قصيدة النثر العربية - النشأة والمرجعيات اللغوية -
كان على قصيدة النثر العربية أن تتخطى إشكالات كثيرة ، لعلَّ من أبرزها العلاقة بين روادها في الوطن العربي ، وأساتذتهم في الغرب ، وفيما إذا كانت تلك العلاقة علاقة تـأثر إيجابي يقوم على الانتفاع من تجارب الآخرين.. أم أنَّها علاقة تقليد ؟ فإن كانت الأولى فمن الذي يزعم أنَّ شاعرنا الناشئ يقف موقف المتأثر المجرد لا المقلد ، وإذا كانت الثانية ؛ فلماذا يقلِّد الغرب بكل ما يحمله من اختلاف في بيئته الشخصية والفكرية ؟
بين يدي البحث :
كان على قصيدة النثر العربية أن تتخطى إشكالات كثيرة ، لعلَّ من أبرزها العلاقة بين روادها في الوطن العربي ، وأساتذتهم في الغرب ، وفيما إذا كانت تلك العلاقة علاقة تـأثر إيجابي يقوم على الانتفاع من تجارب الآخرين.. أم أنَّها علاقة تقليد ؟ فإن كانت الأولى فمن الذي يزعم أنَّ شاعرنا الناشئ يقف موقف المتأثر المجرد لا المقلد ، وإذا كانت الثانية ؛ فلماذا يقلِّد الغرب بكل ما يحمله من اختلاف في بيئته الشخصية والفكرية ؟
ولعلَّ هاجس التجديد في الشعر العربي كان وراء كل ذلك ، فلكلّ إفراز مخاض سرعان ما ينحسر عما قد يتساوق وتقاليد أمة من الأمم ، أو أنَّه ينحسر عما قد لا يكون مألوفًا ، فيرفع المراقبون عقيرتهم ، ويبقى ما يتحصل من كل ذلك تاريخ مدوَّن سرعان ما تقلِّبُه البحوث والدراسات بغية التصنيف والإنصاف.
والتعدد في الاتجاهات التجديدية يشير – على ما أظن – إلى أمرين :
الأول : إنَّ كثرة منابر التجديد يشكِّل دلالة قاطعة على انبهار إنساننا العربي بالمنجز الحضاري الأوربي الزاخر بما يلفت الانتباه ، ويأخذ بالتلابيب ، فيحار المتأمل بما يأخذ ، أو يدع ، والأمر على هذا النحو يعكس التمزق الوجداني والفكري الذي تنوء به أمتنا ، فالشاعر ينجز شعرًا غاية في الصرامة ، كأنَّه شعر جاهلي إلى جوار ضروب من الشعر لم يألفها محيطنا الأدبي ، ولم تدر في خلده ، يقرأها العربي الذي اعتاد تلقي الشعر بيسر وسهولة ، فلا يخرج منها إلا بألف علامة استفهام... ولعلَّ هذا ما يفسر لنا قول (غالي شكري) : إنَّ الشعر العربي كان ينظر إليه " لقيط تربى في ملجأ أيتام "(1).
والحق أنَّه لا يجدر بباحث أن يلقي باللائمة على الجمهور المتلقي ، ففي الأمة من هم أولى باللوم ، وهم النقاد الذين اختلفوا في تحديد ماهية الشعر الحديث مثلما اختلفوا في تسميته ، فنجد نازك الملائكة تسميه الشعر المعاصر في كتابها (قضايا الشعر المعاصر) أما محمد النويهي فرأى أنَّه شعر جديد وليس معاصرًا ، وذلك في كتابه (قضيَّة الشعر الجديد) ، ورفض غالي شكري كلتا التسميتين؛ فرأى أنَّه شعر حديث نظرًا لما تشتمل عليه لفظة الحداثة من شمول لا نجده في كلمتي المعاصر والجديد.
أما ثانيهما : فإنَّ للصورة وجهًا آخر يمكن أن يقرأ من زاوية أن التعدد الحاصل الذي يصل حدَّ الاختلاف إنما يشير إلى خصب القريحة العربية ، وقدرتها على مواكبة كل جديد في حقل الشعر.
ومن هنا جاء هذا البحث محاولة في تحديد البلدان العربية التي كانت تشكل الحواضن الخصبة لاحتضان بذور هذا النهج الشعري الجديد قياسًا إلى الإرث الشكلي للشعر العربي المألوف، ومن ثمَّ محاولة الوقوف على ما افترضه متعاطو قصيدة النثر العربية فضلاً عن مراقبيها من نماذج لغوية يمكن أن تكون مرجعيات لشكلها فضلاً عن لغتها.
المبحث الأول : نشأة قصيدة النثر
" التاريخ للظاهرة الأدبية أشد ما يكون استعصاءً على من يريد التدقيق في حصرها ، وتحديد وقتها لأنها لا تظهر إلا بعد مقدمات عدَّة يتوافق بعضها على فعالية بعض ، ومن هذا التوافق والتغالب تنتج الظاهرة الأدبية "(2) ، وبهذا فإنَّ الدكتور طه حسين إنما يشير إلى حقيقة مؤداها أنَّ من العزيز على المرء أن يظفر بشيء ذي بال وهو يبتغي التاريخ لظاهرة أو حدث أدبي ، لأنَّ الظواهر الأدبية إنما هي نتيجة لمقدمات عديدة تشترك فيها أطراف شتى ، فضلاً عن البحث في أوليَّة الفنون والظواهر الأدبية يشبه – إلى حد كبير – السير في أرض غير موطوءة ، وإذا ما وقع نظرك على خطى سالفة فإنَّك ستجد أنَّها تلامس هذا الجانب أو ذاك من جوانب الحقيقة ؛ كل ذلك وأنت تغض الطرف عن جوانب أخرى ، غير أنَّ إشارات الدكتور طه حسين تلك لا ينبغي أن تصرفنا عن القيام بالمحاولة ، لأنها خير من النكوص البائس. من هذا المنطلق نشرع البحث عن نشأة قصيدة النثر العربية.
والذي نراه أنَّ قصيدة النثر اقترنت بطموح جمهور من الشعراء كانوا يصبون إلى الانقلاب على سلطان القواعد إلى عالم رحب الآماد ، مترامي التخوم ، مفعم بالحرية ،.. إنه عالم النثر الذي وصف بأنَّه " يسير في طريق من صنعه ، وله الخيار في كل خطوة يخطوها.. ومن ثمَّ يجد تسجيل الحياة ذات الخصائص والمظاهر المتنوعة "(3).
وعليه كان النزوع إلى الحرية من البوادر الأولى لظهور قصيدة النثر ، ولاسيما حين أخذ فريق من الأدباء يشعرون أنَّ الكتابة زقاق غير نافذ – على رأي رولان بارت – وبعبارة أخرى حين غدا الشعر تعاملاً فرديًا مع الألاعيب اللفظية ، واتباعًا مشوَّهًا للقواعد الأكثر فنيَّةً ، لذلك فقد كان أكثر إيناسًا من الأحاديث الاعتياديَّة(4).
