محاضرات علوم القرآن - المحاضرة 20 - اسلوب الحوار
اسلوب الحوار
نواصل حدثنا عن البلاغة القصصية أو الإعجاز القصصي في القرآن الكريم حيث حدثناكم في محاضرات سابقة عن جملة من الموضوعات المرتبطة بالفن القصصي أو الإعجاز القصصي في القرآن الكريم وكان أن انتهينا في محاضرتنا السابقة من الحديث عن السرد وهو أحد نمطي الصياغة القصصية حيث قلنا أن مطلق القصة إما أن تعتمد على السرد أو على الحوار أوعلى كليهما وإن لكل من هذه الأنماط مستوياته الفنية وانتهينا إلى الحديث عن الحوار ومستوياته حيث وعدناكم أن نتحدث عنه في هذه المحاضرة ولذلك نبدأ ونقول الحوار كما كررنا هو المحادثة بين طرفين أو أكثر وهذا كما لو تحدث شخص مع شخص آخر أو كما لو تحدث شخص مع نفسه ففي الحالتين هناك طرفان يتم تبادل الحديث بينهما سواء أكان الطرف شخصاً واحداً أو شخصين أو أكثر كما أن الأطراف الحوارية قد تكون متعددة بحيث تكون الشخصية كما لو كان هناك ثلاثة أشخاص أو أكثر يتحدثون فيما بينهم ومن أمثلة الحوار في نمطه الأول أي المحادثة بين شخصيتين محاورة ابني آدم فيما بينهما عندما تقبل قربان أحدهما ويلم يتقبل من الآخر حيث قال الأخير الذي لم يتقبل قربانه لأقتلنك وأجابه أخوه إنما يتقبل الله من المتقين فيما جرى الحوار على النحو الآتي قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين ومن أمثلة الحوار في نمطه الثاني أي المحادثة بين الشخص ونفسه محاورة القاتل نفسه بأخيه عندما قتله وجهل كيفية مواراته ثم شاهد غراباً يقوم بعملية المواراة فتحدث مع نفسه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب إلى آخره ومن أمثلة الحوار من النمط الثالث محاورة ابنة شعيب مع أبيها ومحاورة أبيها مع موسى (عليه السلام) ومحاورة موسى مع شعيب في قضية الزواج حيث صيغت المحاورة على هذا النحو الثلاثي قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الامينن قال ألاب لموسى أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين.. الخ. قال موسى مجيباً قال: ذلك بيني وبينك أي ألاجلين...الخ.
هذه المستويات اوالأنماط الثلاثة من الحوار تتشعب إلى مستويات متنوعة أيضاً نحدثكم عنها فيما بعد أما الآن فقد استهدفنا فحسب ان نشير إلى هذه الأنماط الثلاثة من الحوار ونبدأ بعد ذلك بالحديث عن مسوغات الحوار وخصائصه وأهميته فنقول بالنسبة إلى مسوغات الحوار يعد الحوار من أهم الأساليب الفنية في التعبير نظراً لكونه جزءاً لا ينفصل عن شخصية الإنسان بصفة أنا جميعاً لابد أن نتكلم مع الآخرين ونناقشهم ونسألهم ونجيبهم الخ.
