لمحة عن أبي المحاسن الكربلائي ودوره في ثورة العراق الكبرى 1920م
المقدمة
شهد القرن الماضي ظهور عدد كبير من الوطنين الذين كان لهم دور مؤثر في الحياة الاجتماعية والسياسية في تلك الحقبة، لم ينل بعضهم ما يستحق من عناية الباحثين والدارسين ومن هؤلاء الوطنين المجاهد الشيخ محمد حسن أبي المحاسن (1876هـ -1926م) الذي يعد من كبار مجاهدي كربلاء في مطلع القرن العشرين.
والمعروف عن أبي المحاسن انه بلغ أوج عظمته في زمن الشيخ محمد تقي الشيرازي (1256-1338هـ)، فاكتسب لقب بطل ثورة العشرين وشاعرها اللامع وذلك بفضل سياسته وبعد نظرهِ وحنكتهِ في التعامل مع الثوار من جهة والوقوف ضد قوات الاحتلال من جهة أخرى.
لم يكن الشيخ أبو المحاسن إقطاعيا متخلفا أو منطويا على أملاكه وثرواته بل كان طموحا ذكيا مثقفا واعيا، عاش بمستوى الظرف السياسي الذي كان فيه،إذ أصبح وطنيا غيورا من خلال مشاركته في ثورة العشرين الكبرى دفاعا عن الوطن الغالي كما كان في مقدمة من خطط للثورة وله فيها قصائد وطنية ومشاركات سياسية وخطب حماسية عدة تعبر عن وجهة نظر الثوار وأملهم في مستقبل مشرق تتحد فيه المنطقة العربية لتولف دولة العرب الكبرى،إذ قال أبو المحاسن:
فمتى تؤلف وحدة عربية |
|
وطنية الإصدار والإيراد |
ولم يكتف عند هذا الحد بل كان ممن نادى بان يكون للعراق دولة عربية يحكمها ملك عربي من أنجال الشريف حسين،فلا غرابة إن أصبح وكيلا للمرجع الشيرازي أيام الثورة الذي يمثل مركز القيادة الدينية التي باركت الثورة ودعت إليها.
كان أبو المحاسن على علاقة وثيقة مع رجال ثورة العشرين والعلماء الذين قادوا الثورة بوجه الانكليز،وأسهم في تأسيس الأحزاب، ومثل العلماء في المجالس الوطنية، كما كان يحظى بثقة العلماء وتقديرهم.
قسم البحث على محورين؛ الأول:خصص لبيان اسم أبي المحاسن وكنيته ولقبه وسبب هجرة عائلته إلى كربلاء، ونشأته ودراسته في مدارس كربلاء أما المحور الثاني:فتناول دراسته ودوره الوطني في ثورة العشرين وأخيرا خاتمة البحث والتي تضمنت أهم الاستنتاجات التي توصلنا إليها.
ولقد اعتمدنا على جملة من المصادر والمراجع التاريخية، كذلك أفادتنا الدراسة التي كتبها حفيده الباحث نوري كامل محمد حسن،إذ أن حفيده اعرف من غيره بأمور جده وأسرته.
أهداف البحث:
من اجل أن يعرف جهاد ونضال أبناء كربلاء وعلى مختلف العصور، ومن هذه الشخصيات التي خدمت عراق الرافدين قولا وفعلا (أبو المحاسن) والذي تغطي فترة حياته حقبة زمنية مهمة من تاريخ العراق الحديث والمعاصر،إذ انه يشكل حلقة مهمة في تاريخ الحركة الوطنية في محاربة الاستعمار،إضافة إلى انه رفد الحركة الوطنية في كربلاء المقدسة بنتاجه الأدبي شعرا ونثرا، قد سلط البحث الضوء على شخصية من شخصيات كربلاء والتي كان لها دور مهم في تاريخ ثورة العشرين آملين من كل الباحثين أن يسلطوا الأضواء على كل شخصيات كربلاء النضالية و الجهادية من أجل إظهار تاريخ كربلاء المشرق.
ونسال الله أن نكون قد وفقنا في كشف صفحة جديدة من عطاء وطني مجاهد كاد الزمن أن يأتي عليه فيضيع كما ضاعت صفحات ناصعة أخرى من تراث كربلاء المقدسة.
