المواقف النقدية لأحمد بن فارس(395هـ) في (معجم مقاييس اللغة)
العالم اللغوي أحمد بن فارس (ت395هـ) هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب من أعلام اللغة والنحو والفقه والحديث في القرن الرابع الهجري. وقد وصلت شهرته في الآفاق و كذلك اشتهر بمؤلفاته في شتى صنوف المعرفة المتعلقة باللغة والأدب والفقه والحديث.
مقدمة:
العالم اللغوي أحمد بن فارس (ت395هـ) هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب من أعلام اللغة والنحو والفقه والحديث في القرن الرابع الهجري. وقد وصلت شهرته في الآفاق و كذلك اشتهر بمؤلفاته في شتى صنوف المعرفة المتعلقة باللغة والأدب والفقه والحديث.
وكذلك شُهر ابن فارس أيضاً بآرائه اللغوية المتميزة في عصره؛ وعرف بكثرة مصنفاته فهو أول مؤلف لكتاب بعنوان(الصاحبي في فقه اللغة)وهو من الأعلام اللغويين الذين وضعوا أكثر من عمل معجمي، ومن أشهر المعجمات التي وضعها معجماه: المقاييس في اللغة، والمجمل في اللغة. وقد نال(المقاييس)شهرة واسعة لدى الدارسين قديماً وحديثاً. ولعل سبب شهرة هذا المعجم أنه وضع تطبيقاً لنظريتين عُرف بهما ابن فارس وهما: نظرية الأصول والمقاييس بالنسبة للمواد الثنائية والثلاثية، ونظرية النحت للمواد الرباعية والخماسية الأصول. وأما معجمه المجمل في اللغة فقد وضع لغاية معجمية خالصة تتمثل بترتيب الألفاظ ثم ذكر معانيها مجملة.
وسنقتصر في بحثنا على مواقف ابن فارس النقدية في معجمه ((معجم مقاييس اللغة)) مع إشارة بسيطة بما يتطلبها المقام الى ((المجمل في اللغة))، مع التركيز على نقده لعالمين جليلين هما الخليل وابن دريد لإكثار ابن فارس الإشارة إليهما في نقده.
وقد أتيح لابن فارس أن ينظر نظرة ثاقبة في الأعمال اللغوية التي سبقته ـ وهي كثيرة ـ غير أنه استصفى منها أعمالاً خمسة جعلها مصادر رئيسة لمعجمه المقاييس، وكل ما عداها فروع. وهذه الخمسة هي: (معجم العين)للخليل بن أحمد الفراهيدي(ت175هـ)، وكتابا أبي عبيد القاسم بن سلاّم الهروي(ت224هـ) (غريب الحديث)و(مصنف الغريب)، وكتاب ابن السّكّيت (ت244هـ) (المنطق)، وكتاب أبي بكر بن دريد (ت321هـ) (الجمهرة)([1]).
والناظر المتفحّص في المقاييس يجد أن الكم الأكبر من مادته: ألفاظاً ومعاني مستقاة من مصدريه الرئيسين: العين والجمهرة، فقد أكثر ابن فارس من النقل عنهما واقتباس ما ورد فيهما، بحيث تبدو البقية كأنها بالفعل مصادر ثانوية. ولا تكاد تخلو صفحة من المقاييس من ذكر للخليل وابن دريد.
ومما تجدر الإشارة إليه أن جعل بعض الدارسين ابن فارس من المعدودين على المذهب الكوفي (البغدادي)([2])، غير أنه لم يُظهر تعصباً لهذا المذهب على المذهب المنافس (البصري). ويتضح عدم تعصبه في إعجابه الشديد بإمام العربية وعالمها الأول اللغوي البصري الخليل بن أحمد الفراهيدي، فقد تأثر به ونقل عنه. وكذلك الحال بالنسبة إلى ابن دريد البصري، غير أن هذا الإعجاب والتأثير لم يمنعا ابن فارس من نقد العين والجمهرة في المواطن التي يراها ابن فارس معارضة لمواقفه اللغوية. ولعلنا منذ الآن نطمئن على حقيقة أن التعصب المذهبي لم يكن الدافع لابن فارس في مآخذه ومن ثم نقده للعين والجمهرة.
ـ النقد في معجم مقاييس اللغة:
يبدو لنا أن هذه الظاهرة تعد لسيقة بفكرة الأصول التي نفذها ابن فارس في المقاييس فعن هذه الفكرة صدرت اغلب أحكام ابن فارس النقدية التي يمكن أن نقسمها مما تلمسناه ووجدناه في معجم مقاييس اللغة على أربعة أقسام هي: ((نقد المادة اللغوية، ونقد الألفاظ وتفسيرها، ونقد اللغويين، ونقد الشعر)).
اتبع ابن فارس مناهج متعددة في التعامل مع المواد اللغوية التي تلقاها عن شيوخه. ويلخص بعض الدارسين منهج ابن فارس في النقد اللغوي في ثلاثة أمور: أولاها: إصدار الحكم بالضعف، وثانيها: المقارنة المجردة، وثالثها المقارنة مع الترجيح. ([3])
ويرى بعض الباحثين أن هناك نضجا نقديا في المقاييس([4]) ويحتج على ذلك بأمثلة منها ما أورده ابن فارس في مادة (توخ)، إذ يقول: ((تاخت الإصبع مثل ثاخت))، ويضيف ((ذُكر في كتاب الخليل حرفٌ أُراه تصحيفاً، قال: تاخت الإصبع في الشيء الرخو، وإنما هو بالثاء ثاخت)). ([5]) وعند العودة الى (ثوخ) في معجم مقاييس اللغة نرى أن ابن فارس يرى أن: (( الثاء والواو والخاء ليس أصلاً))؛ وبيّن أن سبب ذلك ((لأن قولهم ثاخت الإصبع إنما هي مبدلة من ساخت، وربما قالوا بالتاء: تاخت)). ([6])
1ـ نقد المادة اللغوية:
مما لاشك فيه ان النقد اللغوي، هو تمييز جيد الكلام من ردئيه، وصحيحه من فاسده من حيث الوحدات الصوتية والبنية الصرفية والتراكيب النحوية ودلالة الألفاظ واستعمال الجذور وإهمالها0 والصلة واضحة بين المعنى اللغوي للنقد والمعنى الاصطلاحي فكلاهما تمييز0
وقد كشفت ظاهرة النقد في المقاييس عن إمكانية علمية واضحة تميز بها ابن فارس فيما لم تكن قدراته بهذا المستوى من النضج في المجمل، فقد تعرض ابن فارس الى نقد المواد اللغوية برمتها في المقاييس وهي ميزة انفرد بها عن المجمل وهو واضح في قوله ((الباء والياء والظاء كلمة ما اعرفها في صحيح كلام العرب ولو انهم ذكروها ما كان لإثباتها وجه قالوا: البَيْظُ: ماء العجل))([7]) ولم نر هذا النقد الموجه الى المادة في المجمل، اذ كان المصنف يتناول مواده اللغوية بدون شك فيها، مثلما ترى في قوله في نفس المادة ((البَيْظُ: ماء الفحل))([8]) ويبدو ان سلطان مقياسه القديم في صحة الكلام الذي قام عليه المجمل لم يزل قائما في المقاييس فلم يستطع إغفال فيه، الأمر الذي حد احيانا من حريته في نقد المواد او الألفاظ وفقا لمقياسه الجديد كما ترى في قوله مثلا((التاء والواو واللام كلمة ما احسبها صحيحة لكنها قد رويت قالوا التولة جنس من السحر..))([9]) فهو يشك في هذه المادة لكنه يورد مفرداتها لأنها وصلت اليه رواية فلم يكن له بد من ذلك، اما في المجمل فقد عرض هذه المادة دون أي شك فيها ([10]) ونقد ابن فارس بعض الألفاظ في المقاييس فيما لم يفعل ذلك عندما اوردها في المجمل مثلما ترى في قوله في الاول ((فاما الصير، وهو شيء يقال له الصِّحْنَاة فلا أحسبه عربيا ولا احسب العرب عرفته وقد ذكره اهل اللغة ولا معنى له ))([11]) وقد وصل شكه ببعض معاني الألفاظ الى عدم ذكرها أصلا في المقاييس يدل على ذلك اشارته الى الشك فيها في المجمل مثلا في قوله ((ويقال: دهق ـ وفيه نظرـ ان الرثمة المطر الضعيف))([12]) وكان يرجح في المقاييس هذا الرأي على ذلك فضلا عن تعليل هذا الترجيح احيانا، يلاحظ ذلك في قوله ((والظعينة: مما يقال فيه، فقال قوم هي المرأة وقال اخرون: الظعائن: الهوادج، كان فيها نساء او لم يكن وهذا اصح القولين لأنه من ادوات الرحيل))([13]) فجاء ترجيحه لهذا المعنى بسبب اتفاقه مع المعنى الأصلي لمادة (ظعن) الذي يدل على الشخوص من مكان الى مكان.
