محاضرات فقه المجتمع - المحاضرة 47
المسألة الثالثة: لو اخرج بعض أهل الدرب النافذ جناحاً لم يكن لمقابله من الجيران معارضته ولو استوعب عرض الدرب كما انه ليس لأحد من المارة منعه وذلك للسيرة المستمرة على معاملته معاملة المباح من غير اختصاص لا هل الدور في شيء منه ولا فرق في ذلك بين الجيران المتقابلين وسائر المارة وغيرهم وكذلك حال الأجنحة أما بالنسبة إلى الساباط الذي يوضح على جدار الغير فلا يجوز إلاّّ بأذن الجار سواءً كان ذلك الغير جاراً مقابلاً أو ملاحقاً كما إذا جعل الأجنحة من داره إلى تحت جناحه أو جعل الحمالات على جدار الغير وقد تقدم انه لا فرق في هذا الحكم بين العقد النافذ والعقد المرفوع لكن بشرط عدم الإضرار وعدم سلب حق الآخرين عرفاً وقد تقدم سابقاً انه لو كان في إخراج الروشن أو إخراج الجناح تسلط على الغير بسبب روشن له أو جناح أمام هذا الروشن والجناح فإن التسلط لا يوجب المنع وإنما لكل واحد من المتسلطين على الآخر أن يمنع الرؤية بسبب حجاب أو نحوه كما يعلم الحال فيما إذا كان له سرداب في الطريق المرفوعة ويريد صاحب السرداب أن يفتح بابا أو شباكاً في سقف السرداب لأجل النور والهواء أو لأجل إدخال البضائع وكذلك إذا كان في الدرب الموضوعة سقف هو أرض لغرفة ويريد فتح روازن إلى الدرب أو فتح باب لأصعاد البضائع منه إلى الغرفة فإن ذلك كله جائز إلاّّ إذا كان ضرراً للآخرين أو منافياً لحقوقهم عرفاً فيشمله لايتوى حق امرئ مسلم كما يعلم الحال إذا أراد أن يفتح في الشارع درجاً إلى فوق أو إلى السرداب فإن ذلك جائز إلاّّ إذا سبب الضرر أو نافى حق الآخرين وكذا الكلام في فتح الروازن والشبابيك في أساس الحائط بما يكون تصرفاً في حق الآخرين عرفاً أو في أعالي الحائط بما لا يكون تصرفاً في حق الآخرين إذا لم يكن محذور كما إذا كان الجار لا يرضى بفتح الشباك في أعالي الحائط باعتبار أن كلام زوجته وأهله يسمعه الجار إذا فتح الشباك وذلك شيء مرغوب عنه ويعد حقاً للإنسان عرفاً وكذلك إذا كان الجار الذي يريد الشباك في أعالي الحائط يدخن في بيته أو ما أشبه مما يسبب دخول الدخان أو الرائحة الكريهة من ألدباغة وغيرها من الشباك إلى داره فإن هذا يعد تضييعا لحق الجار وتصرفاً في شأنه فيمنع من مثله ولا فرق في الأمور المذكورة بين الدارين والدكانين والمعملين والمختلفين إلى غير ذلك لوحدة الملاك في الجميع .
وكيف كان فلو سقط الجناح فسبق جاره إلى عمل جناح لم يكن للأول منعه لأنهما فيه سواءً كالسبق إلى القعود في المسجد وربما يستدل له بأن الأول يزول حقه كما يزول حق الجالس في المسجد إذا ذهب لكن هناك قول آخر يقول باستصحاب بقاء حقه فيه وان أنهدم الجناح خصوصاً وانه ملكه بالحيازة بناء على كونه مباح الأصل على ما صرح به في الدروس والجواهر وغيره فيستمر حينئذٍ على ملكه وان زال أثره .
ولو جعل الجار المقابل روشناً تحت روشن جاره أو فوقه فهل للسابق منعه قال في الجواهر لم اقف فيه على كلام وقضية الأصل عدم المنع إلاّّ أن يقال انه لما ملك الروشن ملك قراره وهواءه وهو بعيد لأنه مأذون في الانتفاع وليس ملزوماً للملك والظاهر إمكان القول بأن دليل من سبق محكم هنا بعد رؤية العرف الحق .
