محاضرات النحو2- المحاضرة 19
وفي اختيار لا يجئ المنفصل *** إذا تأتى أن يجئ المتصل
كل موضع أمكن أن يؤتى فيه بالضمير المتصل لا يجوز العدول عنه إلى المنفصل، إلا فيما سيذكره المصنف، فلا تقول في أكرمتك " أكرمت إياك " لانه يمكن الاتيان بالمتصل فتقول: أكرمتك.
فإن لم يمكن الاتيان بالمتصل تعين المنفصل، نحو إياك أكرمت، وقد جاء الضمير في الشعر منفصلا مع إمكان الاتيان به متصلا، كقوله:
15 - بالباعث الوارث الاموات قد ضمنت *** إياهم الارض في دهر الدهارير
***
وصل أو افصل هاء سلنيه، وما *** أشبهه، في كنته الخلف انتمى
كذاك خلتنيه، واتصالا *** أختار، غيري اختار الانفصالا
أشار في هذين البيتين إلى المواضع التي يجوز أن يؤتى فيها بالضمير منفصلا مع إمكان أن يؤتى به متصلا.
فأشار بقوله: " سلنيه " إلى ما يتعدى إلى مفعولين الثاني منها ليس خيرا؟ في الاصل، وهما ضميران، نحو: " الدرهم سلنيه " فيجوز لك في هاء " سلنيه " الاتصال نحو سلنيه، والانفصال نحو سلني إياه، وكذلك كل فعل أشبهه، نحو الدرهم أعطيتكه، وأعطيتك إياه.
وظاهر كلام المصنف أنه يجوز في هذه المسألة الانفصال والاتصال على السواء، وهو ظاهر كلام أكثر النحويين، وظاهر كلام سيبويه أن الاتصال فيها واجب، وأن الانفصال مخصوص بالشعر.
وأشار بقوله: " في كنته الخلف انتمى " إلى أنه إذا كان خبر " كان " وأخواتها ضميرا، فإنه يجوز اتصاله وانفصاله، واختلف في المختار منهما، فاختار المصنف
الاتصال، نحو كنته، واختار سيبويه الانفصال، نحو كنت إياه، [ تقول، الصديق كنته، وكنت إياه ].
وكذلك المختار عند المصنف الاتصال في نحو " خلتنيه " وهو: كل فعل تعدى إلى مفعولين الثاني منهما خبر في الاصل، وهما ضميران، ومذهب سيبويه أن المختار في هذا أيضا الانفصال، نحو خلتني إياه، ومذهب سيبويه أرجح، لانه هو الكثير في لسان العرب على ما حكاه سيبويه عنهم وهو المشافه لهم، قال الشاعر:
16- إذا قالت حذام فصدقوها *** فإن القول ما قالت حذام
***
وقدم الاخص في اتصال *** وقدمن ما شئت في انفصال
ضمير المتكلم أخص من ضمير المخاطب، وضمير المخاطب أخص من ضمير الغائب، فإن اجتمع ضميران منصوبان أحدهما أخص من الآخر، فإن كانا متصلين وجب تقديم الاخص منهما، فتقول: الدرهم أعطيتكه وأعطيتنيه، بتقديم الكاف والياء على الهاء، لانها أخص من الهاء، لان الكاف للمخاطب، والياء للمتكلم، والهاء للغائب، ولا يجوز تقديم الغائب مع الاتصال، فلا تقول: أعطيتهوك، ولا أعطيتهوني، وأجازه قوم، ومنه ما رواه ابن الاثير في غريب الحديث من قول عثمان رضي الله عنه: " أراهمني الباطل شيطانا "، فإن فصل أحدهما كنت بالخيار، فإن شئت قدمت الاخص، فقلت: الدرهم أعطيتك إياه، وأعطيتني إياه، وإن شئت قدمت غير الاخص، فقلت: أعطيته إياك، وأعطيته إياي، وإليه أشار بقوله: " وقدمن ما شئت في انفصال " وهذا الذي ذكره ليس على إطلاقه، بل إنما يجوز تقديم غير الاخص في الانفصال عند أمن اللبس، فإن خيف لبس لم يجز، فإن قلت: زيد أعطيتك إياه، لم يجز تقديم الغائب، فلا تقول: زيد أعطيته إياك، لانه لا يعلم هل زيد مأخوذ أو آخذ.
***
وفي اتحاد الرتبة الزم فصلا *** وقد يبيح الغيب فيه وصلا
إذا اجتمع ضميران، وكانا منصوبين، واتحدا في الرتية -؟ كأن يكونا لمتكلمين، أو مخاطبين، أو غائبين - فإنه يلزم الفصل في أحدهما، فتقول: أعطيتني إياي، وأعطيتك إياك، وأعطيته إياه، ولا يجوز اتصال الضميرين، فلا تقول: أعطيتنيني، ولا أعطيتكك، ولا أعطيتهوه، نعم إن كانا غائبين واختلف لفظهما فقد يتصلان، نحو الزيدان الدرهم أعطيتهماه، وإليه أشار بقوله في الكافية:
مع اختلاف ما، ونحو " ضمنت *** إياهم الارض " الضرورة اقتضت
وربما أثبت هذا البيت في بعض نسخ الالفية، وليس منها، وأشار بقوله: " ونحو ضمنت - إلى آخر البيت " إلى أن الاتيان بالضمير منفصلا في موضع يجب فيه اتصاله ضرورة، كقوله:
بالباعث الوارث الاموات قد ضمنت *** إياهم الارض في دهر الدهارير
وقد تقدم ذكر ذلك.