محاضرات العقائد2 - المحاضرة 6 - إعجاز القرآن الكريم
- إعجاز القرآن الكريم:
لا يستطيع الباحث أن يحصر إعجاز القرآن في جانب واحد، فهو معجز في فصاحته وبلاغته، وهو معجز في إشارته إلى الحقائق العلمية التي كان يجهلها حتى العلماء إلى عهد قريب. وهو معجز في كشفه عن حقائق الغيب والإشارة إلى أن الخلق والعالم كله يتكون من عالم الشهود وعالم الغيب.
الإعجاز البلاغي في القرآن:
في الإعجاز البلاغي لابد من الإشارة إلى جهتين:
- أولاً: جمال اللفظ.
- ثانياً: دقة المعاني.
جمال اللفظ في القرآن الكريم أخاذ إلى درجة، أن بعضهم وصفه بالسحر والبعض الآخر كان يمنع أقرباءه وأصدقاءه من الاقتراب من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). ويقولون لا تستمعوا إلى محمد فيسحركم.
وبمجرد أن يستمع الشخص إلى آية أو آيتين، يتأثر بعظمة القرآن ويعود منقلباً.
كان العربي يستمع إلى آيات القرآن فيتأثر بها، ويتجلى جمالها ويعيش ذلك العالم الرحب من جمال اللفظ وعالم من السمو ويأنس بذلك. وكان ينبهر وينجذب بشكل لم يكن له نظير أبداً.
فالعربي بطبيعته كان يستطيع أن يفرق بين الشعر والنثر. وبسليقته الأولية كان يعرف الفرق بين الوزن والقافية، وان للشعر إيقاعاً معيناً وتأثيراً معيناً.
فجمال اللفظ والأثر الخلاب الذي عجز عنه السامع العربي، ما استطاع أن يجد له أي تبرير وأي تفسير فاضطر لأن يسميه السحر، وسمى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مرة شاعراً ومرة -والعياذ بالله- مجنوناً ومرة ثالثة ساحراً وأمثال ذلك. هذا كله لأن السامع لم يستطع أن يجد تبريرا وتفسيراً منطقياً متعارفاً بالشكل الذي يقبله كل أبناء اللغة.
فإذن بفطرته العربية السليمة كان يجد تفوقاً وامتيازاً.
وأما عند دقة المعاني وعظمتها، فلا شك ولا ريب أن المعاني التي أتى بها القرآن الكريم من العظمة بمكان، التي يمكن أن يقال بأن جوهر الإعجاز وجوهر التحدي إنما يرتكز على هذا الجانب. يعني العظمة في المعاني التي يتناولها القرآن الكريم ودقة تلك المعاني قد تصل إلى درجة أن أبسط سامع من الذوق العربي ومن العارف باللغة العربية والأدب العربي، يستطيع أن يقول هذا ليس من كلام البشر وإنما هو فوق كلام الآدميين. وشيء لا يمكن أن يجاريه أحد من البلغاء والفصحاء أبداً.
- الأمور التي أدت إلى انبهار العرب بالقرآن:
- أولاً: جمال اللفظ والأسلوب.
- ثانياً: لم يطرق القرآن أغراض الأدب الجاهلي مطلقاً.
- ثالثاً: التناسق بين اللفظ والمعنى.
- رابعاً: التكرار في القرآن لم يجعله ممجوجاً.
- خامساً: الفريدة أو اليتيمة.
- سادساً: صب المعنى الوسيع والكامل في قالب الألفاظ القليلة.
- سابعاً: التأكيد على الحياة والآخرة والتدبر في أسرار الخليقة.
جمال اللفظ والأسلوب:
وجد العرب في الهيكل الظاهري للقرآن الكريم ما يميزه عن الشعر. لأنه كان فاقد للوزن والقافية، وبعبارة أخرى لا يستطيع أحد أن يقول أن هذه السورة هي تشبه قصيدة امرؤ القيس مثلاً أو أي شاعر فالأمور الموجودة عند كل شاعر هو الوزن والتفعيله. وهذا كله جاري بشكل دقيق من أول القصيدة إلى ختامها. لكن ليس عندنا سورة واحدة في القرآن الكريم نستطيع أن نقول انه بعد البسملة، تبدأ الآية الأولى والى أن تنتهي السورة كلها بشكل عمودي. فهو ليس شعراً أو ليس مشبهاً لأي قصيدة أتى بها الشعراء. ولم يستطع أحد عندما يستمع الآيات أن يقول بأنها ذات وزن وقافية، مع ذلك، هو ليس شعراً وليس نثراً أيضاً. لأن النثر له مميزات أخرى، إذن جمال الألفاظ ودقة المعنى والمزايا التي يمكن أن تكون محسنات بديعية، سواء كانت محسنات لفظية أو محسنات معنوية، كلها كانت في القمة وفي نفس الوقت كان هناك أسلوب معين إنما هو خاص بالأسلوب القرآني من حيث الفواصل والإطار العام. فهو ليس شعراً ولا نثراً ولكنه فوق الشعر والنثر والتأثير الذي يكون له في النفوس، يكون أسمى من التأثير الذي يكون لكل من الشعر ومن النثر.
النقطة الأخرى التي يشاهدها الأديب العربي أو الإنسان القريب من الذوق الأدبي في الجزيرة العربية، أنه لم يطرق القرآن أغراض الأدب الجاهلي مطلقاً. حيث كانت القصائد والخطب العربية تبدأ بالتشبيب وبالوقوف على الأطلال، وآثار اللوعة وما شاكل ذلك.
