صياغة السياسات العامة (أطار منهجي)
لقد أدركت الحكومات على تباين أنظمتها السياسية واتجاهاتها الفكرية أنها بحاجة الى دعم ومساندة شعوبها لما تتخذه من قرارات، وما تقوم به من أعمال متنوعة في جميع الظروف والاوقات. وحتى يتحقق لها ذلك، فأنها اخذت تسعى جاهدة الى حل مشاكلهم والاستجابة لمطاليبهم المتنوعة من خلال مجموعة من الخطط والبرامج (يطلق عليها السياسات العامة) الهادفة الى تحقيق جملة من المنافع وتخفيف المعاناة عن الغالبية منهم.
صياغة السياسات العامة: أطار منهجي
مقدمة:
لقد أدركت الحكومات على تباين أنظمتها السياسية واتجاهاتها الفكرية أنها بحاجة الى دعم ومساندة شعوبها لما تتخذه من قرارات، وماتقوم به من أعمال متنوعة في جميع الظروف والاوقات. وحتى يتحقق لها ذلك، فأنها اخذت تسعى جاهدة الى حل مشاكلهم والاستجابة لمطاليبهم المتنوعة من خلال مجموعة من الخطط والبرامج (يطلق عليها السياسات العامة) الهادفة الى تحقيق جملة من المنافع وتخفيف المعاناة عن الغالبية منهم.
أن ما يميز السياسات العامة هو شمولية نتائجها لشرائح واسعة من المجتمع ان لم يكن المجتمع كله، مما يحتم الاهتمام بصياغتها أو رسمها بشكل يؤدي الى زيادة فرص نجاحها وتحقيق المنافع المتوقعة عند تنفيذها، وتقليل احتمالات فشلها الى أقل نسبة ممكنة. فالسياسات العامة التي تصاغ بشكل دقيق بالاعتماد على معلومات ومعطيات صادقة وصحيحة، تجنب المجتمع الكثير من التضحيات والالام والاحباط الذي يصاحب تنفيذ السياسات العامة الفاشلة أو المرسومة بشكل غير صحيح. ولكي يتم الوصول الى هذا الهدف لابد من الاجابة عن التساؤت التالية:-
1_ كيف تتم صياغة السياسات العامة ؟
2_ من يتولى مهمة صياغة السياسات العامة ؟
3_ ماهي المشاكل التي ترافق صياغة السياسات العامة ؟
4_ ماهي مستويات السياسات العامة ؟
وعليه فان هدف هذا البحث هو الاجابة عن التساؤت أعلاه من خلال عدة فقرات تضمنت الاولى مناقشة مستفيضة لمشاكل السياسات العامة، بينما شملت الثانية تحديد وبحث الجهات التي تتشارك في صنع السياسات العامة، أما الفقرة الثالثة فقد كرست للحديث عن عمليات رسم السياسات العامة في حين اختصت الفقرة الرابعة بالبحث والدراسة في مستويات السياسات العامة. وصولاً لتحقيق أهداف البحث المذكورة.
أولاً: مشاكل السياسات العامة
يمكن تعريف المشكلة لاغراض صنع السياسات العامة بانها: " موقف او حالة تحرك الحاجات والشعور بعدم الرضا لدى افراد المجتمع. مما يدفعهم لطلب العون او بتدخل الحكومة للمساعدة في ازالة ما يعانون منه" (Smith: 1964: 604 ) فعلى سبيل المثال يمكن اعتبار تفشي الجريمة او البطالة او ارتفاع الاسعار (التضخم) او تفشي الاوبئة والامراض وانتشار الآفات الزراعية وتلوث البيئة ونقص الغذاء وصعوبة المواصلات وازدحام الطرق وتدني مستوى الخدمات العامة وتفشي الرشوة والمحسوبية وغيرها، مشاكل تدعو صانعي السياسة العامة لدراستها وتحليلها من اجل وضع المعالجات الضرورية لان مشاكل كهذه تثير اهتمام وقلق شريحة – او اكثر – من شرائحه او فئاته الاجتماعية او السياسية وقد يمتد تأثيرها ليشمل المجتمع بكامل فئاته. كما عرفت المشكلة بانها: "حاجات غير مشبعة وقيم غير مدركة او مفهومة يمكن اشباعها او تحقيقها بالنشاط او الفعل الحكومي"" (Dunny:1979: ) وان المعلومات الضرورية لمعرفة طبيعة المشكلة والحلول اللازمة لها يمكن الحصول عليها باستخدام اساليب التحليل المتنوعة. ومما تجدر ملاحظته ان المعنيين بحل المشاكل العامة غالباً ما يفشلون في اختيار الحلول المناسبة لمواجهة مشاكل السياسات العامة بسبب فشلهم في اكتشاف او معرفة الاسباب الحقيقية للمشكلة العامة. اذ ان الصياغة الدقيقة للمشكلة ينتج عنها – في الغالب – حلولُ صحيحة وقد قيل قديماً: إذا عُرِفَ الداء سهل وصف الدواء فبعض المختصين بصياغة مشاكل السياسات العامة وتحليلها، ينظر الى نتائج المشكلة على انها المشكلة ذاتها لان النتيجة التي تؤدي اليها المشكلة هي الجانب المنظور منها، مثال ذلك، " كثرة الغيابات او دوران العمل "، الذي تعاني منه بعض المؤسسات الحكومية والخاصة، اذ يتوهم بعض المعنيين بانها هي المشكلة من غير ان يبحث في الاسباب التي ادت اليها ونتج عنها تغيب العاملين او تركهم لوظائفهم في هذه المؤسسة العامة او تلك.
ان مشاكل السياسات العامة كثيرة ومتنوعة، ويصعب اتفاق المعنيين على تحديد مكوناتها واسبابها، واساليب التعامل معها، مثل: التضخم، الانكماش، البطالة، الجريمة، الفقر، التلوث، وغيرها. اذ ان هذه المشاكل وامثالها غالباً ما تتباين وجهات النظر حولها بين المهتمين والمعنيين والمختصين انفسهم من جهة، وبينهم وبين المواطنين من جهة اخرى. ففي حين ينظر اليها بعض المعنيين على انها مشاكل حقيقية يعاني منها المجتمع، ولا بد من وضع الحلول الناجعة لها، بينما يرى البعض الاخر منهم على انها مجرد حالات تتشابك مع تحقيق بعض القيم والحاجات الشخصية لعدد من الافراد، وانها لا تستحق ان تأخذ صفة المشاكل العامة. ويمكن عدّ التلوث من الامثلة على ذلك، فقد يُعُدّه بعضهم حالة طبيعية في المجتمعات المعاصرة نتيجة للتقدم التقني والحضاري الذي تشهده هذه المجتمعات، وبالتالي لا داعي للاهتمام له، وتخصيص المبالغ، وحشد الموارد للحد منه او معالجته. في حين يراه غيرهم مشكلةً تمس افراد المجتمع جميعهم وانه من اللازم عدّه من المشاكل العامة المهمة، التي تحتاج الى وضع الحلول اللازمة لها، وهذا يعتمد على مجموعة من العوامل منها:
1ـ طبيعية مشكلة التلوث: من حيث كونها مشكلة اقتصادية ام ادارية ام اجتماعية ام صحية.
2ـ اسبابها المتمثلة بعوادم السيارات، او الغازات المتصاعدة من مداخن المصانع المتنوعة، او رمي النفايات والمياه الثقيلة في الانهار والجداول وغيرها.
3ـ مدى خطورة المشكلة واتساع نطاقها:
ومن المفيد ان ننوه الى ان المشاكل على كثرتها وتنوعها لا تثير جميعها اهتمام صانعي السياسات العامة، الا عندما تكون واضحة. إذ ان هذا النوع من المشاكل يسبب قلق افراد المجتمع ويدفعهم الى القيام بأفعال قد تكون خارجة على الاعراف او القوانين المتبعة.
وهذا يعني ان بعض المشاكل تأخذ طريقها الى راسمي السياسات العامة، ويهمل بعضها الاخر او يؤجل الى وقت لاحق، وذلك بحسب اهميتها، وتاثيرها على جماعة او اكثر من الجماعات المؤثرة في المجتمع فقد تعيش فئة من المواطنين في بيئة غير ملائمة ولكنهم لا يبدون تذمراً، ولا يطالبون بتحسين بيئتهم او تغيرها، فكأنهم قانعون بوضعهم هذا او ان قناعتهم هذه قائمة على عدم امتلاكهم وسائل التأثير في المجتمع. فحالة كهذه لا تعد مشكلة بحسب تعريفنا السابق، اذ لم يقم احد بطرحها او ايصالها الى الجهات الحكومية بصيغة مطلب جماعي او مشكلة تحتاج الى حل. فالمشاكل اذن لا بد ان تكون واضحة ليسهل ايصالها الى الجهات المعنية في الجهاز الحكومي.
