تفعيل الفضاء الدلالي في أفلام الرعب
يعد الفضاء الدلالي في الخطاب السينمائي من أهم المرتكزات الأساسية التي يشتغل عليها المخرجون في أفلامهم الروائية في سبيل إنتاج المعنى الدرامي والفلسفي والجمالي للفيلم السينمائي، وقد تم استثمار هذا الفضاء الدلالي في أفلام الرعب باعتبارها إحدى الأنواع الفيلمية المهمة التي تلقى نجاحا جماهيريا وتجاريا كبيرا وذلك لبث الدلالات والإشارات الصورية والسمعية من اجل خلق المزيد من الرعب والتشويق ومضاعفة الاثاره والترقب لدى المتلقي وهي العناصر التي تشكل مفاصل مهمة ومؤثرة في بنية أفلام الرعب وعلى وفق هذا المنطلق والمحتوى تم تقسيم البحث إلى أربعة فصول: الفصل الأول تناول (الإطار المنهجي) والفصل الثاني تضمن (الإطار النظري) والذي خرج الباحث منه بمؤشرات اعتمدت لتحليل عينة البحث، أما الفصل الثالث فقد احتوى على (إجراءات البحث) وأخيرا الفصل الرابع فقد تضمن (النتائج والاستنتاجات) ومن ثم قائمة المصادر.
Abstract
The space semantic discourse Film of the most important pillars of the basic work by filmmakers in their films feature in order to produce meaning dramatic and philosophical and aesthetic of the movie , has been invested in this space semantic in horror films as one of the species film task that has received a huge hit and a great commercial and it broadcast connotations the signals moot and audio in order to create more horror and suspense and double the excitement and anticipation at the receiver which elements that make up the joints of the important and influential in the structure of horror films and according to this perspective , content is divided into four chapters: the first chapter dealt with (methodological framework) and Chapter II included (Box theoretical) which came out of it researcher indicators adopted for the analysis of the research sample , the third chapter contains the (research procedures) and finally the fourth quarter has included (findings and conclusions) and then the list of sources.
الفصل الأول – الإطار المنهجي
مشكلة البحث:
إن المنجز الفني عموماً والسينمائي خاصة ً منجزا محملاً بالتراكيب الدلالية التي تنبع من النسق السمعبصري بحسب رؤية المخرج ومرجعياته الثقافية والفنية والايدولوجية حيث تتشكل الدلالة في الفيلم السينمائي من الدال والمدلول قابلة للتأويلات المتعددة من قبل المتلقي، وتلعب الدلالة هنا في أفلام الرعب باعتبارها احد الأنواع الفيلمية دورا مهما في إيصال مختلف المعاني والأفكار من خلال توظيف ما يحتويه فضاء الصورة المرئي الذي تتشكل منه إذ إن الصورة الفيلمية لها القدرة على نقل مختلف المعلومات من خلال دلالات التكوينات الشكلية والمحتوى الذي تحمله وعليه هنالك آليات معينة تتبع لتفعيل تلك البنية وهي تقوم على اشتراطات فنية معينة وفقا لرؤية المخرج ومعالجته الفنية للفيلم ومن هنا برزت مشكلة البحث بالتساؤل الآتي: ما هي الكيفيات التي يمكن من خلالها تجسيد الفضاء الدلالي في أفلام الرعب؟
هدف البحث: الكشف عن الفضاء الدلالي في أفلام الرعب .
أهمية البحث والحاجة إليه:
تتجلى أهمية البحث من كونه يتصدى لموضوعة بناء الدلالة ضمن فضائها الصوري وإبراز قدرتها في تحفيز المنجز المرئي لقراءات متعددة وصولا إلى إنتاج المعاني والأفكار، كما وإن البحث كدراسة أكاديمية تفيد المعنيين والمهتمين بالشأن السينمائي .
حدود البحث:
1-حد الموضوعي:تحدد بدراسة تفعيل الفضاء الدلالي في أفلام الرعب
2- تحدد البحث مكانيا:بالأفلام المنتجة أمريكيا
3- الحد الزماني: يتحدد وفق المدة الزمنية (1960- 1965)
تحديد المصطلحات:
1- الفضاء: لغويا: " الفضاء الساحة وما اتسع من الأرض وقد (أفضى) خرج إلى الفضاء وأفضى إليه بسره، وأفضى بيده إلى الأرض، مسها بباطن راحته في سجوده" ([1])
اصطلاحياً: " أن الفضاء هو وسيلة تعبير أو الطريقة التي نستجيب بها إلى الموجودات والأجسام ضمن مساحة معلومة وهي مصدر ثابت للمعلومات "([2])
التعريف الإجرائي: الفضاء هو المساحات التي تكرس لتصوير العمل الفني التي تحتوي على الأجسام والكتل وكل المرئيات والتي تسهم بتوصيل المعلومات إلى المشاهد.
2- الدلالة : لغويا: " إنها من أصل الفعل دلل – الدليل، ما يستدل به، والدليل..الدال وقد دل على الطريق، يدله دلاله "([3]).
الدلالة: اصطلاحيا: " الدلالة هو كل ما يقوم بدور العلامة أو الرمز سواء أكان لغويا أو غير لغوي، قاصدا به علم المعنى"([4])
التعريف الإجرائي:
الدلالة هو مصطلح يشير إلى المعاني المستخلصة من قبل المتلقي على التكوينات والأشكال الفيلمية أو كل شيء يقوم بدور الإشارة، أي أن الدلالة هي إنتاج معنى معين.
