الحويزي وصورة الأمام الحسين عليه السلام في شعره
ظلت شخصية الإمام الحُسَين عليه السلام مصدر إلهامٍ فكري شامل تنتشر ظلاله وصوره على شتى مناحي الحياة وعلومها، وفي مختلف أرجاء المعمورة وأزمانها.
ولم يكن الأدب بشكل عام، والأدب العربي على نحو الخصوص، ببعيد عن التأثر بشخصية الإِمام الحُسَين عليه السلام بخصاله ومحامده، بشجاعته وتضحياته، وبكل ما ذكر عنه عليه السلام وما لم يذكر.
وكان للشعر العربي القدح المعلى في التأثر بتلك الشخصية، فانفتحت قرائح الشعراء، على مدى التاريخ، معبرة عن تأثرها، مدحاً ورثاءً، وطارقة كل ضروب الشعر الأخرى وهي ترسم صورة الإِمام الحُسَين عليه السلام بريشة الوزن وألوان القوافي. وكان من بين أولئك الشعراء الشاعر- موضع البحث- علي بن خلف الحويزي.
وما دفعنا الى محاولة استكشاف ملامح صورة الآمام الحسين عليه السلام لدى الشاعر علي بن خلف ألحويزي هو ما لمسناه من شعره من رؤى وتصورات استدل بها في شق طريقه للدفاع عن حقه في تحقيق العدالة لشعبه وصيانة وطنه من الاحتلال والاستعباد . عرف شعار الحسين عليه السلام المشهور (اكون مظلوما لانتصر)ومنه تعلم كيف ينتصر واستكمل طريقه على الرغم معظم المسؤولية وقوة الخصم. وقف مفردا امام طغيان الدولة الصفوية وسطوتها واطماعها في بسط سيطرتها .
راح يرفع شعار المقاومة بالرغم من عدم وجود توازن في القوى والامكانيات العسكرية . فملك قدراته الشخصيه كي يعبأ الجماهير كي يكونوا سدا منيعا امام اطماع القوى العظمى المتمثلة حينه الدولة الصفوية والدولة العثمانية
وقد وزع البحث على ثلاثة مباحث , تناول اولها نسبه وحياته , وخصص المبحث الثاني للامام الحسين عليه السلام في شعره في حين جاء المبحث الثالث موضحا مظلومية الحسين عليه السلام وتعلق الشاعر بشخصيته ومنهجه في النضال والجهاد . واحتوى كلا من تلك المباحث على محاور عدة سيطلع عليها القارئ بين ثنايا البحث .
Abstract:
The personality of Imam Al-Hussein the son of Ali Ibin Abi Talib (peace on them)is still the sonrce of total thoughtful and dogmatic inspiration ,spreading his shades and images over all life aspects and sciences in the world at all times.
There is no sensitive ,rational humanitarian poet who has not exemplify Imam Al-Hussein (peace of him) as a light by whose approach the poet is guided leaving his imprints in the world of humane literature .
The literary writer and poet Ali bin Kalaf Al-Huwezi was one of outstanding characters who believed in and were emotionally attached to Al-Imam Al-Hussein (peace on him) .
Therefore we see them strivingly tryning to follow his approach to serve humanity ,saving it from injustice and tyranny . And to adopt patience as the way to victory against regardlessly of all different forces and criteria. The prince poet Ali bin Kalaf Al-Huwzi who lived in and bred by Al-Mushaashaaiah state whose capital was established by Mohammed bin Falah Al-mushaashaai (802-870AH\1401-1465AD) after he succeeded in unifying and gathering Arab tribes that occupied and lived in the east and south of Iraq.
But ,the colonial ambitions that were personified in Al - Safawiahin Iraq ,and the Osman state in Al - Anaghol ,plus their plotting against that young state ,all led to the decay and weakening of Al - Mushaashaaia state .
The followed various procedures , one of which was to arrest the genius scholars and politians, who were distinguished and characterized by their good managment ,to be arrested and imprisoneol ,killed or banished as it happened the prince poet Ali bin Lalaf Al-Huwazi . He was twice imprisond ,the first was from (1049-1060)AH ,by the order of Al-Shah and banished to other states around Quzween sea and remained there until the death of Al - Shah, when he returned to his country . He was set free by the Act of Amnesty that Shah Abbs ordered when he took over the thrown.