أما الشكل في الشعر الكلاسيكي فما عاد أكثر من وعاء يبحث عمَّن يملؤه ، وكان هذا الملء مبتغى الشعراء وشغلهم الشاغل ، وعليه جاءت قصيدة النثر - بوصفها بحثًا عن اتجاه شعري حر – لتطيح بمظاهر الجمود والركاكة والصيغ التي لاكتها العادة ، وأفرغها التكرار من روحها ، مع الاحتراز من أنَّ هذا الظهور لا تمليه – بالضرورة – طبيعة الموقف الأدبي وقتذاك بقدر ما يشير إلى أنها خروج هادف مقصود.
والحق أنَّ نشأة قصيدة النثر تقترن بترجمة القصائد من لغة إلى أخرى ، فالمترجم بعد أن يقتلع القصيدة من لغتها فإنَّه يحاول إنتاجها على نحو يحسب أنَّه مطابق لما كانت عليه القصيدة ، غير أنَّ ما يحول دون ذلك اختلاف الأداء الشعري بين الأمم تبعًا لتغاير الأدوات الفنيَّة والأسلوبيَّة للغات تلك الأمم فضلاً عن اختلاف تقاليد الإبداع الفني فيها.
إنَّ أهميَّة القصيدة المترجمة لا تتمثَّل في هذه القصيدة ذاتها ، إذ إنَّها لا تضاهي القصيدة الأم ، ولكنَّ الأهميَّة تكمن في أنَّها كانت حافزًا حدا بالكثيرين إلى إبداع قصائد تمثل أصلاً بذاتها من دون أن تكون صورة لأصل سابق ، ويخيّل للباحث أنَّ قصائد المرحلة الأولى لعموم قصيدة النثر – على الرغم من أهميتها بوصفها جذورًا لقصيدة النثر الحديثة – لم تتعدَّ كونها الهاجس الفردي ، أو المنجز الجزئي المتحقق بقصد أو من دون قصد في نتاج (غوته) و(هاينه) و(إدغار ألن بو)(5).
وقد تعهَّدت روح العصر وحركة التأثر والتأثير في الآداب والفنون قصيدة النثر بالرعاية والعناية لتسلمها إلى مواهب كبرى تأخذ على عاتقها الارتفاع بها ولاسيما على يد الشعراء الرمزيين الفرنسيين ، وعلى رأسهم الشاعر (شارل بودلير) في مجموعته (قصائد نثرية قصيرة Poetics Poems Prose).
ويوحي كلام أحد الدارسين بأنَّ (رامبو) أول من كتب قصيدة النثر مما يجعله متقدمًا على بودلير(6) ، وهذا وهم ، لأنَّ رامبو ابتدأ كتابة قصيدة النثر بعد وفاة بودلير بثلاث سنوات ، أي منذ عام 1870 م ، فكيف يصح أن يكون متقدمًا عليه ، فضلاً عن أنَّ رامبو نفسه كان يؤكد أنَّه مفتون بقصائد بودلير النثرية(7) ، ويقترن بهذين الشاعرين شاعر فرنسي ثالث ، ذلك هو (ملاراميه) الذي خطى بقصيدة النثر خطوات عريقة ، فجعل من القصيدة حلقة وصل بين الشاعر والقارئ ، حتى قال : " إنَّ معنى أبياتي هو ذلك الذي يعطيه لها القارئ "(8) ، وظهور هؤلاء الشعراء في فرنسا يؤكد أنَّ قصيدة النثر فرنسيَّة بامتياز ، ويشهد على ذلك أنَّ التقاليد التربوية الشعريَّة الفرنسية تصر على الفصل الحاسم بين الشعر والنثر ، وذلك خلاف التقاليد الشعرية في سواها من بلدان أوربا(9).
أما في أمريكا ، فقد تبوّأ الشاعر (والت ويتمان) الصدارة بين الشعراء الذين تصدوا لكتابة القصائد النثرية ، ولاسيما في ديوانه (أوراق العشب) الذي ظهرت طبعته الأولى عام 1885 م (10).
وعليه فإنَّ قصيدة النثر قصيدة أوربية إذا شئنا الإعمام ، ونجد بذورها عند شعراء ألمان ، ثمّ يطورها الفرنسيون ، والأمريكان ، وجوبهت بغير قليل من المعارضة خارج فرنسا بخاصة(11) ، وهذا ديدن كل حركة جديدة ، لكنها لم تلبث أن حصلت على جواز الإقامة في مملكة الشعر ، بل أنَّ التحمس لها يتصاعد يومًا بعد آخر حتى أثارت (سان جون بيرس) ليقول : " في الحقيقة أنَّ النثر الرديء هو نثر شعري ، والقسم القليل من الشعر الرديء رديء لأنه نثري "(12).
أما في الوطن العربي فقد استيقظ العرب بعد رقود طويل ، ليجدوا أنَّ الكون قد قطع أشواطًا بعيدة في مسيرة الحضارة ، فكان للشعر تقاليده الخاصة إذ لا يختلط بالنثر ،ولا يتوقع منه أية مساعدة ، بل إنَّه يأنف من أن يعدّ منافسًا للنثر ، ولما كانت المقدمات تقود إلى النتائج ، والتطرف يقود إلى التطرف غدت المواضعات الشعرية ذات قيمتين ، فهي تمثل عند قوم آلهة مقدسة يلعن من يخرج عليها ، أو يحيد عنها ، بينما ينظر إليها آخرون على أنَّها أصنام لا يذكرونها إلا للسخرية والتندر ، وإذا كان لا يعنينا في هذا المقام الحديث عن كلا الموقفين ، فإننا نشير إلى أنَّ الحماسة للنتاج الغربي ، والهوس بالمنجز الحضاري للغرب كان من أهم العوامل المساهمة في نشأة قصيدة النثر العربية.
" يوسف ، أدونيس ، خليل حاوي ، نذير عظمة ، هؤلاء هم الشعراء الأساسيون الذين شكلوا نواة تجمع شعر في البداية ، والذين سينضم إليهم عدد من النقاد الشبان : كأسعد رزوق ,انسي الحاج وخالدة سعيد "(13) ، واستطاعت مجلتهم (= شعر) استقطاب فؤاد رفقة ومحمد الماغوط ومنير بشور وشوقي أبي شقرا وعصام محفوظ ، وهم من الشعراء الشباب آنذاك(14).
ومنذ صدور العدد الأول لمجلة (شعر) اللبنانية أخذت تتعهد هذا اللون الإبداعي الجديد بالرعاية والتبشير سواء عن طريق طبع مجاميع قصائد النثر والتبشير بها ، أو عن طريق ترجمة أعمال كثير من الشعراء الذين كتبوا القصائد النثرية مثل : بودلير ، ورامبو وملاراميه ولوتريامون ، أو عم طريق تشجيع الناشئين على كتابة قصيدة النثر(15).
ولأمر ما لم تكن مصر شديدة الحماسة لهذا الاتجاه الشعري الجديد في أول الأمر – على الأقل – على نطاق الإبداع الشعري ، أما على النطاق التنظيري فإننا نجد (غالي شكري) شديد الحماسة لقصيدة النثر ، ويشهد على ذلك كتابه (شعرنا الحديث.. إلى أين ؟).
