محاضرات التاريخ الإسلامي2 - المحاضرة 8 - إسداء النصيحة والمشورة للخلفاء
ثانياً: إسداء النصحية والمشورة للخلفاء
وقف الإمام علي (عليه السلام) بروحٍ مغمورة بالإيجابية ازاء الخلفاء الراشدين الثلاثة. وقد اوصلت هذه الروح العظيمة الإمام علي (عليه السلام) إلى قلوب الخلفاء حتى كان الخليفة عمر بن الخطاب يقول وهو صادق: يا أبا الحسن لا أبقاني الله لشدة لست لها، ولا لبلية لست فيها.
وكان يقول أيضاً أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن.
وهذه قمة في الإيجابية يقفها أمير المؤمنين(عليه السلام).
ورد في كتب التاريخ ان امرأة قد زنت وشهد عليها أربعة شهداء عدول فأجمعوا على رجمها فلما ذهبوا ليرجموها، مرّ بهم الإمام علي (عليه السلام) فقال:
ما شأن هذه.
قالوا: مجنونة بني (فلان) زنت فأُمر بها أن تُرجم.
فانتزعها علي من أيديهم وردّها إلى مأمنها فجاؤوا إلى عمر فاستغرب من عودتهم فقال ما ردّكم قالوا ردّنا علي فقال عمر: ما فعل أبو الحسن هذا إلا لشيء قد علمه فجاء الإمام علي فسأله الخليفة عمر ما بالك قد رددت هؤلاء فقال (عليه السلام):
أما سمعت قول رسول الله، رفع القلم عن ثلاث: عن المجنون حتى يبرأ وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يعقل فما بال هذه ترجم؟ حينذاك جعل عُمر يُكبر ويقول لولا علي لهلك عمر.
هذا النموذج واشباهه بالعشرات تكشف لنا وبصورة واضحة عن مدى ما ذهب إليه الإمام علي(عليه السلام) من الايجابية بحيث أصبح الخليفة يقف منه تلك المواقف ويقول فيه تلك العبارات التي لم يقلها في أحد غير الإمام.
وتعود خلفية موقف الخلفاء أنهم عرفوا علياً حق المعرفة إنه لا يساوم في الله وإن ما يقوله وما يفعله ليس لغاية في نفسه ولا لحسد بل كل مواقفه وأقواله منطلقة من الحرص على الشريعة الإسلامية وعلى الكيان الإسلامي، فكانوا يتقبلون منه بصدور رحبة حتى النصيحة الخشنة لأنهم على يقين أنها نصيحة منطلقة من قلب مملوء بالنوايا الحسنة.
فقد دخل على الخليفة عثمان وقال له:
فالله الله في نفسك فإنك والله ما تُبصّر من عمي ولا تعلّم من جهالة وإن الطريق لواضح بين وإن أعلام الدين لقائمة فاعلم أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هدى، فأقام سنة معلومة، وأمات بدعة متروكة، فو الله إن كلا لبين وإن السنن كثيرة لها أعلام، وإن البدع لقائمة لها أعلام، وإن شرّ الناس عند الله إمام جائز ضل وأضلّ، فأمات سنة وأحيا لقائمة لها أعلام، وإن شرّ الناس عند الله إمام جائر ضل وأضلّ، فأمات سنة وأحيا بدعة متروكة، وإني أحذرك الله سطواته ونقماته فإن عذابه شديد أليم وأحذرك أن تكون أمام هذه الأمة، الذي يقتل فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة ويلبّس أمورها عليها ويتركها شيعاً لا يبصرون الحق لعلو الباطل يموجون فيها موجاً ويمرجون فيها مرجاً.
فقال الخليفة عثمان: قد علمت والله ليقولنّ الذي قلت(1).
ولو عمل الخليفة عثمان بنصيحة الإمام لما جرى عليه الذي جرى، ولما تألبت عليه الأمصار ولما لقي ذلك المصير الدامي الذي حذّره الإمام من وقوعه.
كان الإمام لا يفتي بشيء إلا عن أطلاعٍ عميق وبعد في النظر، وكان الخلفاء ينظرون إليه كأفضل مشاور لهم.