وقد وجه نقده إليها برمتها في قوله ((الجيم والنون والهاء ليس أصلاً، ولا هو عندي من كلام العرب، إلا أنّ ناساً زعموا أنّ الجُنَهَ الخيرزانُ))([14]) و ((الخاء والثاء ليس أصلاً ولا فرعاً صحيحاً يُعَرَّج عليه، ولكنّا نذكُر ما يذكرونه. يقولون: الخُثّ ما أُوخِفَ من أخْثاء البقر وطُلِي به شيءٌ، وليس هذا بشيء، ويقال الخُثُّ: غُثَاء السَّيل إذا تركَه السيلُ فيبِس واسوَدَّ))([15]) وقوله ((الضاد والغين والزاء ليس بأصلٍ صحيح، إلاَّ أن يأتي به شِعْر، غير أنَّ الخليل ذكر أنَّ الضّغْز من السَّباع: السَّيّىء الخُلُق، والله أعلم بالصَّواب))([16]). وقوله ((الحاء والنون والراء كلمةٌ واحدة، لولا أنها جاءت في الحديث لما كان لِذِكرها وجه، وذلك أنَّ النون في كلام العرب لا تكاد تجيء بعدها راء؛ والذي جاء في الحديث: «لَوْ صَلَّيْتُم حتى تَصيروا كالحنائر» فيقال إنَّها القسيّ، الواحد حَنِيرة، وممكن أن يكون الراء كالملصقة بالكلمة، ويرجع إلى ما ذكرناه من حنيت الشيءَ وحنوْته))([17]).
يتضح من هذه المواد ومن غيرها التي رفضها ابن فارس ان بعضها يحتوي على الفاظ شك بعربيتها أو شك بقلة ائتلاف بعض الحروف فيها وبعضها الاخر ضم كلمات منفردة لا قياس لها او لم يوثقها شاهد فصيح.
2 ـ نقد الألفاظ وتفسيرها
كان ابن فارس ((يتحرى الألفاظ الصحيحة ويجتنب المشوبة ولذلك كان ينص على كل أصل من أصوله التي يرتضيها بالصحة وما لا يرتضيه بالضعف أو الشذوذ أو غيرهما ))([18]).
و كان ابن فارس يضع مقاييسه في المقام الأول عندما ينقد تفسير لفظة أو يرجح قولا على اخر، وأعلن عن ذلك صراحة قائلا ((...وإذا اختلفت الأقاويل نُظِرَ إلى أقربها من قياس الباب فأُخِذَ به))([19])
ففي قوله ((الحاء والدال والميم أصلٌ واحد، وهو اشتداد الحرّ. يقال احتدم النهار: اشتدّ حَرُّه، وَاحتدم الحرّ، وَاحْتَدَمَتِ النار؛ وللنار حَدَمَةٌ، وهو شدّتها، ويقال صوت التهابِها. قال الخليل: أحْدَمَتِ الشمسُ (الشيءَ) فاحتدم، وَاحتَدَم صدْرُه غيظاً؛ فأمّا احتِدام الدّم فقال قوم: اشتدت حُمْرَتُه حتى يسودَّ، والصحيح أن يشتدّ حرُّه. قال الفرّاء: قِدْرٌ حُدَمَةٌ، إذا كانت سريعةَ الغَلْي، وهي ضدّ الصَّلُود))([20]) وقوله مرجحا احد رأيين، قال ابن فارس((الشين والياء والطاء أصلٌ يدلُّ على ذَهاب الشىء، إمّا احتراقًا وإما غَيْرَ ذلك. فالشَّيْط مِن شاط الشَيءُ، إذا احترق، يقال شيَّطت الَّلحم، ويقولون: شيَّطَه إذا دَخَّنه ولم يُنْضِجْه، والأوّل أصحُّ وأقيَس))([21]).
واستحسن تفسير بعض الشواهد في قوله ((الجيم والميم والحاء أصلٌ واحد مطّرد، وهو ذَهاب الشَّيء قُدُماً بغَلَبةٍ وقُوَّة.....، فأمّا قولُه تعالى)لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ( (التوبة57) فإِنَّه أراد يَسْعَون، وهو ذاك))([22]). وغلط من فسر قول النابغة فقال ((العين والهاء والنون أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على لِينٍ وسُهولة وقِلَّة غذاءٍ في الشىء..... فأمَّا قولهم إنَّ العاهن: الحابس، وإنشادهم للنابغة:
أقول لها لمَّا ونت وتخاذلــتْ أجِدّي فما دون الجَبَا لك عاهنُ
فهو عندنا غلطٌ، وإنّما معناه على موضعِ القياس الذي قسناه: أنّ ما دون الجَبا ممكن غير ممنوع، أي السَّبيل إليه سهل، ويكون «ما» في معنى اسم))([23]).
وإذا ما تعددت الآراء في تفسير كلمة في شاهد اختار احدها معللا ذلك ففي قوله ((الدال والسين والحرف المعتل أصلٌ واحد يدلُّ على خَفاءٍ وسَتْر.... فأمّا قوله تعالى)وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا( (الشمس10)، فإنّ أهل العلم قالوا: الأصل دَسَّسَها، كأنَّه أخفاها، وذلك أنّ السَّمْحَ ذا الضّيافة يَنزِل بكلّ بَرازٍ، وبكل يَفَاع ليَنْتَابه الضّيفَانُ، والبَخيلُ لا ينزِلُ إلاَّ في هَبْطَةٍ أو غامض، فيقول الله تعالى)قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا( (الشمس10) أي أخفاها، أو أغْمَضَها؛ وهذا هو المعوَّل عليه، غير أنّ بعض أهلِ العلمِ قال: دَسّاها، أي أغواها وأغراها بالقَبيح))([24])
وعدّ ابن فارس بعض الكلام من المشكل الذي لم يهتد الى معناه في قوله ((وممّا يُشكِل عندي معناه قولُهم: هَبْهُ فعلَ كذا، وَهَبْني فَعَلْته، وظننتُ أنَّ هذا من باب وهب لأنَّ اللفظة على هذا تدلّ، وهو على ذلك مَشكِل))([25])
3ـ نقده للغويين
نقد ابن فارس في المقاييس بعض اللغويين، والناظر في ملاحظاته النقدية الموجهة إليهم يلمس فيها القوة في محاججتهم والجرأة في تغليطهم مع احترامه وتقديسه لهم، فهو حين يصل الى واحد منهم يذكر بعده عبارة ـ رحمه الله ـ وهي دلالة واضحة على عناية واحترام لمقام العلماء، يصفها الدكتور حسين نصار بان فيها صراحة وادب في أغلب الأحيان([26]) فقد رمى بعض ما جاء به الخليل بالضعف واتهم ابن دريد بالتدليس في قوله ((العين والزاء والقاف ليس فيه كلام أصيل، لكنَّ الخليلَ ذكر أنّ العَزْق: عِلاج الشَّىء في عَسَر. ورجلٌ متعزّق: فيه شِدَّة خُلُق؛ ويقولون: إن المِعْزقةَ: آلةٌ من آلات الحَرْث،... وكلُّ هذا في الضَّعفِ قريبٌ بُعضه من بعض. وأعجَبُ منه اللغة اليمانية التي يدلِسُها أبو بكر محمدُ بن الحسنِ الدُّريدي رحمه الله، وقولُه: إنَّ العَزِيق مطمئنٌّ من الأرض، لغةٌ يَمانية))([27]) وقال عن ابن دريد ((فأمّا(الجيم والغين معجمة) فلا أصل لها في الكلام، والذي قاله ابن دريد في الجَغْب ـ إنّه ذُو الشَّغَبِ، فجنسٌ من الإبْدال يولّدهُ ابنُ دريد ويستعمِلُه))([28])
ونقد الكسائي ايضا، فقال مصرحا باسمه ((التاء والراء قريبٌ من الذي قبلَه، وفيه من اللغة الأصلية كلمةٌ واحدة، وهو قولهم بَدَنٌ ذو تَرَارَةٍ، إذا كانَ ذا سِمَن وبَضَاعة، وأمّا التَّرَاتِرُفالأمورُ العِظام، وليست (أصلاً)، لأنَّ الرّاء مبدلةٌ من لامٍ. وقولهم تَرَّتِ النَّوَاةُ مِن مِرْضاحِها تَتِرُّ، فهذا قريبٌ مما قبلَه؛ وكذلك الخيط الذي يُسمَّى «التُّرّ» وهو الذي يمدُّه البانِي، فلا يكاد مِثْلُه يصحّ، وكذلك قولهم إن الأُتْرُور الغلامُ الصغيرُ. ولولا وِجْداننا ذلك في كُتُبهم لكان الإعراضُ عنه أصوبَ، وكيف يصحُّ شيءٌ يكونُ شاهدُه مثلَ هذا الشِّعر:
أعــــوذ باللَّهِ وبالأمير من عَامِلِ الشُّرطَةِ وَالأتْرُورِ
ومثلُه ما حُكِي عن الكسائيّ: تَرّ الرّجلُ عن بِلاَدِهِ: تَباعَدَ، وَأتَرَّهُ القَضاءُ: أبعَدَه.))([29]).
وكذلك نقد الكسائي بقوله ((قال الكسائي: ثمغة الجبل: اعلاه، بالثاء. قال الفراء: والذي سمعت انا نمغة))([30]).
هذه أمثلة لما فيه من الجرأة في رده لآراء علماء اللغة، وسنعرج على من نقدهم ابن فارس بعد ان نقف على موقفه من الخليل وابن دريد اللذين أخذا مكانا كبيرا في نقده في معجم مقاييس اللغة، وهذا بلا ريب جاء من كثرة نقله عنهما.
ـ أبرز العلماء الذين نقدهم ابن فارس في معجم مقاييس اللغة
نقد ابن فارس مجموعة من علماء اللغة([31]) ووقف منهم مواقف نقدية و لعل ابرزهم:
أ ـ الخليل وابن دريد
نقل عنهما نسبة كبيرة من مواده اللغوية في المقاييس، وقبل الولوج الى نقد ابن فارس لهما ينبغي الوقوف قليلا على موقف ابن فارس منها ومن كتابيهما فنقول، ان ابن فارس جعل (العين) المنسوب إلى الخليل على رأس مصادره الخمسة للمقاييس. ويظهر هذا جلياً في عبارته التي صدّر بها مصادره الخمسة إذ يقول:((فأعلاها وأشرفها…)) ([32]) وهذا يدلنا على مكانة الخليل وكتابه العين عند ابن فارس الذي استصفى من كل كتب اللغة خمسة، وجعل العين ذروة سنام هذه الخمسة.
