محاضرات علوم القرآن - المحاضرة 22
لا نزال نتحدث عن الإعجاز القصصي في القرآن الكريم حيث حدثناكم في المحاضرة السابقة عن أحد مبادئ القصة في بلاغتها الفائقة متمثلة في البداية التي تستهل بها قصص القرآن الكريم عادة حيث قلنا أن كل قصة عندما تستهل ببداية خاصة فإن لهذه البداية مغزاها دون أدنى شك ولها عضويتها في هذا الموقع الذي تدعي القصة بصياغة الأحداث والمواقف من خلالها وقلنا أن بداية القصة عندما تكون في سورة قرآنية كريمة إنما تتجانس هذه البداية مع مضمون أو محتويات السورة التي تطرح هذا الموضوع أو ذاك واستشهدنا في حينها لأمثلة متنوعة منها استشهاد البداية التي بدأت بها قصة طالوت عبر قوله تعالى ألم تر في الملأ من بني إسرائيل إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملك نقاتل في سبيل الله...الخ.
حيث قلنا أن هذه البداية تتمثل أو تتجانس مع محتويات سورة البقرة التي تقدمت وتحدثت عن سلوك الإسرائيليين من حيث تمردهم وعنادهم وجبنهم و...الخ.
ولذلك بدأت هنا تنقل أو تسرد لنا إحدى قصصهم وبدأ الحديث عن هذه القصة والأحداث والمواقف وليس من بدايتها لأن بداية المواقف هي حسب تسلسلها الزمني تتمثل في أن الأقباط ما قد استدلوا الإسرائيليين وسبوا ذراريهم...الخ.
ممن حملهم من أن يأتوا إلى نبي لهم من بعد موسى وطالبوه بأن يرسل الله قائداً عسكرياً ينقذهم من الذل الذي لحقهم بيد أن القصة بدلاً من أن تتحدث عن بداية هذا الموقف أو الحديث إنما انتخبت من الحدث أو المواقف انتخبت ما هو له الصلة أساس بهدف السورة الكريمة لسورة البقرة وهي عرض السلوك الإسرائيلي المنحرف والمتمرد والجبان...الخ.
من هنا بدأت هذه القصة بالحديث عن جانب من جوانب هذا السلوك متمثلة بالكذب ادعاءاتهم حيث أن اقتراحهم لنيلهم بأن يرسل لهم قائداً عسكرياً لانضموا تحت لوائه ويحاربوا العدو يظل هذا مجرد ادعاء يفضح الموقف أو الحدث الذي حدث بعد ذلك فهو جبنهم فهو لا انهم تعرضوا لأكثر من تجربة وفشلوا في نجاح هذه التجربة بالشكل الذي عرضناه سابقاً.
المهم لا نود أن نعيد ما ذكرناه سابقاً بقدر ما نود أن نذكركم بأهمية البداية القصصي في القرآن الكريم من حيث صلة هذه البداية عضوياً وما ينسجم مع السورة والأمر كذلك بالنسبة إلى القصص التي تستقل بنفسها في سورة كاملة وسورة نوح مثلاً حيث تستقل بقصة نوح ومثل سورة يوسف حيث تستقل لقصة يوسف ومثل سورة الجن حيث تستقل بقصة الجن...الخ.
حتى في هذه القصص عندما تبدأ هذه القصص من بداية معنية فإن لهذه البداية انعكاسات على ما يحدث داخل السورة أو بالأحرى داخل القصة ذاتها بشكل مجاني ما تستهدفه السورة من عرض لهذه الفكرة أو تلك وقد استشهدنا في حينه مثلاً لقصة الفيل التي بدأت من نهاية الحديث بالهزيمة العسكرية للعدو ثم بدأت بعد ذلك بحديث لإرسال الأبابيل وما إلى ذلك من الحوادث التي أشارت القصة أو الأقصوصة إلى ذلك.