وثمة سؤال آخر يجب الوقوف عنده ومحاولة الاجابة عنه وهو: هل ان المشكلة التي تنال الاهتمام هي التي يعرضها المعنيون بها من متضررين وغيرهم ؟ وهل هناك اسلوب آخر لا ظهارها ؟ الجواب: نعم، فهناك مطالب او قضايا يعرضها افراد او جهات من غير المتضررين منها، فتصبح مشاكل ملحة تستحوذ على جزء كبير من اهتمام صانعي السياسات العامة، مثال ذلك، قيام محرري الصحف، او جماعات المصالح او السياسيين باثارة الضجيج، والقيام بمجموعة واسعة من الاتصالات حول ارتفاع منسوب المياه الجوفية في منطقة ما، أو ارتفاع معدلات حوادث المرور، على سبيل المثال، مما يجعل منها مشكلة ملحة تحتاج الى حل او مطلباً لا بد من العناية به، اكثر بكثير مما يفعله الذين يقطنون تلك المنطقة، او المتضررين من حوادث المرور. وحتى نفهم ونميز مشاكل السياسات العامةعن سواها من المشاكل او القضايا فانها تتميز بخصائص او بامور منها:
1_ التبادلية: فمشاكل السياسات العامة تؤثر وتتأثر بعضها بالاخر، فهي متشابكة وذات اجزاء مترابطة من نظام متكامل وليست منفصلة عن بعضها تماماً.
2_ الذاتية: بمعنى ان تصنيف الظروف الخارجية او الداخلية التي تنشأ عنها مشاكل السياسات العامة -وتفسير تلك الظروف وتقييمها – يتم وفق الخبرات الذاتية او الشخصية للقائمين بصياغة السياسات العامة، أي ان لشخصية راسم السياسات العامة ومحللها واتجاهاته تأثيراً واضحاً في تفسير مشاكل السياسة العامة وتحليلها وتحديد اسلوب معالجتها.
3_ الوضعية: أي ان مشاكل السياسات العامة في الغالب تكون من صنع الافراد او الجماعات، فهي توجد أينما وجدت التجمعات البشرية.
4ـ الديناميكية: ويقصد بها ان لمشاكل السياسات العامة حلولاً بقدر التعاريف المحتملة لها, بمعنى انه لا يمكن الجزم بوجود حدود بينة او علاج محدد لاية مشكلة من مشاكل السياسات العامة.
أنواع مشاكل السياسات العامة:
يمكن ان نميز بين المشاكل او المطالب وفق مداخل عديدة، لعل أهمها: مدخل الشمولية، ومدخل الموارد، ومدخل البيئة (النطاق). فمن حيث الشمولية، يمكن تصنيفها الى مجموعتين هما: المشاكل الخاصة، والمشاكل العامة. فالمشاكل الخاصة:- هي تلك المعانات او المطالب التي تخص شخصاً واحداً من افراد المجتمع، فعدم حصول أحد أفراد المجتمع على دواء معين، هي قضية متعلقة به فقط، ولا تهم غيره، فهي اذن مشكلة خاصة, كما ان تسريح عامل وطرده من العمل هي قضية لاتخص احدا" غير ذلك العامل , اما المشكلة العامة فهي تلك التي تتأثر بها مجموعة من الافراد وليس فرداً واحداً، وكلما زاد عددهم، احتلت مشكلتهم اهمية ً لدى صانعي السياسات العامة ومنفذيها. ففي مثالنا اعلاه، لو أن مجموعة كبيرة من المرضى لم يوفقوا للحصول على الدواء، فان ذلك يمكن ان يتحول الى مشكلة عامة، كذلك الحال لو ان عدداَ من المنظمات العامة او الخاصة او كليهما، قامت بتسريح نسبة كبيرة من العاملين فيها لظروف معينة، فان ذلك قد يخرجها من دائرة الخصوصية الى دائرة الشمولية فتصبح قضيةً عامة.
ومن المفيد الاشارة الى ان بعض القضايا الخاصة يمكن ان تتحول الى قضاياعامة، عندما تتوسع دائرة المتأثرين بها. او المتعاطفين معها. فلو ان احد الآباء دفعه التذمر من قيام أحد المعلمين بضرب ابنه في قاعة الدراسة، الى الاحتجاج لدى الجهات المعنية(كمديرية التربية) – مثلاً – او ممثل منطقته في المجلس الوطني، فان ذلك لن يخرج تلك المشكلة من خصوصيتها لعدم اثارتها الاهتمام من لدن راسمي السياسات العامة. ولكن لو ان هذا الاب تصرف بشكل آخر، واتصل باولياء أمور التلاميذ الاخرين، واقنعهم بان ابناءهم سيكونون عرضة للضرب ايضاً. ان لم يقوموا بعمل ما، وافلح في اقناعهم بذلك وحصل على تأييدهم له، وتعاطفهم معه، واستطاع ان يرفع مذكرة باسمهم جميعاً الى الصحافة، والجهات الحكومية المعنية، فتصل الى راسمي السياسات العامة وكأنها مشكلة جماعية، وذلك لاتساع دائرة المتاثرين بها، عندئذ تتحول الى قضية او مشكلة عامة.
اما من حيث المجال، فيمكن تقسيمها الى نوعين هما: (اندرسون: 1999: 79)
1- المشاكل الاجرائية: وهي تلك القضايا المتعلقة بكيفية قيام الحكومة واجهزتها المتنوعة بتنظيم شئونها، وادارة اعمالها وانشطتها المتنوعة.
2- المشاكل الاساسية: وهي القضايا التي تتعلق باهتمامات افراد المجتمع، كحرية الرأي والتلوث البيئي والاجور والامن الداخلي وغير ذلك.
ويمكن تصنيف المشاكل او القضايا من حيث الموارد وتوزيعها الى ثلاث مجموعات هي: (Lowi:1964: 682 )
1- المشاكل التوزيعية: وهي التي تتعلق بكيفية توزيع الموارد بين الافراد او الجماعات او الاقاليم مثل مطالب مدينة ما بالسيطرة على الفيضان، واخرى بمعالجة قلة المياه، او مطالب المستوردين بتخفيض الضرائب الكمركية، والمنتجين المحليين بزيادتها، وغير ذلك.
2- المشاكل التنظيمية: وهي التي تتعلق بتنفيذ التصرفات او النشاطات العامة، او وقفها، او الحد من تدخل الاخرين في بعض المجالات. كمطلب الصناعيين واصحاب الشركات بالحد من تدخل نقابات العمال، او مطالب اصحاب السيارات القديمة بوقف اجراءات ترحيلها من العاصمة او من بعض المدن الكبيرة الى مدن صغيرة او غير ذلك.
3- مشاكل اعادة التوزيع: وهي تلك التي تختص بنقل الموارد المتاحة من منطقة لاخرى، او اعادة توزيع بعض المصادر او الموارد المتوافرة في منطقة ما الى المناطق التي تفتقر اليها لتحقيق العدالة الاجتماعية. مثال ذلك. إعادة توزيع القوى العاملة الماهرة المتوافرة في العاصمة على المحافظات الاخرى، او إعادة توزيع اساتذة الجامعات والمختصين من اطباء ومهندسين بين الجامعات والاقاليم، والمنظمات التي تعاني من النقص في افراد هذه الفئات. او اقامة مصانع في بعصض المدن التي تشكو من البطالة او قلة فرص العمل فيها او فرض ضرائب تصاعدية لتقليل الفوارق بين الدخول، وغير ذلك.
أما من حيث النطاق، فيمكن تقسيمها الى مجموعتين هما:
1_ المشاكل الداخلية: وهي القضايا التي تتعلق بمواطني الدولة ذاتها، كذلك المتصلة بالصحة والتعليم والامن الداخلي والضرائب والنقل والمواصلات والبيئة والزراعة وغيرها.
2_ المشاكل الخارجية: وهي تلك التي ترتبط بعلاقة الدولة مع الدول الاخرى كدول الجوار او غيرها مثل مشاكل الانهار والمياه الدولية والملاحة البحرية والحدود الاقليمية بين الدول والصيد في البحار والانهار الدولية والتهريب وغيرها كثير.
أسبقيات أو أولويات السياسات العامة:
لا يمكن لاية دولة او حكومة مهما كانت امكاناتها المادية والبشرية، ومواردها الاقتصادية من تلبية المطالب التي يتقدم بها مواطنوها، او معالجة جميع مشاكلهم مرةً واحدة، انما يتطلب ذلك العمل بنظام الصفوف او الطوابير، أي تقديم الاهم على المهم من المشاكل والقضايا، وفقاً لجدول الاسبقيات السياسية، الذي يعد بهدف تلبية هذه المطالب، وحل المشكلات الواحدة بعد الاخرى بحسب اهميتها او درجة الحاحها، او قوة الفئة او المجموعة التي تتأثر بها او بنتائجها. وعلى العموم، فان هناك مئات المشاكل او المطالب التي تركن على الرف (تهمل)، ولا تدخل جداول الاسبقيات، مقارنة بالقليل منها التي يجري العمل على تبنيها والمفاضلة بينها، وتحديد اولوية او اسبقية كل منها على غيرها في جداول الاولويات السياسية. وهذا ما اشرنا اليه في بداية هذا البحث. وعليه فجدول الاسبقيات: هو جدول اعمال يضم القضايا والمشاكل او المطالب العامة التي هي بحاجة الى تصرف او فعل حكومي بشأنها. وهو ليس جدولاً مثالياً او نموذجياً يوضع بصيغٍ او قوالب جامدة، انما يختلف من موقف لآخر، ومن جهة لآخرى، فجدول اعمال السلطة التشريعية (البرلمانات)، قد لا يماثل جداول اعمال السلطتين التنفيذية والقضائية التي قد لا تتشابه مع جداول اعمال الحكومات المحلية للمحافظات او الاقاليم. فكل منها يمتاز عن الاخر، بمحتوياته واسبقياته وكيفية اجراء النقاش لتحديد هذه الاولويات، وهو غالباً ما يُعرف من خلال الجلسات العلنية للمجالس النيابية (ممثلي الشعب)، او ما تنقله وسائل الاعلام المتنوعة من خطب وتصريحات لبعض اعضاء السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) والحكومات المحلية، والمعنيين من موظفي الجهاز الاداري الحكومي وغيرهم. وعلى العموم فان اهم العوامل التي تساعد على ايصال القضايا والمطالب الى جداول الاسبقيات هي الآتي:
1_ فقدان بعض الجماعات او النخب مصالحها او جزءً منها لمصلحة جماعات او نخب اخرى، مما يؤدي بها الى التحرك لاعادة التوازن لصالحها، الامر الذي يستدعي قيام الاجهزة الحكومية بنشاط اضافي لمواجهة ذلك (Thomas: 1951: 30) ومن الامثلة على ذلك تحرك المنتجين المحليين لاقناع الحكومة بفرض ضرائب كمركية على البضائع المستوردة للحد من منافستها لمنتجاتهم.