ومن الجدير بالذكر أن عدداً من اللغويين والدارسين من قدامى ومحدثين قد شككوا في نسبة العين إلى الخليل، ولهم في ذلك ثلاثة مذهب:
أ) إنكار نسبة العين إلى الخليل
ب) إقرار نسبة العين إلى الخليل
ج) ومذهب ثالث يرى أن الخطة والمنهح هما للخليل، وأما حشو المادة فهو لغيره، وعزا عدد من الدارسين حشو المعجم إلى الليث بن المظفر. ([33])
ويحسب الباحثان ان أحمد بن فارس يقر بنسبة العين إلى الخليل؛ إذ يذكر العين وسلسلة سند رواته إلى الخليل. وعلى الرغم من ذلك فقد وجه ابن فارس أحياناً نقداً شديداً للعين.
ويمكن ان يرى أثر العين في ترتيب المقاييس، ومن المعلوم أن ترتيب العين يقوم على ثلاثة أسس:
1. الترتيب المخرجي للحروف.
2. ترتيب الأبنية( وهي ستة أنواع).
3. نظام التقاليب.
وعلى الرغم من اتخاذ ابن فارس الترتيب الألفبائي للحروف، إلا أنه اقتبس من العين ترتيب الأبنية وإن خالف الخليل في جعل الأبنية ثلاثة أقسام: الثنائي المضاعف والمطابق، والثلاثي،([34]) وما زاد على الثلاثي ( ويشمل الرباعي والخماسي).
ومن المفيد ان نذكر أن ابن دريد اتخذ الترتيب الألفبائي للحروف ؛ غير أن الأبنية عنده ستة أنواع تشبه تقسيم الخليل مع اختلافات يسيرة، وأبقى صاحب الجمهرة على نظام التقاليب. ويرى بعض الدارسين المحدثين اتفاقاً كبيراً في الترتيب في الجمهرة والمقاييس على أن ابن فارس طرح نظام التقاليب ولم يعتدّ به.
وقد اقتفى ابن فارس أثر ابن دريد في الترتيب المعجمي المعتمد على الترتيب الألفبائي للحروف-حسب أوائل الكلمات-، والترتيب البنائي وإن اختلفا في عدد الأبنية التي جعلها ابن دريد ستة- كما في مدرسة العين-، وجعلها ابن فارس ثلاثة وفقاً لنظرته اللغوية للألفاظ العربية وأصولها، وقد طرح ابن فارس نظام التقليبات الخليلي الذي اقتفاه ابن دريد.
وربما يجد الدارس المطالع للمعجمات العربية القديمة أن معجم ابن فارس معجم مقاييس اللغة يمكن أن يشكل مدرسة قائمة بذاتها ويتبعه في ذلك معجمه الآخر (المجمل) إلى حد ما، إلا أن أحد دارسي المعجمات من المحدثين جعل معجم مقاييس اللغة و مجمل اللغة ضمن مدرسة الجمهرة مع الإشارة إلى أوجه الفرق بين الجمهرة وبين كل من المقاييس والمجمل. وعلى الرغم من ذلك فقد كان المقاييس أقرب إلى العين منه إلى الجمهرة([35]).
ويرى بعض الدارسين المحدثين (( أنّ ابن فارس اقتفى أثر الخليل وابن دريد في ترتيب المواد بالنسبة لحروفها التالية شريطة أن يكون التالي متأخراً عن سابقه في ترتيب الهجاء))([36]). ومن ذلك أن حرف السين(باب السين) يبدأ بالكلمات التي يكون الحرف التالي للسين في الترتيب الهجائي هو الذي يبدأ به ابن فارس.
فنجد الكلمات التالية: في المضاعف المطابق: سع، سغ، سف، سك، سل، سم، سن، سب، ستّ، سجّ، سحّ، سدّ، سرّ، وفي الثلاثي: سطع، سطل، سطم، سطن،...إلخ.
وحين ينتهي ابن فارس إلى حرف الياء أو أي حرف قبل الياء مما تتألف منه المواد المستعملة يعود فيقدم الألفاظ التي يكون الحرف التالي للسين هو الألف ثم الباء ثم التاء...إلى ما قبل السين..
ويرى هؤلاء الدارسون أن هذا الترتيب يناسب منهجي العين والجمهرة، وسبب ذلك أن هذه الترتيب كان ضرورياً للخليل وابن دريد لأنهما يجمعان التقاليب في موضع واحد؛ فتأتي تآليف كل حرف فيما سبقه من أبواب ([37]).
وقد أقر ابن فارس بفضل الخليل في عملية استنباط الأصول والمقاييس، وكذلك أقر بأن الخليل هو الذي مهد الطريق إلى اكتشاف نظرية النحت. ومن المعلوم أن المقاييس كتاب لغوي في ثوب معجمي، وقد تجاوز فيه ابن فارس مجرد جمع المواد اللغوية وترتيبها إلى تحليلها واستنباط أصولها ومقاييسها. وهو يعترف بإمامه الخليل في ذلك كله. ففي مادة(جذو) وهي: ((أصل يدل على الانتصاب، يقال: جذوت على أطراف أصابعي؛ إذا قمت))([38]). ينقل ابن فارس عن الخليل قوله:(( يقال: جذا يَجْذُو، مثل جثا يجثو، إلا أن جذا أدل على اللزوم))([39]). ثم يأتي تعليق ابن فارس المؤيد لقول الخليل، بل إن قول الخليل هو الدليل على صحة ما استنبطه ابن فارس، قال:(( وهذا الذي قاله الخليل دليل لنا في بعض ما ذكرناه من مقاييس الكلام، والخليل عندنا في هذا المعنى إمام))([40]).
وكثيراً ما يذكر ابن فارس أقوال الخليل تأييدا لما يستنبطه من أصول ومقاييس؛ كقوله في مادة(أخر): ((وهذا قياس أخذناه من الخليل))([41])، وفي مادة(عق): ((وهذا الذي أصله الخليل رحمه الله صحيح))([42])، وفي مادة (عبر): (( والذي قاله الخليل صحيح يدل على صحة القياس الذي ذكرناه))([43]) وعلى هذه الشاكلة تجد كثيرا منها في معجم مقاييس اللغة.
والخليل عند ابن فارس ثقة فيما يروى عنه حتى لو خالفت الرواية موقف ابن فارس نفسه، أو كانت الرواية مثيرة للشك؛ ففي مادة (خنب) وهي أصل واحد يدل على لين ورخاوة، يقول ابن فارس:(( وحكى بعضهم عن الخليل أنه قال: هو خنأب؛ مكسورة الخاء شديدة النون مهموزة)) ([44])، ويتبع ابن فارس ذلك بتعليقه((وهذا إن صح عن الخليل، فالخليل ثقة، وإلا فهو ما ذكرناه من غير همز))([45]).
و عول ابن فارس في شرح الألفاظ وتفسيرها كثيرا على الخليل من بين اللغويين القدامى، بل إنه يقدم أقوال الخليل على سائر اللغويين غالبا. ولعل هذا التقديم مشروط- لدى ابن فارس – بما يؤيد ما استنبطه من الأصول والمقاييس، فها هو ذا ابن فارس يورد تفسيرا لغويا دقيقا للخليل تعليقا على لهجة عربية، ففي مادة (بقى) وهو أصل يدل على الدوام؛ ينقل قول الخليل كيفية تصريف المادة في لغة طيّئ، فهم يقولون:((بقى يبقى، وكذلك لغتهم في كل مكسور ما قبلها، يجعلونها ألفاً؛ نحو بقى ورضا، وإنما فعلوا ذلك لأنهم يكرهون اجتماع الكسرة والياء فيفتحون ما قبل الياء، فتنقلب الياء ألفا.ً))([46])
وعول كذلك على شرح الخليل وتفسيره في إقراره بالتفسير الاشتقاقي لمادة(بحر)؛ إذ يذهب الخليل إلى أن البحر سُمّي بحراً ((لاستبحاره وهو انبساطه وسعته..)).([47])
وكذلك في اقتباسه ما ذكره الخليل مصوباً به ما أخطأ فيه الناس من رواية لفظة. ففي مادة (يمّ) وهي:((كلمة تدل على قصد الشيء وتعمده وقصده))، ينقل عن الخليل قوله: تيمَّمْت فلاناً بسهمي ورمحي، إذا قصدته دون سواه، وأنشد قول الشاعر:
يمَّمْتُه الرمْحَ شزراً ثم قلت له |
هذي البسالةُ لا لِعْبُ الزحاليق |
ويبدو أن بعض الرواة قال: أمَّمْتُه. ولذلك عقب ابن فارس بقول الخليل مبيناً وجه الخطأ في هذه الرواية:(( ومن قال في هذا البيت: أمَّمْتُه فقد أخطأ؛ لأنه قال:شَزْراً، ولا يكون الشزر إلا من ناحية، وهو لم يقصد أمامه فيقول: أمَّمْتُه.))([48])
تأسيسا على ذلك نرى ابن فارس ينقل عن الخليل معاني المادة وشروحها والتعليق عليها، غير أنه في كثير منها يكثر الاقتباس والنقل عن الخليل من دون تعليل أو تعليق أو تعقيب. ومن أمثلة ذلك ما ورد من مادة(بوع) وهو أصل واحد هو امتداد الشيء، فقد قال الخليل:(( البَوْع والباع لغتان، ولكنّهم يسمّون البَوْع: الخِلْقة. فأما بسط الباع في الكرم ونحوه فلا يقولون إلا كريم الباع))([49]).