المهم كل ما نريد أن نقوله الآن أنه ما لاحظناه من بلاغة خاصة في بداية القصة نلحظ أيضاً بالنسبة إلى نهايتها وبالنسبة إلى أوسطها حيث ترتبط كل هذه الأقسام الثلاثة فيما بينها لتجسد لنا مبادئ بلاغية فالقصة القرآنية الكريمة وكما لاحظنا أن البداية القصصية تحتل موقعاً عرضيا كذلك في الواقع نجد أن الخاتمة القصصية تحتل له جماليته وإسهامه في الفكرة التي يستهدفها النص فلو عدنا إلى قصة البقرة نفسها حيث لاحظنا كيف أن البداية التي أمرت بذبح البقرة لها علاقة بسلوك الإسرائيليين المتوقع أو بسلوك الإسرائيليين من المنحرف حيال محبتهم للعنصر الحيواني البقرة كل ذلك سوغ هذه البداية التي حدثناكم عنها مفصلاً والآن ينبغي أن نحدثكم عن نهاية هذه القصة عن ذبح البقرة فعلاً ولمن بالنسبة إلى الختام القصصي الذي بين هذه القصة بقوله تعالى كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته الخ. إن هذا التعقيب للقصة أو الختام للقصة له أهمية بلاغية كبيرة جداً تتمثل هذه الأهمية في ما أشرنا إليه في المحاضرة السابقة من أن سورة البقرة تتضمن عدة قصص تتحدث عن جانب من جوانب ظاهرة الإحياء والإماتة فكما لاحظنا في موت الشخصية وإحيائها في هذه القصة نقول هذه القصة التي تعرضت بظاهرة الإماتة والإحياء سوف تعكس صداها على تلكم القصص التي سنواجهها في السورة القرآنية الكريمة أي سورة البقرة ذاتها كقصة إبراهيم عبر تقطيعه للطيور الأربعة وقصة الذين قال لهم الله موتوا ثم أحييناهم وقصة المار على القرية عبر تساؤله أن يحيي الله هذه بعد موتها حيث أماته الله مئة عام ثم أحياه وقصة محادثة إبراهيم مع حيث زعم ما ورد أنه يستطيع أن يحيي ويميت بعد أن ناقه إبراهيم وذكر له أن الله الذي يحيي ويميت الخ نقول أن هذه القصص جميعاً تحوم على محور واحد هو محور الإماتة والإحياء وإضافتها مظهراً من مظاهر قدرته المطلقة تعالى إن هذا الهدف أو المضمون الفكري الذي يستهدف القرآن الكريم توصيل له إلينا ويوظف القصة لإنارة هذه الفكرة ونقول بالنسبة إلى القصة التي لاحظنا ختامها وهي تتحدث عن الإحياء والإماتة عكست أثرها أو أصدائها على القصص الأخرى التي تلتها في الصور المشار إليها.
إذاً عندما تختم القصة أيضاً بخاتمة معينة حينئذ يكون لهذه الختام مساوغه الفني أو العضوي المؤشر إلى أن كل موقع من مواقع القرآن الكريم سواء أكان هذا الموقع عبر سورة أو عبر قصة أو آية من نصوص القرآن الكريم تظل محتلة موقعاً هندسياً يفصح عن الإعجاز دون أدنى شك وإذا كان كل من بداية القصة ونهايتها ترتبط بهدف الخاص حينئذٍ فإن وسط القصة ونهايتها ترتبط بهدف خاص حينئذ فإن وسط القصة دون أدنى شك يظل بدوره مرتبطاً بالقدرات الفنية أو العضوية بالشكل الذي سنحدثكم عنه إن شاء الله عبر مراحل متنوعة من حديثنا عن القصة القرآنية الكريمة.
وهذا كله يستاقنا إلى أن نحدثكم في الواقع عن بناء القصة القرآنية الكريمة بشكل عام مع أن الحديث عن بناء السورة القرآنية الكريمة سوف يتخذ حقلاً خاصاً يدخل بضمنه دون أدنى شك بالحقل القصصي بيد أننا نستهدف عابراً أن نحدثكم أولاً عن بناء القصة ما دامت القصة كما حدثناكم عن ذلك سابقاً تعد واحدة من الظواهر الإعجاز البلاغي بالشكل الذي سنواصل الآن الحديث عنه وفي مقدمة ذلك الحديث عن البناء القصصي إن القصة هي مجموعة من أحداث أو مواقف أو بيئات أو أشخاص أو هي جميعاً أو هي في البعد من ذلك نقول بما أن هذه العناصر تتآزر فيما بينها من جانب وبما أن ثمة لغة هي السرد أو الحوار تتآزر مع ذلك أيضاً بالإضافة إلى أن ثمة عناصر أخرى تتصل بالزمن وتقطيعه نقول كل ذلك لا يتم إلا وفق تركيب هندسي خاص ولكن هذا الكلام سوف يتطلب منا تفصيلات لا تسعها محاضراتنا بقدر ما نحيل الطالب كما اعتبرنا إلى كتابنا دراسات فنية في قصص القرآن الكريم حيث تحدثنا مفصلاً عن هذه القصص عبر مئات الصفحات في هذا الميدان.
المهم آملين فحسب أن نشير عابراً إلى أن كل جزء من أجزاء القصة القرآنية الكريمة إنما يحتل موقعاً هندسياً معيناً يعكس أثره أو تعكر صداه على سائر الأقسام ويمكننا أن نستشهد بهذا الميدان بعض الأمثلة العابرة تاركين الطالب كما قلنا تاركين له أن يتبين التفصيلات من الكتب المشار إليه لو وقفنا على سبيل المثال عند سورة يوسف (عليه السلام) للاحظنا أن هذه القصة تسلك منحى خاصاً في البلاغة القصصية فهي من حيث الزمن وتسلسله تظل قصة متسلسلة وزمنياً تختلف عن القصة التي أشرنا إليها أي أن الأحداث والمواقف في هذه القصة تبدأ بحسب وقوعها المتسلسل في الزمن وليس فيها تقديم أو تأخير أي ليس فيها بدء بالحادثة من الوسط والنهاية وارتداد إلى البداية بل إن الحادثة فيه تبدأ من الأساس عبر تسلسلها الزماني في هذه القصة نجد أن أولها يبدأ عبر الآية القرآنية الكريمة المشيرة إلى أن يوسف (عليه السلام) قال لأبيه ما يلي (إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم من نعمته عليك) إلى آخر الآية الكريمة لاحظوا أولاً أن القصة تبدأ من حادثة الحلم الذي رآه يوسف (عليه السلام) هذا يعني أن الحلم يشكل مادة قصصية فقد استهلت القصة به ولنلاحظ أيضاً أن مادة الحلم لا تنحصر في هذه المقدمة القصصية بل إن الحلم يأخذ مسراه في أكثر من موقع من مواقع هذه القصة فملك مصر على سبيل المثال رأى ذلك الحلم الخطير الذي ترتب عليه تغير اجتماعي أو اقتصادي بالشكل الذي أوضحته القصة الكريمة كذلك عندما سجن يوسف (عليه السلام) قص عليه الشخصان اللذان كان معهم بالسجن قص عليه الرؤية إذا ثمة مادة حلمية إذا صح التعبير تنعكس من بداية هذه القصة فالقصة تبدأ بالحديث عن الحلم وتعكس أثرها لتترك صداها في أحلام لاحقة وهذه الأحلام بدورها يترتب عليها أثر كبير فكما أن حلم يوسف سيترتب عليه أثر كبير حيث سيواجه مؤامرة وحيث سيقع في البئر وحيث سيسجن والى آخره كذلك الحلم الذي رآه الملك الذي يتسبب عليه وضع اقتصادي خطير وحتى الحلم الذي لاحظه أحد الشخصين المرافقين ليوسف في السجن حيث كان لهذه الشخصية أثر كبير عندما أخبر الملك بقضية يوسف وقدرته على التعبير أو على تأويل الأحلام إلى آخر مما يجعله يستدعيه ويترتب تلك الآثار الكريمة على تلك الحداثة.
