محاضرات علم المنطق - المحاضرة 13
ومن ذهب إلى أنه معنى مركب كالفخر الرازي - قال إنه يتألف من أربعة أجزاء وهي :
- تصور المحكوم عليه .
- وتصور المحكوم به .
- وتصور النسبة بين المحكوم عليه والمحكوم به .
- والرابع الإذعان والحكم .
ويقارن القطب الرازي بين المذهبين وينتهي إلى النتائج التالية في الفرق بينهما ، يقول : والفرق بينهما من وجوه :
- أحدها : أن التصديق بسيط على مذهب الحكماء ومركب على رأي الإمام (الرازي) .
- وثانيها : أن تصور الطرفين (المحكوم عليه والمحكوم به) والنسبة ( بينهما) شرط للتصديق ، خارج عنه على قولهم (يعني الحكماء) وشطره ( يعني جزءه) الداخل فيه على قوله (يعني الرازي) .
- وثالثهما : أن الحكم نفس التصديق على زعمهم ، جزؤه الداخل على زعمه . والقائلون بأن التصديق هو الإعتقاد (الإذعان) اختلفوا في متعلق الإذعان على قولين هما :
أ - متعلق الإذعان ، والذي يقع عليه الإعتقاد هو النسبة الخبرية القائمة بين المحكوم عليه والمحكوم به . وأليه ذهب الأقدمون .
ب - متعلق الإذعان هو وقوع النسبة أو لا وقوعها . وإليه ذهب
المتأخرون .
ويقوم خلافهم هذا على أساس من اختلافهم في عدد أجزاء القضية المنطقية أهي أربعة أم ثلاثة ؟ فذهب القدماء إلى التثليث فقالوا : أجزاؤها ثلاثة :
هي :
1- المحكوم عليه .
2- والمحكوم به .
3- والنسبة القائمة بين المحكوم عليه والمحكوم به ، سواء كانت ايجابية أو سلبية . والنسبة - التي هي الجزء الثالث - هي التي يقع عليها الإعتقاد وتكون متعلقاً للإذعان . وذهب المتأخرون إلى التربيع فقالوا : أجزاء القضية المنطقية أربعة هي :
1- المحكوم عليه .
2- المحكوم به .
3- النسبة القائمة بين المحكوم عليه والمحكوم به .
4- وقوع النسبة التقييدية (الإضافية) أو لا وقوعها . والمقصود بها إضافة المحكوم به بعد تأويله بالمصدر إلى المحكوم عليه ، ففي قولنا : (زيد قائم) تكون النسبة الإضافية هي : (وقوع قيام زيد) .
فوقوع النسبة في القضية الإيجابية ، ولا وقوعها في القضية السلبية هو محط الإعتقاد ومتعلق الإذعان .
هذا ما ذكره المناطقة ، ولكننا نستطيع أن نقول من خلال ما نستشعره وجداناً وما نشاهده عياناً : إن التصديق هو الإيمان بصحة النسبة أو لا صحتها .
فعندما يقال : (زيد كريم) فإن إيماننا بهذه القضية ينصب على صحة نسبة الكرم إلى زيد ، فإذا دلنا الوجدان على ذلك أو قام البرهان اعتقدنا وآمنا بصحة هذه النسبة ، وإذا دل الوجدان أو قام البرهان على العكس آمنا واعتقدنا بعدم صحة هذه النسبة .
ولكي نتبين معنى التصديق أكثر نقول : إننا إذا أقمنا البرهان على صحة نظريةٍ ما وأثبتنا بالبرهان صحتها واعتقدنا بها هذا الإعتقاد هو التصديق ، أو أقمنا البرهان على بطلانها وأثبتنا على بطلانها وأثبتنا ذلك واعتقدنا به ، إن اعتقدنا هذا هو التصديق .
واسم التصديق يملي علينا ذلك إذ التصديق معناه الإيمان والإعتقاد بصدق الشيء ، فقد نصدق بصحة شيء وقد نصدق ببطلانه وفي كلتا الحالين هو تصديق .
