محاضرات العقائد - المحاضرة 5
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين .
قلنا إن للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معجزات بعضها مؤقتة بقضية خاصة ولكن هناك نوع ثاني من دلائل صدق نبوة النبي( صلى الله عليه وآله )وإعجاز كلامه كبرهان على صدق نبوته هو المعجزة الخالدة التي ظهرت في القرآن الكريم الآن نريد أن نتحدث عن ثلاث مزايا للقرآن الكريم امتاز بها هذا المعجز وهذا الكتاب السماوي الذي تحدى الجميع ، ثلاث مزايا تفرد بها القرآن الكريم كمعجزة سماوية من بين جميع المعاجز التي ظهرت على يد الأنبياء من أول نبي وجد على ظهر هذا الكوكب ودعا الناس إلى الله تبارك وتعالى وقال انه سفير من الله تبارك وتعالى يبلغ رسالة إلى البشر وحتى النبوة الخاتمة.
يعني هذه المزايا الثلاثة بعد دراسة وتتبع ومقارنة نجد أنها مزايا خاصة بالقرآن الكريم نحن نعرف أن هود كانت له معاجز النبي صالح كانت له معاجز داود وسليمان أعطيا من القدرة والأثر ما لم يعطى لمثلهم من الأنبياء.
لا ننسى الدعاء الذي دعا به سليمان على نبينا عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام أنه يسأل الله تبارك وتعالى مُلكاً لا ينبغي لأحد أعلى درجات الملك بحيث لا ينبغي لأحد أبداً. هذا المعنى إذا الله تبارك وتعالى يقول سخرنا له الروح تجري بأمره يعني أي أثر اكبر من ذلك أن الرياح وهي تهب حسب نظام معين في قانون الطبيعة سخرها الله تبارك وتعالى لمشيئة وإرادة ولاختيار نبي من أنبيائه وهو سليمان (عليه السلام). داود كذلك صالح هود وغيرهم من الأنبياء كل نبي كانت له معجزة وهذه المعجزة كانت في الحقيقة مقترنة بادعائه الرسالة والنبوة وإ تيانه بنبأ من السماء يبلغه للناس وذكرنا في المحاضرة السابقة ربما كانت لنا إشارات فيما تقدم حول معجزة موسى (عليه السلام) حيث عصاه ومعجزات عيسى (عليه السلام) التي منها إبراء المرضى ومعالجة الأمراض المستعصية وإحياء الموتى بإذن الله تبارك وتعالى وما شاكل ذلك لكن مع ذلك لو قارنا القرآن بالمعجزات الأخرى التي أتى بها سائر الأنبياء نجد هناك ثلاث مزايا امتاز بها القرآن ، المزية الأولى هي أن القرآن يتكفل الهداية الروحية ولا يكتفي بالآثار الجسمية والمادية. دعونا نتوقف عند هذه المزية قليلاً. لاحظوا حينما ألقى موسى (عليه السلام) عصاه فتحولت العصا إلى ثعبان مبين وهذا الثعبان التقف الآثار السحرية الأخرى التي أتى بها السحرة في عهد فرعون، في الحقيقة الأثر كان أثر ظاهري أثر مادي إن صح التعبير بهذا المعنى. يعود إلى الجسم أو يعود إلى ظاهر المادة أو إلى الظواهر المادية يعني من الناحية الكيميائية على كل حال كتلة معينة مادة معينة إنها تتشكل من خشب وهي عبارة عن عصا وكان يتكأ عليها ((وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى، قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُ عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى)) فإذاً هي قطعة عصا كان يتكأ عليها ويهش بها على غنمه وأحياناً يستفيد منها لأمور أخرى يدافع عن نفسه إذا هجم عليه شخص أو ماشاكل ذلك . هذه العصا تتحول بقدرة الله تبارك وتعالى وبامداد بإعجاز منه إلى ثعبان هذا الثعبان يتحرك يفتح فمه فيلتقف ويبتلع جميع الاشياء الأخرى الحبال العصي التي تقابل العصي والاشياء الأخرى التي يخيل لهم من سحرهم أنها أفعى ولهذا أيضاً معنى دقيق من معاني القرآن الكريم لماذا؟ لأن الأمم كلها كانت مبهورة ومأخوذة بالسحر وبتأثير السحر والساحر وبمراجعة القرآن ليقول هذا السحر إنما هو وهم وخيال وأول دليل على ذلك أن الساحر يقوم ببعض الحركات التي بهذه الحركات يخيل اليهم من سحرهم أنها أفعى بالتأثير في المخيلة للناظرين والمشاهدين يجعل هذا التأثير أنهم يتصورونه على كل حال أذكر طرفة طريفة جداً،كنت صبياً وشاهدت تجمعاً خارج البلد والزوار والناس كلهم مجتمعين ودائرة كبيرة حول شخص وهو يضع شيء وعنده علبة أمامه فيقول الآن سأفعل كذا والآن سأفعل كذا انتظروا سأفعل يريد أن يجذب اهتمام عدد كبير انتظرت أنا و انتظرت وأخيراً لاحظت أن هذا الرجل الذي يقوم ببعض الأعمال السحرية يتحاشى وجودي من بين أولئك لماذا لا أدري لكن أنا كنت محقق ومحدق بصري على هذه الأعمال البهلوانية أوالسحرية التي يقوم بها. أرى الرمز في ذلك فامتنع أن يقوم بأي شيء وبعد ذلك غادرت المكان وفهمت أنه قام ببعض الأعمال السحرية لم يسمح في أن أقف حتى أجد كيفية لعبه بأدمغة الناس والخيالات وأعمال الشعوذة والجمبازيات والأعمال البهلوانية وأمثالها على كل حال هي لعب من الخيال والقرآن الكريم يصرح بأن هذا السحر لا واقع له.
على كل حال لسنا بصدد ذلك والآن نرجع فنقول هذا التخيل يعني موسى يدعي أنه مرتبط بالله سبحانه وتعالى يدعو فرعون وجماعته إلى الإيمان بالله تبارك وتعالى الذي قال أنا ربكم الأعلى فهو يحتاج إلى دعم، وهذا الدعم كان بصورة معجز أي معجز الأثر الذي كان مستولي على الجماعة الذين كانوا عندهم مهارة قوية جدا كان عندهم سحر تحول هو تحول العصا إلى ثعبان هذا الأثر مادي تحول فيزيائي وبعبارة أخرى هذا الجسم ولذلك عبرنا عن هذه بهذا الجسم هذا الجسم يتحول من شكل خاص إنما هو عصا إلى شكل خاص ألا وهو الثعبان لكن إذا اقتنع الناظر والمشاهد بأن بإمكان موسى أن يتفوق على كل السحرة الآخرين فمعنى ذلك عنده قوة أكبر منهم مستند إلى مقام أعلى وأسمى لذلك يستطيع أن يقوم بذلك الأثر الذي طرأ به اعجازه كان بأثر ما. عيسى (عليه السلام) نفس الشيء ، عيسى لما عالج مريضاً لما أبرأ الأكمه لما من باب المثال لما أحيى الميت الأثر الذي كان يرى هذا الأثر الظاهري في الجسم هذا الجسم الذي سقط بلا حراك ومَرِض و تنفس ليس لديه، نبي الله عيسى (عليه السلام) يقرأ له الدعاء ويمسح بيده عليه وإذا يشفى بإذن الله تبارك وتعالى ويحيا ويمشي هذا الأثر ظاهري اثر جسمي اثر تنعكس آثاره على هذا الذي نشاهده لكن لاحظ القرآن مزية القرآن انه تكفل الهداية الروحية والمعنوية ولم يتوقف على الجانب الجسمي الظاهري المادي لماذا؟ لأن مبدئيا الاعجاز تعترف مثلاً أن الإنسان مكون من عنصرين أو ثلاث عناصر ، عنصرين مادي وغير مادي أو جسم وروح ذلك لا كما يقول الماديون فهو إذاً يتركب إذا من جسم ومن روح وربما في عالم الأخلاق وعالم التزكية والتهذيب نصل إلى أن الإنسان مركب من جسم وروح ونفس فلنعبر عنها بالنفس الناطقة هذه النفس التي تكون لوامة وتكون مطمئنة وتكون كذا وكذا. أو الأمر بالسوء إلى آخر وهي التي تشرف الإنسان على غيره من الموجودات في الكون إذا قلنا أنه هناك ثلاث عناصر في الكون الجسم والروح والنفس وإذا قلنا عنصرين بمعنى جسم والعنصر الآخر الذي هو غير جسماني ونقصد بذلك الروح والجسد المشار إليهما لكن لسنا بصدد الإشارة إلى ذلك الآن. إذاً الأنبياء كلهم متفقون على أن الانسان مكون من روح وجسم الأشياء التي تساعد الجسم على النمو وجمال الظاهر والعفة والنظافة واللياقة وحسن الأثر هذا الشيء.
ولكن تهذيب النفس والروح وانضاج العملية التربوية بحيث النفس تصبح شفافة صقيلة بعيدةعن الدرن نظيفة تحلق إلى درجة أنه يتشرف بها هذا الإنسان ويصل إلى مراتب السمو المعنوي والكمال هذه نقطة مهمة.
معجزات موسى، معجزات عيسى، معجزات داود وسليمان معجزات هود وصالح هذه المعجزات كانت كلها دلائل على استناد هذا النبي إلى القوى الغيبية والى مصدر الخليقة ولكن لم يكن فيها هذا الجانب إلى نفس المعجزة نفس الشيء الذي يكون دليلاً على إعجازه نفسه يكون مؤثراً في الهداية الروحية والمعنوية في النفس. بينما القرآن نجد أنه لما يسن قوانين المجتمع وكيفية التعامل مع الناس وإعطاء كل ذي حق حقه والجانب الظاهري والبنية الفوقية للمجتمع نجد بنفس الوقت ينظر إلى البنى التحتية وكيفية تهذيب النفس وصقل الشخصيات وتزكيتها ومن الغريب أن تجد ومن البديهي من جهة أخرى نقول أنه ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ)) التزكية مقدمة في هذه الآية وهي هدف بعثة النبي والرسالة مقدمة على التعليم وعلى تعليم الكتاب والحكمة إذاً التزكية أساس الشيء للبنية التحتية بالنسبة إلى أهداف الرسالة وبناءً على ذلك نقول لاحظ مسألة دقيقة جداً وحساسة كل آية فيها دعوى إلى الخير والى العمل الصالح والى الكمال والى الهداية وبنفس الوقت ليس مجرد نظرية وإنما عملية تربوية تهذيبية مستمرة بهذا الترتيب نجد أن القرآن يتبنى هذا النوع من الهداية وبموجب ذلك نجد أن إعجاز القرآن يكون في ضمان هذا. أحياناً تجد أن إنساناً في التاريخ مليء بهذه النماذج إنساناً فاسقاً إنساناً منحرفاً إنساناً بعيداً عن خط الهداية يستمع إلى آية قرآنية واحدة فتعجبه فتقلبه رأساً على عقب ألم يأمل الذين بمجرد أن يسمع ذلك الشخص الذي كان يقترف المعاصي بمجرد أن يسمع هذه الآية يرددها شخص آخر يقول نعم لقد آن وقت ذلك وينطلق. وجدنا أن جعفر بن أبي طالب لما يذهب إلى الحبشة ويقرأ أمام الأحبار والرهبان آيات من القرآن الكريم يتأثرون بذلك وتجري دموعهم على خدودهم وما شاكل ذلك .