مشكلة البحث:
كل من يريد أن يكتب عن شخصيات كربلاء المقدسة الوطنية والأدبية سيواجه بعض الصعوبات وذلك لأن كل الأنظمة التي حكمت العراق بعد ثورة 1958م حاولت وبكل الطرق المتاحة لها إخماد هذه الأقلام التي تريد أن تكتب عن تراث كربلاء المقدسة إلا القليل منها يكتب هنا وهنا والتي لا تكتب وبشكل مفصل عن هذه الشخصيات خوفا من أزلام تلك الأنظمة. لكن بعد عام 2003م استطاع الكتاب من نشر على الأقل ما هو مخفي عن هذه الأجيال لكي يتعرف عليها الجميع وبكل مصداقية.
المبحث الأول: اسمه وكنيته ولقبه:
هو محمد حسن بن الشيخ حمادي بن محسن بن سلطان آل قاطع الجناجي الكربلائي(1)، والجناجي(2)، نسبه لقرية جناجة من قرى جنوبي الحلة(3)، وقد هاجر عنها جد الشاعر (محسن)، وأقام في كربلاء بعد أن جفت مياهها واشترى أملاكا وغرس بستانين في الضفة الشرقية من نهر الهندية وأطلق على المنطقة اسم قريته القديمة فكانت (جناجة الهندية)(4) و هناك رأي آخر لهجرة هذه الأسرة إلى كربلاء المقدسة وهو أن هذه المدينة المقدسة من المدن الجاذبة للسكان بسب مركزها الديني، لاحتضانها مرقد سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي 3، فأصبحت المدينة المباركة دار أقامة وهجرة لكثير من طلاب العلوم الدينية على عهد السيد الطباطبائي صاحب الرياض، والشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق ومحط رحال عدد كبير بعد ذلك من ذوي العلم والأدب والنباهة من عائلات كربلاء المعروفة(5).
لذلك حظيت هذه المدينة بمكانة مرموقة في استقطاب الآلاف من الزوار الذين يفدون إليها للتشرف بالزيارة واقتناء ما يحتاجون إليه من بضائع ثم إن خصوبة أرضها ووفرة مياهها جعلها من المدن الزراعية المهمة في القطر العراقي(6).
وال قاطع بطن من آل علي : (وهى قبيلة كبيرة تسكن الشامية تنتمي إلى بني مالك من كندة هي عائلة كبيرة ممتدة من الحلة إلى البصرة من قبل الإسلام و قد حكمة العراق في الجاهلية منها الشاعر أمرؤ القيس)(7).
وأما أبو المحاسن فهي كنية أطلقها عليه الزعيم الروحي لثورة العشرين العلامة المرحوم الشيخ محمد تقي الشيرازي الحائري(8) فهي كنيه خاصة بهذا الرجل ولا توجد في كربلاء المقدسة أسرة تعرف بـ(آل أبي المحاسن)(9).
ولد الشيخ في مدينة كربلاء المقدسة سنة 1293هـ/1876م و بها نشأ وتلقى تعليمه في كتاتيبها ودرس على أفاضل علمائها وأدبائها واقترن بكريمة إحدى أسرها العلوية فلقب بـ(الكربلائي)(10).
نشأته وتلقيه العلم:
نشأ محمد حسن في عائلة دينية ووسط إسلامي موفورة الجاه والنعمة(11)، وتهيأت له في بادئ الأمر أسباب الدرس والتحصيل،فتلقى دروسه الأولى في الكتاتيب(12)، حيث كان التعليم في الكتاتيب هو الشكل الوحيد لأنماط التعليم في كربلاء المقدسة منذ السيطرة العثمانية على العراق وحتى عام 1891(13)، حيث بدا افتتاح المدارس الحديثة في المدينة(14).
كان انتشار الكتاتيب في كربلاء المقدسة أمرا ملحوظا في ظل وجود رجال الدين ورعايتهم فلا غرابة أن نجد أكثر مثقفي العراق في تلك الحقبة هم من خريجي الكتاتيب التي كانت لها منزلة المدارس الابتدائية في عصرنا هذا(15)، ولم يكن آنذاك مجال للدراسة في مدارس الدولة لقلة وجودها وصعوبة تحقيق الالتحاق بها في عاصمة الدولة(16) .
ولما كانت كربلاء تنتعش فيها الثقافة الدينية وتقوم مدارس حوزتها بنشر فقه الإسلام وأصوله وعقائده والعناية بلغة القران الكريم تفسيرا ونحوا وبلاغة وغير ذلك،فقد أصبح محط أنظار العلم ومقصد الآلاف من رجال الفقه(17).