نعم إذا أعرض بعد سقوطه بنفسه أو إسقاط غيره أو الجار الذي يريد الروشن مكانه سقط حقه لأن الإعراض مسقط. وأما في صورة بناء الجار روشناً فوقه أو تحته فمتتضى القاعدة أن كان في العرف مزاحماً لحقه لم يجز له والا جاز وإذا بنى في مالم يجز له بأن كان حق السابق ثابتاً عرفاً مما يوجب شمول لايتوى حق أمري مسلم له فإن لصاحب الروشن السابق المرافعة إلى الحاكم الشرعي والحاكم يهدمه حينئذ على تفصيل ذكره الفقهاء في كتاب الغصب هذا في البنايات السطحية البسيطة أما البنايات ذوات الطوابق التي يخرج الروشن من كل منها فلا حق لصاحب الروشن السابق في منع صاحب الطوابق الفوقاني أو التحتاني من إخراج الروشن لأنه إخراج الروشن الجديد ليس مزاحماً لحقه عرفاً وقد ظهر مما ذكرناه انه لا إطلاق في كلا الجانبين حيث أن مقتضى القاعدة أن السابق له بقدر حقه عرفاً ولا دليل أن من ملك أرضاً ملك هواءها وقرارها إلى عنان السماء أو إلى تخوم الأرض فإن الملك أمر عرفي والشارع إنما قرره بالمقدار العرفي فإذا ملك الإنسان الأرض وكان المتعارف أن يملك إلى السرداب تحته مثلاً كان للآخرين أن يجروا تحته أنبوباً وكذلك إذا كان المتعارف ملك مقدار من الهواء كان للآخرين المرور من فوق ذلك بسبب الطائرة أو غيرها أو لو فرض إمكان البناء بما لا يكون مزاحماً لحقه عرفاً أو لا يكون موجباً لضرره كان لهم أن يبنوا فوق ذلك فالأمر عرفي والشارع بإطلاقه قرره فلا يزال في أحد الجانبين نقول بالجواز مطلقاً أو المنع مطلقا بل مقتضى القاعدة أن نقول بالجواز في غيرالخارج عن الحق العرفي وعدم الجواز بالنسبة إلى الخارج عن الحق العرفي
المسألة الرابعة: حال المبنى المشترك حال الشريكين فكما انه لا يجوز لأحد الشريكين التصرف في مال الآخر إلاّّ بأذنه كذلك لا يجوز لصاحب البناء التصرف في بنائه بما يوجب زعزعة الحائط الذي هو بين وبين الجار كما إذا أراد هدمه بما يوجب زعزعته واختلفا فالمرجع هو الحاكم الشرعي فحينئذ الحاكم يوزع الضرر عليها بالقهر ونحوه وذلك لعموم مادل على الحكم في المال المشترك وكذلك الأمر بالنسبة إلى الجيران فيما لواراد أحدهما هدم داره مما يؤثر في دار الآخر إلى غير ذلك من الأمثلة فلا فرق بين الاشتراك وبين الاعتماد وبين الجوار وحتى غير الجوار أيضاً مما يوجب أحدهما تأثيراً في ملك الآخر.
المسألة الخامسة : لو تداعيا جداراً ولا بينة فحن حلف مع نكول صاحبه قضي له وان حلفا أو
نكلا قضي به بينهما ولو كان متصلاً ببناء أحدهما كان القول قوله مع يمينه وكيف كان فإذا كان لأحد الجانبين بينة فالحق معه وإذا كان لكليهما بينة جرت قاعدة العدل والإنصاف بالتنصيف .
وإذا لم تكن بينة فمقتضى القاعدة التحالف فإذا حلفا أو نكلا فالتنصيف وإذا حلف أحدهما دون الآخر فالحق مع الحالف أو إذا ادعى كل واحد منهما الجميع وحلف أحدهما على النصف والآخر على الكل كان الحالف على النصف الربع وللحالف على الكل ثلاثة أرباع لأنه الحالف على النصف لا ربط له بالنصف الآخر فالنصف الآخر للذي حلف على الجميع ويتساويان في حلف كل منهما على النصف فيقسم بينهما لكل منهما الربع ولو مات أحد الطرفين ولا نعلم أو نعلم الكذب أو لم يحلفا يكون كله للحالف ولو كان الحائط مشتركاً بين المسلم والكافر فالذي يجب أن يراعى هو قانون الإسلام لقاعدة أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه فيما إذا اختلف قانون الكافر عن قانون الإسلام .
وإذا تنازع صاحب السفل والعلو في جدران البيت والمراد بالجدران الحاملة للعلو فالقول قول صاحب البيت مع يمينه ولو كان في جدران الغرفة فالقول قوله مع يمينه ففي المسالك بعد أن نسب قول الشرائع إلى المشهور قال ويعضده أن جدران البيت جزءه وجدران الغرفة جزؤها فيحكم به لصاحب الجملة ومقتضى القاعدة هو ما ذكره المشهور لموضوع أن صاحب البيت هو ذو اليد على جدران البيت فهو منكر وصاحب الغرفة مدع فإذا لم يأت بالبينة كان على المنكر اليمين وكذلك بالنسبة إلى جدران الغرفة غير مرتبطة بالبيت فهو ذو اليد عليها أما صاحب البيت فهو مدع فلو أقام البينة فهو وإلا على صاحب الغرفة اليمين ولكن ينبغي أن يستثنى من ذلك ما إذا كانت قرائن توجب أن يرى العرف أن صاحب الغرفة الفوقاني ذا يد على الجدار التحتاني وبالعكس كما إذا بنيت القبة وجعل السقف الذي بين الغرفتين شيئاً طارئاً فإن الساكن في التحت ظاهر يده إنها على كل القبة وساكن الفوقانية ذا يد على أرضية غرفته لا على حيطانها التي هي شيء واحد مع التحتاني وكذا إذا لم تكن بنحو القبة بان كان البناء من تحت إلى فوق واحد وان الغرفة الفوقانية أرضها كالأجنبي الموضوع على الحيطان الأربعة في أطرافها وهكذا إذا كانت الغرفة الفوقانية كالجناح على أرض الدار حيث أن الدار بنيت ككل وإنما اخرج من الحيطان الجناح إلى غير ذلك مما يرى العرف أن الفوق تابع للتحت وان التحت هو ذو اليد وكذلك العكس فيها لو كانت الغرقة التحتانية كالقطعة غير الملائمة وإنما صب العمارة كلها صب الغرفة الموضوعة على الأرض خصوصاً إذا كانت الغرفة الفوقانية لا تلائم الحيطان بان كانت الحيطان منحرفة عن الغرفة فيما يدل على عارية ارض الغرفة بحيطان غير مرتبطة بها فإن كان هكذا فوق أو تحت وهذا يشاهد غالباً في البنايات التي تصنع تحتها الكراجات ثم يقطن بعض الناس في بعض تلك الكراجات بعد بنائهم غرفة لا نفسهم هناك وكذلك في سطوح بعض البنايات حيث تبنى غرفة عارية فوق السطح مما يرى العرف أن صاحب البناية هو ذو اليد على السرداب الذي في تحت أو الكراج أو السطح إلى غير ذلك من الأمثلة .