القرآن نفسه يعبر عن ذلك أنه كتاب هدى كتاب هداية وبيان ويدعو إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة وخلاصة ذلك نقول إن المزية الأولى للقرآن الكريم بالمقارنة مع سائر المعاجز التي ظهرت مع الأنبياء الآخرين (انه تكفل رعاية وتهذيب الجانب المعنوي الجانب الروحي في الانسانية) بينما بقية المعاجز كانت معنية فقط بالجانب الجسدي أو الظاهري. هذه هي المزية الأولى وأما المزية الثانية التي ينفرد بها القرآن الكريم الذي يسأل ما هي أن القرآن لم يقتصر على عصر واحد وإنما الخلود ومجارات كل عصر سمة بارزة من سمات القرآن الكريم إذن القرآن إذاً يتحدث عن نفسه في كل عصر وبعبارة أخرى ليس من الضروري تقارن هذا المعجز مع من أتى به حتى يأثر أثره لاحظوا الفارق بدقة إذا لم يكن عيسى حياً وحاضراًً الحكايات ورواية أنه عالج الشخصي الفلاني أو أبرء الأكمه الفلاني والأبرص الفلاني مثلاً اذا كان ذلك هو الأثر المطلوب يجب أن يحضر عيسى (عليه السلام) ويقوم بعملية إبراء الأكمه أمام جماهير من الناس بعضهم يلتفتون إلى ذلك وما ذا، يذعنون برسالته فإذاً وجود المدعي النبوة وإتيانه بهذا المعجز بجانب معجزته كان هو دليل صدق دعواه بينما القرآن الكريم ليس كذلك ليس من الضروري أن نسمع القرآن من شخص الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم) وهو ينزل عليه الوحي ولا أن يردده أمامنا لنعلم أنه قد أوحي إليه قبل لحظات أو قبل ساعة وإنما حتى ولو بَعُد العهد وحصل فاصل بين من تلقى هذا الوحي من السماء وهو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والآيات القرآنية التي أتى بها فإن أثر الإعجاز في تلك الآيات وفي تلك السور التي أتى بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هي كافية لإثبات عظمة القرآن الكريم ولإثبات النبوة والرسالة. إذاً تجد الميزة الثانية حينما تقارن إعجاز القرآن بغيره من المعجزات.
تجد أن القرآن يتحدث عن نفسه ويبرهن على عظمته ويثبت أنه كلام الله تبارك وتعالى حتى ولو لم يذكرنا بذلك النبي الذي أتى به وبذلك يثبت أن نقول ما عداه باطل وأن كل كلام من كلام الآدميين لا يمكن أن يرقى الى ذلك المستوى الذي عليه القرآن الكريم بينما في ميزات أخرى لم تكن كذلك وأما المزية الثالثة التي تفرد بها القرآن الكريم من بين سائر المعاجز وأنه يستخدم أبسط الأدوات والأساليب لإثبات اعجازه ال (أ-ب) كل المفردات التي يتكون بها القرآن. أليس القرآن معجزة نعم مما يتكون ويتشكل هذا القرآن يتشكل من سور والسور تتألف من آيات قصيرة أو طويلة قد تكون عندنا آية قصيرة بقصر ((مُدْهامَّتانِ)) وهي كلمة واحدة وهذه تكون آية طويلة ربما تأخذ أربع أسطر أو خمسة أسطر من المصاحف الموجودة و ربما حسب حجم المصاحف ثمانية أسطر وما شابه ذلك. فإذاً قد نجد في الآية الواحدة مثل ((مُدْهامَّتانِ)) أو تكون في الآية الواحدة مئات الكلمات، القرآن يتكون من سور السور تتكون من آيات الآيات متفاوتة في قصرها وطولها المعاجز التي أتى بها موسى وعيسى كانت من المواد