درس أبو المحاسن الفقه والأدب واللغة على يد عدد من علماء كربلاء المقدسة فاخذ الأدب عن الشاعر الكبير كاظم الهر الحائري واخذ العلوم الأخرى على يد العديد من العلماء في عصره، وبرز كشاعر سياسي وطني موهوب طبقت شهرته الأندية الأدبية، من خلال ثقافته والماما بكل المقدمات بطل الثورة وشاعرها اللامع(18).
ولتقدمه في ثقافته وإخلاصه لوطنه أصبح وكيلا للمرجع الكبير محمد تقي الشيرازي وهذه درجة لا تمنح إلا لمن يحصل على وفرة من العلم والثقافة الدينية وهذا يدل أيضا على ثقة المرجع الشيرازي أبي المحاسن من جانب علميته وإخلاصه و وعيه وحنكته السياسية(19).
المبحث الثاني: دوره الوطني في ثورة العشرين
عندما انتفض العراق على الاحتلال البريطاني سنة 1920 كانت مدينة كربلاء المقدسة من المراكز الأساسية للشعور الوطني والحركة القومية في العراق(20)، بل كانت مركز الثورة بسبب إقامة زعيمها الروحي الشيخ محمد تقي الشيرازي ردحا من الزمن فيها، وكان محمد حسن أبو المحاسن رجلا ناضجا اختير عن وعي أن يكون مع الثوار فكان من ابرز أعضاء (الجمعية الإسلامية) التي ألفها في أعقاب الحرب العالمية الأولى التي ترأسها الميرزا محمد رضا(21)، نجل زعيم الثورة وانتمى إليه العديد من الشخصيات الدينية والوطنية المقدسة ومنهم هبة الدين الشهرستاني والسيد حسين القزويني و السيد عبد الوهاب ال وهاب وعبد الكريم العواد وعمر العلوان وعثمان العلوان وطليفح الحسون ومحمد علي أبو الحب(22) .
كان من أهداف هذه الجمعية العمل ضد حكومة الاحتلال البريطاني فضلا عن تأسيس جمعية أخرى سميت (الجمعية الوطنية الإسلامية) ضمت في عضويتها عبد الحسين المندلاوي ومحمد حسن أبا المحاسن ويحيي الزرندي وكاظم أبا آذان وعبد الحسين الحائري ومن أهدافها العمل ضد حكومة الاحتلال البريطاني وتحرير العراق وتأسيس حكومة مستقلة فيه(23).
وكانت هذه الجمعية على غرار جمعية النهضة الإسلامية التي أسسها رجل الدين محمد بحر العلوم في النجف الاشرف عام 1918م، وكان لها دور في تهيئة الرأي العام وحث أبناء الشعب على رفع صوته للمطالبة بحقوقه المشروعة تحت شعار:
الاجتهاد الاجتهاد أيها الوطنيون
السعي السعي أيها العراقيون(24)
عملت هاتان الجمعيتان على إثارة الجماهير من خلال نشاط أعضائها بعقد الاجتماعات والمجالس ونشر الرسائل والمنشورات والكتب على الرؤساء والوجهاء والأعيان في البلاد وكان من أهم شعاراتها الوطنية التي أثارت الحماسة وروح التحرر في البلاد شعارات (حب الوطن من الإيمان) و(للوطن نحيا وللوطن نموت)(25)، وكانت هاتان الجمعيتان على صلة مع حزب حرس الاستقلال(26) في البلاد.
برز دور أبي المحاسن في كربلاء المقدسة واضحا في تأجيج الحماس عن طريق الوطنية في أثناء ثورة العشرين الخالدة(27)، ففي الاجتماع الذي عقد في الصحن الحسيني الشريف لأداء القسم، وفي مذكرات الأديب علي غالب الخزرجي(28)، حضر الاجتماع جمع كبير من مثقفي المدينة وشعرائها لإثارة الحاضرين بخطبهم وقصائدهم، ويذكر الخزرجي إن الشيخ مهدي الخالصي اعد خطبة ثورية بتاريخ 26 رمضان سنة 1338هـ - وهو عام ثورة1920 هاجم الانكليز فيها بشدة بقيت ثلاثة أيام لم يجرأ احد على إلقائها، وكان مضمون الخطبة حث الحاضرين على طرد الانكليز والتخلص من الهيمنة الأجنبية وتحقيق الاستقلال لهذه البلاد ومن ثم أعقبه الشيخ أبو المحاسن الكربلائي بخطبة ثورية أخرى حرض المواطنين فيها على السعي لتحقيق الاستقلال الوطني وتشكيل حكومة أهلية دستورية نيابية، وذكر الحاضرين بموقف سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي8 عندما ضحى من اجل المبادئ والقيم.. وعلى الجميع أن يقفوا صفا واحداً للتخلص من الاستعمار البغيض(29).