والحاصل أن المرجع هو العرف حيث انهم يرون أن هذه الحيطان هو للفوقاني أو التحتاني ولو اختلف العرف أو شكوا فالمرجع مع عدم وجود البينة من أحد الجانبين أو وجود البينة من كليهما أو الحلف وعدمه من كليهما قاعدة العدل والأنصاف كما هي المرجع في أمثال المقام ولو تنازعا في السقف فيه أقوال قول انهما لو حلفا قضي به لهما وقول انه لصاحب العلو وقول انه يقرع بينهما وفي الشرائع قال بان هذا القول حسن والظاهر أن الرجوع إلى العرف في مثل هذه الموارد حسن لأن العرف أذا رأوا مع ملاحظة القرائن الخارجية أن صاحب السفل هو صاحب اليد لحكم به له لظهور انه ذو يد لكن بشرط أن يكون هما اللذان عمرا الغرفتين أما إذا احتملنا احتمالاً عقلائياً أو علمنا بأن غيرهما عمر و إنما هما اشتريا من ذلك الغير أو صالح معهما فلا يأتي هذا الوجه المذكور ومع الشك بانقسام العرف إلى قسمين فقد عرفت مما تقدم في المسألة السابقة فإن المرجع أما تحالفهما أو ترك الحلف منهما وأما بينتهما أو في صورة عدم البينة منهما وفي كل الأحوال الأربعة يكون التقسيم ولا يخفى أن يكون السقف بينهما على نحو الإشاعة لا علي نحو أن يكون النصف الشرقي لهذا والنصف الغربي لهذا أو أن يكون النصف الشمالي لهذا ولنصف الجنوبي لهذا أو النصف الفوقاني لهذا أو النصف التحتاني لهذا .
نعم إذا كان هناك سقفان كما يتعارف كثيراً في وجود سقف الفوقاني هو أرض الغرفة وسقف تحتاني هو ارض البيت وكل واحد يدعيهما لم يبعد التقسيم فوقانيا وتحتانيا بينهما وفوق كل ذلك لو تعارف في بلد كون السقف للفوقاني أو للتحتاني كان العرف الخاص مقدماً على ما ذكرنا سابقاً لرؤية العرف كونه ذا يد وكذلك لو تعارف جعل علامة في السقف فوقه أو تحته يدل على انه للفوقاني أو للتحتاني ويأتي في السقف أيضا ما ذكرناه في المسألة السابقة من الإمارات على ارتباط السقف بالفوقاني والتحتاني من وحدة البناء وغيره وكيف كان فقد ظهر مما سبق انه لو تنازع الجميع سواء كان النزاع في غرف بيت أو في الطبقات أو في ما كنة الكهرباء التي تزود كل بيت بالكهرباء أو خزانات الماء الموضوعة لا رواء الجميع أو في بدالة التلفون التي تعطي الغرف التلفون أو ما أشبه ذلك وادعى ملكه كلهم فإن هنا تأتي الصور الأربعة المتقدمة كما تأتي قاعدة العدل بالتقسيم بينهم جميعاً باعتبار أن جميعهم ذا يد فلا يقال أن خزان الماء لما كان اقرب إلى الغرفة الفوقانية من الغرفة التحتانية انه للفوقاني أو أن ماكينة الكهرباء لما كانت إلى التحتاني اقرب من الفوقاني فهي للتحتاني إلى غير ذلك من الأمثلة والمصاديق كما لا يختلف الحال في التقسيم بين سعة الشقق وضيقها وبين كثرة غرفها وقلتها فمثلاً إذا كانت شقة ذات أربعة غرف وشقة ذات ثلاثة غرف يكون تقسيم الماكينة بينهما على نحو سواء لأنه التنازع على الماكينة بين الساكنين ولاربط في التنازع بين السعة أو الضيق أو كثرة أفراد العائلة دون الأخرى فإن التقسيم بمقتضى قاعدة العدل يكون بينهم بالسواء