الأولية التي كانت مستعصية على الآخرين وأيضاً لاحظوا هذا الفرق ودققوا فيه جيداً لاحظوا لما لم ترسي المادة أو المواد التي تشكل أساس إعجاز موسى (عليه السلام) العصا. هذه العصا في الحقيقة لا يستطيع غيره مهما فعل أن يأتي بها أو بمثلها أو بعبارة أخرى فن السحر إنما هو عمل خاص لا يستطيع كل شخص أن يقوم به يحتاج إلى تدريب طويل ومع ذلك أفضلهم وأمهرهم عجز عن مجاراة موسى، عيسى في ذلك لما كان يبرأ الأكمه والأبرص هذه عملية خاصة لم يكن الآخرون قادرون عليها المواد المستخدمة هي مواد خاصة و بعبارة أخرى يستطيع أن يدعي الشخص الذي دعي إلى المقابلة والمجابهة أن يقول بأنه أنا لا أملك الأدوات التي أنت تملكها والخصائص التي أنت تملكها لكن عظمة إعجاز القرآن أن القرآن يتشكل من نفس (أ ـ ب) التي يعرفها كل العرب نفس ال (أ_ ب) ما جاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليكون (أ ـ ب) أخرى تختلف من الـ(أ ـ ب) الجديدة ويشكل منها قرآن ليس نفس ال(أ_ ب) ،لا أنت عربي لولا ، أنت فصيح لولا، أنت قرشي لو لا ، نعم لماذا لا تستطيع أن تؤلف كلاماً بعظمة إعجاز القرآن من هذه الألفاظ التي هي (أ ـ ب ـ ت ....الخ) ولعل أحد الأقوال لدى المفسرين بالنسبة إلى الحروف المتقطعة التي تبدأ بها بعض السور القرآنية (ألم) (ألم ر ص) (ص ق حمعسق ....الخ) هذه الحروف المقطعة فيها أقوال مختلفة فيما بدا لي فيها أحد عشر قول بشأنها ،واحد من الأقوال هو تنبيه الناس انظروا هذه آيات لتقول هذه الحروف من(أ ول ومن الميم والصاد). ليست متشكلة من شيء آخر فإذا كان بإمكان البشر العادي أن يأتي بقرآن من هذه فليصغ وليفعل فإذا عجزت عن ذلك فاعلم أن هذه الحروف وهي المواد الأولية واليد يدك واللسان لسانك والمقدرة الفكرية هي مقدرة فكرية لم يكن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نابغة ولم يكن متفوقاً على الآخرين في هيكله الظاهري مثلاً وبمقدرته الجسمية وإنما نفس المكونات نفس الأدوات نفس المكونات كانت متوفرة لدى الجميع وتوفرت له ولكن القرآن يقول انظروا، هذا القرآن الكريم يتكون من نفس الحروف لماذا لا تستطيعون أن تأتوا بمثله هذا يكفي بإعجاز الرسالة وبإعجاز القرآن إذن نلاحظ أن القرآن يستخدم أبسط الأدوات وهي الحروف (أ ـ ب) في اثبات الاعجاز هذا الـ(أ ـ ب) نفسها موجودة في كل لغة وتستطيع أن تقول بأنك تصنع تفصل إصنع لكن حيث تعجز فهذا دليل على أن هذا من مختصات الإعجاز القرآني ولا يساويه ويشاركه في ذلك أي شيء آخر. إذن فلنتذكر هذه المزايا الثلاثة للإعجاز القرآني دائماً بالمقارنة مع المعجزات الأخرى التي أتى بها سائر الأنبياء والآن ننتقل إلى بحث موجز يعتمد على الاعجاز وصلته بدعوى النبوة سبق أن أشرنا إليه فيما سبق ولكن الآن نصوغه في شكل يشبه الصياغة المنطقية يعني الشكل الأول في الصغرى والكبرى ولكن في نفس الوقت يضع عناصر أساسية للإعجاز في ذهننا فلننظر إلى عناصر الاعجاز يعني حينما نذكر اعجاز القرآن الكريم فلننظر إلى عناصر الإعجاز ودلالة ذلك على النبوة .
