المسؤولية الوزارية – دراسة مقارنة
المقدمة
تعد المسؤولية الوزارية واحدة من المواضيع الدستورية البالغة الأهمية والتي ترددت بين النص عليها وعدم الاشارة إليها في الأنظمة الدستورية.
في النظام البرلماني يأتي النص واضحاً وصريحاً على مسؤولية رئيس وأعضاء مجلس الوزراء عن أعمالهم السياسية أمام البرلمان.
أما في النظام الرئاسي حيث ينفرد رئيس الدولة بتعيين الوزراء لا تنص الدساتير في ظل هذا النظام على المسؤولية الوزارية ولكن هذا لا يعني عدم مسؤولية الوزير عن أعماله الخاطئة بل يفهم ضمناً أن الوزير مسؤول عن أعماله امام من استقل بتعيينه ويفهم ضمناً أيضاً أن من له صلاحية التعيين له صحية الإقالة.
ومن الدساتير من يمارس مهام الوزير مجرد سكرتير أو معاون لرئيس الدولة كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية في ظل دستور عام 1787م. ولكن هذا لا يعني أن المعاون أو السكرتير غير مسؤول عن أعماله بل هو محاسب عنها أمام رئيسه الأعلى (رئيس الدولة).
لقد أثرنا البحث في الموضوع لأهميته الدستورية ولكي أبرِّز الجوانب الأساسية فيه فجاء المبحث التمهيدي مشيراً إلى نشأة المسؤولية الوزارية مبتدأ بالشريعة الاسلامية ماراً ببريطانيا وفرنسا ومصر ومنتهياً بالعراق. وكرست المبحث الأول لدراسة أنواع ونطاق المسؤولية الوزارية ولكي تأتي الدراسة أكثر نفعاً وجدية بحثنا تطبيقات المسؤولية الوزارية في العراق وخصصت المبحث الثاني لذلك.
المبحث التمهيدي
تعدد الآراء التي طرحت حول معنى الوزارة فمنهم من ذهب إلى أنها مأخوذة من (الوزر) وهو الثقل لأن الوزير يحمل أعباء الدولة([1]). وورد هذا المعنى في قوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ومنهم من ذهب إلى أنها مأخوذة من (الوزَرَ) وهو الملجأ لأن الملك يلجأ إلى رأي وزيره وتدبيره وتستعمل كلمة الوزير بمعنى النصير و ورد في قوله تعالى ((واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي أشدد به أزري))([2]). وذهب فريق رابع إلى أنها مأخوذة من (الوزِرْ) وهو بمعنى الثقل لأن الوزير يحمل عن الحكومة أعباء الدولة ويدير شؤونها و ورد في قوله تعالى ((و وضعنا عنك وزركَ الذي أنقض ظهرك))([3]).
وعرفت لفظة وزير في فترات تاريخية موغلة في القدم ولكن كانت تطلق في تلك الفترة على من يمارس العمل الاستشاري أو من يرجع اليه في إبداء الرأي والمشورة ولم يكن للوزارة حتى العصر العباسي كيان خاص مستقل([4]). ومارس سيدنا يوسف مهام الوزير وإن لم يطلق عليه وزير بل أطلق عليه لفظة العزيز وهي لفظة مرادفة للوزير و ورد في قوله تعالى ((قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر))([5]). ولما تولى الإمام علي7 الخلافة اتخذ عدة وزراء ومستشارين له ومنهم عمار بن ياسر وعبد الله ابن عباس ومالك الاشتر([6])
وفي العصر الأموي أطلق لفظ الوزير على شخصيات تشارك عملياً في السياسة والإدارة([7]) ويذكر التاريخ أن الأمير عبد الرحمن الداخل اتخذ عدة أشخاص يعتمد عليهم في تصريف شؤون الدولة ومارس هؤلاء عملا يناظر العمل الذي يمارسه الوزراء في الوقت الحاضر ومنهم عبد الله بن عثمان وعبد الله بن خالد([8]).
وفي عهد الأمير عبد الرحمن الأوسط تحددت اختصاصات كل وزير وخصص الامير لاجتماعاتهم اليومية بيتاً رفيعاً داخل قصره فكان هذا البيت أشبه بمقر مجلس الوزراء (الحكومة) في وقتنا الحاضر.
وربما كان الأمويون أول من استخدموا منصب رئيس الوزراء بمعناه الحالي حيث كان من يمثل هذا المنصب بمثابة الوسيط بين الأمير والوزراء وله نوع من الرئاسة أو الأمرة على مستشاري (وزراء ) الأمير.
والوزارة لم تتمهد قواعدها وتتقرر قوانينها إلا في دولة بني العباس على الرغم من أن المفهوم الأموي للوزارة ظل سارياً ردحاً من العصر العباسي الاول([9]) وعرف بنو إسرائيل لفظة الوزير و ورد في قوله تعالى على لسان موسى7 (( واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي أشدد به أزري واشركه في أمري))( [10]) وقوله تعالى مستجيباً لموسى ((وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا))( [11]).
واتخذ الاسكندر المقدوني من أرسطو طاليس وزيراً له. وربما كان الفرس قد عرفوا هذا المنصب أكثر من غيرهم فان برز جمهر وزيراً أنوشروان في الدولة الساسانية.
وكان أبو سلمة الخلال أول من احتل منصب الوزير بمفهومه الحالي في عهد الخليفة أبو العباس السفاح([12]).
نشأة المسؤولية الوزارية في بريطانيا
كانت السلطة التنفيذية في إنكلترا في يد العرش ومجلسه الخاص الذي تفرع عنه فيما بعد مجلس الوزراء. وكان هذا المجلس يجمع بين أعضائه رجال السياسة والقضاء والجيش والمال والكنيسة. ونظراً لكثرة عدد أعضاء هذا المجلس وتنفيذاً لرغبة العرش في إسناد الأعمال التنفيذية إلى الأعضاء الذين يحوزون ثقته ويكونون على اتفاق معه في الرأي فقد عمد العرش منذ البداية إلى اختيار عدد قليل من أعضاء المجلس لهذا الغرض وتنشأ من فكرة اسناد مهام الدولة إلى هذا العدد القليل (مجلس الوزراء)([13]). ونشأة الوزارة في إنكلترا بشكل تدريجي من المجلس الخاص. وقبل عام 1466 كان الملك حراً في اختيار وزرائه سواء كانوا حائزين على ثقة البرلمان ام لا وبعد ثورة 1466 استقرت سلطة البرلمان واصبح من الضروري أن يختار العرش وزراء من بين أعضاء المجلس الخاص الحائزين على ثقة البرلمان([14]).
وجاءت القوانين الإنكليزية خالية من أية إشارة خاصة بإنشاء الوزارة حتى عام 1905م ففي هذا العام اعطي رئيس الوزراء مكاناً خاصاً، أما مركزه القانوني وسلطته وطريقة تعيينه فكانت محددة بالتقاليد والأعراف الدستورية وحتى المرتب لم يخصص له كونه رئيس الوزارة بل بصفته اللورد الأول في مجلس الخزانة([15]). و وقفت وراء انتقال السلطة الفعلية من الملك إلى الوزارة عدة أسباب ويمكن إجمال أهم هذه الأسباب بما يأتي:-
- كان من نتائج انهماك وليام الاورنجي في القرن السابع عشر بالحرب مع لويس الرابع عشر في فرنسا أن ترك مقاليد الحكم بيد وزرائه لإنشغاله بشؤون الحرب.
- عند وفاة وليم الثالث في سنة 1702 بدون خلف، خولت العرش الأميرة (أنَا) وتميزت هذه الاميرة بالضعف فلم تحاول استرداد السلطة الواسعة الممنوحة للوزارة.
- كان من نتائج الظروف الشاذة والطارئة التي سادت بريطانيا في القرن الثاني عشر ولكي تساير الملكية الحركة الدستورية الجامحة اضطرت إلى التخلي عن الكثير من السلطات إلى الوزارة([16]).
- ساد عرف دستوري في بريطانيا يقضي بأن الملك لا يمكن أن يرتكب خطأ ورغبة في المحافظة على هذا المبدأ وتحديداً للمسؤولية عند ارتكاب الأخطاء فكر المجلس الخاص في إيجاد هيئة مسؤولة فحكم وجوب صدور جميع الاوامر الرسمية من هذا المجلس نفسه أو من عضو منتدب لهذا الغرض حتى إذا حصل خطأ أمكن معاقبة المخطئ بدون الالتجاء إلى لوم العرش([17]).
- وجود ملوك أجانب على عرش إنكلترا في الوقت الذي ابتدأت تنمو فيه المسؤولية الوزارية لأن عدم عرفة هؤلاء للغة البلاد جعلهم يتغيبون عن جلسات المجلس الخاص ويتركون شؤون الدولة في أيدي الوزراء وهذا ما سهل مبدأ المسؤولية الوزارية وأصبح كل وزير مسؤول عن وزارته.