المسألة السادسة: في النزاع في الحدائق والمزارع والأشجار بين الجدران فمثلاً إذا خرجت أغصان شجرة إلى ملك الجار وجب عطفها أن أمكن و إلا قطعت من حد ملكه وان امتنع صاحبها قطعه الجار ولا يتوقف القطع على أذن الحاكم كما افتى بذلك في القواعد ومحكي التحرير ومحكي الإرشاد ومال إليه في المسالك قال والواجب على مالك الشجرة تفريغ ارض الغير أو هواءه من مالكه كيف ما أمكن ولو امتنع منه فلمالك الأرض والهواء تولي ذلك مقدماً العطف على القطع مع إمكانه وكما يثبت الحكم المذكور في الأغصان كذلك في العروق ولا يتوقف مالك الأرض على إذن الحاكم حيث يمنع صاحب الشجرة كما له إخراج بهيمة تدخل ملكه بدون أذنه وربما قيل بجواز إزالة مالك الأرض لها بدون مراجعة المالك لأن إزالة العدوان عليه ثابت له وتوقفه على أذن الغير ضرر ويشهد له جواز إخراج البهيمة بدون إذنه إذا لو توقف على أذن المالك لتوقف على أذن الحاكم مع امتناعه إذ لا يجوز التصرف بمال الغير بغير إذنه أو إذن من يقوم مقامه ولا يخفي عليك أن الظاهر انه يجب على مالك الشجر إزالة الأغصان والعروق إذا كان المالك يراه تعدياً وكون الأغصان هي التي ذهبت إلى دار الجار لا يمنع من ذلك فإن الأشياء المرتبطة بالإنسان إذا لم يمنعها الإنسان فيكون هو المتعدي بنظر العرف أما إذا لم ير العرف انه تعدى بحق الجار لم يجب كما إذا كان غصن ضعيف مثلاً داخلاً في هواء بستان الدار أو أغصان شجرته تدخل إلى هواء الدار ولذا تكثر في البساتين كون أشجار بعض البساتين تدخل في بساتين الجيران والسبب في هذا التفصيل هو أن قولهم (عليهم السلام) لايتوى حق أمرئ مسلم وحقوق المسلمين لا تبطل وما أشبه ذلك لا يشمل فيما لم ير العرف انه تعد بحق الغير ولا يخفى أن التعدي بحق الغير غير الضرر إذ بينهما عموم مطلق فإن كل ضرر تعد وليس كل تعد ضرراً لكن لا يخفى انه لا تلازم بين عدم الوجوب على المتعدي وبين جواز الإخراج على المتعدى عليه فلذا فانه وان لم يجب على صاحب الغصن إخراجه فانه يجوز للجار طلب إخراجه إلى غير ذلك من الموارد وكذا الحال يجري في مثل الميزان المائل و أنبوب الماء وأعمدة الكهرباء والتلفزيون والتلفون وغير ذلك والوجه فيه واضح والعروق الممتدة في السرداب مثلاً أو في بئره أو في غرفته أو ما إذا أراد أحداث سرداب ونحوه له قطعها أو عطفها فإذا سبب القطع أو العطف مما لابد منه موت الأشجار لوحظ في هذه الصورة تعارض الضررين بالإضافة إلى انه في بعض الصور يكون إسرافاً والإسراف محرم في نفسه ولو تعاسر صاحب الهواء وصاحب الشجر فيمن يقطع الأغصان أو يعطفها حيث استلزم عطفها دخول أرض الجار صاحب الهواء فأراد كل واحد منهما أن يعمل ذلك لم يكن وجه لتقديم أحدهما على الآخر لأنه كل واحد يريد التصرف في مال الغير والحاكم الشرعي يفصل بينهما بالتنصيف بأن يعمل كل منهما النصف لأن ذلك مقتضى العدل ولا يرجع إلى ثالث لأنه خلاف سلطتهما وقد تقدم في بعض المسائل السابقة أن الحاكم الشرعي له حق التصرف بخلاف السلطنة بقدر الضرورة لا أكثر لأن الضرورات تقدر بقدرها ثم حال الأغصان المتعدية إلى الجيران حالها فيما إذا أخذت إمام الهواء أو النور لشباك الجار حيث أن لصاحب الشباك العطف أو القطع أو ما أشبه ذلك كما أن الأشجار لو كانت بكلها في ارض صاحبها لكنها توجب الذباب أو البق والبعوض ونحوه للجار مما ليس بمتعارف فكذلك .
نعم الأذى المتعارف من الجيران للجيران لا يوجب شيئاً لأنه من لوازم الحياة اليومية كما بيناه سابقاً وحينئذ لا يتوقف الأمر على العطف أو القطع للأغصان فقط به في بعض الأحيان يكون دفع الأذى بمثل رش المبيدات ونحو ذلك.