أما في العراق فقد كان المناخ مهيئًا – إلى حد ما – لاستقبال قصيدة النثر ، ولاسيما بعد دعوات الزهاوي إلى الشعر (المرسل) ، والرصافي إلى الشعر (المهموس) ، وحسين مردان في ديوانه (الربيع والجوع) الذي جاء على غلافه أنَّه من النثر المركَّز(16) ، ولعلَّ آخر الدعوات هي الأكثر جرأة إذ حملت صراحة على الوزن الشعري ودعت إلى استبعاده نهائيًا عن الشعر ، ولا أدل على ذلك من قول حسين مردان عن الوزن أنَّه " حبل قصير لا يصل إلى القعر ، لذلك لا بدَّ من الاستغناء عنه والسقوط إلى الأعماق لنفرك التراب اللزج في القاع فتشع المعادن الكامنة فيه(17).
وشكَّل ظهور مجلة (شعر الكلمة) في العراق عام 1968 م منبرًا يدعو الشعراء إلى كتابة قصيدة النثر بكل حماسة مستندين إلى أن " الدعوة لكتابة قصيدة النثر تنطلق من موقف حضاري قائم على نقيض شعري يستند على النقل الميكانيكي للمنظورات والعقل... ذلك أنَّ القوى المعطَّلة داخل الإنسان لا يمكن أن تجد طريقها في الشعر إلا من خلال الصراع الشعري ذاته ، وحتى هذا الصراع لا بدَّ أن يخضع لقانون القصيدة الذي هو الفني والتتابع... إنَّه اغتصاب لما هو أكثر مفاجأة ، وإلغاء للعلاقات التي تربط حركة القصيدة... بهذا الوعي ينمو لإنسان التأريخ ، والإنسان القيمة ، داخل سلطة القصيدة.. "(18) ، ولما كانت منابر التجديد كثيرة ومتعددة ، فقد كان الجو الأدبي في شغل شاغل عن خوض المعارك العنيفة ، وهي - أعني قصيدة النثر في العراق – وإن جوبهت بالمعارضة إلا أنَّها لم تكن كتلك المعارضة التي قوبلت بها حركة الشعر الحر.
ومن أبرز الدعاة إلى قصيدة النثر في العراق : موسى النقدي ، وسركون بولص ، وصلاح فائق ، وسلامة كاظم ، وغيرهم(19) ، وإذا ذكرت قصيدة النثر في العراق إنما تذكر مقترنة بمجلة (الكلمة) لصاحبها السيد (حميد المطبعي) ، وقد كانت هذه المجلة شديدة التحمس لقصيدة النثر ، والدعوة إليها ، ومناهضة من يحاول الوقوف بوجهها(20) ، ولا يغفل عن أنَّ قصيدة النثر العراقية لم تتطور كثيرًا على نحو ما تطورت إليه قصيدة النثر اللبنانية ، وقد عزا أحد الباحثين ذلك إلى أنَّ " البناء الفعلي للشاعر لم يتطور كثيرًا إلا بما يجعله عموديًا داخل قصيدته الجديدة سلفيًا داخل أجهزة الفيديو متأخرًا حتى وهو يستخدم العلوم الثقافية الجديدة "(21).
ولم يكن الأمر على النحو المتصور آنفًا ؛ لأنَّ التطور الوئيد لقصيدة النثر في العراق مرده إلى انكماش المجتمع العراقي المحافظ - وقتذاك – إزاء نتاج وافد من الخارج ، ولم ينظر إليه إلا بوصفه محاولة لهدم الثقافة العربية السائدة ، وهنا يكمن دور النقد الجاد في كسر الحظر الثقافي أو الجماهيري ، وهو ما تهيَّأ لها فعلاً فيما بعد.
وإذا كانت قصيدة النثر العربية قد بدأت تحذو حذو القصيدة النثرية الغربية ، فإنها حققت – فيما بعد – حضورها الخاص اعتمادًا على استقراء كثير مما جاء به تراثنا العربي ، الذي يحتمل أكثر من قراءة تجعله محملاً بالأبعاد الإنسانية الخالدة " وصحيح أنَّ العامل المحرض لنشوء قصيدة النثر العربية كان المثاقفة ، والاحتكاك بإنجازات قصيدة النثر الأوربية ، ولكن وجود إنجاز عربي ألحق ظلمًا بحق النثر ، ويشجع الشاعر والناقد العربي على إعادة النظر في التراث لتوفير سند لنوع شعري يلقى هجومًا عنيفًا من قبل قلاع الشعر التقليدي "(22) ، ويسعى إلى تحقيق عدد من الأدباء والنقاد الجادّين يقف أدونيس على رأسهم..
المبحث الثاني :المرجعيات اللغوية
من نوافل القول الإشارة إلى أنَّ الوزن هو آخر القلاع الشكلية لصورة الإيقاع المنتظم في القصيدة العربيَّة ، وسرعان ما بدأ هذا الحصن بالتآكل من خلال ثورة الشعر الحر ، فلم يبقَ من ذلك الانتظام سوى التفعيلة التي تنتظم مع غيرها على أساس إتمام ما يريد الشاعر البوح به ، وبذا فقد يتضمَّن الشطر الشعري تفعيلة أو أكثر ، وقد تشطر التفعيلة فيتحقق الفصل الشعري – ومن خلالها فقط – بشطرين كل منهما يحتضن شطرًا من التفعيلة.
وكل ذلك جعل الفرصة مواتية لرواد التجربة الشعرية الحديثة ، ولاسيما من أراد مجاراة النموذج الشعري الوافد (قصيدة النثر) ، مما جعل أعناق التجديد والحداثة تشرئب لتدق آخر إسفين في نعش النظام الوزني الموروث ، وذلك من خلال نسق آخر مظاهره المتمثلة بالتفعيلة.
وحري بنا أن نعرف ما هي البدائل الإيقاعية التي يوفرها النثر لكي يتمكن أرباب قصيدة النثر من خلالها مواصلة نهجهم المتبني لنموذج لغوي يكفل للمتلقي مواصفات شعرية ؟ ، والإجابة تبدأ من الإجابة على سؤال عن ماهيَّة الإيقاع في النثر.
يقول أرسطو " فأما شكل القول فينبغي ألاّ يكون ذا وزن ، ولا بدون إيقاع ، فإنَّه إن كان ذا وزن ، فإنَّه يفتقر الإقناع ، لأنَّه يبدو متكلَّفًا ، وفي نفس الوقت يصرف انتباه السامع ، إذ يوجهه إلى ترقب عودة سياق الوزن... وإذا كان بدون إيقاع ، فإنَّه يكون غير محدود بينما ينبغي أن يكون محدودًا (لكن لا بالزمن) ، لأنَّ ما هو غير محدود ولا يمكن أن يعرف ، وكل الأشياء محدودة بالعدد ، والعدد الخاص بشكل القول هو الإيقاع ، والأوزان (البحور) أقسام من الإيقاع ، ولهذا يكون النثر ذا إيقاع.. "(23).
وفيما تقدَّم يرى أرسطو أنَّ للنثر إيقاعًا يختلف عن إيقاع الشعر المعتمد على ما هو متوفر في النثر ، وعليه يفرق بين الوزن والإيقاع ، فللشعر وزن يساعد على ظهور الإيقاع ، وللنثر إيقاع ينشأ من وجود بعض " المحسنات البديعية التي تساعد على جعل النثر موسيقيًا ، وهي الطباق والمضارعة وتساوي المصاريع.. "(24).
