محاضرات أصول فقه2 - المحاضرة 19 - مفهوم الحصر
مفهوم الحصر
تسميته:
يسمّى موضوعنا بـ(القصر) و (الحصر).
والتسمية بـ(الحصر) عرّف نحوي، وبـ(القصر) إصطلاح بلاغي، وكلا الإسمين يعطي المعنى المقصود من استخدام هذا الاُسلوب، وهو تخصيص الصفة بالموصوف أو الموصوف بالصفة.
تعريفه:
جاء في (التعريفات):القصر - في اللغة - الحبس، يقال: قصرت اللقحة على فرسي، إذا جعلت لبنها له لا لغيره.
وفي الإصطلاح: تخصيص شيء بشيء، وحصره فيه.
وفي (المعجم الوسيط):الحصر - عند أهل العربية -: إثبات الحكم للمذكور ونفيه عمّا عداه.
ويعرف - أيضا - بالقصر.
كما في الآية: (إنّما حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اُهلّ به لغير اللَّه).
فالحكم هو التحريم، وهو مذكور.
والموضوع هو الميتة والدم ولحم الخنزير وما اُهلّ به لغير اللَّه، وهو مذكور أيضا.
والأداة هي (إنّما)، وقد قامت بوظيفة تخصيص الحكم المذكور للموضوع المذكور، ونفيه عمّا عداه.
تنويعه:
يتنوّع القصر إلى نوعين، هما:
أ- قصر الصفة على الموصوف.
نحو (إيّاك نعبد) حيث قصرت صفة العبادة على الموصوف وهو المخاطب تعالى.
ب- قصر الموصوف على الصفة.
نحو (إنّما أنت منذر) حيث قصر الموصوف وهو المخاطب على الصفة وهي الإنذار.
صوره:
للقصر عدّة صور هي:
1- تقديم ما حقّه التأخير، وتتحقّق هذه الصورة في مواضع، منها:
أ- تقديم الخبر على المبتدأ، نحو قوله تعالى: (للَّه الأمر).
ب- تقديم المفعول به على الفعل نحو قوله تعالى: (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين).
ج- تقديم المفعول له على الفعل مثل: (احتراما لك قمت).
د- تقديم الحال على عاملها، نحو: (ماشيا حججت).
2- العطف، وله ثلاث صور، هي:
أ- العطف بـ(لا) بعد الإثبات، مثل: (منصور مهندس لا طبيب) و (المعلم غازي لا محمود).
ب- العطف بـ(بل) بعد النفي، مثل: (ما منصور طبيبا بل مهندس) و (ليس المعلم محمودا بل غازي).
ج- العطف بـ(لكن) بعد النفي، نحو: (ما خالد تلميذا لكن علي).
3- الاستثناء بعد النفي، كقول الشاعر:
قد علمت سلمى وجاراتها***** ما قطّر الفارس إلا أنا
وقوله تعالى: (إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون).
4- التخصيص بـ(إنّما) نحو قوله تعالى: (إنّما يخشى اللَّه من عباده العلماء).
وقول الفرزدق:
أنا الذائد الحامي الذمار وإنّما***** يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي(1)
5- تعريف المسند إليه بأل الجنسيّة مع تقديمه على المسند، مثل قول الشاعر:
إذا قالت حذام فصدّقوها***** فإنّ القول ما قالت حذام
6- تعريف المسند بأل الجنسيّة مع تأخيره عن المسند إليه نحو (خير الزاد التقوى).
7- توسيط ضمير الفصل بين المقصور عليه والمقصور، مثل (مادّة الوضوء هي الماء)(2).
مواقعه:
يقع القصر في المواضع التالية:
1- بين المبتدأ والخبر.
2- بين الفعل والفاعل.
3- بين الفاعل والمفعولات إلا المفعول معه.
4- بين الفعل والمعمولات الاُخرى كالحال والتمييز.
عناصره:
يتألّف اُسلوب القصر من العناصر التالية:
1- المقصور عليه:
وهو الذي يحتلّ مركز الموضوع في جملة القصر فيحمل عليه المقصور.
2- المقصور:
وهو ما يحمل على المقصور عليه.
3- وسيلة القصر:
وتتمثّل في:
أ- الأداة مثل (إنّما) و (بل).
ب- التركيب، مثل: تقديم ما حقّه التأخير.
4- القصر أو الحصر:
وهو العلاقة القائمة بين المقصور عليه والمقصور.