However ,he was soon arrested and imprisoned during the years (1055-1056-1057AH)and to be set free again to return to his country .
Due to the effects of the political chaos and riots ,the prince was elected as the prince of Al-Mushaashaaaiah state where he ruled from (1060-1088AH\1650-1678AD).
He loved AL -Imam AL- Hussein (peace on him ) with profound faith. He continued lamenting AL-Imam in long poems showing his rank as the closest in stature to the prophet Mohemmed (god prays on him) and all Muslims besides his wisdom and sacrifice in defending his religions and his patience and attachment to all principles against all temptations to become the first instructor to humanity and honored people all over the world .
The poets death : He became very sick and weakened as he got older , to die in (1088AH\1677 or 1678AD). leaving us with a great literary and scientific legacy ,the main of which are
1-Interpretation of the Quran called ,,The Elected Interpretations,, in four volumes.
2-,,The chosen light ,, in four volumes.
3- ,, The Good Article ,, explanation to his poems, in four volumes
المبحث الاول ... نسبه وحياته
اولا .. نسبه
هو ابو الحسين علي بن خلف بن عبد المطلب بن حيدر بن محسن بن محمد بن فلاح الواسطي العراقي المشعشعي الموسوي , ينتهي نسبه الى الامام موسى بن جعفر عليه السلام في جده التاسع عشر[1]
لقب بالمشعشعي نسبة الى جده الرابع محمد بن فلاح المشعشعي مؤسس الدولة العربية المشعشعية بجنوب شرقي العراق سنة[2] 1401-1465م والتي تقع في جنوب غربي إيران تحدها من الشرق الدولة الصفوية في إيران ومن الغرب والجنوب العراق ـ البصرة(كان يحكم من قبل الدولة العثمانية في الانضول وكان والي البصره وحاكمها معين من قبل الباب العالي العثماني)أي في منتصف القرن التاسع الهجري , وان لفظة المشعشع يرجع مصدرها الى ان ابن فلاح كان بهي الطلعة وحسن الصورة والمظهر المشع والجميل . لكن هناك رأي اخر ان الشعشعة هي احدى الطرق الصوفية التي كان يمارسها ابن فلاح واتباعه[3] ان البيت المشعشعي كانوا من المخلصين والملتزمين بعقيدة أهل البيت عليهم السلام وطريقه التصوف تختلف مع ما يعتقد به اتباع اهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله .
اما نسبه الى الحويزة فهي مقاطعة تقع في جنوب العراق ولانها مسقط رأسه ومحل نشأته وعاصمة دولة المشعشعية حيث قال فيها
يحن الى الارض الحويزة نازح |
|
يؤمـــــــل من دنياه أوبــــــــة غائب |
حياته ...
يمكن ان نقسم حياة علي بن خلف الحويزي على ثلاث مراحل كي يسهل علينا الولوج الى افكاره وصقل شخصيته ومعرفة من آحب وبمن تعلق واهتدى وآمن ..
المرحلة الأولى :
مرحلة الطفولة والصبا , حين نشأ الشاعر علي بن خلف الحويزي في مدينة الحويزة كما آسلفنا في بيت عريق من أسرة كريمة ,وكان صباه هادئ وسعيد ومطمئن يغرف العلم والآدب ويتنقل بين الكتاتيب والمعلمين والمربين ,لكن لم تستمر حالة الهدوء والتنعم والرخاء والرفاهية , اذ دب الخلاف بين أبيه وعمه بدخول الوشاة بينهما و وغر صدر عمه الأمير بالحقد والكراهية حتى وصل به الأمر أن أوعز حاكم الدولة المشعشية بسمل عين أخيه والد الشاعر مما ادى الى تحول حياة العائلة الى سقم وعناء وشقاء[5]. فقرر والده الانتقال بأسرته من ألحويزة إلى مدينة الدورق[6](وهي مدينه صغيره تقع شمال العاصمة الحويزة حيث كان يسكنها جد الشاعر الأمير عبد المطلب حاكم الدورق) فكان ان عاش بين عطف جده لأبيه ورعاية والده الضرير , وبها نشأ وترعرع حيث نمت شخصيه وساعدت على نضوج فكره المبكر فأنصرف إلى القراءة والأدب ومجالسة العلماء والفقهاء والأدباء والاغتراف من علومهم والكسب من مواهبهم , إذ اعد نفسه للحياة العاصفة والخشنة كأنه قد أحس بما يلاقيه مستقبلا من تشرد وغربه , تاركا امتيازات السلطة وحياة الرخاء والترف . حين أعد نفسه بجانب العلم والمعرفة ركوب الخيل والفروسية وحسن استخدام السلاح [7]ولم يقتصر على ذلك بل تعداه إلى أعداد نفسه لشظف العيش وقسوة الأيام والتدريب على صبر النفس وأعدادها لتجابه أحلك الأيام وأقسى الظروف.
