التناص في الكتابة المعاصرة لتاريخ الشيعة في المملكة العربية السعودية
تمهيد
يستطيع الباحث التاريخي الإشارة إلى أن إستخدام الحقل الخطابي([1]) الديني أو الحقل الخطابي العقدي في كتابة تاريخ الشيعة في المملكة العربية السعودية، هو من أهم سمات هذا النوع من كتابة التاريخ، بحيث يستخدم كتاب التاريخ هذه الحقول الخطابية لتمرير روايتهم لتاريخ الشيعة في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية. النقطة الهامة هي أن كتاب تاريخ الشيعة في المنطقة الشرقية بالمملكة السعودية من كلا الجهتان الشيعية والسنية يتحولون أحيانا من روايتهم للتاريخ إلى القراءات الايدئولوجية لشرعنة روايتهم التاريخية أو نسجهم للهوية التي يبحثون عنها عبر التاريخ. يعبر دراسو الخطاب([2]) عن هذه العملية بالتناص.([3]) التناص يشير إلى تاريخية النصوص، بحيث لم نستطع فهم أي نص من دون النصوص الأخرى، لأننا لم نستطع عدم استخدام العبارات والكلمات التي قد استخدمت من قبل. لهذا تقول نظرية التناص أن أي حدث معلوماتي يحدث هو مرتبط بحدث أو أحداث في ما قبله.([4]) فعلى سبيل المثال يمارس الصحافي الذي يستخدم تقريرا علميا في صياغة نصه الصحافي عملية التناص لدمجه التقرير العلمي بالنص الصحافي. التناص يشير إلى تغلغل التاريخ في النص من جهة وتأثير النص نفسه على التاريخ من جهة أخرى، بحيث يقدم النص الجديد قرائته الخاصة للنصوص السابقة وبهذا سيساعد على تحول تاريخ هذه النصوص.([5]) يميز محللو الخطاب نوعين من التناص: التناص الصريح والتناص المندمج: فالتناص الصريح يدل على استخدام النصوص الأخرى بشكل مباشر، إلا أن التناص المندمج يشير إلى إستخدام حقل خطابي من نوع أخر في النص. من هنا نستطيع إعتبار استخدام المصطلحات الدينية والمفاهيم المرتبطة بالتاريخ العقدي في النص التاريخي نوع من التناص المندمج.
التناص في كتابة التاريخ السعودي
نستطيع القول بأن كتابة التاريخ في المملكة العربية السعودية عموما ومنذ نشوءها وبغض النظر عن كونها تتحدث عن الشيعة في المنطقة الشرقية أم لا، قد وظفت الحقل الخطابي العقدي في كتابة التاريخ على مصراعيها. فعلى سبيل المثال يوظف المورخ السعودي الأقدم الشيخ حسين بن غنام([6]) الحقل الخطابي العقدي في صياغته لتاريخ نشوء الحلف الوهابي – السعودي بشكل واسع، بحيث يبني فلسفة تشكيلة الحلف المذكور وأيضا ينسج هوية هذا الحلف على مفاهيم الحقل الخطابي العقدي. يبدأ بن غنام كتابته لتاريخ نشوء الحلف الوهابي – السعودي بدفاعه عن أفكار محمد بن عبدالوهاب ويتابع بحديث عن أوضاع المسلمين قبل ظهور بن عبدالوهاب كما يذم أمور كزيارة القبور وطلب العون من الصالحين والتوسل وماشابه.([7]) يسعى بن غنام كعالم وهابي في القسم الأول من كتابه شرعنة التحالف بين آل سعود ومحمد بن عبدالوهاب عبر صياغته لفلسفة الحركة والتي نستطيع أن نعبر عنها بحركة إحياء الدين على حد زعمه. ونستطيع توضيح هذه الفلسفة باختصار بأن العالم الإسلامي بشكل عام ومنطقة نجد بشكل خاص قد هبطا نحو القهقراء العقيدي قبل ظهور محمد بن عبدالوهاب، بالأخص في أمور كزيارة أهل القبور وبناء القبب على قبور الصالحين والتوسل برموز الدين لاستجابة الدعاء وإزالة المشاكل وماشابه. إلا أنه استطاعت الحركة الوهابية بعد ظهور محمد بن عبدالوهاب وبالتحديد بعد تحالفه مع آل سعود، أن تستعيد الإسلام الصحيح وإسلام السلف الصالح، بل استطاعت الحركة توحيد ما يسمى اليوم بالمملكة العربية السعودية، فضلا عن سيطرته على منطقة نجد وسط الجزيرة العربية فيما بعد.([8]) ومن جهة أخرى يقدم المؤرخ الثاني لظهور حركة محمد بن عبدالوهاب وآل سعود أي عثمان بن عبدالله بن بشر النجدي في كتابه بعد بحث تمهيدي حول توحيد منطقة النجد من قبل الحركة بحثا عن حياة محمد بن عبدالوهاب،([9]) وبخلاف بن غنام الذي بدأ كتابة التاريخ الوهابي – السعودي ببحث شامل حول إنتشار البدع بين المسلمين قبل الحركة الوهابية، يشرع بن بشر كتابته للتاريخ بمصاديق البدعة في نجد.([10]) وفي وقت سمي بن غنام الفصل الأول من كتابه "حال المسلمين قبيل قيام الشيخ محمد بن عبدالوهاب بالدعوة" سمى بن بشر الفصل الأول من كتابه "الشيخ محمد بن عبدالوهاب" كما أطلق على القسم الأول من هذا الفصل "حالة نجد قبيل ظهوره". والجدير بالذكر هنا أنه لم يتبع الكثير من مؤرخي التاريخ السعودي فيما بعد هذا النوع من بداية الكتابة للتاريخ لدى بن غنام و بن بشر الذان يبدءان التاريخ السعودي من سيرة محمد بن عبدالوهاب والبدع التي ظهرت من قبله بين المسلمين عموما وفي نجد خصوصا، التاريخ الذي يشرعن الحركة الوهابية لأنها قامت بتصحيح هذا المسار الخاطئ بين المسلمين على حد زعم كتابه، بل هناك منهجيات أخرى للبدأ بكتابة التاريخ السعودي لدى البعض الآخر من المؤرخين بحيث لم يقبلوا بطريقة بن غنام و بن بشر، ويتحول هؤلاء المؤرخين من طريقة بن غنام وبن بشر إلى البحث عن الجذور القبلية والإثنية أو قدم العقائد بالأخص بالنسبة للشيعة في المملكة العربية السعودية. وتعطي الإشارات التاريخية إنطباعات مختلفة في هذا الإطار. بحيث نرى بأن الخطاب الشيعي في السعودية ينظم إشاراته التاريخية منسجما مع هجمات الخطاب الوهابي الذي يوظف طيفا من الإشارات الإثنية والدينية والتاريخية للنيل من المجتمع الشيعي في المنطقة الشرقية في العربية السعودية.
والجدير أنه نستطيع أن نبحث عن التناص في كتابة التاريخ عن شيعة السعودية على نمطين. الأول البحث عن التناص بحسب قدم إستخدام التناص في النصوص، والنمط الثاني هو البحث بحسب الزمن المتعلق بالإشارة التاريخية نفسها. فعلى سبيل المثال هناك إشارة إلى تاريخ القرامطة وأيضا إشارة إلى تاريخ حروب الردة بعد وفاة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله في تاريخ الشيعة بالعربية السعودية إلا أن إستخدام الحقل الخطابي لتاريخ القرامطة يسبق إستخدام الحقل الخطابي لتاريخ حروب الردة في كتابة تاريخ شيعة السعودية. فتعود الاشارة إلى تاريخ القرامطة ضمن كتابة تاريخ شيعة الجزيرة العربية إلى قبل الخمسينيات من القرن الماضي على أقل التقادير، إلا أن الإشارة إلى تاريخ حروب الردة ضمن كتابة تاريخ شيعة السعودية تعود إلى التسعينيات من القرن العشرين.