إذاً مادة الحلم التي إذا بدأت القصة أو أنها ستظل انعكاساتها الحلمية أيضاً على الأجزاء اللاحقة من القصة وهذا وحده يشير إلى بناء هندسي جميل وإلى بناء دلالي جميل سوف نتبين مستوياته مع متابعتنا الآن لهذه القصة وهذا كله فيما يتصل بمادة الحلم وما تعكسه هذه المادة من أهمية وما ترتب عليه من آثار اجتماعية واقتصادية خطيرة كل الخطورة ونظل الآن متابعين لهذه البداية لاحظوا أن الآية الأولى قالت أن يوسف قال لأبيه انه رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رآهم له ساجدين السؤال هنا أن هذه البداية التي تقول أن يوسف (عليه السلام) رأى أحد عشر كوكباً ورأى الشمس والقمر...الخ.
إن هذا الكلام الذي قاله يوسف هل فسرته القصة بحذافيرها حسب ما وقع في حينه أي عندما أخبر أباه بهذا الحلم هل إن أصداء هذا الحلم انعكست على قول أبيه مباشرة أم أن القصة ظلت محتفظة بهذا السر وكشفت عنه في آخر القصة حيث أن القصة عندما تنتهي بعبارة هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً ترى ما هو تأويل هذه الرؤية أو تأويل هذا الحلم البداية القصصية لم تذكر إنما قالت إن أباه نهاه عن أن يقص رؤياه على إخوته حتى لا يكيدوا له في هذا الميدان ولكن هل هذا التأويل للرؤيا انسحب بواقعه على المصير الذي انتهت إليه قصة يوسف طبيعياً كلا ختام القصة هو الذي يحدثنا عن تأويل هذه الرؤية انه رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر كلهم ساجدين له وبالفعل قالت القصة في نهايتها بعد أن احتفظت بهذا السر قالت أن يوسف ذكر بأن هذا هو تأويل ماذا كان التأويل عندما دخل أبواه عليه وأخوته حينئذ دخلوا عليه وهم في حالة سجود كما هو صريح الآية القرآنية الصريحة القائلة ورفع أبويه على العرض وخروا له سجداً وقال يا أبت هذا تأويل رؤيتي لاحظوا الارتباط العضوي المحكم جدا بين ختام هذه القصة وبين بدايتها بدايتها حلم يراه يوسف يقصه على أبيه أبوه يقول هل لا تنقل هذه الرؤيا إلى اخوته لاحظوا جيداً كيف ذكرت القصة في ختامها المعنى ذاته عبر قول يوسف لأبيه يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها حقاً علماً بأن أباه هو الذي فسر له الرؤيا حينئذ ولكن التفسير يظل إجمالياً ينحصر في حادثة كيد الاخوة وليس في ظاهرة السجود له في نهاية المطاف هذا واحد من النماذج الكثيرة ترتبط بالواقع بين بداية القصة وبين نهايتها الظاهرة الأخرى تتمثل في قول أبيه له ولا تقصص رؤياك على أخوتك فيكيدوا لك كيداً طبيعيا أن الكيد سوف يظهر مباشرة بعد هذه الفقرة من قصة القرآنية الكريمة من حيث تعرض فيما بعد كيف أن هؤلاء الأخوة اقترحوا على أبيهم أن يذهبوا بيوسف إلى نومه...الخ.