المرحلة الثانية .المنفى والابتعاد عن الأهل والأوطان .
لقد شب الشاعر علي بن خلف الحويزي قبل أوانه وتحمل المسؤولية مبكرا ولازم والده الكفيف في عمله يساعده على تسهيل كل أموره الشخصية والعملية وحتى في الزراعة وشق الترع وأحياء الأرض وكل ما يترتب على انجاز الأعمال بأفضل شكل وأجود أنتاج وأجمل صورة . بالأضافة إلى تخصيص وقت خاص من اجل القراءة والكتابة والتأليف والتثقيف . ومن هنا برزت شخصيته ونبوغه وظهور ملكته الشعرية في العقد الثاني من عمره ,ولا يخفى بان والده كان من علماء الدين وله باع طويل بالشعر والأدب إضافة إلى الفروسية والحنكة السياسية فكان من أبيه أن ساعده وأرشده ومهد له الطريق وقوم له مواطن الضعف وسد نقاط الخلل سواء بالمعنى أو بالبحور الشعرية في سبك القصيدة .
وفي بداية العقد الثالث من عمره برزت الرورح الوطنية والحرص على سلامة دولته من طمع القوى التي تحيط بهم من قبل الدولة ألصفوية من الشرق والدولة العثمانية من الشمال والغرب ,فانبرى يحث الشباب للدفاع عن أنفسهم وأهليهم وكرامتهم وزرع روح الجهاد في نفوسهم مزودا إياهم بروح التضحية والفداء بعد إن شبعهم بالروح الوطنية والدفاع عن الدين والدولة وحماية الأوطان والاعراض والاموال .فقد امن بنظرية الكفاح المسلح ورفع السلاح أمام وجه كل عدو غاشم ومحتل . أن أتباعه سبيل الجهاد والذي ساعد في زرع روح التضحية في نفوسهم لتصل إلى مسامع الأعداء.
إلام العلا مرفوضة وبنو العلا |
|
يقاسون من كيد الزمان المكائدا |
إلى أن يقول
يهددنا بالحرب طورآ وتارة |
|
ينازعنا حقا لنا كان عائــــــــــــــــــدا |
فكانت عيون الجواسيس وعملاء السلطة حتى استدرجوه الى عاصمة الدولة الصفوية كوفد مفاوض ومن ثم تم اعتقاله ونفيه بالقرى والمدن المطلة على بحر قزوين شمال ايران. حيث يقول واصفا حاله ومشاعره
تارة رحلي بقزوين لقى |
|
او بكاشان وطورآ باصفهان |
لقد مارس الصفويون اقسى انواع الشقاء والحرمان واللوعة والحسر والعذاب مع الشاعر والامير علي بن خلف الحويزي قد نجده يقول
هكذا صحبتي مضوا واستقلوا |
|
وانا موثق بكف الزمان |
لقد تفنن أعداؤه وخصومه بعذابه ومن اجل كسر شوكته وتحطيم عنفوانه وأبائه والقضاء على كل طموح يكمن في نفسه وعزيمته فتراه يقول:
غذا الحر لاقى بابته القوم ذلة |
|
يكون عليه السير ضربة لارب |
لقد استطاع الشاعر والأمير علي بن خلف الحويزي ان يجعل من هذا المنفى فرصة يصقل بها مواهبه ويقوي قابليته الشعرية , فكتب القصائد الطوال يحفها الحزن والألم والحسرة على فراق ألحبه والأهل والوطن خلد من خلالها مشاعره وأحاسيسه وكشف ما يجيش في خاطره من مشاعر كانت أليمة بأحداثها .