تاريخ القرامطة وكتابة تاريخ شيعة السعودية
أصبح التشكيك في جذور التشيع بالمنطقة الشرقية بالأخص بعد انتشار الفكر العروبي من جهة وفكر الدولة القومية من جهة أخرى في النصف الأول من القرن الماضي أحد سمات كتابة التاريخ بشأن الشيعة في السعودية، بحيث قام بعض المؤرخين غير الشيعة التشكيك في أن يكون التشيع الإمامي المذهب السائد في المنطقة منذ ظهوره كما يدعي الشيعة أنفسهم. فمن هنا سعى هؤلاء المؤرخين إنتساب التشيع في المنطقة إلى القرامطة بالأخص إلى قائدهم الفارسي والإباحي ابو سعيد الجنابي. يذكر أن القرامطة هم عبارة عن مجموعة إسماعيلية تدور عدة تفاسير معارضة بشأنهم. يقول الباحث السوري سهيل الزكار بشأن قرامطة البحرين: "فكان مبدأ أمرهم أن رجلا من أهل جنابة يعرف بأبي سعيد الجنابي، واختلف في اسمه فقيل الحسن بن بهرام، وأنه من الفرس، وقيل الحسن بن علي بن محمد بن عيسي بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام وأنه كان يعمل الفراء ويسافر من البحرين إلى سواد الكوفة، فنكح امرأة من قوم كانوا يدينون بالقرامطة وصحب عبدان، وقيل بل صحب قرمط وأخذ عنه، وعاد إلى القطيف فدعا الناس، وكان أول من استجاب له بنو سنبر... وقاتل من خالفه بمن أطاعه وهدم مدينة هجر بعد محاربة أهلها عدة أشهر وبنى دار هجرة بمدينة الأحساء. وقاتل جيوش المعتضد العباسي في سنة سبع وثمانين ومائتين، وقتل أكثرهم وأسر معظمهم. ولم يزل أمره يشتد حتى قتله غلامه في الحمام بمدينة الأحساء في سنة اثنتين وثلاثمائة وكانت أيامه نحو ست عشرة سنة".([11])
كما ذكرنا أن هناك مجموعة من باحثي التاريخ في السعودية يذهبون إلى أن التشيع إنتشر في المنطقة الشرقية التي تضم الأحساء والقطيف، بعد اجتياح القرامطة لها. يمكن القول بأن عملية إنتساب التشيع في المنطقة الشرقية إلى ظهور القرامطة فيها عبر التناص يتم بهدفين: الأول التأكيد على عدم ظهور التشيع في المنطقة منذ ظهور التشيع نفسه كمذهب. والهدف الثاني قد يتعلق بالصيت السيء للقرامطة الذين يقال عنهم بأنهم كانوا اباحيين إضافة على كونهم دمويين وهتاكين للرموز الدينية. يتابع سهيل الزكار في كلامه عن أبو طاهر الذي جاء بعد والده أبي سعيد الجنابي: ".. وقام من بعده ابنه أبو طاهر سليمان، فأكثر من الغزو، وسار إلى البصرة، وأخذها في ربيع الآخر سنة احدى عشرة وثلاثمائة، وقتل منها خلقا كثيرا، ثم أوقع بالحاج في ذي الحجة منها وأخذ لهم من المال مالا يقدر قدره، وأخذ الكوفة في ذي القعدة سنة ثنتي عشرة، وقتل منها وأسر كثيرا، ثم سار يريد بغداد في سنة خمس عشرة، ونزل الكوفة في شوال منها، وقاتل يوسف بن ابي الساج، وأسر ودمر عساكره، وسار إلى الأنبار فهم أهل بغداد بالهرب، وكانت هناك معارك مع جيوش العراق، وسار إلى الرحبة ووضع السيف في أهلها ونهب الجزيرة، وقاتل أهل الرق ورأس العين وسنجار، وفرض الأموال على الناس، وعاد إلى الأحساء، ثم قدم مكة في ذي الحجة سنة سبع عشرة ثلاثمائة، وردم زمزم بالقتلى، وانتهك حرمة الكعبة، وأخذ كسوتها وأموالها، وقلع الحجر الأسود من موضعه، وعاد إلى بلاده، ثم سار إلى الكوفة في سنة تسع عشرة، فأفسد وعاد..."([12])
هذا ومن الملفت أنه إنتساب الشيعة إلى القرامطة ليس الإنتساب الوحيد للقرامطة في كتابة التاريخ السعودي للشيعة بل هناك أخرون ينسبون الوهابيين أنفسهم إلى القرامطة أيضا. فعلى سبيل المثال يقول المستشرق الفرنسي لويس دوكورانسي الذي قضى أياما في نجد: " وقد قيل إنهم (الوهابية) يتحدرون من القرامطة، الذين كانوا منذ حوالي ألف عام يسيطرون على مقاطعة البحرين، والذين ثاروا على سلطة الخليفة الشرعية، ونهبوا الكعبة. ومن هذا الأصل انحدر الحشاشون وغيرهم".([13]) ومن هنا نستطيع القول بأن الصيت السيء للقرامطة يجعل منهم ومن تاريخهم عرضة لإنتساب "الآخر" - إن كانو الشيعة أم الوهابيين- إليهم.