أما ابن سينا ومن بعد ابن رشد فقد رأى كل منهما أنَّ العرب اهتمت بإبراز الإيقاع النثري من خلال موازنة الكلام ، والاهتمام بطول المصاريع وقصرها ، ومعادلة ما بينهما في عدد الألفاظ والحروف ، وكذلك الاهتمام بالسجع وتشابه حروف الأجزاء لما للسجع من خاصيّة إيقاعيَّة واضحة وإن كانت تلك الأمور لا ترتقي بالنثر إلى النظم (25) ، وبهذا فالنثر " لا يخلو من نوع من الوزن والإيقاع ، ولكن وجود هذه الظاهرة الصوتية تختلف عن وجودها في الشعر كيفًا وكمًا ومصدرًا ، فإذا كان مبعثها في الشعر توالي التفعيلات بما فيها من متحركات وسواكن وتتابعها على نحو منتظم في البيت من القصيدة ، فإنَّ مبعثها في النثر المناسبة والموازنة بين الألفاظ في الجمل والعبارات ، أو بين الجمل والعبارات أنفسها.. "(26).
وعلى نحو ما تقدَّم أشارت الدراسات النقدية إلى نماذج لغوية تعد المراجع اللغوية التي تستند إليها قصيدة النثر شكلاً ولغةً ، وذلك لما يتوافر في تلك المرجعيات اللغوية من عودة إلى جنس(27) الإيقاع من دون التشبث بأحد أنواعه ، ولاسيما الوزن ، بوصفه حدًا فاصلاً بين الإيقاع واللاإيقاع.
ولذلك سنعرض لتلك المرجعيات بغية الوقوف على الأواصر الحقيقية بينها وبين ما ورثناه من مقاييس للشعر العربي ، ومن ثمَّ بينها وبين الأنموذج اللغوي المطوَّر لاستيعاب الدلالات والحاجات النفسيَّة للشاعر العربي الحديث ، وتلك المرجعيات هي :
1- القرآن الكريم :
صاحب هذا المقترح هو (شارلس هنري فورد)(28) ، ولعلَّ ما يدفع إلى أنَّ لغة القرآن الكريم يمكن أن تكون مرجعًا لغويًا وشكليًا لقصيدة النثر هو أنَّ لغة الخطاب القرآني تجتمع فيها عدَّة خصائص فنيَّة تحيلها – في نظر البعض – إلى نوع من الشعر ، ومن بين أبرز تلك الخصائص :
· حضور المستوى الوزني : فالتناسق الفني مظهر من مظاهر تصوير المعنى وشد المتلقي ، الأمر الذي يجعلنا نسمع القرآن في كثير من المواضع وهو مفعم بموسيقى الشعر الخارجيَّة من عبارات متزنة ، ومتكافئة(29) ، وقد يكون هذا الحضور على مستوى التفعيلة ، نحو :
((إنَّ علينا للهدى)) (الليل : 12)
مسْتَعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ
(مطوية)
((بل كذَّبوا بالسّاعة)) (الفرقان : 11)
مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ
((حتى يخوضوا في حديثٍ غيرهِ)) (النساء : 42)
مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلْ
(مقطوعة)
((اذهبْ إلى فرعون إنَّه طغى)) (طه 24)
مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ (30)
· حضور المستوى الفونيمي(31) : وذلك يتمثل في الفاصلة القرآنية وما تؤديه من انسجام موسيقي يراعى فيها الدلالات الفنية واللغوية والاجتماعية والنفسية ، فضلاً عن السمة التعبيريَّة(32) التي ينفرد بها القرآن الكريم.
سسويتجلى حضور المستوى الفونيمي من خلال اللفظ والعبارة ، أما إيقاع اللفظ فيعني أثر الصوت في اللفظة المفردة ، وتآلفه مع الأصوات المجاورة ، وما يتركه من أثر في المتلقي ، وأما إيقاع العبارة فيحدثه " حركة ودينامية الأصوات ليس داخل المفردة فقط ، وإنما داخل السياق القرآني للعبارة ، أو مجموعة الألفاظ المكونة للسياق ، إذ تتوزع ألأصوات توزيعًا متلائمًا يؤدي دلالات وظيفية واضحة "(33).
ويخلق بنا الالتفات إلى أنَّ ما يحيِّد القرآن عن قصيدة النثر بصورة خاصَّة ، والشعر بصورة عامَّة هو أنَّ القرآن لم يكتب بنيَّة الشعر ((وما علَّمناه الشعر وما ينبغي له)) (يس : 69) ، وعليه فإنَّ (القصد) ، أو (النيَّة) مفهوم نقدي يسهم في تجنيس النص ، وقد أخذ بنظر الاعتبار عند النقاد الأوائل ، فقالوا : " الشعر بعد النيَّة من أربعة أشياء ، وهي : اللفظ ، والوزن ، والمعنى ، والقافية ، فهذا هو حد الشعر "(34) ، وكان القصد من اعتماد مبدأ النيَّة أمرين :
الأول : إخراج ما جاء في القرآن وعلى لسان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) من كلام موزون ومقفى ، أي نفي الشعر والشاعر عن القرآن الكريم والرسول(صلى الله عليه وآله وسلم).
والثاني : يتعلَّق بالشعر ، ومعرفة قوانينه ، فليس كل من قال الشعر اتفاقًا جديرًا بصفة الشاعر ، وليس كل كلام جاء شعرًا اتفاقًا جديرًا بأن يعد شعرًا.
والحق أنَّ رواد قصيدة النثر لم يغفلوا عن هذا الجانب ، إذ لم يقبل الغربيون " تحت عنوان قصيدة النثر إلا الأعمال التي اعترف مؤلفوها بشكل ما أنها أرادت أن تكون كذا.. "(35).
2 – الكتاب المقدَّس :
اللغة الطقوسيَّة ، والأجواء الأسطوريَّة ، والقيم المعرفية والدينيَّة هي سمات الكتاب المقدَّس ، وهذه السمات إنَّما تتجلى من خلال المنظومة اللغوية للكتاب ، الأمر الذي أغوى رواد قصيدة النثر العربيَّة – ولاسيما المسيحيون منهم – باعتمادها مرجعًا لغويًا ، وكانت نسبة الاستلال من الكتاب المقدَّس تتجلى في عبارات وصيغ وكلمات كثيرة " إلا أنَّها بدت تمتلك وظائف سياقية غير التي نشهدها في الكتاب المقدَّس ، فإذا ما كان النسق في الكتاب المقدَّس على ما فيه من الشعريَّة يقوم على وظيفة دينيَّة فإنَّ النسق في هذه التجربة.... تنقلب بنيَّته في القيام على الوظيفة الأصليَّة "(36).
ومن نصوص الكتاب المقدَّس التي تذكر بالأداء اللغوي لقصيدة النثر ما جاء في نشيد الإنشاد :
ليقبلني بقبلات فمه لأنَّ حبَّك أطيب من الخمر
لرائحة إدهانك الطيبة اسمك دهن مهراق
لذلك أحبتك العذارى
اجذبني وراءك فنجري..