يرسل من خلالها شكواه ومعاناته والالام التي يقاسيها والأحزان التي يعيشها ويتعايش معها , ليظهر ما في مشاعره من قوة التحدي والإصرار على الرغم البعد وقسوة المنفى , حتى ينتقل من حالة الدفاع عن النفس إلى حالة الهجوم على خصومه على الرغم من انه لا يملك سوى القلم واللسان حين يقول :
أرجو من الدهر الخؤون ودادا |
|
وأرى الخليفة اخلـــــــــف المعادا |
مات الشاه الصفوي وهو في المنفى سنة 1052ه/1642م فتسلم الحكم بعده ابنه شاه عباس الثاني ,الذي كان صغيرا لا يتعدى عمره العشر سنوات فأراد ان يظهر بأن دولته دولة عدل واحسان , وهي تميل الى السلم والسلام وتنبذ لغة الحرب واغتصاب البلدان . فأول ما قام به السلطان الجديد هو العفو عن السجناء والمنفيين او المبعدين . فكان ان شمل هذا العفو شاعر علي بن خليفه الحويزي اسوة بمن يشترك معه وعاد الى وطنه واهله سنة 1053ه /1643م فراح ينشد قائلا
إن شاء ربي وصح الظن والفال |
|
غدآ تحييك أوطان وأطلال |
الى ان يقول :
لا اوحش الله عيني من مرابعها |
|
وجادها من رباب المزن الهطال |
لقد اتخذ من غربته درسا عمليا وتجربة نافعة أفاد منها في قادم الايام الصعبة والحالكة . غربة علمته التجربة كيف يحول الاسر الى حرية والهزيمة الى نصر . فقد عاش في وسط المجتمع الصفوي وتعلم اساليبهم في التعامل والعيش لاسيما فيما يتعلق بأمور تخص الحرية والكرامة لتحقيق السيادة الوطنية والدفاع عنها.عرف كيف يحول المستحيل حقيقة وان يهتدي الى نقاط الضعف الكامنه في المجتمع الصفوي وعلاقته مع الحاكم ,كما عرف أين مواطن الفساد والخلل في جسم الدولة ومن أين يستطيع النفاذ من خلالها لتحقيق ما لم يستطع تحقيقه أسلافه من الساسة والامراء.كان المجتمع الصفوي مجتمها طبقيا, تحميه نظم وقوانين مؤطرة بقوانين تعسفية قيست وصممت من اجل ألحفاظ على مصالح الحكام وملاكي الاراضي مما جعلت نسبة التفاوت بين طبقات المجتمع الصفوي يسوده الظلم والاستبداد والقهر والاستغلال . ومن هنا عرف الشاعر علي بن خلف الحويزي التماهي مع المظلوم والوقوف بوجه الظالم كي يميلهم الى جانبه ويشعرهم بانه شريكهم في الظلم وان الذي يضطهدهم هو واحد لذا يجب التعاون كي يقفوا بوجهه املا باسترداد حقوقهم وان يقيموا مملكه العدل والاحسان والعداله. لقد جلبت مواقف الشاعر الوطنيه عيون النظام وتابعيه , فراحوا يرصدون كل حركاته ويعدوا عليه انفاسه. وعلى اثر ذلك لم تدم أيام الحرية طويلا فقد القي القبض عليه ليعود الى منفاه سنة 1055ه /1640م الى سنة 1057/1642م[13]. فكانت هذه الفترة لا تقل قساوة عن سنين المنفى السابقة ببؤسها وشقائها وعذابها ؛اذ راح يصرح قائلا :
الا عـاد جرح القلب بعد اندماله |
|
لــــــــــــزرء الشجى قلب النبي وآله |
فراح يعلل النفس بالآمال وبالتقى والسير على خطى الحسين عليه السلام ؛ فتراه يقول :
علقت بحبل منهم وتمسكت |
|
يداك من الهادي بخير حباله[15] |
وبعد إنهاء الأعوام الثلاثة من اعتقاله وإبعاده وإقامته الجبرية ؛ أي في سنة 1057ه أُطلق سراحه ليعود ثانية إلى موطنه الأصلي[16] ليزداد خبرة أكثر مما كانت لديه ويصقل شخصيته وقد توسم به شعبه وأهله وأبناء عشيرته بان يكون هو المخلّص والمنجد من حالة التفكك والهوان وأن يكون الشخص الذي يستطيع أن يدير الدفة ، ليعود بها إلى برِّ الأمان ؛ مقدرين فيه روح التضحية والعذاب والمنفى ؛ وما قاسى فيها ، ليجدوا فيه أفضل مَنْ يسوسهم ويجعل من دولتهم دولة ازدهار وأمان ورقي ؛ في خضم الأمواج العاتية من تكالب الأمم عليها والاستحواذ على أراضيها ومقدراتها ؛ وحتى إلغائها...
