محاضرات أصول فقه2 - المحاضرة 11 - الأوامر
الأوامر
الأوامر جمع، مفرده (أمر) بفتح الهمزة وسكون الميم.
وقد تناول الاُصوليون (الأمر) بالبحث من جانبي مادّته وصيغته، وسنسير على هدي ما ساروا عليه، فاتّباع السلف قد يعفي عن شيء ممّا سلف.
مادّة الأمر:
مادّة الشيء: هي اُصوله وعناصره التي بها يتكوّن.
وهي - هنا - الحروف التي تتألف منها كلمة (أمر) التي هي: (أ. م. ر (.
وقد حثّ الاصوليون مادة (أ م ر) من ثلاث جهات:
-1في الجهة الاُولى: استعرضوا المعاني التي ذكرت في اللغة العربية لهذه المادّة، والتي استفيدت من الاستعمالات العربية.
ثمّ بحثوا عن الوضع لكلّ من هذه المعاني:
-هل اللفظ (الحروف) موضوع لأحدها فيكون استعماله فيه حقيقة وفي ماعداه مجازا.
-أو أنّه موضوع للجميع بأوضاع متعدّدة فيكون من نوع المشترك اللفظي.
-أو أنّه مشترك معنوي بين جميع المعاني، أي أنّه موضوع للقدر الجامع بينها.
-أو أنّه مشترك معنوي بين عدّة منها، ومشترك لفظي بين جامع تلك العدّة وما عداها.
وسلكوا في بحث هذه النقطة مسلكا فيه شيء غير قليل من البعد عن طبيعة اللغة والعرف حيث اعتمدوا التقديرات العقليّة والاستنتاجات الشخصيّة.
ولهذا لا أرى فائدة في الإطالة بذكرها ومناقشتها.
والقريب منها إلى طبيعة اللغة والبحث في قضاياها ما ذكره الشريف المرتضى في كتابه (الذريعة) حيث ذكر أنّ الأمر يستعمل في القول والفعل، وذكر أنّ البعض ذهب إلى أنّه موضوع للقول فهو حقيقة فيه، ويأتي استعماله في الفعل على نحو المجاز.
وأنّ البعض الآخر ذهب إلى أنّه موضوع لكلّ منهما فهو مشترك لفظي بينهما، واستعماله في كلّ منهما استعمال حقيقي.
وفصّله من بعده الفخر الرازي، قال في كتابه (المحصول):اتّفقوا على أنّ لفظة (الأمر) حقيقة في القول المخصوص (ويعني به الوجوب).
واختلفوا في كونه حقيقة في غيره.
وزعم بعض الفقهاء: أنّه حقيقة في الفعل أيضا.
والجمهور على انّه مجاز فيه.
وزعم أبو الحسين البصري: أنّه مشترك بين القول المخصوص وبين (الشيء)، وبين (الصفة)، وبين (الشأن) و (الطريق).
والمختار: انّه حقيقة في القول المخصوص فقط.
واختار المرتضى الرأي الثاني - وهو أنّه مشترك بين القول والفعل - مستدلا على صحته بالاستعمال العرفي.
ومنهج البحث العلمي يفرض علينا الرجوع إلى المعجمات اللغوية العربية المتخصّصة بدراسة دلالات المواد اللغوية، لأنّ بحثنا في هذه المادّة قائم على أساس أنّ النصوص الشرعيّة التي نتعامل معها هي عربية اللسان.
وأهمّ معجم لغوي عربي يبحث في دلالات المواد اللغوية عن طريق إرجاعها إلى اُصولها العربية، وهو ما يصطلح عليه عند اللغويين العرب بـ(الاشتقاق الأكبر)، هو (معجم مقاييس اللغة) للعالم اللغوي أبي الحسين أحمد بن فارس (ت 395هـ)، وهو من المعاجم الموثّقة والمعتمدة.
وأهمّ معجم لغوي عربي يقارن بين دلالة مادّة الكلمة في اللغة العربية وأخواتها الساميات ثمّ يستقصي أُصولها العربية هو (المعجم الكبير) من إصدارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وهو أيضا موثّق ومعتمد.