ولنلاحظ من جانب ثلاث حيث تجيء الفقرة القصصية بعدما تقدم من النص القرآني الكريم وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث هذه البداية القصصية بدورها سوف تعكس أثرها على أحداث القصة وسطا وختاما أيضاً لاحظ المقصود من تأويل الأحاديث ونحن عندما نتعامل الآن مع ظاهر النص القصصي دون الرجوع إلى النصوص التفسيرية نريد أن نتذوق القصة الفنية وبعد التذوق الفني وهذا هو أحد مظاهر الإعجاز القرآني الكريم بحيث أن هذا المظهر الإعجازي يبدو للمتلقي إعجازيا حتى من خلال قراءته لظاهر النص القرآني وأما قراءة ذلك من خلال التفسير الوارد عن أهل البيت (عليه السلام) حينئذ ستتذوق الموضوعات بشكل أكثر دلائل وستشير إلى الهدف الأصيل الذي يستهدفه النص القرآني الكريم ولكننا ما دمنا نتحدث في نطاق البلاغة فحسب حينئذ فإن البلاغة تفرض على المتلقي أن يقتنص من النص القرآني الكريم مبادئ بلاغية يتحسسها دون الحاجة إلى الرجوع للمصادر التفسيرية وهذا كما قلنا هو أحد مظاهر الإعجاز والآن لنتابع الظاهر القرآني ونجد أن انعكاس هذه الفقرة القصصية على وسط القصة وعلى خاتمتها يفرض أثره الواضح جداً إن تأويل الأحاديث لو عدنا للنصوص المفسرة ترجح بين كونه المقصود منها تفسير الرؤى أو الأحلام.
وأما القول الآخر فيعين ذلك هو البعد المعرفي العبادي الذي يمتلكه يوسف ولكن سنرى أيضاً وقد أشرنا إلى ذلك في محاضرات سابقة على أن النص القرآني الكريم مع انه يتعامل مع ظاهرة خاصة فإنه يسحب أثره على ما هو عام هذا من جانب ومن جانب آخر فإن النص القرآني الكريم مرشح أو مرشح بعدة دلالات بحيث يستطيع كل واحد أن يستخلص الدلالة التي تتناسب مع خبرته الثقافية أو لنقل من الممكن أن ترشح النص بأكثر من دلالة في آن واحد بغض النظر عن الاختلاف أو الاشتراك بين الأذواق والأفكار إن كلمة تأويل هذه الكلمة ذاتها قد عكست أيضاً على ختام القصة عبر الآيات القرآنية الختامية التي تلوناها عليكم ونعني بها قول يوسف يا أبت هذا تأويل أي من قبل قد جعلها ربي حقاً بعد ذلك يقول ربي قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث لاحظوا هنا قد استخدم كلمة تأويل في موقعين الموقع الخاص بتأويل الرؤيا والموقع الخاص بتأويل الأحاديث وفقد لاحظتم بداية القصة أيضاً تتحدث عن ماذا تحدث عن تأويل الأحاديث وقبل ذلك تحدثت عن الرؤيا أيضاً إذا استخدام التأويل في ظاهرتي كل من الأحلام وكل من البعد المعرفي العبادي يظل فارضاً مشروعيته في ضوء ما تلونه الآن عليكم من حوار يوسف (عليه السلام) عندما يقول علمتني من تأويل الأحاديث هذا هو صدى لما قرآناه قبل قليل في مقدمة القصة التي تقول ويعلمك من تأويل الأحاديث هذه البداية القصصية ويعلمك تأويلاً لأحاديث يلاحظها.
الآن في ختام القصة التي جرت على لسان يوسف بعبارة ربي آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث إذا ما علمه الله من تأويل الأحاديث في بداية القصة التي أرهص بها مجرد إرهاص قبل أن يتعلم تأويل الأحاديث فعلاً قد نما عضوياً وتحول فعلاً إلى معرفة بتأويل الأحاديث هذا فيما يرتبط صلة البداية بالخاتمة هذه البداية في الواقع أيضاً ترتبط صلة بوسط القصة أيضاً لنستمع أيضاً إلى هذه الفقرة القصصية التي وردت بعد أن أنجى الله سبحانه وتعالى يوسف من البئر حيث جاء هذا التعقيب على النحو الآتي تقول الآية الكريمة وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته اكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث لاحظ هذه العبارة الثالثة ولنعلمه من تأويل الأحاديث هذه العبارة جاءت في وسط القصة والعبارة ذاتها جاءت في أول القصة والعبارة ذاتها جاءت في آخر القصة جاءت في أول القصة ويوسف بعد لم يبلغ المرحلة المعرفية التي أشار إليها هذا النص وجاءت في الوسط ويوسف أيضاً بعد لم يصل إلى هذه المرحلة لها مرحلة نجاته من البئر وذهابه إلى بيت الملك فحسب.