دلالته:
وزّع الاُصوليون حديثهم عن دلالة جملة القصر بتصنيفها إلى الأساليب التالية:
1- جملة القصر بالأداة:
وتحدّثوا فيها عن دلالة الأداتين التاليتين:
- إنّما الحاصرة.
- بل الاضرابية.
2- جملة القصر بالتركيب أو الهيئة.
وجمعوا فيه بين التركيبين التاليين:
- تقديم ما حقّه التأخير.
- تعريف المسند إليه بأل الجنسيّة.
وتعرف دلالة ما عداها من أساليب بحملها عليها.
وتناول اُستاذنا الشهيد الصدر الموضوع بإيضاح الفكرة مع الإستدلال ثمّ استعرض أدوات وطرق الحصر.
ورمى استدلالهم في كلّ من الأساليب المذكورة إلى إثبات دلالته على الحصر، فإنّه متى دلّ على الحصر دلّ على المفهوم، أي كان له ظهور في المفهوم.
واستدلّوا على الدلالة على الحصر بالتبادر العرفي لأن هذه الأساليب ممّا تعارف واشتهر بين الناس.
وسنأتي على ما ذكروه وفق الترتيب المذكور، ثمّ نعقّبه بما أفاده اُستاذنا الصدر.
- دلالة (إنّما):
مرّت الإشارة في مبحث مفهوم الاستثناء إلى الخلاف النحوي في دلالة (إنّما) على الحصر حسبما نقله الأسنوي في (الكوكب الدرّي) حيث ذهب ابن عصفور وابن مالك وجمهور المتأخّرين إلى دلالتها على الحصر.
ونقل أبو حيّان عن البصريين إنّها لا تدلّ على الحصر بل تفيد تأكيد الإثبات، وعليه فلا ظهور لها في المفهوم على رأيهم.
وجاء في (الصاحبي) لابن فارس تحت عنوان (باب إنّما) قوله: سمعت علي بن إبراهيم القطّان يقول: سمعت ثعلبا يقول: سمعت سلمة يقول: سمعت الفرّاء يقول: إذا قلت: (إنّما قمت) فقد نفيت عن نفسك كلّ فعل إلا القيام، وإذا قلت: (إنّما قام أنا) فإنّك نفيت القيام عن كلّ أحد، وأثبته لنفسك.
وهو صريح في الدلالة على المفهوم.
أمّا الاُصوليون فذهبوا إلى القول بدلالتها على الحصر، ومن ثمّ ظهورها في المفهوم.
واستدلّوا عليه بالتبادر العرفي - كما ألمحت لذلك.
ففي (اُصول المظفّر): إنّما: وهي أداة حصر مثل كلمة (إلا)، فإذا استعملت في حصر الحكم في موضوع معيّن دلّت بالملازمة البيّنة على انتفائه عن غير ذلك الموضوع، وهذا واضح.
وفي (تهذيب السبزواري): ثمّ أنّ لفظ (إنّما) يدلّ على الحصر والاختصاص لتبادر ذلك منه عند عرف أهل المحاورة ما لم تكن قرينة على الخلاف.
وفي (قواعد مكّي العاملي): وأمّا مفهوم الحصر فقد ذكروا لما يدلّ عليه من الألفاظ أمثلة، منها: (إنّما) مثل: (إنّما حرّم عليكم الميتة) فانّ المتبادر منها عرفا حصر الحكم فيما بعدها، ومفهوم انتفاء الحكم من غير ما بعدها، فإنّ هذا الانتفاء لازم للحصر المذكور.
- دلالة (بل):
ويراد بها - هنا - بل الاضرابية: ولها معنيان: الاضراب الإبطالي والاضراب الانتقالي.
2- الابطالي، معناه: نفي الحكم السابق على (بل) وإثبات الحكم الذي بعدها.
(وقالوا اتّخذ الرحمن ولدا بل عباد مكرمون).
ب- الانتقالي، معناه: الانتقال من حكم إلى حكم جديد دون إبطال الحكم السابق.
(قد أفلح من تزكّى وذكر اسم ربّه فصلّى بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى)(3).
والمقصود - هنا – (بل) للاضراب الإبطالي، وعبّروا عنه في كتب الاُصول بـ(الاضراب للردع)، ذلك أنّ الاضراب - كما جاء في كتب النحو القديمة- يأتي على ثلاثة أنحاء:
- الاضراب عن غلط أو سهو.