2_ قادة الاحزاب السياسية، وهم غالباً ما يحاولون تبني المطالب العامة، والعمل على ايصالها الى اسماع صانعي القرار او السياسات لاستمالة جمهور المواطنين بهدف الحصول على تأييد الراي العام. (Walker: 1977: 428) وقد يقوم رؤساء الحكومات بمثل هذا النشاط للسبب نفسه.
3_ أهمية المشاكل او المطالب وخطورتها: اذ أن بعض المشاكل تمتاز بالحاحها، وكثرة عدد المتأثرين بها، وخطورة نتائج اهمالها مما يدعو المعنيين الى إعطائها اولوية ضمن الاسبقيات التي لا مفرَّ من اتخاذ الاجراءات السريعة لمعالجتها، كالكوارث الطبيعية من امطار وفيضانات وزلزال، وظهور الاوبئة والامراض المعدية فجأة في منطقة ما، وغيرها (Cobb: 1972: 84).
4_ المطالب او القضايا التي تثيرها المعارضة السياسية او الاضرابات التي تنظمها بعض الفئات المهنية، كاضراب عمال الموانىء والمطافىء او المناجم وغيرها، مما يوصل قضاياهم ومطالبهم مباشرة الى اسماع صانعي السياسات العامة، ووضعها في جداول الاسبقيات (Lipsky ; Michael: 1968: 54).
5_ وسائل الاعلام المتنوعة المقروءة والمسموعة والمرئية وهي تلعب دوراً مهماً في ايصال بعض القضايا والمطالب الى اسماع راسمي السياسات العامة، وعرضها على جداول الاولويات، مثال ذلك، مشكلة بعض اصحاب السيارات القديمة التي تقرر اخراجها من بغداد اعتباراً من 1/7/2002، اذ تمكنت وسائل الاعلام من طرحها بشكل مباشر، وصل الى اعلى المستويات، مما ادّى الى صدور امر بايقاف تنفيذ ذلك القرار.
ولابد من الاشارة الى ان المشاكل والمطالب العامة لا تصل كلها الى راسمي السياسات العامة، ولا تأخذ طريقها الى جداول اسبقياتهم لا سباب عديدة منها:
1- تعارض بعض المطالب او القضايا مع الاعتبارات او القيم والمبادئ التي يؤمن بها المعنيون من راسمي السياسات العامة ومنفذيها
2-سيطرة جماعة معينة او فئة ما على المؤسسات الحكومية ووسائل الاتصال الجماهيري والاحزاب السياسة خصوصا" في الدول النامية ,والدول التي تتكون مجتمعاتها من قوميات وديانات متعددة وخير مثال لذلك , تركيا التي يسيطر فيها الاتراك المسيحيون, والنخب العسكرية على المؤسسات السياسية والحكومية ويمنعون الاكراد, والمسلمون من ممارسة حقوقهم السياسية والاجتماعية والثقافية بحرية كاملة
3-الجهل,وعدم الوعي او النضج السياسي والاجتماعي للغالبية من افراد المجتمع , يجعلهم عاجزين عن فهم مشاكلهم والتعبير عن قضاياهم واستخدام السبل الناجحة لإيصالها الى المعنيين , فسكان القرى والأرياف في معظم الدول النامية لا يستطيعون التعبير عن مشاكلهم وإيصالها الى المعنيين مثل سكان المدن.
واخيرا" فان من المناسب التنويه الى ان السياسات العامة ليست محصورة دوما" على ما تنفذه الحكومة من أعمال وما تشرعه من لوائح وانظمة وقوانين ,بل تشمل ايضا" ما تهملة او تمتنع عن فعلة او تشريعة.(اندرسون:87:1999)
ثانياً: صانعوا السياسات العامة
وهم الافراد او الجماعات والجهات (الرسمية وغير الرسمية) الذين يشاركون في رسم السياسات العامة بصورة مباشرة وعلية فانه يمكن تقسيم الاطراف التي تشارك في صنع السياسات العامة على نوعين رئيسين هما:
ا-الاطراف الرسمية الحكومية.
ب-الاطراف غير الرسمية.
اولاً: الجهات الرسمية الحكومية:
وهم الافراد الذين يخولون الصلاحيات التي تسمح لهم بالمشاركة في صنع السياسات العامة، مثل اعضاء السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، والاداريين الاخرين من العاملين في الاجهزة الحكومية، الذين يساهمون في اتخاذ القرارات وتنفيذ السياسات العامة بطرائق ودرجات متفاوتة. وعليه يمكن تقسيم الاطراف الرسمية الى الاتي:
1- السلطة التشريعية:
تعد السلطة التشريعية من اهم المنظمات الرسمية الحكومية التي تضطلع اساساً بتشريع اللوائح والانظمة والقوانين، ووضع القواعد العامة التي تنظم مختلف اوجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية وغيرها في الدولة. (العزاوي: 2001: 46). ان دول العالم تتباين في كيفية تشكيل السلطة التشريعية، ودورها وتأثيرها في عملية رسم السياسات العامة. فبعضها يأخذ بنظام المجلس (البرلمان) التشريعي الواحد، مثل لبنان وجمهورية مصر العربية وتركيا وروسيا وغيرها، اذ تتكون السلطة التشريعية فيها من مجلس واحد يمثل المواطنين جميعهم والاحزاب السياسية الموجودة في ذلك البلد. والبعض الاخر تأخذ بنظام المجلسين ككندا، بريطانيا، والولايات المتحدة الامريكية.. وفي بريطانيا، مجلس العموم ومجلس اللوردات، وهكذا في الدول الاخرى. كما ان بعض الدول موحدة، كفرنسا، وسوريا، وجمهورية مصر العربية، وليبيا، اذ يتألف جهازها التشريعي من مؤسسة واحدة - سواءً كانت تأخذ بنظام المجلس -الواحد او المجلسين – لها سلطات اصدار اللوائح والتشريعات، والقوانين بما لايتعارض مع دستور الدولة. والاعراف الاجتماعية السائدة التي لها صفة الدوام والثبات النسبي. وبعضها الاخر فدرالية، أي مكونة من اتحاد او اندماج مجموعة من الولايات كالولايات المتحدة الامريكية، او مجموعة من الجمهوريات، كالاتحاد السوفيتي (السابق). (الجمل، يحيى: بلا: 43)، اذ يتكون جهازها التشريعي من مؤسستين أثنتين هما: المؤسسة الاتحادية، والمؤسسات التشريعية الاقليمية . (هلال، علي الدين: 2000: 14) يختص الاول بصنع السياسات على مستوى الدولة الاتحادية كلها، كما لو كانت دولة موحدة، بينما يختص الثاني بالتشريعات على مستوى الاقاليم او الولايات، التي يفترض ان تمثل تمثيلاً عادلاً او متساوياً في المجلس الاول.
وقد اختصّ عدد من الدراسات الحديثة بمعرفة دور الهيئات التشريعية الاوربية، واهميتها في رسم السياسات العامة، فوجد بانها متباينة بحسب تباين انظمتها السياسة، (جابريل والموند: 1998: 170). وقوة وسطوة النخب السياسة والاحزاب، وجماعات المصالح، وقدرة السلطة التنفيذية، ومدى تمثيلها لحزب واحد قوي او عددٍ من الاحزاب المؤتلفة. فمجلس العموم البريطاني، يعد من اضعف المجالس التشريعية قدرة وفعالية في صنع السياسات العامة، بسبب سيطرة حزب الاغلبية الحاكم عليه، وان اغلب اعضائه يشكلون السلطة التنفيذية ويبقى دوره منحصراً في مناقشة تأهيل النخبة وتوظيف افرادها (العزاوي: 2001: 50) على عكس الكونكرس الامريكي الذي يلعب دوراً رئيساً في رسم السياسات العامة للحكومة الفدرالية من خلال لجانه المتعددة (جابريل: 1998: 169).
2- السلطة التنفيذية:
وتضم الافراد العاملين في البيروقراطية الحكومية المتمثلة بالمؤسسات والهيئات واللجان والاجهزة الادارية الحكومية المتنوعة, التي غالباً ما تضطلع بتنفيذ السياسات العامة، غير ان دورها في رسم السياسات العامة لايمكن اخفاءه باي حال من الاحوال، اذ ان الشعوب تعيش عصر هيمنة السلطة التنفيذية بسبب الاعتماد بشكل كبير على القيادة التنفيذية في رسم السياسات العامة وتنفيذها (اندرسون: 1998: 58) ففي بعض الانظمة الحكومية الرئاسية يجمع رئيس الجمهورية بين قيادة العملية التنفيذية، وقيادة العملية التشريعية، كما في الكثير من دول العالم النامية،، كما يتدخل الرئيس الامريكي في الولايات المتحدة الامريكية، للحيلولة دون تعطيل اقرار بعض البرامج والسياسات العامة من جانب اللجان والقوى الحزبية المتنافسة في الكونكرس الامريكي، كما ان هناك كثير من اللوائح التي تجيز للرئيس الامريكي التدخل في صنع السياسات العامة، كلائحة التجارة الخارجية التي تخوله سلطات واسعة في رفع الرسوم الكمركية المفروضة على السـلع المستوردة او تخفيضها، كذلك لائحــة الاستقرار الاقتصادي لعام (1870 م). التي منحته سلطات واسعة في مراقبة الاسعار منعاً للتضخم زد على ذلك السلطات والصلاحيات التي منحها الدستور الامريكي للرئيس في مجال السياسات الخارجية والعسكرية، بل لا غرابة اذا قلنا ان السياسات الخارجية الامريكية هي من صنع الرئيس الامريكي (Dror: 1968: 17 ). وينطبق هذا الكلام على معظم السياسات الخارجية للدول الاخرى، اذ تترك اليد الطولى لرئيس الحكومة في رسم السياسات الخارجية لبلاده، مثل غانا، تايلندا، سوريا، والجزائر وغيرها. وما قيل عن دور رئيس الجمهورية، يقال ايضاً عن المحافظين، وحكام الولايات والاقاليم المحلية. اذ يمتد دورهم الى رسم او صنع السياسات العامة لولاياتهم او محافظاتهم، مع تنفيذها. (اندرسون: 1998: 59).
كما ان المؤسسات البيروقراطية الاخرى، المتمثلة بالاجهزة الادارية العامة وهيئاتها او لجانها المتنوعة التي غالباً ما تتدخل في صنع السياسات العامة ومناقشتها، مع دورها الاساس في تنفيذها. بل ان هناك من يعتقد بان هذه الاجهزة قادرة على اعاقة رسم السياسات العامة تماماً كقدرتها على تنفيذها او عدم تنفيذها (اندرسون: 1998: 60). وذك مرده الى كثرة القضايا والمطالب التي تستوجب خبرات فنية متخصصة لرسم السياسات المتعلقة بها، ولنقص الخبرة الفنية لافراد السلطة التشريعية فانهم غالباً ما يفوضون الاجهزة الادارية كثيراً من الصلاحيات اللازمة لرسم السياسات العامة من هذا النوع، واتخاذ قرارات لها مفعول السياسات العامة من حيث التأثير والاهمية والنطاق مثل القضايا المتعلقة بالدفاع، والتلوث، والطــرق الســريعة، والعلاقــات الخارجية، وغيرها. (اندرسون: 1998:60).
3-السلطة القضائية:
المقصود بها المحاكم سواء كانت على مستوى الدول – كمحكمة التميز في العراق -، او على مستوى المحافظات او الاقاليم او الولايات. وهي تضطلع بمهمة صياغة وتفسير النصوص القانونية ومدى مطابقة الانظمة واللوائح والقوانين مع دستور الدولة النافذ، واصدار الاحكام في المخالفات التي ترتكب بحق المواطنين من قبل الاجهزة الحكومية، زيادة على دورها الاساس في تحقيق العدالة، وتطبيق القانون والفصل في المنازعات والحكم في الجرائم والمخالفات المتنوعة. وللقضاء – مع هذا – دورً مهم في رسم السياسات العامة في بعض الانظمة الحكومية، مثل المحكمة العليا في الولايات المتحدة الامريكية، التي تقوم بمراجعة نصوص اللوائح القانونية عند عرضها عليها لابداء المشورة قبل التصويت عليها في الكونكرس الامريكي، وقد تقترح تعديلها او الغاءها عند مخالفتها للدستور الفدرالي، او القوانين النافذة، فالكونكرس يتردد كثيراً عند الخوض في قضايا يتوقع ان يعترض عليها القضاء بحجة عدم شرعيتها او مخالفتها للدستور، ويذكر ان القضاء الامريكي لعب دوراً كبيراً في صنع السياسات الاقتصادية، كقضايا الملكية، والعقود، والعلاقة بين العمال ونقاباتهم من جهة، واصحاب المصانع من جهة اخرى.
(Zeigler: 1971:126 ) وقد حذت بعض الدول كالمانيا الاتحادية، وكندا، وبريطانيا، واستراليا، حذو الولايات المتحدة الامريكية في هذا المجال. اما في الدول النامية، فان للقضاء دوراً محدوداً – أو لا يكاد يظهر – في رسم السياسات العامة.(اندرسون: 1999: 63).
ان رقابة القضاء الفعالة على التصرفات التي تقوم بها الاجهزة الحكومية في رسم السياسات العامة او تنفيذها، يعد صمام الامان والضمانة الحقيقية ازاء التعسف الاداري، وذلك بالغاء القرارات الادارية المجحفة التي اتخذتها الجهات المعنية بحق المواطنين، او التعويض عن الاضرار التي نجمت عنها، (العويني: 1981: 115).
ثانياً: الجهات غير الرسمية (غير الحكومية):
ان عملية رسم السياسات العامة لا تنحصر فقط في مشاركة الجهات والقـوى الرسمية، بل هناك جهات اخرى تصنف على انها حكومية (غير رسمية) تشارك هي الاخرى بحظ وافر في التأثير على صانعي السياسات العامة ومنفذيها، ومن هذه الجهات، على سبيل المثال، لا الحصر: الجماعات المصلحية (الضاغطة) الاحزاب السياسية، المواطنون (الراي العام)، وفيما يلي توضيح لكيفية تأثير هذه الجهات في صنع السياسات العامة.
1_ الجماعات الضاغطة (المصلحية):
تعرف الجماعات الضاغطة بانها مجموعة من الافراد يلتقون في اهداف وصفات او خصائص معينة يسعون لاحداث التأثيرات المطلوبة في السلوك الذي يتخذه صناع القرار تجاه قضاياهم ومطالبهم، وتوجيهه لتحقيق مصالحهم المشتركة، (درويش: 1968: 201) مثل الاتحادات المهنية (اتحاد الصناعات، غرف التجارة، نقابة المحامين...). نقابات العمال، الجمعيات الاجتماعية والدينية، الشركات، البيوت المالية والاقتصادية، وغيرها. اذ تسعى هذه الجماعات للتأثير على أطراف صنع القرار للاهتمام بقضاياها ومشاكلها ودفعها لاتخاذ مواقف او قرارات لها صفة السياسات العامة لخدمة اهدافها وتحقيق مصالحها، لما تتمتع به من القوة والنفوذ المستمدين من العلاقات المتنوعة والمتداخلة مع راسمي السياسات العامة. (العزاوي: 2001: 62).
ان وجود قنوات مشتركة للاتصال الرسمي وغير الرسمي بين هذه الجماعات وبين راسمي السياسات العامة، يُعد مسالة اساسية لايصال مطالبهم وقضاياهم بالسرعة والكيفية المطلوبتين واقناعهم بضرورتها، واهميتها لادراجها ضمن مشاريع ولوائح السياسات العامة (عبد القوي، خيري: 1989: 115). وعليه فان راسمي السياسات العامة يضطرون الى المواءمة او الموازنة بين مطالب هذه الجماعات، خصوصاً اذا كانت متعارضة، وقد يستخدمون المساومة للخروج بحلول توفيقية مقبولة للجميع، ورغم ذلك، فان الجماعات الاحسن تنظيماً، والاوسع حجماً، والاكثر مواردا" والافضل قيادة، تضل اكثر تأثيرا" في توجيه كثير من السياسات العامة لصالحها على حساب الجماعات الاخرى الاقل تنظيماً، وسعة، وامكانيات، ليس هذا فحسب بل ان للمكانة الاجتماعية لهذه الجماعة او تلك، وتماسك اعضائها، ودرجة المنافسة بين هذه الجماعات، وموقف الاجهزة الحكومية من مطالبها، ونمط اتخاذ القرارات في النظام السياسي، وغيرها، أثرها الواضح في اتخاذ القرارات لصالحها. زيادة على اسهام الجماعات المصلحية في بلورة المطالب وتجميعها وايصالها وطرح البدائل للسياسات العامة المتعلقة بها. كما يقومون بتزويد المنفذين بالمعلومات الواقعية عن موضوعاتهم، خصوصاً حين تكون الموضوعات ذات طبيعة فنية، وبهذه الطريقة فانهم يسهمون في ترشيد السياسات العامة المرسومة. (اندرسون: 1999: 63).
أما اساليب الضغط التي تمارسها هذه الجماعات للتأثير على راسمي السياسات العامة، فانها تتباين من نظام سياسي لاخر، ومن دولة لاخرى منها:
وجود من يمثلها لدى الجهات الرسمية عند مناقشتها للوائح ومشاريع السياسات العامة.
التأثير على الرأي العام، واستمالته للضغط على السلطتين التشريعية والتنفيذية لصالحها، او تحييده على الاقل لامرار مشاريعها بدون معارضة تذكر . (عبد القوى: 1989:116).
