محاضرات العقائد2 - المحاضرة 36 - كيفية حشر الحيوانات والفائدة من ذلك
كيفية حشر الحيوانات والفائدة من ذلك:
صدر المتألهين الشيرازي في كتابه (الشواهد الربوبية) يقسم الحيوانات إلى نوعين:
1- ذوات النفوس المتخيلة.
2- ذوات النفوس الحاسة.
إن مراحل المعرفة تبدأ أولاً بمرحلة الحس، ثم مرحلة التخيل، ثم مرحلة التعقل، ثم مرحلة التجرد أو الكشف.
فأبسط مراحل المعرفة وهو الحس يكون مشتركاً بين الإنسان وكثير من الحيوانات التي عندها حس فقط.
وجاء صدر المتألهين ليقول بأن بعض الحيوانات يشترك معها الإنسان في التخيل أيضاً. ويمثل صدر المتألهين لذوات النفوس المتخيلة بالفيل، البقر، الفرس والقرد و..
ولكل ذوات النفوس الحاسة مثل الديدان وسائر الحشرات.
فالمجموعة الأولى باعتبار أنها تملك حالة من التروي والشعور ونوعاً من الإدراك والإرادة والاختيار، فلها حشر ولها ثواب ولها عقاب.
والمجموعة الثانية باعتبار أنها لا تملك تروياً ولا اختياراً، لا تملك روحاً مجردة ولا حشراً استقلالياً، فلا عقاب ولا جزاء.
العلامة الطباطبائي في الجزء السابع من تفسير الميزان، حين يتناول تفسير سورة الأنعام يخصص بحثاً يسميه (كلام في المجتمعات الحيوانية) يقول:
اللامعان في التفكير في أطوار الحيوانات العجم التي تزامل الإنسان في كثير من شؤون الحياة وأحوال نوع منها في مسرحياتها وتعايشها، يدلنا على أن لها كالإنسان عقائد وآراء فردية واجتماعية تبنى عليها حركاتها والدنيا في ابتغاء البقاء. نظيرة ما يبنى الإنسان تقلباته في أطوار الحياة الدنيا على سلسلة من العقائد والآراء.
ثم يقول بأن العلماء الباحثون عن الحيوان ذكروا دقائق من الصنعة ولطائف من السنن والسياسات، لا توجد نظائرها في الأمم ذات الحضارة والمدنية من الإنسان.
وببلوغ البحث هذا المبلغ ربما لاح لنا أن للحيوان حشراً كما أن للإنسان حشراً. فإن الله سبحانه يعد انطباق العدل والظلم والتقوى والفجور على أعمال الإنسان ملاكاً للحشر ويستدل به عليه. بل يعد بطلان الحشر في ما خلقه من السماء والأرض وما بينهما بطلاناً لفعله وصيرورته لعبا.
ثم يطرح العلامة الطباطبائي (رحمه) مجموعة من الأسئلة:
1- هل للحيوان غير الإنسان حشر؟.
يقول العلامة الطباطبائي (رحمه) في الجواب على هذا السؤال:
إن دلالة الآيتين واضحة على أن الوحوش تحشر. وهناك آيات كثيرة على أنه ليست الوحوش فقط وإنما حتى الجمادات تعاد والسماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجن والحجارة والأصنام وسائر الشركاء المعبودين من دون الله تبارك وتعالى يحشرون يوم القيامة ليكونوا أدوات للشهادة.
2- هل يماثل حشرة (الحيوان) حشر الإنسان؟.
يقول العلامة الطباطبائي (رحمه): إن ذلك لازم الحشر بمعنى الجمع بين الأفراد وسوقهم إلى أمر بالإزعاج. وأما مثل السماء والأرض وما يشابهها من شمس وقمر وحجارة فلم يطلق في موردها لفظ الحشر، بل يقول تعالى:
(يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار) إبراهيم: 48.
إذن هناك عناية أن الحشر يكون للإنسان والحيوان. ومرجع الجميع إلى أنعام المحسن والانتقام من الظالم بظلمه. ولا يلزم من شمول الأخذ والانتقام يوم القيامة لسائر الحيوان أن يساوي الإنسان في الشعور والإرادة، ويرقى الحيوان إلى درجة الإنسان في نفسياته وروحياته. لأنه نعلم أن ذلك باطل بالضرورة. ومجرد الاشتراك في الأخذ والانتقام والحساب والأجر بين الإنسان وغيره لا يقضي بالمعادلة والمساواة.
3- هل يتلقى الحيوان تكليفاً في الدنيا برسول يبعث إليه؟.
4- وهل هذا الرسول المبعوث نوع من الحيوان نفسه أم لا؟.
يقو العلامة الطباطبائي (رحمه) في جواب السؤالين ما يلي:
فعالم الحيوان إلى هذا الحين مجهول لنا مضروب دونه بحجاب.
إذن لا ضرورة لأن نشتغل بهذه الأبحاث. لا القرآن الكريم ولا النصوص التي بأيدينا، ما تعرضت لبيان تفاصيل ذلك. وإن الحيوان لم يؤت تفاصيل المعارف الإنسانية ولا كلف بدقائق التكاليف الإلهية التي كلف بها الإنسان.
مع أي بدن يحشر الناس:
هناك شبهة لمنكري المعاد باسم: شبهة الأكل والمأكول. أو شبهة الاتحاد بين المؤمن والكافر.
وتتلخص في أن بدن المؤمن قد يصبح جزءاً من بدن الكافر. وبدن الكافر قد يصبح جزء من بدن المؤمن. فمن يعذب؟.
يقول منكروا المعاد إذا آمنا بان روح الإنسان ونفسه تبقيان ثابتتين من دون تغيير، وإذا انفصلت الروح عن الجسد بالموت، وضع الجسد في التراب فبعد فترة يتآكل الجسد ويندثر ويصبح جزءاً من الأرض وبعد سنوات طويلة تتحول الأرض إلى مزرعة تزرع فيها الفاكهة و.. وتأخذ الفاكهة إلى السوق ويشتريها إنسان آخر فيأكلها.
فالآكل في الحقيقة قد أكل ما هو متغذ من أجزاء جسد مندثر سابقاً في التراب. فإن كان الجسد المندثر والمتحول إلى تربة ثم إلى فاكهة، جسد إنسان كافر، واكل الفاكهة إنسان مؤمن، فما الذي يحصل يوم القيامة؟.
إذا نعم الآكل المؤمن فمعنى ذلك أن الكافر الذي أصبح جزءاً من المؤمن دخل الجنة. أما إذا عذب لأن فيه أجزاء الكافر، فمعنى ذلك أن المؤمن دخل النار. ونحن نعلم أن الأرض محدودة والتربة محدودة قد تتحول في فترات زمنية مختلفة إلى جسد مؤمن ثم كافر وهكذا...
فإذن قد يكون جزء الكافر يصبح جزءاً من بدن المؤمن، وقد يصبح المؤمن جزءاً من بدن الكافر، فأيهما سيكون الملاك الأكل أم المأكول؟ فالمعاد إذن غير ممكن.
يقول علماء الكلام في الجواب على ذلك:
إن البدن يتكون من أجزاء أصلية وأجزاء فضلية.
الأجزاء الأصلية هي التي تبقى. والأجزاء الفضلية هي التي تزول. فالأجزاء الفضلية لا قيمة لها. فيحصل التركيب والتغيير و..
أما الأجزاء الأصلية لبدن الإنسان فإنها لا تؤكل ولا تنتقل إلى جسد آخر. وهي التي يتميز بها، وبناء على ذلك، لا داعي لأن نقول بأن جزءاً من المؤمن يصبح للكافر أو جزءاً من الكافر يصبح للمؤمن.
وهناك رواية يذكرها الكليني (رضي الله عنه) في أصول الكافي، عن عمار الساباطاي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن الميت هل يبلى جسده؟.
قال نعم حتى لا يبقى له عظم ولا لحم الا الطينة التي خلق منها، فإنها لا تبلى تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق أول مرة..
في الحقيقة هذا اللون من الأحاديث لا تعطي دلالة قوية من حيث الواقع الخارجي. فمثلاً لو احترق الجسد كله أو أكلته السباع أو.. فأين منه الأجزاء الأصلية؟.
والمختار هو ضرورة وجود جسد مع الروح في مسألة المعاد.
فالروح طبعاً لم تتغير لأنها من عالم المجردات. ويوم القيامة تحتاج الروح إلى جسد مادي تتلبس به.
لابد للروح من صورة جسدية وهذه الصورة الجسدية قد تكون أي صورة فليس بالضرورة أن تكون الأولى أو الوسطى أو الأخيرة.
فإذن في مسألة الآكل والمأكول، قد يكون الجسد الذي أكل لا يحشر، وإنما الجسد الذي لم يؤكل. فلا يوجد دليل على أن كل الخلايا الجسدية إنما أكلت من قبل الكافرين. إذا كان الإنسان تتبدل كل خلايا جسمه في كل سبع سنوات. إذن شخصية المؤمن محفوظة وشخصية الكافر محفوظة.