دور الشركات الكبرى في صنع القرار السياسي الامريكي
لاشك فيما للمال من تأثير قوي على البنى الاقتصادية حول العالم، باعتباره القلب النابض لها. ومن الطبيعي ان من يمتلك المزيد منه سوف يمتلك المزيد من القوة والنفوذ. وفي الوقت الحالي اصبحت الشركة الكيان الذي تجتمع لديها رؤوس الاموال الضخمة، ومع مرور الوقت والسعي المحموم للربح، نشأت شركات جبارة تمتلك اصول مالية وموجودات وميزانيات توازي ما لدى دول بأكملها.
ومن ابرز تلك الشركات، الشركات الامريكية التي تخصصت كل منها في مجالات اقتصادية وتجارية مختلفة من صناعة الاسلحة والبترول مرورا بالإعلام وانتهاءا بالمصارف والبنوك. ونظرا لطبيعة التحالفات والتكتلات بينها، اصبح كل منها يهيمن على المجال الذي يعمل فيه ويمارس نوع من الاحتكار والسيطرة على الاسواق. بل ان تلك الشركات الكبرى تجاوزت نطاق عملها، لتتدخل بشكل مباشر وغير مباشر في صناعة القرار السياسي الامريكي، الداخلي منه والخارجي، بما يضمن لها استمرار اعمالها وزيادة ربحها وصيانة مصالحها.
ونظرا للطبيعة الخاصة للنظام السياسي الامريكي، وسبل الحكم والانتخابات هناك، استطاع اصحاب المال تكوين لوبيات تعمل لضمان مصالحهم، حتى وصل الامر إلى تبادل الادوار، فنرى على سبيل المثال رجل الاعمال يصبح سياسيا مخضرما وقد نرى الاخير يدخل إلى معترك التنافس التجاري ليصبح ثريا من الاثرياء.
لذا يمكن الاشارة إلى ان لا غنى للسياسيين الامريكيين عن اصحاب رؤوس الاموال،وكذلك لا غنى للأخيرين عن السياسيين.فهما يكملان بعضهما. فأي سياسي امريكي يحتاج إلى دعم مالي واعلامي من قبل كتلة اقتصادية معينة (غالبا ما تكون شركة كبرى) وفي المقابل يقوم هو (او يطلب منه) ضمان مصالحها عبر القرارات السياسية والاقتصادية. فعلا سبيل المثال، أي حملة دعاية انتخابية لمرشحي الرئاسة والكونغرس تتطلب انفاق مالي يصل إلى ملايين الدولارات، فمن غير اصحاب الثروات الضخمة قادر على التبرع بها، في مقابل استمرار الوضع الراهن او تغييره لمصلحة الجهة الممولة.
ان الشركات الكبرى تلعب دورا في صناعة القرار السياسي الامريكي بما تمتلكه من عناصر القوة الاقتصادية والتأثير السياسي.حتى ان نفوذها امتد على الشعوب ايضا، بما تتمتع به من سلطة اعلامية هائلة تشكل الرأي العام وتتحكم بالأذواق والامزجة.
Abstract:
Companies has been considered an important interface for the money Lobbies which controlling the US economy, and the latter has its ramifications within the structure of American policy institutions generally, which performing decision-making particulary.
According to some analysts that the major companies as the arms and oil companies and money lobbies at Wall Street are the U.S. decision-making teams. and the politicians and the legislatures are just a helping hand in order to pass the grand plans. And that the policies of successive US administrations, were always led by the main factor, to control of the countries which have been undergone the old colonialism in order to depletion its wealth and utilizing it for the benefit of the giant US companies, particularly those operating in the military and oil industries.
Its naturally that the major companies has a main effect in political life as well as economic, especially if we noticed that the largest 1,000 companies in the United States are responsible for 60% of GDP compared to 11 million small trading company. The contracting process does not create new opportunities for small businesses, as the the giants companies holding the power always.
In our research we will seek to find out and explore what does major U.S companies and its role on the American political decision-making process. And does it current and future interests has direct implications on the U.S politicians attitudes? Is it possible that the politics Dominated by funds field, in the most strongest state in the world?
In order to meet the subject of research, I have divided it into three sections, however, in the first part, I dealt with the major companies In terms of meaning, structural, bases of and its Advantages. While I have devoted the second section, and shedding light on U.S political decision-making process, starting with decision-making process concept, ending with the participating institutions in this process. While third section focus on the role of major companies in shaping internal and external U.S political decision-making.
المحتويات
ـــ المقدمة
ــــ المبحث الأول: ماهية الشركات الكبرى
ــــ المبحث الثاني: صنع القرار السياسي الامريكي
ــــ المبحث الثالث: الشركات الكبرى وصناعة القرار السياسي الأمريكي
ــــ الخاتمة
المقدمة
أهمية البحث: تعد الشركات واجهة مهمة لدى لوبي المال المتحكم في الاقتصاد الأمريكي، وهذا الأخير له تشعباته المعروفة داخل بنية مؤسسات السياسة الأمريكية بصورة عامة، وفي صانعة القرار منها بصورة خاصة.
وبحسب بعض المحللين أن الشركات الكبرى كشركات السلاح والبترول ولوبي المال في وول ستريت هم الفريق الصانع للقرار الأمريكي،والساسة والسلطة التشريعية مجرد جهة مساعدة لتمرير الخطط الكبرى. وأن المحرك لبعض سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة، كان دوما السيطرة على البلدان التي خضعت للاستعمار القديم واستنزاف ثرواتها وتوظيف هذه الثروات لصالح الشركات الأمريكية العملاقة وبخاصة العاملة منها في حقل الصناعات العسكرية والبترولية.
إن من الطبيعي أن يكون للشركات الكبرى شأن في الحياة السياسية علاوة على الاقتصادية، خصوصاً إذا علمنا أن اكبر 1000 شركة في أمريكا هي مسؤولة عن 60 % من إجمالي الناتج القومي مقابل11 مليون شركة تجارية صغيرة. إن عملية التعاقد لا تخلق فرصاً جديدة للشركات الصغيرة، إذ إن السلطة تظل بيد الشركات العملاقة، كما هو الحال دائما.
وسنفترض ان الشركات الكبرى ذات مصالح متعدد وقد تقوم بالتدخل بين الحين والاخر في الشأن العام لضمان مصالحها. لذا سيكون من اهداف البحث السعي لمعرفة ماهية هذه الشركات الأمريكية الكبرى واستطلاع دورها في عملية صنع القرار السياسي الأمريكي. وهل أن مصالح تلك الشركات الآنية والمستقبلية لها تأثير مباشر على توجهات الساسة الأمريكيين ؟ أمن الممكن أن يتحكم عالم المال بعالم السياسة في دولة تعد الأقوى في العالم ؟
هيكلية البحث: ولغرض الاحاطة بموضوع البحث، فقد تم تقسيم محتوياته على ثلاثة مباحث، تناولنا في المبحث الاول الشركات الكبرى من حيث المعنى والهيكيلية وعلائمها ومرتكزاتها، اما المبحث الثاني فقد خصص لصنع القرار السياسي في امريكا، بداية من مفهوم عملية صنع القرار انتهاءا بالمؤسسات المنخرطة في ذلك. في حين يركز المبحث الثالث على الشركات الكبرى ودورها في صناعة القرار السياسي الامريكي داخليا وخارجيا.
المبحث الأول: ماهية الشركات الكبرى
المطلب الاول: مفهوم الشركات الكبرى
للشركة معنيان، يذهب الأول إلى عقد الشركة ذاتها، بينما ينصرف الآخر إلى الشخص المعنوي الممثل لها. فهي بهذا المعنى عبارة عن مجموعة أموال وحصص يقدمها الشركاء لتكون ذمة مالية واحدة مستقلة عن ذممهم الشخصية ومخصصة لتحقيق مشروع معين. ([1]) والذي يهمنا المعنى الثاني للتعريف الذي يركز على توضيح ما تتكون منه الشركة وطبيعتها الهادفة للربح.
إن الشركات التي سنتكلم عنها شركات عملاقة توازي سيولتها المالية ميزانيات دول بأكملها، لذا من الطبيعي أن يبرز دورها على الساحة الداخلية (الوطنية) ويتجاوز حدود الدولة إلى ما هو (عالمي). كذلك سنلاحظ أنها شكلت بصورة تراكمية جماعات ضغط فاعلة استطاعت أن تتغلغل في جميع مفاصل الدولة ومنها مؤسسات صنع القرار وتجذرت هناك.
وفي تعريف الأستاذ وائل محمد إسماعيل لجماعات الضغط، أشارة لدور الشركات فيقول: أما جماعات المصالح،فهي تلك الجماعات والجمعيات والنقابات والشركات التي تجمعها مصلحة مشتركة فيما بينها،وتمارس مختلف وسائل الضغط للتأثير على القرار الحكومي والتشريعي([2]).