كما أننا طالما نتحدث أيضاً مع أنفسنا ونفكر فيما بيننا وبين أنفسنا فنوجه كلامنا منطوقاً إلى أنفسنا ونوجه كلاما غير منطوق إلى أنفسنا كالتفكير نفسه وفي الحالة جميعاً يظل المكان مع الآخر أو مع الذات جزءاً كبيراً من سلوكنا اليومي الذي نحياه ولذلك فان ابراز هذه المواقف في نص فني يظل أمراً له مسوغاته الواضحة طالما يشكل الحوار غالبية السلوك الذي يصدر عنه في سياقات خاصة وأما بالنسبة إلى خصائص الحوار فنقول أن أهمية الحوار في الواقع لا تنحصر في مجرد كونه جزءاً في سلوكنا اليومي بل لكونه يتميز بخصيصة لا تتوفر بالأفراد من السلوك وهي حيوية الحوار أي كون الحوار حياً عن السلوك ذلك أن الكلام هو مفتاح الشخصية بحيث تعبر الشخصية عن سماتها وأفكارها ومزاجها من خلال الحوار هذا بعكس الأشكال الأخرى من سلوك النوم أو المشي حيث لا تمتلك هذه الحركات نفس الحيوية التي يمتلكها كلام الإنسان مع نفسه أو مع الآخرين ولهذا السبب احتل الحوار في الأعمال الأدبية مساحة كبيرة حتى ان بعض الأعمال الأدبية كالمسرحية اعتمدت أساسا على عنصر الحوار وحده أي في المسرحية يقوم هيكلها الخارجي على محاورات الأشخاص وهذا هو أحد الفوارق التي تميزها عن القصة بصفة أن القصة تعتمد الحوار بشكل مرئي ولكنها لا تعتمد ذلك بل تعتمد السرد والأخبار عن شيء أو وصف الشيء بحيث نجد قصصا تعتمد الحوار وحده وقصصا تعتمد السرد وحده وقصصا تعتمدهما كما أشرنا إلى ذلك في محاضرة سابقة.
المهم أن كلاً من المسرحية والقصة تعتمدان الحوار عنصراً لها نظراً للحيوية التي يمتلكها هذا العنصر والمهم ايضا أن سائر الأشكال الأدبية وليس القصة فحسب تظل أيضاً معتمدة على عنصر الحوار في سياقات خاصة هذا ما يستاقنا إلى أن نتحدث عن وظائف الحوار فنقول أن للحوار في الواقع جملة وظائف منها:
- أولاً الكشف عن الشخصية من البين أن من أهم الوظائف للحوار هو أنه يساهم فالكشف عن نمط الشخصية من حيث أفكارها ومزجها وانفعالاتها الخ فقد عرفنا مثلاً أن أحد ابني آدم يحمل نزعة الحسد ويحمل نزعة عدوانية أفضت به إلى أن يقتل أخاه عرفنا ذلك من قوله لأقتلنك كما عرفنا أن أخاه يحمل على العكس نزعة المسالمة و الحب والتقوى بدليل قوله لأن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي لأقتلك.
- أما الوظيفة الثانية للحوار فهي الكشف عن الأسرار هناك من الأسرار الداخلية للشخص لا يمكن أن نتعرف عليها إلا من خلال الاعترافات الصادرة عن الشخص فمن الممكن أيضاً أن نتعرف جانباً من سلوك الأشخاص من خلال محاورتهم مع الآخرين كابني آدم كالمثال المتقدم إلا أن هناك جوانب أخرى من السلوك لا يمكن التعرف عليها إلا من خلال أحد أشكال الحوار وهو الحوار الداخلي الذي سنحدثكم عنه بشيء من التفصيل ونسترسل الآن بنموذج سريع على أن نفصل ذلك بعد إن شاء الله وهذا من النص هو الحوار الذي جرى على لسان علي وفاطمة الحسن والحسين (عليه السلام) في قولهم إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا الخ.
حيث أن هذا التلاقي لم يوجه إلى المسكين واليتيم والأسير ليكون حواراً بين طرفين بل هو كلام داخلي وإحساس صدرت عنهم (عليه السلام) لم تتجاوز نطاق التفكير كما لو ساعد أحدكم فقيراً وقال مع نفسهنفسنا انفسنا كالتفكير نفسه وفي الحالات جميعا يظل كالمنا مع الآخر زالمعدات من اللوك اليومي الذي نحياه ولذلك إني ساعدت هذا المسكين لوجه الله تعالى وحينئذ يكون هذا الكلام مع الذات فاكتشف عن أسرار داخلية لا يمكن معرفتها إلا من خلال الكشف بواسطة الحوار المذكور.
