محاضرات علم المنطق - المحاضرة 12 - التصور والتصديق
التصور والتصديق
يعتد هذان المصطلحان (التصور والتصديق) أهم المصطلحات المنطقية العامة لأنهما موضوع علم المنطق ، ذلك أن علم المنطق - كما تقدم - يبحث في المعلوم التصوري وهو المعرَّف - أو التعريف - بأنواعه من أجل أن يوصلنا إلى مجهول تصوري ، ويبحث في المعلوم التصديقي وهو الحجة - أو الدليل - بأنواعه من أجل أن يوصلنا إلى مجهول تصديقي . فالتصور والتصديق هما مدار الدرس المنطقي ، وفيهما وعليهما تقوم بحوثه . وإلى هذا يشير ابن سينا بقوله : (كل معرفة وعلم فإمّا تصور وإمّا تصديق) . والتصور هو العلم الأول ، ويكتسب بالحد وما يجري مجراه ، مثل تصورنا ماهية الإنسان .
والتصديق إنما يكتسب بالقياس أو ما يجري مجراه مثل تصديقنا بأن للكل مبدأ . فالحد والقياس آلتان بهما يكتسب المعلومات التي تكون مجهولة فتصير معلومة بالروية . ونظراً إلى أهميتهما هذه قد يكون من حقهما التقديم على جميع المصطلحات التي تقدم عرضها وتعريفها ، ولكن لأنهما المدخل المباشر لموضوع علم المنطق ، أخرتهما إلى هنا لندخل عن طريقهما وبهما مبحثي التعريف والإستدلال أو المعرف والحجة ، بشكل مباشر .
-
التصور :
للتصور اطلاقان في المصطلح المنطقي ، هما :
- التصور المطلق .
- التصور الساذج .
1- التصور المطلق : ويرادف المنطقيون بينه وبين العلم ، فالتصور المطلق هو العلم ويعرّف بعضهم التصور المطلق أو العلم بـ : حضور صورة الشيء عند العقل بمعنى انطباعها في العقل . و حصول صورة الشيء في العقل . والصورة الحاصلة من الشيء عند العقل . وذهب بعضهم إلى أن العلم في غنى التعريف لأن معناه مشهور عند الناس ومستفيض . وذهب آخر إلى أنه لا يمكن أن يعرف لبداهة تصوره فهو كالوجود والجوع والعطش التي هي من الوضوح بحيث لا يوجد ما هو أوضح منها ليوضحها لنا . وأياً ما كان الأمر ، فالعلم هو العلم بما نفهمه عنه ، وربما كان التعريف اللغوي له أقرب إلى حقيقته وهو : إدراك الشيء بحقيقته أو بوجه ما .
(تقسيمه 1) : وهذا العلم أو التصور المطلق ينقسم إلى قسمين هما .
- التصور الساذج .
- التصديق .
2- التصور الساذج : وهو الإدراك المجرد من الحكم أي الذي لم يتبع بحكم ووصف الساذج يشير إلى هذا . وبغية أن نستوضح هذا أكثر نقول : إننا عندما نشاهد أول مرة ساعة بيك بن bigben الشهيرة في لندن وتنطبع صورتها في ذهننا ، هذا الإنطباع هو إدراكنا لها ، وهو التصور وكذلك لو كنا بعدُ لمّا نزر لندن وحدثونا عن ساعة بيك بن ، وحملنا لها فكرة في أذهاننا ، هذه الفكرة هي ادراكنا وتصورنا لها ، ومثله لو مسنا الجوع أول مرة وشعرنا وأحسسننا به وحملنا من هذا الشعور والإحساس فكرة عن الجوع في أذهاننا ، هذه الفكرة هي ادراكنا وتصورنا له . من هذا ندرك أن التصور هو الإدراك الذي لم يتبع بحكم . ويراد بالحكم هنا ــ معناه الآتي في تعريف التصديق فانتظر قليلاً جزيت خيراً - لتكفى مؤنة المراجعة . وأيضاً منْ هذا نعلم أن التصور يكون مقسماً للتصديق وهو التصورالمطلق ، ويكون قسيماً له وهو التصور الساذج يقول القطب الرازي التصور كما يطلق فيما هو المشهور على ما يقابل التصديق أعني التصور الساذج كذلك يطلق على مايرادف العلم ويعم التصديق وهو مطلق التصور .
-
التصديق :
اختلفوا في تعريف التصديق لأختلافهم في حقيقته بين البساطة والتركيب . فمن ذهب إلى أنه معنى بسيط - كالحكماء (الفلاسفة القدامى) ومن تبعهم - عرّفه بـ (الإعتقاد) بالنسبة الخبرية الثبوتية أو السلبية . ومن هؤلاء السعد التفتازاني ، قال في (التهذيب) : العلم إن كان إذعاناً للنسبة فتصديق .