ومن ذلك نستنتج أن الشركات مكون أساس في جماعات المصالح التي تسعى من خلال عملها إلى التأثير في النظم السياسية وبالنتيجة التحكم بقراراتها كي تتوافق مع أهدافها ومصالحها.
كما تعد الشركات الكبرى من القوى المؤثرة في توجيه السياسة الخارجية الأمريكية، ويتجلى هذا الدور من خلال النفوذ الواسع لها في مختلف دول العالم. ولذا أصبحت ذات صلة بالأمن القومي للولايات المتحدة وهذا يعكس مدى الارتباط بين هذه الشركات ومؤسسات صنع القرار الأمريكي.
تنامى نشاط هذه الشركات العملاقة على مختلف مجالات الاقتصاد والتجارة والعمل الربحي المتنوع، فمثلا أكبر خمس شركات أمريكية تمثل تجمع الشركات المنتجة للسلاح، وصلت مبالغ عقودها نهاية عام 2002 مع وزارة الدفاع الامريكية كالأتي:
- لوكهيد مارتن...................... 17 مليار دولار
- بوينغ............................. 16 مليار دولار
- نورثروب غرومان................... 7 مليار دولار
- جنرال دينامكس................... 7 مليار دولار
- يونايتد تكنولوجي.................. 3،6 مليار دولار[3]
ولا يخفى على أحد أن المؤسسة العسكرية الأمريكية هي أكبر زبون لدى شركات إنتاج السلاح التي تكّون المؤسسة الصناعية العسكرية، ومن هذه الحقيقة نستطيع فهم معطيين:
الأول: دور الجيش الأمريكي خارج بلاده بات يمثل منشطا مهما للإنتاج الصناعي العسكري ولعملية تصريف هذا الإنتاج في أسواق الجيوش الحليفة والمناطق الساخنة.
الثاني: السلك الحربي الأمريكي، يعمل على توظيف مئات ألوف الامريكيين من الشباب والعاطلين عن العمل،وهذا يساهم في تخفيف المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن البطالة ([4]).
المطلب الثاني:الشركات الكبرى والشركات متعددة الجنسية
الشركات متعددة الجنسية،تعبير يطلق على الشركات الضخمة التي تشكل شركات فرعية في عدد من البلدان الصناعية وتسوق منتجاتها ([5]). وتعمل الشركات الفرعية ضمن البلد الخارجي،لكنها تحافظ على روابطها مع الشركة الام في الوطن. أي إنها الشركات التي يضيق السوق الداخلي بمنتجاتها،فتمتد نشاطاتها إلى خارج حدود بلدها الأصلي،والذي يكون فيه مقرها الرسمي، فتنشىء فروعا (شركات) لها في بلدان عدة.
لقد ظهرت في البداية الشركات الأوربية كعابرة للقارات ، كنستلة السويسرية و فليبس الهولندية، ثم تبعتها الشركات الأمريكية، ومن أبرزها تلك العاملة في مجال البترول.
ويبدو من الصعوبة بمكان التفريق بين المصطلحين، وبخاصة في الحالة الأمريكية، لكن الذي يهمنا في بحثنا هذا الشركات المنخرطة في العمل السياسي فضلا عن مهنتها الرئيسة، التجارة والربح والتصنيع. وللشركات الكبرى ثلاثة خصائص رئيسة:
- ضخامة حجم مبيعاتها، شركة أكسون حققت عام 1980 مبيعات تقدر(103)مليار دولار.
- أعداد عمالها كبير، شركة جنرال موتورز لديها ما يقارب 800 ألف شخص.
- انتشارها الواسع عالميا، شركة IBM لها فروع في أكثر من 80 بلدا.
وتركز هذه الشركات نشاطاتها على قطاعات متنوعة مثل النفط، السيارات، خدمات التأمين، المالية، السياسة وغيرها.
- شركات النفط الكبرى (الست الكبار)
مصطلح (supermajor)يوضح أضخم ست شركات نفط ليست مملوكة للدولة، حسب وسائل الإعلام المالية العالمية. وتتاجر بأسماء تجارية مختلفة وهي:
إكسون موبيل، شل، بي بي، شيفرون، كونوكو فليبس،توتال. بدأت تلك الشركات بالظهور في أواخر التسعينات، بسبب الانكماش الحاد في أسعار النفط. فبدأت شركات النفط الكبرى بالاندماج في محاولة لتحسين وضعها الاقتصادي، والتحوط من تقلبات أسعار النفط، وتقليل الوفرة الاحتياطية المالية وذلك من خلال إعادة استثمارها.([6])
- شركات الإعلام والاتصالات والترفية (العمالقة السبعة)
لقد شهدت تسعينات القرن المنصرم حراكاً محموماً باتجاه الاندماجات والاستحواذات بين شركات الإعـــلام والاتصالات والترفيه،حتى بلغت ذروتها بأوائل عقد الألفين، القضية ليست الأحجام المالية الضخمة لهذه الكيانات الإعلامية الجديدة، فهناك بنوك وشركات بترول وأدوية تفــوقها حجما ، ولكن الإشــــكال هو احتكار نوع النشــاط الذي تمارسه هذه الشركات، فالقوة الكـــامنة في الإعــــلام تخترق كيان كل رجل وامرأة وطـــــفل في المجتمع. وأكبر هذه الشركات:
◙ بيرتلزمان Bertelsmann:انطلقت هذه الشركة من ألمانيا في نشاط النشر وتمكنت من السيطرة على عشرات الشركات حتى استحوذت على ما لا يقل عن 600 دار نشر حول العالم، كما تدير 17 محطة إذاعية في فرنسا إضافة إلى عدد آخر في اوربا، وتمتلك 6 شركات إنتاج وتوزيع سينمائي ونحو 20 محطة تلفزيونيـــة في مختلف الدول الأوروبية، وفي الإنتاج الموســــيقي تمتلك هذه الشـــركة 8 شركات إنتــــاج موســيقي إضافة إلى شركات إنترنت.
◙ نيوز كورب News Corp:تأسّست "نيوزكورب" في أستراليا بقيادة الشخصية الإعلامية العالمية "روبرت مردوك"، وأصبحت تمتلك عشرات المؤسسات الإعلامية في أستراليا وأمريكا اللاتينية وأوروبا وكندا وحتى الولايات المتحدة، تقدر أصول هذه الشركة بنحو 38 مليار دولار، وتشمل عدداً كبيراً من الإذاعات من أهمها "فوكس نيوز" الناطقة باسم اليمين المتطرف الأمريكي، و لديها 22 محطة مرتبطة بها، ومحطة "سكاي نيوز" البريطانية الشهيرة والتي تمثــــل نفـــس خـــــط "فوكس" الأمريكية، وتمــــتلك عدد من المجلات والصحف الشهيرة من أبرزها "نيويورك بوست" الأمريكية و"التايمز" البريطانية، فضلاً عن شركات في مجال الإنترنت.
◙ سونيSONY:تأسست هذه الشركة عام 1946م في "طوكيو"، وكمثيلاتها من الشركات العملاقة تجاوز نشاط "سوني" صناعة الإلكترونيات المعروفة إلى عدة أنشطة رئيسة، فهي تمتلك أشهر شركات الإنتاج السينمائي مثل شركة "كولمبيا" إضافة إلى 8 شركات إنتاج سينمائي، كما تدير6 شركات توزيع لأفلامها السينمائية، إضافة إلى 12 شركة تلفزيونية في الهند واليابان وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، وتمتلك كذلك دور عرض مسرحي وسينمائي وشركات إنتاج موسيقي إضافة إلى إنتاج الإلكترونيات وحتى شركات التأمين.
◙ وولت ديزني Walt Disney:تعد هذه الشركة ثالث أكبر شركة إعلام في العالم، وتشتق اسمها من نشاطها الأصلي في مدن الملاهي الأمريكية الشهيرة، ولقد تجاوز نشاط هذه الشركة مدن الملاهي إلى ما هو أهم بكثير، حيث استحوذت على 3 دور نشر و4 مجلات أمريكية و5 صحف من شرق الولايات المتحدة إلى غربها، ولكن لعل أهم ما تسيطر عليه المحطات التلفزيونية المهمة مثل محطة "أيه. بي. سي" (ABC) الذائعة الصيت إضافة إلى 7 محطات تلفزيونية أخرى، كما تمتلك "ديزني" 5 شركات توزيع سينمائي،فضلا عن دور العرض المسرحي،علاوة على نحو 30 محطة إذاعية حول العالم.