المرحلة الثالثة : قيادة الدولة ورئاسة الحكومة :
لم تهدأ مؤامرات الدولة الصفوية وتتوقف يوما ؛ إذ راح عملاؤها يحيكون الدسائس حتى استطاعوا إزاحة حاكمها بركة بن منصور وهو ابن عم الامير والشاعر علي بن خليفة على إثر فتنة أحدثها الصفويون ضده[17]،وعزل على أثرها من الحكم لتسيطر الدولة الصفوية على البلاد . لكن وقوف شعب الدولة المشعشعية أمام الغزو الأجنبي أحبط خططهم ، وعلى اثر ذلك انتُخِبَ أميرا للدولة واستمرَّ في الحكم لغاية وفاته 1088ه _ 1677م .
فقد مات في مدينة الحويزة بعد أن وهن به العظم وتقدم به السن . ترك الحياة الدنيا لينتقل إلى الحياة الآخرة ؛ مخلفا وراءه إرثا كبيرا وثمينا من العمل السياسي والأدبي والتاريخي ، ومن ابرز ما يكن ذكره من ارثه العلمي باختصار مايلي:
1ـ تفسير القرآن الكريم
2ـ ديوان شعره الموسوم خير انيس لخير جليس
3ـ نور المبين في أربع مجلدات في الحديث...
رحم الله الشاعر علي بن خليفة الحويزي واسكنه فسيح جناته.
المبحث الثاني :الشاعر والاميرعلي بن خليفة وتأثره بالإمام الحسين عليه السلام :
عند تصفحنا لحياته والدخول في مضامينها نلحظ ان هناك تعلقا كبيرا للشاعر بالامام الحسين عليه السلام ومبادئه واهدافه حيث رسم الامام الحسين في ثورته الخالدة خارطة طريق لكل الاحرار وعلى مر العصور في بلوغهم النصر ودرجات الخلود،كلا حسب تضحياته والاهداف الي ثار من اجلها ,فسار على نهجه مقتديا بخطواته , فما كان منه الا ان جعل من الحسين عليه السلام النقطة المضيئة في ظلام النفق المعتم والطويل الذي يسير باتجاهه ، مستعينا بنوره من كل عثراته ، مهتديا بسيرة الحسين عليه السلام وآل بيته الأطهار .كما كان في رثائه للامام الحسين عليه السلام وسيلة لنشر ثورته وتعريف العالم والمسلمين بمكانته عند الرسول صلى الله عليه وآله
لقد اتخذ من القول المشهور ( إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة ) شعارا في رسم خطوط حياته ؛ فما ان ادلهمت به الأمور وعصفت به الخطوب إلاَّ وكان الحسين عليه السلام بسيرته وأقواله وثورته حبلا لنجاته والأخذ بيده .
كانت فصول حياته القاسية المفعمة بالمفاجآت ، والمكللة بالنجاح تارة ، والفشل تارة أخرى ولاسيما عندما تكون الأمور أكبر من قدراته ، وأعظم من شأنه ؛ لا يستطيع أن يقاومها أو ينحني أمامها إسوة ببقية العظماء من الشعراء والمفكرين والقادة ، وأصحاب الرأي والحكمة .