- متانة التنظيم الحزبي والانضباط الذي يخضع له أعضاء الحزب وبفضل هذا الانضباط وذلك التنظيم تسفر الانتخابات دائماً عن أكثرية هي التي تتولى الحكم في البلاد طوال مدة المجلس بواسطة الوزارة التي يؤلفها زعيم حزب الأغلبية. وهذه الأكثرية تدعم موقف الوزارة وتجعل من النادر إحراج مركزها عن طريق المسؤولية الوزارية وهذا ما أدى إلى تزايد سلطة الوزارة
- مسؤولية الوزارة أمام البرلمان أبعد العرش عن القيام بأي عمل لا يمكن للوزارة الدفاع عنه وهذا ما حجب عن الملك ممارسة الكثير من الاعمال بحجة أن الوزارة هي التي ستتحمل المسؤولية([18]). وربما ينسجم اللجوء إلى هذه الحجة كلما رغبت الوزارة في إبعاد العرش عن ممارسة اختصاصه.
لهذه الاسباب وغيرها انتقلت السلطة الفعلية من العرش إلى الوزارة كما يعود لهذه الاسباب ظهور المسولية الوزارية في بريطانيا والتي تعتبر الوطن الأم للنظام البرلماني الذي من أبرز خصائصه مسؤولية الوزارة أمام البرلمان ومسؤولية البرلمان أمام الوزارة.
نشأة المسؤولية الوزارية في فرنسا
لم تقم إلى جانب ملك فرنسا في يوم من الايام هيأة وزارية كالتي تكونت تدريجياً في إنكلترا. وفي العهد السابق لقيام الثورة الفرنسية كان هناك وزراء ولم تكن هناك وزارة، فالوزراء كانوا يقومون على شؤون الملك الخاصة وهم من أصحاب المنزلة الرفيعة، يختارون عادة من بين اعضاء اللجان الملكية([19]).
وفي مرحلة لاحقة أصبح الوزراء يقومون بدور مزدوج فمن جانب يديرون المصالح الخاصة للملك ومن جانب آخر يتولون مهمة إدارة المصالح العامة. وقد ساعد عرف دستوري في تلك الحقبة مفاده ضرورة توقيع الوزراء إلى جانب الملك عندما يمارس الملك سلطاته الاجرائية([20]). ويمكن القول ان معالم الوزارة بدأت تتوضح وتبرز إلى الوجود مع قيام دستور عام 1814 الذي كان من بين ما جاء به تقييد سلطات الجمعية الوطنية ودكتاتوريتها ومن بين وسائل التقييد هو ابراز دور الوزارة وتقويتها ولم يكن للوزارة في هذا العهد رئيس بل كانت هيأة مكونة من خمسة أعضاء وهذه الهيأة تتجدد جزئياً بواسطة انتخاب عضو جديد كل سنة. ويرأس هذه الهيأة احد الوزراء كل ثلاثة أشهر ولم يكن الوزراء مسؤولية أمام البرلمان عن اعمالهم السياسية او عن سياسة الوزارة التي يديرونها([21]). ولكن يمكن القول أن دستور عام 1814 كان قد وضع البذرة الأولى للمسؤولية الجنائية للوزراء. إذ منحت م (47) من الدستور المذكور لمجلس النواب حق أتهام الوزراء جنائياً على أن تجري محاكمتهم أمام مجلس النبلاء([22]). وكان دستور 14 تشرين الثاني 1852 اول دستور يمنح مجلس النواب حق مساءلة الوزراء سياسياً. فكان لهذا المجلس الحق في استجواب الوزراء أو سحب الثقة منهم إذا ثبت تقصيرهم في إدارة وزاراتهم.
أما دستور 21 آيار 1870 فقد جعل الوزارء مسؤولين سياسياً أمام المجلسين فإذا نزعت عنهم الثقة توجب عليهم الاستقالة([23]). وسار بذات الاتجاه دستور عام 1875 الذي منح المجلسين (النواب – الشيوخ) حق مراقبة الوزارة سياسياً وهذا الاتجاه مخالف للأعراف البرلمانية التي تقتصر حق سحب الثقة على المجلسين الأدنى (مجلس النواب) دون المجلس العلى (الشيوخ – الاعيان). وحصل أن مارس مجلس الشيوخ في ظل دستور عام 1875 اختصاصه السياسي حيث سحب الثقة من وزارة ليون برجو واجبرها على الاستقالة([24]). ولابد من الاشارة إلى أن قواعد المسؤولية السياسية لم تظهر في فرنسا لأسباب ذاتية خاصة بها أو بنظامها الدستوري او بظروفها التاريخية بل أخذت من النظام البرلماني الانكليزي الذي ارسى قواعدها ونظمها بشكل دقيق ليجعل منها جزءاً من نظام دستوري يحتذى به.
نشأة المسؤولية الوزارية في مصر
ترتبط نشأة الوزارة في مصر بالجهاز البيروقراطي الذي أسسه محمد علي باشا في مصر خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر واطلق على الوزارة في تلك الحقبة الزمنية تسمية ((الدواوين))([25]). وبعد عام 1878 تغير اسم الدواوين إلى النظار التي كانت تتكون من سبع نظارات.وبعد عام 1914 ظهر اسم الوزارة في مصر لأول مرة لتحل محل النظار.
ويعود تاريخ ظهور المسؤولية السياسية للوزارة في مصر إلى عام 1878 حيث أصدر الخديوي اسماعيل في هذا العام مرسوماً بتأليف لجنة أدبية عرفت بلجنة التحقيق العليا للتحقيق في العجز الحاصل في أبواب الايرادات وأسبابه ولتقترح ما تراه من وسائل الاصلاح لها.ووضعت اللجنة تقريرها وكان من بين ما أقرته ان يحدث الخديوي تغييراً في نظام الحكم وينزل عن سلطاته المطلقة إخلاء المسؤولية في المستقبل عن العجز المالي الذي قد يصيب الميزانية. وقبل اسماعيل هذا الاقتراح وأصدر امراً إلى نوبار باشا في 28 اغسطس سنة 1878 بإنشاء مجلس النظار وتخويله مسؤولية الحكم. ولكن هذه الوزارة كانت مسؤولة سياسياً أمام الخديوي لا أمام مجلس شورى النواب([26]). وفي عام 1882 صدر أول دستور برلماني ملكي في مصر وأقر هذا الدستور المسؤولية التضامنية للوزارة أمام مجلس النواب فضلاً عن المسؤولية الفردية لكل نظار (وزير) بالنسبة للأمور المتعلقة بوزارته. وهكذا يمكن القول أن المسؤولية الوزارية بمفهومها البرلماني ظهرت في مصر للمرة الأولى عام 1882 وقبل هذا التاريخ كانت المسؤولية الوزارية مجرد وسيلة لحماية المصالح الأجنبية من خلال إبعاد المسؤولية عن ممثليها في الحكم عند حصول تقصير أو اخلال في جانب معين من جوانب الحكم([27]).
نشأة المسؤولية الوزارية في العراق
يعود الفضل في إنشاء حكومة وطنية في العراق إلى ثورة العشرين التي انطلقت شرارتها الأولى في 30 حزيران 1920 وفعلاً تم تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة السيد عبد الرحمن الكيلاني. وعضوية وراء عراقيين يعملون تحت اشراف مستشارين بريطانين على أن يكون المجلس خاضعاً بأجمعه لإدارة المندوب السامي مباشرة([28]). وكانت مهمة هذه الحكومة كما تدل عليها تسميتها مؤقتة تعمل لحين تشكيل مجلس نيابي يختص يوضع دستور دائم للمملكة العراقية. ولحين تشكيل هذا المجلس تبقى الحكومة المؤقتة قائمة.
و أعلن المندوب السامي البريطاني الأسس التي تعمل عليها هذه الحكومة ومن بينها:-
- تقع مسؤولية شؤون الحكم ما عدا الأمور الخارجية والحركات الحربية والأمور العسكرية العمومية على هيأة الوزارة وتجري أعمال هيأة الوزارة بنظارته وإرشاده.
- يرجح قول المندوب السامي عند اختلافه مع الوزراء لأنه هو المسؤول عن إدارة البلاد لدى الحكومة البريطانية.
ومن خلال هذه الأسس التي اعلنها المندوب السامي نستطيع القول أن الوزراء العراقيين غير مسؤولين عن أعماهم أمام اي جهة سواء اكانت وطنية أو اجنبية وتقع المسؤولية على عاتق المندوب السامي إذ هو المسؤول عن إدارة البلاد لدى الحكومة البريطانية.
على ذلك يمكن القول أن القانون الأساسي العراقي وهو الدستور الأول الذي صدر في عهد الاستقلال الوطني كان قد وضع البذرة الأولى للمسؤولية الوزارية في العراق حيث أقر هذا الدستور مسؤولية الوزراء الفردية والتضامنية أمام مجلس النواب عن الاعمال والاجراءات المتعلقة بوزارة كل منهم وما يتبعها من دوائر([29]).
المبحث الأول: أنواع ونطاق المسؤولية الوزارية
كرسنا هذا المبحث للحديث عن انواع المسؤولية الوزارية ونطاقها وقسمنا هذا المبحث إلى مطلبين سوف نتكلم في الأول عن انواع المسؤولية ونبحث في الثاني نطاق المسؤولية.
