محاضرات العقائد2 - المحاضرة 26 - المعاد
- المعاد:
إن الإنسان متحرك تلقائياً أراد أو لم يرد غاية ما هناك أنه يختار نوع الحركة. أي أن يكون متحركاً باتجاه الفضيلة والكمال فيصل إلى الحركة فلا يملك الإنسان الاختيار فيها لأنه لابد منها. والشوق نحو الكمال أمر غريزي وليس اختيارياً.
ونجد في القرآن الكريم نماذج للحركة التكاملية للإنسان. أنه خلق من تراب ثم من نطفة ثم يصبح علقة ثم مضغة ثم طفلاً ثم مرحلة البلوغ، ثم الوصول إلى أرذل العمر. وهذه النماذج تربط بالمعاد.
يقول الفيض الكاشاني في كتابه عين اليقين: ص422.
(إن هذا الشوق (الغريزة الباطنية) والطلب الذي أثبتناهما للموجودات لو لم يكن مهماً فائدة وغاية طبيعية لكان ارتكازه في الجبلة والغريزة عبثاً وهباء معطلاً.
ولا تعطيل في الوجود ولا عبث في فعل الله سبحانه).
مراحل التكامل وربطها بالمعاد في القرآن الكريم:
سورة الحج: الآيات 5-6-7.
سورة المؤمنون الآيات: 12-13-14-15-16.
سورة القيامة: الآيات 36-37-38-39-40.
وراء هذا الكون الفسيح يد عظيمة تحرك هذه المسيرة نحو الكمال، أراد سالكوها أو لم يريدوا.
إذن الله الذي خلق ما خلق وأبدع ما أبدع سيبدل هذه الحركات في النهاية إلى سكون. وإن المجموعة البشرية الدائبة في حركتها لا تتوقف في منتصف الطريق وإنما تستمر لتصل إلى الكمال المنشود.
إذن لو لم تصل هذه كلها إلى الكمال المنشود.
ولهذا نجد التعبير عن يوم القيامة بأنه اليوم الذي يتميز فيه الخير من الشر. اليوم الذي يصل كل شيء إلى كماله المطلوب. فهو يوم الدين يوم الفصل وهو يوم الخلود. فالذي لم يبذل الجهد المطلوب وقصر يكون مغبوناً. يوم التغابن ويوم الحسرة. لأن الذي عمل يتمنى لو عمل أكثر. والذي قصر يتمنى لو عمل وبذل جهداً لتحقيق الكمال المطلوب.
إذن الحركة التكاملية لا تتحقق ولا تصل إلى نتيجة إلا بوجود المعاد.
- التكليف والمعاد:
اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل.
لكي يحقق الله تبارك وتعالى للإنسان سعادة الدراين ويحقق مصاديق الهداية التامة، أرسل الأنبياء لإرشاد الناس إلى الطريق الصحيح والسعادة وتحذير الناس عن ما فيه شقاءهم وهلاكهم.
إذا كان الإنسان مكلفاً بمجموعة تكاليف شاقة، فيجتهد في العمل بالتكاليف ويتحمل المصاعب كلها ومع ذلك يعيش في عالم كله محدودية وبؤس وحرمان وتعب، إذن ما الذي حصل عليه من التكاليف سوى المتاعب؟.
إذا لم يكن هناك معاد وكان هنا فقط عمل ولا يوجد حساب وكذلك لا يوجد يوم آخر فيه حساب ولا عمل ولم يكن هناك عالم آخر وحياة أخرى يتم فيها تحقق ما تم من الوعد والوعيد والترغيب والتحذير، عالم آخر يلقى فيه الإنسان مثوبة أعماله وطاعته أو جزاء أو عقاب عصيانه، إذا لم تكن فائدة في بعثة الأنبياء وفي التحذيرات والتبشيرات كلها. الطاعة والمعصية كلها تكون أمور تافهة. لأنها لم تحقق الهدف المنشود. وهل الحكيم المطلق يقوم بشيء من هذا القبيل. ولهذا نجد المحقق الطوسي في تجريد الاعتقاد يقول:
وجوب إيفاء الوعد والحكمة يقتضي وجوب البعث.
والعلامة الحلي (رضي الله عنه) في كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد يؤكد على هذين الدليلين: 1- الوفاء بالوعد، 2- الحكمة من التكليف.
يقول العلامة الحلي (قدس سره) في كشف المراد بأن المؤلف (المحقق الطوسي) أراد إثبات ضرورة البعث والمعاد بطريقين.
- الأول: أن الله تبارك وتعالى وعد الناس بالثواب وبالخير وبالآثار الجيدة على أعمالهم الجيدة. وحذرهم من العقاب السيء على أعمالهم. وإذا كنا نموت جميعاً وينتهي كل شيء ولا يوجد هناك معاد، فإذن يلزم منه تخلف الوعد. وهذا لا يمكن. لابد أن الله تبارك وتعالى يفي بوعده.
- ثانياً: الله تبارك وتعالى كلف العباد بتكاليف صعبة وأعمال شاقة. فلا بد أن يعوضهم عن هذا التكليف والألم يكن حكيماً.