وقد سعى مثقفو الشيعة السعوديون في النصف الأول من القرن الماضي الإجابة على إنتساب الشيعة في المنطقة الشرقية إلى القرامطة. فمن هؤلاء محمد سعيد المسلم الذي كتب تاريخ القطيف بصيغة حديثة كأحد أوائل تواريخ المنطقة الشرقية التي كتبت بطريقة حديثة. يقول محمد سعيد المسلم في كتابه "ساحل الذهب الأسود": "تذهب الظنون إلى أن البذرة الأولى (للتشيع) تكونت منذ عهد القرامطة الذين ينتسبون إلى المذهب الإسماعيلي، ثم تطور بعدهم بحكم ئرد الفعل الذي نشأ من سوء تصرفاتهم وأعمالهم حتى صار على شكله الحاضر أي بعبارة أوضح.. انهم نبذوا اخلمذهب الإسماعيلي واعتنقوا أخيرا المذهب الجعفري. والواقع أن هذه المزاعم مجرد فرضيات، لاتستند على أسس صحيحة نابعة من مصادر تاريخية، واذا تتبعنا الأحداث التاريخية وملابساتها.. نجد الأدلة تسعفنا بنتائج صحيحة على العكس من هذه الظنون، انها تقودنا إلى الإعتقاد بأن التشيع على شكله الحالي.. كان أقدم من عهد القرامطة بزمن طويل."([14]) ويتابع محمد سعيد المسلم: "أن الرواية التاريخية التي تسرد قصة القرامطة بالبحرين باجماع المؤرخين تقول: أن يحيى بن المهدي قدم إلى البحرين عام 278هـ وهي الفترة التي تغيب فيها الإمام المهدي المنتظر آخر أئمة الشيعة الإمامية، أي في العقد السابع من القرن الثالث، والتي ما برح فيها الشيعة يتطلعون إلى خروجه، حيث اختفى عن أعين الأعداء، وتقول الرواية ان يحيى هذا نزل على رجل يسمى علي بن المعلى يغالي في التشيع لأهل البيت، فأظهر له يحيى بأنه رسول المهدي انتدبه ليدعو شيعته إلى أمره، ويبشرهم بخروجه، فصدقه ابن المعلي ودعا الشيعة من أهل القطيف وتلا عليهم الكتاب الذي سلمه اليه يحيى فأجابوه بأنهم على استعداد لمناصرة اذا ظهر أمره، في نفس الوقت ارسل مبعوثيه إلى القرى والأرياف يخبرهم بهذا الأمر، فأجابوه بمثل ذلك، وتستطرد الرواية فتقول.. ثم أن يحيى غاب وأتى بكتاب آخر يشكرهم فيه، ويأمرهم بدفع خمس أموالهم، وهذا الوضع بالذات يشاكل ما كان عليه السفراء الأربعة المعترف بهم بعد غيبة الإمام المهدي، وهذه القرائن تسوقنا إلى الدليل على أن سكان هذه المنطقة كانوا من الشيعة الإمامية، وأنهم انخدعوا بأضاليله في أول الأمر، ثم انكشف اخيرا، وثمة دليل آخر.. ذلك اننا لم نجد في بلاد البحرين قاطبة أي منتسب للمذهب الإسماعيلي، على العكس من بعض الأقطار التي اعتنقت هذا المذهب، فاننا نجد فيها بقاياهم حتى الآن".([15])
الملفت هو أن ليس الجميع من مؤرخي السنة في العربية السعودية يروجون لإنتساب التشيع إلى الحقبة القرمطية في المنطقة الشرقية، بل هناك باحثون يؤكدون على ظهور التشيع في المنطقة الشرقية منذ السنوات الأولى من التاريخ الإسلامي. فعلى سبيل المثال يذكر عبدالرحمن بن عثمان بن محمد الملا وهو ينتمي إلى أسرة علمية شهيرة في المنطقة الشرقية وهي سنية المذهب في كتابه "تاريخ الحركات الفكرية واتجاهاتها في شرق الجزيرة العربية وعمان" بعد الإشارة إلى الرؤى المختلفة بشأن نشوء التشيع بالمنطقة الشرقية في إطار الخطاب السني وبعد التطرق إلى الخلافات التي حدثت بعد وفاة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بالنسبة لقضية الخلافة، يذكر الملا في كتابه: " لم يكن سكان شرق الجزيرة العربية يعيشون بمعزل عن الخلافات والأحداث الجسام التي توقد أوارها بين فرسان الرعيل الأول من آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله تعالى عنهم أجمعين، وما نجم عن تلك الأحداث من أفكار وعقائد واتجاهات لاتزال بصماتها واضحة في حياة المسلمين حتى اليوم. فقد كان لكل طرف من أطراف الصراع مؤيدون وأنصار من قبائل سكان شرق الجزيرة العربية ورجالاتها. فقد إنحاز إلى حزب المطالبين بدم عثمان وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان جماعة من عبدالقيس بقيادة صحار بن عياش العبدي، كما انحاز إلى جانب علي بن أبي طالب عدد كبير من عبدالقيس أيضا، فقد ذكرت المصادر أن أربعة آلاف من أهل البحرين فيهم عمرو بن المرجوم العبدي، وزيد بن صوحان العبدي، وشيخان بن صوحان العبدي قاتلت إلى جانب علي بن أبي طالب في واقعة الجمل...".([16]) وبعد ذلك يذكر الملا قصة يحيى بن المهدي الذي ذكره صاحب كتاب ساحل الذهب الأسود ويعتبر قصة يحيى دليلا قاطعا على وجود التشيع في المنطقة الشرقية قبل دخوله إلى المنطقة ويقول الملا: "فلم يحل النصف الثاني من القرن الثالث حتى كان للتشيع أنصار وأتباع في سائر قرى البحرين، ويؤكد ذلك أنه في سنة 281 هـ - 894م، قصد القطيف رجل يعرف بيحيى بن المهدي فنزل على رجل يسمى علي بن المعلي بن حمدان مولى الزياديين، فأخبره يحيى أنه رسول المهدي إلى شيعته في البلاد يدعوهم إلى أمره وأن ظهوره قد قرب، فجمع علي بن المعلى الشيعة من أهل القطيف وأقرأهم الكتاب الذي مع يحيى بن المهدي إليهم فأجابوه أنهم خارجون معه إذا ظهر أمره، وأرسل إلى قرى البحرين بمثل ذلك فأجابوه أيضا.. ففي هذه الرواية دلالة واضحة على أن القطيف كانت تمثل أحد مراكز التشيع إبان تلك الفترة، ومن هنا اتخذ منها القرامطة نقطة بداية إنطلاق حركتهم في شرق الجزيرة العربية، لأن الدعوة القرمطية كانت تعتمد في السعي لتحقيق أهدافها على إستغلال عاطفة التشيع لأهل البيت، وتعطش الشيعة لظهور المهدي المنتظر الذي يتوقعون خروجه بين الآونة والأخرى ويعقدون عليه الآمال الكبيرة في تحقيق العدالة والمساواة بين المسلمين ومحو الظلم واستئصال شأفة أهله، وبالفعل استطاع القرامطة أن يصلوا إلى مقاصدهم، فأسسوا لهم في البحرين دولة قوية استمرت زهاء مائة وثمانين عاما من مائتين وسبعة وثمانين هجرية إلى أربعمائة وخمسة وستين هجرية، وشمل نفوذها معظم أراضي شبه الجزيرة العربية، وبالرغم من اعتمادها على الشيعة كعنصر أساسي في البنية الإدارية والأجهزة الرسمية في الدولة، فإن التشيع لم يكتسب قوة أو سلطان إبان فترة حكم القرامطة لهذه المنطقة، و ذلك لأن التشيع في نظر هؤلاء لم يكن غاية يسعون لتحقيقها بل كانوا يعتبرونه وسيلة سهلة يمكنهم استغلالها من الوصول لتحقيق أهدافهم السياسية. وحين تم لهم ما أرادوا من إقامة الدولة وتوطيد أركانها، عمدوا إلى إضعاف القيم الدينية بكافة ألوانها، وتركز إهتمامهم في بناء دولة علمانية اتخذت من النظام الإشتراكي في الإدارة والإقتصاد والعلاقات الإجتماعية أساساً لبناءها".([17]) هذا و يذهب أحد المعارضين القدماء للنظام السعودي من شيعة المنطقة الشرقية الشيخ فوزي آل سيف أكثر من هذا و يؤكد على أن العلاقة بين الشيعة والقرامطة لم تكن حميمة بل انها كانت علاقة عداوة فيما بينهم كما أنه يصف إدعاء بعض الجهلة والطائفيين الذين يعتبرون القرامطة من الشيعة بالأمر العجيب ويقول: "العجيب أن هناك من الجهلة والطائفيين من يدعي بأن القرامطة هم من الشيعة مع أنهم عندما وصلوا إلى المنطقة، فتكوا بأهلها فتكا ذريعا حتى أحرقوا بعض زعمائها أحياء".([18]) من جهته يضيف الملا بشأن أوضاع المنطقة بعد زوال الحكم القرمطي: "وبعد زوال دولة القرامطة أخذت الحياة تدب في أوصال الحركة الفكرية الشيعية من جديد رويدا رويدا، وفي القطيف على وجه التحديد [...] وفي القرن الثامن وما بعده تزداد الحركة الشيعية نشاطاً في مجال التعليم والتأليف والنشر...".([19]) ويؤكد الملا في فقرة أخرى من كتابه على أن زوال القرامطة وتنامي الحركة الشيعية ساعد على تنامي التيار السني أيضا بفضل جهود محبي الإصلاح من الأهالي والصالحين من ولاة الأمر.([20])
تحول الخطاب و منهجية كتابة التاريخ لدى شيعة السعودية
ذكرنا في الفقرات السابقة تفاصيل بشأن الباحث التاريخي الشيعي السعودي محمد سعيد المسلم كأحد كتاب تاريخ الشيعي المحلي الذي استخدم الأساليب الجديدة لكتابة التاريخ، في حين كان يمارس كتاب المنطقة الشرقية كتابة تاريخهم في هذه الأيام وماقبلها مستخدمين الأساليب القديمة كالتذاكر والتراجم التي كانت تخص كتابة تاريخ العلماء والأسر الهامة في المنطقة، لهذا نستطيع القول بأن كتاب "ساحل الذهب الأسود" قد اعتبر لسنوات عدة الكتاب الوحيد الذي تطرق إلى تاريخ المنطقة بأساليب جديدة. هذا ويمكن لنا القول بأن مع تنامي التيار الأسلامي والثوري في النصف الثاني من القرن المنصرم في المنطقة الشرقية منذ السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، قد سعى المنتمين إلى هذا التيار إعتبار أنفسهم ذيلا لتيار عالمي شمولي، ومن هنا قد انخفض إنتباههم إلى الهوية المحلية والمذهبية في المنطقة الشرقية، إلا أن في التسعينيات من القرن العشرين وبفضل التحولات السياسية والإجتماعية والثقافية العميقة التي شهدتها المنطقة، قد همش هؤلاء الثوريون السابقون خطابهم الشمولي وأقبلوا على شيء من التوجهات المحلية التي كان الإنتباه إلى هوية المنطقة الشيعية في إطاره من العناصر الأساسية. فمن هذه الحقبة نستطيع أن نشاهد موجة جديدة لكتابة تاريخ المنطقة على أساس الأساليب الجديدة نظرا لتنامي الحس المناطقي في المنطقة الشرقية، الأمر الذي أثار صراعات التناص بين الفراقاء مرة أخرى بالأخص وأن الشيعة أخذوا يسعون لإثبات قدم حضورهم في المنطقة بناء على الوعي المحلي الجديد.