إذا هذا الإرهاص الجديد أيضاً له دلالته وله مغزاه حيث سينعكس بدوره على الأحداث التي ستجيء بعد ذلك متمثلة في المقطع القصصي الآتي عندما دخل يوسف السجن دخل معه فتيان قال أحدهما إني أر أن أعصر خمرا وقال الآخر إني أرى أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبأنا بتأويله إنا نراك من المحسنين قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قل أن يأتيكما ذلك مما علمني ربي لاحظوا هذا الجواب يقول يوسف ذلكم مما علمني ربي هذه العبارة القائلة بان ربه هو الذي علمه نفس هذه العبارة لاحظتموها قبل قليل قد وردت تعقيب القصة بعد خروجه من البئر حيث قال تعالى وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث...الخ.
إذاً انعكاس الوسط وتكرار هذا الانعكاس على أكثر من موقع لاحظناه من حيث الختام ومن حيث الوسط يظل من الوضوح بمكان كبير ولكن لنتابع أيضاً يقول يوسف (عليه السلام) متابعاً حديث يا صاحبي السجن الباب متفرقون أم الله الأحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها انتم وآبائكم ما أنزل الله بكم من سلطان...الخ.
وقبل ذلك كان يوسف يقول إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة كافرون كل هذه الأحاديث هي تجسيد للبعد العرفي العبادي الذي أشارت إليه العبارة المتأرجحة أو المزاوجة بين المعنيين نقصد بها عبارة تأويل الأحاديث التي تشكل كل من تأويل الرؤيا والتأول المعرفي.
إذاً في هذا لمقطع الذي يقع وسط القصة جاء انعكاس ما لاحظناه في البداية جاء في الوسط بهذا الشكل الذي يلقي بإنارته كاملة على ما لاحظناه في الاشتراك في ظاهرة التأويل ومنعكساته بالشكل الذي تقدم الحديث عنه لو أردنا أن نتابع بنا القصة القرآنية الكريمة بالمستويات المتقدمة لأمكننا أن نلاحظ عشرات المواقف المجانسة أو المتطورة أو المتنامية أي أن أي حدث أو موقف يحدث في بداية القصة سوف يتنامى ويتطور ليعكس أثر في وسط أو في ختام القصة كما عرفنا كيف تنامت الرؤيا والتأويلات تنامت في وسط القصة حيث أن يوسف رأى رؤيا قد فسر بالفعل حلمي صاحبيه وفسر بعد ذلك حلم الملك أيضاً إذا كم هو محكم هذا البناء الفني للقصة القرآنية الكريمة حيث قلنا أن المسألة لم تقف عند مجرد التأويل للرؤيا ومادة الرؤيا وهي المادة المعرفية المتمثلة في تأويل الأحاديث بل حتى المفردات المتناثرة هنا وهناك نجد لها بناء عضوياً محكماً في هذه القصة وفي أية قصة أخرى مثلاً عندما خرج يوسف من البئر وعقب النص القصصي على ذلك وما تلوناه عليكم قبل قليل أي قوله تعالى مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه تأويل الأحاديث بعد ذلك يقول ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما كذلك نجزي المحسنين إن هذه العبارة عبارة نجزي المحسنين أو أن هذه السمة سمة المحسنين التي وردت الآن وهي تقريباً في أول القصة أو في الأحرى في البدايات الأولى من وسط القصة سوف تعكس أثرها ليس على موقع واحد بل على جملة مواقع ترد على لسان أكثر من شخصية بعد أن وردت على كلام الله سبحانه وتعالى نجد ذلك أولا في عبارة الشخصين اللذين كانا في السجن مع يوسف (عليه السلام) حيث طلب منه أن ينبئهما بتأويل أو ما رأياه حيث ختم كلامهما بقولهما إنا نراك من المحسنين وهذه السمة نجدها للمرة الثالثة تنعكس إلى موقع آخر من القصة المشار إليها وذلك بعد أن خرج يوسف من السجن حيث عقبت القصة على ذلك وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء منها حيث يشاء نصيب رحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين لاحظوا إذا كيف أن سمة واحدة كالإحسان تتكرر في مواقع متنوعة من القصة لتشير إلى تلاحم هذا البناء القصصي من حيث تواشج وتآزر وإحكام أجزاء القصة بعضها مع الآخر بالنحو الذي لاحظناه.