2_الاحزاب السياسية:
يعرف الحزب بانه " تنظيم سياسي له صفة العمومية والدوام، وله برنامج يسعى بمقتضاه للوصول الى السلطة، (العزاوي: 1998: 58). كما عرف بانه: مجموعة من الافراد تربط بينهم روابط معينة، ومصالح مشتركة، ويهدفون الوصول الى السلطة او المشاركة فيها. (الهاشمي: 1990: 64). وعلى هذا فالحزب السياسي منظمة غير رسمية تنشأ في الوسط الاجتماعي باتفاق مجموعة من الافراد في ظرف، وزمن معينين، لتحقيق مجموعة من الاهداف من بينها استلام القيادة السياسية في المجتمع او المشاركة فيها. وغالباً ما توجد في معظم الانظمة السياسية السائدة في البلدان مهما كانت الابديولوجية الفكرية التي تؤمن بها مجموعتان من الاحزاب (حزبان او اكثر)، المجموعة الاولى: تقود السلطة السياسة في البلاد، والمجموعة الثانية: خارج السلطة السياسة (معارضة)، تتعقب خطوات المجموعة الاولى وتحصي عليها اخطاءها، بهدف تأليب الرأي العام ضدها، تمهيداً لكسب التاييد الجماهيري وحشده لمساندتها، ومؤازرة افكارها وبرامجها التي غالباً ما تعرضها في وسائل الاعلام العامة او الخاصة بها، وفي اثناء الحملات الانتخابية المتنوعة. هذا ما يخص الانظمة ذات التعددية الحزبية مثل: فرنسا، لبنان، الهند، الباكستان، الارجنتين، كندا، والمانيا الاتحادية، وغيرها.
اما في الدول التي لا تؤمن بتعدد الاحزاب السياسية، وهي الدول ذات الحزب الواحد، كالصين، والاتحاد السوفيتي (السابق)، وبعض الدول النامية الاخرى التي حذت حذوها، فانها تمتاز بسيطرة ذلك الحزب على كافة السـلطات الثلاث (التشريعيـة والتنفيذية والقضائية). وبالتالي فهو الذي يوجه هذه السلطات ويصنع السياسات العامة وينفذها. ولكن هذا لا يعني ان هذه الدول تخلو من التجمعات او الاحزاب الاخرى التي تعمل بصورة سرية للتأثير في الرأي العام بالاتجاه الذي يخدم مصالحها. ويشكل عامل ضغط على الحكومة لتلبية بعض المطالب والقضايا التي تنادي بها هذه الاحزاب المعبرة عن المصلحة العامة في معظم الاحيان.
فالاحزاب السياسية تؤدي مجموعة من الوظائف في النظام السياسي، منها التعبير عن الرأي العام، وتوفير قدر من المشاركة في رسم السياسات العامة إذ انها تقوم بتجميع وبلورة المصالح وهي اداة من أدوات التنشئة السياسية، والمساهمة في اضفاء الشرعية على أنظمة الحكم المتنوعة (هلال: 2000: 168).
ان تأثير الاحزاب السياسية في رسم السياسات العامة، يمكن ان يتم خارج نطاق البناء السلطوي. أو داخله. اذ ان الاحزاب السياسية تقوم بمجموعة من الوظائف منها: بلورة المطالب والقضايا العامة التي تناقش عند رسم السياسات العامة، واثارة الرأي العام حولها، ومحاولة اقناع المواطنين بتبني المواقف التي تتخذها هذه الاحزاب للضغط على الحكومة، كما تعد وسيلة من وسائل الرقابة السياسة على النشاط الحكومي. أما الشكل الاخر للتأثير في صنع السياسات العامة، فهو عندما تستلم هذه الاحزاب زمام السلطة، او مقاليد الحكم، فانها تقوم بتشكيل السلطة او تجديد بنيتها او تغيرها، وتحديد مساراتها وتوجيه عملية رسم السياسات العامة طبقاً للفلسفة التي تتبناها والتوجهات الفكرية التي تؤمن بها (الكاظم: 1991: 93) وبشكل عام فان الاحزاب السياسية سواء كانت خارج السلطة ام داخلها تقوم بدور المراقب بعضها على البعض الاخر، فأحزاب المعارضة تترصد حركة الحكومة وكيفية صنعها للسياسات العامة، وتنفيذها. بينما تقوم الاحزاب الحاكمة بشرح سياسات الحكومة ومواقفها، والدفاع عنها، والعمل على اقناع الرأي العام بصحتها، وقدرتها على تحقيق المصلحة العامة.
وعلى ايـة حال، فان الاحزاب الســـياسية تتميز عن الجمــاعات المصلحية (الضاغطة) بتبنيها ومناصرتها للمواقف والســياسات التي تتســم بالنفع العام او الشـمولي. بينما تهتم الجماعات المصلحية بالقضــايا الصغيـــرة المتعلقة بمصالح اعضــائها الخاصة. (Lindblom: 1968: 44) .
وخلاصة القول، فان الاحزاب السياسية تمتلك القدرة على التأثير في رسم السياسات العامة سواء ً أكانت خارج السلطة أم داخلها، فعندما تكون خارجها، فانها تقوم بدور المدافع عن مصالح الجماهير الواسعة ومحاولة ايصالها الى اسماع صانعي السياسات العامة من خلال الضغط الجماهيري لتأخذ طريقها الى اسبقيات هؤلاء. اما عندما تكون داخل السلطة، سواء أكانت قائدة بمفردها للعملية السياسية المؤتلفة، كما يحصل في معظم البلدان الديمقراطية التي تأخذ بالتعددية الحزبية، كتركيا او الهند، وغيرها، فان هذه الاحزاب تمارس التأثير في صنع السياسات العامة من خلال قيادتها للسلطات الثلاث – كما اسلفنا سابقاً – وينطبق هذا القول على الدول ذات الحزب الواحد كالصين، والاتحاد السوفيتي (سابقاً).
3- الرأي العام (المواطنون):
ان لمطالب ورغبات الافراد (المواطنين) مكانةً وموقفاً مؤثراً في رسم السياسات العامة حتى في المجتمعات التسلطية او الديكتاتورية (Lindblom: 1968:45).ففي القرون الوسطى كانت الدول التقليدية على الرغم من أنظمتها المستبدة تحرص على سماع اصوات المواطنين وتلبية بعض مطالبهم لتقليل النقمة بين صفوفهم، والتخفيف من عدم الارتياح عندهم كما ان النظام في الاتحاد السوفيتي (السابق) لم يهمل جميع المطالب الفردية للمواطنين، بل كان يحرص على الاستجابة لبعض القضايا والمطالب لهذه المجموعة من المواطنين او تلك، فحرصه على الاستجابة لمطالب المستهلكين وترجمتها في سياسات الانتاج في السنوات الاخيرة التي سبقت انهياره، ما هو الا دليل على استجابة الانظمة مهما كان شكلها للراي العام ولو بدرجات وكيفيات متفاوتة (اندرسون: 268:1999).
كما ان الراي العام لايمثل بالضرورة راي الاغلبية (اصلا) بل يمكن ان يمثل راي فرد او مجموعة قليلة من الافراد تجاه مطلب او قضية معينة في ظروف ووقت معينين،ثم تطور واتسع بالتفاعل والاتصال ليكون رايا عاما لشريحة واسعة من المجتمع (الاسود:79:199 ).
والراي العام يمكن ان يؤثر في رسم السياسات العامة بطريقتين هما(حمادة:1993: 109).
الاولى: مايفرضه الراي العام على النشاطات والتصرفات الحكومية من قيود او حدود في رسم وتنفيذ السياسات العامة.اما الثانية:فهي الخوف الذي يسيطر على بعض راسمي السياسات العامة ومنفذيها من اتخاذ قرارات او مواقف يتوقع ان لا تحضي بتأييد او مساندة الراي العام.
ويعتقد (الموند) ان الراي العام يشارك في رسم السياسات العامة في المجتمعات الديقراطية،وذلك بوضع قيم ومعايير وتوقعات للسياسات العامة، اما السياسات العامة ذاتها فهي من صنع جماعات متخصصة تتمثل بمراكز صنع القرار.(بسيوني:109: 1993). وعلى العموم يمكن القول بان المواطنين (الراي العام) لايصنعون السياسات العامة من جهة وليسوا بعيدين عنها تماما" من جهة اخرى. فاتجاهات الراي العام، وتوقعاته حول كيفية مواجهة بعض القضايا الاساسية لايمكن اهمالها من قبل صانعي السياسات العامة،بل تعد الاطار العام الذي يفترض ان يتحرك ضمنه هؤلاء،فهو يحدد ماهو مقبول،وما هو مرفوض ، وما هو ناجح او فاشل من قرارات وسياسات،خصوصا بعد تنفيذ تلك القرارات (بسيوني: 1993: 110) زد على ذلك حرص الاحزاب المتنافسة (في الانظمة الديمقراطية)على الحصول على اكبر قدر ممكن من اصوات الناخبين (الموطنيين) من خلال تبنى مشاكلهم ومطالبهم في البرامج والمشاريع الانتخابية التي ستصبح بعد ذلك مادة لصناعة السياسات العامة (Brady:1978:86) وعلى مستوى الافراد فان للانشطة العلمية والفكرية لبعض المفكرين وعلماء الاجتماع والاقتصاد والسياسة،وغيرهم الاثر البالغ في توجهات وقرارات راسمي السياسات العامة عند قيامهم بصياغتها واتخاذ القرارات المتنوعة بشانها ومن ابرز الامثلة على ذلك مافعله (مارتن لوثلر كنك) عام 1960 في مجال الحقوق المدنية للسود في الولايات المتحدة الامريكية. (اندرسون:1999: 99).