الفصل الثاني – الإطار النظري
المبحث الأول:- الدلالة في الفيلم الروائي
لقد استطاع المنهج السيميائي أن يجذب الأضواء والاهتمام إليه في الساحة النقدية الحديثة وخاصة في المجال السينمائي كونه قد امتلك الأدوات والأساليب القادرة على تحليل الخطاب السينمائي ومن ثم تفكيكه وإعادة بنائه في إنتاج المعنى إذ برز في هذا المجال علم الدلالة بقوه والذي سعى إلى "دراسة المعنى حيث ظهر هذا المصطلح في نهاية القرن التاسع عشر على يد الفرنسي (ميشال بريال) وذلك في سنة 1883 قاصدا به علم المعنى"([5]) وهذا يعني أن علم الدلالة قد اهتم ببحث المحتوى أو الطرق المعبرة عنه، إذ أن بناء الدلالة في الفيلم الروائي قد ارتبط بالمنجز الإبداعي الصوري باعتباره نسيج من التنظيم المرتب والمرتبط وفق رؤية جمالية بنسبة أو بأخرى فالعملية الإبداعية هنا إنما هي عملية ارتباط عضوي قائمة ومتمظهرة على وفق دلالة معينة مرتبطة بإنتاج المعنى ومن خلال ذلك يكون علم الدلالة قد بحث في المعاني المستخلصة من قبل المتلقي على التكوينات والأشكال أو كل شيء قد يقوم بدور العلامة سواء كان لفظي أو غير لفظي إذ نجد في هذا المعنى إن اللغة في السينما مثل كل أنواع الحديث لفظية وغير لفظية وهي قبل كل شيء رمزية لأنها تتآلف من نظام معقد من الإشارات لذلك يقوم المتلقي سواء بشكل غريزي أو بشكل واعي بإحالة أو حل رموز هذه الإشارات الموجودة في الصورة الفيلمية أثناء مشاهدته للفيلم وبالتالي نجد أن كل "الأدوات واللوازم التي تظهر في كل لقطة تختار بعناية وتوضع بطريقة تحقق هذه الغاية"([6](أي أن عناصر التكوين الصوري تكون مرتبطة هنا مع بعضها بعلاقة على مستوى البناء الدلالي المفضي إلى مغزى واستنتاجات ومعاني إذ تكون كل العناصر خاضعة للتنظيم والانسجام وهي بهذه الحالة قد اكتسبت صفة الاتصال باعتبارها قد وظفت توظيفا مقصودا لإظهار شيء ما وبكونها ضرورة قد اقترنت بقصدية وغرض المرسل ومن ثم نخلص على ضوء ذلك كله إلى أن الدلالة في الفيلم الروائي قد ارتبطت هنا "بكل ما يقوم بدور العلامة أو الرمز سواء كان لغويا أم غير لغوي"([7]) وبما إن الصورة الفيلمية تحتوي على الكثير من هذه العلامات نجد أن معانيها أو دلالاتها قد برزت وظهرت من خلال وجودها لوحدها أو بارتباطها مع دلالات أخرى فحيثما تكون هنالك دلالة رئيسية مرتبطة بشخصية البطل أو الحدث الدرامي المهيمن توجد في الوقت نفسه دلالات ثانوية ترتبط بشكل أو بآخر بالدلالة الرئيسية المهيمنة في الصورة الفيلمية وهذا يعني بالتالي أن"كل لقطة تتكون من عشرات الإشارات ذات المغزى المركبة على شكل طبقات وبإتباع ما يدعى الارتباط يقوم منظرو الإشارات بحل رموز الحدث السينمائي عن طريق إثبات الإشارات المهيمنة اولآ ثم يقومون بتحليل الرموز الثانوية"([8]( فالصورة الفيلمية هنا تحتوي على رموز بمعنى الدلالات سواء كانت مكانية مرتبطة بشكل المكان وأسلوب إظهاره أو المتعلقة بالتصوير أو الأشكال التشكيلية المختلفة كما إن هنالك دلالات تحريكية مرتبطة بأنواع الحركات المعبرة عن حركة الكاميرا أو الأشخاص وأيضا هناك دلالات موسيقية وإيقاعية..الخ والحقيقة أن الخطاب السينمائي في جوهره هو خطاب محمل بكل صيغ البلاغة اللفظية أو المرئية متمثلا في الصورة في مفهومها العام والتي هي تمثلٌ للواقع المرئي ذهنيا أو بصريا أو هي إدراك مباشر للعالم الخارجي الموضوعي تجسيدا وحسا ورؤية ولهذا اتسم هذا التمثيل بالتكثيف والاختزال والاختصار والتحويل فهو مبني هنا على كشف تناقضات الواقع ونقده وهذا ما يجعل من الصورة الفيلمية لها القابلية على إنتاج دلالات مرة تكون لغوية ومرة أخرى بصرية حيث تتم "الدلالة على الأفكار عن طريق العلاقات ما بين خلايا تكتسب منظومة الرموز ذاتها الدالة على المعنى"([9]) وهذا يعني إن الصورة السينمائية قد امتلكت حضورا واسعا وأهمية في الخطاب المرئي فعن طريقها تم نقل المعنى والأفكار ومنها انبثقت الدلالة والرموز والشفرات وكل أدوات الإيحاء المختلفة وبالتالي فان"كل التفاصيل التي تحتويها اللقطة يجب أن يتم ترتيبها أو تشكيلها أو انتقاؤها لكي تنقل المعنى للمتفرج أي باختصار هي المفهوم الجوهري للتحليل التشكيلي والتصوير المرئي في الفيلم"([10]) حيث يتشكل بمجموعهما الفضاء المتضمن للدلالات وهو بهذا المعنى يعتبر الوعاء الحاوي للتكوينات الداخلة في تشكيلة الصورة إذ إن تحويل الواقع ضمن هذا الفضاء ينتج المعنى ضمن الإطار وخارجه باعتبار إن الفضاء الصوري المتسم بتركيبه الدلالي ما هو إلا جزء من الفضاء الحقيقي الواسع للواقع وعليه فان "المخرج تكمن براعته في دقة اختيار الأدوات وحسن استخدامها في تكوين اللقطة السينمائية بطريقة واضحة ومعبرة بحيث تنقل المعنى الذي تقصده إلى الجمهور بسهولة ودون عناء"([11]) وعلى ضوء ذلك أصبحت الصورة أداة دلالية بامتياز أي أن "كل ما يظهر في اللقطة سواء كان شخصا أم شيئا أم حركة يجب أن ينقل للمشاهد معنى محدد ويؤكد المضمون الإيديولوجي في هذه اللقطة"([12])
المبحث الثاني: المراحل التاريخية لأفلام الرعب
لقد جسمت سينما الرعب وكثفت على الدوام العالم الكابوسي الذي هو تعبير لمخاوفنا المجردة والمكبوتة في دواخلنا من الدماء والقتل والعنف والجريمة والموت وأبرزتها على الشاشة بإشكال وأنواع مختلفة مثل مصاصي الدماء(الدراكولا) والشخصيات الممسوخة والناسخات المستحدثة معمليا وجرائم القتل في الليل الحالك الظلام وعمليات استحضار الأرواح والجن والشياطين وقيام الموتى حيث تعتبر جميعها أنواع وسمات مختلفة من ثيمات متعددة تقوم عليها أفلام الرعب وبالتالي " إذا كان تجسيد المخاوف ذات القوالب الجاهزة هو احد الملامح المميزة للنوع فان العملية التي تصبح من خلالها هذه المخاوف وقائع درامية في الفيلم تكشف على الأقل عن خصلتين أخريين من خصال النوع هما درجة اللا استعداد من جانب الضحية المهددة وحيوية أو بأس المصدر المسبب للرعب" ([13]) وعليه يمكننا أن نبرز نشأت أفلام الرعب عبر مراحل تطورها التاريخي بما يلي :-
المرحلة التأسيسية: وهي الأفلام التي تجسدت هنا عبر السينما التعبيرية الألمانية ويقف في مقدمتها الفيلم الشهير (مقصورة الدكتور كاليغاري) للمخرج (روبرت فينه 1919) وفيلم (نوسفرايو) وفيلم (دكتورجيكل ومسترهايد) للمخرج (مورنار 1928) حيث اتسمت أفلام التعبيرية آنذاك بمواضيع الانقسامات النفسية التي تحركها الأفكار المرعبة جراء ما خلفته الحروب من آثار مدمره إصابت بنية المجتمع بالانهيار وولدت ضغوط نفسيه متزايدة لتصبح مادة رفدت أفلام الرعب بمختلف الثيمات "وقد تجلت بعض هذه المظاهر في فيلم مقصورة دكتور كاليجاري فلم يكن الأمر قاصرا في ذلك الفيلم على رسم الأضواء والظلال على الديكورات بل تعمد المخرج أن تبدو الديكورات مشوهة للناظرين بما يتفق ومخيلة رجل مجنون، رسمت الظلال بحيث تبدو غير طبيعية" ([14])
أما المرحلة الثانية:- وهي الفترة الممتدة بين1930-1950حيث تميزت بوفرة أفلام الرعب ذات الأجواء الكلاسيكية مثل القلاع الغامضة والشموع والإمطار والليالي الضبابية، وقد كانت البداية مع فيلم (دراكولا) 1931 ليتبعه فيلم (المومياء)1932هذا بالإضافة إلى فلم (فرانكشتاين) وفلم (الرجل الخفي) و(الرجل الذئب) وغيرها.