- الاضراب للتأكيد والتقرير.
- الاضراب للردع.
يقول شيخنا المظفّر - وهو في معرض تعداد ما ذكرناه من أنحاء -: الثالث: للدلالة على الردع وإبطال ما ثبت أوّلا، نحو (أم يقولون به جنّة بل جاءهم بالحقّ) فتدلّ على الحصر فيكون لها مفهوم، وهذه الآية الكريمة تدلّ على انتفاء مجيئه بغير الحقّ.
وقال السيّد مكّي العاملي: الثالث: أن يكون الإضراب للردع وإبطال ما ثبت أوّلا، مثل قوله تعالى: (وقالوا اتّخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون).
وهذه تدلّ على الحصر، وهو انّهم ليس إلا عبادا له تعالى، وعلى المفهوم فانّه لازم كونهم عبادا له انتفاء اتّخاذ الولد منهم.
- دلالة تقديم ما حقّه التأخير:
- دلالة المسند إليه المعرّف بأل الجنسيّة:
قال الأسنوي في (الكوكب الدرّي)(4): وتقديم المعمول نحو (إيّاك نعبد) و (زيدا ضربت) و (بعمرو مررت) لا يفيد الحصر عند سيبويه والجمهور، بل تقديمه للاهتمام به.
وقال الزمخشري وغيره: إنّه يدلّ عليه.
والاختلاف المذكور بين النحاة العرب في المسألة المذكورة انتقل إلى الاُصوليين الإماميين:
- فذهب بعضهم مثل شيخنا المظفّر إلى القول بالحصر ومن ثمّ الدلالة على المفهوم، ففي (اُصول الفقه): وهناك هيئات غير الأدوات تدلّ على الحصر:
مثل تقدّم المفعول نحو (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين).
ومثل تعريف المسند إليه بلام الجنس مع تقديمه نحو (العالم محمّد) و(انّ القول ما قالت حذام).
ونحو ذلك ممّا هو مفصّل في علم البلاغة.
فإنّ هذه الهيئات ظاهرة في الحصر، فإذا استفيد منها الحصر فلا ينبغي الشكّ في ظهورها في المفهوم لأنّه لازم للحصر لزوما بيّنا.
- وذهب بعضهم، مثل السيّد السبزواري إلى القول بعدم الدلالة على الحصر، ففي (تهذيب الاُصول)(5): وقد يعدّ ممّا يدلّ على الحصر:
تعريف المسند إليه باللام.
- وتقديم ما حقّه التأخير.
فإن اُريد أنّها لأجل القرينة الخاصّة - حالية كانت أو مقاليّة - فلا إشكال فيه.
وإن اُريد أنّها وضعيّة، فهي ممنوعة، لعدم التبادر كما لا يخفى.
وأخيرا:
قال اُستاذنا الصدر: لا شكّ في أنّ كلّ جملة تدلّ على حصر حكم بموضوع تدلّ على المفهوم.
لأنّ الحصر يستبطن انتفاء الحكم المحصور عن غير الموضوع المحصور به.
فمن جملة أدواته كلمة (إنّما) فإنّها تدلّ على الحصر وضعا بالتبادر العرفي.
ومن أدواته جعل العام موضوعا، مع تعريفه، والخاص محمولا، فيقال: (إبنك هو محمّد) بدلا عن أن نقول: (محمّد هو إبنك) فانّه يدلّ عرفا على حصر النبوة بمحمّد.
والنكتة في ذلك أنّ المحمول يجب أن يصدق - بحسب ظاهر القضيّة - على كلّ ما ينطبق عليه الموضوع.
ولا يتأتّى ذلك في فرض حمل الخاص على العام إلا بافتراض انحصار العامّ بالخاص.
النتيجة:
كلّ ما تقدّم من أقوال وأدلّة تسلّمنا إلى النتيجة التالية:
(كلّ ما دلّ على الحصر دلّ على المفهوم).
مفهوم العدد
التعريف:
يعرّف اللغويون العدد بأنّه مقدار ما يعد ومبلغه ، يقال: عدّ الدراهم وغيرها عدا وتعدادا وعدّة: حسبها وأحصاها.
فالعدّ هو الحساب والإحصاء، قال تعالى: (وأحصى كلّ شيء عددا)، وقال: (ولتعلموا عدد السنين والحساب).
