محاضرات العقائد2 - المحاضرة 19 - آية الولاية
- آية الولاية:
قوله تعالى: (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويأتون الزكاة وهم راكعون) المائدة: 55.
الذين يقيمون الصلاة: صفة عامة تشمل الكثير من الأفراد لكن في مقام التطبيق لا تنطبق إلا على شخص واحد. كما في الآية التي تتعلق بالإطاعة: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) النساء: 59.
ما معنى الإطاعة؟:
الإطاعة التامة والانقياد الكامل الذي لا مجال للنقاش فيه أبداً. والذي يعبر عنه القرآن الكريم في آية أخرى بأنه أصل الإيمان ومحض الإيمان. وبدون هذه الإطاعة المطلقة لا يكون الشخص مؤمناً. وذلك قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسلميا) النساء: 65.
التسليم المحض هو التعبير الدقيق الصحيح عن الإطاعة والإيمان والاسلام الذي وصفه الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة قال:
ولا نسبن اليوم الإسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي. الإسلام هو التسليم.
- الولاية:
الولاية منحصرة في الله تبارك وتعالى بالدرجة الأولى.
وفي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو المبعوث من قبل الله تبارك وتعالى ثم الذين آمنوا.
إذن الذين آمنوا يجب أن تكون الولاية لهم في نفس مستوى الولاية الله والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
لقد ذكر أرباب النزول أن الآية نزلت في علي (عليه السلام) دخل السائل إلى مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسأل الناس. لم يساعده أحد.
قال حسان بن ثابت:
من ذا بخاتمه يصدق راكعاً***** وأسرها في نفسه إسرارا
من كان بات على فراش محمد***** ومحمد أثرى يوم الغارا
من كان في القرآن سمى مؤمناً***** في تسع آيات تلين غزارا
وكان في يد علي (عليه السلام) خاتم وهو في حال الركوع أشار بخاتمه إلى ذلك السائل. جاء السائل وانتزع الخاتم من يد علي (عليه السلام) لما عرف أن علياً (عليه السلام) يشير إلى ذلك قاصداً التصدق به، حينئذٍ رجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخبره بالذي جرى فنزل قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون).
اقتران العبادتين، الصلاة والزكاة في آن واحد إنما تحقق مرة واحدة في قضية واحدة، في شخص علي (عليه السلام).
وهذه ليست أول مرة يعبر القرآن الكريم بصيغة الجمع (الذين) وإنما هناك آيات أخرى لها نظير، ذكرها العلامة الأميني في الغدير وذكرها السيد هاشم البحراني في غاية المرام.
إذن ولاية الله تساوي وترادف وبنفس المستوى ولاية الرسول وبنفس المستوى ولاية من تصدق بالخاتم وهو راكع وهو علي (عليه السلام).
كما أن إطاعة الله تقترن بإطاعة الرسول، بإطاعة أولي الأمر وأولوا الأمر لا يكونون إلا معصومين من الخطأ.
إذن الإطاعة من جانب والولاية من جانب آخر، مفهومان مترابطان يكمل بعضهما الآخر.
والمراد بالولي هو الأولى بالتصرف. فالولاية الذاتية المطلقة هي لله تبارك وتعالى. والولي الذي تكون ولايته مكتسبة من ولاية الله تبارك وتعالى هو الرسول والإمام. ومن هذه الجهة نجد أن الأنبياء أيضاً كانوا أئمة لأن الولاية كانت شرطاً أساسياً في ذلك.
وهناك قرائن تدل على أن المراد من الولي هو الأولى بالتصرف لا المعاني الأخرى. والقرائن عبارة عن:
- أولاً: جمع الناس في يوم شديد الحر وقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ألست أولى بكم من أنفسكم. لما قالوا بلى وشهدوا على ذلك، قال من كنت مولاه فهذا علي مولاه...
- ثانياً: اقتران الولاية بعبارات البيعة التي رددها كثير من الصحابة وقولهم لعلي (عليه السلام) بخ بخ لك يا أبا الحسن فقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
لقد فهموا من كلمة الولي هو من تجب طاعته بلا قيد وشرط. والذي له الإمامة والولاية ويستحق بأن يكون قدوة وأميراً.
هذه الاستدلالات السمعية المستفادة من الآيات القرآنية نقرنها بالأدلة العقلية السابقة.
- الآيات:
1- آية التطهير: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) الأحزاب: 33.
2-آية الولاية: (إنا وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) المائدة: 55.
3- آية المباهلة: (فقل تعالوا ندع وأنفسنا وأنفسكم) آل عمران: 61.
4- آية إكمال الدين المائدة: 3، وآية التبليغ: المائدة: 67.
5- قوله تعالى: (افمن اكن على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) هود: 17.
6- آية الاتزار: (وانذر عشيرتك الأقربين) الشعراء: 214.
7- قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) التوبة:119.
8- قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) 4/59.
9- قوله تعالى: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) الرعد:7.
10- قوله تعالى: (لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية) الحاقة: 12.
إن كثيراً من الصحابة منهم ابن عباس، عمار بن ياسر، جابر بن عبد الله الأنصاري، أبو رافع، أنس بن مالك، عبد الله بن سلام، أبو سعيد الخدري، كل هؤلاء الصحابة رووا نزول هذه الآيات في علي (عليه السلام) واختصاص علي (عليه السلام) بهذه الفضائل بحيث لم يشركه فيها أحد.
يروى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: يا علي لو كان البحر مداد وكانت أوراق الشجر أوراقاً وكانت الأغصان أقلاماً وكانت الملائكة كتاباً، ما أحصوا فضائلك يا أبا الحسن.
قال الخليل الفراهيدي: وتنسب هذه الكلمات للشافعي.
ما أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً
وأخفى أولياءه فضائله خوفاً.
فظهر ما بين ذين ما ملئ الخافقين.