محاضرات التاريخ الإسلامي - المحاضرة 30 - الأرض
العنصر الثاني: الأرض
بعد أن تناولنا السلطة في الدولة الإسلامية ممثلة بالقيادة والأجهزة التنفيذية سنتطرق الآن إلى العنصر الثاتي من العناصر الثلاثة التي تكوّن الدولة وهي الأرض والسيادة عليها.
فبدون الأرض لا يمكن إقامة الدولة، لذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسعى في مكة للبحث عن أرض مناسبة يجد فيها الفرصة كي يقيم عليها دولته. فكان تحركه نحو القبائل وهو في مكة لهذه الغاية وقد آل تحركه أخيراً إلى اختيار المدينة مقراً للدولة.
وأول ما قام به في المدينة هو تأسيس المسجد للتأكيد على السيادة الإسلامية على أرض المدينة وأن هذه الأرض ستكون مكاناً لإقامة الدولة الإسلامية. والأمر الآخر الذي قام به الرسول (صلى الله عليه وآله) هو الإعلان عن الصحيفة والتي كفلت موضوع السيادة على الأرض وكيفية حماية حدود الدولة الإسلامية من الأخطار المحدقة فقد صنّفت الصحيفة القبائل الإسلامية وغير الإسلامية وأقطعت الناس الدور وجعلت كل قبيلة مسؤولة عن توفير الحماية الخارجية كما وأنها مسؤولة أيضاً عن تطبيق القانون في قضايا الديات. وجاء في الصحيفة أن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة وهو نص يؤكد على السيادة القانونية على مدينة يثرب. ومع اتساع الأرض الإسلامية كانت هذه السيادة تقوى أيضاً.
ويبقى لكل قبيلة صلاحيتها في تنظيم أمورها لكن كل حدث يخاف فسادة فإن مرده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما جاء في الصحيفة.
والدولة الإسلامية قد فرضت سيادتها على الأرض مع وجود قبائل غير مسلمة وهذا ما يؤكد على أن الإسلام لم يكن حاكماً على المسلمين فقط بل على كل من يعيش على تلك الأرض في ظل الدولة الإسلامية فعليهم الإمتثال لقوانين الدولة الإسلامية. فالاعتبار في السيادة لم يكن هو تجمعات المسلمين الساكنين على هذه الأرض بل الأرض كلها. فقد منحت لغير المسلم حق المواطنة طالما أنه رضي بالقوانين الإسلامية. فيهود المدينة يشكلون أمة مع المؤمنين والأمة هنا بمعنا الشعب لكن يبقون محتفطين بخصائصهم العقيدية.
وعندما خالف اليهود إحدى بنود الاتفاقية وأنه لا تُجار قريش ولا من نصرها كان لابد أن يخرجوا من حدود الدولة الإسلامية لأنهم خرقوا قوانين هذه الدولة واعتبر هذا الخرق بمثابة عدم الاعتراف بالسيادة القانونية للدولة الإسلامية. فكان اخراجهم من المدينة أمراً مشروعاً ومتطابقاً مع القانون.
والأرض التي كان يسكنها اليهود ضمن السيادة الإسلامية كما أبرم في الصحيفة ووافق عليها اليهود فمن حق الدولة الإسلامية إخراجهم منها عندما رفضوا سيادة الدولة على شؤونهم.
والأرض التي كانت تضاف إلى الدولة الإسلامية عن طريق الغزوات فهي أيضاً كانت تخضع لسيادة القانون الإسلامي وحتى لو كانت تلك الأرض ملكاً لأصحابها فالسيادة شيء والتملك شيء آخر.
ففي السيادة بعدٌ قانوني وليس فيها جنبة تملك، لأن معيار التملك في القوانين الإسلامية هو احياء الأرض. فكل مواطن يحيي أرضاً فهي له. تبقى القوانين التي تجري على هذه الأرض لابد وأن تكون قوانين إسلامية.
فالذين دخلوا إلى الإسلام أو قبلوا بحماية الإسلام ولم يسلموا سواء عن طريق الحرب أو الصلح إنما قبلوا بالسيادة الإسلامية على أرضهم.
أما الذين لم يؤمنوا بالإسلام توفر الحماية لهم في قبال الجزية أو خراج الأرض فإن الرسول (صلى الله عليه وآله) أقرّ لها ملكيتهم للأرض وحتى سيادتهم عليها طالما ظلوا ملتزمين بالأتفاقية المبرمة.