المطلب الأول: أنواع المسؤولية الوزارية
تنهض المسؤولية بصورة عامة عند الاخلال بواجب او التزام قانوني وقد ينصب هذا الاخلال على الواجب المهني – الواجب الوزاري – فتنهض المسؤولية السياسية للوزير وقد يكون الاخلال بأحد القوانين الجزائية او المدنية فيكون الوزير حينذاك مسؤولاً عن اخلاله أو فعله الضار وعلى حد السواء مع باقي المواطنين([30]).
1- المسؤولية السياسية
تنهض المسؤولية الوزارية عندما يخل الوزير أو الوزارة بأسرها بواجباتها الوظيفية أو عند ارتكابها أو ارتكابه خطأً سياسياً يرتبط تقديره بالبرلمان في النظام البرلماني وبرئيس الدولة في النظام الرئاسي، ويترتب على نهوض المسؤولية السياسية استقالة الوزارة أو الوزير المسؤول.
وظهرت المسؤولية الوزارية لأول مرة في أنكلترا عام 1742 حيث اتجهت نية مجلس العموم إلى اتهام الوزير الأول ((روبرت والبول)) إذ أعلن بلنتي زعيم الأغلبية في مجلس العموم أنه لا يريد محاكمة الوزراء وإنما يريد إبعادهم عن الحكم وتحت تأثير هذه الفكرة لم يوجه الاتهام الجنائي إلى ((والبول)) بل وجه له إتهام سياسي أجبره على الاستقالة([31]).
ومن حيث الأثر تكون المسؤولية السياسية أخف وطأة من المسؤولية الجنائية فلا يترتب على المسؤولية السياسية الا ترك المنصب الوزاري بصورة جماعية أو انفرادية لأشخاص آخرين حائزين على ثقة البرلمان أو رئيس الدولة.
وفي فرنسا ظهرت فكرة المسؤولية السياسية للوزارة أول مرة في ظل ملكية تموز عام 1830 رغم أن دستورها لم ينص عليها فنشوؤها كان عرفياً إذ تمكن البرلمان عن حمل الوزارة على الاستقالة عدة مرات نتيجة لإقتراع عدم الثقة بها وجاء دستور عام 1852 لينص على المسؤولية السياسية للوزارة امام البرلمان([32])
2. المسؤولية الجنائية
قد يرتكب الوزير أو رئيس الوزراء وعلى حد السواء مع الافراد فعلاً يعاقب عليه قانون العقوبات او القوانين العقابية الأخرى. وعملاً بالمبدأ الدستوري التقليدي الذي يذهب إلى المساواة بين كافة المواطنين أمام القانون فقد اخضعت الدول على ختلاف أنظمتها اعضاء الحكومة والسلطة التشريعية لمساءلة القانون عند ارتكابهم فعلاً يعاقب عليه القانون ولم تترد في تطبيق العقوبة المقيدة للحرية. والموجهة للذمة المالية أو للحياة متى ثبت ارتكابهم الفعل الموجب للعقوبة. وأحاطت الدساتير والقوانين والأعراف أعضاء الحكومة بضمانات دينية من شأنها الحد من التهم الكيدية الموجهة لهم والتي من شأنها عرقلة أعمالهم. فذهبت بعض الدساتير إلى منح حق الاتهام لهيأة سياسية معينة. وعلى سبيل المثال منح الدستور البريطاني لمجلس العموم صلاحية إتهام الوزراء على ان يجري التحقيق معهم من قبل هيأة محلفين وفي حالة ثبوت تقصيرهم يحالون إلى مجلس اللوردات لمحاكمتهم بصفته المحكمة العليا في بريطانيا([33]).
ومنح الدستور الفرنسي لعام 1958 صلاحية محاكمة أعضاء الحكومة للمحكمة القضائية العليا عند ارتكابهم جرائم تشكل جناية([34]) أو جنحة على أن يتم توجيه الاتهام لهم من قبل مجلس البرلمان([35]) و لا يحالون إلى المحكمة القضائية العليا إلا إذا صوتت الأغلبية المطلقة للمجلسين على قرار الإحالة. وميز القانون الأساسي العراقي في الجرائم التي يرتكبها أعضاء الحكومة ومجلس الامة فأخضع الجرائم التي ترتكبها هذه الفئة للمحاكم العادية([36]) أما الجرائم السياسية او التي تتعلق بوظائفهم فقد أخضعها للمحكمة العليا([37]). وميز القانون الأساسي كذلك في جهة الاتهام بين الجرائم العادية التي يرتكبها أعضاء الحكومة حيث لم يحدد جهة كعينة للاتهام وهذا يعني أنهم يخضعون لإجراءات اتهام مماثلة للمواطنين العاديين ويخضعون لذات السلطات التحقيقية التي تحققت مع سائر المواطنين، وبين الجرائم السياسية أو الناجمة من أعمال الوظيفة أو من توجيه الاتهام في مثل هذه الجرائم من قبل مجلس النواب وبأكثرية ثلثي الاعضاء الحاضرين([38]).
3. المسؤولية المدنية
قد يرتكب اعضاء الحكومة فعلاً يلحق الضرر بالغير ويوجب مسؤوليتهم وقد يكون مصدر هذه المسؤولية التزام عقدي أو عمل تقصيري ففي هذه الحالات يخضع أعضاء الحكومة للقانون المدني وللمحاكم العادية وعلى حد السواء مع الافراد العاديين.
وتنص المسؤولية المدنية على الذمة المالية للمسؤول ويعبر المحكوم عليه سواء كان من أعضاء الحكومة أو شخصاً عادياً على جبر الضرر ودفع التعويض المحكوم به([39]).
وفي فرنسا ينص قانون الموازنة على أن كل وزير يتجاوز الاعتمادات المقررة في الموازنة يلزم بالتعويض من ماله الخاص ولكن من الناحية العملية تطبيق هذا النص يكون محل نظر لأن البرلمان إذا لم يقر هذا التجاوز المالي للاعتمادات يكتفي باسقاط الوزير([40]). وجرى العرف الدولي على عدم تقييد حرية أعضاء الحكومة الأجنبية بسبب الدين الذي بذمتهم او بسبب عملهم الضار كما جرى العرف على عدم حجز امتعتهم او مصادرتها بل تكبر دولتهم بالدين الذي بذمة عضو حكومتها وهي التي تقاضيه وتسدد ما في ذمته للدولة الاجنبية من دين([41]).
المطلب الثاني: نطاق المسؤولية الوزارية
تتبع المسؤولية أساساً من السلطة فحيث توجد السلطة توجد المسؤولية وهذه المسؤولية أما أن تنصب على كل الوزارة فتكون تضامنية أو أن تكون موجهة لوزير بذاته فتكون المسؤولية فردية.
أولاً: المسؤولية التضامنية
وهذه المسؤولية تكون شاملة للوزارة بأسرها وهي تثور عندما تتعلق المسؤولية بالسياسة العامة للوزارة أو إذا كان العمل للوزارة أو إذا كان العمل المسبب للمسؤولية صادر عن رئيس مجلس الوزراء وذهب رأي فقهي إلى أن المسؤولية التضامنية قد تنهض نتيجة لعمل صادر من الرئيس ( ملك – رئيس) لكون الوزارة مسؤولة عن أعماله ولكن نرى أن هذا الرأي الفقهي محل نظر فإذا كان صحيحاً أن الملك يسود و لا يحكم فإن رئيس الدولة يسود ويحكم في ذات الوقت. وهو المسؤول عن اعماله أمام ناخبيه([42]). والمبدأ الأساسي الذي تنطلق منه المسؤولية الجماعية للوزارة هو أن القدرة بكامل أعضائها تؤلف هيئة مستقلة وكياناً دستورياً قائماً بحد ذاته له حقوق وعليه التزامات أمام البرلمان عن الخلل الذي قد يبدو عليه ويسأل عن الخلل الذي قد يبدوا على عمل البرلمان.
والمسؤولية التضامنية للوزارة تعرض على أعضائها عدة التزامات:-
- الدفاع عن سياسة الوزارة كهيئة واحدة:- يتطلب التضامن الوزاري أن يدافع كل وزير عن سياسة الوزارة المتفق عليها باعتباره عضواً فيها فإذا كان الوزير غير راضي عن تلك السياسة وليس مقتنعاً بها يجب عليه أن يستقيل فإذا لم يقدم استقالته يعتبر مسؤولاً عن كل تصرفات الوزارة. فكل وزير لا يقدم استقالته لا يستطيع التخلص من المسؤولية وليس له الادعاء أنه لم يكن على وفاق مع زملائه في قرار معين([43]) والوزير الذي لم يقدم استقالته لعدم موافقته على قرار اتخذه مجلس الوزراء يصبح عليه واجب التصويت مع الحكومة بل والدفاع عن هذا القرار ولا يجوز أن يوجه بعد اتخاذ القرار نقداً سواء أكان ذلك في البرلمان او في الدوائر الانتخابية([44]).