وهذا النمط كان تقريباً شائعاً بشكل، بحيث إذ شذ منه أديب أو شاعر كانوا يعتبرونه فاشلاً وغير ما هو، والقرآن الكريم خلا من أي إشارة إلى هذه الأغراض التي تعودها القارئ العربي أو المتذوق للشعر العربي أو الأدب العربي.
خلا القرآن الكريم من المديح والغزل والتشبيب والهجاء، ومع ذلك نجده انه تميز وأدى إلى انبهار عرب الجزيرة بالبيان القرآني والإعجاز البلاغي، إلى درجة أثر فيهم ذلك التأثير لا نظير له.
التناسق بين اللفظ والمعنى، وجد العربي التناسق بين اللفظ والمعنى بحيث لم يكن اللفظ قد ضحي به من أجل المعنى ولا المعنى قد ضحي به من أجل اللفظ.
والتناسق بين اللفظ والمعنى، كان أمراً مهماً يحسه السامع العربي. النقطة الأخرى هي أن التكرار في القرآن الكريم لم يجعله ممجوجاً. فإن أي أديب أو شاعر أو كاتب، إذا كرر قضية أو عبارة، أو أكثر من استخدام جملة معينة، فالسامع لن يرتاح وتصير عنده حالة من الاشمئزاز والأذن المتصفة بالذوق الأدبي تمج هذا اللون من التكرار.
لكن العربي كان يستمع إلى القرآن الكريم فيجد فيه تكرار القضايا وقصص ولبعض الحوادث والتعابير، ومع ذلك يرى نفسه لا يزال مشدوداً إلى القرآن. وهذه خاصة فريدة في القرآن بحيث لو كانت في العبارات الأخرى لكان يمجها السامع، إذن هذا التكرار الموجود في القرآن لم يؤثر على الأسلوب القرآني ولا على إعجازه البلاغي.
النقطة الخامسة: الفريدة أو اليتيمة.
الشاعر مهما كان عظيماً، فهو قد يأتي ببيت أو بيتين من مجموع القصيدة يكون لهذا البيت أو لهذين البيتين من التأثير، ما لا يوجد في غيره من الأبيات، ولذلك يكون (فريدة أو يتيمة) -بتعبير الأدباء- لأن فيه المعنى السامي الذي لو قورن بغيره فيكون هذا أسمى.
واليتيمة، إذا أخذنا العقد الذي فيه مأة حبة، هناك حبة واحدة في الوسط هي أكبر من كل الحبات ولعلها أثمن من باقي الحبات، هذه هي الفريدة أو اليتيمة.
في بيان العرب وفي قصائدهم وأشعارهم، وفي خطاباتهم، نجد أن العربي كان يستمع إلى كلام فيجد فيه تحليقاً في شيء معين، بينما حين ينظر إلى القرآن ويستمع إليه يجد أنه كله تفوق وكله من اليتيمات، وهذا شيء لم يعهده في غير ذلك.
النقطة السادسة: إذا وصف بيان ما بالفصاحة وبالبلاغة، يقال أنه ابتعد عن الإيجاز المخل والأطناب الممل، ويقصد بذلك، أن الغنى الكبير حينما يصب في ألفاظ صغيرة جداً، بحيث لا يفهم منها الإنسان شيئاً فهذا مخل. لكن إذا كان اللفظ على محدوديته وعلى قلته يحوي عالماً كبيراً من المعاني وفي نفس الوقت، وافياً بالغرض، فهذا هو المقصود، كان يأتي السامع العربي إلى قوله تعالى:
(فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره).
(ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب).
عالم كبير من المعاني قد أودع في الآية الصغيرة الموجزة، يعطى المعنى الكامل جداً في هذا اللون من الإعجاز الإيجازي المفيد للمعنى، والذي لا يكون مخلاً أبداً، فيأتي السامع العربي ويستمع إلى ذلك فينبهر ويجد فيه ما يدعوه إلى الانجذاب والارتياح والى الاعتراف بأنه فوق كلام الآدميين، النقطة السابعة: التأكيد على الحياة الآخرة والتدبر.
يعنى يأتي السامع العربي، يجد أن هذا الكتاب يدعو إلى التدبر في أسرار الخليقة ويرشد إلى الفضائل الخلقية ويردع عن الرذائل ويفصل في بيان الحلال والحرام ويرفع معتقدات الإنسان ويسلط الضوء على الحياة بعد الموت وكل ما يمكن أن يحدث في النشأة الأخرى، بكل دقة وتفصيل، بحيث ما كان السامع العربي في الجزيرة العربية، يسمع بهذا اللون أصلاً في أي نموذج أدبي رائع ولا في خطاب ولا في قصيدة، لذلك يقال أن البيت الوحيد الذي سمع في هذا المجال، هو ما كان يردد على لسان أبي طالب (عليه السلام):
له ملك ينادي كل يوم***** لدوا للموت وابنوا للخراب.
إذن كانت هناك إشارات طفيفة وبسيطة جداً إلى الحياة الأخرى والموت :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل***** وكلّ نعيم لا محالة زائل.
بينما نجد الحقائق التي أشار إليه القرآن الكريم ودعى إلى التدبر والتفكير فيها، في أسرار الخليقة وحركة تكامل الإنسان والوصول إلى الهدف النهائي، هذه قضايا كلها اجتمعت لتجعل من القارئ العربي أو السامع العربي الذي يستطيع أن يميز بين الجد من الأثر والردئ منه، فالانبهار الذي يحصل من هذه الأمور وغيرها ليس شيئاً يمكن أن يوجد في النماذج الأدبية الأخرى، والذي أتى به يستند إلى الله (عز وجل).