حدود مبدأ حرية الإثبات في المسائل التجارية ((دراسة مقارنة))
يعد مبدأ حرية الاثبات في المواد التجارية من المبادئ التي يقوم عليها القانون التجاري, ويراد به تخليص الاثبات التجاري من القيود التي أوجدها المشرع بخصوص الاثبات في المسائل المدنية, أي أن أثبات المسائل التجارية جائز بكافة طرق الاثبات دون قيد, الا ما استثني منها بنص خاص, وبالتالي اصبح من الجائز اثبات المعاملات التجارية بالكتابة ( المحررات والبينة, والاقرار, والقرائن, واليمين..... الخ ), ولو تجاوزت قيمة التصرف المبلغ المحدد في المعاملات المدنية, أو كانت غير محددة القيمة, كما يجوز اثبات عكس المكتوب بغير الكتابة , والاحتجاج بالمحررات العرفية على غير المتعاقدين ولو لم تكن ثابتة التاريخ, ولا شك ان ذلك كله يمثل قواعد خاصة بالمعاملات التجارية ويخالف القواعد القانونية الخاصة بالمعاملات المدنية.
وتكمن الحكمة من تقرير هذا المبدأ المتقدم هو ان الاعمال التجارية قوامها السرعة والائتمان, فقواعد القانون التجاري تهدف الى دعم الائتمان وتبسيط الاجراءات لإبرام العمليات التجارية وتنفيذها بالسرعة التي تتطلبها الحياة التجارية, فلا يمكن ان يطلب من التاجر أن يحرر دليلاً كتابياً عن كل عمل تجاري يقوم به حمايةً لحقوقه, لاسيما وأنه قد يقوم بعشرات الاعمال في اليوم الواحد.
على ان مبدأ حرية الاثبات في المواد التجارية ترد عليه بعض الاستثناءات, إذ يوجب المشرع إثبات بعض الاعمال التجارية بدليل كتابي مثل عقود تأسيس الشركات وأصول مسك الدفاتر التجارية وعقود وبيع ورهن المحل التجاري, وعقود نقل التكنلوجيا ونحو ذلك, بالإضافة الى أن طبيعة بعض الاعمال التجارية لا تقع الا في محررات مكتوبة, كما هو الحال في الاوراق التجارية, غير أن اشتراط الدليل الكتابي لإثبات بعض الاعمال التجارية لا يتعارض مع ما يقتضيه النشاط التجاري من تبسيط الاجراءات لإبرام الاعمال التجارية بالسرعة المطلوبة, لأن ذلك الاجراء الشكلي يهدف الى ضبط العمل التجاري وتحديده بدقة, حسماً لأي نزاع بين أطرافه, بسبب ما يستغرقه إبرام العمل وتنفيذه من وقت ليس بالقصير, ومن ثم فأن اثبات العمل التجاري بالدليل الكتابي في مثل هذه الحالات سيحقق للنشاط التجاري السرعة المطلوبة.
هذا ويتحدد نطاق مبدأ حرية الاثبات في المواد التجارية في المعاملات التجارية التي تتم بين التجار انفسهم, أو بينهم وبين عملائهم, وبذلك يشترط للتمسك بهذا المبدأ أن يكون طرف العلاقة تاجرين, أو يكون محل الاثبات عملاً قام به التاجر إثناء مباشرته مهمته التجارة, أي عمل تجاري, سواء أكان الطرف الثاني تاجراً أم غير تاجر.
وسنتناول في البحث موضوع (حدود مبدأ حرية الاثبات في المسائل التجارية ) من خلال تقسيمه الى مبحثين, الاول سيكون لمعنى هذا المبدأ وموقف الانظمة القانونية المقارنة منه كالقانون الفرنسي والانكليزي والمصري والعراقي, وكذلك استعراض موقف الاتفاقيات والاعمال التجارية المهتمة بالتجارة الدولية كمبادئ العقود الاوربية ومبادئ اليونيرودا واتفاقية الامم المتحدة للبيع الدولي للبضائع, والمبحث الثاني سنعقده لحدود هذا المبدأ من خلال توضيح أهم الاستثناءات الواردة عليه والفلسفة التشريعية من ايرادها.