- الامتناع عن كل ما يحرج الوزارة:- واجب الوزير لا يقف فقط عند حد تأييد الوزارة بل يجب كذلك الامتناع عن اي قول أو فعل من شأنه احراج الوزارة بأجمعها ويراعي في تصرفاته أن تكون منسجمة ومتفقة مع اتجاهات الوزارة وسياستها العامة([45]). ولكن هذا لا يعني أي حال من الأحوال وجوب رجوع الوزير في كل صغيرة وكبيرة لمجلس الوزراء لأخذ رأيه في القرار الذي يريد اتخاذه بل له اتخاذ القرار المناسب المتعلق بوزارته ولكن على ألا يخالف هذا القرار السياسة العامة للوزارة كما يجب ألا يكون من شأن القرار إحراج الوزارة أمام البرلمان.
ثانياً:- المسؤولية الفردية
سبق هذا النوع من المسؤولية في الظهور المسؤولية الجماعية (التضامنية) وتنهض هذه المسؤولية نتيجة لتصرف فردي لأحد الوزراء في أمر يتعلق بإدارة شؤون وزارته أي اعماله وسياسته الخاصة التي يباشرها لوحده([46]).
ومسؤولية الوزير الفردية تقتصر على الوزير ذاته و لا تمتد إلى غيره من الوزراء أو إلى الوزارة بأجمعها إلا إذا ربطت الوزارة بين الثقة بذلك الوزير والوزارة بأجمعها. فإذا لم يحصل الوزير على ثقة البرلمان تعين على الوزارة تقديم استقالتها وفي هذه الحالة تختلط المسؤولية الفردية بالمسؤولية الجماعية ويصعب التفريق بينهما.
وفي النظام البرلماني يستقل الوزير بتصريف شؤون وزارته ولكن في حدود السياسة العامة للوزارة ولهذا فمن الطبيعي أن يتحمل الوزير بمفرده الخطاء المنسوبة إليه شخصياً أعمالاً لقاعدة الربط بين السلطة والمسؤولية([47]).
ولابد من الاشارة إلى أن المسؤولية الفردية لوزير لا تتأثر من قبل البرلمان حسب بل قد يعزل الوزير بناءً على طلب رئيس الوزراء و موافقته الرئيس (ملك – رئيس) ولكن جرت العادة على ألا يطلب رئيس الوزراء عزل الوزير لأن هذا الطلب يدل على سوء اختيار رئيس الوزراء لوزرائه وسوء تقديره ودليل ضعفه وبالتالي قد يلام رئيس الوزراء على اختيار وزيره أصلاً.
المبحث الثاني: المسؤولية الوزارية في الدساتير العراقية
لقد عرف العراق المسؤولية الوزارية لأول مرة في ظل أول دستور صدر في العراق في عهد الاستقلال الوطني فقد نص عليها القانون الأساسي وجعل الوزارة مسؤولة أمام مجلس الأمة.
أما دساتير العهد الجمهوري فلم يعرف أي منها المسؤولية الوزارية باستثناء عام 1970 وربما يعود السبب في ذلك إلى أن دساتير تلك الفترة هي دساتير مؤقتة. ومن المألوف أن الدساتير المؤقتة توضع لفترة انتقاليه مؤقتة في أعقاب ثورة وتعالج المسائل الدستورية معالجة مؤقتة وغالباً ما تنص على مؤسسات دستوري استثنائية ولا توضح الملامح الحقيقية للنظام السياسي والدستوري في الدولة.
أما قانون إدارة الدولة الصادر 2004 فقد أشار إلى المسؤولية الوزارية في المادتين الأربعين والحادية والأربعين.
أما دستور العراق لعام 2005 فقد تناول بالتنظيم المسؤولية الوزارية في المادة (61 / الفقرة ثامناً / أ و ب).
المطلب الأول: المسؤولية الوزارية في ظل القانون الأساسي العراقي لعام 1925
أخذ القانون الأساسي العراقي لعام 1925بالنظام البرلماني. وفي هذا النظام يكون الوزراء مسؤولين امام البرلمان وعلى الوزراء الاستقالة إذا فقدت ثقة البرلمان ولكي لا يكون البرلمان هو المهيمن وإعادة التوازن بين السلطات منحت الحكومة الحق في طلب حل البرلمان([48]).
وعلى ذلك أقر القانون الأساسي لكل عضو من أعضاء مجلس الأمة الحق في توجيه السؤال والاستيضاح للوزراء([49]) وبالمقابل منح الوزارة الحق في طلب حل مجلس النواب([50]).
وسائل تحريك المسؤولية الوزارية في القانون الاساسي
أشار القانون الأساسي العراقي إلى وسيلتين من وسائل تحريك المسؤولية الوزارية هما:-
- السؤال: ويعني الاستفسار عن أمر مجهول([51]). وعلى ذلك نرى أن السؤال لا يحمل في طياته الاتهام بالتقصير فقد يتعلق بمسألة غامضة تسودها العتمة وتكون بحاجة للإيضاح فيتقدم عضو البرلمان إلى الوزير بطلب ايضاحها. ومنح القانون الأساسي للوزير فرصة الاجابة على السؤال حيث اوجب منح الوزير ثمانية أيام في الأقل لإعداد إجابته فقد يكون الوزير بحاجة إلى مراجعة مسائل معينة لكي يستطيع الاجابة على السؤال([52]). ولكن القانون الأساسي فسح المجال أمام التحايل على المدة الممنوحة للوزير حينما استثنى حالة الاستعجال أو موافقة الوزير على الاجابة قبل مرور الثمانية أيام فقد منح مجلس الأمة بحالة الاستعجال في كل مرة لا يريد فيها أن يمنح الوزير الفرصة لإعداد اجابته على السؤال.
- الاستيضاح:- وهو المرحلة التالية للسؤال فإذا لم يقتنع مجلس الأمة بجواب الوزير أو رئيس الوزراء له الحق في طلب الاستيضاح، و وفقاً للاصطلاح الذي استعمله القانون الأساسي العراقي فإن الاستيضاح يحمل في طياته الاتهام بالاهمال والتقصير وربما يترتب عليه إقالة الوزير أو الوزارة بأجمعها إذا ما ثبت تقصيره او تقصيرها. و وقع القانون الأساسي في الخلط حينما استعمل الاستيضاح بدلاً عن الاستجواب في حين أن كلاً من هذين المصطلحين له معناه ودلالته الخاصة.
فالاستيضاح مرحلة لاحقة للسؤال حينما يطلب النائب من الوزير المسؤول زيادة في الايضاح دون أن يحمل ذلك في طياته الاتهام بالتقصير والاستيضاح مرحلة وسط بين السؤال والاستجواب في الأنظمة الدستورية التي اخذت به([53]).
أما الاستجواب فهو إنذار موجه من أحد أعضاء البرلمان للحكومة أو لأحد الوزراء لبيان مسألة متعلقة بالوزارة بأكملها أو بوزارة من الوزارات. ويحمل الاستجواب في طياته الأتهام بالتقصير والإهمال وقد يترتب عليه سحب الثقة من الحكومة او من وزارة من الوزارات.
وساوى القانون الأساسي العراقي في المدة الممنوحة للوزير للإجابة على السؤال والاستيضاح على الرغم من ضرورة الاختلاف في المدة الممنوحة لكل منهما لاختلاف الآثار المترتبة على كل منهما فمثلاً قد يترتب على الاستيضاح سحب الثقة من الحكومة أو من الوزير المستوضح منه في حين لا يترتب هذا الأثر على السؤال.
واكتفى الدستور بسحب الثقة من الحكمة بالأكثرية النسبية للحاضرين([54]) وهي نسبة ضئيلة إذا ما علمنا أن الدستور اكتفى لانعقاد مجلس النواب حضور أكثر من نصف أعضائه([55]) وهذا يعني أن ربع المجلس قادر على سحب الثقة من الوزارة.وهذه النسبة لا تتلائم مع خطورة الآثار المترتبة على سحب الثقة من الوزارة.
وعلى الرغم من منح مجلس النواب صلاحية سحب الثقة من الحكومة إلا أن هذا المجلس لم يمارس هذه الصلاحية ولو لمرة واحدة طيلة مدة نفاذ القانون الأساسي ومن غير المعقول القول أن المجلس لم يواجه ظروفاً يستوجب سحب الثقة من الحكومة أو أن الحكومة أو وزير منها لم تقم أو يقم بعمل من شأنه أثار المسؤولية السياسية. وهذا أن دل على شيء فإنما يدل على ضعف مجلس النواب ودوره في الحياة السياسية وألا لمارس هذه الصلاحية ولو لمرات قليلة أو حتى لمرة واحدة.
المطلب الثاني: المسؤولية الوزارية في دساتير العراق لعام 1970، 2004، 2005
1. المسؤولية الوزارية في دستور العراق لعام 1970
من الملاحظ أن الدستور العراقي المؤقت لعام 1970 اول دساتير العهد الجمهوري الذي نص على المسؤولية الوزارية فقد سبق هذا الدستور خمسة دساتير لم ينص اي منها على المسؤولية الوزارية.
وسائل تحريك المسؤولية الوزارية في دستور عام 1970
أشار الدستور العراقي لعام 1970 إلى وسيلتين من وسائل تحريك المسؤولية الوزارية وهما الاستيضاح والاستجواب([56]) وذهب بهذا الاتجاه قانون المجلس الوطني([57]) في حين أشار النظام الداخلي للمجلس الوطني إلى حق السؤال والاستجواب دون الاستيضاح. والملاحظ ان الدستور وقانون المجلس الوطني قد استعملا عبارة الاستيضاح بدلاً عن السؤال عن الرغم من الاختلاف بين اللفظين في المعنى بدليل أن م/47 سادساً من قانون المجلس الوطني قالت ((دعوة اي عضو من أعضاء مجلس الوزراء للاستيضاح او الاستفسار منه)) فهذه المادة قالت للاستيضاح أو للاستفسار فجعلت كل من الكلمتين بديلة للأخرى أو مرادفة لها في حين ان الاستيضاح هو مرحلة لاحقة للاستفسار الذي يعني السؤال عن شيء أو أمر.
1) الاستيضاح (السؤال): لكل عضو من أعضاء المجلس الوطني أن يوجه عن طريق رئيس المجلس سؤالاً شفوياً وتحريرياً إلى أي عضو من أعضاء مجلس الوزراء([58]).
ونرى أن توجيه السؤال عن طريق رئيس المجلس هو لأغراض تنظيمية وليس لإعاقة حق النائب في السؤال بدليل أن النظام الداخلي لم يترك لرئيس المجلس صلاحية تقديرية في توجيه السؤال او عدم توجيهه.
وميز النظام الداخلي بين السؤال الشفوي والتحريري في عدة جوانب فأوجب أن يوجه السؤال في البداية بصورة شفوية وإذا لم يكتف النائب بإجابة الوزير له سؤالاً تحريرياً([59]). و لا تجري مناقشة السؤال الشفوي إلا إذا طلب النائب السائل ذلك وأقر المجلس هذا الطلب([60]). في حين أجاز النظام الداخلي مناقشة السؤال التحريري من قبل النائب السائل وباقي أعضاء المجلس ولا يجوز توجيه أكثر من خمسة أسئلة شفوية في الجلسة الواحدة([61]) ولم يحدد النظام الداخلي عدد الأسئلة التحريرية التي يجوز توجيهها في الجلسة الواحدة وهذا يعني أن عدد هذه الأسئلة مفتوح وغير محدد بحد معين. وتجري الاجابة على السؤال الشفوي حال توجيهه([62]). في حين يكون الوزير مخيراً في السؤال التحريري بين الإجابة فور توجيه السؤال وبين الاستمهال إلى الجلسة التالية أو خلال مدة لا تتجاوز الاسبوع من تاريخ إبلاغه بالسؤال([63]). واشترط النظام الداخلي توجيه السؤال التحريري قبل طلب الاستجواب وحرم طلب الاستجواب مباشرة بعد السؤال الشفوي([64]).
ويبدو لنا من هذه المقارنة السريعة الموجزة بين السؤال الشفوي والتحريري أن السؤال التحريري أكثر خطورة من السؤال الشفوي بدليل أن المشرع أحاطه بضمانات عدة كما رتب على عدم الاكتفاء بالسؤال التحريري حق النائب في طلب الاستجواب.
2) الاستجواب: لكل عضو من أعضاء المجلس الوطني أن يوجه استجواباً تحريرياً إلى أي عضو من أعضاء مجلس الوزراء عن طريق رئيس المجلس([65]) ولا يحال الاستجواب للوزير المعني إلا بعد اقترانه بموافقة عشرة أعضاء([66]) ويتم تحديد موعد مناقشة الاستجواب من قبل هيئة رئاسة المجلس الوطني بالاتفاق مع الوزير المختص خلال مدة أقصاها خمسة عشر يوماً من تاريخ إبلاغ الوزير بالاستجواب([67]). ولم يشترط النظام الداخلي حضور أغلبية خاصة في الجلسة التي يجري فيها مناقشة الاستجواب لكنه اشترط حضور الأغلبية المؤيدة للاستجواب.
ويعرض أحد أعضاء المجلس الوطني من مؤيدي الاستجواب مضمون الاستجواب ثم يعطي رئيس المجلس الفرصة للوزير للإجابة عليه([68]).
وبعد إجابة الوزير تجري المناقشة والتصويت فإذا أسفر التصويت على رفض الاستجواب تعتبر المسألة منتهية([69]) ولكن إذا أيد ثلثا أعضاء المجلس الاستجواب عد ذلك اقتراحاً بإعفاء الوزير من منصبه. ويكون لرئيس الجمهورية القرار النهائي في إعفاء الوزير أو رفض الاقتراح ولرئيس الجمهورية أن يطلب إلى المجلس الوطني استدعاء رئيس الوزراء أو أي من الوزراء للتحقيق معه عن القضية التي أحيل من أجلها على المجلس والتحري عن الحقيقة([70]). أي أن القانون لم يجز استدعاء رئيس الوزراء أو الوزير أمام المجلس للتحقيق معه أو استجوابه إلا بناء على اقتراح رئيس الجمهورية.
2. المسؤولية الوزارية في دستور العراق لعام 2004
اما قانون إدارة الدولة العراقية لعام 2004 ودخول أحكامه حيز النفاذ في 30 حزيران 2004 على أن تبقى أحكامه سارية المفعول ولموعد أقصاه 31 كانون الأول 2005. وما يسجل لهذا القانون أنه حدد الموعد الأقصى للمرحلة الانتقالية. وهي السابقة الأولى في الدساتير العراقية المؤقتة، حيث لم يحدد أي من الدساتير السابقة الملغاة أجل أقصى لنفاذها وكان التبرير الظاهر لذلك الظروف الاستثنائية والاضطرابات الداخلية والتهديدات الخارجية.
أما تحديد السقف الزمني لنفاذ الدستور المؤقت ( قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ). إن دل على شيء فإنما يدل على إنصراف إرادة القابضين على السلطة إلى التنحي عن السلطة بعد أجل محدد وتسليم مقاليدها لمن تفرزه الشرعية الدستورية.
وعلى حد سواء مع نصوص اي دستور مؤقت، جاءت نصوص قانون إدارة الدولة مبعثرة لا تشير لمعالم نظام دستوري محدد. بل أنها كثير ما خلطت بين المصطلحات، من ذلك مثلا استخدمت مصطلح الحكومة للدلالة على سلطات الدولة الثلاث في آن واحد ( م 24/أ) (تتألف الحكومة العراقية الانتقالية المشار اليها ايضا في هذا القانون بالحكومة الاتحادية، من الجمعية الوطنية، ومجلس الرئاسة ومجلس الوزراء وبضمنه رئيس الوزراء والسلطة القضائية ) في حين أن مصطلح الحكومة يستخدم مرادفا للسلطة التنفيذية أو الوزارة، ولا يوجد ترادف بين هذا المصطلح وسلطات الدولة الثلاث ( التشريعية والتنفيذية والقضائية). الأمر الذي كان يعني أن نصوص هذا الدستور لم توضع من قبل ساسة مهنيين أو على الأقل لم يتم مراجعتها من قبل قانونيين متخصصين. ومن المؤكد أن هذا الخلط انعكس على باقي نصوص القانون، من ذلك مثلا نص المادة (25) الذي حدد صلاحيات الحكومة، حيث لم يحدد اي فرع منها (تختص الحكومة العراقية الانتقالية بالشؤون التالية حصراً.........) وكذلك ما ورد في المادة (29) (حال تولي الحكومة العراقية المؤقتة السلطة الكاملة........).
وما يلاحظ على نصوص هذا القانون أيضا انها أبرزت دور رئيس الوزراء وأفردته بمركز خاص وكأنه ليس جزء من السلطة التنفيذية، من ذلك مثلا أن المادة (24 /أ) تنص على أنه ( تتألف الحكومة العراقية الانتقالية والمشار اليها ايضا في هذا القانون بالحكومة الاتحادية من الجمعية الوطنية ومجلس الرئاسة ومجلس الوزراء وبضمنه رئيس الوزراء والسلطة القضائية). والمادة (28/أ) (أن أعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الرئاسة ومجلس الوزراء بضمنه رئيس الوزراء........). والمادة(33ز) (يتضمن عمل الرقابة الذي تقوم به الجمعية الوطنية ولجانها حق استجواب المسؤولين التنفيذيين بمن فيهم أعضاء مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء وبضمنهم رئيس الوزراء........).
وخلافا لما جرى عليه العمل في الدساتير المؤقتة والتي غالبا ما تركز الصلاحيات الاستثنائية بيد المؤسسة الاستثنائية أو السلطة التنفيذية وبصفة مطلقة بعيداً عن الرقابة مراعاة للظروف الاستثنائية أو المرحلة الانتقالية، سعى واضعوا نصوص قانون إدارة الدولة إلى اخضاع قرارات وتصرفات أعضاء السلطة التنفيذية للرقابة، من خلال منح الجمعية الوطنية ولجانها حق استجواب أعضاء السلطة المذكورة ابتداءً من أعضاء مجلس الرئاسة مروراً برئيس وأعضاء مجلس الوزراء وانتهاءً بأي مسؤول ينتمي لهذه السلطة. واستكمالا لهذه الصلاحيات الرقابية، خول القانون، الجمعية الوطنية صلاحية سحب الثقة من الوزارة مجتمعة أو الوزراء منفردين ورتب على سحب الثقة من رئيسها (رئيس الوزراء) حل الوزارة بأسرها([71]).