ولأجله سيكون هذان المعجمان المصدر لبحثنا في مادّة الأمر.
-2وفي الجهة الثانية تناول الاُصوليون اشتراط الرتبة (العلو والاستعلاء) في الطلب ليكون أمرا.
-3 وفي الجهة الثالثة بحثوا الطلب الذي يدلّ عليه الأمر:
-هل هو على نحو الوجوب.
-أو على نحو الاستحباب.
-أو هو للجامع بينهما.
ونأتي على هاتين الجهتين عرضا وبحثا بعد معالجة الجهة الاُولى، وذلك بالتالي:
قال ابن فارس: الهمزة والميم والراء اُصول خمسة:
-1الأَمْر، من الاُمور.
-2 والأَمْر، ضدّ النهي.
-3 والأَمَر، النماء والبركة، بفتح الميم (يعني ميم أمر).
-4 والمعلم (يعني العلامة).
-5والعجب.
ويريد بالاُصول والتي عبّر عنها في عنوان الكتاب بـ(المقاييس): المعاني التي ترجع إليها جميع المعاني الاُخر التي ترتبط بها باعتبارها فروعا لها.
ففي هدي إحصاءاته لمعاني مادّة (أ م ر) تكون معانيها الاُصول هي المعاني الخمسة التي ذكرها، وكلّ المعاني الاُخرى التي تذكر للمادة ترجع إليها.
ويعني بالمعنى الأوّل (الأمر من الاُمور) الحال والشأن، قال: فأمّا الواحد من الاُمور فقولهم (هذا أمر رضيتُه) و (أمر لا أرضاه) وفي المثل (أمر ما أتى بك)، ومن ذلك في المثل: (لأمرٍ ما يسُوَّد مَنْ يسُوَّد .(....
ويعني بالمعنى الثاني (الأمر ضدّ النهي) الطلب (طلب إيقاع الفعل)، قال: والأمر الذي هو نقيض النهي: قولك (إفعل كذا).
قال الأصمعي: يقال: (لي عليك أَمْرَةَُ مطاعة)، أي لي عليك أن آمرك مرّة واحدة فتطيعني.
قال الكسائي: (فلان يؤامر نفسه) أي نفس تأمره بشيء ونفس تأمره بآخر.
وقال: (إنّه لأَمورَُ بالمعروف ونَهيُ عن المنكر) - و – (من قومٍ أُمُرٍ).
ومن هذا الباب: الأَمْرَة والإمارة، وصاحبها أمير ومؤمَّر.
قال ابن الأعرابي: (أَمَّرتُ فلانا) أي جعلته أميرا، و (أَمْرتَهُ) و (آمرته) كلهنّ بمعنى واحد.
وقال ابن الأعرابي: (أَمَرَ فلان على قومه) إذا صار أميرا.
ومن هذا الباب: (الاُمَّر) الذي لا يزال يستأمر الناس وينتهي إلى أمرهم.
قال الأصمعي: الأُمَّرُ: الرجل الضعيف الرأي الأحمق، الذي يسمع كلام هذا وكلام هذا فلا يدري بأي شيء يأخذ، قال:
ولست بذي رثية إِمَّرٍ***** إذا قِيْدَ مستكرها أصحبا
وأمّا النماء فقال الخليل: الأمر النماء والبركة، وامرأة أمرة أي مباركة على زوجها.
وقد أمر الشيء، أي كثر.
وامّا المعلم والموعد فقال الخليل: الأمارة الموعد.
قال الأصمعي: الامارة: العلامة، تقول: اجعل بيني وبينك أمارة وأمارا، قال:
إذا الشمس ذرّت في البلاد فإنّها***** أمارة تسليمي عليك فسلّمي
وأمّا العجب فقول اللَّه تعالى: (لقد جئتَ شيئا إِمْرا).
وفي (المعجم الكبير): أ م ر: تدلّ المادة في العربية الجنوبية القديمة على معنى الأمر والطلب.
ومن مشتقات المادّة في الحبشية:
amm araأَمَّرَ: بَيَّنَ.