ثم تأتي المرحلة الثالثة:- وهي مرحلة رهاب الحرب الباردة وسحب الخيال العلمي وقد بدأت هذه المرحلة فعليا في الخمسينات من القرن الماضي حيث انتهت الحرب العالمية الثانية وبدأ يغلب على العالم شبح الحرب النووية التي من الممكن أن تسبب في فناء البشرية فبدأت أفلام الرعب تعزف على هذا الوتر وابتعدت بعض الشيء عن الصورة الكلاسيكية وعندها بدأ الحديث لأول مرة عن الأخطار الجماعية التي قد تهدد البشرية جمعاء فظهرت أفلام تناقش فكرة احتلال الأرض من قبل مخلوقات فضائية أو قد تكون الثيمة هجوم كاسح من قبل كائنات اقل رتبة من البشر مثل الحشرات والطيور والحيوانات الأخرى، كما استمر العمل على إنتاج نسخا دموية جديدة من أفلام الرعب الكلاسيكية مثل (لعنة فرانكشناين) 1957فضلا عن ظهور اقتباسات سينمائية ولأول مرة لقصص كاتب الرعب الشهير (ادغار الن بو) حيث كانت تتسم أفلام هذه المرحلة بهذه الثيمه متبعه في بنائها الشكلي وحبكاتها وشخصياتها نمطا قصصيا إذ سعى صانع العمل هنا إلى "تناولها من منطلق القصة التي يتم توظيف لغتها السينمائية ويغلفها بعوامل تقنيه شديدة الإبهار"([15])
ثم تأتي المرحلة الرابعة:- وهي ما بين عامي 1960- 1970 وقد اشتغلت أفلام الرعب هنا على ثيمه الناحية النفسية فظهر مصطلح جديد في عالم سينما الرعب أطلق عليه بـ (سيكولوجي دراما) أي الدراما النفسية وقد قادها بنجاح المخرج البريطاني (الفريد هتشكوك) الذي بدأ يستخدم الوحوش الإنسانية المريضة نفسيا عوضا عن الوحوش الخيالية التي أصبحت اقل بريقا كما ظهرت أفلام شديدة الدموية فقد قفزت إلى شاشة السينما لأول مرة ثيمه (الزومبي) أي الإحياء الأموات كما في فيلم (ليلة الموتى الإحياء) 1968 من أخراج (جورج روميرو) إذ كان "بناء الفيلم يعتمد اساسآ على ثيمات الموتى الإحياء (الزومبيين) وعدوانيتهم تجاه الإحياء والدفاع المنزلي، كما يوظف الفيلم داخله عددا عظيما من المناحي المألوفة الأخرى عن أفلام الرعب"([16]) .
وأخيرا تأتي المرحلة الخامسة:- وهي مرحلة سلاسل الرعب وبداية الرعب الكوميدي في فترة الثمانينات والتسعينات، حيث لاحظ المنتجون في تلك الفترة إن أفلام الرعب رائجة جدا ولكن الأفكار محدودة بعض الشيء فاتبعوا طريقة جديدة تجنبهم خوض غمار البحث عن أفكار جديدة فمجرد نجاح الفيلم يتم إنتاج جزء ثاني له لتستمر السلسلة، فظهر ما يسمى ب"سلاسل أفلام الرعب فلا نجد في هذه الفترة أي فيلم رعب ناجح إلا وظهر له استمرارية في أجزاء أخرى وقد لا يكتب لها النجاح في كثير من الأحيان كما هو الحال مع الجزء الأول من فيلم (الجمعة الثالثة عشر) "([17]) .
المبحث الثالث:- اشتغال الفضاء الدلالي في أفلام الرعب
يقدم الفضاء الدلالي هنا على وفق جملة اشتراطات من العناصر الفنية التي تتشكل في علاقات ترابطية ضمن منظومة سمعبصرية للعمل على تنظيمه وتركيبه لتكتمل العملية الإبداعية من خلال تجسيد العلامات الايقونية المحملة بمختلف أنواع الدلالات والمعاني داخل الخطاب السينمائي والتي تحتمل عدة قراءات وتأويلات من قبل المتلقي وفقآ لمرجعياته الثقافية والفكرية والبيئية وبقدر ما يحمله صانع العمل الفني من موهبة وثقافة وفكر ووعي جمالي وحرفية سينمائية ورؤية إخراجية تحمل بصمته المتميزة عن اقرأنه الآخرين، إذ يقوم المخرج بشحن الفيلم وتحميل الصورة بعدة علامات والتي يقسمها (يوري لوتمان) إلى نوعين([18]) الأولى تدعى بالعلامات الاصطلاحية أو الاتفاقية والثانية تدعى بالعلامات الصورية أو الايقونية ويقصد بالأولى انه على الرغم من الارتباط الوثيق بين الدال والصورة السمعية أو الصوتية وبين المدلول الصور الذهنية أو المفهوم واللذان يكونان علامة على وفق ما ذكره عالم اللسانيات (دي سوسير) إلا انه تنتقي أي صلة أو ارتباط موضوعي بينهما أي بين الدال والمدلول، فكلمة (أسد) مثلا والمتكونة من الدالة الصورية (أ- س- د) لا علاقة لها ككلمة أو مقاطع صوتية بالصورة الذهنية بشكل الأسد المعروف لدينا أي انه بعبارة أخرى إنها غير معللة ضمنيا إلا إذا رجعنا إلى مفهوم الاتفاق والعرف الجمعي على الربط بين تلك الكلمة وصورتها الذهنية وبذلك نستطيع أن نقول إن العلاقة بين الدال والمدلول في العلامة اللغوية هي علاقة اعتباطية فالاتفاق أو المواضعة هي التي تعطى للكلمة صورتها الذهنية أو مدلولها، أما بالنسبة للنوع الثاني من العلامات أي الصورية (الايقونية) فهي التي تقوم على مبدأ المشابهة بين العلامة ومدلولها أو مرجعها من خلال سمات ذاتية تشبه المراجع أو المشار إليه كما هو الحال في الصور الفوتغرافية أو التماثيل إلا إن عالم اللغويات (رولان بارت) "يقترح مسميات جديدة تختلف عن المسميات الألسنية فالعلامة السوسيرية (أي اتحاد الدال بالمدلول) يسميها بارت الدلالة كما يضع الشكل بديلا لما يسميه سوسير دالا، وأما ما كان سوسير قد أطلق عليه مسمى المدلول فيسميه بارت المفهوم"([19]) ونخلص من ذلك إلى