◙ فيفندي ينيفيرسال vivendi universal:تأسست هذه الشركة من اندماج 3 شركات إحداها في مجال الاتصالات و2 في إنتاج الأفلام والبرامج التلفزيونية والإذاعية، تمتلك "فيفندي" شركتين للاتصالات الأرضية واللاسلكية، ودار نشر في فرنسا، و3 شركات لخدمات الإنترنت، كما تمتلك 9 شركات للإنتاج الموسيقي، و4 شركات للإنتاج السينمائي من أبرزها "يونيفيرسال ستوديوز" و"يونايتد انترناشونال بكتشرز"، ولكي تضمن توزيع إنتاجها استحوذت الشركة على 4 شركات توزيع من أشهرها "كنال بلوس" الأوروبية و"يو. إس. أيه. نتوركس".
◙ فياكوم Viacom:انطلقت هذه الشركة إثر إندماج بين شركة "سي. بي. إس" (CBS) الأمريكية العملاقة وشركة "فياكوم"، وتمخض ذلك عن تأسيس أكبر شركة إعلامية على مستوى العالم، أما الشركات التي تمتلكها وتديرها هذه الشركة، فكثيرة جدا، بيد أن معظمها معروف حتى على مستوى الشرق الأوسط والخليج العربي، تمتلك "فياكوم" دار نشر "تكلوديون" فضلا عن 3 دور نشر أخرى، كما تمتلك شركة إنتاج الأفلام الشهيرة "باراماونت"، و23 محطة ووحدة إنتاج تلفزيوني من أشهرها "سي. بي. إس"، و"شوتايم" التي يعشقها الشباب، وكذلك "ذا موفي تشانيل" لمحبي الأفلام، وزيادة على ذلك، تمتلك هذه الشركات عشرات الفروع في مجال الإنترنت ودور عرض السينما والمسرح.
◙ أيه. أو. إل. تايم وورنر A.O.L:يعد إندماج شركتي "أيه. أو. إل" و"تايم وورنر" أضخم إندماج على مستوى العالم، حيث بلغ مجموع أصول الإندماج (165) مليار دولار، محققاً المركز الأول بين الشركات العملاقة ، يذكر أن الشركة الأولى كانت تركز أنشطتها في مجال الاتصالات بينما كانت الأخرى تمتلك سلسلة كبيرة من المجلات العريقة وشركات إنتاج تلفزيوني عالمية مثل "سي. إن. إن" (CNN) الشهيرة. ومن المجلات المملوكة لها مجلات "تايم" و"لايف"، و"فورتشن" و"سبورتس الستريتد"، فضلا عن 27 مجلة، كما تملك 5 دور نشر وشركات للإنتاج السينمائي مثل شركة "وورنر برذرز" التي تمثل عراقة صناعة السينما الأمريكية.
وبحسب أحدى الشركات الاستشارية العالمية بلغ الإنفاق على الإعلام العالمي، والذي يشمل الطباعة والتلفزيون وغيرهما نحو (1.4) ترليون دولار نهاية عام 2007م، أي إنه فاق دخل بعض الدول بأضعاف، المقلق هنا ليس ضخامة المبلغ فحسب ولكن أوجه إنفاقه، فالمبالغ المنفقة على الإعلانات التجارية قد لا تمثل سوى عشر الرقم المذكور، ولكن الملاحظ بالفعل هو أن قسماً كبيراً من هذه الميزانيات تنفق لصياغة الرأي العام الغربي والتأثير عليه بما يخدم المتنفذين بتلك البلاد([7]).
المبحث الثاني: صنع القرار السياسي في أمريكا
المطلب الاول:مفهوم عملية صنع القرار
منذ الحرب العالمية الثانية ودراسات صنع القرار تشهد نمواً متزايداً، كون القرار يشكل عنصراً مركزياً في العملية السياسية، وربما وردت إشارات غامضة لمفهوم اتخاذ القرار في بعض الدراسات التي تبحث في التاريخ الدبلوماسي أو نشاطات المؤسسات الحكومية. فعلماء النفس عمدوا إلى دراسة الدوافع الخفية وراء القرارات التي يتخذها الفرد، أما علماء الاقتصاد فاهتمامهم تركز على قرارات المستهلك أو المنتج أو المستثمر، وذهب علماء الإدارة إلى البحث في كيفية تحسين مستوى أداء الأجهزة التنفيذية العاملة وترشيد اتخاذ القرار، أما في العلوم السياسية فقد انصرف الاهتمام إلى تلك القرارات التي تعبر عن سلوك تلك القوى المؤثرة في عمليات صنع السياسة.
إن عملية صنع القرار تجري بين طرفين، طرف يقرر ومحيط يحتضن القرار من قبل ومن بعد أو بيئة، والطرف المقرر هو الدولة من خلال الأشخاص المخولين في الإفصاح عن مضمونها بالأفعال والقرارات. أما البيئة فتكون ذات بعد زماني ومكاني، فهناك البيئة السابقة للقرار وتكون في ذهن صاحب القرار وخارجه أي بيئة سيكولوجية وبيئة موضوعية، أما البيئة اللاحقة للقرار فهي الأخرى ذات بعد سيكولوجي وموضوعي، وهذه السلسلة من المعطيات المتواصلة تشكل عملية صنع القرار([8]).
ويعرف ريتشارد سنايدر عملية صنع القرار بأنها ((العملية الاجتماعية التي يتم من خلالها اختيار مشكلة لتكون موضعاً لقرار ما، وينتج عن ذلك الاختيار ظهور عدد محدود من البدائل يتم اختيار أحدها لوضعه موضع التنفيذ والتطبيق))([9]). ويرى الدكتور إسماعيل صبري مقلد أنه يقصد بهذه العملية ((التوصل إلى صيغة عمل معقولة من بين بدائل عدة متنافسة والقرارات كلها ترمي إلى تحقيق أهداف بعينها أو تفادي حدوث نتائج غير مرغوب فيها))([10])
وهناك من يميّز بين عملية صنع القرار والقرار نفسه، فمما لا شك فيه أن عملية صنع القرار السياسي أكثر اتساعاً من القرار، لأن القرار تعبير عن المخرجات التي ترتبط بالموقف. أما عملية صنع القرار،فهي كل ما يرتبط بالموقف من مدخلات ومخرجات فضلاً عن التفاعل بينها. إن صنع القرار عملية تهيئة للمعلومات وصياغة للبدائل لعلاج مشكلة، بينما يشير اتخاذ القرار إلى اختيار البدائل الأرجح أو الأمثل([11])،وبالتالي يكون القرار اختيار لبديل من البدائل ويخضع لتوجيه فريق العمل أو المستشارين الذين يوضحون ما لكل بديل وما عليه([12]).
والقرار كما يعرفه عالم السياسة الأمريكي ديفيد ايستون: ((مخرجات النظام السياسي التي توزع السلطة على أساسها القيم داخل المجتمع)). وهنا يستخدم ايستون السياسة بمعنى التخصيص السلطوي للقيم على مستوى المجتمع ككل. وبهذا يختلف القرار عن السياسة في أنه اختيار بين مجموعة من البدائل في لحظة معينة محددة بزمان معين. أما السياسة فتتسم بالعموم.
وفي رأينا أن القرار السياسي هو:
1. عمل إرادي لصانع القرار يعمل بتصميم على أن يكون متطابق مع الواقع.
2. وجود موقف (مشكلة) تواجه صانع القرار وقد تحددت مكاناً وزماناً وموضوعاً.
3. القرار يعني الانتقال من الإطار التصوري للبيئة السابقة ويمكن وصفها بأنها عالم الغايات والأهداف إلى الواقع الذي نستطيع أن نحدده بأنه مشكلة واجهت صانع القرار السياسي ويجب معالجته.