ان دائرة المؤثرين في رسم السياسات العامة قد لا تنحصر في الاطراف او الجهات الداخلية المذكورة في اعلاه (الجهات الرسمية وغير الرسمية) بل قد تتسع لتشمل اطرافاً خارجية، سواءً أكانت منظمات دولية، كالامم المتحدة، مجلس الامن الدولي، البنك الدولي للتنمية والاعمار، منظمة البلدان المصدرة للنفط (اوبك)، منظمة الطاقة الذرية، وغيرها، ام اتحادات دولية، كالاتحاد الاوربي، مجلس الجامعة العربية او دولة واحدة ذات قوة اقتصادية وعسكرية متفوقة. ومن الامثلة على تأثير هذه الجهات، سياسة الاصلاحات التي تبنتها الحكومة التركية بتأثير من الاتحاد الاوربي بوصفها من شروط انضمام تركيا الى عضويته، والتغير الذي أحدثته الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها في أفغانستان والعراق بالقوة العسكرية، وتحديد السياسات المتعلقة بانتاج النفط واسعاره بالنسبة للدول المنتجة للنفط الاعضاء في منظمة (الاوبك)، والسياسات التي فرضت على المانيا الغربية، واليابان في مجال قواتها المسلحة بعد انتصار الحلفاء عليها في الحرب العالمية الثانية، وغير ذلك كثير.
ثالثاً: عمليات رسم السياسات العامة
لا تتميز عملية رسم السياسات العامة بالبساطة ووضوح المعالم وانما هي عملية غامضة، غاية في التعقيد والتشابك، تشارك في صياغتها اطراف وجهات متعددة داخلية وخارجية – كما ذكرنا في الفقرات السابقة – لكل منها قيم ومبادئ ومصالح لا تنسجم مع الاخر كلاً او جزءً، كما وان طرائق صناعة السياسات العامة هي الاخرى متعددة ومتباينة بحسب تباين الاعتبارات والجهات المشاركة في صنعها، فضلاً عن انها قد تتضمن اختياراً واعياً ومدروساً لاهداف جماعية، وتتخذ – تبعاً لذلك – قرارات سلطوية ملزمة للجميع بعد إتخاذها صفة السياسة العامة، مع ما في ذلك من صعوبة التوفيق بين اهداف ومصالح الجماعات او الفئات المتباينة المؤثرة والمتأثرة بالسياسات العامة. والنموذج التالي يوضح عمليات رسم السياسات العامة.
تفاعل
راسمي السياسات العامة الحكومة مشاكل
ذ
تشريع او رسم
سياسات عامة
تستلزم الوقوف
أزاء
نتائج تؤثر على عملية الاختيار والاداء
شكل رقم (1)
يوضح عملية رسم السياسات العامة (Source: Mitchell: 1968: 392)
ان عملية رسم السياسات العامة لايمكن فهمها مالم يؤخذ بعين الاعتبار كل عنصر من عناصر الشكل السابق، أذ ان كلاً منها يساعد في تعريف من يقوم برسم السياسة العامة، وكيفية رسمها، والزمن الملائم لذلك، ونتائج تفاعل المعنين او المسؤولين عن رسم السياسات العامة. ولمعرفة عملية صنع السياسات العامة، لا بد من معرفة الخطوات التي تمر بها هذه العملية، وهي: (المنوفي: 1987: 293-297)
1-معرفة وتحديد القضايا والمشاكل العامة الناجمة عن مطالب ورغبات المواطنين غير المجابة والمشبعة. وقد سبق الكلام عن هذه الخطوة بالتفصيل في الفقرات السابقة.
2- تحديد بدائل السياسات العامة، بعد جمع المعلومات والحقائق واستشارة الجهات المعنية او ذات المصلحة الحقيقية بالمشكلة قيد الدراسة، وتشكيل لجان على مستوى الجهاز التشريعي (البرلمان)، او الجهاز التنفيذي (الوزارات) لتقصي المعلومات، وسماع آراء الخبراء والمختصين من فنيين واداريين وقضاة ويتم تحديد مجموعة من البدائل المحتملة لتحقيق الاهداف العامة الموضوعة لها، وتلبية حاجات ورغبات المواطنين، في حدود الموارد المتاحة والمخصصة لكل منها.
3- اختيار السياسة المناسبة: في هذه المرحلة تجري عملية ومناقشة كل بديل من بدائل السياسات العامة المقترحة التي قد تكون على شكل برامج او مشاريع للخدمات العامة، او مسودات ولوائح للانظمة والقوانين التي يراد اصدارها لمعالجة موضوع معين، او استثمار فرصة ما او تجنب تهديد معين، وغير ذلك. اذ تخضع بدائل السياسات العامة المقترحة للنقاش داخل المؤسسة الحكومية وفق دساتير الدول، والمبادئ او القواعد المتعارف عليها، فضلاً عن المناقشة التي تجرى حولها في المؤتمرات العامة، او الخاصة بالاحزاب والجماعات المصلحية، والحملات الانتخابية، ووسائل الاعلام المتنوعة. اذ يؤدي هذا التفاعل الى اختيار احد البدائل المطروحة، بوصفه معبراً عن السياسة العامة الاكثر قبولاً من قبل الاطراف المستفيدة والمعنية برسم السياسات العامة.
ان النقاش او التفاعل الذي يجري بين المستفيدين والمعنيين برسم السياسات العامة يمكن ان ياخذ احد الصيغ او الانماط التالية:
أ: المساومة
ب: المنافسة
ج: الصراع
د: الامر او الفرض
هـ: التعاون
أ. المساومة:
تعرف المساومة بانها: " عملية تفاوض بين شخصين او اكثر ممن يتمتعون بالسلطة او الصلاحية للاتفاق على حل مقبول ولو جزئياً لمصلحة اهدافهما، وليس بالضرورة ان يكون حلاً مثالياً. (اندرسون: 1999: 107)، فهي اذن، " التوصل الى مبادلات مفيدة للطرفين "، (المنوفي: 1987: 295). وعليه فان المساومة هي محاولة الوصول الى تبادل منافع مشتركة بين المتساومين وفقاً لقاعدة (خذ واعط). أي ان كل فرد او مجموعة من الافراد تجد ان ما تصبو اليه من منافع متوافرة تحت سيطرة فرد او جماعة اخرى، ليس بمقدورها ان تحصل عليها كلاً او جزءً الا بتقديم شيء ما يرغب به الطرف الاخر، او الوعد بتقديمه في زمان ومكان وكيفية معينة بالمستقبل، ومن الشروط الواجب توافرها لإتمام المساومة: توافر الرغبة لدى المتساومين، ووجود شئ ما عند كل مساوم يرغب به المساوم الآخر، مثال ذلك، وجود شخص يبحث عن وظيفة محاسب ووجود شركة بحاجة الى موظف يجيد مهنة المحاسبة. ولكن طرفي المساومة قد لا يكونان بالقوة نفسها، او المستوى من الحاجة للشيء موضع المساومة، مما يؤدي الى تقديم تنازلات اكثر من قبل الطرف الأضعف الذي يخضع بتأثير حاجته الملحة، للطرف الاخر، وهذا ما يمكن ان نسميه بالمساومة غير المتكافئة او غير المتوازنة، امّا المساومة المتوازنة فهي التي يكون فيها طرفا المنافسة متساويين او متعادلين من حيث القوة، ومستوى الحاح الشعور بالحاجة للشيء قيد المساومة. كما يمكن ان تكون المساومة غامضة او ضمنية بطبيعتها، خصوصاً حين تعقد الاتفاقات بين أطراف المساومة على أساس وعود مستقبلية، مثل الاتفاقات التي تحصل بين الكتل السياسية في البرلمانات، عندما تقوم مجموعة من الأعضاء بدعم موقف مجموعة أخرى في أثناء المناقشات او التصويت، على أمل الحصول على تأييدهم لمواقفهم في المستقبل. (Mitchel: 1969: 438) كما قد تكون علنية، ذلك حينما يحدد كلّ من المتساومين مطالبه وشروطه بشكل واضح ومكتوب منعاً للالتباس وسوء الفهم الذي ينتاب المساومات الضمنية وغير المكتوبة، وقد جرت مثل هذه المساومات (العلنية) عندما وافق الرئيس الامريكي (جونسون) عام 1968 على زيادة الضرائب على الدخل، مقابل تخفيض النفقات (اندرسون: 1999: 108)، وفي جميع انواع المساومة، المتوازنة وغير المتوازنة، العلنية والضمنية، يجب ان يكون المساوم عارفاً، امكانياته وقدراته، وامكانيات وقدرات الاخرين،، وما يرغبون فيه، والظروف والمواقف الملائمة، من حيث المكان والزمان التي بستطيع فيها ان يحصل على اكبر قدر ممكن من المنافع باقل قدر ممكن من التضحيات علماً ان هذه المعلومات-غالباً ما - يصعب الحصول عليها، وان المتوافر منها قد تنقصه الدقة.