1ـ الخليل: ـ موقف ابن فارس النقدي من الخليل ـ:
لم يمنع إعجاب ابن فارس بالخليل، وإقراره بإمامته في اللغة وتوثيقه، من توجيه النقد إلى أقواله، ومخالفته، والتشكيك بصحة ما ورد عنه أحياناً.
ونحسب ان ذلك يعود الى أن ابن فارس كان صاحب نظر لغوي، فكان يحكم بعدم الصحة وعدم الصواب لكل ما كان يخالف موقفه اللغوي حتى لو كان مروياً عن إمام اللغويين الخليل بن أحمد.
تناول ابن فارس الخليل متفقا معه أو مخالفا أو منزها له، وربما فضل ابن فارس قولا لاحد اللغويين ـ لحجة يمتلكها ـ على قول الخليل([50]).
ففي قوله ((العين والفاء والحرف المعتلّ أصلان يدلُّ أحدهما على تركِ الشىء، والآخر على طَلَبِه،.... قال الخليل: وكلُّ مَن استحقَّ عُقوبةً فتركْتَه فقد عفوتَ عنه، يقال عفا عنه يعفُو عَفْوًا، وهذا الذي قاله الخليل صحيح))([51]) وخالفه في قوله ((الحاء والنون والباء أصلٌ واحدٌ يدلّ على الذي دلّ عليه ما قبله، وهو الاعوجاج في الشيء. فالمُحَنَّبُ: الفرسُ البعيدُ ما بين الرّجلين من غير فَحَجٍ، وذلك مدحٌ؛ ويقال إنّ الحنَب اعوجاجٌ في السّاقين، قال الخليل في تحنيب الخيل إنه إنما يوصف بالشّدّة ـ وليس في ذلك اعوجاجٌ، وهذا خلافُ ما قاله أهلُ اللغة))([52]). فقد رفض قول الخليل لا لأنه مخالف لقول اهل اللغة فحسب، ولكن لعدم اتفاقه مع مقياسه ايضا، ويبدو انه لم يستحسن تفسير الخليل لكلمة (الصرف) في قوله ((قال الخليل: الصَّرْف فَضْل الدّرهم على الدّرهم في القِيمة، ومعنى الصَّرف عندنا أنَّه شىءٌ صُرِف إلى شىء، كأنَّ الدّينارَ صُرِف إلى الدراهم، أي رُجِع إليها، إذا أخذتَ بدلَه))([53]) فقد فسر (الصرف) بما ينسجم مع الاصل المعنوي لهذه المادة الذي يدل على رجع الشيء.
ويبدو أن ابن فارس يعزو كثيرا من الأقوال التي لا توافق موقفه مما ينسبه إلى الخليل ليس للخليل مباشرةً، بل ينسبه إلى ما يسميه ((الكتاب الذي للخليل)) أو(( الكتاب المنسوب إلى الخليل))([54]). ونظن أن أقسى عبارة نقدية وجهها ابن فارس إلى ما رُوي عن الخليل قوله في مادة (عك): ((...وقد ذكر عن الخليل... أن العكنكع: الذكر الخبيث من السّعالى، وأنشد:
كأنّها وهو إذا استبّا معاً |
غولٌ تُداهي شَرِساً عكنكعا)) |
ويختم ابن فارس بالتعليق على هذه المادة، وهذا المعنى بقوله: ((وأرى أن كتاب الخليل إنما تطامن قليلاً عند أهل العلم لمثل هذه الحكايات))([55]).
ولكنه يقف موقفاً مغايراً من بعض الروايات المخالفة، فيبدي شكه في نسبتها إلى الخليل، ومن أمثلة ذلك فيما يروي عن الخليل ما أشار إليه من أن معنى من معاني مادة(ترك)؛ وهي في الأصل ((التخلية عن الشيء)) قد وردت في الكتاب المنسوب إلى الخليل تحت عبارة:((..يقال تركتُ الحبل شديداً.)) ويرى ابن فارس أن هذه المعنى ليس للخليل بقوله: (( وما أحسب هذا من كلام الخليل))([56]).
وهناك نصٌّ في معجم مقاييس اللغة يثير الريبة حول وضع الخليل لكتاب العين ففي مادة(شجذ) ذكر ابن فارس أنها ((كلمة واحدة)) ثم قال((وأما نسختي من كتاب العين للخليل، ففيها أن ش ج ذ مهمل، ولا أدري أهي سَقَطٌ في السماع، أم خفيت الكلمة على مؤلف الكتاب. والكلمة صحيحة))([57]) وكذلك نجده يذكر الشيء نفسه في بعض المواد اللغوية([58]).
وقوله (مؤلف الكتاب) ولم يقل(الخليل) يفتح الباب أمام المتشككين الذين ذهبوا إلى أن الخطة والمنهج كانا للخليل، وأما حشو المادة فكان لتلامذة الخليل. وقد خصّ بعض الدارسين اسم (الليث بن المظفر) بالذكر.
ويقف الباحثان موقف المتحير المتعجب من موقف ابن فارس هذا، فهوّ يقر سلفاً بنسبة العين للخليل، وقد ورد هذا في مقدمته للمقاييس، ثم يشكك من هذه النسبة. ولعل في موقف ابن فارس هذا إجابة أو تفسيراً لورود مواد لغوية أو تفسيرات عديدة مخالفة لآراء ابن فارس في اللغة، ولذلك لجأ إلى التشكيك بهذه الأقوال و الآراء فنسبها مرةً إلى (الكتاب الذي للخليل) أو ما إلى ذلك من عبارات, أو قد يقول:(( إن صحّ)) أو ((إن صحتّ)) أو(( إن كان صحيحاً)) فإن كانت لا تخالف موقفه قبلها. وأما إن خالفت رأيه أبدى تشككاً فيها.
على أن ابن فارس لم يكن يشك بكل ما روي عن الخليل مما ذكر أنه ورد((في الكتاب الذي للخليل))([59]).
وقد وصل شك ابن فارس في عدد كبير من المواد التي نقلت عن الخليل، وكان يرى أن كثيرا منها ليست أصولاً ولا يقاس عليها، ففي مادة(دظّ) وهي عنده(( ليست أصلاً يعوّل عليه ولا ينقاس منه))، ينقل عن الرواة (( عن الخليل أن الدظّ الشّلّ؛ يقال دظظناهم إذا شللناهم))([60]).
ولما كان ابن فارس لا يرى المادة أصلاً مقيساً فقد أعقب قول الخليل بتعليقه التالي:(( وليس ذا بشيء)). وهذا يعني رفض ما نقل عن الخليل، والشك فيما روي عنه من معنى([61])ومن مظاهر الشك فيما نُقل عن الخليل وذكر في كتابه(أي العين) ما ورد في مادة(غرب)، وهو أصل صحيح، من أنه((إذا أمعنت الكلاب في طلب الصيد قيل: غربّت)). ويعقب ابن فارس على هذا بقوله:((إذا أمعنت الكلاب في طلب الصيد قيل:((غرّبت)). ويردف هذا القول بقوله:(( وفيه نظر)). ولعل هذه العبارة تدّل على شك ابن فارس. وقد يصل الأمر إلى حد أنه لم ينكر هذه الرواية. ([62]) وقريب من هذا ما أورده ابن فارس وقدم له بقوله:((زعم الخليل)). ولا ندري إن كان هذا يعني رفض الرواية أو إنكارها، أو أنها تعني ما خصّ به الخليل ولم يرد عند غيره؛ فقد تكون بمعنى فسّر أو وضّح. وربما لا تحمل كلمة((زعم)) تشكيكاً في الرواية. والذي يحملنا على هذا التفسير عدم تصويب ابن فارس لكثير من الروايات التي نقلت عن الخليل. ففي مادة(عدل) ورد لفظ(عَدَوْلية) في قوله ((يقال لضرب من السفن عَدَوْلية..على أن الخليل زعم أنها منسوبة إلى موضع يقال له: عَدَوْلى))([63]).
وربما يشك ابن فارس فيما يروى عن الخليل، بل إنه يرى الخليل أعلى رتبة من ((أن يصحح مثل هذا))، كما ورد في مادة(عضم). ويرى ابن فارس أنّ ورود كلمات مروية عن الخليل ((غلط من الرواة عنه)) وأنّ ما ذُكر(( كله كلام))، وهو ((لا أصل له)). غير أنه يذكر هذه الروايات تعريفاً لها لا إقراراً بما ورد فيهـا.([64])
و يقدم ابن فارس احيانا تفسيرا أو شرحا للفظة غربية راداً في ما يقدمه تفسيراً روي عن الخليل، ففي مادة(عجم) ذهب الخليل إلى أن حروف المعجم هي الحروف المقطعة؛ لأنها أعجمية. وكتاب معجم، وتعجيمه: تنقيطه كي تستبين عُجمته ويَضِحَ)). ويؤول ابن فارس قول الخليل بقوله (( وأظن أن الخليل أراد بالأعجمية أنها ما دامت مقطعة غير مؤلفة تأليف الكلام المفهوم، فهي أعجمية لأنها لا تدل على شيء)). ويرى ابن فارس أن الخليل إن (( كان هذا أراد فله وجه، وإلا فما أدري أي شيء أردا بالأعجمية؟)).ثم يعرض ابن فارس وجهة نظره فيقول:(( والذي عندنا في ذلك أنه أريد بحروف المعجم حروف الخط المعجم، وهو الخط العربي، لأنّا لا نعلم خطّاً من الخطوط يُعْجَم هذا الإعجام حتى يدل على المعاني الكثيرة. فأما أنه إعجام الخط بالأشكال فهو عندنا يدخل في باب العضّ على الشيء لأنه فيه، فسمي إعجاماً لأنه تأثير فيه يدل على المعنى)).([65])
إن من منهج ابن فارس حين يفتتح مواده أن يذكر إن كانت المادة صحيحة أو غير ذلك. ولكنه في عدد كبير من المواد الصحيحة يذكر مقاييسها. ثم يعرض بعد ذلك إلى ما شذّ عن الأصول الصحيحة. والشاذّ عند ابن فارس كثير، وهو يروي هذا الشاذ عن العلماء السابقين ومنهم الخليل، ويلاحظ أن ما شذ يعني به اتفاق حروف لفظة مع الأصل الصحيح، ولكن المعنى مختلف عن معنى الأصل. وروى ابن فارس عدداً من مثل هذه الألفاظ عن الخليل كقوله في مادة (مهى) وهي أصل صحيح يدل على إمهال وإرخاء، ثم ينقل لفظة شاذة عن هذا المعنى عن الخليل:((أن المهاء ممدود: عيبُ وأودٌ يكون في القدح)). غير أنه يستدرك فيقول:(( ويحتمل أن يكون من الباب أيضاً؛ فإن ذلك يقرب من الإرخاء ونحوه))([66]).