- الوظيفة الثالثة للحوار هي الكشف عن الحوادث فإذا كان هناك كشف عن الشخصية بالشكل الذي نراه في نمط الحوار فإن هناك كشف عن الحوادث من خلال الحوار ذاته حيث أن الحوادث أو المواقف من حيث نشأتها وتطورها ونهايتها وتفصيلاتها كل ذلك يستطيع الحوار أن يكشفها وذلك مثلاً عندما يتحدث موسى (عليه السلام) مع فتاه في سورة الكهف قائلاً لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبى نستكشف حادثة السفر إلى مجمع البحرين وعندما يقول لفتاه لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا نستكشف بأن السفر طويل وبأنه قد حف بمتاعب كثيرة وعندما يقول فتاه غني نسيت الحوت وما إنسانيه إلا الشيطان نستكشف أن الزاد في هذه الرحلة كان حوتاً.
وهكذا إلى حوادث خرق السفينة وبناء الجدار وهذا جميعاً من حيث المسوغات العامة للحوار وأما المسوغات الخاصة لأشكال الحوار فنتحدث عن ذلك من خلال الإشارة أولاً إلى أهم حوار ينبغي أن ننتبه عليه وقد استخدمه القرآن الكريم في جملة مواقع ألا وهو الحوار الداخلي ويمكننا أن نلخص المسوغات العامة للحوار الداخلي متمثلة في الذهاب إلى أن كثيراً من الأفكار والأحاسيس والنوايا والنزاعات لا يمكن معرفتها إلا من خلال اعتراف الأشخاص انفسهم كما قلنا وبما أن الإنسان بعامه لا يمكن إبراز الأسرار الداخلية امام الاخرين فحينئذ فان صياغة الحوار بشكل سري يفرض هذا النمط من الصياغة مضافاً إلى ذلك أن طبيعة ردود الأفعال التي تصدر عن الإنسان حيال مواجهته لمختلف المنبهات تفرض عليه أن يفكر بها وان يحياها وان يتدارسها وينقدها الخ.
وهذا أيضاً يسوغ صياغة الحوار داخلية
أيضاً يمكننا أن نعرض لمسوغات الحوار في جملة نقاط
أولاً وجود أفكار فاسدة يحياها الشخص مثلاً دون أن يستطيع إبرازها إما خجلاً من الآخرين أو خوفاً منهم وهذا من نحو أفكار المنافقين مثلاً الذين ورد رسمهم كثيراً في السور القرآنية الكبيرة حيث نسج النص من خلال حوارهم الداخلي نسج أفكارهم كقولهم مثلاً إذا خلو إلى شياطينهم قالوا إنا معكم وفي هذا الموقف يضطر المنافق إلى أن يتحدث مع نفسه بهذا الكلام خوفاً من أن يفتضح أمام الآخرين وأيضاً يمكننا أن نستشهد بنماذج أخرى من ذلك مثلاً محادثة قوم إبراهيم مع أنفسهم عندما سألهم إبراهيم عمن حطم أصنامهم وإجابته بأنه قد فعل ذلك كبيرهم حينئذ يقول النص فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا أنتم الظالمون فقولهم لأنفسهم أنتم الظالمون هو حوار داخلي فرضه الخجل من إبراهيم الذي كشف تفاهة سلوكهم.
