محاضرات العقائد - المحاضرة 21 - صفات الله
صفات الله
جرت طريقة علماء الكلام على تقسيم صفات الله إلى مجموعتين:-
1- الصفات الثبوتية
2- الصفات السلبية
وذكروا أن الصفات الثبوتية تنحصر في ثمانية، هي: القدرة، والعلم، والحياة، والإرادة، والكراهية، والإدراك، والأزلية، والأبدية، والتكلم، والصدق. (باعتبار الإرادة والكراهية صفة واحدة، والأزلية والأبدية كذلك، وإلا فإنها عشرة).
كما ذكروا أن الصفات السلبية سبع، هي: أنه تعالى ليس بمركب، ولس بجسم ولا جواهر ولا عرض، وليس محلاً للحوادث، ولا يُرى، ولا شريك له، ولا تعرضه المعاني والأحوال، وليس محتاجاً.
ووجه تسمية كل من المجموعتين واضح بأدنى تأمل.
وأول ما نقوله هنا أن حصر هذه الصفات في الأعداد المذكورة ممّا لم يرد في نصّ معين، من كتاب أو سنّة، وإنما وردت الاشارة إلى كل صفة منها في ضمن آية أو حديث. ولكي نلمّ بجميع جوانب البحث لابد لنا أن نناقش المسائل الآتية:
أولاً: هل يجوز اطلاق الصفة على الله؟
قد يبدو هذا السؤال غريباً لأول وهلة، لكن البحث الدقيق يقودنا إلى وجود من يخالف في إطلاق الصفة على الله. فقد نقل عن ابن حزم الظاهري(1) انه قال: (لم ينص قط في كلامه المنزل على لفظة الصفات ولا على لفظ الصفة، ولا حفظ عن النبي (صلى الله عليه وآله) بأن لله تعالى صفة أو صفات. نعم ولا جاء قط عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا عن أحد من خيار تابعي التابعين. ومن كان هكذا فلا يحل لأحد أن ينطق به. ولو قلنا أن الاجماع قد تيقن على ترك هذه اللفظة لصدقنا، فلا يجوز القول بلفظ الصفات ولا اعتقاده بل هي بدعة منكرة).
وقال (وإنما اخترع لفظ الصفات: المعتزلة وهشام ونظراؤه من رؤساء الرافضة، وسلك سبيلهم قوم من أصحاب الكلام سلكوا غير مسلك السلف الصالح).
وأنت ترى أن هذا الكلام لا أثر للدقة العلمية فيه، بل هو منطلق من فكرة أصحاب مذهب الظاهر في إنكار كل دقة يقتضيها التأمل والتدبر.
ألا ترى أن الله وصف نفسه بأنه الرحمن الرحيم، رب العالمين، الصمد، الخالق، الرزاق، الغفور، شديد العقاب، فالق الحبّ والنوى... الخ؟
وهل توجد في اللغة كلمة أخرى تغنينا عن تسمية هذه الامور بالصفات؟ ولماذا هذا التخوف والجمود، وحصر العقل في إطار الألفاظ؟!
ثانياً: هل أن صفات الله توقيفية؟
ذهب بعض علماء الكلام إلى أن عقولنا قاصرة عن التمييز بين صفات الكمال حتى ننسبها إلى الله، وصفات النقص حتى نسلبها عنه. غاية ما نفهمه انه مستجمع لجميع الصفات الكمالية ومنزّه عن كل نقص. وما علينا الاان نتبع الشرع في هذا الموضوع، فيجب أن نثبت لله الصفات التي ورد ذكرها في القرآن أو في كلام النبي وأوصيائه الكرام، اماالصفات التي لم تتعرض لها النصوص لا نفياً أو اثباتاً فيجب أن نسكت بشأنها.
وفي القرآن ما يشير إلى هذا المعنى كقوله تعالى: ((سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ))(2) وقوله: ((سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً))(3). وهكذا كل الآيات التي تبدأ بكلمة (سبحان) و(تعالى) كقول: ((فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ))(4).