إن هناك في الثقافة الإنسانية علامتين ثقافيتين مستقلتين ومتحادثتين وهما الكلمة والصورة وقد خلق هذان النموذجان من العلامات نوعين من الفنون هما الفنون الصورية والفنون الكلامية وهنا "تختلف العلامات السمعية من حيث خصائصها عن العلامات البصرية بأنها تستعمل الزمان كعنصر أساسي من عوامل البنية بينما العلامة البصرية على العكس من ذلك تستعمل المكان، وفي حين تميل العلاقات السمعية والزمنية إلى أن تكون رمزية الخصائص تحيل العلامات الصورية (المكانية) إلى أن تكون ايقونية الخصائص وبذلك يكون الإدراك السمعي ادراكآ زمنيا فيما يكون الإدراك البصري مكانيا مع إن الإدراك المكاني نفسه يرتبط ايضآ بمراحل زمنية"([20]) ومن هذا المنطلق فان فضاء الدلالات الصورية والسمعية التي يضمنهما صانع العمل في فيلمه تنتج بدورها الرسائل على وفق سياق منطقي يكسب تلك الدلالية قيمتها ومعانيها حيث إن الخطاب السينمائي يعتمد على "كل ما يكون من عناصر سواء كانت متعلقة بالصورة الإضاءة، الديكور، الألوان، الشخصيات.الخ وكذلك على الصوت في مكوناته الحوار،المؤثرات السمعية، الموسيقى وكل هذه الأشياء تشكل منظومة تهدف إلى إخبارنا بشيء ما أو قصدية ما من قبل منتج النص"([21]) فضلا عن ذلك هناك عنصر ثالث هو المونتاج "بوصفه الحاوي الجامع لهذين المحورين في عملية بناء وتحديد الشكل السردي للفيلم، ومن خلال هذه العناصر الثلاثة الصورة والصوت والمونتاج يتشكل عنصرا الزمان والمكان الفيلميين وهذا ما يميز التعبير السينمائي عن غيره من الوسائط التعبيرية الأخرى"([22]) وعليه فان اشتغال الفضاء الدلالي يشمل هنا كل ما يقع ضمن فضاء اللقطة من عناصر تسهم في بنائها وشحنها بالدلالات كمنظومة مرئية في سبيل إنتاج المعنى والمضمون الدرامي والفلسفي وإيصاله للمتلقي " فكل صورة تمر على الشاشة هي علامة أي إنها ذات دلالة وحاملة للمعلومات"([23]) وبالتالي فان اشتغالات الفضاء الدلالي ضمن اللقطة يشتمل على أحجام اللقطات وحركات وزوايا الكاميرا المختلفة والتكوين والإضاءة والديكور..الخ من العناصر، فمن ناحية زوايا الكاميرا نجد الأشغال الدلالي في هذا العنصر في فيلم (البديل) للمخرج (بيترميداك) الذي وظف زاوية عين الطائر في لقطة عامة في المشهد الذي تقود فيه المرأة البطل لاطلاعه على المنزل الذي سيستأجره دلالة للتعبير عن القدر والمصير الذي ينتظره إذ "يفضل المخرجون الذين تدور مواضيعهم حول فكرة القدر مثل هذه الزوايا وفي بعض الأحوال يستخدم هؤلاء لقطة عين الطائر في لحظة الضربة الكبرى للمصير"([24]) ومن ناحية أحجام اللقطات نجد إن اللقطة القريبة يستخدمها المخرجون عادة للتعبير عن دواخل ومكونات الشخصية فهي تحمل قوة سيكولوجية هائلة للتأثير على المتلقي لكونها تضخم حجم الشيء المصور عشرات المرات وهذا يعني إن صانع العمل يمكنه ومن خلالها تصوير"وتأكيد أجزاء معينة لإغراء المتفرج بالبحث عن معنى رمزي في مظهرها ويمكن تركيز الاهتمام الخاص على التفصيلات الجزئية الأساسية"([25]) ففي فيلم (ما بعد الشفاء) للمخرج (جيرارد هروس) حيث نكتشف فيما بعد إن المشرط الطبي هو الأداة المثيرة عند الطبيب المضطرب نفسيا والذي يعاني كوابيس تتضمن قيامه بقتل عائلته فقد أسهمت اللقطة القريبة على إظهار تفاصيل الفعل الذي تقوم به الشخصية القاتلة حينما يجزىء الفعل على مستوى الشكل فقد أبرزت مجموعة لقطات متتالية كبيره مظاهر معينه وتفصيلات جزئية في الشخصية وآليات فعلها الإجرامي وما يحيط بها، وكذلك تم توظيف الفضاء الدلالي في لقطات وجهة النظر الذاتية وعندما تحل الكاميرا محل عيني إحدى الشخصيات فقد اشتغل عليها هتشكوك دلاليا "بإظهاره عملية انتحار ذاتي في فيلم (المأخوذ) فالجاسوس الذي اكتشف أمره يدير مسدسه في وجه الكاميرا المستخدمة في تلك اللقطة استخداما (ذاتيا) ويطلق الرصاصة فإذا بالشاشة تصير حمراء بيضاء ثم سوداء"([26]) وعلى وفق هذا يسعى صانع العمل هنا إلى التنوع في اللقطات مع استخدام كل نوع في موضعه المناسب"فوضع الكاميرا في مكان خاص هو الذي ينتج الصلة ذات الدلالة"([27]) أي إن موضع الكاميرا وحركاتها العديدة تحمل وظائف تمكن المخرج من تفعيل المعاني المختلفة وخلق حالة التشويق عند المتلقي حيث إن مجرد حركة ما في لقطة معينة قد تضيف معلومات أو إثارة عواطف نفسية أو تعرض أجزاء من المكان قد يضاعف الغموض لاسيما حين يكون هناك لحركات الكاميرا ضرورة لخلق"انفعال قوي على المتفرج وتصبح الكاميرا المتحركة نفسها أداة للتعبير بها جيدا" ([28]) كذلك يمكن توظيف حركة (الترافلنج)* من وجهة نظر ذاتية لإظهار حالات الرعب بطريقة غير مالوفه تبرز معاني متعددة ففي فيلم (المغارة الزرقاء) للمخرج (مارتن كامبيل) نرى ترافلنج إلى الأمام يعطي وجهة نظر الوحش الذي يتقدم وسط الغابة المظلمة حيث يتعزز الإحساس بالقلق ويقويه تصوير الوحش ورؤيته للضحية من خلال عينيه الآليتين التي