- ملكية الأرض للدولة الإسلامية:
حسب القوانين الإسلامية تقسم الأرض من حيث الملكية إلى ثلاثة أقسام ملكية عامة، ملكية الدولة وملكية خاصة. وطريقة دخول الأرض ضمن حدود الدولة الإسلامية هي التي تحدد هذه الملكية وهنا نجد العلاقة بين الملكية وبين السيادة. فالملكية هي نتيجة السيادة على الأرض فنوع السيادة هو الذي يحدد نوع الملكية أيضاً.
وتقسم الأرض حسب السيادة إلى:
1- الأرض التي أصبحت إسلامية بالفتح وهي الأرض التي دخلت الإسلام نتيجة الجهاد المسلح وهي على ثلاثة أنواع:
* الأرض العامرة بشرياً وقت الفتح وملكيتها عامة لكل المسلمين.
* الأرض الميتة حال الفتح وهي أرض غير عامرة حين دخولها في الإسلام لا بشرياً ولا طبيعياً فهي ملك للإمام وهذا ما نصطلح عليه باسم ملكية الدولة (1) وهي أرض تدخل ضمن قانون إحياء الموات.
2- الأرض المسلمة بالدعوة كالمدينة. وهي كل أرض دخل أهلها في الإسلام دون قتال. وهي تقسم إلى أرض عامرة أحياها أهلها فهي لهم. وأرض عامرة بصورة طبيعية. وأرض موات فهي ملك الدولة.
3- أرض الصلح وهي الأرض التي هجم عليها المسلمون لفتحها فلم يسلم أهلها ولا قاوموا الدعوة بشكل مسلح، وإنما ظلوا على دينهم ورضوا أن يعيشوا في ظل الدولة الإسلامية مسالمين وتكون ملكية الأرض حسب اتفاقية الصلح. فإذا صالحوا المسلمين على أن تكون الأرض لهم فإن ملكيتها تبقى لهم وإذا تم الصلح على عدم ملكيتهم للأرض فإنها ستكون ملكية عامة (2)، هذا إن كانت الأرض عامرة فإذا كانت موات فإنها ستكون ضمن ملكية الدولة للأرض.
وتبرز في هذه التقسيمات الطريقة التي فرضت فيها السيادة الأرض.
فالأرض التي أسلم أهلها ولم تستخدم فيها القوة فهي لهم فهم يملكون رقبتها، أما الأرض التي فتحت بالقوة فهي ملك الأمة لأنها دخلت في حوزة الإسلام بمساهمة الأمة فملكيتها ستكون ملكية عامة.
أما الأرض الموات غير المحياة فملكيتها للدولة الإسلامية فهي تترك لها من أجل المباشرة بإحيائها أما عن طريق مباشر أو عبر المواطنين. وهنا نجد طريق مثلى في ربط المعايير الثلاثة الهامة من معايير الأرض وهي: الملكية القانونية والسيادة السياسية والاستثمار الاقتصادي بخط تكاملي واحد وهذا ما يؤكد لنا أن التشريعات الإسلامية تشريعات متكاملة تنظر إلى الأمور من زوايا متعددة.
فطريقة تعامل الإسلام مع الأرض قامت على ثلاثة أسس:
1- حماية حقوق الأمة في هذه الأرض.
2- حماية سيادة الدولة الإسلامية عليها.
3- استثمار الأرض في الانتاج إلى آخر مدى.
العنصر الثالث: الأمة
- الشعب:
وهم جماعة من الناس يعيشون على أرض واحدة ضمن نظام سياسي.
وقبل قيام الدولة الإسلامية لم يكن هناك شعب بمعنى الكلمة في جزيرة العرب حيث كان المجتمع الجزيرة يتكون من مجموعة من القبائل تناهز الثلاثمائة قبيلة.
وكانت العلاقة بين قبيلة وأخرى أما علاقة حرب أو تحالف سياسي وهي تتغير تبعاً لتغير المصالح وتبعاً للحوادث التي تجري بين القبيلتين. وعندما جاءت الرسالة أخذت على عاتقها تأسيس نموذج مثالي لكيان إسلامي يمتد إلى مساحات اجتماعية أخرى لتضم مجموعات بشرية جديدة. وهو هدف لا يتحقق إلا بقيام تنظيم اجتماعي متماسك قادر على الحركة والفاعلية باحتواء المجموعات المرشحة لدخول الإسلام.
فكان على رأس أهداف الرسالة هو تكوين مجتمع متجانس متوحد الأهداف ومتقارب المفاهيم يشترك في ثقافة موحدة وفي قيم ومثل واحدة.