إن هذا التوجه الدستوري إنما هو انعكاس لتجربة مريرة غابت خلالها الشرعية الدستورية لمدة قاربت من النصف قرن وحلت محلها المؤسسات الاستثنائية تحت مسوغ الظروف الاستثنائية والتهديدات الخارجية، هذا إضافة إلى أن هذه التجربة الدستورية ربما سعت إلى رسم المعالم العامة للدستور الدائم المرتقب أنذاك، حيث تبنى هذا الدستور (قانون إدارة الدولة) بعض معالم النظام البرلماني، كإشتراطه نيل الوزارة لثقة البرلمان قبل ممارسة مهامها الدستورية([72]). وتمتع الأخير (البرلمان) بحق سحب الثقة من الحكومة([73]) واعتبار الوزارة مستقيله إذا ما أقيل رئيسها أو استقال([74]).
وإن المسؤولية الوزارية في دستور العراق لعام 2004 أما أن تكون تضامنية وأما ان تكون فردية.
أولا: المسؤولية التضامنية:
فقد نص في المادة (40) منه على ان:
- يكون رئيس الوزراء والوزراء مسؤولين أمام الجمعية الوطنية، ولهذه الجمعية الحق بسحب الثقة سواءً من رئيس الوزراء أو الوزراء مجتمعين ومنفردين، وفي حالة سحب الثقة من رئيس الوزراء تنحل الوزارة بأسرها وتصبح المادة (ب) أدناه نافذة.
- في حالة التصويت بعدم الثقة لمجلس الوزراء بأسره يضل رئيس الوزراء والوزراء في مناصبهم لمزاولة أعمالهم مدة لا تزيد عن ثلاثين يوماً، إلى حين تشكيل مجلس الوزراء الجديد.
ثانياً) المسؤولية الفردية:
أشار إلى المسؤولية الوزارية في المادتين الأربعين والحادية والأربعين. فقد نصت المادة (40-أ) يكون رئيس الوزراء والوزراء مسؤولين أمام الجمعية الوطنية، ولهذه الجمعية الحق في سحب الثقة سواء من رئيس الوزراء أو الوزراء مجتمعين أو منفردين. وفي حالة سحب الثقة من رئيس الوزراء تنحل الوزارة بأسرها. أما المادة (41) فقد نصت (يزاول رئيس الوزراء مسؤولياته اليومية لإدارة الحكومة، ويجوز له إقالة الوزراء بموافقة أغلبية مطلقة من الجمعية الوطنية، ويمكن لمجلس الرئاسة بتوصية من هيئة النزاهة العامة بعد مراعاة الاجراءات القانونية أن تقيل عضو من مجلس الوزراء بما في رئيس الوزراء).
3. المسؤولية الوزارية في دستور العراق لعام 2005
أخذ الدستور العراقي لعام 2005 بالنظام البرلماني نص في المادة الأولى جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) وفي هذا النظام الوزراء مسؤولين أمام مجلس النواب.
وسائل تحريك المسؤولية الوزارية في دستور العراق لعام 2005
أشار الدستور العراقي النافذ إلى ثلاث وسائل من وسائل تحريك المسؤولية الوزارية وهما السؤال والاستيضاح والاستجواب ولم يتناول بالتنظيم موضوع التحقيق وهذا مأخذ عليه لكن النظام الداخلي لمجلس النواب أشار اليه في المادة 32.
- حق السؤال:- يقصد بهذا الحق أن يكون لأي من أعضاء مجلس النواب سؤال رئيس مجلس الوزراء أو الوزير عن مسألة معينة يجهلها أو يرغب في لفت النظر اليها، وغالباً ما يكون السؤال موجزاً منصباً على المسألة المطلوب الاستفسار عنها، ويكون خالياً من التعليقات التي تثير الجدل أو تنطوي على الآراء الخاصة بعيداً عن الإضرار بالمصلحة العامة أو مخالفة الدستور والتشريعات النافذة.
- وبموجب المادة (61/سابعاً/أ) من الدستور العراقي يتحدد حق السؤال بين النائب السائل والوزير المسئول، ما يعني أن ليس للغير الاشتراك في مناقشة السؤال وهو ما يسمح بتوضيح الكثير من المسائل الغامضة ويوجه نظر الحكومة إلى بعض المخالفات لتداركها او تدارك آثارها قبل تفاقمها.
الاستيضاح:- وهو حق تالي في المرتبة لحق السؤال، وعلى حد سواء مع حق السؤال لا يحمل هذا الحق في طياته الاتهام لرئيس مجلس الوزراء أو الوزراء، لكنه يسعى لمزيد من الاستيضاح بشأن السياسة العامة للوزارة أو إحدى فروعها ومستوى أدائها.
ومن المؤكد أن حق الاستيضاح أكثر أهمية وخطورة من حق السؤال كونه يأتي في مرحلة لاحقة لحق السؤال إذ لا يتم اللجوء لهذا الحق إلا إذا لم يكتف النائب بسؤاله أو إذا أراد المزيد من الاستيضاحات بشأن المسألة التي طرح السؤال عنها أو إذا راود المجلس أو بعض أعضائه الشك بإجابة الوزير.
من هنا اشترطت المادة (61/سابعا/ب) من الدستور تقديم الاستيضاح من قبل ما لا يقل عن خمسة وعشرين عضواً، وإذا كان السؤال يوجه مباشرة لرئيس مجلس الوزراء أو الوزير المسئول، فإن الاستيضاح يقدم لرئيس مجلس النواب اولا الذي يحيله بدوره لرئيس مجلس الوزراء أو الوزير المعني حيث يتولى أي منهما بدوره تحديد موعد الحضور أمام مجلس النواب لطرح اجابته والمناقشة ما يعني أن الأمر الذي يجري الاستيضاح عنه غالباً ما يستلزم إعداد الاجابة من خلال الرجوع لبعض الوثائق والاوليات.
و الملاحظ أن الدستور العراقي النافذ وحّد في اجراءات الاستيضاح الموجهة لرئيس مجلس الوزراء والوزير وفي رأينا كان الأولى به التمييز في هذه الاجراءات وحسب أهمية وخطورة المنصب الذي يتولاه المعني، كأن يشترط تقديم الاستيضاح لرئيس مجلس الوزراء من قبل عدد من الأعضاء يزيد على ذلك العدد الواجب توافره لتقديم الاستيضاح للوزير. ويشترط أيضاً لتقديم الاستيضاح للأول موافقة هيئة الرئاسة في المجلس إضافة للعدد المطلوب من النواب مراعاة للمركز الخاص لرئيس مجلس الوزراء وثقل المهام الملقاة على عاتقه. فقد لا تجد هيئة رئاسة المجلس أن الأمر يستوجب الاستيضاح فتوئده قبل عرضه على رئيس مجلس الوزراء.
- الاستجواب:- يقصد بحق الاستجواب مساءلة الحكومة أو أحد فروعها في بعض تصرفاتها أو قراراتها، ويحمل الاستجواب في ثناياه الاتهام للوزارة، من هنا يعد هذا الحق الوسيلة الأكثر فاعلية وخطورة في مواجهة رئيس مجلس الوزراء والوزراء، كونه قد ينتهي إلى إقالة الحكومة بأسرها أو أحد فروعها.
ونظراً لخطورة هذا الحق فقد احاطته الدساتير المقارنة بالعديد من الضمانات، وبذات الاتجاه سار الدستور العراقي النافذ، لكن الملفت للنظر أن الدستور العراقي لم يتشدد في إجراءات طلب الاستجواب، بل أنه رسم طريق أيسر من ذلك الذي اتبعه في الاستييضاح، فقد أوجب تقديمه من قبل ما لا يقل عن خمسة وعشرين عضواً مباشرة للمعني دون المرور برئيس المجلس (لعضو مجلس النواب وبموافقة خمسة وعشرين عضواً توجيه استجواب إلى رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء لمحاسبتهم......). على أن تجري المناقشة بعد سبعة أيام في الأقل من تاريخ تقديمه، وفي رأينا أن ما ذهب إليه الدستور العراقي في هذا الموضع أمر محل نظر، إذ كان عليه النص على إجراءات أكثر تعقيداً من تلك التي استوجبها لتقديم الاستيضاح، والتمييز في الاجراءات الواجب إتباعها في مساءلة رئيس مجلس الوزراء وتلك الواجب إتباعها في استجواب الوزير. إذ قد ينتهي الامر في الحالة الأولى إلى إقالة الوزارة بأسرها في حين تقتصر الآثار في الحالة الثانية على إقالة الوزير المستجوب إلا إذا قررت الوزارة الاستقالة بأسرها تضامناً مع الوزير المقال.
