفع الحلاج من أجلها، دمه رخيصاً، وجسده معلقاً على خشبةٍ عندَ أبواب قصر الخلافة