لم يجد الخلفاء أفضل من علي في المشورة فهو الذي جرّب الناس وعرف مداخل الأمور ومخارجها فوجوده إلى جوار رسول الله خلال ثلاثٍ وعشرين عاماً من تبليغ الرسالة منحته الخبرة والإطلاع الواسع في إدارة الدولة والمجتمع وكان وجوده بالقرب من مركز القرار واستعداده الدائم لإسداء النصح ثروة لا تعوض باي ثمن، كما وإن الإمام ومن فرط حرصه على سلامة الكيان الإسلامي لم يدخر رأياً أو فكرة إلا وقدمها للخلفاء عندما وجد عندهم الإستعداد الكافي لسماع آرائه والعمل بها.
وقد عرفوا صدقه وحسن نواياه ليس مخادعاً ولا مخاتلاً كمروان بن الحكم الذي أدت مشورته للخليفة عثمان إلى قتله بتلك الصورة المروعة.
فليس هناك موجب للخداع إذ لم يكن الإمام بحاجة إلى جاه أو مال ولم يكن يريد منصباً بل كان من فرط حرصه على سلامة الكيان الإسلامي إنه يسدي النصحية ويكررها مرة بعد أخرى باخلاص وصدق.
أما موارد المشورة التي شاور فيها الخلفاء الثلاثة علياً (عليه السلام) فهي كثيرة منها:
1- في زمن الخليفة أبي بكر أراد المسلمون غزو الروم فشاور أبو بكر جماعة من أصحاب الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فرفض بعضهم الفكرة ثم إنه شاور علي بن أبي طالب فأشار إليه بأن يفعل وأخبره بنتيجة المعركة قائلاً:
إن فعلت ظفرت. فقال ابو بكر:
بشرّت بخير.. فاطمأن الخليفة من تحقق المسلمين من كلام أمير المؤمنين فقام في الناس خطيباً وأمرهم أن يتجهزوا إلى الروم(2).
فالإمام لم يكتف بإسداء المشورة وحسب بل رسم أمام الخليفة نتائج المعركة وإنها ستكون لصالح المسلمين ليشجعه على اتخاذ قرار الحرب وليزيد في حماس الصحابة الذين ترددوا في الموافقة قبل أن يبدي رأيه.
دلت هذه الحادثة ليس فقط على النظرة العميقة والرؤية الثاقبة للمستقبل بل أيضاً على رغبة واعية نحو دفع عجلة الإسلام إلى الأمام من خلال الجهاد، فبالجهاد وحده يستطيع المسلمون أن يحلوا مشكلاتهم وأن يتغلبوا على واقعهم ويرتفعوا عن الصغائر.
2- عندما أراد الخليفة عمر بن الخطاب غزو الفرس جمع قادة الجيش مع كبار الصحابة الذين كانوا يمثلون مجلساً عسكرياً مهمته اسداء المشورة في الأمور الحربية وكان من رأي عمر أن يتجهز ويذهب بجيشٍ من المسلمين ويستقر بين الكوفة والشام ومن هناك تبداً عملياته الحربية ضد الفرس.
فقام كل واحد من القادة العسكريين وأعطى رأيه وجلس ثم قام عثمان وطلب من عمر أن يكتب إلى أهل الشام فيسيروا من شامهم وإلى أهل اليمن فيسيروا من يمنهم ثم يسير عمر بجيش من أهل الحرمين إلى الكوفة والبصرة.
وجاء الدور إلى الإمام علي فلم يحبّذ خروج أهل الشام لأنهم محاطون بالأعداء وهم الروم وليس من السليم ايضاً خروج أهل اليمن لأنهم محاطون بأعداء كامنين لهم في بلاد الحبشة. ولم يحبذ أيضاً خروج أهل الحرمين إلى الحرب لأن العرب القابعين في الأطراف يستغلون غياب القوة العسكرية فيفعلون ما يريدون.
وكان مقترح الإمام أن يستقر أهل الأمصار في أماكن سكناهم ويكتب إلى أهل البصرة فينقسموا إلى ثلاث فرق، فرقة في حرمهم وذراريهم، وفرقة في أهل عهدهم حتى لا ينتفضوا ثم تسير فرقة إلى إخوانهم بالكوفة مدداً لهم فقال عمر هذا هو الرأي(3).
3- أراد الخليفة عمر أن يضع تأريخاً للمسلمين، فكان من رأيه أن يكتب من ولادة رسول الله ثم قال من المبعث(4) فشاور الإمام علي (عليه السلام)، فكان رأيه أن تكون بداية السنة من هجرة النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أورد ابن الأثير أن كتابة التأريخ جاءت بمشورة من علي بن أبي طالب(5).
4- واستشار الخليفة عمر جمعاً من المسلمين قائلاً:
إني كنت امرءاً تاجراً يغني الله عيالي بتجارتي وقد شغلتموني بأمركم هذا، فما ترون أنه يحلّ لي في هذا المال؟ وعليّ ساكت، فأكثر القوم فقال:
ما أصلحك وعيالك بالمعروف ليس لك غيره.
فقال القوم: القول ما قال عليّ(6).
5- شاور الخليفة عمر بن الخطاب أصحاب رسول الله في سواد الكوفة، فقال له بعضهم نقسمها بيننا فشاور علياً فقال:
إن قسّمتها اليوم لم يكن لمن يجيء بعدنا شيء ولكن تقرها في ايديهم يعملونها. فتكون لنا ولمن بعدنا، فقال: وفقك الله هذا الرأي(7).
وبهذا الرأي وضع الإمام للخليفة عمر معالم السياسة الإقتصادية للدولة الإسلامية.
فهذه السياسة تقوم على ثلاثة مبادئ.
الأول: الغاء ملكية الأرض الصالحة للزراعة التي تم الإستيلاء عليها.
فأرض السواد كانت أرض زراعية تضيف للثروة الإقتصادية موارد جديدة بشرط أن لاتستملك.
الثاني: تعزيز السياسية الإنتاجية بوضع هذه الأراضي الصالحة للزراعة في أيدي من يستطيع استثمارها. فهي في حوزته بشرط الإستثمار.
الثالث: وضع خطة انتاجية بعيدة المدى تستطيع أن توفر السعادة والرخاء للأجيال القادمة. فقد كان اقتراح بعض الصحابة بتقسيم أرض السواد هو اقتراح قصير النظر بينما اتصف اقتراح الإمام ببعد النظر والإلتفات إلى مصلحة الأجيال القادمة بالإضافة إلى مصلحة الجيل الحاضر.
6- بعد أن تم توزيع الغنائم التي غنمها المسلمون من معركة القادسية بقي بساط كبير طوله ستون ذراعاً وعرضه ستون ذراعاً كانت أكاسرة الفرس تستخدمه في الشتاء حيث يتخيلون أنهم في أحدى الرياض، إذ أقيم فوق البساط تماثيل للحيوانات والنباتات وشق فوقه الأنهار من فصوص كالدرر، وكانت العرب تسميه القطيف، فطلب عمر رأي الصحابة بهذا القطيف فمنهم من رأى تفويض الأمر إلى الخليفة ليرى رأيه، ومنهم من كان رأيه أن يكون ملكاً للخليفة..
أما علي (عليه السلام) فقال: لم يجعل الله علمك جهلاً ويقينك شكاً، إنه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت فأمضيت أو لبست فأبليت أو أقلت فأفنيت وإنك إن تبقه على هذا اليوم لم تعدم في غد من يستحق به ما ليس له.
فقال الخليفة عمر: صدقتني ونصحتني فقطعه بينهم(8).
كان علي (عليه السلام) هو الشخص المفضل عند الخلفاء وكيف لا والنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يفضله على غيره وكانوا يسمعون له ويطيعونه واثقين من حسن نواياه ومن رجاحة عقله. ومن جانب لم يترك الإمام فرصة إلا واستثمرها في خدمة الكيان الإسلامي فلم يترك نصيحة إلا وقالها ولا رأياً إلا وأشار إليه.
ثالثاً: المساهمة في الأعمال الإيجابية
لازال المسلمون في عهد الخلفاء الراشدين يتذكرون ما كان رسول الله يطلقه من أوصاف لعلي بن أبي طالب(عليه السلام) أقضاكم علياً.. أنا مدينة العلم وعليّ بابها ولا زالوا يتذكرون كيف كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يثق ثقة تامة بعلي (عليه السلام). فكان يرسله في المهام الصعبة. وكان يطلبه في المشاكل القضائية المستعصية ليدلي برأيه.