رواية نشوء التشيع و كتابة تاريخ الشيعة في السعودية
في السنوات الأخيرة وبفضل تهميش الخطاب الثوري والشمولي لدى الشيعة في السعودية وتضخيم الخطاب الإصلاحي والمناطقي لديهم، أخذ المعارضون الشيعة الأوائل يحذون حذو محمد سعيد المسلم في كتابة تاريخ المنطقة كما سعوا إلى التأكيد على قدم العقيدة الشيعية في المنطقة الشرقية. ومن هنا ذهب هؤلاء وبمساعدة الحقل الخطابي العقدي الشيعي إلى أن العقيدة الشيعية قد دخلت المنطقة الشرقية قبل وفاة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله. فعلى سبيل المثال يقول الشيخ فوزي آل سيف وهو أحد معارضي الثمانينيات من الذين دخلوا الحقل الإصلاحي المؤيد للوطنية السعودية في التسعينيات وبعد سنوات من الخطاب الثوري والشمولي بشأن ظهور التشيع في المنطقة قبل وفاة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله: " يلحظ المتأمل في هذه الفترات وجود شبهات تثيرها فئات معينة، تحاول أن تنسب الشيعة في بلادنا إلى خارج الحدود، وأنهم جاؤوا من أماكن أخرى، ولهم برنامج خاص، وأن لهم ارتباطات مع الخارج.. إلى غير ذلك مما يبثونه بغرض التشويش، والتشويه".([21]) ويشير آل سيف في القسم التالي من كتابه تحت عنوان "الجهة الوطنية" إلى العلاقة بين شيعة المنطقة الشرقية والوطنية قائلا: " وسوف يلاحظ القارئ أن شيعة أهل البيت عليهم السلام في هذه المنطقة، والذين يعود تاريخهم إلى اليوم الأول لدخول الإسلام كانوا الأكثر حرصا على المنطقة، وبذلوا لأجل عزتها وبقائها واستقلالها الغالي والنفيس إلى يومنا هذا بالرغم من كل الظروف القاسية التي مرت عليهم".([22]) ويذهب آل سيف إلى أن الحفاظ على العقيدة الإسلامية هي صيانة المجتمع والوطن عن عوامل الفرقة والتشرذم".([23]) يسعى الشيخ فوزي من خلال هذه الفقرات التأكيد على قدم ظهور الشيعة والتشيع في المنطقة في إطار الوطن والمواطنة. ويقول الباحث التاريخي الشيعي السعودي حمزة الحسن: " التشيع كمذهب ليس جديداً فيما يعرف اليوم بالمنطقة الشرقية في المملكة «الأحساء والقطيف»، بإتفاق جميع من أرخ لها من الماضين والمعاصرين، ولكنهم إختلفوا في تحديد المدة التي دخلها التشيع، هل هي في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أم في عهد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، حيث يرى الشيعة أن التشيع كان معروفاً في عهد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأن العديد من الصحابة عرفوا بموالاتهم للإمام علي، ويعتقدون ان أوّل من بذر بذور التشيع فيما عرف قديماً بمنطقة البحرين، والتي كان تشمل (أوال والخط وهجر، والمعروفة اليوم بإسم البحرين والقطيف والأحساء على التوالي).. هو الصحابي الجليل أبان بن سعيد بن العاص الأموي، الذي ولّاه رسول الله صلى الله عليه وآله البحرين مسئولاً عن بيت المال، وكان أبان من الموالين للإمام علي، فغرس بذور التشيع في المنطقة، وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله لم يبايع أبان أبا بكر بالخلافة حتى بايع الإمام علي (عليه السلام) نفسه، وتشير بعض الروايات التاريخية إلى أن سبب عزل أبان عن منصبه بعد وفاة الرسول مباشرة يعود، إلى موقفه هذا. بيد أن المؤرخين الآخرين يقولون بأن التشيع لم يكن معروفاً حتى خلافة علي بن ابي طالب (عليه السلام)، وأن منطقة البحرين «القديمة» إعتنقت التشيع في عهده، وأنها شاركت الإمام في حروبه كلّها (الجمل وصفين والنهروان)".([24])
يخرج حمزة الحسن بهذه الفقرة من إطار الرواية التقليدية للتاريخ ويعطي روايته التاريخية نكهة إيديولوجية، ويربط العقيدة الشيعية القائلة بنشوء التشيع في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بروايته للتاريخ ومن منظور تحليل الخطاب نستطيع القول بأن الحسن يستخدم في هذه الفقرة الحقل الخطاب العقدي لتكميل نصه التاريخي. يربط الحسن فترة نشوء التشيع في المطقة الشرقية بالرواية الشيعية لنشوء التشيع في عهد الرسول صلى الله عليه وآله، الأمر الذي أثار ردود أفعال لدى البعض من الكتاب السعوديين. يجيب الصحافي السعودي السني إبراهيم الهطلاني الذي يعتبر مواقفه نفسه مواقفا حيادية على رواية حمزة الحسن لتاريخ التشيع في المنطقة الشرقية ويقارن بين رواية حمزة الحسن ومحمد سعيد المسلم في مجال نشوء التشيع قائلا: " فقد حاول (حمزة الحسن) تحت عنوان «تاريخ التشيع في المنطقة» إيهام القارئ بأن آراء المؤرخين في تحديد الفترة التي دخل فيها التشيع لمنطقة الخليج تنحصر في رأيين. الأول فترة الرسول عليه الصلاة والسلام والثاني فترة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ومن المعلوم أن كليهما قول ومذهب مشهور ومكتوب عند الشيعة لكن المؤلف لايذكر أو لعله يريد إخفاء قول ورأي ثالث وهو مشهور ومكتوب في كثير من المؤلفات التاريخية التي تقول أن التشيع دخل إلى منطقة الخليج في عهد القرامطة، وبصرف النظر عن صواب هذا الرأي أو خطئه كان الأولى علمياً وأخلاقياً إيراد كل الآراء والمذاهب أو على الأقل البارزة منها والواردة في هذه القضية ثم العمل على الترجيح بينهما كما فعل محمد المسلم في دراسته «ساحل الذهب الأسود» مع أنه وصل إلى نفس القيمة التاريخية وهي ربط التشيع في منطقة الخليج بالعهد النبوي، وقد كان الباحث «المسلم» أظهر ذكاء في طرحه وأكثر استخداماً للمنهجية في بحثه من مواطنه الحسن".