ومن المؤكد أن المشرع الدستوري العراقي أدرك خطورة الآثار المترتبة على الاستجواب، لكنه قصر الضمانات التي تتلائم وخطورة هذا الحق في المرحلة لاحقة للأستجواب فقط، حينما ينتهي الاستجواب في نتائجه إلى إدانة رئيس مجلس الوزراء أو الوزير، حيث أوجب في هذه المرحلة طرح موضوع الثقة برئيس مجلس الوزراء أو الوزير بناءً على رغبته أو بناء على طلب خمسين عضواً في الأقل على أن يصدر المجلس قراره بعد سبعة أيام في الأقل من تاريخ تقديم الطلب. وبالمقارنة بين وسائل الرقابة التي أمتلكها رئيس مجلس الوزراء في مواجهة مجلس النواب، وتلك التي امتلكها الثاني في مواجهة الأول، يبدوا جلياً رجحان كفة المجلس في هذا الجانب. من هنا نرى ضرورة إعادة التوازن بين السلطتين في هذا الاختصاص للاقتراب من النظام البرلماني بشكله التقليدي([75]).
- التحقيق:- لم يتناول بالتنظيم دستور العراق لعام 2005 موضوع التحقيق ولكن النظام الداخلي لمجلس النواب تلافى هذا النقص حيث نص في المادة (32 – ثانياً) التي نصت (على إجراء التحقيق مع أي من أي المسؤولين بشأن أي واقعة يرى المجلس أن لها علاقة بالمصلحة العامة أو حق المواطنين).
وأن المسؤولية الوزارية أما أن تكون تضامنية وأما أن تكون فردية.
أولاً: المسؤولية التضامنية
وتناولا الدستور بالتنظيم المسؤولية التضامنية فقد نص في المادة (61 / الفقرة ثامناً/ ب) على الآتي:-
- لرئيس الجمهورية تقديم طلب إلى مجلس النواب بسحب الثقة من رئيس الوزراء.
- لمجلس النواب بناء على طلب خمس (1/5) أعضائه سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، ولا يجوز أن يقدم هذا الطلب إلا بعد استجواب موجه إلى رئيس مجلس الوزراء، وبعد سبعة أيام في الأقل من تقديم الطلب.
- يقرر مجلس النواب سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه.
الفقرة ج – تعد الوزارة مستقيلة في حالة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء.
الفقرة د – في حالة التصويت بسحب الثقة من مجلس الوزراء بأكمله يستمر رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مناصبهم لتصريف الأمور اليومية، لمدة لا تزيد عن ثلاثين يوماً، إلى حين تأليف مجلس الوزراء الجديد وفقاً لأحكام المادة (76) من هذا الدستور.
ثانياً: المسوؤلية الفردية
وأكد دستور العراق في المادة (61 / الفقرة ثامناً / أ) أنه لمجلس النواب سحب الثقة من أحد الوزراء بالأغلبية المطلقة ويعد مستقيلاً من تاريخ قرار سحب الثقة، ولا يجوز طرح موضوع الثقة بالوزير الا بناء على رغبته، أو طلب موقع من خمسين عضواً، أثر مناقشة استجواب موجه إليه، ولا يصدر المجلس قراره في الطلب الا بعد سبعة أيام في الأقل من تاريخ تقديمه.
الخاتمة
أولا: النتائج
لقد توصلنا أثناء البحث في موضوع المسؤولية الوزارية إلى أن منصب الوزير عرف في فترات تاريخية قديمة بل هذا المنصب عرف قبل الاسلام بفترات بعيدة. وربما كانت الشريعة الاسلامية هي أول من عرفت المسؤولية الوزارية وأرست دعائمها فجعلت من الوزير مسؤولاً عن خطئه أمام مجلس الشورى والأمة والشرع يعاقب على خطئه وعلى حد السواء مع باقي المسلمين.
وكان من نتائج سيادة الملك مصون وغير مسؤول في إنكلترا والملك لا يخطأ إن انتقلت السلطة الفعلية من الملك إلى الوزارة ونتيجة لانتقال السلطة الفعلية من الملك إلى الوزارة ظهرت المسؤولية الوزارية فمن يمارس نشاطاً ويخطأ فيه يحاسب على خطئه وهكذا ظهر مبدأ المسؤولية الوزارية.
وفي فرنسا كان دستور 1814 قد وضع البذرة الأولى للمسؤولية الوزارية ولكن ي نطاق المسؤولية الجنائية.في حين وضع دستور عام 1852 الأساس الأول للمسؤولية السياسية للوزارة. وسبقت مصر باقي الدول العربية في الحياة الدستورية وكانت من أوائل الدول العربية التي عرفت المسؤولية الوزارية وكان ذلك في عام 1878 (أي في ظل الاحتلال البريطاني) ولكن كانت الوزارة مسؤولة سياسياً أمام الخديوي لا أمام مجلس النواب.
أما العراق فقد عرف المسؤولية الوزارية للمرة الأولى في ظل دستور عام 1925 وهو الدستور الأول الصادر في عهد الاستقلال.
لقد وجدنا أثناء البحث في أنواع المسؤولية الوزارية أنها تقسم إلى ثلاثة أنواع وعلى حسب طبيعة الخطأ، مسؤولية سياسية ناجمة عن الاخطاء السياسية وجنائية ناجمة عن مخالفة القوانين العقابية ومدنية ناشئة عن فعل الوزير الضار.
وقد تقتصر المسؤولية على وزير بعينه فتكون أزاء المسوؤلية الفردية وقد تمتد إلى الوزارة بأسرها فتكون أمام المسؤولية التضامنية، وفي الحقيقة أن البحث في نطاق المسؤولية الجنائية والمدنية التي هي دائماً فردية.
وقد انتهينا في بحثنا المتواضع هذا إلى أن الشريعة الاسلامية كانت السابقة في هذا المبدأ الدستوري (المسؤولية الوزارية) كما كان شأنها في الكثير من المبادئ.
ثانياً: التوصيات
ضرورة الموازنة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في دستور العراق لعام 2005. حيث نصت المادة (83) من الدستور على مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء أمام مجلس النواب مسؤولية تضامنية أو شخصية. كما أن المادة (76- رابعاً) اشترطت عرض رئيس مجلس الوزراء المكلف، أسماء أعضاء وزارته والمنهاج الوزاري على مجلس النواب للحصول على ثقته بالأغلبية المطلقة.كما إن المادة (80- خامساً) إضافة إلى تعيين مجلس النواب لوكلاء الوزارات والسفراء وأصحاب الدرجات الخاصة ورئيس أركان الجيش ومعاونيه ومن هو بمنصب قائد فرقة فما فوق ورئيس جهاز المخابرات الوطني ورؤساء الأجهزة الأمنية بناءً على توصية من مجلس الوزراء. و واضح من هذه الأمثلة مدى تعاظم سلطة مجلس النواب اتجاه الحكومة رغم إعلان الدستور في المادة (1) بأن نظام الحكم نيابي برلماني، والأنظمة البرلمانية توازن سلطة البرلمان بتقرير حق رئيس الحكومة في حل مجلس النواب (بريطانيا) أو رئس الدولة يطلب من رئيس الوزراء (ألمانيا وهي دولة ذات نظام برلماني اتحادي). ونرى أن اقتراح حق رئيس الوزراء حل البرلمان (أو طلب ذلك من رئيس الجمهورية في حالة فشل البرلمان انتخاب رئيس وزراء جديد خلال مدة معينة من سحب الثقة من مجلس الوزراء). من شأنه إيجاد موازنة بين السلطتين ويؤدي إلى مزيد من الاستقرار وحتى لا تترك السلطة التنفيذية بدون ممارسة مدة طويلة في هذه الحالة.
وكذاك ندعوا المشرع العراقي إلى إضافة وسيلة التحقيق البرلماني التي لم يتناولها بالتنظيم إلى الوسائل الأخرى التي نص عليها دستور العراق لعام 2005.
المصادر
* القرآن الكريم
- د. إبراهيم عبد العزيز شيحا و د. محمد رفعت، النظم السياسية والقانون الدستوري، الفتح للطباعة والنشر، الاسكندرية، 2001،
- د. ابراهيم الكردي، نظام الوزارة في العصر العباسي، شركة كاظمة للنشر والتوزيع، الكويت، 1983
- أبن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، دار أحياء الكتب العربية،بيروت، دون سنة نشر
- د. ادمون رباط، الوسيط في القانون الدستوري العام، دار العلم للملايين، بيروت، 1968،
- د. السيد صبري، حكومة الوزارة، المطبعة العالمية، القاهرة، 1973
- السيد هاشم الخطيب، الأوائل في الاسلام، مطبعة الجاحظ، بغداد، 1990
- القانون الأساسي العراقي لعام 1925.
- اندريه هوريو، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت، 1974
- النظام الداخلي للمجلس الوطني رقم 26 لسنة 1995.
