محاضرات العقائد - المحاضرة 35
آية أخرى: وربما يستدلون للجبر بقوله تعالى: (وجعلوا لله شركاء الجن، وخلقهم، وخرقوا له بنين وبنات بغير علم، سبحانه تعالى عما يصفون، بديع السماوات والأرض أنّى يكون له ولد ولم يكن له صاحبة، وخلق كل شيء، وهو بكل شيء عليم).(1)
هذه الآية تصرح أن الله (خالق كل شيء) ومن الأشياء أفعال الإنسان، فينتج أن الله خالق لأفعال الإنسان، ولا اختيار له في ذلك.
ولكن دلالة الآية على المدعى قاصرة.(2)
أما أولاً- فلأن هذه الآيات بصدد الحديث عن عظمة الله وقدرته في خلق الموجودات، فلو كانت تدل على أن الله خالق لأفعال الإنسان الاختيارية كان معنى ذلك صدور المفاسد والانحرافات والمعاصي والشرك من الله، فأي عظمة في ذلك؟
وأما ثانياً- فلأن الآيات السابقة تدل على أن الناس كانوا يتصورون لله شركاء وبنين وبنات، فجاءت هذه الآية منددة بهذا القول ومنكرة له، لأن جميع ما يتصور شركته لله في الخالقية مخلوق له.
وأما ثالثاً- هناك عشرات الآيات تسند الأفعال الاختيارية للإنسان إليه، وألا تصلح هذه الكثرة من الآيات لتخصيص آية واحدة؟
وكنموذج للآيات التي تنسب مسؤولية أفعال الإنسان الاختيارية إليه وتنزه الله عن الظلم نذكر ما يأتي:
1- قوله تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة).(3)
2- قوله تعالى: (فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكّاها، وقد خاب من دسّاها).(4)
3- لقد ذكرت مادة (العمل) ومشتقاتها في القرآن في ما يقارب 300 موضعاً، وقد نسبت في جميعها إلى الإنسان نفسه، فطائفة منها بصدد الحديث عن العذاب الأخروي وأنه نتيجة أعماله (ذوقوا ما كنتم تعملون).(5) وطائفة منها تلقي مسؤولية نتائج أفعال الناس على عاتقهم (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).(6)
4- الآيات النافية للظلم عن الله تبارك وتعالى كقوله تعالى: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة).(7) وأي ظلم أعظم من إجبار الناس على المعصية ثم معاقبتهم على ذلك؟
5- هناك ما يقرب من 80 آية في القرآن تنسب الظلم إلى الإنسان نفسه، كقوله تعالى: (فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).(8)
6- وهناك آيات واضحة في أن الإنسان يستطيع سلوك طريق الاعتدال كما يمكنه سلوك طريق الانحراف، وأن الباب مفتوح أمامه لكلا الطريقين كقوله تعالى: (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً).(9)
ونلخص ما تقدم بأن نسبة الأفعال إلى الله من جميع الجهات غير مقبولة في القرآن الكريم.
ـــــــــــ
الهامش
(1)- سورة الأنعام، الآية 100-101
(2)- للتوسع في الآيات التي استدل بها على مسألة الجبر وأجوبتها يراجع:
استقصاء النظر في الجبر والقدرة: العلامة الحلي.
جبر واختيار: الشيخ محمد تقي الجعفري.
(3)- سورة المدثر، الآية 38
(4)- سورة الشمس، الآية 8
(5)- سورة العنكبوت، الآية 55
(6)- سورة الرعد، الآية 11
(7)- سورة النساء، الآية 4
(8)- سورة التوبة، الآية 7
(9)- سورة الإنسان، الآية 3