تجسد الضحية وتحدد مكانها وفي اللحظة التي تلتفت بها الضحية نحو الوحش تتلطخ عدسة الكاميرا بالدماء دلالة على مقتل الضحية ثم تنسحب الكاميرا لتوظف بزاوية من الأسفل إلى الأعلى لترينا غرائبية الوحش ودمويته وهنا فإن المخرج قد يوظف الحدث ليقترح وضعا معينا ويرتب عناصره للحصول على موقف يبتغيه لإظهار المعنى ضمن رؤياه التي تساهم في دفع الحدث ليس على المستوى الدرامي فقط بل إلى مستويات متداخلة جمالية ونفسية وإنتاج دلالات ترتبط بتدفق المعلومة فضلا عن طرح الأفكار المتعددة التي تلخص رؤيته لهذا الشكل المعبر للحدث حيث "إن فنان الفيلم الذي يجعل من الضروري مزية، بان يلتقط صوره من زاوية محددة يرتب الأشياء كما يرغب ويضع ما يبدو له مهما في المقدمة ويخفي الأشياء الأخرى ويقترح العلاقات التي بين الأشياء"([29]) ومن ناحية تكوين الصورة فانه يلعب كذلك دورا بارزا في إضفاء الدلالة على اللقطة فمثلا في فيلم هتشكوك (الطيور) نجد في إحدى لقطاته إن البطلة تجلس في فناء المدرسة تدخن سيجارة وهي في مقدمة الكادر غير مدركة للطيور في الخلفية ومن هنا تنبع دلالة التشويق والترقب فالمشاهد يرى الطيور في الخلفية وعدم ملاحظة الشخصية لذلك فيتولد عنده إحساس قوي بالتشويق والترقب لمعرفة ما سيحدث حينما تنقض تلك الطيور على الفتاة، فمن التناقض ما بين علم المشاهد بما سيقع وجهل الشخصية بذلك وظف المخرج عنصر التكوين من خلال توزيع الكتل في مقدمة ومؤخرة الكادر لخلق التشويق والترقب أما الإضاءة فهي تعد العنصر الخلاق الثاني لتعبيرية ودلالة الصورة بعد عمل الكاميرا ومن الأفلام التي استخدمت فيها الإضاءة والألوان لإضفاء الدلالات السينمائية فيلم (حفلة ليلية) للمخرج (نيلسون مكنولر) نجد إن المرأة المثيرة للجمال والتي تتحول إلى امرأة عجوز مشوهة تمثل صورة الشبح القاتل قد وظف المخرج هنا الإضاءة المشرقة للمرأة الجميلة مع مساقط ضوء على ملامح وجهها وبزوايا تصوير متعددة وبخلفية ألوان صارخة أظهرتها كمصدر مشع للجمال وهذا ما يشجع الضحية بالوصول لها وحال ما يصل إليها يجدها قبيحة الشكل إذ تتحول الإضاءة تدريجيا كمصدر للرعب بضوئها الخافت ومساقط الظلال المعتمة حيث تتجلى هالة ضبابية تحيط بتفاصيل الشكل والتي تتحول إلى شبه ظلام مع خلفية من الألوان السوداء الممزوجة باللون الأحمر حيث تقتل الضحية في الحال "وبالتالي فان شكل الفيلم يعتمد على نوع التجربة التي يرغب صانع الفيلم أن يثيرها وفي الواقع تبدأ عملية الإبداع بان يجعل الفنان نفسه على وعي كامل بالغاية التي في ذهنه ثم يقرر أحسن وسيلة لتحقيق هذه الغاية"([30]) ومن كل ما سبق نجد في الأمثلة الفيلمية السابقة إن الدال هو حجم اللقطة أو زاوية الكاميرا أو حركتها أو الإضاءة والديكور والتكوين أما المدلول فهو ما تمثله هذه الدوال من مفاهيم وتصورات وأفكار لدى المتلقي، ومن اتحاد الدال بالمدلول يتكون فضاء الدلالة السينمائية التي تسهم في إنتاج المعنى الدرامي السايكولوجي والفلسفي العام للقطة أو المشهد أو الفيلم ككل، وأما المحور الصوتي (الحوار،الموسيقى،المؤثرات،الصمت) فنجد إن العلاقة بين الصورة والصوت سينمائيا علاقة تفاعلية ولا يمكن فصل التأثير أو عزل فضاء الدلالة الناجم عن هذه العلاقة أو عزوها إلى احدهما دون الآخر فمن الواضح إن العمل السينمائي ما هو إلا نتاج تركيب عدد من العناصر المختلفة فالحوار"له أهمية كبيرة في تشفير المعنى فهو نظام سيميائي قائم على الشفرات، واللغة تعد من أكثر الوسائل تشفيرا للمعلومات أي أنها تعتمد على استحضار دلالات الصورة"([31]) ومن الاشتغالات الدلالية للحوار نجد هنا في فيلم (ابتزاز) للمخرج هتشكوك ففي احد المشاهد وبعد أن تذبح البطلة الرجل بالخنجر تعود إلى بيت أهلها فتنظر إلى والدها وهو يقطع رغيف الخبز، حيث يصور هتشكوك هذه اللقطة دون مؤثرات وكل ما في الأمر إننا نرى يدآ تقطع قطعة من الخبز وهنا يدخل الصوت وتأتي كلمة (سكين الخبز) لترن في رأس القاتلة كما في رأس المشاهد إذ يتماهى المشاهد مع القاتلة فالألم يأتي من الكلمة التي تقال بشكل لا واقعي إزاء موقف بصري لا نرى فية سوى الحركة اليومية ليد تقطع الخبز ومن هنا بالتحديد تأتي الإثارة التي يحسها المشاهد إذ نلاحظ في هذا الشكل الفيلمي كيف إن قوة الحوار اليومي العادي يأخذ بعدا جديدا بعد توظيفه دلاليا، أما بالنسبة للموسيقى التصويرية فهي تعمل كدلالة صوتية مهمة في أفلام الرعب كخلق الترقب وللتمهيد للحدث وخلق الجو العام للقطة أو المشهد، وقد وظفت الموسيقى كدلالة سينمائية في فيلم الدخلاء من أخراج (جون كارلوس) ففي اغلب مشاهد الفيلم وأبرزها مشهد تحضير روح القتيل من قبل الوسيط الروحاني وبطل الفيلم حيث ساهمت هذه الموسيقى في خلق دلالة الرعب والفزع في هذا المشهد، وكذلك في فيلم (الفك المفترس) للمخرج (ستيفن سبيلبرغ) حينما يهاجم سمك القرش الناس على الشاطئ وغيرها من المشاهد، اما بخصوص المؤثرات الصوتية فيقوم كل مخرج بتوظيفها لخلق فضاء الدلالة السينمائية بحسب رؤيته ومعالجته الإخراجية فمن المخرجين من يستخدمها بشكلها الطبيعي المتزامن مع الحدث ومنهم من يعمل عكس ذلك لبث الرعب والفزع بشكل اكبر في نفوس المشاهدين إذ "إن المؤثرات الصوتية يمكن أن تثير الرعب في أفلام التوقع والرعب طالما إننا نميل إلى الخوف مما لا نستطيع رؤيته، فان المخرجين من أمثال هتشكوك وفريزلانغ يستخدمان في بعض الأحيان مؤثرات صوتية غير متزامنة ليضربا على نغمة القلق..