والعدد هو الكميّة مطلقا، أي بالتعيين رقما كما في ثلاثة، أربعين، ألف الخ، أو بالألفاظ الخاصّة لذلك نحو كثير وقليل وبعض وكلّ والخ.
وهو كذلك في التعريف الاُصولي ولكن يراد به الكميّة المعيّنة بالرقم.
معنى المفهوم:
يريد به الاُصوليون: أن تدلّ جملة العدد - المشتملة على تحديد وتقييد موضوعها بعدد معيّن - على انتفاء الحكم فيما عداه.
كما لو قيل: (من صام ثلاثة أيّام من كلّ شهر فله من الأجر كذا)، فإنّ المفهوم - هنا - هو عدم جواز صيام أكثر أو أقل من ثلاثة أيّام.
ففي (إرشاد الشوكاني):مفهوم العدد: وهو تعليق الحكم بعدد مخصوص فإنّه يدلّ على انتفاء الحكم فيما عدا ذلك العدد زائدا كان أو ناقصا.
وهذا كما في قوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة)، فإنّ مفهوم الآية الكريمة انتفاء الجلد، أي عدم جوازه بأن ينقص منه أو يزاد فيه.
الرأي فيه:
اختلف في دلالة جملة العدد المجردة عن القرائن على المفهوم، أو قل ظهورها في المفهوم على قولين:
- قول بالسلب، أي عدم الدلالة على المفهوم.
وإليه ذهب جلّ اُصوليينا - إن لم يكن كلّهم -، وعبّر صاحب القوانين عن هذا بقوله: فمذهب المحقّقين عدم الحجيّة ، يعني عدم الدلالة على المفهوم.
- قول بالإيجاب، أي الدلالة على المفهوم.
وإليه ذهب جلّ اُصوليي أهل السنّة، ففي (إرشاد الشوكاني):وقد ذهب إليه الشافعي، كما نقله عنه أبو حامد وأبو الطيّب الطبري والماوردي وغيرهم، ونقله أبو الخطّاب الحنبلي عن أحمد بن حنبل، وبه قال مالك وداود الظاهري، وبه قال صاحب الهداية من الحنفية.
ومنع من العمل به المانعون بمفهوم الصفة.
وإليه ذهب هو نفسه (أعني الشوكاني) مستدلا على ذلك بالفهم العرفي، قال - بعد كلامه المتقدّم -: والحقّ ما ذهب إليه الأوّلون، والعمل به معلوم من لغة العرب ومن الشرع، فإنّ من أمر بأمر وقيده بعدد مخصوص فزاد المأمور على ذلك العدد أو نقص عنه فأنكر عليه الآمر الزيادة أو النقص كان هذا الإنكار مقبولا عند كلّ من يعرف لغة العرب، فإن ادّعى المأمور أنّه قد فعل ما أمر به مع كونه نقص عنه أو زاد عليه كانت دعواه هذه مردودة عند كلّ من يعرف لغة العرب.
وقال الميرزا البوجنوردي في (منتهى الاُصول):وأمّا العدد واللقب فالظاهر أنّه لا مفهوم لهما لأنّهما من قبيل تعلّق الحكم بموضوع خاصّ، وليس الحكم المتعلّق بهما منوطا بشيء حتّى يتمسّك بإطلاق ذلك الحكم بانتفائه عند انتفاء ذلك الشيء، كما هو الشأن في باب المفاهيم.
نعم، لا يبعد ظهور العدد في المفهوم إذا كان واقعا في مورد التحديد كالأعداد الواقعة في تحديد المسافة مثلا.
وقد يناقش بأنّ الظهور الذي أشار إليه إنّما جاء من خصوصيّة وقرينة المورد لا من حاقّ الجملة.
النتيجة:
ويسلّمنا ما تقدّم إلى أنّ تقييد الموضوع بعدد معيّن إن دلّ على الحصر بذلك العدد المذكور دلّ على المفهوم كما في آية الجلد المتقدّمة.
وإن لم يدلّ فلا يدلّ.
مفهوم اللقب
التعريف:
يعرّف اللغويون اللقب بأنّه اسم يذكر بعد الاسم الأوّل للتعريف أو التشريف أو التحقير.
أو كما يقول ابن الناظم في شرح ألفية أبيه ابن مالك: فإن أشعر برفعة المسمّى كزين العابدين أو ضعته كبطّة وقفّة وأنف الناقة سمّي لقبا.
وهذا يعني أنّهم يريدون به أحد أقسام العَلَم التي هي: الاسم والكنية واللقب.