نبتهج ونفرح بك. تذكر حبك أكثر من الخمر
أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم كخيام قيدار كشقق سليمان
لا تنظرنَّ إليَّ لكوني سوداء لأنَّ الشمس قد لوحتني
بنو أمي غضبوا عليَّ
جعلوني ناطورة الكروم ، أما كرمي فلم أنظره
أخبرني يا من تحبه نفسي أين ترعى ، أين تربض عند الظهيرة
لماذا أنا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك "(37)
وهنا لا أحسب أن متلقيًا يعدم شعريَّة هذا النص المسيحي ، ولذا فإنَّ وقوف شعراء قصيدة النثر عند مثل هذه النصوص ، وما تتمتع به من شحنة طقوسية سوف يحملهم على استلهام عناصره الأدائية فضلاً عن رموزه ، ومن ثمَّ تمثّل أجواء الكتاب المقدَّس ، ومن مصاديق ذلك ما نجده في (العشاء الأخير) ليوسف الخال ، إذ يقول :
" لنا الخمر والخير وليس معنا المعلم جراحنا
نهر من الفضة
في جدران شقوق عميقة على النوافذ
ريح في الباب طارق من الليل
ونحن نأكل ونشرب جراحنا نهر من الفضة
العلية تكاد تنهار الريح تمزق النوافذ
الطارق يقتحم الباب
تقول : لنأكل الآن ونشرب إلهنا مات
فليكن لنا آلهة أخر تعبنا من الكلمة وتاقت
نفوسنا إلى غباوة العرق
وتقول لتسقط العلية وتهلك الريح سترحمنا
والطارق سيجالسنا جائع هو إلى الخبز وظامئ
إلى عتيق الخمر
ونقول لعلَّ الطارق إلهنا الجديد وهذه الريح
أزهار شهية فتحت في المجاهل
ونظل نأكل ونشرب وليس معنا المعلم جراحنا
نهر من الفضة
وعند صياح الديك قليلون يشهدون الملكوت "(38)
ولا يخفى على متفحصٍ أنَّ النص الآنف بني على استيحاء ما جاء في الكتاب المقدَّس ، وذلك من حادثة مشهورة مفادها أنَّ المسيح(عليه السلام) ضمن ما تنبَّأ به أن أحد حواريه (سمعان بطرس) كان قد وعد المسيح(عليه السلام) بقوله : (إني مستعد أن أذهب معك إلى السجن ، وإلى الموت معًا) ، إلا أنَّه وعند القبض على المسيح(عليه السلام) ينكر معرفته ويشهد ثلاث مرات بذلك ، ويرد على المسيح(عليه السلام) : (إني أقول لك يا بطرس أنَّ الديك لا يصيح اليوم حتى تكون قد أنكرت ثلاث أنَّك تعرفني)(39).
3- البنـــد :
البند شعر ذو شطر واحد ، يقوم إيقاعه على أساس التفعيلة الواحدة المتكررة بحريَّة تامَّة ، وأوَّل ما وجد في جنوب العراق ، وفي البحرين ، ومنطقة الأهواز ، من أدباء تغلب عليهم الثقافة الدينيَّة(40) ، والبند قد يكتب بتفعيلة الرمل صافية ، أو بتفعيلة الهزج ، وقد تمتزج التفعيلتان في البند(41) (= الهزج والرمل) ، الأمر الذي يشعر المتلقي باضطراب وزن الرمل فضلاً عن الإشعار بالنثريَّة ، والإشعار الأخيرة هو ما يسوغ للشاعر وجود نموذج لغوي لا يلتزم بالوزن ، وله القدرة على البث الشعري ، ومن تلك النماذج البندية التي يمتزج فيها الرمل والهزج ما قاله السيد عبد الرؤوف الجدحفصي (ت 1113 هـ) ، وقد كتبه الدكتور مصطفى جمال الدين على وفق النظام السطري المعتمد في قصيدة النثر ، إذ يقول :
" ألا يا أيها الحادي
ترفَّق بفؤادي
واحبس الركب
ولو حلَّ عقال ، فكليم الشوق قد آنس برق القرب
من نحو حمى الحب
فظنَّ النور في الطور بجنح الليل نارا
فقد يقتبس النار كما ظنَّ بنعليه فنودي : اخلع "(42)
ويعترض البند سببان لا يؤهلانه لأن يكون النموذج اللغوي المحتذى لقصيدة النثر العربية :
الأول : جغرافي ، إذ ينحصر تعاطي هذا اللون الأدبي في العراق ، وعدم شيوعه في البلاد العربية ، وحينما شاع بعد القرن الحادي عشر الميلادي ، فإنَّه لم يتجاوز دول الخليج العربي ، فضلاً عن أنَّ روّاد قصيدة النثر في لبنان لم يكترثوا بالبند أساسًا ، وذلك نابع من جهلهم بوجوده أصلاً ، الأمر الذي يجعلنا ندرك أنَّ قصيدة النثر لم تنشأ عن البند.
والثاني : فني ، يتأتى من أنَّ البند يعتمد نظامًا عروضيًا مؤداه تكرار تفعيلة الهزج (= مفاعيلن) ، أو تفعيلة الرمل (= فاعلاتن) ، أو على وفق رغبة الناظم ، وهذا الملمح الأسلوبي على المستوى العروضي إنما يعزز رأي من يذهب إلى أنَّ قصيدة النثر العربية لو كانت وليدة هذا الشكل (= البند) لما ناهضت حركة الشعر الحر الذي جاء معتمدًا التفعيلة بوصفها أساسًا إيقاعيًا.
4 – الشعر المترجم :
لم تكن هموم ترجمة الشعر الغربي تقديم النتاج الشعري للآخر (= العربي) وحسب ، بل كانت تهدف إلى تشكيل الذائقة العربية ، وقد بدت ظلال ذلك واضحة في نمو قصيدة النثر العربية ، والمتأمل لا يعاني في الوصول إلى آثار (والت ويتمان) ، و (أليوت) ، و (بودلير) عند شعراء مجلة شعر فضلاً عن (سركون بولص) ، و(فاضل العزاوي).
وأحسب أنَّ كون الشعر المترجم يصلح لأن يكون شكلاً لغويًا يحتذى عند شعراء قصيدة النثر إنَّما يعود إلى أمرين :
الأول : انبهار الشاعر بمعطيات الثقافة الغربية ، الأمر الذي يسهم في ترشيح نماذج الشعر الغربي ، ولاسيما الفرنسي والإنكليزي ابتداءً لأن تكون مرجعًا لغويًا يلوذ الشعراء به في تطعيم نصوصهم بالآليات الشعريَّة المؤثرة (43).
الثاني : إمكانيَّة اللغة العربية في تهيئة المفردات والأساليب اللغوية ذات القدرة على امتصاص الشحنة الدلالية المؤثرة ، ولاسيما إذا تصدّى لذلك مترجم هو في الأصل يعد شاعرًا ذا شأن مثل أدونيس.
5 – النثر الصوفي :
قل للشمس أيتها المكتوبة بقلم الرب
أخرجي وجهك ، وابسطي من أعطافك
وسيري حيث ترين فرحك على همك
وأرسلي القمر بين يديك
ولتحدق بك النجوم الثابتة
وسيري تحت السحاب
واطلعي على قعور المياه
ولا تغربي في المغرب
ولا تطلعي في المشرق
وقفي للظل(44)
ليس هذا قصيدة نثر ، وإنما هو نص صوفي لم نحذف منه ولم نضف إليه ، سوى أننا اعتمدنا آلية النظام السطري في كتابته ، وتلك الآلية واحدة من آليات الفضاء الكتابي المعتمد في قصيدة النثر.