و a m araأَأْمَرَ: عرف، أدرك.
وتدلّ المادّة على معنى القول في الاُسرتين الكنعانية والأرامية.
وفي الأكدية: amaruأمار: رأى، نظر.
ويقع في معانيها الاُصول سبعة هي:
-1الطلب.
-2 التشاور.
-3 الولاية.
-4 الكثرة.
-5الحال والشأن.
-6العلامة.
-7 العجب.
ومثّل لكلّ منها واستشهد بالقرآن الكريم والحديث الشريف والشعر العربي القديم.
ويمكننا إضافة معنى ثامن هو: النصيحة.
يقال: (أمرتُ فلانا أَمْرَهُ) أي أمرته بما ينبغي له من الخير، قال بشر بن سلوة:
ولقد أمرت أخاك عمرا أمره***** فعصى وضيعه بذات العجرم
ويقال: (أمرت فلانا أمري)، أي أمرته بما ينبغي لي أن آمره به، قال دريد بن الصمّة:
أمرتهمو أمري بمنعرج اللوى***** فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
وفي رواية: (فلم يستبينوا النصح)، وهي أوضح في الدلالة على المقصود.
ويمكننا أيضا أن نصف المعاني اللغوية لمادة (أ م ر) إلى صنفين، هما:
-1الأمر الانشائي:
وهو الأمر الذي يضمّ المعاني التالية:
-الطلب.
ويدخل ضمن الطلب:
-الأمر بمعنى طلب إيقاع الفعل.
-التشاور، وهو طلب المشورة.
-النصيحة، وهي طلب إبداء الرشد والنصح.
-العَجَب، وهو إبراز وإظهار العجْبُ.
-2الأمر الإخباري:
ويضمّ العناوين التالية: الولاية (الامارة)، الكثرة، الحال والشأن، المعلم (العلامة).
ومن الفروق بين الأمرين الإنشائي والإخباري: أنّ الأوّل منهما (أعني الأمر الإنشائي) يجمع على أوامر، والثاني على اُمور.
وبناءً على رأي اللغويين من أنّ كلّ معنى مستقل هو من المعاني الاُصول للكلمة، ومن أنّ المعنى الأصل تستعمل فيه الكلمة استعمالا حقيقيّا، يكون الأمر مشتركا لفظيّا بين المعاني التي ذكرت، خمسة أو سبعة أو ثمانية أو أكثر.
وعلى هدي المنهج الذي اتّبعه الاُصوليون يأتي ما ذكره الشريف المرتضى أقرب بعد اعتبار الأمر الإنشائي قولا، وهو تامّ فيه، واعتبار الأمر الإخباري فعلا وهو الغالب فيه.
والذي تعنينا معرفته هنا ونحن ندرس دلالة الأساليب الإنشائية هو الأمر بمعنى طلب إيجاد الفعل لأنّ الأوامر الشرعيّة هي من هذا النوع، وهذا يتطلّب منّا أوّلا أن نحدّد معنى الأمر، ثمّ نتعرّف مصاديقه:
-عُرّف الأمر في (المعجم الكبير) بالطلب على سبيل الاستعلاء.
ويؤخذ عليه:
أنّ من المعلوم - نحويا - أنّ الطلب يشمل الأمر والنهي، والفرق بينهما أنّ الأمر طلب إيقاع الفعل، والنهي طلب عدم إيقاعه.
وعليه: فلابدّ من تقييد الطلب - هنا - بطلب إيقاع الفعل، فنقول:
الأمر: هو طلب إيقاع الفعل على سبيل الاستعلاء.
ويراد بقيد (على سبيل الاستعلاء) أنّه يشترط في الطلب لكي يكون أمرا أن يصدر من العالي إلى من هو أدنى منه مستوى، أي أن يصدر من سلطة تتمتّع بقوّة الإلزام كاللَّه تعالى في التشريعات الإلهيّة، وكالدولة في التشريعات البشريّة )القوانين الوضعيّة.(
أمّا مصاديقه فتتمثّل في النصوص الآمرة، وهي النصوص الصادرة من المشرّع حاملة حكما شرعيّا أو حكما قانونيا.