بينما لا يقصره الاُصوليون على هذا، وإنّما توسّعوا في المصطلح إلى تحديده بالاسم العامّ الذي هو أحد أقسام الكلمة التي هي: الاسم والفعل والحرف.
يقول شيخنا المظفّر: المقصود باللقب: كلّ اسم - سواء كان مشتقا أم جامدا - وقع موضوعا للحكم كالفقير في قولهم (أطعم الفقير)، وكالسارق والسارقة في قوله تعالى: (السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)...
وقال الشوكاني: مفهوم اللقب: وهو تعليق الحكم بالاسم العلم نحو (قام زيد) أو اسم النوع نحو (في الغنم زكاة)....
معنى المفهوم:
يريد به الاُصوليون - هنا - دلالة جملة اللقب على نفي الحكم عمّا لا يتناوله عموم الاسم (اللقب).
الرأي فيه:
والرأي في مفهوم اللقب هو الرأي في مفهوم العدد:
- قول بالسلب، أي لا مفهوم له.
وهو الرأي المعروف بين أصحابنا الإماميّة.
- وقول بالإيجاب، أي أنّ له مفهوما.
وهو الرأي المعروف عند أهل السنّة، ففي (إرشاد الشوكاني):قال سليم الرازي في (التقريب): صار إليه الدقاق وغيره من أصحابنا - يعني الشافعيّة -.
وكذا حكاه عن بعض الشافعيّة ابن فورك.
ثمّ قال: وهو الأصحّ، قال الكيا الطبري في (التلويح) إنّ ابن فورك كان يميل إليه، وحكاه السهيلي في (نتائج الفكر) عن أبي بكر الصيرفي، ونقله عبدالعزيز في (التحقيق) عن أبي حامد المروزي.
قال الزركشي: والمعروف عن أبي حامد إنكار القول بالمفهوم مطلقا.
وقال إمام الحرمين الجويني في (البرهان): وصار إليه الدقاق، وصار إليه طوائف من أصحابنا.
ونقله أبو الخطّاب الحنبلي في (التمهيد) عن منصوص أحمد، قال: وبه قال مالك وداود وبعض الشافعيّة (انتهى).
ونقل القول به عن ابن خواز منداد والباجي وابن القصّار.
وحكى ابن برهان في (الوجيز) التفصيل عن بعض الشافعيّة وهو أن يعمل به في أسماء الأنواع لا في أسماء الأشخاص.
وحكى ابن حمدان وأبو يعلى من الحنابلة تفصيلا آخر وهو العمل بما دلّت عليه القرينة دون غيره.
ثمّ أشار (أعني الشوكاني) إلى دليل العاملين به معقّبا إياه برأيه مشيرا إلى دليله، قال: والحاصل أنّ القائل به كلا أو بعضا لم يأت بحجّة لغوية ولا شرعيّة ولا عقليّة، ومفهوم من لسان العرب أنّ من قال (رأيت زيدا) لم يقتض أنّه لم يرد غيره قطعا.
وأمّا إذا دلّت القرينة على العمل به فذلك ليس إلا للقرينة فهو خارج عن محلّ النزاع.
وفي (قوانين القمّي):الحقّ أنّه لا حجيّة في مفهوم الألقاب، لعدم دلالة اللفظ عليه بإحدى من الدلالات.
وفي (تهذيب السبزواري):مقتضى الأصل، والمحاورات العرفيّة، عدم اعتبار المفهوم للقب، فإنّ قول: (زيد قائم) لا يدلّ على نفي القعود عنه.
نعم، إنّ القيام لا يصدق عليه القعود - فعلا - من جهة امتناع اجتماع الضدّين، ولا ربط له بالمفهوم، كما لا يدلّ على نفي القيام عن عمرو بوجه من الدلالات.
وقد ارتكز في النفوس أنّ إثبات شيء لشيء لا يدلّ على نفيه عمّا عداه عنه وعن غيره.
النتيجة:
والنتيجة ان استفيد من جملة اللقب الحصر كان لها ظهور في المفهوم.
وإلا فلا.
الهوامش:
(1)- مختصر النحو ط9 /231- 232.
(2)-اُنظر: المعاني في ضوء أساليب القرآن الكريم للدكتور عبد المفتاح لاشين ص 271 هامش1.
(3)- الشامل لأسبر وجنيدي ص 252.
(4)- ص 427.
(5)- 1/119.