تميزت خطبة أبي المحاسن الكربلائي بتأثيرها الكبير على المحتشدين بسبب اختياره الألفاظ والمعاني المثيرة لعواطف المستمعين،ثم ألقى قصيدة لامية حماسية تقع في ثلاثة وعشرين بيتا قال في مطلعها:
وثق العراق بزاهر استقباله |
|
والشعب متفق على استقلاله |
ثم اقسم الحاضرون فردا فردا وبالقران الكريم وبأمانة وشرف سيد الشهداء في الدفاع عن البلاد، وقد اشرف على أدائهم اليمين السيد عبد الوهاب آل وهاب(31).
تشعب نشاط أبي المحاسن الكربلائي في هذه الفترة بين إذكاء الوعي الوطني والحماس الثوري وإظهار قبح المحتل البريطاني و أعماله الوحشية وكلاهما كانا يمثلان ذروة نشاطه الوطني والسياسي يومئذ وكان أداة وصل بين رجال الدين والمثقفين وقادة الحركة الوطنية بتبادل الرسائل فيما بينهم وكانت تلك الرسائل تتضمن الاستمرار بمطالبة حقوق الشعب وطرد الانكليز من البلاد وتحقيق الاستقلال التام(32).
لم يتوقف دور أبي المحاسن عند هذا الحد بل تجاوز إلى ابعد من ذلك فعندما حرر الثوار مدينة كربلاء المقدسة تم تشكيل مجالس لإدارة المدينة وحفظ الأمن والنظام فيها وكان الشيخ محمد حسن أبو المحاسن يمثل العلماء في هذه المجالس تحت إشراف العلامة محمد تقي الشيرازي وهذه المجالس هي:
1.المجلس الحربي الأعلى: ويتألف من رئيس وأربعة أعضاء هم السيد هبة الدين الشهرستاني والسيد أبو القاسم الكاشاني والشيخ احمد الكربلائي والسيد محسن أبو طبيخ والشيخ عبد الحسين نجل الشيرازي وأسندت رئاسته للسيد هبة الدين الشهرستاني.
2.المجلس الملي(التنفيذي): تكون هذا المجلس من علماء الدين في كربلاء ومنحت رئاسته لأكبرهم سنا وهو رئيس خدمة الروضة الحسينية المقدسة وقد رفع راية الإسلام في الاجتماع يوم الاحتفالية لأنه أكبرهم سناً و كان من بغداد ناجي السويدي و علي البزركان و جعفر(أبو التمن) و طه الشيخ أحمد و آخرين واختص بالنظر في شؤون كربلاء وما حولها من المناطق الإدارية كما يقوم بتنفيذ متطلبات المجلس الحربي الأعلى. ويرفع المناقشات لذلك المجلس للمصادقة أو البت في مجمل القضايا التي تدور فيه، وكانت بناية بلدية كربلاء المقدسة المقر الرسمي له ويجتمع أعضاؤه للنظر في شؤون الثورة والثوار ومن ابرز أعضائه عبد الوهاب آل وهاب وهادي الحسون وعلوان جار الله ومحمد الشبيب وعبد علي الحميري وغيرهم، و المجلس الملي يعد بمثابة أول برلمان عراقي أسس في كربلاء.
3.المجلس العلمي الأعلى: تشكل هذا المجلس من إعداد كبيرة من رجال الدين في كربلاء المقدسة ومهمته تعبئة المواطنين في المدن والعشائر وحثهم على المساهمة في الثورة وقتال الانكليز وكان أبو المحاسن الكربلائي يمثل همزة الوصل بين العلماء ورؤساء العشائر.