ثانياً وجود أفكار إيجابية يحياها الشخص دون أن يجد ضرورة لإبرازها لأنها تعبير عن أفعال من أجل الله تعالى وهذا كمحاوراتهم (عليه السلام) حيث استشهدنا بها قبل قليل ونعني بها محاورة الإمام علي (عليه السلام) وفاطمة (عليه السلام) والحسنين (عليه السلام) عندما أطعموا مسكيناً ويتيماً وأسيراً حيث خاطبوا ذواتهم وهم يتحدثوا قائلين إنما نطعمكم لوجه الله الخ فهل أن قولهم (عليه السلام) لا نريد منكم جزاء ولاشكورا يعني أنهم خاطبوا كلا من الأصناف الثلاثة على حدة طبيعة الحال كلا يدلنا على ذلك أن هؤلاء فقراء ولا توقع في أن تصدر مكافأة منهم من المعصومين (عليه السلام) كما انه لا نتوقع بان يكرروا كل ليلة من الليالي الثلاث لا نتوقع أن يقول كل واحد من هؤلاء الأقسام الثلاثة كما لا نتوقع أن يقفوا صفاً واحداً أو متفرقين لإطلاق العبارة الذكورة بل لا معنى البتة بأن يقولوا لكم إنما نطمعكم ذاته هو تعبيراً عن الذات إذا كان موجهاً للآخرين وحينئذ يتعين أن يكون الإنسان حامياً هو العبارة المتقدمة ومن قيمة جمالية هذه اللغة المشار إليها واحتشاد بعدد تعدد الديانات وحيوية إنه من الممكن مثلاً أن نستخلص أن المطعم وهو يحضر الطعام قد استحضر نية الإطعام في ذهنه فيمن أجل الله تعالى أو أن حضور هذه النية يتحدث من خلال معايشته (عليه السلام) لما بدأ وأنه قد تلفظ بهذا المدلول خفية وهكذا كما أن انتخاب هذين الدلالين على الجزاء الشكور لهما مدلولهما المستوعب لدلالة الإطعام لوجه الله وتعالى ومن الممكن أن يطعم البعض منهم وهم ينتظرون مكافئة مادية كما لو صادفوا ان يرجع ابن السبيل إلى وطنه فيكافأ المطعم ومن الممكن أن ينتظر كلمة شكر فحسب فإذا مسح من ذهنه هذين التعويضين المكافأة والشكر فعندئذ يكون لوجه الله تعالى قد بلغ منتهاه من حيث خلوص النية على أية حال هذه النماذج من الحوار الداخلي قد توفر عليه القرآن الكريم في سياقات تفرض أمثلة هذا الحوار كما لاحظتم حيث أن المعصومين (عليه السلام) يحيون أفكاراً عبادية تبلغ الذروة بحيث لا يعرفون أحداً سوى الله سبحانه وتعالى ولذلك حينما يتحاورون مع أنفسهم فإن هذه المحاورة مع النفس تفرض ضرورتها ما داموا لا يريدون من الآخرين جزاءً ولا شكوراً وكذلك عندما لاحظتم على العكس من الشخصيات المشار إليها على العكس من هؤلاء المصطفاة من المعصومين (عليه السلام) نجد أن المنافقين على عكس ذلك تماما عندما يخلون إلى أنفسهم يذعنون إلى شياطينهم فيخاطبونهم بذلك الخطاب الأبله بالنحو الذي لاحظناه وإذا كانت هناك مواقف للحوار الداخلي تنطلق من أجل الممارسة العبادية من أجل الله سبحانه وتعالى كما أوحى المعصومين (عليه السلام) من حيث تبرعهم أو من حيث إطعامهم المسكين واليتيم وابن السبيل إذا كان هناك مسوغ أو ذاك معكوس لسلوك المنافقين فإن هناك نمطاً ثالثا هو أن ما تبلغ النفس الإنسانية ذروة الشدة التي تعانيها من أمر ما قد يكون دنيوياً أو أخروياً قد يكون في مجال الدنيوي مثلاً قول مريم (عليه السلام) في الأقصوصة التي تتحدث عنها لما فاجأها المخاض قائلة يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً بالمقابل نجد الموقف الأخروي مثلاً نجد الأشخاص المنحرفين أيضاً يخاطبون أنفسهم ً عندما يبلغون الشدة وعندما يبلغون ذروة الشدة قول بعض المنحرفين يا ليتني لم أوتى كتابي ولم أدري ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية منعوا عني مالي هلك عني سلطانيا الخ.
حيث نجد هذه المستويات جميعاً من الحوار الداخلي تفرضها مواقف متنوعة ومتضادة في الشكل الذي لاحظتموه على أية حال بغض النظر عن كون الحوار خارجياً أو داخلياً نعتزم الآن أن نشير إلى مستويات أو أنواع الحوار الذي استخدمه القرآن الكريم في سياقات خاصة تفصح بذلك بوضوح عن أهمية الصيغ القرآنية الكريمة بالنسبة إلى الحوار وسائر العناصر القصص حيث يظل الإعجاز أمر واضح يكمن وراء الأسرار التي نجدها في صياغة مثل هذه الحوارات التي يبدأ ونتحدث عنها واحداً واحداً بشكل عابر.