ويستدرك ابن فارس على الخليل فيذكر ألفاظاً لم ترد في كتاب الخليل على الرغم من أنها معروفة ومستعملة. وقد صرح ابن فارس بذلك في مادة(عكش)، وهي من المواد المهملة في كتاب الخليل بأنه ((قد يشذ عن العالم الباب من الأبواب، والكلام أكثر من ذلك.)) ([67])وفي مادة (عيق) ((لم يذكر الخليل منه شيئاً، وهو صحيح، يقولون العيقة: ساحل البحر)).([68])
ويقرن ابن فارس في بعض استدراكاته الجمهرة لابن دريد بالعين. كما ورد في مادة (ثب)؛ إذ يقول (( كلمة ليست في الكتابين، وإن صحت فهي تدل على تناهي الشيء)). ويلاحظ أن ابن فارس ينعت العين والجمهرة بالكتابين. ([69]) وهناك كثير من الامثلة في معجم مقاييس اللغة لا تخرج عما قلناه يمكن الرجوع اليها والتأمل فيها لبيان وجهة نظر ابن فارس النقدية التي يوجهها الى الخليل بن احمد الفراهيدي.
2 ـ ابن دريد: ـ موقف ابن فارس النقدي من ابن دريد ـ
لا يخفى على مطالعي معجم مقاييس اللغة أن يروا المواقف النقدية لابن فارس على ابن دريد الذي يأتي ثانياً بعد الخليل. فقد رفض ابن فارس كثيرا مما جاء به ابن دريد لا سيما الألفاظ التي لم تتفق مع ما يضعه من أصول لمقاييسه ففي قوله ((فأمّا أبو بكر فإنّه ذكر ما أرجو أن يكون صحيحاً، وأُرَاه قد أملاه كما ذكره حِفْظاً، فقال: جَعِمَ يَجْعَم جَعَماً، إذا لم يشْتَهِ الطَّعام ـ قال: وأحسبه من الأضداد، لأنَّهُم ربما سَمَّوْا الرّجُل النَّهِمَ جَعِماً ـ قال: ويقال جُعِمَ فهو مجعُومٌ إذا لم يشتَهِ أيضاً، هذا قول أبي بكر، واللغاتُ لا تجىء بأحْسِب وأظن. فأمّا قوله جَعَمْتُ البعير مثل كَعَمْتُه فلعلَّه قياس في باب الإبدال، استَحْسَنَه فجعله لغةً، والله أعلمُ بصحته))([70]) وقد وصف ما جاء به ابن دريد بأنه عجيب ([71]) وهفوات ([72]) وطرائف([73]) ورماه بالتوليد أحيانا([74]) والتدليس أحيانا اخرى([75]) ومن أمثلة ذلك أنْ وجّه ابن فارس تهمة توليد الألفاظ إلى ابن دريد في مادة(جغب) ([76]) إذ يقول عنها:((...فلا أصل لها في الكلام والذي قاله ابن دريد في الجَغْب إنه ذو الشَّغَب))، ويعقب ابن فارس على قول ابن دريد بقوله عن هذا المعنى:(( فجنس من الإبدال يولده ابن دريد ويستعمله))([77]). ووجّه ابن فارس أيضاً عبارة:((أعاجيب ابن دريد)) تعليقاً على مادة (خزف) التي قال ابن فارس عنها إنها (( ليس بشيء)). ويرى أن الخزف ((هذا معروف، ولسنا ندري أعربي هو أم لا؟)) وأما ابن دريد فقد ذكر أن (( الخزْف الخطر باليد عند المشي)). وهذا المعنى يراه ابن فارس(( من أعاجيب ابن دريد)).([78]) وكذلك نجد التدليس في المواد التي تخالف قياس ابن فارس ففي مادة(عزق) يرى ابن فارس أنها ليس فيها كلام أصل رغم ما رُوي عن الخليل من أنها مستعملة في الكلام في أكثر من معنى، غير أن ابن فارس علق عليها جميعاً بقوله:(( وكل هذا في الضعف قريب بعضه من بعض)) ثم أتبع ذلك بتوجيه إصبع الاتهام إلى ابن دريد إذ يقول:((وأعجب منه اللغة اليمانية التي يدلسها أبو بكر محمد بن الحسن الدريدي رحمه الله، وقوله: إن العزيق مطمئن من الأرض، لغة يمانية، ولا نقول لأئمتنا إلا جميلاً. ([79])
ومن الأوصاف التي يذكرها ابن فارس لابن دريد (الهفوات) وان ما يذكره ابن دريد ليس بشيء؛ كالذي ذكره تعليقاً على مادة(عدك):(( ليس إلا كلمة من هفوات ابن دريد، قال: العدك: ضربُ الصوف بالمِطرَقة)).([80]) ولو تأملنا في العودة الى الجمهرة نرى أن ابن فارس قد تجنّى على ما ذكره، ابن دريد، فقد ورد في الجمهرة النص التالي:(( والعدك لغة يمانية زعموا وهو ضرب الصوف بالمطرقة)).([81])
الحق ان ابن فارس كان يحرف القول عن مواضعه ولم يكن أمينا في نقله عن ابن دريد، إذ لا وجه لتخطئة ما ذكره ابن دريد خاصةً أن ابن فارس – رحمه الله- حذف نسبة الكلمة إلى اللغة اليمانية، وحذف قول ابن دريد ((زعموا)).([82])
والظاهر أن ابن فارس قد اتخذ من كلمة(زعم) لاتهام ابن دريد في عدد من المواد التي تشكك بصحتها، على أن ابن فارس قد استخدم (زعم) أيضاً في مواد يراها صحيحة، ففي مادة (فدغ) يقول:(( زعم ابن دريد أن الفدْغ: الشَّدْخ، وذكر الحديث)) إذاً تَفْدغ قريش رأسي، ويعقب ابن فارس على هذا الحديث بقوله ((وهذا صحيح )). ([83])
وذهب ابن فارس أكثر من ذلك في تغليط ابن دريد في بعض المواد، فقد ذكر في مادة(فصح):(( أصل يدل على خلوص في شيء ونقاء من الشوب)). وفي كتاب ابن دريد: (( أفصح العربي إفصاحاً، وفصُح العجمي فصاحةً إذا تكلم بالعربية، وأُراه غلطاً، والقول هو الأول))([84]). وراح يتتبع في بعض المواضع لينقض كلام ابن دريد، ففي مادة (قفى) وهي:(( أصل صحيح يدلُّ على إتباع شيء لشيء))، ثم ينقل عن ابن دريد قوله:(( يقال: فلان قِفْوتي:أي تهمتي. وقفوتي خِيرتي. قال:فكأنه من الأضداد)). ويعقب ابن فارس بنفي استنتاج ابن دريد إذ يقول:(( وهذا الذي قاله فإن المعنى فيه إذا اتهمه: قفاه أي تبعه يطلب سيئة عنده، وإذا كان خِيرتَه قفاه أيضاً؛ أي تبعه يرجو خيره. وليس ذلك عندنا من طريقة الأضداد في شيء))([85]). وهذا النص يكشف لنا عن تباري اللغوي في اثبات أونفي استنتاجا لغويا ما.