4.مجلس جمع الإعانات للمعوزين من الثوار و كان برئاسة السيد عيسى البزاز وهو من أكبر التجار وكانت أغلب مجالس الثورة تعقد في بيته في محلة باب الطاق القريب من بيت عبد الواحد الحاج سكر، ومحمد العبطان شيخ الخزاعل و كذلك سعد قندي وهو تاجر أيضاً و السيد محمد رضا فتح الله من آل طعمة ومحمد حسن أبي المحاسن والحاج حيدر القصاب والسيد احمد زيني(33).
وبسبب نشاطه الثوري ومواقفه الوطنية كان احد المطلوبين من بين احد سبعة عشر شخصا طاردتهم القوات البريطانية، حيث تمكنت من اعتقاله مع أولئك الأشخاص وإيداعه في سجن الحلة(34) وحكم عليهم بأحكام مختلفة ولهذا يعد أبو المحاسن (أشهر وطني وسياسي عرفته السجون حيث تغنى بالحرية ومجد التضحية في سبيل الشعب وعاش السجن بالأمة ومكارمه من اجل حرية الوطن واستقلاله)(35). ومن قصائده الوطنية التي كتبها وهو في السجن قصيدة دالية تقع في تسعة وثلاثين بيتا،أولها قوله(36):
يا أيها الوطن العزيز لك الهنا |
|
قد نلت اشرف غاية ومراد |
وهذه القصيدة تنفجر حبا لا امة العرب وفخرا بها ودعوة إلى إعادة أمجادها، ودعا إلى قيام الوحدة العربية بقوله فيها:
فمتى تولف وحدة عربية |
|
وطنية الإصدار والإيراد |
وبعد قيام الدولة العراقية الحديثة وبتاريخ (3/12/)1923 صدرت إرادة ملكية بإسناد منصب وزارة المعارف إلى الشيخ محمد حسن أبي المحاسن الكربلائي، من فضلاء كربلاء ورجالها العاملين في الحقل الوطني(38) واستمر في هذا المنصب لمدة خمسة أشهر وعشرين يوما، ثم لم يتفق مع زملائه الوزراء في قضية المعاهدة العراقية البريطانية التي رأى أن تعدل قبل عرضها على المجلس، وكان رأي المحتل أن يترك التعديل إلى ما بعد الإبرام مما أدى إلى استقالة أبي المحاسن من منصبه بتاريخ (27/5/1924)(39)، ويذكر هنا انه ثمة سبب آخر لاستقالة أبي المحاسن من وزارة المعارف خلاصته أن الملك فيصل الأول اصدر حكما غير قابل للنقض بجعل ساطع الحصري مدير للمعارف وأعطاه حصانة من تولية الحكومات وصرفها، وكانت له صلاحيات واسعة كصلاحيات الوزير ولم يتحمل أبو المحاسن أن ينقض الحصري أوامره فاثر أن ينسحب بهدوء،ولا يستبعد الباحثان أن يكون للطائفية مكان في ذلك الصراع(40) وباستقالة أبي المحاسن من منصبه الوزاري عاد إلى نشاطه الأدبي والاجتماعي إذ كان مرتبطا بعلاقات ودية حميمة مع العلماء والأدباء وغيرهم من وجوه المجتمع، إلى أن كان يوم زيارته جناجة لتفقد أملاكه فداهمه الموت وهو على ظهر جواده، فنزل من على الجواد واضطجع مستقبلا القبلة، ووجد ميتا والى جنبه حاجاته التي كان يحملها(41)، وكان ذلك يوم الخميس ثالث عشر أيام شهر ذي الحجة لسنة 1344هـ (1926م) وهكذا رحل هذا الوطني المجاهد بهدوء (فلم يحدث خبر موته ضجة في الصحف ولم تنظم القصائد ولم تكتب المقالات في تأبينه وبيان ماله من المنزلة الوطنية السامية وما لحق الوطن بموته من خسارة فادحة)(42).
الخاتمة
من خلال ما تقدم ذكره في هذا البحث المتواضع،لابد لنا أن نشير في هذا الموضع،ما توصلنا إليه، وهو بكل تواضع يشمل النقاط التالية :
1.كانت بدايات العمل الوطني في حياة الشيخ أبي المحاسن الكربلائي متمثلة في اشتراكه في محاربة الانكليز من خلال خطبته الثورية وقصائده الحماسية بتأثير الفتوى الدينية التي أصدرها رجل الدين الشيرازي في كربلاء المقدسة.