المطلب الثاني:اثر المؤسسات الحكومية في صنع القرار السياسي الأمريكي
منذ عام 1945،لم يعد القرار السياسي الأمريكي شأناً داخلياً خاصاً بالولايات المتحدة الأمريكية وذلك بسبب ظهور القطبين العالميين وبداية الحرب الباردة وانبثاق سباق التسلح لكسب الميزان الدولي لصالح الاتحاد السوفيتي أو الولايات المتحدة، ثم ظهر ما اصطلح على تسميته بالحروب الصغيرة أو الإقليمية التي تغذي عملية كسب التوازن ما بين العملاقين، منذ ذاك غدا القرار السياسي الأمريكي شأناً عالمياً يغطي بخروجه وصدوره على التحولات العالمية ويشملها تحت مظلة الاستراتيجية العامة؛إذ إن السياسة الداخلية الأمريكية عادةٍ تصنع نفسها من خلال الديناميات الاقتصادية ومصلحة المواطن الأمريكي إلا إن هذه الدينامية تتغذى عبر القرارات الخارجية أيضا، فإن مرشحي الحزب الجمهوري أو الحزب الديمقراطي وهما الحزبان الرئيسيان في الولايات المتحدة أخذا يطرحان السياسة الخارجية ضمن برامجهما الانتخابية، ومن هنا يأت القرار السياسي الأمريكي قراراً دولياً داخلياً في وقت واحد إلا إن بُعده الدولي هو الذي كان شاملاً أكثر من غيره.([13])
فمن خلال القرار السياسي الأمريكي،ألقيت أول قنبلة نووية في التاريخ على مدينة (هيروشيما) و (ناكازاكي)،لكي تخضع اليابان إلى الاستسلام وعدم مواصلة الحرب، وعبر القرار السياسي الأمريكي أيضا بدأت حرب (فيتنام) لتحصد أكثر من مليوني قتيل فيتنامي عدا مئات الآلاف من معوقي الحرب، وعبر هذا القرار أيضا وعبر المجالس الانتخابية التي قادها الرئيس (نيكسون) كانت عملية انهيار حرب (فيتنام) في مشروعه الانتخابي كذلك فقد فاز بالانتخابات، وعبر هذا القرار كانت نهاية الحرب عام 1972.
كما لعب القرار السياسي الأمريكي الدور الأول في إنشاء دولة (إسرائيل)؛ وكان هذا القرار دوماً يلعب الدور الأساس خلال كل مراحل الصراع العربي – الإسرائيلي، ولعب هذا القرار دوراً مهماً في الصراعات التي شهدتها منطقة الخليج العربي منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979 وبداية حرب الخليج الأولى عام 1980 وحرب الخليج الثانية عام 1991 وصولاً إلى عام 2001 وقرار الولايات المتحدة الإعلان عن حرب جديدة ضد ما أسمته بـ (خطر الإرهاب) بعد إحداث 11/أيلول 2001 والذي تمخض عن شن حرب ضد أفغانستان ومن ثم غزو العراق واحتلاله عام 2003.
إن القرار السياسي الأمريكي الذي كان فاعلاً في كل تلك الأحداث هو ليس قراراً محايداً أو محصوراً فعلى مستوى الحياد أو عدمه يمتلك هذا القرار بعداً أساسيا هو المصلحة العليا للولايات المتحدة الأمريكية، وعلى صعيد عدم الحصر، فانه قرار يتجاوز الداخل لتصنع معطياته في الخارج، ولذلك تحتم دراسة هذا القرار، ليس دراسة فوقية من الخارج بل دراسته من الداخل،أي دراسة ((صنع القرار السياسي الأمريكي)) أي الدينامية التي تتحكم بخلفية السياسة ولابد أن تكون هذه الدينامية هي الأساس المحوري الذي يقود إلى إصدار القرار الخارجي الذي يصنع ويصاغ عبر عملية واعية ومتسلسلة تقوم به أجهزة ومؤسسات وقوى عديدة تتفاعل أدوارها لإصدار القرار السياسي الخارجي، ومن هنا تكمن أهمية دراسة القوى الفاعلة في صناعة القرار السياسي الخارجي لسبب جوهري مفاده انه لا يمكن فهم رد فعل السياسة الأمريكية على أي حدث عالمي مهما كان حجمه وشدة تأثيره ما لم تتم معرفة القوى الأساسية الفاعلة في الداخل الأمريكي،وكيفية تعاطي وتفاعل تلك القوى مع الحدث الخارجي.
ويتألف النظام السياسي الأمريكي من ثلاث مؤسسات دستورية رئيسة، هي: الرئاسة والكونغرس والجهاز القضائي. وهي تمارس عملها انطلاقا من فلسفة فصل السلطات، كما تبلورت في الدستور الاتحادي الوظائف التشريعية والتنفيذية والقضائية.
فالرئاسة تتمتع بسلطات تنفيذية وتشريعية واسعة، "أملتها الوقائع العملية لممارسة اختصاصات الرئاسة وصنع القرارات ويخضع الرئيس لمراقبة مجلس الشيوخ، لكنه غير ملزم بتوجيهاته".
وينتخب الرئيس لولاية تدوم أربع سنوات، وقد يعاود انتخابه لولاية ثانية، وهو المحدد للخيارات في مجال السياسة الخارجية، ويتمتع بشرعية مصدرها الشعب الذي انتخبه. فهو المسؤول عن السلطة التنفيذية، وله صلاحية ترشيح وتعيين كبار موظفي الدولة (الوزراء والسفراء والقناصل وقضاة المحكمة العليا)، بعد موافقة ثلثي أعضاء الكونغرس الحاضرين. كما يخول له الدستور إبرام المعاهدات الدولية بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ على الأقل. ويعد الرئيس القائد الأعلى للقوات المسلحة وله حق العفو.
اما الكونغرس، فقد خوله الدستور الأمريكي سلطات تقريرية في المجالات الدستورية والتشريعية والدبلوماسية ومراقبة الإدارة، إضافة لبعض السلطات التحكيمية. لذلك، فهو من أهم المكونات الحيوية للنظام السياسي الأمريكي، إذ يعكس أعضاء الكونغرس البالغ عددهم 535 عضوا، مدى تنوع حاجات وآمال وتطلعات الشعب الأمريكي نحو المستقبل.
أما سلطة الجهاز القضائي في النظام السياسي الأمريكي فهي مقررة دستوريا، ومحورها هو الوظيفة التحكيمية التي يقوم بها القضاء في حالة تنازع الأفراد والدولة، أو أجهزة الدولة الفيدرالية مع الولايات أو الكونغرس.
ويذهب البعض الى ان أهم عوامل اتخاذ القرار في أمريكا، البيت الأبيض، متمثلاً بالرئاسة الأمريكية،وبالخصوص شخص الرئيس الذي يترأس الوزارات الخمس والأجهزة الأمنية والإستخباراتية.. تأتي بعد ذلك السلطة التشريعية المتمثلة بالكونغرس النواب والشيوخ والذي له النصيب الأكبر في صناعة القرار الأمريكي.هذه عوامل المباشرة لصنع القرار في أمريكا.. وهناك عوامل أساسية غير مباشرة وهي الشركات التجارية العملاقة التي تتكفل بأغلب تكاليف الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة والكونغرس..كذلك الإعلام المرئي والصحفي الذي يشهد صراعاً دامياً بين الأطراف السياسية.([14])
المبحث الثالث: الشركات الكبرى وصناعة القرار السياسي الأمريكي
المطلب الاول: تأثير أصحاب المال في المؤسسة السياسية
إزاء الوضع الذي تمر به الولايات المتحدة الأمريكية من أزمة مالية و فضائح مالية للشركات كان المتوقع من المؤسسة السياسية التي تشمل البيت الأبيض ومجلسي النواب والشيوخ أن تتخذ إجراءات تشريعية سريعة تجبر الشركات على التقيد بمعايير حسابية تمنع الاختلاسات من جهة وتدافع عن مصالح ملايين العمال والطبقة الوسطى من جهة اخرى. ولكن بات واضحاً أن ذلك لن يحصل لكون أصحاب المال ذوي تأثير على أصحاب القرار. فالعديد من النواب تابعون للشركات الكبرى التي تمول حملاتهم الانتخابية، حتى الرئيس نفسه مرتبط بالشركات التي دعمت حملته الانتخابية بـ 50 مليون دولار.([15])
وفي محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، صوت مجلس الشيوخ عام 2000 بأغلبية (97) نائباً تأييداً لمشروع قرار يدعو لإصلاحات واسعة في قوانين المحاسبة وتداول الأسهم. لكننا نرى أن الخلافات بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري بقيت على حالها. ففي حين يسعى الحزب الديمقراطي إلى تشديد الإجراءات والعقوبات على الشركات ومؤسسات الاستثمار ومكاتب تدقيق الحسابات للحيلولة دون وقوع كوارث اقتصادية. فإن الحزب الجمهوري يميل إلى عدم التدخل في السوق وتركه يصحح نفسه بنفسه([16]).
ولكن الواقع إن التصويت داخل مجلس الشيوخ يخفي حقيقة كون الشركات الكبيرة تعمل وراء الكواليس من خلال الضغط على النواب للتقليل من صرامة القرارات التشريعية كي لا تمس إرباحها. وتبقى القرارات في النهاية لمصلحة أصحاب الشركات ورؤساء الأموال، وإن المتضرر الأكبر هو المواطن العادي، كون أصحاب رؤوس الأموال لهم طرائقهم في التأثير على صناع القرار، ولديهم الدراية الكاملة في آلية إدارة الدفة وقيادة السفينة لبر الأمان بالنسبة لهم.