([25]) هنا يعتبر الهطلاني رأي دخول التشيع إلى المنطقة في العهد القرمطي شقاً آخراً ينافس رأي ظهور التشيع منذ حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نقلاً عن المسلم إلا أنه ذكرنا في الفقرات السابقة بأن المسلم طرح هذا الرأي في كتابه لمجرد الرد عليه لا كرأي آخر بشأن نشوء التشيع في المنطقة الشرقية. ويضطر الهطلاني للإجابة على ما يطرحه حمزة الحسن بدوره إلى توظيف الحقل الخطابي العقدي، ومن هنا يعتبر قول ظهور الشيعة في المنطقة منذ حياة الرسول صلى الله عليه وآله بالأمر الغريب عن المعقول وينسب مثل هذه الأقوال إلى الغلاة والعجم من دون أن يستند إلى إي وثيقة تذكر وكأنما يستهزأ بالموضوع على نمط العمل الصحفي لاالعمل العلمي التاريخي ويقول: "كأن الدين الإسلامي بشريعته وعقيدته وتفاسيره وتاريخه ورجاله لا هم له ولا هدف ولا رسالة يحملها إلا قضية التشيع".([26]) ومن جهتهم الشيعة وللإجابة على مثل هذه الشبهات يستخدمون الحقل الخطابي العقدي ضمن عملية التناص وينوهون إلى مفهوم «الفرقة الناجية» في هذا الإطار.([27]) يتابع الهطلاني حديثه عن نشوء الشيعة ويخصص مجالا واسعا إلى التطرق لإجابة رمز السلفية في مصر رشيد رضا على ما ذهب إليه الشيخ جعفر كاشف الغطاء من ظهور الشيع في أيام حياة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم،([28]) وفي النهاية يذهب إلى الربط ما بين التشيع والقرامطة في المنطقة الشرقية.([29])
حروب الردة وكتابة تاريخ الشيعة في السعودية
النقطة الأخرى التي يذكرها الهطلاني في إطار إستخدام الخطاب الديني في الخطاب التاريخي هي الإشارة إلى حروب الردة. ونعلم أنه في التاريخ الإسلامي يشير مصطلح "الردة" إلى إنسلاخ القبائل في الجزيرة العربية عن الإسلام بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومصطلح "حروب الردة" يشير إلى الحرب التي أشهرها الخليفة الأول أبوبكر على تلك القبائل لإخضاعها لسلطة دولة الخلافة في المدينة.([30]) طعن المؤرخون والمستشرقون في العصر الحديث بهذا الإفتراض الذي يعتمده الرواة، هذا ويؤكد المستشرق الألماني يوليوس فلهاوزن أن الردة كانت إنشقاقاً عن قيادة المدينة السياسية، وليس انكفاءً عن الإسلام كديانة.([31]) وذهب العالم الأزهري المعروف الشيخ علي عبدالرزاق إلى إعتبار تلك الحروب حروبا سياسية لا علاقة لها بالدين، وفي ذلك يقول:"لسنا نتردد لحظة في القطع با كثيراً مما سموه حرب لمرتدين في الأيام الأولى من خلافة ابي بكر لم يكن حربا دينية، وانما كان حربا سياسية صرفة".([32]) ويختلف التفسير الشيعي لحروب الردة مع قراءة النصوص الأولية للحادث بالأخص بما يرتبط بردة الصحابي مالك بن نويرة.([33]) وهنا يسعى الهطلاني على أساس كون بني قيس ومسلمي البحرين من أهل الردة، وبسبب حرب الخليفة الأول ضدهم يسعى الهطلاني النيل من أهل البحرين وهم سكان البحرين القديم الذي كان يشمل المنطقة الشرقية أنذك.([34])
ومن جهة أخرى نستطيع القول بأن هناك شبه بين حروب الردة وحروب الوهابيين ضد القبائل في الجزيرة العربية، بل يسعى كتاب تاريخ الوهابية إلى التأكيد على وجود مثل هذا الشبه. فمن هذا المنظور هناك كانت ردة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله في القبائل العربية سعت قوات الخلافة إلى إخضاع هؤلاء لسلطتها بعنف، وأيضا هناك ردة حدثت في الجزيرة العربية وفي كل البلاد الإسلامية عموما من المنظور الوهابي كما أشرنا سابقا سعت الحركة الوهابية إلى إخضاع أصحاب الردة في زمنهم بزعمهم ولتفسيرهم الضيق من الإسلام بعنف أيضا، فمن هنا يطلق بعض مؤرخي الحركة الوهابية كعثمان بن عبدالله بن بشر عبارة "معاشر الردية" على من قاتلهم الوهابيون.([35]) كما يذكر المؤرخ حسين بن غنام أيضا عن ردة المسلمين قبل ظهور محمد بن عبدالوهاب في طليعة كتابه تاريخ نجد.([36]) فيتحدث الهطلاني أيضا من منطلق الإجابة على الشيخ فوزي آل سيف عن ردة أهل البحرين. يقول الشيخ فوزي: "وقد تحدث بعض المؤرخين عن ما قيل من ردة أهل البحرين، وقيام عبد القيس بمقاتلتهم إلى أن ردوهم بقيادة العلاء الحضرمي.. (ونحن نقول هذا مع تأملنا في حدود موضوع الردة والدعوة إلى النظر التاريخي التحقيقي في أحداثها..).وتقاتل العلاء ومن معه من عبد القيس بعد أن عبر من القطيف إلى تاروت ومنها إلى دارين، واصطدموا بالحطم بن ضبيعة قائد الجيوش المخالفة فهزموهم.."([37]) من الملفت هنا بأن الهطلاني يعتبر بني قيس من أهل الردة إلا أن آل سيف يعتبر بني قيس من جماعة الحضرمي الذين قاتلوا ضد أهل الردة. يذكر أن المستشرق وات أيضا يذهب إلى أن الردة في البحرين كانت سياسية وليست دينية قائلا: "في البحرين وعمان، يبدو أنه كان هناك القليل من ذكر الدين، ولكن فيما عداهما كانت السمة الخاصة للردة هي ظهور "أنبياء كذبة"..."([38]) يذكر الهطلاني في كتابه الشيعة السعوديون حوارا جرى بينه والشيخ فوزي عن الردة بالأخص ردة مالك بن نويرة ويقول الهطلاني: "ومع أن مالك بن نويرة من بني تميم ولا علاقة له بأهل البحرين أو ردتهم إلا أننا نجد أنه من المفيد في بحث الردة بشكل عام ذكر قصة بن نويرة بإيجاز.."([39]) نرى بأن هنا يقطع الهطلاني الحديث عن تاريخ شيعة السعودية ويدخل الحقل الخطابي للتاريخ العقدي وفي نهاية حديثه عن بن نويرة يذهب إلى القول القائل بأنه ارتد بن نويرة دينياً لا سياسياً، كما أنه بخلاف الشيخ فوزي يذهب يذهب إلى أن ردة أهل البحرين أيضاً كانت دينية لا سياسية.([40]) والطريف أنه الإتهام بالردة لم تخص الوهابيين ضد غيرهم كالإتهام بالقرمطية كما شاهدنا سابقاً، بل هناك أيضا علماء من أهل السنة ينسبون الوهابيين بالردة كالشيخ صفي الدين اجمد بن عبدالله بن محمد بن عبدالرزاق السعيدي الذي لديه كتابا تحت عنوان "صاعقة العذاب على من خالف نصر السنة والكتاب واتبع مذهب ابن عبدالوهاب من أصحاب مسيلمة الكذاب".([41]) ويشبه السعيدي هنا ابن عبدالوهاب بمسيلمة الكذاب وهو من أهم زعماء حركة الردة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله.