وينبغي أن نشير أيضاً إلى أن هذه العبارة الأخيرة التي قرأناها الآن أي عبارة وكذلك مكنا ليوسف في الأرض هذه العبارة بدورها وردت في أوائل وسط القصة عندما تلونا عليكم الآية القرآنية الكريمة التي أشارت إلى هذه الجوانب بعد خروجه من البئر والآن أشارت إليه بعد خروجه من السجن لاحظوا أيضاً هذا الانسجام والتآزر والتلاحم بين التعقيبات التي يتعقبها آية تسردها القصة الكريمة بعد شدة مجانس شدة أخرى شدة البئر وهو يقع فيها وشدة السجن وهو يقع فيه أيضاً يوسف وتجيء التعقيبات متماثلة بعد الشدتين المشار إليهما الشدة الأولى تقول وكذلك مكنا ليوسف في الأرض هذه العبارة بذاتها ترد وهي عبارة وردت كما قلنا بعد خروجه من البئر ثم تجيء هذه العبارة أيضاً بعد خروجه من السجن حيث تقول وكذلك مكنا ليوسف في الأرض.
إذاً عبارة مكنا يوسف في الأرض تكررت أيضاً في موقعين أحدهما في وقع التعقيب على حادثة البئر وخروج منها والثانية تعقيب على حادثة السجن وخروج يوسف من السجن اعتقد أننا لحد الآن تحدثنا عن جملة من مواضع التجانس والتلاحم العضوي بين أجزاء هذه القصة أي من حيث البناء الهندسي لها وبمعنى كل جزء يلاحقه وارتباط اللاحق بسابقه بالنحو الذي لاحظناه حيث استشهدنا بنصوص من بداية القصة واستشهدنا بنصوص من وسطها ولاحظتم كيف أن البداية والوسط والنهاية في مختلف المواقع تتجانس وان كل حادثة تتكرر أو بالأحرى أن كل موقف يكرر عبر حادثة مجانسة للأخرى على النحو الذي حدثناكم عنه ولا نحسب أن ثمة ضرورة لأن واصل الحديث عن عشرات القصص التي تطبعها هذه الظاهرة ما بنينا أن هذا لا يتناسب حجمه ومحاضراتنا وان التفصيل في ذلك يجده الطالب في كتاب دراسات فقهية في قصص القرآن الكريم على أية حال كل ما قدمناه الآن من حديث عن البناء العضوي أو الفني للقصة القرآنية الكريمة هو بناء عام ولكننا لم نزل بحاجة إلى أن نتحدث عن جزئيات البناء المتصلة بكل من الشخصيات والأحداث والمواقف والبيئات وهذا بالإضافة إلى العناصر الأخرى التي تسهم معها في صياغة القصة القرآنية الكريمة فيما تكشف جميعاً عن البعد الإعجازي في البلاغة القرآنية دون أدنى شك وهو أمر سنتابع حديثنا عنه إن شاء الله في محاضراتنا اللاحقة والى ذلك الحين نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.