المطلب الثاني: الاعتبارات الاقتصادية وأهميتها في السياسة الخارجية
أدت التطورات العلمية السريعة إلى إحداث ثورة في نظم المعلومات والتكنولوجيا المتقدمة و تعزيز أدوات السياسة الأمريكية الرامية لتجسيد السيطرة العالمية، فهي تعد اليوم أكثر الدول الصناعية تقدما في السيطرة على نظم المعلومات الأكثر تعقيدا كما إنها تمتلك ناصية علمية – تكنولوجية لا تضاهيها أي دولة أخرى وقد رتبت هذه المتغيرات جملة من الحقائق الأساسية التي عززت في النهاية الدور القيادي للولايات المتحدة([17]).
حيث تركز الأثر التكنولوجي خصوصا على الهرم السياسي الدولي وفروض التحالفات والتوازنات السياسية الدولية ومفهوم الأمن القومي في الإطار الاستراتيجي فضلا على أثره في القيم السياسية السائدة عالميا كالديمقراطية والمركزية الآيديولوجية والمواطنة العالمية من حيث أثره على مقومات القوة الشاملة، بات المتغير التكنولوجي يلعب دورا كبيراً في تقرير الهرم الدولي وتحديد المراتب المختلفة في إطاره، فالدول المتقدمة تكنولوجيا ستتمتع بالميزة المطلقة مستقبلا في مضمار التنافس على اعتلاء قمة الهرم الدولي.
إن الهيمنة على قمة الهرم الدولي في عصر المعلومات والاتصالات تختلف كليا عن تلك الهيمنة التي سادت في العهد السابق ولا سيما فيما بعد الحرب العالمية الثانية حيث كانت تقوم أساسا على النفوذ المباشر المدعوم بالقوة العسكرية والهيمنة الآيديولوجية كما هو الحال بالنسبة للاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة وهذه الصيغة كما كشفت التجربة كانت تقود إلى استنزاف القطب المهيمن اقتصاديا ومن ثم إضعافه إستراتيجيا على المدى البعيد، فالهيمنة الدولية لعالم الأمس كانت عسكرية الطابع سياسية المضمون. أما اليوم فحسابات الهيمنة الدولية أخذت طابعا جديدا قوامه إقامة شبكة من المصالح الاقتصادية والتوازنات السياسية وفقا لصيغ من التفاعل والتكامل بين أطرافها والدولة التي تنجح في بلورة صيغ تحالفية مصلحية ستكون اقدر على تبوء المركز القيادي على الصعيد العالمي، وهذا يعني إن الطرف المهيمن أصبح بحاجة إلى أطراف دولية تعاضده في سياساته وتدعم موقفه تبعا لنسق تحالفي بعيد الأثر([18]).
والعامل الاقتصادي-وفقا لذلك-أصبح محور التحالفات الدولية،وكان له دور مباشر في قلب المعاهدات السياسية والتوازنات الاسترايتجية كما يشهدها العالم اليوم، والنيل من الثوابت الاستراتيجية العظمى وهي في مسعى تقرير الهيمنة الدولية. فالولايات المتحدة وهي بصدد إدراك التحدي الآسيوي والأوربي لهيمنتها العالمية وتفاعلا منها مع فروض التنافس الاقتصادي التي تمخضت عن الثورة العلمية والتكنولوجية، أخذت تبحث عن تحالفات دولية تعود بالمنفعة على اقتصادها وطاقتها الإنتاجية وليس بالامتياز على هويتها العسكرية كما هو الحال في السابق وهو الأمر الذي تجلى في السياسة الأمريكية إزاء أسيا منذ مطلع التسعينات([19]). ومغزى هذا التوجه الأمريكي يتمثل في إدراك الولايات المتحدة لأهمية العناصر الاقتصادية في بناء الفعل السياسي المؤثر دوليا. وإذا كانت الدول الصغيرة، في المدة السابقة، تستمد وجودها من التحاقها تحالفيا بالدول العظمى فالدول العظمى في عالم اليوم أخذت تتطلع للدول الصغيرة بغية تدعيم عناصر قوة إضافية تعينها في مجالات منافستها الدولية المختلفة. لذلك يذهب "لستر ثرو" في كتابه "المتناطحون" إلى حصر المنافسة المستقبلية لامتلاك القرن الحادي والعشرين بين الصين وأوربا والولايات المتحدة تبعا لشروط تنافسية تعتمد العناصر الاقتصادية والتحالفات الإنتاجية معيارا لها([20]). وتأسيسا على ما تقدم ستحدد هوية الأقطاب الدولية في المستقبل وفقا لما تملكه من مقومات اقتصادية إنتاجية، وما تمتاز به من علاقات تحالفية فاعلة وناجحة وايجابية، وهكذا يكون العامل التكنولوجي قد أصبح أكثر من أداة لزيادة وتحسين الآلات والإنتاج فهو الآن عامل تغيرات كبرى في العلاقات الدولية([21]).
لقد ارتكزت السياسة الخارجية الأمريكية على العنصر الاقتصادي والمالي، سواء باتجاه ايجابي (مساعدات) أو سلبي (عقوبات) وقامت الولايات المتحدة بادوار اقتصادية دولية على غرار مشروع (مارشال) في الخمسينات لإعادة بناء أوربا بعد الحرب،وخلال نهايات الحرب الباردة اعتمدت واشنطن على العامل الاقتصادي في المواجهة مع الاتحاد السوفيتي ودفعه إلى الانهيار إذ شكلت خطة حرب النجوم التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس (ريغان) نقطة اجتذبت الاتحاد السوفيتي لسباق وتنافس غير متوازن،كانت نتيجتها الانهيار الاقتصادي والسياسي.
كما كان للصلات الوثيقة بين مراكز السلطة السياسية والأسر الثرية والشركات النفطية الكبرى،الأثر الأكبر في توطيد العلاقات مع كبار الموظفين والوزراء والسفراء داخل الحكومة الأمريكية.
وقبل إن يتولى الرئيس "جورج بوش" الوظائف العامة كان يشغل منصب رئيس إدارة شركة "ذاباتا اوفشور" النفطية في تكساس التي أسسها بنفسه، وعندما انتخب عضوا في الكونغرس سنة 1966،قام ببيع مصالحه في الشركة المذكورة لكنه حافظ على صلات وطيدة مع المصالح النفطية في تكساس التي مولت حملته الانتخابية للرئاسة سنة 1980 وأثناء الفترة الفاصلة ما بين عضويته في الكونغرس وتوليه نائب الرئيس (ريغان) عمل سفيرا للولايات المتحدة لدى هيئة الأمم المتحدة ومديرا لوكالة المخابرات المركزية وكان (بوش) عضوا في لجنة "ديفيد روكفلر الثلاثية". ان تكوين شخصية بوش كرجل اقتصادي في مجال النفط اثر على تقييمه للموقف من أزمة الخليج ومن ثم الحرب عام 1991([22]).
وتعد الأسر اليهودية المالكة لكبريات الشركات الصناعية التجارة أنموذجا للنفاذ إلى أجهزة صناعة القرار الأمريكي،ومن اشهرها: أسرة ادغار برونغمان و ال اننبرج و ال كراون وال لورد. وهنا يبدو تأثير عالم المال على مجمل الحياة الأمريكية، فمن دعم أحزاب بذاتها وتمويل مراكز بحوث معينة إلى إنشاء مؤسسات صحفية ونوادي نخبة.... الخ
وقد دفع انهيار الاتحاد السوفيتي وبروز اليابان وأوربا كقوى اقتصادية منافسة للولايات المتحدة مقابل بعض المؤشرات السلبية التي سجلت على الاقتصاد الأمريكي، الحكومة الامريكية إلى مراجعة وضع هيئة المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض في أفق تحويلها إلى مجلس له وضع قانوني شبيه بمجلس الأمن القومي، وله سلطة تقريرية في القضايا الاستراتيجية ذات الطابع الاقتصادي، وهو اتجاه تعززه التوقعات الأكاديمية وبيانات السياسيين الأمريكيين.
ان من مهام المجلس الاقتصادي الجديد تنسيق عمل الأجهزة التنفيذية حول القضايا الاقتصادية: مثل وزارة الخزانة ومجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) ومجلس الاستشارة التجارية الموجود في الشؤون المالية بالبيت الأبيض ووزارتي التجارة والزراعة أما الوجه الثاني لتطور هذا المجلس فهو تمتعه بالعضوية في مجلس الأمن القومي([23]).
وقد اورد جون بيركنز عن دور الشركات الامريكية، أنها لا تعمل وحدها بل بالتعاون مع وكالة المخابرات المركزية والحكومة الأمريكية.