الإمام الحسين عليه السلام وعثمان بن عفان وكتابة تاريخ الشيعة في السعودية
لم يقتصر الهطلاني على هذا الحجم من التناص أي إقحام الخطابات المتنوعة الأخرى في كتابة تاريخ الشيعة السعوديون بل يخصص مجالا من كتابه للبحث عن إستشهاد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء ومقارنته بمقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان ومكانة هاتين الحادثتين في التاريخ المعاصر. فيسعى الهطلاني المقابلة مع قضية الحسين عليه السلام وحادثة عاشوراء المحورية في الخطاب الشيعي([42]) من خلال طرح قضية مقتل عثمان بن عفان. يسعى الهطلاني إلى طرح الخطاب العثماني مقابل الخطاب الحسيني وينوه إلى أن مظلومية عثمان كانت أكثر من الحسين عليه السلام على حد زعمه لأن عثمان قد قتل في بيته ولكن الحسين عليه السلام شهر السيف واستشهد في ساحات القتال،([43]) ومتأثرا بالأوضاع الراهنة يقول الهطلاني: "ووفقاً للمنطق الشرعي والعقلي فإننا لايمكننا التفريق بين قتلة عثمان وبين قتلة الحسين، وكلما سمعنا نداء، يا لثارات الحسين، في إيران أو العراق أو لبنان أو حتى دول الخليج «مع أن المختار بن أبي عبيدة أثناء استيلائه على إمارة الكوفة قد أخذ بثأر الحسين، حيث قتل عبيدالله بن زياد والي البصرة، الذي أضاف يزيد بن معاوية إليه ولاية الكوفة لمواجهة الحسين» سيرفع آخرون أصواتهم في مكان ما يطالبون بثارات عثمان، ولن تنتهي القصة عند هذا الحد".([44]) ويأتي هذا الإستخدام المؤدلج للحقل الخطابي العقدي كله في كتابة تاريخ الشيعة في السعودية.
مقولة إخراج المشركين من جزيرة العرب
يشرعن الوهابيون مطالبتهم بشأن إخراج الشيعة من المنطقة الشرقية تاريخياً إستنادا إلى حديث ينقلونه من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله مضمونه إخراج المشركين من الجزيرة العربية. فهنا يختلط البحث التاريخي والجغرافي بحكم شرعي عندهم وهو إخراج المشركين من الجزيرة العربية والشيعة منهم كما يزعمون. فهناك عدة خيارات أولها: إخراج الشيعة من المنطقة الشرقية أو تحويل الشيعة إلى وهابيين والذي لم يتحقق حتى الآن ومن الصعب تحقيقه بعد الآن. الثاني: الإعتراف بأن الشيعة هم من المسلمين والذي قد تحقق من قبل الكثير من الشخصيات والتيارات الإسلامية والسلفية في السعودية. الثالث: هو إخراج المنطقة الشرقية من إطلاق جزيرة العرب لاجتناب الإعتراف بإسلامية التشيع من جهة وتبرير عدم العمل بالفتوى أي إخراج المشركين من الجزيرة العربية، وهذا الخيار قد تحقق من قبل بعض المشايخ السلفية. وقد قال أحد هؤلاء لصحيفة الشرق الأوسط:"إن المنطقة التي أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بإخراح المشركين منها هي المنطقة القريبة من الحرمين الشريفين لقدسيتهما، ولا معنى لإدخال منطقة بعيدة من المنع كالمنطقة الشرقية.."([45]) مما جعل البعض الآخر من علماء السعودية أن يحذروا زملائهم من مقولة إخراج المنطقة الشرقية من مسمى الجزيرة العربية لأسباب عدة منها سياسية وشرعية على حد زعمهم([46]) وبسبب الملابسات التي ستحصل بشأن الهوية السعودية، بالأخص والمنطقة الشرقية تعتبر حاليا الخزان الأصلي لبترول المملكة العربية السعودية.
خاتمة
مما ذكرناه هنا يتضح لنا حجم مساهمة الروايات المؤدلجة في الكتابة المعاصرة لتاريخ شيعة السعودية، مما يطلق عليها التناص في تحليل الخطاب. يستطيع الباحث القول بأن كتاب تاريخ الشيعة في السعودية سواء كانوا شيعة أم سنة يستخدمون الحقل الخطابي العقدي كما يوظفون الحقل الخطابي لتاريخ العقيدة لإثبات مدعياتهم بشأن تاريخ الشيعة في السعودية. ومن هذا المنطلق نشاهد بأن البعض يسعون لإنتساب كل السيئات إلى الطرف المقابل فمن هنا يُنتسب الشيعة إلى القرامطة وإلى أهل الردة، كما أن البعض الآخر يسعى إلى تكوين خطاب عثماني مقابل الخطاب الحسيني لدى الشيعة في إطار كتابة تاريخ شيعة السعودية، والبعض الآخر يذهب أكثر من هذا ويخرج المنطقة الشرقية من مسمى جزيرة العرب في تدخل واضح في التاريخ والجغرافيا لأسباب إيدئولوجية.
المصادر
- آل سيف، فوزي، شيعة القطيف والأحساء عراقة الماضي وتطلعات المستقبل، دار الواحة، الطبعة الأولى، بيروت، 1426هـ 2005م.
- آل سيف، فوزي، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة، دارالصفوة، الطبعة الأولى، بيروت، 1430هـ2009م.
- آل ياسين، الشيخ محمد حسن، نصوص الردة في تاريخ الطبري تحليل و نقد، منشورات دار مكتبة الحياة، الطبعة الثالثة، بيروت، 1397هـ1977م.
- بن بشر النجدي الحنبلي، الشيخ عثمان بن عبدالله، عنوان المجد في تاريخ نجد، حققه وعلق عليه:عبدالرحمن بن عبداللطيف بن عبدالله آل الشيخ، الجزء الاول، مطبوعات دارة الملك عبدالعزيز، الطبعة الرابعة، الرياض، 1402هـ،1982م.
- بن صالح بن عيسى، ابراهيم، تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد ووفيات بعض الاعيان وانسابهم وبناء بعض البلدان من (700-1340)، الامانة العامة للاحتفالات بمرور مئة عام علي تأسيس المملكة، الرياض،1999.
- بن عثمان بن محمد الملا، عبدالرحمن، تاريخ الحركات الفكرية واتجاهاتها في شرق الجزيرة العربية وعمان، الدار الوطنية الجديدة للنشر والتوزيع، الطبعة الاولي، الخبر، 414هـ1994م.
