الأخلاق الجنائية
يتصل مبحث الأخلاق بكل ماهو جوهري في الدين والفلسفة والاجتماع ، وليس هذا هو الوضع عندما يتعلق الأمر بالقانون. ذلك ان السائد في الفقه القانوني المعاصر هو مقولة الانفصال بين القانون والأخلاق ، إلا في أضيق الحدود التي لايجد فيها المشرع محيدًا عن استلهام بعض معانيها على استحياء وبطريق غير مباشر . ويعود هذا الوضع غير المبرر إلى مقولة أخرى تحولت الى مسلّمة بديهية دون ان يتم إثبات صحتها وهي إن الأخلاق أمر نسبي فلا يجوز أن تكون أساسًا صالحًا لتحديد وظيفة وطبيعة ومضمون القانون عمومًا والجنائي على نحو خاص . ولهذا السبب جاءت فرضية هذا البحث في نفي التعارض بين الأخلاق وبين فكرة القانون ، كما هي في ذاتها وكما يجب أن تكون . ثم يكون التأسيس بعدها لفكرة القانون على أصلها الطبيعي والوحيد وهو الأخلاق . ذلك ان التعمق في مفهوم القانون بالمعنى العام ، تشريعًا كان أو عرفاً يؤدي حتما الى الكشف عن الارتباط بين القانون والأخلاق الذي تكون فيه هذه الأخيرة مصدرًا لمشروعية سلطة المشرع في التجريم والجزاء ، ومصدرًا للممارسة القضائية السليمة في تطبيق القانون بعد تفسيره ، وللممارسة الفقهية العلمية في إطار قواعد القانون.ويسعى البحث بعد ذلك الى تحديد القدر الواجب التضمين من المبادئ الأخلاقية في القانون الجنائي ، هذا القدر الذي يوصف بعدها بأنه مضمون ( الأخلاق الجنائية) . وهو القدر الذي تكون فيه الأخلاق الجنائية تخصيصًا منطقيًا وعمليًا للأخلاق العامة في اطار من الفهم الصحيح لوظيفة القانون الجنائي وطبيعته. وهذا التخصيص الذي هو في تقديرنا شرط تعرّف القانون على ذاته ، وشرط تعريفه الصحيح ، وشرط معرفة الآخرين به من المختصين وغير المختصين . وهو بعد ذلك يمثل ربطًا للقانون بما هو ثابت وجوهري من سنن الاجتماع البشري ، وتقريبًا بين أدوات الضبط الاجتماعي وكشفًا عن التكامل الوظيفي بينها بما يعزز فاعليتها بالمجمل ، فلا يعمل احدها بمعزل عن الآخر كما هو حاصل حاليًا ، أو يعارض بعضها الآخر كما هو واقع غالبًا.