ومن البلدان الأكثر إغراء لتلك الشركات، البلدان النفطية مثل: اندونيسيا، والسعودية اللتين أنجزت الشركات الأمريكية فيهما، مشاريع ضخمة في البنية التحتية مقابل إستمرار تدفق النفط بأسعار متفق عليها، وكذلك استعمال فائض الإيرادات النفطية للبلد في شراء سندات الخزينة الأمريكية التي تدفع فوائدها للشركات الأمريكية القائمة بتنفيذ مختلف المشاريع هنا وهناك([24]).
المطلب الثالث: دور جماعات الضغط والمصالح:
لا يمكن إنكار حقيقة التأثير الذي تلعبه جماعات الضغط والمصالح في ترسيم الإطار العام للسياسة الخارجية الأمريكية وصنع قراراتها ومنها وعلى رأسها قرارات التدخل، وأن أختلف دور وتأثير هذه الجماعات من إدارة لأخرى وتبعاً للظروف السياسية وطبيعة المتغيرات الناتجة عنها. إن استجلاء مدى فاعلية هذه الجماعات في مجرى السياسة الخارجية، ينطلق ابتداءً من جملة العوامل التي ساعدت على نموها وترسيخها، والتي تتعلق بطبيعة تكوين المجتمع الأمريكي وتعدديته المعروفة، فضلاً عن العوامل السياسية المتعلقة بالسلطة وطبيعة توزيع اختصاصاتها، مروراً بالثنائية الحزبية التي أسهمت في إبراز هذا التنوع في إطار المصالح بعد أن حرمت منه في إطار الأحزاب، ناهيك عن النظرة العامة للفرد الأمريكي بشكلية المتغيرات الحزبية في السياسة الخارجية مما يدفع للتأثير بها عبر جماعات المصالح.
وتلعب العوامل الاقتصادية والتكنولوجية دوراً هاماً في بيان طبيعة هذا التأثير وتفسيره أساساً، فإذا كان النظام الاقتصادي هو محك السياسة الأمريكية انطلاقاً من حقيقة أن الولايات المتحدة مجتمع صناعي، وأن المصالح الاقتصادية تجد صداها عند صانع القرار بالضرورة، فأن العوامل التكنولوجية أفرزت موضوعياً تقسيم العمل والتخصص فيه وقادت بالتالي إلى لوبيات وجماعات تشكلت على أسس مهنية أو حتى على أسس آيديولوجية عام، لم تكن لضمان مصالحها من مخرج سوى التأثير في عملية صنع القرار الأمريكي([25]).
إن ضعف التعددية في صنع القرار السياسي الخارجي واحتكار قلة مسيطرة لعملية إصدار القرارات دعم من عمل هذه الجماعات وجعل قابليتها للاختراق والتفاعل ذات مدى أكبر مستفيدة من الأرضية التي يوفرها ضعف الميل نحو الشؤون الخارجية في المجتمع الأمريكي([26]).
ويتصل تأثير جماعات الضغط والمصالح في السياسة الخارجية من خلال:
أ. التأثير على الرئيس عبر الانتخابات الرئاسية مستغلة ثقلها المالي والعددي من جانب، ودعم أو إحباط خياراته الخاصة بالمرشحين للمناصب الخاصة بالشؤون الخارجية، وباتجاه دعم وترويج خياراتها من جانب آخر.
ب. النفوذ الذي تمارسه على الوكالات الفيدرالية العديدة، بالذات تلك الوكالات ذات المساس بالشؤون الخارجية كالدفاع والخارجية والاقتصاد.
جـ. التأثير على السلطة التشريعية، فالانتخابات التشريعية هي بوابة هذه الجماعات للضغط على المرشحين، أو عبر لجان الكونغرس.
د. تمارس هذه اللوبيات-بصورة غير مباشرة- ضغوطاً سياسية واقتصادية على شركات الصناعة العسكرية والتكنولوجية المتقدمة، مما يدفع هذه الشركات بدورها لممارسة التأثير في المؤسسة العسكرية والسياسية الأمريكية وفي مجرى قراراتها نحو مصالح هذه الجماعات.
هـ. تستظل هذه الجماعات بالعديد من مراكز الدراسات الاستراتيجية التي يعمل فيها نخبة من موظفي وزارة الخارجية والدفاع الأمريكيتين، حيث تتبنى هذه المراكز البحثية وجهات نظر هذه الجماعات لتسوقها في إطار أكاديمي لصالح صناع القرار، أو بتقديم النصح والمشورة في مجال السياسة الخارجية، التي تقرر اتجاه السياسات التدخلية إلى حد بعيد. ناهيك بالطبع عن امتلاك هذه الجماعات للعديد من الوسائل الإعلامية المؤثرة.
ويمكن ايجاز اهم جماعات الضغط:
- المجمع الصناعي- العسكري
التدخل باستخدام القوة المسلحة عنصر بارز في السياسة الخارجية الأمريكية، ففضلاً عن تبريراته العسكرية، فهو ينطوي على حقيقة أخرى مؤداها تكون الفائض الرأسمالي وكون العمليات العسكرية والإنتاج العسكري الذي يغذيها يعدان من أهم وسائل إعدام هذا الفائض بواسطة الصرفيات الحكومية لمصلحة القطاع الصناعي العسكري ومن دون إحداث تغيير في البنية الداخلية للمجتمع، وهذا ملمح آخر للفعل التدخلي. وقد برز منذ مطلع الخمسينات من القرن الماضي مدى قوة القطاع الصناعي العسكري وتغلغله في البنتاغون والحكومة الأمريكية عموماً. وعلى الرغم من ازدياد المعارضة من قبل القطاعات الرأسمالية الأخرى، إلا أن نفوذ هذا القطاع ما زال كبيراً، ويتم غالباً على حساب القطاعات الأخرى.
وتتألف البنية الحربية- الصناعية من طيف واسع من المصالح والهويات التي تتقاسم شراكة موضوعية هدفها تحقيق المصالح الأساسية لكل منها. إن هذه الشراكة تتمحور أساساً بين ثلاث مستويات أساسية، تضم الأولى أصحاب الصناعات الحربية، بينما تضم الثانية المسؤولين الحكوميين المرتبطين مصلحياً واقتصادياً بالشركات الصناعية الحربية، فيما يضم المستوى الثالث بعضاً من نواب السلطة التشريعية في الولايات المتحدة التي تستفيد من الإنفاق الحربي.
وتتمثل قدرة المجمع الصناعي العسكري في التأثير على مجرى الحياة السياسية، انطلاقاً من قدرته على تقديم المساعدات المالية الضخمة لرجال السلطتين التشريعية والتنفيذية أملاً في وصول مرشحين يأخذون على عاتقهم حماية مصالح هذه الشركات وتعزيزها.
وتلعب آلية التمويل المالي الذي تنفقه الشركات الدفاعية على الحملات السياسية لدعم المرشحين أو الأحزاب السياسية آلية مثلى للتأثير في مجرى القرار الأمريكي، ولا يقتصر مثل هذا الدعم على الأساليب المباشرة المعتادة، بل ومن خلال تقديم الدعم لجماعات ضغط مؤثرة وأفراد متخصصين في العلاقات العامة في واشنطن، فضلاً عن إصدار المطبوعات الإعلامية لتقديمها للكونغرس والإدارة.
ولقد كانت أحداث الحادي عشر من أيلول فرصة مناسبة للمجمع الصناعي- العسكري لتوسيع دوره السياسي من خلال الترويج لنظرية العدو الخارجي، مستهدفة دعم الرئيس، الأمر الذي جعل الرئيس يتصرف بحرية في الاتفاقيات التجارية المعقودة مع الشركات دون العودة للكونغرس الذي تقلص دوره إلى حدود الرفض أو القبول من دون الدخول في تفاصيلها.
إن بنية المجمع الصناعي العسكري لا تنطوي فقط بالأدوار السياسة التي يقوم بها، بل وأيضاً بشكل حاسم في المردود الاقتصادي الهائل الذي يترجم بالحجم الاقتصادي الذي يشكله في القطاع الصناعي الأمريكي، وفي تجارة السلاح الدولية، الأمر الذي جعل هذه الشركات تتمتع بقدرة اقتصادية هائلة لا على صعيد الداخل الأمريكي حسب، وإنما على مستوى العلاقات الدولية.
ولبرامج المساعدات الواسعة التي تقدمها المؤسسة العسكرية الأمريكية، دوراً مميزاً في دعم الدبلوماسية الأمريكية، ومن ثم دعم خيارات المؤسسة العسكرية ذاتها في الفعل التدخلي على المستوى العالمي، كونها توفر الغطاء العملي للتأثير في القوى السياسية وأصحاب المراكز المهمة. كما إن التحالف الصناعي العسكري يسهم في بناء قاعدة نفسية تستخدم أساليب مالية وشخصية لاحدث تأثيرات كبرى في القرارات التدخلية.