- بن غنام، شيخ الامام حسين، تاريخ نجد، حرره وحققه الدكتور ناصر الدين الاسد، قابله علي الاصل: عبدالعزيز بن محمد بن ابراهيم الشيخ، دار الشروق، الطبعة الرابعة، بيروت- القاهرة، 1415هـ، 1994م.
- الحسن، حمزة، الشيعة في المملكة العربية السعودية – العهد التركي 1871- 1913هـ، الجزء الأول، مؤسسة البقيع لإحياء التراث، الطبعة الأولى 1413- 1993.
- دوكورانسي، لويس، الوهابيون تاريخ ما اهمله التاريخ، ترجمة:مجموعة من الباحثين،الطبعة الاولى،رياض الريس للكتب والنشر، بيروت،2003م.
- زكار، سهيل، اخبار القرامطة، دار حسان للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، دمشق،1402هـ 1982م.
- السبحاني، الشيخ جعفر، تخليص في الملل والنحل، تلخيص: الرباني الكلبايكاني، الشيخ علي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الثانية، قم، 1416هـ ق.
- السعيدي، الشيخ العلامة صفي الدين اجمد بن عبدالله بن محمد بن عبدالرزاق،صاعقة العذاب على من خالف نصر السنة والكتاب واتبع مذهب ابن عبدالوهاب من أصحاب مسيلمة الكذاب، مخطوطة كتبت عام 1228.
- سلطاني، سيد علي أصغر، قدرت وكفتمان وزبان، نشر ني، الطبعة الثانية، طهران، 1387 هجري شمسي.
- شوفاني، الياس، حروب الردة دراسة نقدية في المصادر، دار الكنوز الادبية، الطبعة الاولى،بيروت، 1995.
- الغليقة، خالد بن عبدالله، مكانة المنطقة الشرقية في السعودية إخراجها من مسمى الجزيرة العربية خطأ فقهي وسياسي وسيادي، الدار العربية للموسوعات، الطبعة الأولى، بيروت، 2006- 1427.
- مانغونو، دومينيك، المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب، ترجمة: محمد يحياتن، الدار العربية للعلوم ناشرون، منشورات الاختلاف، الطبعة الأولى، بيروت- الجزائر، 1428هـ 2008م.
- المسلم، محمد سعيد، ساحل الذهب الاسود، منشورات دار مكتبة الحياة، الطبعة الثانية، بيروت، بي تا.
- الهطلاني، إبراهيم، الشيعة السعوديون قراءة تاريخية وسياسية، طبعة ثانية، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2011.
يوركنسن، ماريان، فيليبس، نظريه و روش در تحليل كفتمان، ترجمه إلى الفارسية: هادي جليلي، نشر ني، طهران، 1389 هجري شمسي.
([1]) . في صلب العالم الخطابي، أي في مجموع الخطابات التي تتفاعل في زمن معين، يقطع تحليل الخطاب حقولا خطابية وفضاءات حيث (توجد التشكيلات الخطابية في علاقة تنافس بالمعنى الواسع... من ذلك مثلا المدارس الفلسفية المختلفة أو التيارات السياسية التي تتصارع إن بشكل صريح أو لا، في ظروف بعينها) إن الحقل ليس ببنية قارة بل هو بالأحرى لعبة من التوازنات غير المستقرة بين قوى مختلفة... (مانغونو، دومينيك، المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب، ترجمة: محمد يحياتن، الدار العربية للعلوم ناشرون، منشورات الاختلاف، الطبعة الأولى، بيروت- الجزائر، 1428هـ 2008م، ص14و15)
([2]). يتكاثر في هذا النص ورود كلمة خطاب (Discours) وهو مصطلح لساني، يتميز عن نص وكلام وكتابة وغيرها بشكله لكل إنتاج ذهني، سواء كان نثراً أو شعراً، منطوقاً أو مكتوباً، فردياً أو جماعياً، ذاتياً أو مؤسسياً، في حين أن المصطلحات الأخرى تقتصر على جانب واحد. وللخطاب منطق داخلي وارتباطات مؤسسية، فهو ليس ناتجا بالضرورة عن ذات فردية يعبر عنها أو يحمل معناها أو يحيل إليها، بل قد يكون خطاب مؤسسة أو فترة زمنية أو فرع معرفي ما.
([3]). intertextuality تحليل التناصية تارة على خاصية من الخاصيات المكونة للنص وتارة على مجموع العلاقات الصريحة أو الضمنية التي تربط نصا ما بنصوص أخرى، من حيث المعنى الأول، يكون التناص مرادفا لما بين الخطابية interdiscursivity ولكن إن كان للتناص وما بين الخطابية معني متساو، فإنهما غير مستعملين في نفس المجالات... يقول جينات عن أحد أنوا التناصية أنها تفترض حضور نص في نص آخر (بواسطة الإستشهاد، التلميح... التناصية هي نظام قواعد ضمنية يقوم عليه التناص، أي طريقة الإستشهاد التي يعتقد بأنها شرعية في التشكيلة الخطابية التي تنتمي إليها المدونة، وهكذا فإن تناصية الخطاب العلمي لا تشبه تناصية الخطاب اللاهوتي، فكل واحدة منهما تتغير من فترة زمنية إلى أخرى، يمكن بين تناصية داخلية (بين خطاب والخطابات التي هي من نفس الحقل الخطابي) وتناصية خارجية (مع خطابات حقول خطابية متباينة، مثلا بين خطاب لاهوتي وخطاب علمي)، غير أن هاتين التناصيتين هما وجهان لنفس الإشتغال الخطابي) (مانغونو، صص 77- 79).
([4]) . سلطاني، سيد علي أصغر، قدرت وكفتمان وزبان، نشر ني، الطبعة الثانية، طهران، 1387 هجري شمسي، ص67.
([5]) . يوركنسن، ماريان، فيليبس، نظريه و روش در تحليل كفتمان، ترجمه إلى الفارسية: هادي جليلي، نشر ني، طهران، 1389 هجري شمسي، ص129.
([6]) . بن صالح بن عيسى، ابراهيم، تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد ووفيات بعض الاعيان وانسابهم وبناء بعض البلدان من (700-1340)، الامانة العامة للاحتفالات بمرور مئة عام علي تأسيس المملكة، الرياض،1999، ص9.
([7]) . بن غنام، شيخ الامام حسين، تاريخ نجد، حرره وحققه الدكتور ناصر الدين الاسد، قابله علي الاصل: عبدالعزيز بن محمد بن ابراهيم الشيخ، دار الشروق، الطبعة الرابعة، بيروت- القاهرة، 1415هـ ، 1994م، صص 77-11.
([8]) . بن غنام، ص15.
([9]) . بن بشر النجدي الحنبلي، الشيخ عثمان بن عبدالله، عنوان المجد في تاريخ نجد، حققه وعلق عليه:عبدالرحمن بن عبداللطيف بن عبدالله آل الشيخ، الجزء الاول، مطبوعات دارة الملك عبدالعزيز، الطبعة الرابعة، الرياض، 1402هـ،1982م، ص33.
([10]) . بن بشر، الجزء الأول، ص34.
([11]) . زكار، سهيل، اخبار القرامطة، دار حسان للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، دمشق،1402هـ 1982م، ص400و401.
([12]). زكار، سهيل، ص401.
([13]). دوكورانسي، لويس، الوهابيون تاريخ ما اهمله التاريخ، ترجمة:مجموعة من الباحثين،الطبعة الاولى،رياض الريس للكتب والنشر، بيروت،2003م،ص12.
([14]) . المسلم، محمد سعيد، ساحل الذهب الاسود، منشورات دار مكتبة الحياة، الطبعة الثانية، بيروت، بي تا، ص93.
([15]) . المسلم، ص94.