ب. المنافسة:
تعرف المنافسة بانها:- نشاط يمارسه طرفان او اكثر بهدف الوصول الى الغاية نفسها (المتوفي: 1987: 296) أي ان المنافسة تحصل عند وجود شخصين (أ وجهتين) أو اكثر تتعلق رغبتهما او اشباع حاجتهما بالحصول على شئٍ ما يمتاز بالندرة النسبية، وان حصول أي منهما عليه يمنع الآخر من الحصول عليه كلاً او جزءً، كالمنافسة بين الاحزاب السياسية على اصوات الناخبين، المنافسة بين المؤسسات الحكومية للحصول على اكبر قدر من الموارد النادرة، وتتنافس الدول مع بعضها للحصول على الموارد الاقتصادية (الاسواق) او المكانة وغيرها. ومن الشروط الواجب توافرها في المنافسة، وجود طرفين او اكثر (حزبين، دولتين، جماعتين مصلحيتين)، ووجود هدف معين (موارد اقتصادية، اصوات ناخبين، مقعد في البرلمان،...، الخ)، يمتاز بالندرة النسبية أي عدم كفاية ما متاح منه لتلبية حاجات المتنافسين جميعاً، واخيراً يكون لكل طرف من الاطراف المتنافسة الرغبة بالاستحواذ عليه وحده، ومنع الاخرين من الحصول عليه. وعلى ذلك فان المتنافسين يعمد كل منهم الى تحقيق غايته دون تقديم ادنى نفع للاخر، بينما يحاول المتساومون تشجيع بعضهما البعض الاخر على قبول موقف او ظرف قد يفيد الجميع. غير ان هناك مواقف معينة تضطر المتنافسين الى اللجوء الى المساومة عندما يتعرض وجودهما معاً الى الخطر. مثال ذلك تكوين الحكومات الائتلافيـة او قبــول المعارضــة ببعض المكاسـب التي تقدمها لها الحكومة. (Mitchell: 1969: 447 ).
ج- الصراع:
الصراع هو حاله من حالات التفاعل التي تحصل بين طرفين يفوز أحدهما بما يطمح أليه ولا يوفق الطرف الآخر إلى ذلك وإنما يتحمل كلفة فوز خصمه وقد ينشأ الصراع عن موقف تنافسي ,أي أن المنافسة قد تتطور لتصل إلى حالة من حالات الصراع عندما يحاول أحدهما تنحية الآخر أو إبعاده عن الموقف ,أو تحميله تكاليف لا يطيق تحملها.
كما أن الصراع يمكن أن يكون سلميا" عندما لا يتحول إلى جلب الأذى للطرف الآخر ,وينتهي عند حد التهديد والوعيد ,وربما يتخذ الصراع طابع المساومة وتحقيق بعض المنافع للطرفين ,وقد يكون عنيفا" يؤدي إلى إيقاع الأضرار بأحد الطرفين المتصارعين او كليهما ,وينتهي بفوز احدهما مقابل خسارة الاخر ,او تدمير سمعته او مركزه الاقتصادي او الاجتماعي ,او تجريده من القدرة على المنافسة. ((Mitchell: 1968:460
أن نتائج الصراع قد تؤدي الى الحقد والتعصب والاستياء لدى الطرف الخاسر ,فيتحين الفرص او المواقف المؤاتيه للانتصار لنفسه في المستقبل ,لذلك فان الصراع على الرغم من فوائده ,يظل حاله مؤذيه غير مرغوبة, والصراع يمكن ان يكون علنيا" عندما تكون أطرافه معروفة ,كالصراع بين الدول, أو الصراع بين أحزاب المعارضة والأحزاب الحاكمة ,وغيرها ,وقد يكون ضمنيا" ليس من السهولة ملاحظته من قبل الآخرين خارج حلبة الصراع ,كصراع بعض الكتل او المجموعات السياسية داخل الحزب الواحد ,او داخل البرلمان , او غير ذلك.
د-الأمر أو الفرض:command:
يعرف الأمر بأنه:إصدار الأوامر والتعليمات من الأعلى إلى الأدنى في المنظمة الواحدة. ويتم عبر سلسلة الاتصال والإمرة ,من الرؤساء إلى المرؤوسين لتوجيههم وحثهم على تأييد مواقفهم وتبني برامجهم باستخدام منظومة التحفيز (الثواب والعقاب) للمؤيدين والمعارضين. ويعد هذا الاسلوب في صنع القرار السياسي أكثر شيوعا" وأستخداما" في الانظمة الاســتبدادية أو الفردية ,وفي المنظومات العسكرية (أندرسون:111:1999).
هـ- الإقناع والتعاون:
ان الإقناع هو ان يستميل احد الأطراف الطرف الآخر ويحصل على تأييده على مواقفه اوعرضه حول قضية أو مطلب ما بعد اقتناعه بسلامة الرأي أو القضية المعروضة عليه. أي ان احد الاطراف يجعل الطرف الآخر يقتنع بوجهة نظرة او موقفه بناء" على حقائق معينة كانت غائبة ,او معلومات كانت غير متوافرة , أو مصالح يمكن أن تتحقق لم تكن واضحة للطرف الاخر ,وقد يجتمع كل ذلك (اندرسون:110:199) ,مما يؤدي الى أيجاد نوع من التعاون بينهما ,فالتعاون اذن يأتي نتيجة لاقتناع الاطراف بعضها بقضايا البعض الآخر.واتفاقهم على تحقيق أهداف مشتركة , وبدون أن يحاول أي منهم تحقيق مصالحه وأهدافه الشخصية على حساب الطرف الاخر. أن أي مجتمع لا يستطيع إنكار وجود التعاون بين الجماعات او الاحزاب السياسية لتحقيق طموحات ,و أهداف يسعون جميعا" من أجل تحقيقها والتعاون يؤدي بشكل عام الى تحقيق نتائج ايجابية وغير مكلفة ,وقد حثّ الاسلام الحنيف على التعاون الإيجابي ,اذ قال تعالى في كتابة المبين (وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان), والنصّ القرآني ينهي عن التعاون السلبي الذي يضرّ بالمجتمع كالتآمر للاضرار بمصالح الآخرين وما تقوم به عصابات التهريب والسرقة ,وغير ذلك Mitchal:1969:472))
رابعاً:مستويات السياسات العامة
أن الجهات المعنية برسم السياسات العامة ,المذكورة انفا" ,لاتسهم كلها في رسم جميع السياسات العامة على تنوع موضوعاتها ومستوياتها ,اذ ان قسما"منها يستحوذ على اهتمام جميع المعنين بفئاتهم وشرائحهم المتنوعة مختصين او مواطنين عاديين , بينما لا يشير القسم الاخر منها إل الى اهتماما"محدودا" مقارنة بالنوع الأول.وانسـجاما" مـع ذلك، فقد طرح (ردفورد) ثلاثة للسياسات العامة هي (Redford: 53:1969)
1.المستوى العام:(Macro politics)
وهي المطالب والقضايا أو المشاكل التي تهم الرأي العام ,او شرائح وفئات متعددة منه ,كالأحزاب السياسية ,أصحاب الدخل المحدود من الموظفين والعمال ,مشاكل انخفاض مستوى الاجور وارتفاع أسعار السلع والخدمات , قضية الحرب الأمريكية مع فيتنام (بالنسبة للشعب الأمريكي), قضية عضوية تركيا في الاتحاد الأوربي (بالنسبة للشعب التركي) قضية "كشمير " بالنسبة لشعبي الهند والباكستان ,وقضية الانتفاضة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني للأرض العربية بالنسبة للشعب العربي والشعوب الإسلامية ,وغيرها كثير.وقد تبدأ القضية على نطاق محدود لفئة اجتماعية او سياسية واحدة ,أو مجموعة من المواطنين ثم تتطور الى قضية عامة بسبب تعاطف فئات واسعة من المواطنين معها.
ان القضايا الكلية او العامة تحضي باهتمام ومشاركة الاحزاب السياسية ,وقادة الجماعات المصلحية والضاغطة ,ووسائل الاعلام وسرعان ما تتسع دائرة الاهتمام لتشمل المعنيين برسم وتنفيذ السياسات العامة فيقومون بتحليلها وإخضاعها للنقاش بسبب وضوحها وسهولتها ,وسرعة التوصل الى وضع الحلول المناسبة لها ومن المفيد ان نذكر ان ما يميز السياسات العامة الكلية عن غيرها من السياسات هو تدخل رؤساء الدول فيها (قيادة السلطة التنفيذية) لانها تعبر عن المصلحة العامة , وان القضايا التي يطرحها رئيس الدولة عادة ً ما تحظى باسبقية خاصة على غيرها من القضايا الاخرى التي تطرح للنقاش ,باعتباره موجهاً للسياسات العامة, وتحديد مضامينها وابرز مثال على ذلك ما فعلته ادارة الرئيس الامر يكي (نيكسون) من دور في السياسات العامة الموجهة لمحاربة الفقر في الولايات المتحدة الامريكية.(اندرسون: 1999: 74).