إن فرضية وقوف المؤسسة العسكرية- الصناعية وراء أغلب القرارات التدخلية، لاشك فيها، وذلك بسبب تجمع الرساميل في أيدي قليلة تبحث دوما عن فرص جديدة للاستثمار خارج حدود الولايات المتحدة، وهذا بلا شك لا يمكن إلا أن يقترن بنمط أداء سياسي خارجي فعال يتسم بالتدخلية. إن منطلق هذا التحليل يقود إلى إبراز حقيقة ارتباط المصالح الاحتكارية المباشرة بالحكومة التي وقعت تحت تأثير هذه المصالح، وهذه المصالح عملت جهدها للضغط على مؤسسات صنع القرار الرسمية وغير الرسمية فضلاً عن مراكز البحوث والإعلام.
2. دور شركات البترول في السياسة الأمريكية
مع زيادة اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية (ومن بعدها أوروبا وبقية العالم الصناعي) على استعمال البترول كوقود ومصدر للطاقة، تعاظم حرص واشنطن – المستهلك الأكبر لهذه المادة – للسيطرة على منابع البترول وبخاصة في الشرق الأوسط (حيث توجد أعظم احتياطياته)، وعلى صناعته وتسويقه في العالم أجمع، فالبترول "سلعة استراتيجية حيوية في الحرب وضرورية أثناء السلام ولازمة للنفوذ العالمي". وقد ترتب على ذلك كله أن أصبحت شركات البترول الأمريكية (ومن قبلها البريطانية / الهولندية) عمالقة بترول وسياسة في الوقت ذاته، وازداد تداخل السياسة والبترول في كل عناصر القرار الأمريكي،. ويذهب وليبر غرين ايغلاند، إلى أن الرئيس الأمريكي ترومان أطلق يد وزير خارجيته دين اتشيسون فيما يتعلق بالشرق الأوسط بتأثير من رجال البترول وشركاته.([27])
فيما القى توفيق الشيخ الضوء في كتابه "البترول والسياسة" على تعاظم دور شركات البترول الأمريكية في عملية اتخاذ القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية،قائلا:ان تطوراً مطرداً شهد القرن العشرون في حجم الشركات النفطية والصناعية الأمريكية ودورها السياسي والإقتصادي، متوازياً مع تطور الإقتصاد الأمريكي من النطاق القومي إلى الإنتشار الكوني" وأضاف:" مع انطلاق الشركات الأمريكية إلى مختلف أصقاع العالم حاملة معها التفوق المالي والفني، وجدت الحكومة الأمريكية نفسها مضطرة إلى نبذ الإنعزال الذي كانت تعيشه وأن تتجه إلى هذه الأصقاع لغرض مصالحها وحماية شركاتها، التي بدأت تدّر عائدات كبيرة وتمول الخزانة بالضرائب. وهكذا أصبحت المصلحة الفردية التي تمثلها نشاطات هذه الشركات جزءاً من المصلحة القومية نظراً للفوائد الكبيرة التي غدت هذه الاستثمارات الخارجية تجلبها على الاقتصاد الأمريكي."([28])
أي إن من دوافع نبذ سياسة العزلة الأمريكية، سعي الأخيرة لمتابعة مصالحها وحماية شركاتها التي انتشرت في أنحاء العالم المختلفة.
وينسب إلى الرئيس الأمريكي السابق فرانكلين روزفلت قوله:
"إن ما يزعج في هذه البلاد هو أنك لا تستطيع أن تكسب انتخاباً دون دعم من من كتلة بترولية، كما أنه لا يمكنك الحكم إلا وأنت مستند إلى دعمها" ([29])
ويستعرض توفيق الشيخ في كتابه السالف الطرق المختلفة التي تلجأ إليها شركات البترول الأمريكية من أجل جعل النخبة السياسية ممثلة لمصالح هذه الشركات، ومن هذه الطرق إقامة معاهد الأبحاث المستقلة أو تمويل مؤسسات الأبحاث والدراسات الأكاديمية التابعة للجامعات الرئيسة، وتشكيل نوادي النخبة التي تضم كبرى الشخصيات ذات التأثير على الصعيد العام ومن أمثلتها "مجلس العلاقات الخارجية". و"صندوق روكفلر" ومن هذه الطرق أيضا توجيه أجهزة الإعلام وتمويل الحملات الدعائية الهادفة للتأثير على الرأي العام لصالح أية قضايا تحتاجها الشركات "وتنتهي هذه الطرق جميعها التي تلجأ إليها هذه الشركات إلى محصلة واحدة هي جعل النخبة السياسية ممثلة لمصالح الشركات ومدافعة عنها."
الخاتمة
لقد نظر مؤسسوا الولايات المتحدة إلى مصلحتهم ومصلحة الجماعات التي خرجت من أوربا على أنها أشياء مقدسة، ومن ثم يجب أن تكون مصلحة هذه الجماعات وأهدافها مأخوذة بعين الاعتبار لدى كل من يقود أمريكا.
وهنا تؤكد " مسيرة الراية " دور أصحاب المال في بلورة القرار الأمريكي، فمن خلال الخطاب الذي ألقاه السيناتور ألبرت بفريدج عام 1898 الذي وضع المبادىء الأساسية التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في السياسة الأمريكية. ويتلخص هذا الخطاب في أن التوسع الاقتصادي هو استراتيجية أمريكية، لذا يجب فتح أسواق جديدة للتجارة الأمريكية في العالم، لتنشيط الاقتصاد الأمريكي وضمان هيمنته على الجميع، ويجب على القوة العسكرية أن تخدم هذا المبدأ.([30])
وتمثل الشركات أحد العوامل المؤثرة في حركة الاقتصاد العالمي، فمنذ ظهورها في أواخر القرن التاسع عشر شكلت نقطة تحول هامة في النشاط الاقتصادي الدولي الذي كان سائدا.
وبعد الحرب العالمية الثانية تزايد عدد هذه الشركات، وازدادت فروعها في العالم وفي ظل عصر العولمة نحن أمام شركات عملاقة متعددة الجنسيات، تعمل على تكييف مختلف الأنظمة والسياسات الاقتصادية في العالم -منذ التسعينات- مع مظاهر ومعطيات العالم الجديد الذي تعيد تشكيله.
واليوم يشهد العالم ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية من تدخل عسكري في بقاع عدة، يتم فيها هدم البنى التحتية للمجتمعات، وبعد ذلك تتدخل الشركات الأمريكية لإعادة البناء والترميم. فتحقق أرباحاً طائلة تنعش الاقتصاد الأمريكي،ويجعل من تلك المجتمعات أسواقاً جديدة لمنتجات الشركات الأمريكية.وقد أكد هذا المبدأ جورج واشنطن عندما أشار إلى أنه يجب اعتبار أي تحالف مع أي دولة مؤقتا إلا أذا كان مفيداً للمصالح الأمريكية.([31])
وكما ورد سالفا في البحث، أن الشركات الكبرى (سلاح، بترول، أعلام، علاقات عامة...الخ) أثبتت قدرتها الفعلية على صناعة القرار الأمريكي أو التأثير فيه، مؤكدة أن الفريق في البيت الأبيض مجرد واجهات في يد تلك المؤسسات المالية تستغلها لتمرير القوانين والقرارات التي تريد.
الاستنتاجات
بناءا على ما تقدم في سياق هذا البحث، ومن خلال تسليط الضوء على دور الشركات الكبرى في صنع القرار السياسي الامريكي، توصلنا الى الاستنتاجات التالي:
- الشركات الكبرى كيانات اقتصادية ضخمة تمتلك بالاضافة الى هيمنتها على الاسواق داخل بلدانها وخارجها،عناصر تأثير مهمة داخل الحكومات ومنها حكومة الولايات المتحدة الامريكية.إذ يبدو ان هناك نوعاً من الاعتماد المتبادل، فالشركات تحتاج الحكومات لحمايتها داخليا وخارجيا([32])،وفي الوقت نفسه، الدول لا تستغني عن الشركات لأثرها البالغ في اقتصاداتها.
- اهم تلك الشركات الكبرى تلك العاملة في مجال البترول(إكسون موبيل، شل، بي بي، شيفرون) وتجارة السلاح (لوكهيد مارتن، نورثروب غرومان، جنرال دينامكس،بوينغ)،وبالدرجة الثانية شركات الاعلام والترفيه(بيرتلزمان، نيوز كورب، سوني،وولت ديزني، فيفندي ينيفيرسال).
- الدور السياسي الذي تلعبه الشركات الكبرى،والذي يتجاوز احيانا حدود بلدانها الاصلية، لا يخرج هدفه بالعموم عن مآربها الاقتصادية والربحية.ونلاحظ ان عدد من السياسيين كانوا قبل توليهم المنصب مسؤولين كبار في الشركات الكبرى،وحتى ان بعضهم يعود الى العمل التجاري بعد تقاعده من خدمة الدولة.