ويتفرع على ذلك ما إذا كانت الأشجار قرارها في دار إنسان ورؤوسها في دار إنسان آخر كما أحيانا يكون ذلك فيما إذا استطالت الشجرة وخرجت منها إلى فوق فاختلاف صاحب العلو وصاحب السفل في أن الشجرة لمن هي لم يستبعد أن يكون صاحب اليد هو صاحب السفل لا صاحب العلو فيحتاج صاحب العلو إلى الدليل وان كان المحتمل أن الدار كانت لإنسان فورثاه بحيث قسما بينهما العلوي للعالي والسفلي للسافل فيكون الثمار والجهة العالية للعالي والعروق والجهة السفلية للسافل إلى غير ذلك أو غير ذلك من صور الاشتراك أو صورة اختصاص العالي بالشجرة بان استأذن السافل في إنباتها أو اشتراها منه فتكون للعالي فكما تقدم في الجدار ومثله حال النباتات ذات الأوراق التي تغطي الجدران بأن كان المنبت في السافل والأوراق على جوار العالي أو المنبت في دار إنسان والأوراق في دار إنسان آخر ومن المسألتين يعرف حال ما إذا كان المنبت عالية والأوراق سافلاً كما قد يتعارف في مثل هذه النباتات التي ينتفع بأوراقها في تزيين جدران العمارات ثم أن الظاهران العمارات ذات الطوابق التي يحيط بها في اطرافها ساحات أو حدائق تكون تلك الساحات أو الحدائق لجميع الطوابق لا للطبقة الأخيرة فقط سواء ارتادها الجميع للتنزه أو الارتفاق أو للعب الأطفال ونحو ذلك لأن نسبة تلك الساحات والحدائق إلى جميع الطوابق على نحو واحد والكل يستفيدون خروج شباك إليها أو الارتفاق لها أو الاستفادة من اورادها وأزهارها أو كملاعب للأطفال إلى غير ذلك وفعل الساحات في الاشتراك للجميع فيها الحيطان المحيطة بتلك الساحات ومنه يعلم انه لو كان هناك أقفاص دواجن أو ما أشبه فادعاها جميعهم فهي بينهم بالتساوي بعد التحالف أو اتيان كل منهم بالبينة أو الامتناع عن البينة والحلف على حسب القواعد كما انهم لو اختلفوا في أشجارها وأزهارها وثمارها فهي بين الجميع أيضاً بحسب قاعدة العدل كما بينا
المسألة السابعة: الصعادات الكهربائية في البنايات الظاهران الجميع مشتركون فيها وان كانت دروبها إلى الشقق مختصة بصاحب الشقق حيث انهم هم الذين يتصرفون فيها وحدهم من غير اشتراك الآخرين معهم فيكونون هم ذوي يد على تلك الدروب والاشتراك في الصعادات بالتساوي لا بالنسبة بأن يقال مثلاً أن صاحب الطابق السفلاني إنما يستعمل الصعادة ثلاثة اذرع أما صاحب الشقة الفوقانية يستعملها بقدر مائة ذراع إذ لا اعتبار بكثرة التصرف وقلته في تسمية الإنسان ذا يد فإذا كان في دكان مثلاً شخصان يجلس أحدهما في الدكان ثلاثة أرباع اليوم والآخر ربع يوم لا يقال أن ثلاثة أرباع الدكان للاول وربعه للثاني لأنه كليهما ذا يد والاعتبار بكونه ذا يد ليس بالقلة والكثرة كما ذكرنا ذلك في ما تقدم في ما إذا تنازعوا في السقف وفي الجدار وما أشبه من أن كثرة العائلة أو قلة العائلة لا يضر بقاعدة العدل في المسألة فالجميع فيها سواء حسب قاعدة العدل.
المسألة الثامنة: إذا كان العقد مرفوعاً لم يحق أن يطرح قمامته في مكان غير معد للقمامة بين أن يكون مشتركاً بين أهل العقد بغير رضاهم لأنه من التصرف في الحق المشترك وأما إذا تعارف أن يطرح كل واحد منهم قمامته أمام داره أو في سائر مواضع العقد فلا يحق لبعضهم أن يمنع البعض بينما الكل يستفيدون من طرح القمامة في هذا العقد فهو كالملك المشترك الذي يتصرف فيه الكل على حد سواء فليس لأحدهم منع الآخر كما أن الحال كذلك في طرح الثلج في أيام الشتاء في العقود كما هو متعارف الآن في بعض البلاد التي ينزل فيها الثلج وكذلك الحال في طرح مياه الدار في العقد والى بعض ذلك قد أشار المحقق القمي رضوان الله عليه وتبعه سماحة السيد الشيرازي دام ظله في الفقه ، والمقصود من العقد هنا الزقاق .
ولا يلزم من حق التصرف أن يكون الجميع يتصرفون في كل يوم وإنما إذا تصرف الجميع حسب الاحتياج كان للجميع أن يتصرفوا كذلك كما في مثل البناء حيث يتصرف كل واحد في الزقاق أو ترميمه إياه بجعل وسائل البناء بحسب المتعارف أما الخارج عن المتعارف فلا يحق لأحدهم أن يعمل إلاّّ بأذن سائر الشركاء أما الأزقة المفتوحة فالمعيار حرمة ما كان منافياً لطريق المسلمين أو أذية لهم وماعدا ذلك فهو حق الجميع كما بيناه سابقاً من أن الأذية المتعارفة لا بأس بها كطرح الثلج مثلاً أو الكنس الموجب لتأذي المادة بالغبار إلى غير ذلك من الأمثلة للتسامح العرفي في مثلها