في مقابلة صحفيَّة سئل أدونيس عمّا إذا يمكن عدّ النص الصوفي العربي جذرًا لقصيدة النثر العربيَّة ، أي هل يمكن لقصيدة النثر العربيَّة أن تستمد شرعيتها الشكليَّة واللغويَّة من النص الصوفي ؟ فكان جوابه : " في الأساس أخذنا قصيدة النثر من النص الغربي ، ويجب أن نعلن هذا ونعرفه ، كما أخذ بودلير قصيدة النثر من أدغار ألن بو (نظريته في الشعر). الثقافات تتفاعل ، ونحن أخذنا قصيدة النثر من النص الغربي ، لكن بعد الاطلاع والقراءة يجب أن نقول أنَّه كان لدينا جذر يمكن أن نستند إليه وكنّا نجهله ، وهذا الجذر هو في الدرجة الأولى النص الصوفي "(45).
وفيما تقدَّم إشارة واضحة من أدونيس إلى حقيقة الجذر الغربي الذي أخذت عنه قصيدة النثر بحكم تفاعل الثقافات ، وهكذا حتى انتبهوا إلى النص الصوفي بعد أن حاولوا خلق قطيعة بينهم وبين التراث ، ولاسيما أنَّهم نظروا إلى جميع وحدات الموروث الأدبي ، وقد استهلكت ، وأصبحت مضامينها بحكم المألوفة.
وبعد ؛
فما هي الخصائص للغوية والفنية للنثر الصوفي التي تلتقي بها قصيدة النثر ، وفي أي شيء يلتقي الشاعر بالمتصوف ؟ والإجابة على الشق الأول من السؤال يجب بحث المادة الأوليَّة لكلا هذين اللونين من الكتابة ، ولعلَّ الإجابة تكمن في اللغة التي هي مفزع من يسأل مثل هذا السؤال.
وفي الحق ، فإنَّ اللغة تختلف عند كل من الشاعر والمتصوف ، تبعًا لاختلاف رؤية كل منهما ، فاللاوعي الذي يعتمده الصوفي – بوصفه نوعًا من أنواع الحلم يستغرق فيه – تفقد من خلاله الأشياء خصائصها السابقة في ذهنه ، وتكتسب مدلولات جديدة حتى يبدو العالم شيئًا جديدًا ، الأمر الذي يقود الرموز اللغوية إلى أن تتغيَّر مدلولاتها هي الأخرى ، تعبيرًا عن هذا التغيّر الهائل الذي طرأ على العالم(46) ، وفي هذا اتفاق إلى حد ما مع حالة (الإلهام) التي تنتاب الشعراء في أثناء الكتابة ، وقد يكون الاتفاق مع مبدأ الكتابة الآلية (= الكتابة في أقل درجة ممكنة من الوعي) ، وهذه حالات تقود إلى خلق علاقات جديدة بين الأشياء خاصة ، وأنّهم يستغرقوا في الخيال.
ومما يكشف النقاب عن تغير الرموز اللغوية ، واكتسابها مدلولات جديدة ، هو مبدأ التراكم المجازي الذي يتكشَّف في تداخل الصور ، ونفوذ بعضها في البعض الآخر وتداعيها في سياق البنية الاستيطيقية بين الجزئي المحسوس والكلي المجرَّد(47) ، وقد تسنّى للصوفيَّة أن يمزجوا كثيرًا من الأساليب الفنية الموروثة في تركيب يحيل إلى بناء رمزي مفعم بالإيحاء ، ومن هنا فلا " مناص إذا أهاب الصوفي بلغة الرمز من الأخذ بالتأويل وصرف المعاني الظاهرة إلى معان روحية باطنة ، ومما يعد خروجًا عن طبيعة الأمور أن نفهم لغة الصوفية في الحب الإلهي بمدلولها المادي ، أو نؤولها بما يتفق مع متطلبات ذلك المدلول ، ولعلَّ السبب الحقيقي في إهابة الصوفية بأساليب الرمز في أشعارهم أن التجارب الصوفية أشبه شيء بالتجارب الفنيَّة ، والرمز لا الإفصاح هو التعبير الوحيد الممكن عن هذه التجارب "(48).
ومن نافلة القول : إنَّ الصوفية كانوا قد أشاروا إلى طبيعة تجربتهم اللغوية مع ألفاظ تعارفوها بينهم ، وقصروها عليهم ، وقد شكَّلت عمادًا للغتهم شعرًا ونثرًا ، وقد أشاعوها في كتاباتهم ، إذ إنَّ " هذه الطائفة يستعملون ألفاظًا فيما بينهم قصدوا بها الكشف عن معانيهم لأنفسهم والإجماع والستر على من باينهم في طريقتهم لتكون معاني ألفاظهم مستبهمة على الأجانب غيرة منهم على أسرارهم "(49).
وبعد ؛
فإنَّ الإجابة على الشق الثاني من السؤال الآنف (= الصلة بين الصوفي والشاعر) إنما تتأتى من اعتماد كل منهما على الحدس الذاتي ، واستعمال اللغة المجازيَّة ، على أنَّ موضع الخلاف بينهما يكمن في أنَّ الشاعر يجد حقيقة تجربته بالولوج في صميم العالم بينما يجدها الصوفي بالفناء عن العالم ، إلا أنَّ تجربة الشاعر الصوفي تعتمد على الصراع في بدء المسار ، بيد أنَّ هذا الصراع يلازم الشاعر في أغلب تجاربه ، ولا يتخلَّص منه إلا في حالات عالية من (الصفاء والتركيز والاستغراق) ، وهو حينذاك يقترب من الرؤية الصوفية المذكورة آنفًا ، في حين لا بدَّ للصوفي من أن يخلَّص من هذا الصراع في نهاية التجربة ، أو أن يكون قد حرم مراده (50).
وهناك فارق آخر بين (الرؤيا الصوفية) ، و (الرؤيا الشعرية) ينبع من درجة تسامي كل منهما ، إذ إنَّ قمَّة مرحلة التسامي التي يسعى إليها الصوفي من أجل التوحد والفناء بالذات الإلهية يقود إلى ما يمكن أن يسمّى (اللازمنيَّة الصوفية) ، وتعرف عادة بـ (لحظة الإشراق الصوفي) ، وهذه في الحقيقة (أعني اللازمنية) من الخصائص التي تسعى إليها قصيدة النثر ، وتقود بدورها إلى خصيصة ثانية تلك هي (الإشراق) أو (التوهج)(51) ، ويرى (ولتر ستيس) في اللحظة الإشراقية أنَّها " بمثابة نقطة تقاطع لكل من النظام الإلهي (الأزل) ، والنظام الطبيعي (الزمن) "(52).
وما تقدَّم يقود صاحب التجربة الصوفية إلى الشذوذ عن مجتمعه ، مغتربًا غربة روحية لا يفيق منها بسبب إصابته بالشرود الذهني التام (اللاوعي) التي تصاحبها الدهشة ، أو الجنون ، أو سوى ذلك من أمراض الاغتراب الروحي التام لانفصاله التام عن الوجود ، وهنا يلتقي الصوفي مع كل من السريالي والشاعر(53) ، ولاسيما إذا أخذ بنظر الاعتبار (عنصر الدهشة) الذي يقود إلى الشعور بتجمد الزمن ، وتوقفه ، وقد يعزى ذلك إلى انشداد الذهن صوب زاوية الدهشة في الموقف من الطبيعة ، الانبهار بالجمال ، وتوقف الذهن عن التشتت ، وتركيز الذهن يجعله لا يلتفت إلى حركة الزمن ، وفي هذه النقطة تلتقي الذهنية الصوفية والشعرية والسريالية(54) ، الأمر الذي يسوِّغ لأدونيس رؤيته في أنَّ النص الصوفي قصيدة نثر ، يعني شعر ، قبل التسمية ، وبهذا المعنى يمكن القول عنها أنَّها سريالية قبل التسمية "(55)
الخاتمة :
ربَّما تجدر الإجابة عن سؤال قد يتسامى إلى ذهن القارئ بإلحاح ، وهو ما جدوى البحث عن النشأة والمرجعيات اللغوية لقصيدة النثر العربي ؟ وربَّما يتيسَّر لنا الإقناع إذ نقول : إنَّ مهمة البحث جاءت لتوجز القول في الظروف التاريخية ، وربَّما الموضوعية والفنيَّة التي أشاعت هذا اللون الشعري في مناطق محدودة من البلاد العربية ، وعلى يد جيل شعري مغامر يرع بعضه في تقديم شيء مغاير للموروث الشعري العربي ، فاقترن اسمه باسم هذا الجنس ، وبعضهم قضى نحبه على أعتاب قصيدة النثر من دون أن يفيَ بالتزاماتها المشترطة لتعاطي الكتابة بها.
والبحث كذلك أحصى ما يمكن أن يكون مرجعاً لشكل قصيدة النثر فضلاً عن لغتها من ألوان كتابية توفر في بعضها الصلاح ، وفي البعض الآخر لم يتوفر إلا التكهن ، وبعد أن كانت تلك المرجعيات متناثرة ، رأي هنا ، وآخر هناك ، جاء هذا البحث ليضمها إلى بعض.
وبعد ؛
فإننا سنوجز في هذه الخاتمة أهم نتائج هذا البحث على النحو الآتي :
كان من نتائج المبحث الأول :
- أن حددنا البؤرة المكانية التي انطلقت منها قصيدة النثر متوجهة إلى الأدب العربي ، وكان ذلك في لبنان على يد جماعة من مجلة (شعر) اللبنانية ، وكان تعاطي قصيدة النثر على خجل في العراق ومصر ، وإن كان العراق شهد حراكاً شعرياً على مستوى قصيدة النثر لا يخلو من الإثارة ولا يمكن تجاوزه.
- زخرت الحقبة التي سطع فيها شهاب قصيدة النثر بمحاولات عراقية لم تكن تحت عنوان قصيدة النثر ، وإنما تحت عنوان (النثر المركز) وذلك على نحو ما جاء في شعر حسين مردان.
- كانت مجلة (الكلمة) العراقية منبراً لقصيدة النثر في العراق مثلما كانت مجلة (شعر) منبراً لها في لبنان.
- إنَّ الترجمة الأدبية للنتاج الشعري الغربي كان محركاً فاعلاً لتعاطي قصيدة النثر ولاسيما أنَّ اللغة العربية تتمتع بقدرة الاحتواء الدلالي لتلك النصوص المترجمة ، الأمر الذي يبعث الشعراء على المغامرة مما يجعلهم يحاكون المترجمات للغة الشعرية تنفلت من أسار الوزن فضلاً عن التفعيلة التي يلتزم بها الشعر الحر.
أما في المبحث الثاني :
- فقد أصَّل البحث للنماذج اللغوية التي يظن البعض صلاحيتها لأن تكون مرجعاً لشكل قصيدة النثر المنفلت من أسار قواعد كتابة الشعر الموروث – أعني الموزون المقفى – فضلاً عن قواعد كتابة الشعر الحر.
- خلص البحث إلى استبعاد كون القرآن الكريم مرجعاً شكلياً لغوياً لقصيدة النثر ، وذلك من خلال تحكيم معيار النية بوصفه الحد الفاصل بين الشعري وغير الشعري من وجهة نظر النقد الأدبي القديم فضلاً عن تصور النقد الأدبي لمعيار القصد في تحديد هوية الجنس الأدبي.
- وعلى هذا النحو جرى الأمر مع البند بوصفه مرجعاً شكلياً ولغوياً يتلاءم والشكل اللقغوي الخارجي لقصيدة النثر ، وذلك للوهلة الأولى وآثرنا استبعاد ذلك بفعل بعدين ، الأول : جغرافي ، والآخر : فني.
- قارب البحث بين النص الكتابي (التوراة والإنجيل) والنص (قصيدة النثر) ملتقطاً ما يمكن أن يطعم به الشاعر نصوصه في قصيدة النثر.
- أفضنا في كشف أسرار النص الصوفي بوصفه مرجعاً لغوياً يقترحه أرباب قصيدة النثر لفعلهم الشعري ، وحاولنا كشف الأواصر الإجرائية بين الصوفي والشاعر.
هوامش البحث :
1. شعرنا الحديث إلى أين : 131.
2. تجديد ذكرى أبي العلاء : 39.
3. ينظر : الحداثة : 2 / 61.
4. ينظر : المصدر نفسه : 2 / 33.
5. ينظر : المصدر نفسه : 2 / 75.
6. ينظر : اليونيكورن في موطن الخيول (بحث ، مجلة الأديب المعاصر) : 59.
7. ينظر : رامبو ؛ حياته وشعره : 16.
8. ثورة الشعر الحديث : 1 / 202.
9. ينظر : الحداثة : 2 / 63.
10. اليونيكورن في موطن الخيول : 59.
11. ينظر : الحداثة : 2 / 79.
12. ينظر : المصدر نفسه : 2 / 84.
13. حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر : 63.
14. ينظر : المصدر نفسه : 19 ، وقصيدة النثر في الأدب العربي المعاصر : 30.
15. ينظر : أفق الحداثة وحداثة النمط : 28.
16. ينظر : قصيدة النثر والاحتمالات المؤجلة ، (بحث ، مجلة الأديب المعاصر) : 113
17. المصدر نفسه : 113.
18. لماذا قصيدة النثر ، تقديم حميد المطبعي ، (الكلمة) ، ع4 ، السنة 5 ، 1973 : 3.
19. ينظر : أفق الحداثة وحداثة النمط : 23.
20. محاولات التجديد في الشعر العربي المعاصر : 47.
21. قصيدة النثر قصيدة مستقبلية ، (بحث ، مجلة الأديب المعاصر) : 85.
22. قصيدة النثر بحث عن معيار الشعرية ، (بحث ، مجلة الأديب المعاصر) : 101.
23. الخطابة : 211 – 212.
24. تلخيص الخطابة : 588 (الهامش) ، وينظر / الإيقاع في أنماطه ودلالاته في القرآن الكريم : 26.
25. ينظر / الخطابة من كتاب الشفاء : 225 ، وتلخيص الخطابة : 596 ، والإيقاع أنماطه : 270.
26. من قضايا الشعر والنثر في النقد العربي القديم : 83.
27. يرى الدكتور شكري عياد " أن الإيقاع اسم جنس ، والوزن نوع منه ، ولذلك يستعمل أحيانًا للدلالة على وجود التناسب مطلقًا ، ,أحيانًا أخرى لإبراز هذا التناسب وتحقيق وجوده " ، موسيقى الشعر : 58.
28. ينظر / قصيدة النثر في الأدب الإنكليزي (بحث ، مجلة الأديب المعاصر) : 58.
29. ينظر / الجرس والإيقاع في التعبير القرآني (بحث ، مجلة آداب الرافدين) : 329.
30. والحق أنَّ التفعيلة (مستفعلن) على نحو ما يذهب إليه أحد الباحثين أكثر الوحدات الوزنية ورودًا في النص القرآني بسياق تام ، وقد تنتظم هذه التفعيلة بما يحقق وزن الرجز في شطر وزني متكامل ، ولكثير من التفعيلات والبحور ومصاديق قرآنية أحصاها الباحث في مواضعها.. ، ينظر / الإيقاع أنماطه : 82 – 106.
31. الفونيم : أصغر وحدة صوتية لها القدرة على تغيير المعنى ، ينظر / دراسة الصوت اللغوي : 242.
32. التعبير القرآني : 212.
33. الإيقاع أنماطه : 113.
34. العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده : 1 / 119.
35. قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا : 20.
36. قصيدة النثر في الأدب العربي المعاصر : 41.
37. الكتاب المقدس ،نشيد ألإنشاد : الإصحاح الأول.
38. قصائد اربعين ، الأعمال الكاملة : 110.
39. ينظر / الكتاب المقدس ، إنجيل لوقا 22 / 33 ، 22 / 61 ، وينظر / قصيدة النثر في الأدب العربي المعاصر : 103.
40. ينظر / الإيقاع في الشعر العربي : 224 – 225.
41. ينظر / البند في الأدب العربي ، المقدمة : ر.
42. الإيقاع في الشعر العربي : 238.
43. ينظر / قصيدة النثر في الأدب العربي المعاصر : 39.
44. المواقف والمخاطبات : 215.
45. مجلة أسفار : 31.
46. ينظر / الشعر الصوفي : 31.
47. ينظر / الرمز الشعري عند الصوفية : 114.
48. المصدر نفسه : 502.
49. الرسالة القشيرية في علم التصوف : 52.
50. ينظر / الشعر الصوفي : 26.
51. ينظر / الزمن في شعر الرواد : 22.
52. المصدر نفسه : 23.
53. المصدر نفسه : 23.
54. المصدر نفسه : 23 (الهامش).
55. مجلة أسفار : 31.
المصادر والمراجع :
أولاً :
- القرآن الكريم.
- الكتاب المقدَّس.
ثانيًا :
- أفق الحداثة وحداثة النمط ، سامي مهدي ، بغداد ، دار الشؤون الثقافية ، 1987 م.
- الإيقاع أنماطه ودلالته في لغة القرآن الكريم ، دراسة أسلوبية ، عبد الواحد زيارة ، اسكندر المنصوري ، رسالة ماجستير ، كلية الآداب ، جامعة البصرة ، 1996 م.
- الإيقاع في الشعر العربي من البيت إلى التفعيلة ، مصطفى جمال الدين ، مطبعة النعمان ، النجف الأشرف ، 1974 م.
- البند في الأدب العربي تأريخه ونصوصه ، عبد الكريم الدجيلي ، بغداد ، مطبعة المعارف ، 1959 م.
- تجديد ذكرى أبي العلاء ، د. طه حسين ، دار المعارف ، مصر ، ط8 ، 1977 م.
- التعبير القرآني ، د. فاضل صالح السامرائي ، جامعة بغداد ، بيت الحكمة ، 1986 م.
- تلخيص الخطابة ، أبو الوليد بن رشد (ت 595 هـ) تحقيق وشرح محمد سليم سالم ، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، لجنة إحياء التراث الإسلامي ، القاهرة ، 1967 م.
- ثورة الشعر الحديث ، عبد الغفار مكاوي ، الهيأة المصرية العامة للكتاب ، 1972 م.
- الحداثة ، ملكوم براويري وجيمس مكفارلن ، ترجمة محمد حسن فوزي ، بغداد ، دار المأمون ، 1990 م.
- حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر ، كمال خير بك ، ترجمة جماعة من المترجمين ، دار الفكر ، بيروت ، 1982 م.
- الخطابة ، أرسطو طاليس ، ترجمة عبد الرحمن بدري ، دار الرشيد ، بغداد ، 1980 م.
- الخطابة ، من قسم المنطق من الشفاء ، ابن سينا ، تحـ. محمد سليم سالم ، الإدارة العامة ، 1954 م.
- دراسة الصوت اللغوي ، د. أحمد مختار عمر ، دار الرسالة ، الكويت ، ط1 ، 1976 م.
- رامبو ؛ حياته وشعره ، خليل الخوري ، بغداد ، مطبعة الشعب ، ط1 ، 1978 م.
- الرسالة القشيرية في علم التصوف ، أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري ، بغداد ، دار لتربية للطباعة والنشر ، ب. ت.
- الرمز الشعري عند الصوفية ، د. عاطف نصر جودت ، بيروت ، دار الأندلس ، ط3 ، 1983 م.
- الزمن في شعر الرواد (السياب ، البياتي ، نازك الملائكة ، بلند الحيدري) ، سلام كاظم الأوسي ، رسالة ماجستير ، كلية التربية ابن رشد ، جامعة بغداد ، 1994 م.
- الشعر الصوفي ، د. عدنان حسين العوادي ، بغداد ، دار الشؤون الثقافية ، 1986 م.
- العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده ، ابن رشيق القيرواني ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، دار الجيل ، بيروت ، ط4 ، 1980 م.
- قصائد في الأربعين ، يوسف الخال ، الأعمال الشعرية الكاملة ، دار العودة ، بيروت ، ط2 ، 1979 م.
- قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا ، سوزان بيرنار ، ترجمة د. زهير مجيد مغامس ، بغداد ، دار المأمون ، 1993 م.
- قصيدة النثر في الأدب العربي المعاصر ،(الجهود الرائدة في العراق وسوريا ولبنان) ، سرور عبد الرحمن عبد الله ، أطروحة دكتوراه ، كلية التربية ابن رشد ، جامعة بغداد ، 1996 م.
- محاولات التجديد في الشعر العربي المعاصر ، طراد الكبيسي ، بغداد ، دار الشؤون الثقافية ، 1987 م.
- من قضايا الشعر والنثر في النقد العربي القديم ، د. عثمان موافي ، الإسكندرية ، د. ت.
- المواقف والخطابات ، محمد عبد الجبار بن الحسل النفري ، تحـ. أرثر يوحنا أريري ، القاهرة ، مطبعة دار الكتب المصرية ، 1934 م.
- موسيقى الشعر العربي ، د. شكري محمد عياد ، دار المعرفة ، القاهرة ، ط1 ، 1998 م.
ثالثاً :
- مجلة الأديب المعاصر ، عدد خاص بقصيدة النثر ، ع41 ، العراق ، 1990.
- مجلة أسفار ، العراق ، ع16 ، 1993 م.
- مجلة الكلمة ، العراق ، العددان 4 ، 5 ، 1973 م.
مجلة كلية آداب الرافدين ، كلية الآداب ، جامعة الموصل ، ع9 ، 1978 م.