كما أن الكليني (رحمه الله) عقد في (أصول الكافي) باباً سمّاه: (باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه جلّ وتعالى)(5).
من أجل ذلك فقد ذهب عدة من العلماء إلى أن أسماء الله توقيفية نأخذها من الشارع، فلا يصح لنا اطلاق غيرها علىالله وإن بدا لنا صحة ذلك.
وإذا دققنا النظر انكشفت لنا حقيقة كبرى، هي أنه كان في عصر صدور هذه الروايات بعض المسلمين الذين يتكلمون في الله بما لا يليق، وبما لا يوافق البراهين العلمية والأدلة العقلية، دون أن يكون لهم التبحّر الكامل في هذه الموضوعات فأراد الإمام (عليه السلام) أن يرجعهم إلى الجادة التي لا انحراف فيها ولا شطط، وليس ذلك إلا بإلزامهم أن يتكلموا في إطار الشرع وضمن حدود القرآن. والرواية التالية من الباب المذكور في (الكافي) توضح هذا الأمر.
(عن عبد الرحيم بن عتيك القصير، قال: كتبت على يدي عبد الملك بن أعين(6)، إلى أبي عبد الله (عليه السلام): إن قوماً بالعراق يصفون الله بالصورة والتخطيط، فإن رأيت ـ جعلني الله فداك ـ أن تكتب الي بالمذهب الصحيح من التوحيد؟ فكتب اليّ:
سألت - رحمك الله - عن التوحيد، وما ذهب إليه من قبلك. فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعالى عما يصفه الواصفون المشبهون الله بخلقه، المفترون على الله، فاعلم - رحمك الله - أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله جلّ وعز، فأنف عن الله تعالى البطلان(7) والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه. هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عما يصفه الواصفون، ولا تعدوا القرآن فتظلوا بعد البيان.(8)
نستنتج من هذا الحديث ما يأتي:
1- أن الغرض من النهي عن وصف الله بغير ما وصف به نفسه، هو التشنيع على القائلين بالتجسيم والتشبيه.
2- لو كانت صفات الله توقيفية بمعنىانه لا يجوز وصفه بغير الأوصاف الواردة في القرآن، فكيف يصف الامام الله بأنه الثابت الموجود، في حين أن القرآن خالٍ عن وصفه بهاتين الصفتين؟
3- هناك فرقتين توقيفية الاسماء وتوقيفية الصفات. فإذا سلمنا كون أسماء الله توفيقفية فلا يعني ذلك تسرّب التوقيفية إلى صفاته تعالى.(9)
ــــــــــــــ
الهامش
(1) - راجع تعليقة العلامة الشعراني على شرح أصول الكافي للمولى محمد صالح المازندراني، ج3، ص313.
(2)- سورة الصافات، الآية 180.
(3) - سورة الإسراء، الآية 43.
(4) - سورة طه، الآية 114.
(5)- ذكر الكليني تحت هذا العنوان 12 حديثاً.
(6)- أي بواسطة عبد الملك.
(7) - المراد بالبطلان هو قول المعطلة.
(8)- أصول الكافي، باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه ـ الحديث رقم 1.
(9) - استدلوا لتوفيقية الاسماء بقوله تعالى: ((وَللهِ الأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)) سورة الأعراف، الآية 180.
بتقريب: أن اللام للعهد، والمراد بالالحاد التعديّ إلى غير ما ورد من اسمائه من طريق السمع.
والحق: أن كون اللام للعهد لا دليل عليه، ولا في القرائن الحافة بالآيات ما يؤيده، غير ما عهده القائل من الأخبار العادة للأسماء الحسنى. بل (الأسماء) جمع محلّى باللام وهو يفيد العموم، بمعنى أن كل اسم أحسن في الوجود فهو لله سبحانه لا يشاركه فيه أحد.
وأما (الالحاد) فهو بمعنى التطرف والميل عن الوسط إلى أحد الجانبين. للتفصيل راجع تفسير الميزان، ج8، ص360.