-
تقسيمه 2 :
وينقسم التصور المطلق أو العلم إلى قسمين أيضاً هما :
- الضروري
- النظري
ومعنى هذا أن كل واحد من قسميه (التصور الساذج والتصديق) ينقسم إلى هذين القسمين ، كما سنرى في الأمثلة أدناه .
1- الضروري : وهو الإدراك البديهي الذي لا يتطلب تفكيراً .
2- النظري : هو الإدراك غير البديهي والذي يتطلب تفكيراً .
أمثلة :
أ - التصور الضروري : كتصورنا معنى الشيء ، وتصورنا معنى
الوجود .
ب - التصور النظري : كتصورنا حقيقة الكهرباء .
ج - التصديق الضروري : كتصديقنا بأن الواحد نصف الاثنين .
د - التصديق النظري : كتصديقنا بأن الأرض متحركة وتصديقنا بأن زوايا المثلث تساوي زاويتين قائمتين .
التعريف
تعرفنا فيما تقدم من مقدمة وتمهيد أن علم المنطق يبحث في المعرَّف والحجة . وأوضحنا هناك أن المراد بالمعرَّف هو التعريف ، وله نجد النجم القزويني يعنون هذا المبحث في كتابه (الرسالة الشمسية) بـ
(التعريفات) . فهذا الباب من أبواب علم المنطق يتوفر على دراسة وبحث كيفية وطرق تعريف المفاهيم الفكرية والمصطلحات العلمية وكافة الأشياء الأخرى مما نتعامل معه في هذه الحياة من محسوسات ومعقولات ، ماديات ومعنويات .
ولا إخال أن هناك علماً من العلوم يخلو من المفاهيم والمصطلحات العلمية أو أن ما فيه من مفاهيم ومصطلحات علمية لا يحتاج إلى التعريف بالكشف عن حقيقته أو على الأقل ببيان معناه ولو بوجهٍ من الوجوه . ولهذا وأيضاً لئلا يقع الإضطراب ، وتعم الفوضى في تحديد المفاهيم والمصطلحات العلمية كانت الحاجة ماسة لوضع نظام للتعريف ينطوي على قواعد وشرائط إن اتبعناها تبعد بنا عن الخطأ والإضطراب والفوضى .
وكان هذا النظام هو علم المنطق في بابه هذا الموسوم بمبحث ( التصورات) أو(التعريفات) أو(المعرَّف) أو (التعريف) كما سميناه ، ما شئت فعبر، فكلها أسماء تشير إلى مسمى واحد هو التعريف .
-
تعريفه :
عرّف النجم القزويني التعريف بقوله (المعرف للشيء : هو الذي يستلزم تصوره تصور ذلك الشيء وامتيازه عن كل ما عداه .
ويعني (بذلك الشيء) المعرف - بصيغة اسم المفعول - مفهوماً فكرياً كان أو مصطلحاً علمياً أو أيَّ شيء آخر. فمتى ما تصورنا المعرَّف (التعريف) وعرفناه وعلمنا به عرفنا الشيء المعرَّف . فإذا قلنا في تعريف الكلمة النحوية (الكلمة : قول مفرد) وعرفنا معنى (قول مفرد) الذي هو التعريف عرفنا معنى الكلمة . والتعريف مأخوذ - فيما يبدو لي - من (عَرَّفَ
الشيءَ) إذا جعله معرفة بعد أن كان نكرة ، أي جعله معروفاً بعد أن كان غير معروف .
وربما كان مأخوذاً من قولهم (عَرَّفَهُ الشيءَ) بمعنى أعلمه إياه إذ - التعريف يجعل الشيء معلوماً بعد أن كان مجهولاً . ولعله الأقرب إلى طبيعة الإشتقاق .
والخلاصة : إننا نستطيع أن نعرف التعريف بأن نقول التعريف : هو بيان حقيقة الشيء أو ايضاح معناه ولو بوجه ما.