فوجد الإمام الحسين عليه السلام معلمه الأول وعماده في سيره والسلوك ناهجا سيرة جده صلى الله عليه وآله ؛ فما أن عثرت به الأيام وحفلت ؛ نجده يشكو الزمان ولاسيما إذا كان في بعده عن الديار وأهله، متوسلا بالله ورسوله صلى الله عليه وآله أن يكون له عونا ، ومنجدا ، وناصرا، ومعينا ؛ إذ قال:
من كان ذا الدهر أبكاه وأضحكه |
|
فما حظيت بيـــــــــــوم منه أضحكني |
إلى أن يقول :
إنِّي إلى الله أشكو من عداوته |
|
عسى إلهـــــــي منــــها أن يخلصني |
علاقته بالامام الحسين عليه السلام
لم تكن علاقة شاعرنا بالإمام الحسين عليه السلام مجرد عاطفة تسيل من أجله الدموع وتشق الجيوب ، وتلطم لاجل الخدود والصدور؛ كما يفعل أكثر المحبين والمخلصين بآل بيت الرسول صلى الله عليه وآله .
لكنا نجد الشاعر كون علاقة وصلة روحية عميقة بالرغم من البعد الزمني وتعدد عقود الدهر مع الامام الحسين عليه السلام . فنجده يبكيه تارة لما ألم به من ظلم وغدر والاجحاف حين يقول في قصيدة يرثي بها الامام الحسين :
ولكن اذال الدمع هائل رزئكم |
|
فهذا فؤادي ذا شجى من مذالـــــــــــــــــــــــــه |
وتارة يستمد من سيرت الأمام عليه السلام الحكمة والموعظة والهداية أن في حقيقة الأمر هناك حبل الوصل بين الحكماء والعقلاء والثوار يجمعهم قاسم مشترك هو التضحية من اجل قضاياهم الأنسانية العادلة والإيثار من اجل أممهم وشعوبهم وأهليهم , فهي الصفات المشتركة واهمها هي بذل الاموال والانفس والاولاد من اجل الغاية السامية والهدف الاغلى والجليل . فيجدون من خلال تضحيتهم السعادة الابدية عندما يجعلون من تضحياتهم شهبا ونيازكآ تدك به عروش الظلمة والمتكبرين لتزلزل عروشهم , لايخشوا في لله لومة لائم ولا يكبح جماحهم نحو الهدف المنشود والمتوج بالشهاده والعزه والخلود الا تحقيق اهدافهم في رفعة الانسانيه وصون الدين والاوطان .هؤلاء صفوة اختارهم الله ليكونوا شموسا ساطعه ونجوما تزين بهم سماء الانسانيه ويكونوا نبراسا ومنارا لمن ضل طريق الحق والعدل ليتأكد وباليقين الذي لا يحتاج الى برهان ان السعادة الابديه التي ينشدها الخلق وخاصة من يمتلك نفسا تتوسم بها هذه الصفات الكريمة و الخلاقة ...
لقد رفعت عن الشاعر علي بن خلف الحويزي غشاوة الدنيا ليبصر الآخره فكان معلمه الاول ومثله الاعلى الامام الحسين عليه السلام . واخذ يبصر ببصيرته الثاقبة ويرى ما لم يره الاخرون فراح يحدث ما يراه ببصيرته الثابته والتي لا يجوبها اي خلل او خطأ . فنجده يترجم ذلك بقوله :
لا أستقر بـــــارض أو اسير الى |
|
اخرى فيبركنـــــي في مبرك خشـــــــــن |
الى ان يقول :
فيا صفوة الرحمن انتم غياث من |
|
أضرت صروف الحادثات يحالة |
نجد في القابل يذرف الدمع على واقعة الطف التي استشهد فيها الامام الحسين عليه السلام وصحبه الأجلاء ؛ لا عطفا على الحسين عليه السلام بل عطفا على نفسه وما حلَّ بها من أسىً وحزن لكونه لم يكن من ضمن الكوكبة التي حفَّت بالحسين تذود عنه لتكون أسماؤهم خالدة كخلود سيدهم وقائدهم ؛ ما ان ذكر إلاَّ وذكر معه .