2.كان من البارزين في قيادة ثورة العشرين والداعين إليها والمعتقلين بسببها والمطالبين بالاستقلال وبتشكيل مملكة عربية في العراق.
3.كان من المعارضين للمعاهدة العراقية البريطانية 1922 المحسنة لصورة الانتداب نتيجة تأثره بفتوى العلماء حيث كلفة الموقف تقديم استقالته من منصب وزارة المعارف.
4.جسد أبو المحاسن الكربلائي امتزاج الشعور الديني بالوطني والقومي .حيث استطاع أن يلهب مشاعر الجماهير ضد الاستعمار من خلال المناسبات الدينية ودورهُ فيها فضلا عن علاقاته مع زعماء الحرية الوطنية ورجال الدين.
5.على الدارسين أن يهتموا بمجاهدي المدن العربية الذين لم ينالوا ما ناله اقرأنهم من مجاهدي الحواضر العربية،أو العواصم،علما إنهم مبدعون ثائرون من اجل تحرير بلادهم من نير المحتل الأجنبي.
ورغم كل ذلك إن البحث المنصف يتطلب منا أن نعطي هذا الرجل كل حقه وان كانت خطة البحث التي التزمنا بها تقتضي عدم الإسهاب والسرد بل تسليط الضوء على الأهم والمهم في حياة ذلك الرجل وختاما نأمل ان نكون قد وفقنا في إعداد هذا البحث ومن الله التوفيق.
هوامش البحث:
1. خضر عباس الصالحي، شاعرية أبي المحاسن،مطبعة الآداب،النجف الإشراف، 1965، ص13، سلمان هادي آل طعمة، دراسات في الشعر العراقي الحديث، دار البيان العربي، بيروت، 1993، ص128.
2. يبدوان خطأ مطبعيا صير كلمة (الجناجي): (الجناجي) في معجم الشعراء العراقيين، جعفر صادق حمودي التميمي، ص322 إذ لم أجد الشاعر (جناجيا) في غيرة من المصادر.
3. ديوان أبي المحاسن الكربلائي، ترجمة صاحب الديوان التي كتبها محمد علي اليعقوبي، مطبعة الباقر، النجف الاشرف، 1963،ص9.
4. نوري كامل محمد حسن، ديوان أبي المحاسن الكربلائي، دراسة في حياته واتجاه شعره السياسي، مؤسسة العارف للمطبوعات، بيروت، 2000،ص52-53.
5. وقائع الندوة العلمية التي عقدت في لندن، دراسات حول كربلاء ودورها الحضاري، مؤسسة الزهراء،الكويت، 1966،ص99.
6. المصدر نفسه،ص105.
7. نوري كامل،المصدر السابق،ص53.
8. المصدر نفسه،ص54.
9. ممن وقع في هذا الوهم الباحث سلمان هادي آل طعمة في كتابه عشائر كربلاء وأسرها، ص542.
10. نوري كامل، المصدر السابق،ص51-52؛ عبود جودي الحلي، الأدب العربي في كربلاء من إعلان الدستور العثماني إلى ثورة تموز 1958 إتجاهاته و خصائصه الفنية، ط2 (كربلاء 2009)، 78 - 79.
11. سلمان هادي آل طعمة، أبو المحاسن الكربلائي،الشاعر الوطني الخالد، مطبعة كربلاء، 1962،ص7.
12. الكتاتيب:هي جمع لكلمة (كتاب)، وتطلق على أماكن الدرس لدى بعض الإفراد من أهل العلم، ويعلمون فيها الصبيان.
13. آلاء عبد الكاظم جبار،موقف الفئة المثقفة في كربلاء من التطورات السياسية في العراق -دراسة تاريخية، رسالة ماجستير غير منشورة،جامعة الكوفة، كلية الآداب، 2007، ص22.
14. آلاء عبد الكاظم جبار،موقف الفئة المثقفة في كربلاء من التطورات السياسية في العراق -دراسة تاريخية، مصدر سابق،ص23.
15. آلاء عبد الكاظم،مصدر سابق،ص23.
16. فيصل عبد الجبار وعلي الحسناوي، تاريخ التعليم في كربلاء 1914-1932، مجلة كربلاء،ة العدد 3/نيسان/2005،ص81.
17. فيصل عبد الجبار وعلي الحسناوي،مصدر سابق،ص83.