2.المستوى الجزئي:(Micro Politics)
السياسات الجزئية هي تلك التي تصنع استجابة لقضية او مطلب فرد واحد أو جهة او منطقة معينة ,كإعفاء شركة ما من اداء الضريبة , او تخفيضها عنها او اقامة مشروع لاسكان موظفي احدى المؤسسات ,او تلبية مطلب مدينة ما لتعبيد طريق خاص بها ,وهكذا فهي اذن قضايا او مطالب محدودة لشخص او شركة او منطقة معينة ,فالسياسة العامة هنا ترسم لصالح جهة واحدة ,او عدد قليل من الأفراد ومهما كانت الفائدة المتأتية منها عظيمة لهؤلاء ,فان المتأثرين والمنتفعين بها هم حفنة من الأفراد مقارنة بالمجموع الذي لم يتأثر بها (اندرسون:1999:70)
وكثيرة هي القرارات التي تصدر من هذا النوع لصالح جهة معينة او اشخاص معدودين بتأثير شخصي من قبل المستفيدين , او احد الموظفين العموميين في جهاز الحكومة الاداري , او احد اعضاء البرلمان فهي لا تتطلب تهيئة موارد وامكانات كبيرة لتنفيذها , ولا تشغل اجهزة الاعلام بها ,مع كونها تؤدي الى حرمان جهات اخرى او تتخذ على حسابها , فتخفيض الضريبة عن شخص او شركة معينة لا يضر بمصلحة شركة اخرى ,كما ان الرأي العام لا ينشغل بهذه القرارات ,ولا يهتم بها ,ولا يعرف أي شيء عنها. وكلما زادت برامج الدولة ,وتوسعت نشاطاتها , زادت الاثار التي تحدثها ,والمنافع التي تعود على المجتمع افراد وجماعات ,وهذا ما يزيد من حجم وعدد السياسات العامة الجزئية ,كما يمكن ان تعد السياسات العامة المتعلقة بحل القضايا القطاعية ,كالزراعة والصيد , والملاحة وغيرها من هذا النوع من السياسات.
3. المستوى المحلي (الاقليمي):Local politics
ويقصد بها السياسات التي تتناول القضايا والمشاكل التي تخص المحافظات او الاقاليم المحلية او الولايات في الحكومة الاتحادية ,مثل مشكلة ملوحة المياه في محافظة البصرة (جنوب العراق) ,او ازدحام المرور في العاصمة بغداد ,او ارتفاع مناسيب المياه الجوفية في
محافظات الفرات الاوسط وهكذا فان هذه القضايا ,كما هو واضح تهم المواطنين في محافظة واحدة او مجموعة من المحافظات (إقليم) ,ولا تعني المواطنين في المحافظات الاخرى لعدم تأثرهم بها اذ ان موضوعات من هذا النوع لا تجلب اهتمام اغلب المواطنين الذين هم خارج دائرة التأثر ,وعلية فان تلبية المطالب وحل المشاكل المحلية او الاقليمية غالبا" ما توكل الى الحكومات المحلية او حكومات الأقاليم التي لكل منها استقلالها وسلطاتها في جمع المعلومات وتحليلها , وتحديد الأسبقيات , وصياغة السياسات العامة اللازمة والمرتبطة بكل منها في ضوء صلاحياتها ,ومسؤولياتها المحدودة لها ,بالتنسيق مع الأجهزة الحكومية المركزية المختصة.
الخلاصة:
لقد تبين من خلال البحث أن اهم التحديات التي تواجه صانعوا السياسات العامة هي تلك التي تتمثل بأدراك مشاكل المواطنين، والاستجابة لها بالكيفية التي تحقق أعلى درجات الرضا، وتقديم افضل الخدمات الممكنة لهم مع الاخذ بنظر الاعتبار الاسبقيات أو تقديم الاهم على المهم عند التعامل مع حل المشاكل او تلبية طلبات المواطنين خصوصاً عند عدم كفاية الموارد المادية والبشرية والمالية وغيرها.
ان عملية صنع السياسات العامة ليس بالامر اليسير، فقد وجد ان هناك العديد من الجهات التي تشارك في هذه العملية كالاحزاب السياسية،والجماعات المتنفذة، والنخب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والشخصيات الدينية، والقانونية والسياسية وعامة المواطنون، اضافة الى القيادات الادارية بمستوياتها المتنوعة المتواجدة في جميع اجهزة الدولة ذات الصلة بصنع السياسات العامة، كالجهاز التشريعي والتنفيذي، والقضائي. حيث ان عملية صنع السياسات العامة تمر بالعديد من المراحل منها: معرفة مطالب ورغبات المواطنين غير المشبعة او الكامنة، ومن ثم تحديد البدائل او الاولويات او وضع جدولة زمنية لهذه المطالب بحسب المتاح من الموارد المتنوعة والامكانات المتوفرة لاجهزة الدولة ذات الصلة بهذه المطالب والرغبات وصولاً الى الخطوة الاخيرة التي تتمثل في اختيار السياسة او السياسات العامة التي ينجم عنها حل المشكلة او اجابة واحد او اكثر من مطالب المواطنين.
المصادر
اولاً: المصادر العربية
1-الاسود، صادق، " الراي العام: "ظاهره اجتماعية، وقوة سياسية "، (بغداد، دار الحرية للطباعة والنشر،) 1993.
2-اندرسون ,جيمس ,"صنع السياسات العامة " ترجمة الدكتور عامر الكبيسي,ط1 ,(عمان ,دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة) ,1999.
3-جابريل ,والموند ,"السياسات المقارنة في وقتنا الحاضره نظرة عالمية",ترجمة عبدالله ,هشام (عمان ,الدار ,الاهلية للنشر والتوزيع ,1998).
4- الجمل ,يحيـى، " الانـظمة السياســية المعاصـرة "، (القاهرة، دار النهضة العربية، ) بلا سنة طبع.
5- حمادة، بسيوني ابراهيم، " دور وسائل الاتصال في صنع القرارات في الوطن العربي "، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية)، 1993.
6- درويش، ابراهيم، " النظام السياسي:دراسة فلسفية تحليلية "، (القاهرة، دار النهضة العربية، 1968).
7- سرحان، احمد، " النظم السياسية الدستورية في لبنان والدول العربية "، (بيروت، دار الباحث)، 1980 .
8- عبد القوي، خيري، " دراسة السياسة العامة "، (الكويت، منشورات ذات السلاسل)، 1989 .
9- عليوه السـيد، ودرويش ,عبدالكريم ,"دراسـات فـي السياســات العامة وصنع القرار "، بلا سنة طبع.
10- العزاوي , وصال نجيب ," السياسات العامة:حقل معرفي جديد ",(بغداد , مركز الدراسات الدولية بجامعة بغداد) , 2001.
11- العويني، محمد علي، " اصول العلوم السياسية: نظرية الدولة، الفكر السياسـي،
الرأي العام والاعلام، والعلاقات الدولية "، (القاهرة، عالم الكتاب)، 1981 .
12- المنوفي، كمال، " اصول نظم السياسة المقارنة "، ط1، (الكويت، شركة الربيعان للنشر والتوزيع)، 1987.
13- الهاشمي، طارق، " الاحزاب السياسية "،(بغداد، مطابع التعليم العالي)،1990.
14- هلال، علي الدين،وسعد، نيفين، " النظم السياسية العربية: قضايا الاستمرار والتغير "، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية)، 2000.
ثانياً: المصادر باللغة الانكليزية
1- Brady , David ,W. ," Critical Elections,Congressional Parties and Clusters of Policy Changes " , British Journal of Political Science, (VIII ,January 1978).
2- Cobb,Roger W.and Edler,charles D.;”participation in american politics: the daynamics of Agenda-setting ;(Boston ;Allyn and Bacon;1972).
3- Dye, Thomas R.,”Understanding public policy “; 3rd .Ed .(U.S.A, Prentice –Hall ,lnc. Englewood cliffs.N.J.1978).
4- Dunny, William N.,”Pubic policy Analysis: A introducation, (Inc.Englewood cliffs ,N.J.1979).
5- Dror,Y.,”public policy making Reexamined “ ,(U.S.A,chandlre publishing Co.,1968).
6- Edwards ,George ,C.&sharkansky , Ira”,The policy predicament “
(San francisco ;W.H Freeman &Company:1978).
7- Lipsky ,Micheal ,”protest as Apolitical Resourcer” ;American political science Review;(Lx11,Decemder,1968).
8- Lindblom,charles E. ," The Policy –Making Process” , (Englewood Cliffs,N.J. Printice-Hall , 1968).
9- Lowi ,Theodore J. ,”American Business public policy: case studies and political Theory “ ; world politics ,xvl ,(July ,1964 ).
10- Mitchell ,Joyce.M. and Mitchell,william,C.;”political Analysis & puplic policy: An introduction to political science ",(chicago;Randand company ;1969).
11- Smith , David G., "Progmastism and the group theory of politics “,American Political Science Review ; Lv111 ,(September,1964).
12- Redford ,Emmetts ,S.;”Democracy in the Adminstrative State, (London ,oxcford university press,1969).
13- Smith ,David G.”Pragmatism & the Group theory of politics “,American Politiccal science Review Lv111(september,1964).
14- Simons ,Rebert.H.&dvorin ,Eugene ,p.,”Public Administration:values ,policy ; and change”)(U.S.A:Alfred Publishing Co. lnc.1977).
15- walker,Jack L.,”Setting The Agenda in the U.S.A;Atheory of problemselection ;”The British Jornal of political science” ;(vol.7,october,1977).
16- Zeigler , Harmon , and Daten , Hendrick; " Interest Group in the states "; In Jacob, Herbert & vines, Kenneth N (Eds). Politics in the American states ", 2nd. Edition,(Boston; little, Brown,1971