أنا ذا عرفت بحبكم ومديحكم |
|
بمصرع نسق وغير مصرع |
الحسين ونبي الله يحيى بن زكريا :
عرف الشاعر والاميرعلي بن خلف الحويزي بحبه الجامح لآل بيت الرسول صلى الله عليه وآله ، فقد زخر ديوانه بمدائح كثيرة بذكر الصفات الكريمة والمنزلة العظيمة لهم ، وما انزل بحقهم من الاحاديث مثل حديثا الكساء ، تعد ترجمه لمنزلة الحسين عليه السلام إذ قال :
أفدي نجوما صرعت من حوله |
|
وهل رأيت أنجما على الثـــــرى |
أفدي نجوما صرعت من حوله
ويقول ايضا:
من الرجس طهرهم ربهم |
|
ودلــــــت عليـــــهم بذاك العـــــــبا |
لقد خط في اللوح أسماؤهم وفي العرش قبل بدو الضيا [20]
ومن خلال قصائده يضع لنا مقارنة بين نبي الله يحيى عليه السلام والامام الحسين عليه السلام ، موضحا ان لا فرق بينهما إلاَّ ان الأول تطوقه النبوة ، والثاني من آل بيت النبوة وخاتمتها .
علما إن نقاط الالتقاء كثيرة ومتعددة ، فكلاهما يدعوان إلى عبادة الله الواحد القهار ، وترك عبادة الأصنام البشرية أو الحجرية ؛ والهدف من ذلك إسعاد البشرية وإنقاذها من نير العبودية ؛ بل اقتصار العبودية لله وحده لا شريك له ، فان تعدت إلى غيره حلَّ الشرك وما يتبعه من ظلم وقهر وذل من قبل المعبود لعباده ؛ وحاشا أن نجد ذلك عند الله المعبود الحق والعدل والسعادة .فكلاهما كانت صرخاتهم مدوية في أذان الطغاة الذين لم يستطيعوا أن يتحملوا النصح والإرشاد من وعظهما ونصائحهما؛ بل ضاقت بهم صدور الظلمة والمتكبرين كلا حسب زمانه ومكانه، بعد أن تأكد لهم أن أصداء الحق سوف تزلزل الأرض تحت أقدامهم وتلقيهم من عروشهم وتسلم منهم سطوتهم وسلطانهم وأموالهم .
فكان جواب المستكبرين والظالمين أن يسكتوا هذه الأصوات متأملين ومعتقدين أنهم سوف تصفى لهم الدنيا بملذاتها وطيبها ومتعها؛ غير آبهين بما يحل بهم لو لم يسمعوا ما انذروا به وحذروا منه ؛ فكان ما كان أن أصدروا أوامرهم مستعينين بقوة الباطل على قتل يحيى عليه السلام وقتل الحسين عليه السلام .
فكانت هذه المقاربة صادقة في واقعها ومعانيها ؛ وقد تجلت بها روح التضحية من أجل الحق وبذل الغالي والنفيس للوصول إلى الهدف السامي ؛ وتحقيق الطلب الإلهي من كل ذو عقل بان يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ويقتصر في عبادته لله لا شريك له ، وهذا ما نلح
ونجده يساوي بينهما في القتل ؛ بل أكثر من ذلك في الغربة أيضا ؛ فكلاهما غريب عن الأهل والعشيرة والوطن ؛واخذ يقرب بينهما وجعل القاسم المشترك الذي يجمعهما من خلال الوصف وتشابه الظروف فان قال بأحدهما شعرا نجده ينطبق على الأخر إذ قال :
أفدي نجوما صرعت من حوله |
|
وهل رأت أنجما على الـــــــــثرى |
علي بن خلف الحويزي وكربلاء :
كربلاء مدينة تختلف عن كل المدن التي جال بها الشاعر سواء أكان مكرها أم راغبا ؛ فمنزلتها لا تساويها منزلة ؛ ومكانتها لا تضاهيها مكانة ؛ وعظمتها لا تقارعها عظمة سوى بيت الله الحرام الذي أوجب علينا زيارته ؛ إذا كانت هناك استطاعة .