وفي جزيرة العرب لم يكن مثل هذا المجتمع موجوداً عندما نزل الوحي على نبينا (صلى الله عليه وآله) فكان على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يبدأ خطواته في تكوين هذا المجتمع. فمنذ أن صدع بالرسالة وهو يسير في هذا الخط حتى آخر يوم من حياته في المدينة المنورة.
فالتأريخ الإسلامي هو بمثابة العمر الطويل الذي طوته الأمة الإسلامية منذ ولادتها وحتى بلوغها مرحلة النضج. والتأريخ الإسلامي هو تأريخ صراع الأمة ضد عوامل التشتت والتبعثر. وقد شهدت مكة الخطوة الأولى في بناء الأمة كما وشهدت المدينة المرحلة الثانية حيث كان أمام الرسول (صلى الله عليه وآله) مهمتان:
الأول: هدم الأسس التي يقوم عليها المجتمع القبلي.
الثاني: إرساء القواعد التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي.
فقد كرّس رسول الله (صلى الله عليه وآله) فترة وجوده في المدينة في انجاز الهدف الأول وباشر عند وصوله المدينة بالمرحلة الثانية مستفيداً من الأجواء الجديدة التي أوجد لها المقر الجديد للدعوة الإسلامية. وقد سبق وتحدثنا عن هذا الموضوع في فصول سابقة.
وبقي علينا أن نتناول قضية انتقال القبيلة إلى أمة وهي العملية التي استغرقت التأريخ الإسلامي كله، واستوعبت الأحداث والتطورات الناجمة عن هذا الانتقال. فقد جاء الإسلام لينسف ركيزة النظام القبلي والولاء لها واستبدله بطريقة تربوية وفكرية وروحية إلى الولاء للدين وجاء القرآن الكريم ليباشر عملية التحوّل هذه من خلال الكثير من الآيات القرآنية.
ففي الآية (71 من سورة التوبة) صدع القرآن الكريم:
(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) فالولاء والنصرة أصبحت بين المؤمن والمؤمن على أساس الإيمان بعد أن كانت بين أبناء القبيلة على أساس الولاء القبلي. والطاعة تحوّلت من رئيس القبيلة إلى الله والرسول ومن أجل تعميق هذه العلاقة وتجسيدها عملياً وضع الإسلام نظاماً للعلاقات الاجتماعية يقوم على قاعدة التواصي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والآية الكريمة تضع نظرية في التحول الاجتماعي من كيان قبلي إلى أمة.
فالأمة تتكون من أفراد يترابطون كأعضاء الجسد الواحد بعضهم من بعض فلا فرق بين المسلم والمسلم ولا فضل لعربي على أعجمي، فالكل سواسية أمام القانون. والكل يتحمل مسؤولية الجزء والجزء يتحمل مسؤولية الكل والجزء يتحمل مسؤولية الجزء.
والتقوى هي معيار التفاضل، فالمجتمع الذي يؤسسه الإسلام مجتمع هرمي يقف على رأسه الإمام أو النبي (صلى الله عليه وآله) وتقوم العلاقة بين ذرات الهرم والقمة على أساس الطاعة لأن هذا المجتمع متحرك وليس ساكناً، وطاعة القيادة هي ضمان الاستمرار في الحركة والانتقال المستمر إلى الواقع الأفضل ويعمل الإسلام على تعميق هذه العلاقة وتجنيبها مواطن الضعف وذلك عبر تعميق الروح العبادية (يقيمون الصلاة) وتوطيد الصلة بالعمل والتطور إلى الأفضل من خلال (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وإزالة الفروقات الاقتصادية وإيجاد مشاعر موحّدة بين الفقير والغني عبر اعطاء الزكاة. وهي أسس قويمة لبناء مجتمع متطور متحرك متجانس متوحّد في الأهداف والقيم وهي أهم سمات المجتمع الإسلامي.
1- الديناميكية والمشاركة الذاتية:
فكل عنصر من هذا المجتمع عضو فاعل متفاعل مع الأعضاء الآخرين لتحقيق هدف أكبر.. فالفرد يريد أن يحيا في الوقت نفسه يريد لمجتمعه أن يحيا أيضاً وإذا تضارب الأمران فأيهما المقدم هل سيضحي الفرد بالمجتمع من أجل حياته أو العكس، وهنا تكمن الأزمة الاجتماعية التي صعب على المبادئ الوضعية حلها لكن الإسلام استطاع أن يضع حداً لهذه العقدة فربّى الإنسان على التضحية بماله وحتى دمه من أجل المجموع ذلك لأن الفرد في المجتمع الإسلامي يطمح لأهداف أكبر من مجرد العيش وكسب الراحة لنفسه فهو يحيا للآخرين كما يحيا لنفسه أيضاً. وهذا ما يجعل المجتمع الإسلامي ماكنة متحركة في هذا الوجود لا يعرف السكون لأن لا حدود لعمل الإنسان ولا حدود لأهدافه وسعيه في الحياة فهو لا يعمل لنفسه فقط بل يعمل لمصلحة الجماعة وللوصول إلى حياة أفضل.