ولكلّ لغة من اللغات صيغ معيّنة تستخدم في الأمر.
وسيأتي الحديث عن صيغ الأمر العربية في المبحث الذي يليه.
وممّا ورد من استعمالات لمادّة (أ م ر) في القرآن الكريم المفردات التالية:
-(قُلْ أمرَ ربّي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كلّ مسجد).
-(لا خير في كثيرٍ مِن نجواهم إلا مَن أمَرَ بصدقةٍ أو معروف .(
)-قال ما مَنعك أن تَسجد إذ أمرتك .(
)-ولمّا دخلوا من حيث أمرهم أبوهم .(
)-عليها ملائِكة غلاظ شِداد لا يعصون اللَّه ما أمرهم .(
)-أتأمُرون الناسَ بالبِرِّ وتنسونَ أنفسكم .(
)-وكان يأمُر أهلَه بالصلاة والزكاة ).
)-ومَن يتبّع خطوات الشيطان فإنّه يأمر بالفحشاء).
)-إنّ اللَّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها).
)-وامُر أهلك بالصلاة).
)-وأمِرْنا لِنسلم لربّ العالمين).
)-وأمرتُ أن اُسلِّم لربّ العالمين).
)-الآمرون بالمعروف والناهُون عن المُنكر).
-)اعتبار الرتبة(:
وكما تقدّم أن ألمحت إلى أنّ الاُصوليين اعتبروا الرتبة في الأمر.
قال الشريف المرتضى في (الذريعة):فصل في اعتبار الرتبة:
إعلم أنّه لا شبهة في اعتبارها لأنّهم (يعني العرف) يستقبحون قول القائل: (أمرت الأمير) أو (نهيته)، ولا يستقبحون أن يقولوا: (أخبرته) و (سألته)، فدلّ هذا على انّها معتبرة.
ويجب أن لا يطلق (لفظ الأمر) إلا إذا كان الآمر أعلى مرتبة من المأمور.
وأمّا إذا كان دون رتبته أو كان مساويا له فإنّه لا يقال: أمره.
والنهي جار مجرى الأمر في هذه القضيّة.
ويقول الشيخ مغنية في كتاب (علم اُصول الفقه):قالت طائفة من الاُصوليين القدامى والجدد: إنّ العلو والاستعلاء أو أحدهما جزء أو قيد مدلول الأمر احترازا عن الدعاء والالتماس.
ومرادهم بالعلو: سمو المكانة في الواقع ونفس الأمر.
وبالاستعلاء: إظهار العلو، سواء أكان لهذا الإظهار، واقع أم لم يكن.
والحقّ أنّ إعتبار العلو هو الحقّ لشهادة العرف والوجدان بأنّ الطلب الصادر من العالي أمر سواء كان (الآمر) مستعليا أو مستخفضا بجناحه، وعدم صحّة إطلاق الأمر على طلب السافل المستعلي إلا على سبيل العناية، وتقبيحه على ادّعائه أنّ طلبه أمر(1).
(دلالة المادّة(:
اختلف الاُصوليون في الحكم الشرعي الذي يستفاد من الأمر عند تجرده، أي عدم اقترانه بقرينة تعيّن المراد منه.
وأهمّ الأقوال في المسألة هي:
-1 انّ الأمر دالّ على الوجوب.
فيكون استعماله فيه حقيقة، وفي سواه مجازا يحتاج إلى القرينة الصارفة.
واستدلّ له بأنّه لا فرق عند العرف بين قول الشارع (أمرتُ) وقوله (أوجبتُ) أو (فرضتُ) أو (كُتِبَ عليكم (....
وبأنّ (الطلب في الوجوب والاستحباب بمعنى واحد وهو البعث وتحريك المأمور نحو إتيان الشيء، فإذا لم يجئ ترخيص بالترك من طرف الآمر ينتزع منه الوجوب، وإذا جاء بالترخيص بالترك ينتزع منه الاستحباب.
فمنشأ انتزاع الوجوب صرف الطلب بدون أي مؤنة، ومنشأ انتزاع الاستحباب - ليس صرف الطلب، بل هو الترخيص في الترك(2).