- نتيجة التداخل بين العمل الاقتصادي والسياسي ظهر نوع من التاثير المتبادل بينهما، يصل الى درجة الترابط المصيري، فما هو سياسي لن يعيش بمعزل عن ماهو تجاري والعكس صحيح.
- النخب السياسية الامريكية تستند في حملاتها الانتخابية والدعائية على تبرعات اصحاب الاموال، وعبر ذلك يضمنون استمرار مصالحهم الاقتصادية وتطورها عبر هذا الدعم.
المصادر
- جواد بشارة،الحوار المتمدن،العدد 1286، 14\8\2005،
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=43117.
- ديفيد سي كورتن، عندما تحكم الشركات العالم، دار المأمون، 2007.
- طالب حسن موسى، الموجز في الشركات التجارية، مطبعة معارف، بغداد، 1973، ط1.
- وائل محمد أسماعيل، النظام السياسي الأمريكي، دراسة في العلاقة بين الرئيس والكونغرس في الشؤون الخارجية، أطروحة دكتوراه، جامعة بغداد، كلية العلوم السياسية، 1992.
- نزع السلاح والأمن القومي، الكتاب السنوي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2003.
- باهر مردان مضخور، مستقبل الاستراتيجية الأمريكية في العراق، رسالة ماجستير، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، 2007.
- سعد حقي، العلاقات الدولية، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد.
- كاظم هاشم نعمة: العلاقات الدولية، بغداد، شركة أياد للطباعة 1987.
- محمد سعد أبو عامود: صنع القرار السياسي في الحقبة الساداتية، المستقبل العربي، بيروت،العدد 112، السنة السادسة 1988.
- إسماعيل صبري مقلد: العلاقات السياسية الدولية..دراسة في الأصول والنظريات، الكويت، جامعة الكويت 1971
- علي السلمي: مهنية الإدارة، عالم الفكر، السنة 20، العدد 2، تموز 1989.
- محمد علي العويني: أصول العلوم السياسية، نظرية الدولة، الفكر السياسي، الرأي العام والإعلام، العلاقات الدولية، القاهرة، عالم الكتب 1981.
- منصف السليمي، القرار السياسي الأمريكي، مركز الدراسات العربي – الأوربي،باريس،1997.
- Michael Lind، The Next American Nation، The Free press، New York، 2000، p.187.
- ايمانويل تود: ما بعد الإمبراطورية، دراسة في تفكك النظام الأمريكي، ترجمة محمد زكريا، عمان 2003 ، دار الساقي، ط1.
- جوزيف ناي، المعلوماتية الأمريكية، موارد قوة المستقبل، ترجمة مركز الجمهورية للدراسات الدولية، بغداد، العدد المزدوج (6-7) 1996.
- ممدوح شوقي، الأمن القومي والعلاقات الدولية، مجلة السياسة الدولية، العدد 127، يناير 1997.
- لستر ثرو، المتناطحون (المعركة الاقتصادية القادمة بين اوربا واليابان وامريكا)، ترجمة محمد فريد، مركز الاهرام للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ط2، 1996.
- محمد علم الدين، ثورة المعلومات ووسائل الاتصال – التأثيرات السياسية لتكنولوجيا الاتصال، مجلة السياسة الدولية، العدد 123، 1996.
20. منذر الشوربجي، "إدارة كلينتون ومستقبل النظام السياسي الأمريكي"، مجلة السياسة الدولية، العدد (111)، القاهرة، 1993، ص133.
21. توفيق الشيخ،البترول والسياسة، دار الصفا للنشر والتوزيع، المملكة المتحدة، ط1، 1988،ص183 – 196.
22. أنتوني سامبسون، الشقيقات السبع شركات البترول الكبرى والعالم الذي صنعته، ترجمه سامي هاشم، ط١، (بيروت، ١٩٦٧) ص ١٠٤ -١٠٣.
23. بوب وودور، القادة، ترجمة ليلى حماد، الاردن الدار العالمية للطباعة، 1994.
[1] - طالب حسن موسى, الموجز في الشركات التجارية, مطبعة معارف, بغداد, 1973, ط1, ص 5.
[2] - وائل محمد أسماعيل, النظام السياسي الامريكي, دراسة في العلاقة بين الرئيس والكونغرس في الشؤون الخارجية, أطروحة دكتوراه, جامعة بغداد, كلية العلوم السياسية، 1992، ص 78.
[3] - نزع السلاح والامن القومي, الكتاب السنوي, مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت 2003, ص 581.
[4] - باهر مردان مضخور, مستقبل الاستراتيجية الامريكية في العراق, رسالة ماجستير, كلية العلوم السياسية, جامعة النهرين, 2007, ص 105.
[5] - سعد حقي, العلاقات الدولية, كلية العلوم السياسية, جامعة بغداد, ص 95.
[8] - كاظم هاشم نعمة: العلاقات الدولية، بغداد، شركة أياد للطباعة 1987، ص76.
[9] - محمد سعد أبو عامود: صنع القرار السياسي في الحقبة الساداتية، المستقبل العربي، بيروت,العدد 112، السنة السادسة 1988، ص112.
[10] - إسماعيل صبري مقلد: العلاقات السياسية الدولية.دراسة في الأصول والنظريات، الكويت،1971، ص249.
[11] - علي السلمي: مهنية الإدارة، عالم الفكر، السنة 20، العدد 2، تموز 1989، ص15.
[12] - محمد علي العويني: أصول العلوم السياسية، نظرية الدولة، الفكر السياسي، الرأي العام والإعلام، العلاقات الدولية، القاهرة، عالم الكتب 1981، ص19.
[13] - منصف السليمي، القرار السياسي الأمريكي، مركز الدراسات العربي-الأوربي, باريس, 1997، ص11.
[15] - Michael Lind, The Next American Nation, The Free press, New -York, 2000, p.187.
[16] - ايمانويل تود: ما بعد الإمبراطورية، دراسة في تفكك النظام الأمريكي، ترجمة محمد زكريا، عمان 2003، دار الساقي، ط1، ص84.
[17] - جوزيف ناي, المعلوماتية الأمريكية, موارد قوة المستقبل, ترجمة مركز الجمهورية للدراسات الدولية, بغداد, العدد المزدوج (6-7) 1996, ص90-94.
[18] - ممدوح شوقي, الامن القومي والعلاقات الدولية, مجلة السياسة الدولية, العدد 127, يناير 1997, ص32.
[19] - نفس المصدر, ص33.
[20] - لستر ثرو, المتناطحون (المعركة الاقتصادية القادمة بين اوربا واليابان وامريكا), ترجمة محمد فريد, مركز الاهرام للدراسات والبحوث الاستراتيجية, ط2, 1996, ص 72.
[21] - محمد علم الدين, ثورة المعلومات ووسائل الاتصال – التأثيرات السياسية لتكنولوجيا الاتصال, مجلة السياسة الدولية, العدد 123, 1996, ص103.
[22] - بوب وودور, القادة, ترجمة ليلى حماد, الاردن الدار العالمية للطباعة, 1994, ص 156.
[23] - مجلة المستقبل العربي, العدد 18, نيسان 1993, اقتباس من كتاب منصف السليمي, م.ص, ص 256.
[25] - يوجد في الولايات المتحدة ما يقارب من (10) آلاف جماعة تصنف على أسس اقتصادية كجماعات قطاع الأعمال والمزارعين واتحادات العمال، وأخرى دينية، وأخرى عرقية، وأخرى أيديولوجية، هدفها جميعاً= =فرض مطالب على النظام السياسي طبقاً لمصالحها. للمزيد أنظر: آسيا الميهي، "الرأي العام في السياسة الخارجية" مجلة السياسة الدولية، ع127، 1997، ص90.
[26] - منذر الشوربجي، "إدارة كلينتون ومستقبل النظام السياسي الأمريكي"، مجلة السياسة الدولية، العدد (111)، القاهرة، 1993، ص133.
[28] - توفيق الشيخ،البترول والسياسة، دار الصفا للنشر والتوزيع, المملكة المتحدة, ط1، 1988,ص183 – 196.
[29] - أنتوني سامبسون, الشقيقات السبع شركات البترول الكبرى والعالم الذي صنعته, ترجمه سامي هاشم, ط١, (بيروت, ١٩٦٧) ص ١٠٤-١٠٣.
[32] - تشريع (هكنلوبر) وهو تشريع أصدرته الولايات المتحدة الأمريكية عام 1964،وهو يهدد أي دولة تقوم بمصادرة الشركات الأمريكية وقطع المساعدة عنها.