ففي فيلم لانغ المعروف باسم (m) يتم تشخيص الطفل القاتل بلحن يصفر به خارج الشاشة، خلال الأجزاء الأولى من الفيلم لا نراه أبدا لكننا نميزه بلحنه المشوؤم"([32]) أما العنصر الرابع وهو الصمت فيتم توظيفه من قبل المخرجين كدلالة على الموت والعدم إذ "إن الصمت في حالة استخدام الصوت يصير قوة ايجابية ونحن نعرف الدور الدرامي الكبير الذي يمكن ان يلعبه كرمز للموت وللغياب والخطر وللقلق وللعزلة ([33]) ففي المشهد الأول من فلم (البديل) حينما تقرب شاحنة مسرعة من ابنة وابن البطل ويشاهدها وهي مقبلة بسرعة على دهسهما وهو لا يقوى على فعل شيء يحل الصمت المطبق في الشريط الصوتي حينما تدهس الشاحنة ولدي البطل وسط ذعره وصدمته وقد اشتغل المخرج على عنصر الصمت هنا كدلالة على الموت والضياع، أما المونتاج فهو يعد احد العناصر الهامة الرئيسة في تكوين الفضاء الدلالي للفيلم فهو الذي يعبر عن دلالات الزمن وتأثيراته المتعددة فالسينما استطاعت استيعاب اللقطة كأصغر وحداتها الفاعلة بل وأهمها وهذا الاستيعاب استدعى تكشف قدرات المونتاج كضرورة حتمية لابد لها من الوجود لتفعيل دور اللقطة ضمن السياق الفيلمي كوحدة دلالية فمع ظهور اللقطة والمونتاج كعنصرين أساسيين من عناصر التعبير الفيلمي ولدت علاقة الفيلم بالزمان والمكان إذ إن كل ما في الشكل الفني من ظواهر وشخصيات ومشاعر الناس وأحاسيسهم وإرادتهم إنما يحيى في المكان والزمان الفيلميين فبمقدور تبديل نسق اللقطات والسرد الفيلمي واستخدام المونتاج المتوازي والانتقالات من المزج والتلاشي واستخدام الحركة البطيئة والمسرعة..الخ أن تمنح الشاشة دلالات إضافية رمزية أو مجازية أو كنائية.
مؤشرات الإطار النظري:-
1- تسهم العناصر الصورية (من حجوم اللقطات وزوايا وحركات الكاميرا والتكوين والإضاءة والديكور..الخ) في تشكيل بنية الفضاء الدلالي والتي تعمل كمنظومة صورية في سبيل إنتاج المعنى وإيصاله للمتلقي .
2- يتم توظيف العناصر السمعية (حوار- موسيقى- مؤثرات –صمت)من قبل المخرج لتشكيل بنية الفضاء الدلالي الصوتي ضمن المنظومة السمعية للخطاب السينمائي .
3- يعد المونتاج احد العناصر الأساسية في تكوين بنية الفضاء الدلالي الفيلمي بوصفه الجامع للمحورين الصوري والسمعي ليكونوا مجتمعين منظومة الخطاب السينمائي .
الفصل الثالث: اجرات البحث
أولا: منهج البحث:
لقد اعتمد الباحث المنهج الوصفي التحليلي أي" وصف ما هو كائن ويتضمن وصف الظاهرة الراهنة وترتيبها وعملياتها والظروف السائدة وتسجيل ذلك وتحليله"([34])
ثانيا: مجتمع البحث:
وهي أفلام الرعب التي وظفت الفضاء الدلالي في تكوينها وإخراجها للتعبير عن مضمون اشكالها
ثالثا: عينة البحث:
لقد تم اختيار العينة هنا بصورة قصدية، وهي فيلم (سايكو) للمخرج البريطاني هتشكوك باعتبارها الأفضل ولها القدرة على إيفاء متطلبات البحث من خلال احتوائها معالجات إخراجية متعددة تتضمن التعبير عن موضوعة الفضاء الدلالي الصوري والسمعي .
رابعا: أداة البحث:
لغرض تحقيق أعلى قدر من الموضوعية والعلمية لهذه الدراسة فان الباحث اعتمد على ما افرز من مؤشرات الإطار النظري كمعيار لتحليل تلك العينة
خامسا: وحدة التحليل:
تفترض عملية تحليل العينة استخدام وحدة ثابتة للتحليل وينبغي إن تكون واضحة المعالم، لذا اعتمد البحث على المشهد الفيلمي كشكل فني محدد لغرض تحليله واستخلاص النتائج منه .
سادسا: تحليل العينة
تمثيل :- أنتوني بيركنز:(نورمان)، جانيت ليي:(ماريون)، جون جافين:(سام)، مارتن بالسام: (اربوجست)، فيرا مايلز :(ليلي)، جون ماكينتاير: (المأمور تشامبرز) .
سيناريو: جوزيف ستيفانو، التصوير : جون ال راسيل، المؤثرات الخاصة : كليرانس شامبين، الإنتاج : شركة (بارامونت) الأمريكية،أخراج : الفريد هتشكوك، سنة الإنتاج : 1960
ملخص قصة الفيلم :
تسرق (ماريون) مبلغ 40 ألف دولار من الشركة التي تعمل فيها وتهرب الى خارج المدينة لتقيم في احد الفنادق فيقوم مالكه بقتلها، وهو شخصية فصامية تعاني الاضطراب العقلي المبني على تجربة او عقدة فرويدية مرتبطة بمرحلة الطفولة إذ يتقمص شخصية والدته التي قتلها مع عشيقها منذ عشر سنوات ويحتفظ بجثتها طيلة تلك السنين ثم يقتل بعد ذلك التحري (اربوجست) الذي يأتي للبحث عنها واخيرآ حينما يحاول قتل شقيقه (ماريون) (ليلي) يلقى القبض عليه ويتم تسليمه للشرطة.