18.عبود جودي الحلي، محمد عبد الحسين الخطيب، أوراق ضائعة من ديوان أبي المحاسن الكربلائي،مجلة جامعة اهل البيت،العدد13،/2005،ص70
19.عبود جودي الحلي،مصدر سابق،ص70.
20.علي الحسناوي، دور أهالي كربلاء في ثورة العشرين،مجلة جامعة كربلاء، العدد 5/حزيران/2005، ص8.
21. محمد رضا : وهو الابن الأكبر للشيخ محمد تقي الشيرازي وساعده الأيمن في تأجيج ثورة 1920 ضد قوات الاحتلال البريطاني وكان صلة الوصل بين والده والعشائر العراقية الثائرة ولقي في سبيل ذلك متاعب ومعاناة كبيرة،إذ اعتقل ودخل السجن ثم نفي إلى جزيرة هثمام.
للمزيد من التفاصيل ينظر :محمد الحسيني الشيرزاي،تلك الأيام- صفحات من تاريخ العراق السياسي،بيروت،2000،ص15.
22. حسين فهمي الخزرجي، لمحات خالدة من ثورة العشرين، كربلاء 2009، ص55؛صالح عباس الطائي،عبد الواحد الحاج سكر ودوره الوطني في تاريخ العراق المعاصر حتى عام 1956م، رسالة ماجستير غير منشورة، معهد التاريخ العربي والتراث العلمي للدراسات العليا، بغداد، 2003،ص18-20.
23.عبد الجبار حسن الجبوري، الأحزاب والجمعيات السياسية قي القطر العراقي 1908-1958، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1977،ص45.
24.عبد الرزاق الوهاب، كربلاء في التاريخ، ج3، مطبعة الشعب، بغداد، 1935، ص34.
25.آلاء عبد الكاظم،مصدر سابق، ص.87
26.وهي جمعية سرية تأست في بغداد أواخر شباط 1919 من قيل مجموعة من الشباب الوطني المتحمس، وقد جاء في منهاجها السياسي إنها تسعى لاستقلال العراق استقلالا تاما. وقد اندمجت بها جمعية سرية أخرى هي جمعية الشبيبة بسبب وحدة الهدف والعلاقة المتينة التي تربط بين أعضائها .استطاعت الجمعية من أن تأسس لها مدرسة أهلية في أيلول 1919 اتخذت مركزاً لنشاطها السري وقد توسعت تنظيماتها لتشمل العديد من مدن الفرات الأوسط .
للمزيد من التفاصيل ينظر :عبد الرزاق الحسني،تاريخ الأحزاب السياسية العراقية 1918-1958، بيروت، ص16-22.
27. آلاء عبد الكاظم،مصدر سابق،ص98.
28. علي غالب الخزرجي (1904-1982) أديب ومثقف كربلائي ولد في النجف ثم هاجر إلى كربلاء ودرس على علماء المدينة وهو من المقربين للشيخ الشيرازي وكان يطلق علية الشيرازي (صغير القوم) لصغر سنه، نظم الشعر الفصيح،طبع له كتاب (مصباح الظلمتين) وجمع شعره في ديوانين وله عدة مؤلفات ينظر ألاء عبد الكاظم، مصدر سابق،ص98.
29. علي غالب الخزرجي،مذكرات الخزرجي،مخطوط محفوظ في مكتبة حسين فهمي الخزرجي ورقة(2).
30. سلمان هادي آل طعمة،كربلاء في ثورة العشرين،بيان للنشر والتوزيع،بيروت، 2000، ص75.
31. احمد حسن أبو طبيخ،السيد محسن أبو طبيخ سيرة وتاريخ،مطبعة الزمان،بغداد،1999، ص100.
32. علي الحسناوي، مصدر سابق، ص9؛ عبود الحلي، مصدر سابق ص82.
33.سلمان هادي آل طعمة، تراث كربلاء، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، بيروت، 1983، ص398؛ محمد باقر البهادلي، السيد هبة الدين الشهرستاني، آثاره الفكرية ومواقفه السياسية، شركة الحسام للطباعة الفنية المحدودة، بغداد،2001، ص134.
34.عباس علوان الصالح،صفحات مطوية في تاريخ ثورة العشرين،المجتمع، جريدة كربلاء،العدد 80/تموز/1971.
35.عبود الحلي ومحمد الخطيب،مصدر سابق،ص70.