- باقر شريف القريشي، نظام الحكم والادارة في الاسلام، مطبعة الآداب، النجف، 1966
- د. حسن ابراهيم حسن، النظم الاسلامية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1992
- رافع انور الخطيب، الأصول البرلمانية في لبنان وسائر البلاد العربية، دار العلم للملايين، بيروت، 1961.
- د. سليمان الطماوي، السلطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة والفكر السياسي الاسلامي، دار الفكر العربي، القاهرة، 1977.
- د. سليمان الطماوي، الوجيز في نظم الحكم والادارة، دار الفكر العربي، الاسكندرية، 1970.
- د. صالح جواد كاظم وأخرون، النظام الدستوري في العراق، مطبعة بغداد، بغداد، 1980.
- د. صالح جواد الكاظم و د.علي غالب العاني، الانظمة السياسية، دار الحكمة، بغداد، 1991.
- د. طعيمة الجرف، موجز القانون الدستوري، مكتبة القاهرة الحديثة، القاهرة، 1970.
- ظافر القاسمي، نظام الحكم في الشريعة الاسلامية والتاريخ الاسلامي، دار النفائس، بيروت، ط4، 1982.
- د. علي يوسف الشكري وآخرون، دراسات حول الدستور العراقي، مؤسسة آفاق للدراسات والأبحاث العراقية،بغداد، 2008.
- د. فاروق عمر، الجذور التاريخية للوزارة العباسية، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1986
- قانون المجلس الوطني العراقي رقم 26 لسنة 1995.
- د. محمد أنس قاسم، النظم السياسية والقانون الدستوري، دار النهضة العربية، القاهرة، 1999،
- د.محمد قدري حسن، رئيس مجلس الوزراء في النظم البرلمانية المعاصرة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1987.
- د. محمد كامل ليلة، النظم السياسية الدولة والحكومة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1966.
- د. مصطفى أبو زيد فهمي، الدستور المصري ومبادئ الانظمة السياسية، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية،2004.
- د. موريس دفرجيه،دساتير فرنسا، المطبعة النموذجية، بيروت، دون سنة نشر،
- د. يونان لبيب رزق، تاريخ الوزارات المصرية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، 1975.
- الدستور الفرنسي لعام 1958.
- الدستور العراقي لعام 2004.
- الدستور العراقي لعام 2005.
[1]- ظافر القاسمي، نظام الحكم في الشريعة الاسلامية والتاريخ الاسلامي، دار النفائس، بيروت، ط4، 1982، ص49.
[2]- سورة طه الآية 29 – 31
[3]- سورة الانشراح الآية 2 -3
[4]- باقر شريف القريشي، نظام الحكم والادارة في الاسلام، مطبعة الآداب، النجف، 1966، ص312.
[5]- سورة يوسف الآية 88.
[6]- أبن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، دار أحياء الكتب العربية،بيروت، دون سنة نشر، ص 177.
[7]- د. فاروق عمر، الجذور التاريخية للوزارة العباسية، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1986، ص177.
[8]- د. ابراهيم الكردي، نظام الوزارة في العصر العباسي، شركة كاظمة للنشر والتوزيع، الكويت، 1983، ص15.
[9]- د. فاروق عمر، المصدر السابق، ص17.
[10]- سورة طه الآية 29 – 32.
[11]- سورة الفرقان أية 35.
[12]- السيد هاشم الخطيب، الأوائل في الاسلام، مطبعة الجاحظ، بغداد، 1990، ص52.
[13]- د. محمد أنس قاسم، النظم السياسية والقانون الدستوري، دار النهضة العربية، القاهرة، 1999، ص153.
[14]- د. محمد أنس قاسم، المصدر نفسه، ص154.
[15]- د. السيد صبري، حكومة الوزارة، المطبعة العالمية، القاهرة، 1973، ص67.
[16]- د. إبراهيم عبد العزيز شيحا و د. محمد رفعت، النظم السياسية والقانون الدستوري، الفتح للطباعة والنشر، الاسكندرية، 2001، ص318.
[17]- د. ادمون رباط، الوسيط في القانون الدستوري العام، دار العلم للملايين، بيروت، 1968، ص131.
[18]- د. أدمون رباط، المصدر نفسه، ص132.
[19]- د. موريس دفرجيه،دساتير فرنسا، المطبعة النموذجية، بيروت، دون سنة نشر، ص12 – 13.
[20]- د. موريس دفرجيه، المصدر نفسه، ص13.
[21]- اندريه هوريو، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت، 1974، ص 265.
[22]- د. أدمون رباط، مصدر سابق، ص 267 – 268.
[23]- أندريه هاريو، مصدر سابق، ص99.
[24]- موريس دفرجيه، مصدر سابق، ص99.
[25]- د. يونان لبيب رزق، تاريخ الوزارات المصرية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، 1975، ص 9 – 14.
[26]- د. طعيمة الجرف، موجز القانون الدستوري، مكتبة القاهرة الحديثة، القاهرة، 1970، ص229- 241.
[27]- د. سليمان الطماوي، الوجيز في نظم الحكم والادارة، دار الفكر العربي، الاسكندرية، 1970، ص1969 – 1970.
[28]- د. صالح جواد كاظم وأخرون، النظام الدستوري في العراق، مطبعة بغداد، بغداد، 1980، ص 10 وما بعدها.
[29]- د. صالح جواد كاظم وآخرون ، المصدر نفسه، ص13.
[30]- أصبح النص على المساواة امام القانون من المبادئ الدستورية التقليدية التي تنص عليها الدساتير، راجع نص م 14 من دستور العراق لعام 2005.
[31]- د.محمد قدري حسن، رئيس مجلس الوزراء في النظم البرلمانية المعاصرة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1987، ص385.
[32]- موريس دفرجيه، مصدر سابق، ص 79.
[33]- د. أدمون رباط، مصدر سابق، ص 140.
[34]- م (68/2) من الدستور الفرنسي لعام 1958.
[35]- م (68 / 1) من نفس الدستور.
[36]- م (73) من القانون الاساسي العراقي لعام 1925.
[37]- م (81) من نفس الدستور.
[38]- م (82/1) من القانون الاساسي العراقي.
[39]- د. مصطفى أبو زيد فهمي، الدستور المصري ومبادئ الانظمة السياسية، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية،2004، ص656.
[40]- د. مصطفى ابو زيد فهمي، المصدر نفسه، ص656.
[41]- د. مصطفى ابو زيد فهمي، المصدر نفسه، ص660.
[42]- د. محمد قدري حسن مصدر سابق، ص395.
[43]- د. محمد كامل ليلة، النظم السياسية الدولة والحكومة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1966، ص382.
[44]- د. السد صبري، مصدر سابق، ص76.
[45]- د. السيد صبري، المصدر نفسه، ص77.
[46]- د. سليمان الطماوي، السلطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة والفكر السياسي الاسلامي، دار الفكر العربي، القاهرة، 1977، ص478.
[47]- د. سليمان الطماوي، المصدر نفسه، ص 480.
[48]- د. صالح جواد الكاظم و د.علي غالب العاني، الانظمة السياسية، دار الحكمة، بغداد، 1991، ص 67.
[49]- م (54) من القانون الأساسي العراقي لعام 1925.
[50]- م (26/2) و م(27) من الدستور أعلاه.
[51]- رافع انور الخطيب، الأصول البرلمانية في لبنان وسائر البلاد العربية، دار العلم للملايين، بيروت، 1961، ص290.
[52]- م (54) من القانون الأساسي العراقي لعام 1925.
[53]- د. السيد صبري،مصدر سابق، ص 548.
[54]- م (66) من القانون الأساسي العراقي لعام 1925.
[55]- م (52 /2) من الدستور نفسه.
[56]- م (55/ب) من الدستور العراقي لعام 1970.
[57]- م (57 / أولاً) من قانون المجلس الوطني رقم 26 لسنة 1995.
[58]- م (94/ أولاً) من النظام الداخلي للمجلس الوطني رقم 26 لسنة 1995.
[59]- م (96) من النظام الداخلي.
[60]- م (95 / ثالثاً) من النظام الداخلي.
[61]- م (95 / أولاً) من النظام الداخلي.
[62]- م (5 / ثانياً – ثالثاً) من النظام الداخلي.
[63]- م (96/ ثانياً) من النظام الداخلي.
[64]- م (96/ أولاً) من النظام الداخلي.
[65]- م (97/ أولاً) من النظام الداخلي.
[66]- م (97/ ثالثاً) من النظام الداخلي.
[67]- م (97/ رابعاً) من النظام الداخلي.
[68]- م (97 / سادساً) من النظام الداخلي.
[69]- م (97/ سابعاً) من النظام الداخلي.
[70]- م (95/ أولاً/ ب) من قانون المجلس الوطني رقم 26 لسنة 1995.
[71]- م (33/ز) من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية.
[72]- م(40/أ) من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية.
[73]- م(38/أ) من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية.
[74]- د. علي يوسف الشكري وآخرون، دراسات حول الدستور العراقي، مؤسسة آفاق للدراسات والأبحاث العراقية،بغداد، 2008. ص326 - 329
[75]- د. علي يوسف الشكري وآخرون، المصدر نفسه، ص357 – 359.