هناك حوار نطلق عليه مصطلح الحوار الجماعي وهو نمط من الحوار الذي لا يفصح عن وجود طرفين يتبادلان الحديث بين المخاطب والإجابة المحددة كما لا يفصح عن وجود طرف واحد متحدث وآخر صامت بقدر ما يفصح عن وجود جماعة تتحدث فيما بينها أو يخاطب بعضها بعضاً آخر وهذا من نحو ما استشهدنا به في قصة المنحرفين الذين تعاملوا مع إبراهيم حيث قال النص عنهم بعد أن فضحهم إبراهيم (عليه السلام) بقول النص عنهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون من هذا النموذج من الممكن وبالأحرى هذا النموذج هو حوار داخلي كما لاحظتم ولكنه أيضاً ينسحب عليه مصطلح الحوار المشترك وذلك لسبب واضح هو أن هؤلاء القوم يتجهون بالسؤال إلى إبراهيم أولاً عندما قالوا من فعل هذا بآلهتنا حيث أجابهم إبراهيم بأن كبير الأصنام هو الفاعل ولكنهم لم يقتنعوا بطبيعة الحال بإمكانها ذلك وحينئذ استكشفوا سخافة سلوكهم عندها توجهوا بالسؤال إلى إبراهيم وتوجهوا أيضاً بالرد على أنفسهم بمخاطبة لبعضهم الآخر أنتم الظالمون لكننا إذا تركنا هذا النموذج الذي يرشح بإمكانية التعدد في الدلالات واتجهنا إلى الوحدة اللغوية السابقة التي قالوا من فعل هذا بآلهتنا وان الوحدة اللغوية القائلة قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم الخ حينئذ فإن نمط هذا الحوار يتحدد تماماً عن المحاورة الصادرة عن الجماعة فيما بينهم.
طبيعياً إن النص وهو يتحدث عن تفصيلات اللغط الذي يدور بين الغوغائيين المشار إليهم إنما ينتخب لنا خلاصة ما انتهوا إليه من القرار ألا وهو حرقوه وأهمية هذا النمط من الحوار تتضح تماماً حينما نأخذ بنظر الاعتبار أن الظاهرة ذاتها اي الموقف او الحدث يفرض امثلة هذه الاستجابة الجماعية حيال التحطيم للتماثيل مما يضطرهم إلى الاجتماع والمداخلة وتبادل وجهات النظر...الخ.
كل ما في الأمر أن النص يلتقط ما تتفق عليه الكلمة أو ما يفرضه الموقف أو الحدث من تعقيب المجتمعين عليه بكلام خاص ليظهره على ألسنتهم بهذا الشكل أو بذاك وهذا فيما يتصل بأخذ أنماط الحوار الذي أطلقنا عليه مصطلح الحوار المشترك اوالجماعي وهناك مصطلح آخر يندرج ضمن عبارة: الحوار المنقول وهذا النمط من الحوار يقوم بثلاثة أطراف من المتحاورين وليس بطرفين كما هو طابع الحوار الانقيادي طبيعياً عندما نقول يقوم بثلاثة أطراف هذا لا يعني أن هذه الأطراف تنطلق جميعاً من خلال مناقشة جماعية كما لاحظنا ذلك في نص أسبق حيث استشهدنا بنص يتحدث فيه كل من شعيب وابنته وموسى (عليه السلام) حيث كانت هناك مناقشة تدور على نحو ما لاحظتموها من حيث الاقتراح البنت بأن خير من استأجره القوي الأمين وخطاب شعيب لموسى أني اريد أن أنكحك أحدى ابنتي وجواب موسى أن أيا من الأجلين الخ.