2- الانتماء المبدئي:
والمجتمع الإسلامي مجتمع ينتمي إلى المبادئ. وهو يُربي أبناؤه على تلك المبادئ التي جاء بها الوحي فهو مجتمع ملتزم يتمسك بالأخلاق ويتحلى بالفضائل. يتقدم إلى العمل الصالح بدوافع ذاتية وإشارات تنطلق من أعماق النفس. فميزة المجتمع المبدئي عن المجتمع غير المبدئي أن الأولوية لأبناء المجتمع الأول هو المبادئ بينما الأولوية للمجتمع غير المبدئي هي المصلحة. والتحرك ضمن زاوية المصلحة الفردية، هو مصدر الخطر في المجتمع فكل شرخ ومرض اجتماعي ينتهي إلى هذا المكروب والتأريخ الإسلامي حافل بالأمثلة الدالة على التضحية بالمصلحة الشخصية من أجل المصلحة العامة.
3- المجتمع المتجانس:
والمجتمع الإسلامي مجتمع يتجانس فيه الأفراد، فلا فروقات ولا طبقية ولا استئثار، فالكل أخوة في الدين.. الكل أعضاء في جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
والمبدأ الواحد والذي هو الإسلام والكتاب الواحد والذي هو القرآن هما أكبر العوامل في خلق التجانس في المجتمع الإسلامي بالإضافة إلى عوامل أخرى كاللغة والعادات والقيم.
4- التوحّد الثقافي:
فالتوجيه القرآني وتوجيه الرسول (صلى الله عليه وآله) أوجد في المجتمع ثقافة مشتركة، والثقافة هي الطريقة التي يحيا بها المجتمع والأسلوب الذي يتعامل به الإنسان مع قضايا الحياة، فالثقافة هي فكر وسلوك وقد جاء الإسلام ليوجد موقفاً فكرياً وعملاً سلوكياً مع كل قضية حياتية.. فهو بصورة عملية أوجد ثقافة مشتركة لدى المجتمع الإسلامي عندما أخضع هذا المجتمع لمصدر توجيه مشترك هو القرآن والسنة.
وقد استطاع المجتمع الإسلام أن يُوجد ثقافة متينة في المجتمع حلت محل العادات والتقاليد الجاهلية. فقد استطاع الإسلام أن ينفذ إلى داخل الشرنقة القبلية ويبعث الحياة في الإنسان من جديد ويستبدل عقليته وممارساته القبلية بعقلية إسلامية تنظر إلى الحياة من زاوية أخرى غير الزاوية التي كان ينظر إليها في السابق.
واستطاع المجتمع الإسلامي أن يقاوم الغزو الفكري الغزو الفكري ردحاً من الزمن بسبب قوة الثقافة الإسلامية التي تأصلت في جذور هذا المجتمع لكن مع ضعف تلقي التوجيه القرآني والرسالي انحسرت هذه الثقافة فهزت بنية الامة فاصبحت قابلة للخرق الثقافي من قبل التيارات الفكرية. وقد حدث هذا الخرق بعذ سقوط الدولة الإسلامية حتى الظاهرية لأنها كانت تشكل الغطاء لحفظ ثقافة الأمة حتى الشيء القليل منها.
وتأريخياً نجد أن الأمة لم تتأثر بالحروب الصليبية ولم تخضع سياسياًَ ولا عسكرياً لأنها كانت محتفظة بثقافتها الإسلامية، بل على العكس نجد أن الصليبيين تأثروا بالإسلام بالرغم من أنهم غزاة على خلاف القاعدة المتعارفة في انتقال الثقافة من الغازي إلى المحتلين وفي عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) اجتمعت الديانات الثلاثة في المدينة ولم يتخوف الرسول (صلى الله عليه وآله) من تعرض المسلمين إلى مؤثرات غير إسلامية ذلك لأن ثقافتهم كانت من المتانة بحيث أوجدت الحصانة ضد الثقافات الأخرى.