فكان لمدينة كربلاء بأسمائها المختلفة الوقع الكبير في نفس الشاعر ؛ ما أن ذكرها إلاَّ وقد هاجت عواطفه ؛ وهملت دموعه ، فكان الحزن والحسرة والألم يقترن باسمها ؛ وهذا ما نلحظه في قوله :
عسى دلجات العيس والليل مظلم |
|
وقطع الموامي معلما بعد معلم |
ونجده يشير في قصيدة أخرى وبصورة تختلف من حيث المشاعر والعواطف والشجي ؛ إذ قال:
يا نجوما لم ترضَ أفق السماء |
|
كيف أضحت لقى على البوغاء |
ونجده في صورة أخرى يمثل الحسين عليه السلام وصحبه الكرام بالشموس والكواكب لكي يقرنهم بكربلاء وأهلها ، وهؤلاء الشموس هم منارات الهدى للتائهين عن الحق ؛ والراغبين في سلوك طريق النجاة والحرية والكرامة :
يا شموسا كانوا هداة البرايا |
|
كيف خُصَّتْ في كربلا بأفول[25] |
إن لكربلاء نغمة خاصة ما أن ترددت في رأس الشاعر إلا ونجد لها الوقع الكبير في اثارة مشاعره وتحفيز عواطفه ؛ مما تكون سببا في ذرف الدمع وانهمارها في مقلتيه :
من كربلاء لجــــــلق |
|
يا عظم هاتيك البلية [26] |
من هنا يتأكد لنا أن علي بن خلف الحويزي لم يكن متعلقا بالحسين عليه السلام شخصا فقط ، بل بالمكان الذي تشرف باحتضان جسده الكريم ليزداد أهمية في قلوب كل الأشراف والثوار ومحبي الحسين عليه السلام .
الخاتمة :
وصلنا الآن إلى خاتمة جولتنا مع الشاعر والأمير علي بن خلف الحويزي ، وقد تبين لنا انتماءه إلى آل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وعلى وجه الخصوص الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام في الجد التاسع عشر .
ومراحل حياته منذ شبابه ونبوغ موهبته السياسية واهتمامه بقضايا شعبه وأهله ووطنه ؛ وانخراطه في مدارس العلم والذي كان والده معلمه الأول .
ثم تعرفت على مواقفه الوطنية ضد المستعمر ( الشاه الصفوي ) مما كان سببا باعتقاله ونفيه ؛ ومن ثم عودته إلى أرضه ووطنه وانتخابه أميرا للدولة الشعشعية .
لم يكن الشاعر يمر في وصفه لواقعة ألطف الأليمة التي استشهد بها الإمام الحسين عليه السلام وصحبه الأجلاء كي يستدر الدموع أو ليهيج عواطفهم ويشحذ هممهم في حب الحسين عليه السلام وال بيته أملا بالنفوذ أو الحصول على مكانه اجتماعية أو سياسية أو مروجا لقصائده في موسم معين أو مناسبة سنوية التي ينتهزها كباقية الشعراء . لكنه عرفه الحق المعرفة فكان أن اتخذه منقذا ومعلما وقائدا ورمزا للتضحية والإيثار من اجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل , ونصرة الدين , والأخذ بيد المظلوم حتى يسترد له حقوقه.
كما أشرت انه استطاع أن يربط بين الأحداث التاريخية في مسيرة العظماء والأنبياء والمنقذين بشخصية الحسين من حيث المواقف والنتائج. كما وانه ابرز المواقع التي حل بها الإمام الحسين عليه السلام وأثرها في نفوس المحبين والمتعلقين بال البيت عليهم السلام (كربلاء) ودورها في إلهام مشاعر محبي الرسول صلى الله عليه وآله وال بيته عليهم السلام ومنهم شاعرنا موضوع البحث
[1] - 55 مؤسس الدولة المشعشعية.
[2] - رياض العلماء / 68.
[3] - م. ن.
[4] - ديوانه / 77.
[5] - تاريخ المشعشعين / 233.
[6] - م.ن.
[7] - الامارة المشعشعية / 206.
[8] - ديوانه /40.
[9] - ديوانه / 42.
[10] - ديوانه.
[11] - ديوانه ..ص462.
[12] - ديوانه - ص454.
[13] - الامارة المشعشعية – ص97.
[14] - ديوانه – ص 536.
[15] - م . ن / 537.
[16] - تحفة الأزهار / ج3: 343 ، تاريخ الدولة المشعشعية / 281 .
[17] - أعيان الشيعة / ج14 : 634.
[18] - ديوانه / 421.
[19] - ديوانه – ص 536.
[20] - م . ن : 514 .
[21] - م. ن .
[22] - م. ن .
[23] - م . ن : 451.
[24] - م. ن : 457. البوغاء : التراب عامة .
[25] - م . ن : 384.
[26] - 519:م.ن.