نقول هذا النمط من الأطراف الثلاثة يختلف عما نسميه بالحوار المنقول أي الحوار المنقول يحدد من خلال نمط آخر غير ما حدثنا وهذا النمط من الحوار حينما يتقوم بثلاثة أطراف حينئذ فإن أحد الأطراف ينقل إلى طرف آخر وقائع حوار ما بمعنى أن هناك طرفان يتحاوران ثم يتحاور أحد الطرفين مع الطرف الثالث ثم يتقدم هذا الثالث مع طرف ثالث يتقدم إلى الطرف الأول وينقل له وقائع محادثاته مع الطرف الثالث وهو أمر في الواقع يتسم بسمات فنية بالغة الأهمية في القرآن الكريم وهو أمر يمكننا أن نلاحظه بوضوح في قصة نوح الواردة في سورة نوح (عليه السلام) حيث كلف أولاً من السماء بإنذار قومه إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر قومك عندها اطلع نوح بمهمة الإنذار قال يا قوم إن لكم نذير مبين بعدها يتجه نوح إلى السماء فينقل وقائع الإنذار على هذا النحو قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعائي إلا فرراً فإن الطرفان هما نوح وقومه حيث تحاور نوح مع قومه فلم يستجيبوا له بعدها نقل نوح إلى السماء عدم استجابة قومه ولذلك أسمينا هذا الحوار بالحوار المنقول وهو في واقعه نمطان أولا أن من المتقدم الذي نقل فيه الموقف سرداً وأما النمط الآخر وهو ما ينقل فيه الموقف إما عرضاً أو حواراً مما ورد في النص ذاته قال نوح رب إنهم عصوني وقالوا لا تذرهم ورداً... الخ.
ففي هذه الأنماط نقل نوح وقائع الموقف بالإضافة إلى السرد نقلها حواراً أيضاً أي نقل محاضرة قومه وإياه وقالوا لا تذرن حيث أن هذا القول للقوم وهو حوار نقله نوح (عليه السلام) إلى السماء وهو أمر يحتاجنا الى القول بأن المسوغ الرئيس لأمثلة هذا الحوار المنقول أن الموقف ذاته يتطلب مثل هذا الحوار بصفة أن نوحاً (عليه السلام) قد أدى مهمته في إنذار قومه ولكنهم لم يستجيبوا وهذا يضطره إلى أن ينقل إلى السماء وقائع الموقف حتى تتبين له وظيفته حبال قومه بعد عدم جدوى الإنذار.
أما بالنسبة إلى نمطي الحوار المنقول اللذين مر بهما الحوار السردي أو الأحرى المنقول السردي والحواري فلأن الأول منهما أي المنقول السردي يجسد مهمة اعتيادية يلخص بها الموقف سرداً مما يأتي مع طبيعة التلخيص أو التقرير الذي يقدمه شخص إلى من هو أعلى منه وأما بالنسبة إلى الآخر فلأن قمة الانحراف الذي يتبع سلوك القوم هو عبادتهم للأوثان ولذلك فإن نقل أقوالهم الوثنية المفصحة عن تشددهم في انحرافهم يأتلف مع طغيان الانحراف المذكور بخاصة مع ذكره لأسماء الأصنام حيث يفصح ذلك جميعا عن قمة تمردهم وانحرافهم وهو ما يتسق بطبيعة الحال في نهاية المطاف مع طبيعة الجزاء المبيد وهو الطوفان هذا أولاً.