36.ديوان أبي المحاسن الكربلائي،مصدر سابق،ص52-54.
37.المصدر نفسه،ص54.
38. عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارات العراقية،ج1، دار الشؤون الثقافية العامة، بيروت،1983، ص192.
39.المصدر نفسه، ص192.
40.عبود الحلي ومحمد الخطيب، المصدر السابق،ص70.
41.سلمان هادي،أبو المحاسن الشاعر الوطني الخالد، مصدر سابق،ص14.
42.المصدر نفسه،ص15.
قائمة المصادر و المراجع
1- أحمد حسن، أبو بطيخ، السيد محسن أبو بطيخ سيرة و تاريخ، مطبعة الزمان، بغداد، 1999.
2- آلاء عبد الكاظم جبار، موقف الفئة المثقفة في كربلاء من التطورات السياسية في العراق - دراسة تاريخية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الكوفة، كلية الآداب، 2007.
3- حسين فهمي الخزرجي، لمحات خالدة من ثورة العشرين، كربلاء، 2009.
4- خضير عباس الصالحي، شاعرية أبي المحاسن، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، 1965.
5- ديوان أبي المحاسن الكربلائي، ترجمة صاحب الديوان التي كتبها محمد علي اليعقوبي، مطبعة الباقر، النجف الأشرف، 1963.
6- سلمان هادي آل طعمة، دراسات في الشعر العراقي الحديث، دار البيان العربي، بيروت، 1993.
7- سلمان هادي آل طعمة، أبو المحاسن الكربلائي الشاعر الوطني الخالد، مطبعة كربلاء، كربلاء 1962.
8- سلمان عادي آل طعمة، كربلاء في ثورة العشرين، بيان للنشر و التوزيع، بيروت، 2000.
9- صالح عباس الطائي، عبد الواحد الحاج سكر ودوره الوطني في تاريخ العراق المعاصر حتى عام 1956، رسالة ماجستير غير منشورة، معهد التاريخ العربي و التراث العلمي للدراسات العليا، بغداد، 2003.
10- علي غالي الخزرجي، مذكرات الخزرجي، مخطوط مكتبة حسين فهمي الخزرجي.
11- عبد الرزاق الحسني، تاريخ الأحزاب السياسية العراقية 1918- 1958، بيروت،1985.
12- عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارات العراقية،ج1، دار الشؤون الثقافية العامة، بيروت، 1983.
13- عباس علوان الصالح، صفحات مطوية في تاريخ ثورة العشرين ن المجتمع، جريدة كربلاء،العدد 80/تموز /1971.
14- عبد الرزاق الوهاب، كربلاء في التاريخ،ج3، مطبعة الشعب،بغداد،1935.
15ـ عبد الجبار حسن الجبوري، الأحزاب والجمعيات السياسية في القطر العراقي 1908 ـ 1958، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1977.
16ـ عبود جودي الحلي، الأدب العربي في كربلاء من إعلان الدستور العلماني إلى ثورة تموز 1958 اتجاهاته وخصائصهِ الفنية،ط2، كربلاء، 2009.
17ـ عبود جودي الحلي وعبد الحسين الخطيب،أوراق ضائعة في ديوان أبي المحاسن الكربلائي، مجلة جامعة أهل البيت، العدد،2005.
18ـ علي الحسناوي، دور أهالي كربلاء في ثورة العشرين،مجلة جامعة كربلاء،العدد 5/حزيران /2005.
19ـ فيصل عبد الجبار وعلي الحسناوي، تاريخ التعليم في كربلاء 1914
ـ 1932،،مجلة كربلاء،العدد 3/نيسان /2005.
20ـ محمد الحسيني الشيرازي،تلك الأيام ـ صفحات في تاريخ العراق السياسي، بيروت، 2000.
21- محمد باقر البهادلي، السيد هبة الدين الشهرستاني، آثاره الفكرية و موقفه السياسية، شركة الحسام للطباعة الفنية المحدودة، بغداد، 2001.
22- نوري كامل محمد حسن، ديوان أبي المحاسن الكربلائي، دراسة في حياته و اتجاه شعره السياسي، مؤسسة المعارف للمطبوعات، بيروت، 2000.
23- وقائع الندوة العلمية التي عقدت في لندن، دراسات حول كربلاء ودورها الحضاري، مؤسسة الزهراء، الكويت، 1966.