واستدلّ أيضا ببعض النصوص الشرعيّة، مثل:
-قوله تعالى: (فَليحذر الذين يخالفون عن أمره .(
بتقريب أنّ وجوب الحذر من المخالفة لا يكون إلا إذا كان الأمر للوجوب.
-قوله تعالى: (ما مَنَعَكَ إلا تسجد إذ أمرتك .(
بتقريب أنّ التوبيخ لا يقال إلا عند مخالفة الأمر الإلزامي وهو دليل أنّ الأمر للوجوب.
-قوله تعالى: (لولا أن أشقّ على اُمتي لأمرتهم بالسواك).
بتقريب أنّ المشقّة لا تكون إلا إذا كان الأمر للوجوب.
-2 إنّ الأمر دالّ على القدر المشترك بين الوجوب والاستحباب.
واستدلّوا لهذا بصحّة القسمة إليهما حيث يقال: الأمر منه وجوب ومنه ندب.
وتناقش الإستدلالات المذكورة بالتالي:
-1مرادفة أمرت لأوجبت ليس ذلك دائما، وإنّما إذا كان الآمر في صدد التشريع الإلزامي، أو إخبارا عن أمر وجوبي اُفيد وجوبه من الصيغة، وفيما عداه لا يرادف العرف بينهما.
-2 إذا كان كلّ من الوجوب والندب يشتركان في انّهما بعث وتحريك للمأمور، فإنّ هذا يعني أنّ البعث مشترك لفظي بينهما بما يلزم بافتقار كلّ منهما إلى القرينة، وهو القيد الاحترازي الذي هو المنع من الترك في الوجوب، والترخيص بالترك في الندب، واعتبار الوجوب منتزعا من صرف الطلب دعوى بلا بيّنة.
-3أمّا النصوص الشرعيّة التي استدلّ بها.
-ففي الآيتين: الأمر إخبار عن أمر صادر بالصيغة.
فالآية الاُولى هي جزء من الآية 63 من سورة النور، ونصّها: (لا تجعلوا دعاء الرّسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم اللَّه الذين يتسلّلون منكم لِوَاذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).
وفسّر الضمير في (أمره) بعودته إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والمراد به دعاؤه (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوته، فالقضيّة - هنا - قضيّة خارجيّة.
وفسّر - أعني الضمير - بعودته إلى اللَّه تعالى، والمراد به قوله (لا تجعلوا) بتأويله بـ(أجيبوا دعاء الرسول).
والتفسير الأوّل أوجه، لأنّ التأويل خلاف الأصل، ولأنّ ظاهر السياق يفيد التفسير الأوّل.
وعليه: لا يتمّ الإستدلال بالآية لأنّها على نحو القضيّة الخارجيّة.
أمّا الآية الثانية فإنّها تشير إلى الأمر المذكور في قوله تعالى: (وإذ قُلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبَر وكان مِن الكافرين)، والأمر فيها مقترن بما يدلّ على الوجوب وهو قوله (أبى واستكبر)، لأنّه ذمّ والذمّ لا يكون إلا على ترك الواجب.. والمطلوب أن تدلّ مادّة الأمر مجردة عن القرينة الدالة على الوجوب، وهو غير متأت هنا.
-وفي الحديث، فإنّ الأمر المزمع إصداره من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقرينة (لولا أشقّ) أيضا هو الوجوب.
والمطلوب دلالة مادّة الأمر على الوجوب بنفسها، أي مع التجرّد عن القرينة.
-4أمّا القسمة لا تعني انّه للقدر المشترك، وإنّما تعني أنّ له معنيين وهو مستعمل في كلّ منهما.
وبعد هذه المناقشة المتواضعة، فالطريق السوي الموصل إلى المطلوب في دلالة مادة الأمر هو أن ينظر إلى النصوص الشرعيّة التي استعملت فيها المادّة، ثمّ يقرّر ما يستفاد منها.
الهوامش:
(1)-أنظر: منتهى الأصول1/112.
(2)- م.ن.