التنظيم القانوني للتحكيم التجاري الدولي -دراسة مقارنة-
يعد موضوع التحكيم واحد من أهم الموضوعات المعاصرة ليس في العراق فحسب أو في دول معينة دون غيرها، بل يتعدى هذا الاهتمام مستوى الشعوب والحكومات فـي العالم اجمع، فقد أضحى التحكيم L´ Arbitrage من أهم وسائل فض المنازعات التي تنشأ -في الغالب- في مجال العلاقات التجارية الدولية، لان كلا طرفي هذه العلاقات لا يرغب عادة الخضوع لقضاء محاكم الطرف الآخر وما يصحب ذلك من احتمالية الخضوع للقانون الوطني.
وقد كان لتزايد الدور الاقتصادي للمعاملات التجارية الدولية المعاصرة وانتقال القيم الاقتصادية عبر حدود الدول في العقود المعاصرة، ما أسبغ على هذه المعاملات سمات خاصة، ولم تكن هذه السمات ألا انعكاسا لأهمية التجارة الدولية وظهور أشكال جديدة من المعاملات التجارية الدولية طغت أهميتها على المعاملات التجارية العادية وخاصة في ظل انتشار عقود نقل التكنولوجيا وعقود التعاون الصناعي وعقود الشركات المشتركة، وبدأت هذه العقود وغيرها تنتشر في معظم الدول منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين واقترن بها عادات ومصطلحات حديثة واقتضى الفصل في المنازعات المتعلقة بها فهم وأدراك حقيقي للسمات المميزة لها، والإلمام بمقتضيات هذا النوع الجديد من المعاملات والعقود الدولية.
لقد وجد أطراف هذه المعاملات الدولية ضالتهم في التحكيم الذي يوفر لهم محكمين يمكنهم الاتفاق على تسميتهم للفصل فيما يثور بينهم من منازعات بشأنها، بل وتلعب أرادتهم دورا كبيرا في تنظيمه بدءا من الاتفاق على التحكيم وتحديد نطاقه، وبيان الموضوعات التي تحل عن طريقه وإجراءاته والدولة التي يتم فيها التحكيم، والقانون الذي يحكم النزاع شكلا وموضوعا.
أن هذه المميزات كان لها اثرا واضحا في إقبال العديد من أطراف المعاملات التجارية الدولية على التحكيم كوسيلة مقبولة لحل منازعاتهم.
بالإضافة الى ما تقدم، فقد أدت التطورات الاقتصادية المعاصرة الى تزايد الاتجاه نحو تشجيع الاستثمارات الأجنبية في ظل عجز اغلب الدول النامية من أحداث نهضة تنموية في اقتصادياتها، ولم يقتصر الأمر على الدول النامية فقط بل امتد الى غيرها من الدول المتقدمة، وارتبط حل المنازعات فيما بين المستثمر الأجنبي والدولة بنظام التحكيم إلى حد اعتباره أكثر الوسائل ذيوعا لحل منازعات الاستثمار.
ولم يكن المشرع العراقي غافلا عن أهمية التحكيم كطريق لتسوية المنازعات بين الأطراف فنظم أحكامه في قانون المرافعات المدنية، كما أشار اليه قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 باعتباره وسيلة مقبولة لتسوية المنازعات الناشئة بمناسبة تطبيق قانون الاستثمار أو بسببه، حيث سمح المشرع للمستثمر الأجنبي اللجوء للتحكيم في حالات معينة.
ولكن هل التحكيم الذي اشار اليه المشرع العراقي في قانون الاستثمار العراقي رقم 13 لسنة 2006، ونظم احكامه في قانون المرفعات المدنية هو التحكيم التجاري الدولي أم هو التحكيم الداخلي، وما معيار التمييز بينهما.
لغرض الاجابة على هذا التساؤل، وسبر غور الموضوع للتعرف على احكامه، سوف نقسم البحث على ثلاثة مباحث، نعالج في المبحث الأول ماهية التحكيم التجاري الدولي، ونفرد المبحث الثاني للقانون الواجب التطبيق على اجراءات التحكيم التجاري الدولي، ونخصص المبحث الثالث للقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع المحكم فيه، ونختم البحث بخاتمه نضمنها أهم النتائج والمقترحات التي توصلنا اليها.