المسألة التاسعة: لو تقوت عمارة الإنسان بعمارة الجار بأن أسندت إحداها الأخرى بما إذا لم تكن عمارة الجار لم يتمكن من بناء طابق أو رفع حائط أو ما أشبه ذلك لم يكن به بأس لأن عمارة الجار الآخر أيضاً تتقوى بعمارة جاره فيكون من التهاتر القهري إذا لا يلزم ذلك دائماً كما إذا كانت عمارة الجار من الأسمنت المسلح وعمارته من الطين بل لان ذلك لا يعتبر من الحق عرفاً حتى يكون للجار حق على صاحب العمارة الطينية فيمنعه عن بناء طابق فوق طابقه أو تربيع حائط أو ما أشبه كما أن عمارة الإنسان تحفظ بسبب عمارة الجار عن الهواء ونحوه لا يسبب ذلك حقاً للجار على الإنسان كما إذا كانت عمارته واهية بحيث لولا عمارة الجار لعصفت بها الريح أما عمارة الجار فلقوتها تقف سدا دون العصف بعمارته وكذلك لو كانت عمارة الجار في مسير السيل بحيث لولاها لأودى السيل بعمارته إلى غير ذلك من الأمثلة والمصاديق ومنه يعلم الحال فيها إذا ضعفت عمارة الجار بسبب هدم الجار داره كما يعلم وجه عدم الأشكال في ضعف المعنويات أو قوة المعنويات على الإنسان بسبب دار جاره كما إذا صارت دار الجار محلاً للآمن حيث تقوى معنويته أو صارت محلاً خطراً كالبيوت التي تصبح محلاً لتجمع الشباب أو تجمع المنحرفين حيث تضعف المعنويات إلى غير ذلك
المسألة العاشر: إذا كان لأحد الجيران غرفة على غرفة شخص آخر أو على سردابه أو على دكانه أو ما أشبه ذلك مما يتعارف في البنايات ذوات الطوابق ثم انهد مت الغرفة مما سبب هدم السرداب اوهدم غرفة الجار ونحوه فالظاهر انه لا يضمن إذا لم يكن مقصراً كما ألمع إليه المحقق القمي (رض) وتبعه سماحة السيد الشيرازي دام ظله في الفقه إذا الأصل عدم الضمان ولا دليل على الضمان مع عدم التقصير كما ذكر الفقهاء في كتاب الديات في باب سقوط ميزاب الجدار على رأس إنسان أو على شيء مما سبب تلفه أما إذا كان مقصراً كان مقتضى القاعدة الضمان لأنه السبب مع التقصير بخلاف لما إذا لم يكن مقصراً
بقيت هنا بعض التفريعات
التفريع الأول: لا خلاف في عدم جواز اطلاع الجار على دار جاره فانه من اطلع على دار جاره أو غيرها للتطلع عليهم كان عمله حراماً ولو كان التطلع من داره أو ملكه كان له زجره فإن لم ينز جر ورماه بحصاة أو عود أو غيرها فأصابه مما جرحه أو افقده بصره كان هدراً وفي الجواهر دعوى الإجماع بقسميه عليه فانه من المد افعة عن العرض وقد بين الفقهاء في مسألة المحارب الإخبار المتواترة على ذلك وفي صحيح ابن مسلم عورة المؤمن حرام قال من اطلع على مؤمن في منزله فعيناه مباحتان للمؤمن في تلك الحال وفي النبوي من اطلع عليك فحذفته بحصاة ففقأت عينه فلا جناح عليك ، والظاهر إطلاق رميه بل ظاهر الروايات المتقدمة رميه بدون إنذار ولا إجماع على خلاف ذلك فلو بادره من غير زجر لم يضمن ولو أجهز عليه الرمي فهدر أيضاً ولكن الظاهر عدم جواز قتله برميه بما يقتل فلو فعل ذلك كان ضامناً بذلك أما لو رماه بحجر أو نحوه فأصاب مقتلاً منه فقتله فهدر للأذن بذلك والظاهر عدم وجوب الرمي أيضاً.
نعم يجب النهي عن المنكر لكن السؤال هنا هو انه إذا كان المطلع والناظر رحماً لصاحب الدار وأهله فهل يجوز أيضاً رميه قولان في المسألة الأول لصاحب الشرائع حيث ذهب إلى التفريق بين الرحم وبين الأجنبي حيث قال في الشرائع لو كان المطلع رحماً لنساء صاحب المنزل اقتصر على زجره ولو رماه والحال هذه فجنى عليه ضمن ولعل وجه الحكم هنا هو انصراف الأدلة القائلة بجواز الحذف والرمي إلى الأجنبي .
الاحتمال الثاني بل هو قول ذهب إليه جمع من الفقهاء منهم سماحة السيد الشيرازي دام ظله حيث قالوا بعدم الفرق بين الرحم وبين الأجنبي وذلك لان إلاطلاق الأدلة خصوصاً بعد الآية الكريمة ( ليستأذنكم الذين ملكت ايمانكم و الذين لم يبلغوا الحكم منكم ) إلى آخر الآية حيث إنها ظاهرة في عدم جواز النظر بالمناط حيث أن عدم الدخول إنما هو لعدم النظر غالباً ولذا فسره بالنظر في الجواز ومع ذلك لا وجه بجواز النظر والانصراف المذكور احتمالاً للشرائع ممنوع إذ ليس كل أحد يرضى بنظر رحمه إليه في أي حال خصوصاً مع عريه أو عري المرأة وان كان أو كانت مستورة العورة وكحال جماعه وان لم يظهر منه بدن عار خصوصاً إذا كان موضع الريبة نعم ينبغي استثناء ما هو الغالب من جواز النظر إذا رضي المنظور إليه بل هو كذلك في كل إنسان إذا لم يكن محذور شرعي والظاهر أن النظر في المرآة إلى دار الناس كذلك لوحدة المناط .
كما أن الظاهر أن اثارة الدخان ونحوه ليدخل في عين الناظر جائز أيضاً ليمنعه من النظر ويجوز ذلك للمناط وإذا لم يكن يعلم بحرمة النظر لم يجز رميه لدليل رفع مالا يعلمون هذا إذا كان الناظر عاقلاً وبالغاً .
وأما إذا كان الناظر طفلاً أو كان مجنوناً فهل يجوز رميه احتمالان ، من دليل الرفع الذي يقول رفع مالا يعلمون ودليل رفع القلم عن المجنون حتى يفيق فانهما يدلان على عدم الجواز.
والاحتمال الثاني : أن نقول بالجواز لا طلاق الأدلة إلاّّ أن الظاهر ان الأول أقرب في مثل الرمي الذي يشبه التأديب المناسب لحالهما هذا إذا كانا مميزين أما إذا كانا غير مميزين فلا يجوز مطلقاً .
ولو كان ساكن الدار غاصباً واشرف المغصوب منه على داره فهل يجوز رميه احتمالان أيضاً ، من انه يشرف على دار نفسه فلا يجوز رميه .
والاحتمال الثاني : أن نقول بالجواز لان كون الدار له لا يجيز له الاطلاع عن عورات الناس وان كانوا غاصبين فان الغصب بالنسبة إليهم اثم لكنه لا يبيح أعراضهم إلى النظر من قبل الأجنبي ولو اشرف الأعمى لم يجز رميه لعدم شمول الأدلة له وإذا اشرف متطلع إلى دار خالية فهل لصاحبها الخارج منها رميه احتمالان ، من المناط ومن عدم شمول النص ولا علم بالمناط إلاّّ أن الاحوط هو الثاني ولو رمي ثلاث مرات ولم ينصرف فهل يقتل في الرابعة احتمالات ثالثها القتل إذا أصابه ثلاث مرات وإلا فلا تنزيلاً للرمي منزلة الحد والظاهر أن للمنظور إليه حق الشكاية فإذا ثبت بالبينة أو الإقرار مرتين أو علم الحاكم بعد ثلاث مرات كان الحق في قتله على تفصيلات ذكرها العلماء في باب الحدود .
ولو اشرف الحيوان الذي له بعض الشعور كالقرد مثلاً فالظاهر أن له حق الرمي إذا لم يتزجر للمناط وان كان الموضوع هنا بحاجة إلى التأمل، ولا فرق بين أن يكون الناظر رجلاً أو امرأة إلى رجل أو امرأة للإطلاق وهل للسمع نفس الحكم الظاهر لا وان كان الفعل حراماً وعليه التقرير أما الاغتسال أو ما أشبه ذلك في المواضع العامة كالحمام ونحوه فلا يجرى حكم النظر إليه نعم إذا علق ستراً واختفى تحته كان حكم النظر له مثله في البيت ثم انه لا يحق لمسلم أن ينظر في بيت الكافر وان كان محارباً إلاّّ في الاستطلاع الجائز في حال الحرب لا طلاق الأدلة والانصراف إلى المسلم والذمي غير معلوم ، فلو رماه الكافر كان هدراً على تأمل في المسألة.
ويسقط حكم الحرمة إذا كان المنظور إليه مجيزا له نعم يبقى أنه منكر إذا كان النظر إلى المحرم ولو ضربه ثم اختلفا في انه هل كان ينظر فأنكره الناظر وادعاه الضارب كان على الضارب البينة أو ما يورث العلم للقاضي وإلا فالأصل الضمان وفي القصاص هنا تأمل وان كان الظاهر ثبوته لأنه جرح ونحوه يحتاج إلى إثبات جوازه والظاهر عدم ثبوته .
التفريع الثاني: يستحب اختصاص الجيران بزكاة الفطرة إذا كانوا من المحتاجين إليها لقوله (عليهم السلام) جيران الصدقة أحق بها وينبغي ترجيح أهل الفضل والعلم على غيرهم قال عبد الله بن عجلان السكوني قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إنني ربما قسمت الشي بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيهم فقال (عليه السلام) أعطهم على الهجرة في الدين والفقه والعقل ) وربما يقال بان بعض المستحبات التي كانت للأرحام وبعض القرابة ربما تجري بالنسبة إلى الجار لعظم حق الجوار بين المؤمنين كما فصلنا مسائلها فيما تقدم من مبحث الأرحام
التفريع الثالث: أن حق الشفعة بين الجيران لا يثبت إذا لم يكن بينهم شركة لأنه عندنا لا تثبت الشفعة بالجوار وفي المسالك انه مذهب الأصحاب بل في المفاتيح لا خلاف فيه منا بل عن الخلاف والسرائر والغنية الإجماع عليه وأيد ذلك في الجواهر أيضاً بل دعوى القطع به أيضاً من النصوص على اعتبار الشركة في الشفعة ولو في الطريق فإن الجار إذا أراد أن يبيع داره أو يبيع أرضه أو ما أشبه لم يثبت لجاره الملاصق أو القريب حق الشفعة وإنما يحق له أن يبيع لمن يريد .