1-اشتغال الفضاء الدلالي في المحور الصوري
المشهد الثالث:
بين البطلة ماريون وصاحب الفندق القاتل نورمان نجد الأضواء الخافتة ومساقط الظلال المتقطعة تملا المكان للدلالة على طبيعة الحالة النفسية للبطل السايكوباتي إذ تظهر طيور مختلفة ومحنطة بلقطات قريبة من عدة أماكن من غرفة الاستقبال وكذلك لقطات متوسطة لبعض الأدوات الجارحة معلقة على الحائط، لقد عمل المخرج من خلال استخدام مختلف اللقطات والأحجام والزوايا بدلالات متنوعة للإيحاء بدواخل الشخصيات وتصرفاتها وبالتالي إيصال أفكار ومعاني متعددة إلى المتلقي فكانت هناك لقطات غير مفسره وهي لقطات كبيرة لليد وهي تمسك أجزاء معينه من أثاث البيت أو تمسك بعض الطيور ليجعلها بعد ذلك في لقطات متوسطة تعمق من المعنى .لمشهدالرابع:
المشهد الرابع:
وهو حوار القاتل مع البطلة إذ يوظف المخرج هنا التكوين مع زاوية الكاميرا والإضاءة حيث نشاهد في اللقطات المتوسطة ثنائية الجانبية للقاتل مع ضحيته وهما جالسين يتحاور نلاحظ إنها مصورة من زاوية أسفل النظر لتظهر في الخلفية الطيور المحنطة المعلقة أعلى الحائط مع إضاءة سفلية له لتعطي له دلالة البشاعة والخوف والشك والتوجس من هذه الشخصية الغريبة الأطوار وعندما يقف البطل في نفس المشهد في لقطة متوسطة نراه يتوسط الطيور المحنطة الموجودة في مقدمة ومؤخرة الكادر المتشكل لتكون اللقطة كدلالة على ربط الشخصية بالموت والعدم والفناء كحال الطيور المحنطة المتعددة التي تملأ الحجرة وكإرهاصات نفسية لهذه الشخصية لمشهد
المشهد الخامس:
عندما تغير ماريون ملابسها إذ يقوم القاتل (نورمان) بالتلصص عليها من الفتحة الموجودة في الجدار حيث نشاهد عينه في لقطة قريبة جدا وكبيرة كدلالة على امتزاج شهوة الجنس بشهوة القتل المكبوتة داخل نفسه، وبعد دخولها الى الحمام يبدأ القاتل بالهجوم عليها وقتلها لتختلط دماؤها مع ماء الدش والذي ينتهي إلى فتحة خروج الماء من البانيو حيث تتحول هذه الفتحة وتستقر متوحدة مع عين الضحية لتملا الكادر باجمعه في تعبير فني وجمالي يتضمن معاني ومستويات مختلفة وللدلالة على ان عين المجتمع ترفض وتستهجن فعل القتل مهما كانت دوافعه وأسبابه .
2-المحور الصوتي (حوار – موسيقى – مؤثرات – صمت)
المشهد الثالث: نسمع فيه من خلف باب الغرفة مشادة كلامية بين نورمان وأمه طالبا منها الاختباء في القبو، إلا إنها ترفض ذلك بشدة فيقوم بحملها رغم اعتراضها الشديد ووضعها في القبو ثم نفاجأ في مشهد الذروة لحظة القبض على القاتل بان والدته ما هي إلا جثة هامدة وان (نورمان) تلك الشخصية الفصامية هو من كان يتقمص دورها وان هذا الحوار المشحون بالدلالات يعبر لنا عن بعض الجوانب النفسية لشخصية البطل نورمان فهو شخص غريب الأطوار غامض انعزالي ومعقد وان هوايته تحنيط الطيور لها علاقة كما سنعرف ذلك لاحقا بسلوك شخصيته كقاتل وللتعبير عن الموت والفناء كونه احتفظ بجثة أمه عشر سنين كما إن حديثه الغامض عن أمه يزيد من غموض تلك الشخصية التي لا يراها المشاهد حتى نهاية الفيلم بل فقط يسمع تحاورها مع ابنها مما يزيد من التشويق والترقب لمعرفة تلك الشخصية، إن هذه الحوارات تجعل المتلقي أمام مستويات متنوعة ومختلفة لاستنباط الغايات والمعنى والمغزى عندما يبدأ المتلقي بربط الدلالة الصورية والصوتية ضمن فضائها الدلالي في استخراج معنى ما يحدث أمامه ومن ثم فهم الفكرة الفلسفية للفيلم
أما عناصر المحور الصوتي من موسيقى ومؤثرات فقد وظفها المخرج هنا في عدة مشاهد ومنها المشهد الأول: الذي تجمع فيه (ماريون) ملابسها للسفر وعندها تنظر إلى النقود وهي مترددة في سرقتها يصحب ذلك التعبير التمثيلي موسيقى ترقب وإثارة لتمهد للحدث الرئيسي الذي ستبنى عليه بقية الأحداث في الفلم وهو سرقة النقود والهرب بها، وفي المشهد الثاني: عند حلول الليل وهي تقود السيارة يهطل المطر بغزارة ونسمع صوت مؤثر زخات المطر المنهمر بقوة وصوت ماسحات زجاج السيارة وهي تعمل وترافق تلك المؤثرات الصوتية الموسيقى التصويرية ليخلق بذلك المخرج من الشريط الصوتي جوا مشحونا بالغموض والترقب والتشويق وإبراز دلالات متعددة مما يجعل المتلقي ينتج المعاني والتصورات المعبرة عن هذه الأجواء على قراءات وتأويلات مختلفة .
3- محور المونتاج
لقد اشتغل المخرج على محور المونتاج باعتباره الجامع للمحورين (الصوري – الصوتي) ضمن الفضاء الدلالي للتعبير عن مختلف الدلالات السينمائية وخلق المزيد من المعنى وإيصال قراءات سواءا في الجانب النفسي للشخصيات أو التعبير عن مظاهر الإجرام وبالتالي استخلاص الأسباب والنتائج في هكذا أفلام مبنيه على الرعب النفسي ففي المشهد الذي تنوي فيه (ماريون) مغادرة المدينة وهي تجمع حاجياتها تتحرك الكاميرا (track in) نحو النقود في لقطة قريبة ثم يبدأ المخرج بالقطع المتناوب مابين البطلة والنقود لعدة مرات وفيها دلالة واضحة على ترددها مابين الإقدام على سرقتها والإحجام عنها ثم ينتهي المشهد بقرارها سرقة النقود والهروب بها وهي تجهل ما ينتظرها
الفصل الرابع
النتائج:-
- عمل مخرج الفيلم على تشكيل علاقات تجاوريه في البنية الصورية ضمن صياغات أسهمت في خلق فضاء دلالي متعدد
- أسهمت المنظومة السمعية بمختلف عناصرها في تحقيق الفضاء الدلالي من خلال دورها المؤثر والمتعدد في بنية الصورة الفيلمية .
- شكلت عملية المونتاج الجانب المهم في تجسيد الفضاء الدلالي ضمن السياق الفيلمي لإبراز دلالات العملية الإبداعية وللتعبير عن البناء الفكري
الاستنتاجات:-
1- إن أفلام الرعب يعتمد فضاؤها الدلالي على التشكيل الصوري في خلق المعاني والأفكار.
2-إن المونتاج في تعبيره عن العملية الابداعيه يستطيع تجسيد الفضاء الدلالي في بنية فيلم الرعب
3-إن أفلام الرعب توظف العناصر السمعية في تفعيل الفضاء الدلالي لخلق الاثاره والترقب . والتشويق الفيلمي
4- إن شخصيات أفلام الرعب تتنوع، ففضلا عن وجود العنصر البشري السوي توجد مخلوقات بشرية وحيوانية ممسوخة، وكائنات خرافية مثل مصاصي الدماء والوحوش والأشباح والأرواح والأموات والحشرات العملاقة .
5-تنطلق أفلام الرعب من ثيمات متعددة وتقدمها لتعالج قضايا ربما مشار إليها في الواقع المعاش إذ يكون تقديمها على وفق أشكال وصيغ مختلفة عن الواقع
المصادر
- ارنهايم، رودولف، فن السينما،تر:عبد العزيز فهمي، المؤسسة المصرية للطباعة، القاهرة
- اندرو، ج. دادلي، نظريات الفيلم الكبرى، تر: جرجس الرشيدي، الهيئة المصرية للكتاب،1987
- البازعي، سعد وديجان الرويلي، دليل الناقد الادبي، المركز الثقافي، بيروت، 2002
- جانيتي، لوي دي، فهم السينما، تر: جعفر علي، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1981
- جمال، هشام،التكنولوجيا الرقمية في التصوير السينمائي الحديث، مطابع الأهرام، مصر، 2006
- الرازي , مجمد بن ابي بكر، مختار الصحاح، دار الرسالة للنشر، الكويت، 1983
- الزبيدي، قيس، مونوغرافيا، المؤسسة العامة للسينما , دمشق، 2001
- سعيد، ابو طالب محمد، علم مناهج البحث، دار الحكمة للطباعة والنشر، الموصل،1990
- سولومون، ستانلي جيه، أنواع الفيلم الأمريكي، تر: مدحت محفوظ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995
- السيد، علاء عبد العزيز،الفيلم بين اللغة والنص، المؤسسة العامة للسينما، دمشق،2008
- عيسى، سعد ناظم، الاشتغال الدلالي للتشفير في التعبير الفيلمي، رسالة ماجستير، غ .م ، جامعة بغداد، كلية الفنون الجميلة، 2012
- فولتون، ألبرت، السينما آلة وفن، تر: صلاح عز الدين، المركز العربي للثقافة، 1960
- فيلدمان، جوزيف وهاري، دينامية الفيلم، تر: محمد عبد الفتاح قناوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1996
- لوبلان، ريمون وكلود جرمان، علم الدلالة، تر: نور الهدى، دار الفاضل، دمشق، 1994
- لوتمان، يوري، مدخل الى سيميائية الفيلم، تر: نبيل الدبس، المؤسسة العامة للسينما، دمشق، 2001
- مارتن، مارسيل، اللغة السينمائية والكتابة بالصورة، تر: سعد مكاوي، المؤسسة العامة للسينما دمشق، 2009
- متري، جان، المدخل الى علم جمال السينما، تر:عبد الله عويشق، المؤسسة العامة للسينما، دمشق، 2009
- نيكوللز، بيتر، السينما الخيالية تر: مدحت محفوظ، الهيئة المصرية للكتاب القاهرة، ،1993
هوكنز، ترنس، البنيوية وعلم الاشارة، تر: مجيد الماشطة، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1986
[1] - محمد بن ابي بكر الرازي، مختار الصحاح، دار الرسالة للنشر، الكويت، 1983، ص506
[2] - لوي دي جانيتي، فهم السينما، تر: جعفر علي، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1981، ص106
[3]- محمد بن ابي بكر الرازي، مختار الصحاح، مصدر سابق، ص106
[4] - كلود جرمان – ريمون لوبلان، علم الدلالة، تر:نور الهدى، دار الفاضل للنشر، المؤسسة العامة للسينما، دمشق،1994، ص9
[5]- المصدر نفسه، ص5
[6] - جوزيف وهاري فيلدمان، دينامية الفيلم، تر: محمد عبد الفتاح قناوي، الهيئة المصرية للكتاب، 1996، ص93
[7] كلود جرمان – ريمون لوبلان، علم الدلالة، مصدر سابق، ص6
[8] - لوي دي جانيتي، فهم السينما، مصدر سابق، ص584
[9] - جان متري، المدخل إلى علم الجمال وعلم نفس السينما، تر:عبد الله عويشق، المؤسسة العامة للسينما، دمشق، 2009، ص24
[10] - جوزيف وهاري فيلدمان، دينامية الفيلم، مصدر سابق، ص100
[11] - المصدر نفسه، ص96
[12] - المصدر نفسه، ص93
[13] - ستانلي جيه سولومون، أنواع الفيلم الأمريكي،تر: مدحت محفوظ، الهيئة المصرية العامة للكتاب،2007، ص160
[14] - ألبرت فولتون، السينما آلة وفن،تر: صلاح عز الدين وفؤاد كامل، المركز العربي للثقافة والعلوم،1960، ص179
[15] - هشام جمال، التكنولوجيا الرقمية في التصوير السينمائي الحديث، مطابع الأهرام التجارية، مصر،2006، ص273
[16] - ستانلي جيه سولومون، أنواع الفيلم الأمريكي، مصدر سابق، ص201
[17] - بيتر نيكوكز، السينما الخيالية، تر: مدحت محفوظ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993، ص240
[18] - ينظر- يوري لوتمان، مدخل إلى سيميائية الفيلم، تر: نبيل الدبس، المؤسسة العامة للسينما، دمشق، 2001، ص9
[19] - ديجان الرويلي – سعد البازعي، دليل الناقد الأدبي، الدار البيضاء،المركز الثقافي العربي، بيروت، 2002، ص183
[20] - قيس الزبيدي، مونوغرافيات ، المؤسسة العامة للسينما، دمشق، 2010، ص162
[21] - علاء عبد العزيز السيد، الفيلم بين اللغة والنص، المؤسسة العامة للسينما، دمشق، 2008، ص116
[22]- سعد ناظم،الاشتغال الدلالي للتشفير في التعبير الفيلمي،رسالة ماجستير غير منشورة،كلية الفنون الجميلة،جامعة بغداد،2012،ص103
[23] - يوري لوتمان، مدخل إلى سيميائية الفيلم، مصدر سابق، ص53
[24] - لوي دي جانيتي، فهم السينما، مصدر سابق، ص34
[25] - رودولف ارنهايم، فن السينما،تر: عبد العزيز فهمي ،المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة، القاهرة، ص85
[26] - مارسيل مارتن، اللغة السينمائية والكتابة بالصورة ، تر: سعد مكاوي، المؤسسة العامة للسينما، دمشق، 2009،ص 32
[27]- رودولف ارنهايم، فن السينما، مصدر سابق، ص54
[28] - جوزيف وهاري فيلدمان، دينامية الفيلم، مصدر سابق، ص159
* - مصطلح في التصوير السينمائي يشير الى حركة الكامير عندما تظل الزاوية بين خط محور العدسة واتجاه سير الكاميرا ثابتة، وللمزيد ينظر : مارسيل مارتن، اللغة السينمائية والكتابة بالصورة، حركات الكاميرا .
[29] - جوزيف وهاري فيلدمان، دينامية الفيلم، مصدر سابق، ص54
[30] - ج. دادلي اندرو، نظريات الفلم الكبرى،تر:جرجس الرشيدي وهاشم النحاس،الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص66
[31] - سعد ناظم عيسى، الاشتغال الدلالي للتشفير في التعبير الفيلمي، رسالة ماجستير، مصدر سابق، ص123
[32] - لوي دي جانيتي، فهم السينما،مصدر سابق، ص266
[33] - مارسيل مارتن، اللغة السينمائية والكتابة بالصورة مصدر سايق، ص118
[34] - أبو طالب محمد سعيد، علم مناهج البحث، دار الحكمة للطباعة والنشر، الموصل، 1990، ص94