وكان بديهياً أن يقرر الخلفاء الاستفادة من علي (عليه السلام)، من علمه وحكمته ومن حسن ادارته لأمور المسلمين، فقد ذكر ابن الأثير أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب استخلف علياً على المدينة مرتين الأولى في السنة الخامسة عشرة للهجرة عند فتح بيت المقدس(9) ومرة أخرى في السنة الثامنة عشرة للهجرة على أثر تفشي الطاعون في الشام فقرّر الخليفة أن يطوف في البلدان وبدأ بالشام مستخلفاً الإمام علي (عليه السلام) على المدينة(10).
أما اليعقوبي فقد ذكر في تأريخه أن الذي استخلفه عمر بن الخطاب على المدينة في زيارته إلى بيت المقدس هو عثمان بن عفان(11) ولم يذكر اليعقوبي شيئاً عن استخلافه اثناء زيارته الثانية إلى الشام عام 18 للهجرة.
وبالاضافة إلى ذلك، كان الإمام علي (عليه السلام) يقوم ببعض الأعمال المستعصية على الآخرين كالإفتاء في أمور القضاء، إذ امتلأت كتب التأريخ والفقه والقضاء بوقائع قضائية كثيرة حدثت في عهد الخلفاء الثلاثة كان للإمام فيها السهم الأكبر في المعالجة والحل. وقد جمع الاستاذ نجم الدين العسكري هذه الوقائع في كتابه علي والخلفاء فذكر عشر مراجعات للخليفة الأول إلى الإمام علي (عليه السلام) ثم ذكر تسعين مراجعة للخليفة عمر وعشر مراجعات للخليفة عثمان فيصبح المجموع مائة وعشر مراجعة قضائية يتولى الإمام حلها في عهد الخلفاء(12).
وهنا كان لابد من التنويه إلى حقيقة تاريخية هي أن الإمام لم يتول أي منصب معين في عهد الخلفاء، وما قيل عن توليه القضاء في عهد الخليفة عمر بن الخطاب غير مؤكد لدى المؤرخين، فلم يرد عند المسعودي واليعقوبي أيّ ذكر لتولي الإمام علي (عليه السلام) مهمة القضاء أما ابن ابن الأثير فقد ذكر هذه العبارة:
وكان على القضاء فيما ذكر علي بن أبي طالب(13) فهو لا يؤكد هذا الأمر.
أما ذكره المؤرخون عن الأحداث القضائية التي تصدي لها الإمام في عهد الخليفة عمر فهي كانت تجري ضمن نطاق المراجعات التي كان يضطر إليها الخليفة عمر عند مواجهته لمشكلة قضائية يستعصي عليه حلها.
فالذي كان يتولى القضاء في عهد عمر بن الخطاب هو نفس الخليفة وليس علي بن أبي طالب كما هو ظاهر من الحكايات المروية عن القضاء في تلك الفترة من عهده.
وكان الخلفاء يشاورون الإمام في القضايا الهامة التي تمسّ الكيان الإسلامي، وفي المسائل التي تتطلب أحكاماً شرعية.
فنظرة الخلفاء عن الإمام كونه المفضّل عليهم استبعد استخدامه كموظف في الدولة الإسلامية فهم يستشيرونه بأعتباره الأعلم والأكفأ في أمور الحكم والأحكام فليس من شأن الإمام أن يكون موظفاً ، كاتباً في عهد أبي بكر وقاضياً في عهد عمر. إلا أن الإمام وتواضعاً منه وحرصاً منه على الإسلام ومستقبل الرسالة، كان يقوم ببعض الأعمال التي لا يجد بين المسلمين من هو قادر على أدائها. فكان يملأ الفراغات في الحكم أينما وجدها فكان يفتي في المسائل الشرعية ويشير في المسائل الادارية ويتولى زمام الأمور في العاصمة الإسلامية، وعندما يرحل الخليفة عنها للحفاظ على أرواح المسلمين وأموالهم كل ذلك انطلاقاً من مبدأ ثابت التزم به الإمام بعد وفاة الرسول الكريم هو الدفاع عن الإسلام وحماية المسلمين.
في نفس الوقت الذي كان فيه الإمام علي (عليه السلام) يساهم في تشييد الدولة الإسلامية كان قد سمح لأصحابه أن يتولوا مناصب حكومية هامة في الدولة الإسلامية فعلى عهد عمر بن الخطاب بدأ الانفتاح بين المجموعة الحاكمة والتيار الذي كان يمثله الإمام علي (عليه السلام) فأخذ الخليفة عمر يستعين بعدد من عناصر التجمع العلوي، فقد عين عثمان بن حنيف وحذيفة بن اليمان لمسح بلاد السواد وجمع خراجها بعد أن تم تحريرها في معركة القادسية فكان خراج العراق ثمانين ألف درهم(14).