5- التوحّد السياسي:
ومن سمات المجتمع الإسلامي تمسكه بأهداف سياسية مشتركة على رغم وجود الحرية الكافية في إبداء الرأي وعلى رغم حرية العقيدة التي يكفلها الإسلام إلا أن الجميع كانوا يشتركون في موقف سياسي. فقد كان المجتمع الإسلامي يتحرك بواقعية ويسير بخط مستقيم نحو أهداف مرسومة وكان للرسول (صلى الله عليه وآله) دور المشرف والموجه لهذه الحركة. فعندما كانت تقع الحوادث التي تستدعي موقفاً محدداً كان جميع أفراد المجتمع يمتلكون من الوعي الذي يتمكنوا به اتخاذ الموقف الموحد فعندما أقبلت قريش على ضخامة ما لديها من الأسلحة الفتاكة لقتال المسلمين لم يكن بين المسلمين من رفض المشاركة في الحرب أو كان رأيه عدم الحرب على رغم من قلة المسلمون فالمواجهة مع قريش كانت أمراً واقعاً لا محالة، فقد كان المسلمون بانتظار هذه المواجهة في يوم من الأيام كما كانوا في انتظار الحلقات الأخرى من المواجهات العسكرية أو السياسية. وحتى في صلح الحديبية عندما رأى البعض عدم المصالحة إلا أن الموقف السياسي العام الذي كان يقفه المسلمون عامة هو الصلح مع قريش للتفرغ إلى عدو آخر كان يتربص بالمسلمين وهم اليهود.
وهكذا لا نجد في المسيرة الإسلامية في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) اختلافاً سياسياً ينجر إلى انقسام المجتمع إلا اللهم المعارضة الدائمة التي كانت تبديها فئة المنافقين والتي كانت تطوق إعلامياً وسياسياً من قبل الدولة والأمة معاً بل الذي نجده في المسيرة الإسلامية هو وحدة الموقف السياسي بين القيادة والشعب وهذا منتهى التفاعل الذي يصله الشعب مع القيادة.
6- التكامل الاقتصادي:
المجتمع الذي تتكاتف أجزاؤه ويسوده التعاون وروح الأخوة يسوده التكامل الاقتصادي أيضاً، والتكامل الاقتصادي أهم معيار لقياس مدى تقدم الشعب فعندما تتكامل الأسر فيما بينها في الانتاج ويصبح الاعتبار الأول للتكامل وليس للتنافس في النوعية الواحدة، أي عندما يجد إنساناً أن جاره ينتج محصولاً معيناً فهو ينتقل إلى محصول آخر كي تتكامل المحصولات. هذه الروح هي التي تقاس على أساسها قوة المجتمع ومدى ما يبلغه من الشعور بالمسؤولية والعقيدة الحضارية. والمجتمع الإسلامي منذ اليوم الأول من قيامه قام على مبدأ التكامل الاقتصادي فقد هبّ كل عضو في هذا المجتمع لتكملة العضو الآخر. وكان للمؤاخاة التي جرت بين المهاجرين والأنصار الأثر الكبير في ايجاد أرضية التكامل الاقتصادي. إذ أصبح الأنصاري ينتج والمهاجر يتاجر مستفيداً من خبراته السابقة في التجارة. وعلى هذه القاعدة أرسى الإسلام أقوى نظام اقتصادي عرفته البشرية حتى الآن. فالشعور بالتكاملية يفجّر الطاقات ويحرك حلقات الإنتاج المختلفة نحو الاكتفاء الذاتي وهو أعلى مستوى يصله الاقتصاد الوطني لبلد ما.
هذه هي سمات المجتمع الإسلامي والتي وضعت هذا المجتمع في مصاف المجتمعات الراقية القادرة على امتلاك قرارها السياسي وتحتفظ بنظامها الحاكم.وينتج عن هذه السمات مرتكزات لتطوير كفاءة المجتمع باستمرار نحو الأفضل، هذه المرتكزات هي: التعاون الاجتماعي والمشاركة السياسية والارتباط بمؤسسة السلطة والالتزام بالنظام السياسي والبحث عن مستقبل أفضل. وهي مرتكزات كات قائمة في المجتمع الإسلامي وهي السبب المباشر في تطوير هذا المجتمع وبلوغه درجات عالية من الأداء الحضاري والكفاءة الإنتاجية والجدارة السياسية خصوصاً في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ـــــــــــــ
الهامش
1)- محمد باقر الصدر، اقتصادنا: ص457.
2)- نفس المصدر السابق: ص473.