ولو تأملنا في بعض ما يراه ابن فارس وجدناه يرد بعض الألفاظ التي يذكرها ابن دريد ويصفها بأنها (( ليس فيها شيء يصح))، ولم ترو إلا عن طريق ابن دريد؛ نحو مادة(قلط) التي يصفها بقوله:(( ليس فيه شيء يصح))، ثم يذكر قول ابن دريد: (( رجلٌ قلاطٌ: قصير)). ([86]) وأنكر ابن فارس على ابن دريد بعض الالفاظ التي لم ترد عن شيوخه ففي (معت)قال ابن فارس (( قال أبو بكر(أي ابن دريد): المعْت: الدلك، ومعت الأديم: دلكته، وهو عند الخليل مهمل))([87]). وراح ابعد من ذلك في ذكره لألفاظ قد تبدو غريبة بعض الشيء عن ابن فارس ذكرها ابن دريد ففي (ولذ) (( الولْذ: سرعةٌ في المشي والحركة، وولذ يلذ)). وعزا ابن فارس هذه المادة إلى ما سماه (غرائب ابن دريد). ([88])
ولكنه رجح أقواله عندما اعتقد بصحتها، من ذلك عندما ينقض ابن فارس موقفه من اللغات اليمانية بالاستشهاد ببعض أقوال ابن دريد حول هذه الألفاظ فيؤيده ويقرّه عليها. ففي مادة(عَنَكَ) يروي عن ابن دريد قوله (( عنكْتُ الباب وأعنكته، أي أغلقته، لغة يمانية)). ولهذه المادة أصلان كما استنبط ابن فارس، وقد لحظ أن هذا المعنى ينسجم مع الأصل الثاني فيقول معقباً على قول ابن دريد:((وهذا يصّحح ما ذكرناه من قياس الأصل الثاني))([89]). وكذلك في مادة (جرم) يؤيد فيها ابن دريد([90]). وكذلك ينفي ابن فارس نسبة ألفاظ معينة إلى العربية، مستنداً في حكمه هذا على ما ذكره ابن دريد، نحو مادة(هرو) التي يقول فيها ابن فارس: وهو باب((لم يوضع على قياس وأصول، وكلمه متبانية))، ثم ينقل عن ابن دريد قوله:(( الهَرْوُ لا أصل له في العربية إلا أن أبا مالك جاء بحرف أنكره أهل اللغة، قال: هروت اللحم، أنضجته، وإنّما هو هرأته))([91])
وتأسيسا على ذلك فقد أكثر ابن فارس الاقتباس والنقل من ابن دريد غير أنه يلاحظ أن ابن فارس يمحص ما ينقل عن ابن دريد فيؤيده ويقره إذ انسجم ما يذكره ابن دريد مع مقاييسه، ولكنه يرفض وينكر مالا ينسجم مع مقاييسه. إذ إن تأصيل ابن فارس يوافق ما أصّله ابن دريد من أصول اعتمدها. كما في مادة(ردح) التي يقول فيها:(( أصّل فيه ابن دريد أصلاً، قال: أصله تراكم الشيء بعضه على بعض))([92]). ويرى ابن فارس أن ((الذي قاله ابن دريد صحيح، وأكثر الباب موضوع عليه)).
وعول ابن فارس على معان ذكرها ابن دريد ويقرها ابن فارس وله فيها موقفان:
أ) ذكرها دون تعليق أو تعقيب نحو قوله في مادة(جسم) وهو:(( يدل على تجمع الشيء، فالجسم كل شخص مدرك، كذا قال ابن دريد)).
ب) ففيه يجعل قول ابن دريد أصح من أقوال غيره؛ إذا اختلف اللغويون في ذكر معاني مادة من المواد، ففي مادة(جرم) يرجح ابن فارس قول ابن دريد على أقوال غيره، فيقول:(( وأما قولهم لصاحب الصوت: إنه لحسن الجِرْم، فقال قوم: الصوت يقال له الجِرْم.ثم يضيف قول ابن دريد مرجحاً له؛ فيقول: ((وأصح من ذلك قول أبي بكر بن دريد: إن معناه حَسَنُ خروج الصوت من الجرم))([93]).
والقارئ لمعجم مقاييس اللغة يجد ان ابن فارس لم يتحرج من إبداء الشك في كثير مما نقله عن ابن دريد. وربما يتجاوز ابن فارس مجرد الشك ونقد المادة أو نقد اللفظة إلى نقد منهج ابن دريد في ذكرها. ففي مادة(جعم)، وهي ((أصلان: الكبَر، والحرص على الأكل))؛ وهذا ما استنبطه ابن فارس من أقوال الخليل، غير أنه أورد قول ابن دريد وقدم له بقوله: ((فإنه ذكر ما أرجو أن يكون صحيحاً، وأراه قد أملاه كما ذكره حفظاً، فقال: جعم يَجْعَم جعماً؛ إذا لم يشته الطعام؛ قال: وأحسبه من الأضداد؛ لأنهم ربما سمّوا الرجل النهم جَعِما)). ويعقب ابن فارس على قول ابن دريد قائلاً:(( هذا قول أبي بكر، واللغات لا تجيء بأحسب وأظن. فأما قوله: جَعَمْتُ البعير مثل كعمته، فلعله قياس في باب الإبدال استحسنه فجعله لغة، والله أعلم بصحته)).([94])
ومن الأمثلة الكثيرة التي اتهم فيها ابن فارس ابن دريد بصنعها ما ذكره في مادة (ثبن) وهي عند ابن فارس(( أصل واحد، وهو وعاء من الأوعية)) وروى عن ابن دريد قوله ((المثبنة: كيسٌ تتخذ فيه المرأة المرآة وأداتها)). وقدم ابن فارس لقول ابن دريد بالتعليق التالي:(( وقال ابن دريد قياساً ما أحسبه إلا مصنوعاً)). ثم ختم المادة بقوله:(( وزعم(أي ابن دريد) أنها لغة يمانية)).([95])
ويلاحظ الباحث المتفحص لمعجم مقاييس اللغة أن ابن فارس قد بالغ أحياناً في توجيه أصابع الاتهام والنقد القاسي إلى ابن دريد فيما يتعلق بالالفاظ اليمانية. ففي مادة(جفز) يقول ابن فارس:((لا يصلح أن يكون كلاماً إلا كالذي يأتي به ابن دريد من أن الجَفْزَ السرعة، وما أدري ما أقول)). ([96]) وعند مراجعة النص في كتاب الجمهرة نجده يقول ((الجفز السرعة في المشي لغة يمانية لا أدري ما صحتها)). ([97])
والحق ان ما اتهم به ابن دريد يحتاج إلى مراجعة ؛ فإن ما ذكره ابن دريد يرد دعوى ابن فارس واتهامه، فإذا كان ابن فارس يشك بصحة هذه المادة، فإن كلام ابن دريد لا يخرج عن هذا المعنى. ومن أوضح الأمثلة على عدم دقة ابن فارس في توجيه النقد لابن دريد ما أورده ابن فارس في مادة(ثحج) فقد ذكر عن ابن دريد أن معنى قولهم: ثحجه برجله إذا ضربه بها هي ((كلمة زعم أنها لَمهْرة بن حَيْدان)). ويرى ابن فارس في تعقيبه على هذا التعبير ومعناه أن ابن دريد قد أبعد ((شاهده ما استطاع)). ولكن بمقابلة ذلك بما ورد في الجمهرة نجد ابن دريد يقول هي (( لغة مرغوب عنها لمهرة بن حيدان...)) ([98])
وقد ذهب بعض الباحثين الى تأويل موقف ابن فارس النقدي هذا من اللغات اليمانية التي رواها عن ابن دريد فذهبوا إلى أن ابن فارس كان لا يعتد باللغة اليمانية أصلاً من الأصول التي يقاس عليها في كلام العرب، ويقصد ابن فارس بكلام العرب العربية الشمالية العدنانية، إذ يُخرج ابن فارس العربية الجنوبية من مقاييسه العربية الصحيحة. ([99])
وهناك مواقف نقدية طريفة لابن فارس على الخليل وابن دريد لافتت للنظر هي ان ابن فارس يسكت عن التعليق على اقوال أحد من العالمين (الخليل وابن دريد) إذا اختلف التفسيران وفي هذه الحالة يذكر ابن فارس تفسير كل منهما دون ترجيح واحد على الآخر. فقد ذكر أن في مادة (جنز) كلمة واحدة، ثم قدّم قول ابن دريد:((جنزت الشيء أجنزه جنزاً، إذا سترته، ومنه اشتقاق الجنازة)). ولكن الخليل يرى أن اشتقاق لفظ الجنازة غير هذا؛ إذ يذكره ابن فارس بقوله ((فأما الخليل فمذهبه غير هذا؛ قال: الجنازة الميت، والشيء الذي ثقل على القوم واغتموا به هو أيضاً جنازة))([100]).
و يرفض تفسيرَي الخليل وابن دريد إذا اتفقا في معنى، ولكن قد يزيد أحدهما معنى على الآخر. نحو مادة(تلم) فقد أورد ابن فارس في تقديم هذه المادة شكه في صحة بعض معانيها. والغريب أنه قدم تفسير ابن دريد على الرغم من اتفاقه مع تفسير الخليل وهو أن:((التّلام في قول ابن دريد)) إنه التلاميذ، وأنشد:
كالحماليج بأيدي التلام
ثم أورد تفسير الخليل فقال:((وفي الكتاب المنسوب إلى الخليل: التَّلَم مَشَقُّ الكِراب بلغة أهل اليمن، وذكر في التلام نحواً مما ذكره ابن دريد)).
ويظهر أن ابن فارس شك في هذه المادة فرأى أنها(( ليس بأصل، ولا فيه كلام صحيح ولا فصيح))؛ ولذلك عقّب على هذه المادة بما لا ينافي ما قدمه، فقال: ((وما في ذلك شيء يعّول عليه)). ولعل سبب رفض ابن فارس لهذه المادة يعود إلى أحد أمرين أو كليهما؛ فأما أحدهما فهو ما ذكره من ((أن التلميذ ليس من كلام العرب)). وأما الثاني فقد يكون بسبب نسبة لفظ(التلم) الذي ذكره الخليل، إلى لغة اليمن. ([101])
وقد يرجح ابن فارس قول ابن دريد على قول الخليل إذا اختلفا، ومن أمثلة ذلك ما ذكره ابن فارس في مادة(أخر)وهي:((أصل واحد إليه ترجع فروعه وهو خلاف التقدم)). ويعترف ابن فارس أن ((هذا قياس أخذناه عن الخليل، فإنه قال: الآخِر نقيض المتقدم. والأُخُر نقيض القُدُم)). ولكن ابن فارس في إيراده لبعض فروع هذه المادة يقدم رأي ابن دريد على قول الخليل؛ فروى عن ابن دريد قوله:((الآخِر تالٍ للأول))، ويعقب ابن فارس على قول ابن دريد قائلاً:((وهو قريب مما مضى ذكره،إلا أن قولنا: قال آخِر الرجلين، وقال الآخِر، هو لقول ابن دريد أشدّ ملاءمة وأحسن مطابقة)).([102])
ج ـ ومن اللغويين الاخرين الذين نقدهم ابن فارس:
1ـ النظر بن شميل في قوله ((السين والياء والفاء أصلٌ يدلُّ على امتدادٍ في شىءٍ وطول.... فأمَّا السَّائفة من الأرض فمن هذه أيضاً، لأنَّه الرَّمل الذي يميل في الجَلَد ويمتدُّ معها، قالوا: وهو الذي يقال له العَدَاب، قال أبو زِياد: السَّائفة من الرّمل ألينُ ما يكون منه؛ والأوَّل أصحّ، وهو قول النّضر، لأنّه أقيس وأشْبَه بالأصل الذي ذكرناه))([103]).