كما وأن الخليفة الثاني استخدم سلمان الفارسي على المدائن(15) بعد سقوط الدولة الساسانية لأنه كان من فارس وأيضاً عمار بن ياسر في ولاية الكوفة، كان موقف عمار من هذا النزاع الموقف المحايد، وكان هناك وجهاء الكوفة كعطارد وسعد بن مسعود من كان يريد لعمار أن يكون مجرد آلة بأيديهم فلم يفسح عمار لهم المجال فتحايلوا على التخلص منه فأرسلوا الوفود إلى عمر بن الخطاب طالبين تنحيته من الولاية فاستجاب عمر لدعواتهم فعزله وعين محله أبا موسى الأشعري وعندما التقيا قال عمر لعمار: اساءك العزل.
فأجابه: ما سرّني حين استعملت، ولا ساءني حين عزلت(16).
ونقل عن الخليفة عمر بن الخطاب إنه كتب إلى أهل الكوفة رسالة أرسلها مع عمار:
إني بعثت عماراً أميراً وجعلت معه ابن مسعود معلماً(17) وكان ابن مسعود بحمص، فسيره عمر إلى الكوفة للقيام بأمور التعليم.
وتقلّص دور مجموعة الإمام علي (عليه السلام) في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان لسببين الأول: اعتماد الخليفة بالدرجة الأولى على العناصر الأموية في تولي المناصب الهامة في الدولة. السبب الثاني تلبّد اجواء العلاقة بين الخليفة وأنصار الإمام علي (عليه السلام) لما آل إليه وضع المسلمين نتيجة جور الولاة.
فالعناصر التي كانت تتعاون مع أجهزة الدولة الإسلامية حتى في مستهل خلافة عثمان بن عفان، أخذت تراجع نفسها وتتخذ مواقف تتسم بالنقد والمعارضة.
فقد استغل الولاة ليونة عثمان وتسامحه مع أقربائه فانتهجوا سياسة لا تتفق وسياسة الدولة الإسلامية. فنهض جمع من الصحابة لأداء مسؤولياتهم الدينية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان أبو ذر ضمن طاقم الصحابة المشاورين في الشام فنهض بمسؤولياته عندما تجاوز معاوية حدود الإنفاق التي حددتها الشريعة فكان رد معاوية على أبي ذر أن طرده من الشام.
وحوادث مشابهة وقعت لعمار بن ياسر، فعندما اضطربت الاوضاع في مصر أرسل الخليفة عثمان وفداً لتقصي الحقائق وكان من بين أعضاء الوفد عمار بن ياسر.
أما مالك الأشتر فكان مستشاراً في الكوفة حيث أرسله الخليفة عمر ليكون أحد الافراد الذين يستعين بهم والي الكوفة وهم بالإضافة إلى مالك أبو خشة الغفاري وجندب بن عبد الله وجثامة بن صعب بن جثامة وهم من شخّصهم الخليفة مع الوليد يعينونه، فصاروا عليه كما جاء في الكامل لإبن الأثير(18).
الهوامش:
1- علي انصاريان الدليل على موضوعات نهج البلاغة ص538 وأيضاً الكامل في التاريخ لابن الأثير 3/151.
2- تأريخ اليعقوبي 2/133.
3- الكامل في التأريخ ابن الأثير 3/8.
4- تأريخ اليعقوية 2/145.
5- الكامل في التأريخ 2/526.
6- الكامل في التأريخ 2/504.
7- تأريخ اليعقوبي 2/152.
8- الكامل في التأريخ 2/ 518.
9- الكامل في التأريخ 2/ 500.
10- الكامل في التأريخ 2/ 561.
11- تأريخ اليعقوبي 2/147.
12- يراجع في ذلك كتاب علي والخلفاء لنجم الدين العسكري.
13- ابن الأثير الكامل في التاريخ 2/ 449.
14- تاريخ اليعقوبي 2/ 152.
15- المسعودي مروج الذهب 2/314.
16- ابن الأثير الكامل في التأريخ 2/ 32.
17- ابن الأثير الكامل في التأريخ3/ 4.
18- الكامل في التاريخ 3/8.