([16]) . بن عثمان بن محمد الملا، عبدالرحمن، تاريخ الحركات الفكرية واتجاهاتها في شرق الجزيرة العربية وعمان، الدار الوطنية الجديدة للنشر والتوزيع، الطبعة الاولي، الخبر، 414هـ1994م، ص150.
([17]) . بن عثمان بن محمد الملا، عبدالرحمن، ص151و152.
([18]) . آل سيف، فوزي، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة، دارالصفوة، الطبعة الأولى، بيروت، 1430هـ2009م، ص135.
([19]) . بن عثمان بن محمد الملا، عبدالرحمن، ص152و153.
([20]) . بن عثمان بن محمد الملا، عبدالرحمن، ص258.
([21]) . آل سيف، فوزي، شيعة القطيف والأحساء عراقة الماضي وتطلعات المستقبل، دار الواحة، الطبعة الأولى، بيروت، 1426هـ 2005م، ص8.
([22]) . آل سيف، فوزي، شيعة القطيف والأحساء عراقة الماضي وتطلعات المستقبل، ص8.
([23]) . آل سيف، فوزي، شيعة القطيف والأحساء عراقة الماضي وتطلعات المستقبل، ص8.
([24]) . الحسن، حمزة، الشيعة في المملكة العربية السعودية – العهد التركي 1871- 1913هـ، الجزء الأول، مؤسسة البقيع لإحياء التراث، الطبعة الأولى 1413- 1993، ص15و16.
([25]) . الهطلاني، إبراهيم، الشيعة السعوديون قراءة تاريخية وسياسية، طبعة ثانية، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2011، ص56.
([26]) . الهطلاني، ص57.
([27]) . روى اصحاب الصحاح والمسانيد ومؤلفو الملل والنحل عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أنه قال: «ان امتي تفترق على ثلاث وسبعين فرقة» وأكثر الروايات تصرح بنجاة واحدة وهلاك الباقين، وفي بعضها «ان اثنين وسبعين في الجنة وواحدة في النار» (السبحاني، الشيخ جعفر، تخليص في الملل والنحل، تلخيص: الرباني الكلبايكاني، الشيخ علي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الثانية، قم، 1416هـ ق، ص4). يذهب المتكلمون الشيعة استنادا على أحاديث أخرى مثل حديث الثقلين وحديث السفينة وحديث أهل بيتي أمان لأمتي إلى أن الشيعة الإمامية هم الفرقة الناجية (السبحاني، ص8و9) إلا أن أهل السنة يؤكدون على الوجه الثاني للحديث المذكور ويركزون على مفهوم الجماعة وعدم شق العصا بين المسلمين ويؤكدون على أن الخلاف بين المسلمين خير. فمن هذا المنطلق يستطيع الباحث فهم تحول حمزة الحسن من الرواية التاريخية إلى الرواية الإيديولوجية التي تؤكد ظهور الشيعة وهم أتباع الإمام علي عليه السلام أيام حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهم المسلمون الحقيقيون الذين أخذوا طريق الإسلام الصحيح في إطار الفرقة الناجية، إلا أنه يبدوا أن الهطلاني لم يعرف شيئا عن هذا الخطاب الذي يستند إلى مسانيد مختلفة ولهذا يتجاهله بسذاجة.
([28]) . الهطلاني، ص58-63.
([29]) . الهطلاني، ص64.
([30]) . شوفاني، الياس، حروب الردة دراسة نقدية في المصادر، دار الكنوز الادبية، الطبعة الاولى،بيروت، 1995،ص11.
([31]) . الشوفاني، ص102.
([32]) . آل ياسين، الشيخ محمد حسن، نصوص الردة في تاريخ الطبري تحليل و نقد، منشورات دار مكتبة الحياة، الطبعة الثالثة، بيروت، 1397هـ1977م، ص94
([33]) . وهو أبو حنظلة، مالك بن نويرة بن جَمرة التميمي اليربوعي . كان مالك من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله، والإمام عليّ عليه السلام. نصّبه النبيّ صلى الله عليه وآله وكيلاً عنه في قبض زكاة قومه وتقسيمها على الفقراء. رفض بن نويرة مبايعة أبي بكر، وأنكر عليه تسلّمه قيادة الأُمّة أشدّ الإنكار، وعاتبه بقوله: «أربع على ضلعك، والزم قعر بيتك، واستغفر لذنبك، وردّ الحقّ إلى أهله، أما تستحيي أن تقوم في مقام أقام الله ورسوله فيه غيرك، وما ترك يوم الغدير [لأحد] حجّة ولا معذرة» كما أنّه امتنع من دفع الزكاة إليه، وقام بتقسيمها على فقراء قومه. كان مالك يعتقد بإمامة وخلافة الإمام عليّ(عليه السلام) بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولهذا رفض مبايعة أبي بكر باعتباره غاصباً لمقام الخلافة، ومن هنا امتنع من إعطاء الزكاة إليه لأنّه خليفة غير شرعي. هذا وأرسل أبو بكر جيشاً بقيادة خالد بن الوليد لمحاربة مالك وقومه إن لم يدفعوا له الزكاة، سار خالد نحو البطاح ـ مقرّ سكنى مالك وقومه ـ حتّى وصلها ليلاً، فأخذ قوم مالك أسلحتهم للدفاع عن أنفسهم، فقالوا: إنّا لمسلمون، فقال قوم مالك: ونحن لمسلمون، فقالوا: إن كنتم مسلمين كما تقولون فضعوا السلاح، فوضع قوم مالك السلاح، ثمّ صلّى الطرفان، فلمّا انتهت الصلاة قام جماعة خالد بمباغتة أصحاب مالك، فكتّفوهم بما فيهم مالك، وأخذوهم إلى خالد بن الوليد. وبعد حوار دار بين الطرفين، ادّعى خالد أنّ مالكاً ارتدّ عن الإسلام، وشهد لخالد اثنان من جماعته وهما: أبو عتادة الأنصاري، وعبد الله بن عمر بن الخطّاب، بأنّ مالكاً لا زال مسلماً، ولكنّ خالد لم يُلق إذناً صاغية، لا لكلام مالك ولا للشهادة التي قيلت بحقّه. فأمر بضرب عنق مالك وأعناق أصحابه، وسبي نسائهم، ثمّ قبض على أُمّ تميم (زوجة مالك) ودخل بها في نفس الليلة التي قتل فيها زوجها مالك.
([34]) . الهطلاني، ص49.
([35]) . بن بشر، المجلد الثاني، ص117.
([36]) . بن غنام، ص13.
([37]) . آل سيف، فوزي، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة، ص127.
([38]) . الشوفاني، ص106.
([39]) . الهطلاني، ص51.
([40]) . الهطلاني، ص52-54.
([41]) . السعيدي، الشيخ العلامة صفي الدين اجمد بن عبدالله بن محمد بن عبدالرزاق،صاعقة العذاب على من خالف نصر السنة والكتاب واتبع مذهب ابن عبدالوهاب من أصحاب مسيلمة الكذاب، مخطوطة كتبت عام 1228.
([42]) . ينوه الهطلاني إلى أن قضية الحسين هي قضية محورية لدى الشيعة (الهطلاني، ص42).
([43]) . الهطلاني، ص22-25.
([44]) . الهطلاني، ص25.
([45]) . الغليقة، خالد بن عبدالله، مكانة المنطقة الشرقية في السعودية إخراجها من مسمى الجزيرة العربية خطأ فقهي وسياسي وسيادي، الدار العربية للموسوعات، الطبعة الأولى، بيروت، 2006- 1427، ص5.
([46]) . الغليقة، ص6.