2ـ ابن الاعرابي في قوله ((العين والدال أصلٌ صحيح واحد لا يخلو من العدّ الذي هو الإحصاء، ومن الإِعداد الذي هو تهيئة الشَّىء، وإلى هذين المعنيين ترجع فروعُ الباب كلها... فأمّا عِداد القوس فناسٌ يقولون إنّه صوتُها، هكذا يقولون مطلقًا، وأصحُّ (من) ذلك ما قاله ابنُ الأعرابيّ، أنّ عداد القوس أن تنبِض بها ساعةً بعد ساعة، وهذا أقْيَس))([104]).
3ـ الاصمعي في قوله ((أبو حاتم عن الأصمعيّ: بَرَقت السَّماء، إذا جاءَتْ ببرقٍ، وكذلك رعدت، وَبَرَق الرّجُل وَرَعَد. ولم يعرف الأصمعيُّ أَبْرَقَ وأَرْعَدَ))([105]).
4ـ أبو عبيد في قوله ((وأمَّا المُهاواة فذكر أبو عمروٍ أنَّها الملاجَّة، وقال أبو عبيد: شدّة السَّير، وأنشد:
فلم تستطع مَيٌّ مُهاواتَـــنا السُّرَى |
ولا ليلَ عِيسٍ في البُرِينَ خواضِعِ |
والذي قالاه فصيح))([106]).
5ـ أبو عمرو الشيباني في قوله ((العين واللام أصول ثلاثة صحيحة: أحدها تكرُّرٌ أو تكرير،... وبقيت في الباب: اليعاليل، وقد اختلفوا فيها، فقال أبو عبيد: اليعاليل: سحائب بِيضٌ، وقال أبو عمرو: بئرٌ يعاليلُ: صار فيها المطرُ والماء مرّةً بعد مرة، قال: وهو من العَلَل،....وهذا الذي قاله الشَّيبانيّ أصحّ، لأنّه أقْيَس)) ([107]).
وقد يعرض اقوالا للعلماء مرجحا أحدها من غير تصريح باسماء قائليها([108]) وربما اكتفى بالمقارنة المجردة بينها دون ترجيح لاحدها على آخر([109]).
د ـ نقد الشعر:
وجه نقده الى بعض الشواهد الشعرية المحتج بها ورماها بالضعف حينا والشك في صحتها أو انها مصنوعة حينا اخر، قال في ((والكلمة الأخرى الرَّزَفُ: الهُزَال، وذكر فيه شعرٌ ما أدري كيف صِحّتُه:
أيا أبا النَّضْر تَحَمَّلْ عَجَفِي |
إنْ لم تَحَمَّلْهُ فقد جَاَ رَزَفِي))([110]) |
وقوله ايضا ((ومن ذلك الصُّوار، صُوار المِسْك، وقال قوم: هو ريحهُ، وقال قوم: هو وعاؤه؛ وينشِدون بيتًا وأَخِلقْ به أن يكون مصنوعًا، والكلمتان صحيحتان:
إذا لاح الصُّوار ذكرتُ ليلَى |
وأذكرُها إذا نَفَح الصّوارُ))([111]) |
ولم يكن ابن فارس مطمئنا الى بعض الشواهد الشعرية التي كان يسوقها بعض اللغويين، فتعرض لها بالنقد، ففي قوله ((ويقال في قول القائل ـ وأظنّه مصنوعًا:
كأنَّ ابن مُزنتها جانِحــًا |
فَسِيطٌ لدى الأُفق من خِنْصرِ |
إنّ ابن المُزْنة: الهِلال))([112]) و ((يقال ثَمَمْتُ الشيءَ أثُمُّهُ ثَمّاً، إذا جمعتَه ورَمَمْتَه. ويُنْشَد بيتٌ ـــ والله أعلَمُ بصحّته:
ثَمَمْتُ حَوائجي وَوَذَأْتُ بِشــْراً |
فبئس مُعَرّسُ الرّكبِ السِّغابِ))([113]) |
وربما نقد رواية الشاهد الشعري ذاكرا الوجه الصحيح لها ([114])
ويبدو انه لم يستطع التخلي عن حسه الفني في تذوق الشعر فنقد بعض الشواهد نقدا أدبيا كما في قوله ((قال عنترةُ يذكر فَرَساً:
كأنَّهُ بازُ دَجْنٍ فَوْقَ مَرْقَــــبَةٍ |
جَلاَ القَطَا فهو ضَارِي سَمْلَقٍ سَنِقُ |
البازِي في الدَّجْن أشدُّ طَلَباً للصّيد؛ ضَارِي سَمْلق أي مُعتادٌ للصَّيد في السَّملق، وهي الصحراء؛ سَنِق: بَشِمٌ، وأظنُّ أنا أنَّ وصْفَه إيَّاه بالبَشَمِ ليس بجيِّد))([115])
و((قال بشر:
رأى دُرة بيضاء يَحفِل لوْنَها |
سُخامٌ كغِربان البريرِ مَقصَّبُ |
المُقصَّب: المجعَّد، وأراد بالدّرّة امرأةً؛ يحفل لونَها (سخام)، يعني الشّعَر، يزيدها بسوادِه بياضاً، وهذا كأنّه جلاها، وهو من الكلام الحسن جدّاً))([116]).
هذا ما حاولنا أن نجمعه في هذه الاوراق من مواقف نقدية لعالم لغوي جليل اراد منها ان يبين وجهات نظره تجاه المواد اللغوية والألفاظ وعلماء اللغة الذين حالوا جمع المواد اللغوية وبيان معانيها واستعمالاتها في معجمه ليقدمه للقارئ بأبها حلة. راجين من الله العلي القدير ان يوفقنا وان ينفع به طلاب العلم.
خاتمة:
ـ ظهر نقد ابن فارس سلبيا بعض الشيء اذ كان يشك في صحة اللفظ او في تفسيره من غير تعليل لذلك مكتفيا بالقول مثلا (فيه نظر) و (الله اعلم) و (ليس صحيحا) و (ليس بشيء) واذا ما نقل أقوال العلماء في تفسير مفردة ما اقتصر على ذلك فلم يبد رأيا ولم يرجح قولا في الغالب.
ـ كثيرا ما يقتبس وينقل ابن فارس من غير أنه يلاحظ أو يمحص ما ينقل عن ابن دريد فيؤيده ويقره إذ انسجم ما يذكره ابن دريد مع مقاييسه، ولكنه يرفض وينكر مالا ينسجم مع مقاييسه.
ـ اتضح من خلال البحث ان أحمد بن فارس يمتاز ببصرٍ لغويّ نافذ في الدرس اللغوي العربي. ولم يكن يردّد ما كان ينقله أو يرويه عن شيوخه من علماء العربية، فحسب، وإنّما كان يخضع الروايات جميعها للدرس والنقد. وكان يؤيد ويقرّ ما ينسجم ومقاييسه ونظراته اللغوية، وينكر ويرفض ما خرج عنها.
ـ ومن عناصر نقده لما نُقل إليه عن الخليل وابن دريد أن أخضع الروايات والتفسيرات لمبدأ الشك الذي يصل به إلى اليقين؛ فكان يرجح، أو يصوّب، أو ينكر، أو يستدرك ما فات هذه المصادر من أصول وفروع.
المصادر والمراجع
1. بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، السيوطي، عبد الرحمن جلال الدين (ت 911هـ)، ط2، 1979، دار الفكر، بيروت.
2. تهذيب اللغة، الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد، (ت 370هـ)، تحقيق عبد السلام هارون وآخرين (1964- 1976)، الدار المصرية، دار الكاتب العربي.
3. جمهرة اللغة، ابن دريد، محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (ت 321 هـ)، مطبعة مجلس دائرة المعارف، حيد آباد الدكن، 1344هـ.
4. الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية)، للجوهري (400هـ)، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، ط3، دار العلم للملايين، بيروت(1404هـ- 1984م).
5. العلامة اللغوي ابن فارس اللغوي، محمد مصطفى رضوان، دار المعارف، مصر، 1971م.
6. علم الدلالة والمعجم العربي، د. عبد القادر أبو شريفة و آخرون، ط1، دار الفكر للنشر والتوزيع، الاردن 1989.
7. العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي (175 هـ)، تحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، دار الحرية للطباعة والنشر، بغداد1980- 1986م.
8. المجمل في اللغة، أحمد بن فارس(395هـ) تحقيق زهير عبد المحسن سلطان، مؤسسة الرسالة، بيروت(1404هـ/ 1984).
9. المزهر في علم اللغة، السيوطي عبد الرحمن جلال الدين(911هـ)، تحقيق محمد أحمد جاد المولى وآخرين، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع د.ت.
10. المصادر الأدبية واللغوية في التراث العربي، د. عز الدين اسماعيل، ط2، دار المعارف، القاهرة 1980م.
11. المعاجم اللغوية العربية، د. أميل يعقوب، دار العلم للملايين، ط1، بيروت 1981م.
12. المعجمات العربية ـ نقد وتقويم ـ نورية ذاكر العاني، ط1، وزارة الثقافة والاعلام دار الشؤون الثقافية العامة 1991م.
13. المعجم العربي، نشأته وتطوره، حسين نصار، مكتبة مصر، القاهرة،1968م.
معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس (395هـ) تحقيق: محمد عبد السلام هارون، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع 1979..
الهوامش
([1])معجم مقاييس اللغة 1/3-5، المعاجم اللغوية العربية 85-90، علم الدلالة والمعجم العربي 121، المصادر الأدبية واللغوية 347-357.
([2])بغية الوعاة1/352.
([3])العلامة اللغوي ابن فارس 165.
([4])العلامة اللغوي ابن فارس 165، المعجم العربي2/ 448، المعجمات العربية ـ نقد وتقويم ـ 36.
([5])معجم مقاييس اللغة 1/ 357.
([6])معجم مقاييس اللغة 1/ 396.
([7]) معجم مقاييس اللغة (بيظ) 1/327.
([8]) مجمل اللغة (بيظ) 1/327
([9]) معجم مقاييس اللغة (تول) 1/359.
([10]) مجمل اللغة (تول)1/340
([11]) معجم مقاييس اللغة (صير) 3/326 والمجمل 3/253.
([12]) المجمل (رثم) 2/464.
([13]) معجم مقاييس اللغة (ظعن) 3/465.
([14]) معجم مقاييس اللغة (جنه)1/482
([15]) معجم مقاييس اللغة (خث)2/158
([16]) معجم مقاييس اللغة (ضغز)3/365 وينظر: العين 4/362(ضغز)
([17]) معجم مقاييس اللغة (حنر) 2/110
([18]) المعجم العربي 2/458.
([19]) معجم مقاييس اللغة (شن)3/176
([20]) معجم مقاييس اللغة (حدم)2/34 وينظر: العين 3/187-188
([21]) معجم مقاييس اللغة (شيط)3/234
([22]) معجم مقاييس اللغة (جمح)1/476
([23]) معجم مقاييس اللغة (عهن)4/175
([24]) معجم مقاييس اللغة (دسوا)2/277
([25]) معجم مقاييس اللغة (هب)6/5.
([26]) المعجم العربي 2/458.
([27]) معجم مقاييس اللغة (عزق) 4/306 وينظر: العين 1/132(عزق) والجمهرة 2/815(عزق)
([28]) معجم مقاييس اللغة (جغب)1/464
([29]) معجم مقاييس اللغة (تر)1/337-338.
([30]) معجم مقاييس اللغة (ثمغ) 1/389.
([31]) المعجم العربي 2/460.
([32])معجم مقاييس اللغة 1/3.
([33])المزهر في علوم اللغة، 1/77 وانظر: مقدمة الصحاح(تاج اللغة وصحاح العربية) أحمد عبد الغفور عطار، ص 1/61، وما بعدها. ترتيب الأبنية في مدرسة العين: 1- الثنائي/ المضاعف والمطابق،2- الثلاثي الصحيح، 3- الثلاثي المعتل، 4- اللفيف، 5- الرباعي، 6- الخماسي. ويلاحظ أن الثلاثي ثلاثة أنواع في حين أنه نوع واحد عند ابن فارس. ويلاحظ أيضاً أن العين جعل الرباعي باباً مستقلاً، والخماسي باباً مستقلاً، بينما جعل ابن فارس كلاً م الرباعي والخماسي واحداً اسماه: ما زاد على الثلاثي، وهو الذي طبق عليه نظريته في النحت.
([34])المعجم العربي، 2/445.
([35]) العلامة ابن فارس 125.
([36]) المعجم العربي، 2/ 436-439، وانظر: العلامة ابن فارس، 125.
([37])معجم مقاييس اللغة ينظر المواد في 1/ 439- 440.
([38]) معجم مقاييس اللغة (جذو)1/70
([39])معجم مقاييس اللغة (جذو)1/70 وينظر: العين 6/171 (جذو)
([40])معجم مقاييس اللغة (حذو)1/439-440
([41])معجم مقاييس اللغة 4/ 3-4.
([42])معجم مقاييس اللغة 4/ 208، وانظر المواد: خدع، 2/ 161، سطن، 1/71.
([43])معجم مقاييس اللغة 2/ 221-222.
([44])معجم مقاييس اللغة (خنب)2/221.
([45])معجم مقاييس اللغة (خنب)2/221.
([46])معجم مقاييس اللغة 1/ 246. وينظر: العين 5/230(بقى)
([47])معجم مقاييس اللغة 1/201. وينظر: العين 3/219 (بحر)
([48])معجم مقاييس اللغة(يم) 6/152-153.
([49])معجم مقاييس اللغة جذر 1/318، صعد 3/287، طفو 3/414، ضبَّ، 3/464، كنوا 5/139.
([50]) معجم مقاييس اللغة (برك) 1/229
([51]) معجم مقاييس اللغة (عفو) 4/56.
([52]) معجم مقاييس اللغة (جنب) 2/108
([53]) معجم مقاييس اللغة (صرف) 3/343
([54])معجم مقاييس اللغة 4/ 9-12.
([55])معجم مقاييس اللغة 1/ 346.
([56])معجم مقاييس اللغة 3/ 246.
([57])معجم مقاييس اللغة انظر المواد: عهب 4/166، وعهم 4/174.
([58])معجم مقاييس اللغة انظر المواد: بزر 1/246، ترك 1/364، توخ 1/357.
([59])معجم مقاييس اللغة 2/ 257، وانظر مادة ردخ 2/508.
([60]) معجم مقاييس اللغة (دظ) 2/85
([61])معجم مقاييس اللغة 4/ 420- 422.
([62])معجم مقاييس اللغة 4/247، وانظر: مادة عرس، 4/ 261- 263، ومادة كدى 5/167.
([63])معجم مقاييس اللغة 3/148.
([64])معجم مقاييس اللغة 4/ 240- 241.
([65])معجم مقاييس اللغة (عجم) 4/240-241.
([66])معجم مقاييس اللغة 4/ 108.
([67])معجم مقاييس اللغة 4/ 198، وانظر مادة: عدب، 4/252.
([68])معجم مقاييس اللغة 1/370، وانظر المواد ثعم 1/ 377، وثغم 1/ 379- 380.
([69])معجم مقاييس اللغة 2/ 508.
([70]) معجم مقاييس اللغة (جعم) 1/461.
([71]) معجم مقاييس اللغة (خزف)2/177
([72]) معجم مقاييس اللغة (عدك)4/246
([73]) معجم مقاييس اللغة هوب) 6/17
([74]) معجم مقاييس اللغة (جغب)1/464
([75]) معجم مقاييس اللغة (عزف) 4/307
([76])معجم مقاييس اللغة انظر مادة ثبن، 1/ 401.
([77]) معجم مقاييس اللغة 1/ 464، وانظر مادة جلخ، 1/ 470.
([78])معجم مقاييس اللغة 2/ 177.
([79])الجمهرة، 3/6، معجم مقاييس اللغة 4/ 306- 307.
([80])معجم مقاييس اللغة 4/ 246.
([81])الجمهرة، 2/280.
([82])معجم مقاييس اللغة انظر المواد: نتك 5/388، قشب، 5/ 90ن كحم، 5/ 164، كدع، 5/ 165.
([83])معجم مقاييس اللغة 4/ 482.
([84])معجم مقاييس اللغة 4/ 507، وانظر مادة: مجل، 5/ 299، وقارن الجمهرة، 2/111.
([85])معجم مقاييس اللغة 5/ 122- 113.
([86])معجم مقاييس اللغة 5/ 21.
([87])معجم مقاييس اللغة 5/ 335.
([88])الجمهرة، 2/ 318، معجم مقاييس اللغة 6/ 143.
([89])معجم مقاييس اللغة 4/ 165، وانظر مادة: عجس، 4/ 235. وانظر: مقدمة مجمل اللغة، 1/37.
([90]) معجم مقاييس اللغة (جرم)1/446
([91])معجم مقاييس اللغة 6/48.
([92])معجم مقاييس اللغة (ردح) 3/205 ومادة: ظهر، 3/472- 473، وعجس، 4/ 253.
([93])معجم مقاييس اللغة 1/ 445- 446.
([94])الجمهرة، 2/103، معجم مقاييس اللغة 1/ 461- 462.
([95])معجم مقاييس اللغة 1/ 401.
([96])معجم مقاييس اللغة 1/464.
([97])الجمهرة، 2/ 90.
([98])المصدر نفسه، 2/32، معجم مقاييس اللغة 1/ 372.
([99])المعجم العربي، 2/ 429، وانظر: العلامة ابن فارس 159- 160.
([100])معجم مقاييس اللغة 1/485.
([101])معجم مقاييس اللغة 1/353. وينظر: العين 8/126 (تلم)
([102])معجم مقاييس اللغة 1/70.
([103])معجم مقاييس اللغة (سيف) 3/122
([104]) معجم مقاييس اللغة (عد) 4/32
([105]) معجم مقاييس اللغة (برق) 1/223
([106]) معجم مقاييس اللغة (هوى)6/16-17
([107]) معجم مقاييس اللغة (عل)4/12، 14.
([108]) معجم مقاييس اللغة (أول) 1/158.
([109]) معجم مقاييس اللغة (سخم) 3/145.
([110]) معجم مقاييس اللغة (رزف)2/388
([111]) معجم مقاييس اللغة (صور)3/320
([112]) معجم مقاييس اللغة (مزن)5/318
([113]) معجم مقاييس اللغة (ثم)1/369-370.
([114]) معجم مقاييس اللغة (تله)1/354
([115]) معجم مقاييس اللغة (بزو)1/245-246.
([116]) معجم مقاييس اللغة (حفل)2/82.