ثانياً بالنسبة إلى صياغة الحوار المنقول يجب أن هذا النمط من الصياغة يتخذ جملة مستويات منها أولاً ما لاحظناه من عملية النقل لأحد الأقوال ومنها النقل لطرفي الواسطة وهذا من نحو أقصوصة حواري عيسى (عليه السلام) حيث جاءت المحاورة على النحو الآتي إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال عيسى بن مريم اللهم انزل علينا مائدة من السماء قال الله اني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منك الخ. لاحظوا هنا أن عيسى (عليه السلام) نقل اقتراح حوارييه إلى السماء والسماء استجابت له إلا أنها اشترطت ذلك بعدم الكفر وإلا فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين وهذا يعني أن عيسى نقل إلى قومه تلويح السماء بالعذب المشار إليه أما المسوغ الدلالي والجمالي لهذا النمط من الحوارالمنقول فأمر يتضح أمر هذا أخذنا بنظر الاعتبار أن النبي عيسى هو الواسطة بين الناس والسماء بأنه طلب الحواريين مثلاً أن تتطمئن قلوبهم ويكونوا من الشاهدين بصفة أن الأقصوصة تتحدث عن نخبة من الحواريين نقول يظل محفوفاً بالمسوغات الناقلة الواسطة لهذا الطلب كما أن اشتراط ذلك بعدم الكفر أي النقل بكلام السماء يأتلف تماماً مع طبيعة الاقتراح في تعليله الذاهب إلى اطمئنان القلب والإشهاد بصفة أن نزول المائدة يلقي الحجة عليهم ومع الكف يكتسب نزول العقاب مشروعيته كما هو وهذا كله فيما يرتبط بالحوار المنقول وأما الآن فنتجه إلى الحديث عن نمط آخر من الحوار وهو حوار يتسم بحيوية كبيرة ويواكبه فن مدهش ومعجز حينما نتقدم إليه ونعني به ما أطلقنا عليه مصطلح الحوار المسرحي.
الحوار المسرحي
وهذا الحوار في الواقع يتجسد في قصة هي قصة مؤمن آل فرعون التي وردت في سورة المؤمن حيث بدأت هذا القصة وهي قصة داخل قصة أخرى حيث سنحدثكم أيضاً عن هذا الجانب الفني بقصص القرآن في محاضرة لاحقة إن شاء الله عندما يحين الوقت للحديث عن هيكل القصة القرآنية.
المهم أن هذه القصة ونعني بها قصة مؤمن آل فرعون بدأت هذه القصة في الواقع ضمن قصة سابقة عليها وهي قصة موسىمع فرعون حينما بدأت بقوله تعالى وقد أرسلنا موسى باياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان فقال ساحر كذاب فلما جاءهم بالحق من عندنا قال اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نسائهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدعو ربه إني أخاف أن ابدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد وقال موسى إني عذت بربي وربكم كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب إلى هنا تكون قصة موسى مع فرعون قد انتهت لتفسح المجال إلى قصة تداخلها وهي قصة مؤمن آل فرعون حيث يقول النص وقال رجل مؤمن من أل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً يقول ربي الله لقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبه إن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب يا قومي لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من باس الله ان جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل داب قوم نوح و عاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين مالكم الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى اذا هلك قلتم لن يبعث الله رسولاً حتى إذا هلك ثم لم يبعث الله من بعده رسولاً كذلك يضل الله من هو مسرف كذاب الذين يجاهدون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع على قلب كل متكبر جبار وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى اله موسى وإني لأظنه كاذباً وكذلك زين لفرعون سوء علمه وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب وقال الذي آمن يا قوم اتبعوني أهدكم سبل الرشاد يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار إلى آخر القصة.
إن هذا النص الذي قرأناه عليكم ما خلا هذه التعليقة الواردة من السماء وهي قوله تعالى وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كان فرعون نقول ما خلا هذه العبارة التي تحتل موقعاً عضوياًو فنياً نحدثكم عنه إن شاء الله في محاضرة لاحقة حينما يحين الوقت عندما نتحدث عن تدخل المبدع للقصة في سياق لما ورد بين الأشخاص وما يواكب هذا النمط من التدخل من وجهات نظر تتحدث عن القصة ونتحدث عنها أيضاً من خلال المعايير الإسلامية التي نستمدها من لقرآن الكريم بطبيعة الحال.