نعم الأفضل له بل قد يستحب له أن يراعي أن يبيع لمن لا يؤذي جاره أو لمن يحبه جاره الذي يريد أن يعايشه مدة من الزمن نعم الجار أحق بالعرض عليه قبل البيع أو الإجارة أو ما أشبه وهو أحق بالعرض عليه لا الأخذ بالشفعة فانه لا شفعة لجار مع الخليط وبناء عليه فإن المحكي عن أبي حنيفة وجماعة من العامة من ثبوت حق الشفعة للجار تبعاً للنبوي المروي أن الجار أحق بالشفعة أو بشفعته الظاهر أنه لا وجه له لما عرفت من أن هذه الروايات يستظهر منها انه أحق بالعرض لا الآخذ بالشفعة على تفصيل ذكره الفقهاء في كتاب الشفعة .
التفريع الرابع: يجوز تهنئة الكتابيين من يهود ومسيح وغيرهم وكذلك الكفار من غير الكتابيين بالمناسبات التي يحتفلون بها أمثال عيد رأس السنة الميلادية وعيد ميلاد السيد المسيح وعيد الفصح وما أشبه ذلك من أعياد وأفراح يحتفلون بها في دينهم أو في عرفهم مادامت لم تتخذ لمعاداة الإسلام فإن ذلك من الموارد التي يحبذها الإسلام من جهة مداراة الناس واحترامهم وتقدير شعورهم وإطلاق الأدلة الوارد في باب المداراة يشمل الكفار أيضاً فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرني ربي بمداراة الناس كما امرني بأداء الفرائض وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث من لم يكن فيه لم يتم له عمل ورع يحجزه عن معاصي الله وخلق يداري به الناس وحلم يرد به جهل الجاهل) .
وليست مداراة الناس مقصورة على المسلمين وحدهم بل قد وردت في السنة الشريفة لأهل البيت (عليهم السلام) انهم كانوا يدارون الكفار وأهل الكتاب نعم يستثنى المحارب من الكفار للأدلة الخاصة فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه صاحب رجلاً من غير المسلمين جمعهما طريق مشترك إلى الكوفة وحين وصل الرجل غير المسلم الى مكان يفترق طريقه بها عن طريق أمير المؤمنين (عليه السلام) مشى معه أمير المؤمنين (عليه السلام) هنيئة ليشيعه قبل افتراقه عنه فسأله الرجل عن ذلك فأجابه هذا من تمام الصحبة أن يشبع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه وكذلك امرنا نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) فاسلم الرجل لذلك وقد روى هذه الرواية الحر العاملي في كتابه الوسائل كما روى العامة من طرقهم عن مولانا علي أمير المؤمنين (عليه السلام) مع رعاياه من غير المسلمين .
فقد روى الشعبي كما في السنن الكبرى للبيهقي قال دخل علي (عليه السلام) إلى السوق فإذا هو بنصراني يبيع درعاً قال فعرف علي الدرع فقال هذه درعي بيني وبينك قاضي المسلمين قال وكان قاضي المسلمين شريح وكان علي استقضاه فقال شريح ما تقول أمير المؤمنين قال علي (عليهم السلام) هذه درعي ذهبت مني منذ زمان فقال شريح ما تقول يا نصراني فقال ما اكذب أمير المؤمنين (عليه السلام) الدرع هي درعي قال شريح ما أرى أن تخرج من يده هل من بينة ؟ فقال علي صدق شريح فقال النصراني وأنا والله اشهد أن هذه أحكام الأنبياء أمير المؤمنين (عليه السلام) يجيء إلى قاضيه وقاضيه يطلب عليه البينة هي والله يا أمير المؤمنين (عليه السلام) درعك اتبعتك مع الجيش وقد زالت عن جملك الأورق فأخذتها فإني أشهد أن لا اله إلاّّ الله وان محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال علي (عليه السلام) أما إذا أسلمت فهي لك وحمله على فرس عتيق فقال الشعبي لقد رأيته يقاتل المشركين بعد ذلك ) كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله وان جالسك يهودي فاحسن مجالسته وعليه فإن احترام الجار وتقديره ومراعاة شعوره وان كان من الكفار أو من اليهود أو من النصارى هذه من الواجبات العرفية والاجتماعية وربما تكون من المستحبات الشرعية إذا قصد بها المسلم تقريب الناس إلى الإسلام وعكس الصورة الصحيحة للدين الحنيف القيم فيجوز السير في مواكبهم للتشييع إذا مات منهم أحد أو المشاركة في أفراحهم ومبادلتهم الاحترام والمحبة إلاّّ إذا كانوا يظهرون العداوة للإسلام والمسلمين فذلك يستثنى بالدليل الخاص لقوله سبحانه وتعالى ( لا ينهاكم الله عن الدين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم أن الله يحب المقسطين ) وأما الذين يكنون العداوة والأذى للإسلام والمسلمين فإن في هذه الصورة لا يجوز وبذلك يظهر أيضاً انه لا يجوز إزعاج الجار اليهودي أو الجار المسيحي أو الجار الذي لا يؤمن بدين أصلاً من دون مبرر شرعي أو عقلائي حتى افتى بعض الفقهاء على جواز التصدق على فقراء أهل الكتاب وغيره أيضاً وقالوا أن المتصدق يستحق الثواب فيه واستثنوا من ذلك من ينصب العداوة للإسلام والمسلمين و تحصل من ذلك أن الجار الكافر أو من أهل الكتاب أو اللاديني ايضاً ينبغي مراعاة حقوق الجار بالنسبة إليه ويستثنى من ذلك الذي ينصب العداوة للإسلام والمسلمين فقط .