أولاً قلنا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إدعى النبوة، ثانياً تحدى العرب والبلغاء والفصحاء ثم تحدى الجن والإنس على الإتيان بمثله والنقطة الثالثة ادعى النبوة وتحداهم فعجزوا عن المجاراة يعني لم يستطع أحد من أن يأتي بشيء يضاهي أو يماثل القرآن الكريم في هذه العناصر التي نتحدث عنها بإيجاز في ختام بحثنا اليوم على أن ننتقل إلى خصائص الإعجاز القرآن في المحاضرات الثلاث القادمة ونربط البحث كله بنتيجة واحدة.
قلنا فيما سبق أن حقيقة الإعجاز ليست أن بعبارة أخرى حقيقة الإعجاز تتركز في أن يأتي المدعي للنبوة بعمل يعجز الآخرون عادة عن الإتيان بمثله ثم يدعوهم لمجاراته ويتحداهم على الإتيان بمثله وإذا عجزوا عن ذلك ولم يقدروا وثبت فشلهم حين إذاٍ يثبت أهم شيء في إعجاز المعجز.
الإدعاء للنبوة والتحدي وفشل أولئك من المجارات وعجزهم عن الإتيان بمثله هذه الثلاث عناصر مهمة جداً فلننظر إلى العنصر الأول من الواضح وقلنا أن هذا ثبت سابقا وأن الناس كلهم مجمعين على هذا فما نحتاج إلى دليل لكن القرآن نفسه يحكي لنا صورة بسيطة إلى ذلك في سورة الأعراف آية (58) نجد أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يخاطب الناس ويقول ((يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً)) لاحظوا النقاط المهمة في هذا الإعلان.
أولاً: ياأيها الناس لم يقل ياأيها العرب لم يقل يا أبناء قريش لم يقل يا أبناء الأمة العربية لم يقل يا أبناء الحجاز لم يقل يا أبناء مكة ويثرب لم يقل يا أبناء عبد المطلب لاحظوا ((يا أَيُّهَا النَّاسُ)) كل إنسان وكل من ينطبق عليه عنوان الإنسان فهو مشمول بهذا النداء ((يا أَيُّهَا النَّاسُ)) بعد ذلك لما وجه النداء والخطاب اليهم قال ((إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً)) من دون استثناء وهذا هو دليل على أنه قام بهذا الادعاء يعني بعبارة أخرى قال إني صاحب رسالة حينما نقول صدق الدعوى يدعي النبوة نقول رأي الناس أنه صاحب دعوة بالفعل أعلم الناس أنه صاحب دعوة سماوية من الله تبارك وتعالى.
النقطة الثانية أنه يأتي بمعجز ويدعوا الناس بالإتيان بمثله يعني يتحداهم إذاً التحدي هو العنصر الثاني فبناء على ذلك نجد أنه يقوم بعمل من شأنه أن يثبت أنه على صلة بخالق الأرض والسماء وبظاهد العلم والحكمة والقدرة وبجاعل الأشياء أشياء ومضافاً إلى ذلك يقول أنا صاحب هذا المعجز فمن يستطيع أن يأتي بمثله فليتفضل وليتقدم. إذاً التحدي هو أساس ثاني. إذاً هذا التحدي وجدناه فيما مضى حيث يحرك الهمم والدواعي ويشجعهم على مجاراته ويتحداهم على الإتيان بمثل القرآن بمثله أولاً ثم يتنازل ويقبل بعشر سور ويتنازل في النهاية ويكتفي بسورة واحدة فقط.