المهم إن هذه العبارة التي نحدثكم عنها إن شاء الله نقول إن هذه القصة التي قرأناها عليكم من خلال النص المتقدم نستكشف منها أن هناك قاعة أعدت لعقد اجتماع يحضره كبار المسؤولين من الدولة ومن الجمهور أيضاً ويحضر هذا الاجتماع مؤمن آل فرعون الذي يكتم إيمانه بصفته أحد كبار موظفي الدولة وهنا يفتتح فرعون الاجتماع مقترحاً قتل موسى (عليه السلام) ولكن يتدخل مؤمن آل فرعون حيث كان حاضراً في الاجتماع المشار إليه ويتدخل مشيراً إليهم بعدم قتله إلا أن فرعون يقاطعه مصراً على رأيه في قتل موسى بعد ذلك يوجه فرعون إلى الحاضرين ويذكرهم بحوادث القرون الغابرة ولكن يتحدى فرعون من جديد قائلاً يا هامان ابني لي صرحاً ويعود المؤمن إلى الحديث قائلاً يا قوم اتبعوني الخ نقول وقائع هذا الاجتماع تشير إلى أن محاورة القوم فيما بينهم لم تنتظم وفق المناقشة او المداخلة المنطقية أو لنقل إن المحاورات التي عرضتها القصة وكأنها لا علاقة لبعضها مع الآخر فبينما يتحدث المؤمن عن هلاك القرون الماضية إذ القصة تنقل لنا اقتراح يا هامان ابني لي صرحاً ما هي العلاقة بين دعوة هامان أن يبني صرحاً لفرعون وبين ما ذكره فرعون لا علاقة البتة ثم إذا بها تنقل لنا محادثة يا قوم اتبعوني الخ أيضاً هذا الكلام لا علاقة له بكلام فرعون إذا لا كلام فرعون له علاقة بكلام مؤمن ال فرعون ولا كلام مؤمن آل فرعون له علاقة بكلام فرعون لذلك فإنه من المحتمل جداً إن لم نجزم تحديداً نقول إن هذا النمط من الواقع بالمحاضرات يستهدف نقل الاجتماع المذكور حيث أن المؤمن من آل فرعون يتحدث بمنطقية حين يخاطب القوم كيف تقتلون رجلاً يدعو إلى الله فإن كان صادقا أصابكم ما يعدكم وإن كان كاذباً فعليه كذبه ومن الطبيعي أن لا يروق لفرعون مثل هذا الكلام لذلك قال ما أريكم إلا ما أرى أي انه أصر إلى أن يقتل موسى ولم يعجبه كلام المؤمن من هنا نفهم سر هذه المحاورة الأخيرة ومن هنا المحاورات تأخذ شكلاً آخر يبدو كما قلنا وكأن إحداهما لا علاقة لها الأخرى إذ قال لفرعون لا أريكم إلا ما أرى اذقال المؤمن مباشرة يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب أي انه قال هذا الكلام تعريضاً بفرعون الذي أصر على أن رأيه هو الصائب حيث تفرض عليه آداب الجلسة الرسمية أن لا يرد على فرعون مباشرة بل يتجه إلى مخاطبة القوم.
وطبيعياً أن لا تروق لفرعون هذه النصيحة وهي التذكير بمصائرهم كما أنه من الطبيعي يريد فرعون أن يسخر من قائل هذه الكلمة وأن يهمل رأيها ورأي قائلها وان ينقل الحديث إلى وجهة أخرى لذلك يقدم اقتراحا سخيفاً لوزيره هامان قائلا ابني لي صرحاً إلى آخره حيث يفصح مثل هذا الاقتراح السخيف عن أن فرعون قد تجاهل كلام المؤمن وسخر منه حتى لكأنه يستهدف السخرية منه ومن الإيمان بالله الذي دعى اليه موسى فسخر من ذلك قائلاً لعلي أطلع إلى اله موسى الخ و إلا أن المؤمن لابد أن يتجاهل بدوره هذا الطاغية المتجبر ويواصل حديثه في ذلك الاجتماع قال له في القوم اتبعوني أوضحنا الآن بوضوح كيف أن هذه المحاضرات أن تنقل القصة بهذا الشكل الذي يبدو وكان جواب كل من هذين الشخصين لا علاقة له بجواب الآخر إلا أن هذا كله يكشف لنا عن أن هذا الاجتماع كان اجتماعاً يفرض هذه الصياغة القصصية للحوار بالنحو المذكورو إلى محاضرة لاحقة إن شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.