لو كانت القبائل قبائل المشركين يعني واقعا لو كان في مقدورها كانت تجتمع وتشكل ندوة وتدعو نخبة من الفصحاء والبلغاء والشعراء افترض أين كان امرئ القيس النابغة الذبياني كل الفصحاء والبلغاء الذين كانوا موجودين تدعوهم قريش أو يدعوهم المشركين وتدفع لهم المبالغ الطائلة فقط من أجل الإتيان بسورة مشابهة هذا الرجل وهو رسول الله ( صلى الله عليه وآله) إذاً هو تحداكم أولاً في القرآن كله ثم تنازل وقال عشر سور تنازل وقال سورة واحدة ولم يحدد سورة طويلة أم قصيرة أي سورة من السور القرآنية المشابهة لها ربما كانت في بعض السور ثلاث آيات في بعض السور خمس آيات في بعض السور ثماني أو عشر آيات اذا سورة قصيرة تفضلواو اجمعوا كل قواكم وشعركم وبعد ذلك قولوا على الأقل هذا مشابه لذاك لما تقولونه استعمل القرآن الكريم جميع وسائل الإغراء وجميع الطرق التي يقصد بها التشجيع لماذا لم تفعلوا ذلك لماذا تقاعستم عن ذلك إذاً هو تحداهم وكان هذا التحدي إلى درجة أنه بالمجتمع الحجازي كانت البلاغة وكانت الفصاحة وكانت الخطب أحياناً نقول أنه كانت هناك مستويات راقية من الخطابة وما شاكل ذلك ومع ذلك لم يستطيعوا أن يفعلوا النقطة التي ذكرناها قبل قليل، الخلود يعني هذا الخطاب ليس مختصاً لبلغاء قريش الذين عاصروا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنما التحدي مستمر باقي إلى يوم القيامة يعني ليس فقط انتم، إلى يوم القيامة كل البلغاء والفصحاء إذا اجتمعوا في أي مرحلة وجعلوا المجمع البلاغي في اللغة والأدب وصنعوا الأكاديمية الفلانية للآداب وصنعوا مؤتمر يضم كل النوابغ في عالم الأدب والبلاغة والفصاحة والبيان أدعوا أمراء البيان في أي عصر أن يأتوا بسورة مثل سور القرآن وبعد ذلك انظروا إعجاز القرآن صحيح أم لا لهذا ترى دليل واضح وصارح على تحديه وقوةه.
وهنا ننتقل إلى النقطة الثالثة،نجد أنه رغم هذا التحدي عجز الجميع عن مجاراته ولم يأتوا بشيء إذا العجز عن المجاراة هو العنصر الثالث يعني كان بإمكانهم أن يأتوا بسورة بليغة وكان عندهم هذا الشيء السهل جداً مع ذلك ما استطاعوا ولم يقدروا على الإتيان بسورة مثل السورة القرآنية وفضلوا أن تهتك حرماتهم وتزهق نفوسهم وتذهب أموالهم هدراً يقدمون هذه الضحايا الكثيرة والقتل والتشريد وأكثر من ذلك الضعف الذي أصابهم في مقابل غلبة المسلمين وغلبة الاسلام عليهم كل ذلك تحملوه، أسهل من أن يجاروا القرآن وبذلك نجد العناصر الثلاثة مجتمعة كلها ادعاء النبوة وإتيانه بالمعجز مع التحدي وأخيرا عجز الآخرين عن مجارات هذا الإعجاز ومجاراة هذه العناصر الثلاثة يجب أن تبقى في بالنا متى ما سألنا عن تلخيص إعجاز القرآن في الرسالة التي أتى بها (صلى الله عليه وآله وسلم) رسول الإنسانية ومنقذ البشرية وخاتم الأنبياء المرسلين ونتذكر أنه هي المقومات الأساسية وسننتقل إلى جوانب إعجاز القرآن في المحاضرة القادمة إن شاء الله ومنه تعالى نستمد التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .