محاضرات فقه المجتمع - المحاضرة 34 - لواحق موانع الإرث
لواحق موانع الإرث:
هذا وهناك جملة من الأسباب التي ذكر بعض الفقهاء إنها من أسباب منع الإرث أيضاً لكن الظاهر ان هذه الأسباب المانعة أطلق عليها أنها مانعة من باب التسامح والمجاز وليس من باب الحقيقة فبعض الأسباب تمنع من التوارث و بعضها قد لا تمنع ولعل من هنا قد يكون التعبير عنها بلواحق المنع من الإرث أقرب.
وكيف كان فإن لواحق أسباب المنع من الإرث خمسة هي ما يلي:
أولاً: اللعان الجامع للشرائط.
ثانياً: التولد من الزنا.
ثالثاً: الغائب غيبة منقطعة.
رابعاً: الحمل.
خامساً: من مات وعليه دين مستغرق للتركة جميعاً.
والتفاصيل نبينها في ضمن مسائل حسب الترتيب:
- اللعان
الأولى: اللعان الجامع للشرائط وذلك لما بيناه سابقاً من أنه بسبب التلاعن تبطل النسبة شرعاً بين الولد والوالد ويصير كالأجنبي فلا يبقى معه موضوع للإرث حينئذٍ ولذا كان عده من الموانع فيه من التسامح ، نعم الآثار التكوينية المترتبة على ذلك موجودة فمثلاً لو لاعن الزوج في ولده وكان هذا الولد بنتاً ففي هذه الصورة يحرم عليه نكاحها.
وكيف كان فإن الملاعنة تنفي التوارث بين الوالد والولد ولا تنفي بقية الأحكام كالنكاح وما أشبه ذلك وعليه فلو تحقق اللعان فلا توارث بين الولد ووالده إجماعاً ونصوصاً بعد انتفاء النسبة بينهما بسبب اللعان وقد بينا سابقاً بأن طرق التوارث إما سببية وإما نسبية ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (إن ميراث ولد الملاعنة لأمه فإن كانت أمه ليست بحيّة فلأقرب الناس من أمه لأخواله).
والرواية صريحة في نفي التوارث بين الأب وبين من يتصل بالأب من الأقارب وذلك لسقوط النسب عن الأب شرعاً ففي معتبرة أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) (في المرأة يلاعنها زوجها ويفرق بينهما إلى من ينسب ولدها؟ قال إلى أمه).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) (لا يكون اللعان إلا لنفي الولد).
هذا مضافاً إلى الإجماع والمتقرب بالأب كالأخ والأخت للأب والجد والجدة والأعمام والعمات وأولادهم كما بيناه سابقاً فيمنع اللعان التوارث بين الولد ووالده وكذا بين الولد وأقارب والده لكنه لا يمنع من التوارث بين الولد وأمه وكذا بين الولد وأقارب الأم شرعاً وعرفاً كالأب والأخت للأم والأخوال والخالات على ما مرّ ذلك مفصلاً فإذا اعترف بالولد والده بعد اللعان ألحق به فيما عليه لا فيما له إجماعاً ونصوصاً فحينئذٍ يرث الولد منه لكن الوالد لا يرث من الولد كما لا يرث الولد أباه وأقارب أبيه بإقراره وبذلك جاءت النصوص ففي صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام) (في الملاعن فإن ادعاه أبوه لحق به، فإن مات ورثه الابن ولم يرثه الأب).
وفي صحيح محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) (إذا أقر به الأب هل يرث الابن؟ قال نعم ولا يرث الأب الابن).
إلى غير ذلك من الروايات هذا مضافاً إلى قاعدة (إقرار العقلاء على أنفسهم نافذ) وإنما لا يرثه الأب فلعدم الأثر على إقراره بعد حكم الشارع بنفي الولدية باللعان ولأنه من الإقرار للنفس لا على النفس والقاعدة العقلائية تقول إقرار العقلاء على انفسهم نافذ وليس لأنفسهم والفرق بين (على) وبين (اللام) هنا أن على تعني بضرر النفس واللام يعني بنفع النفس وعليه فإنه ذا صدر إقرار من العقلاء وكان هذا الإقرار في ضررهم هذا يعتبر نافذاً وليس إذا أقر العقلاء من أجل مصالحهم ولمنافعهم فإن مقتضى القاعدة عدم النفوذ كما أن الولد لا يرث أباه وأقارب أبيه فلأن الإقرار لا يتعدى وأن الأب لا يرث من الابن فأقرباؤه بطريق أولى.
- التولد من الزنا:
الثاني من الموانع: التولد من الزنا وفي عده من الموانع تسامح واضح بعد عدم النسبة شرعاً بين الوالد وبين ولده نعم الآثار التكوينية باقية وإن الحرمات تدور مدار هذه الآثار، وكيف كان فإن الزنا تارة يكون من الطرفين فلا يبعد عدم التوارث بينهما لنفي النسبة عن المرأة وعن الرجل ولا بين الطفل وبين المنتسبين إليهما لعدم وجود قرابة شرعية في البين بعد نفي نسبة الولد إليهما شرعاً.
وأخرى يكون الزنا من أحدهما دون الآخر كما لو كان الوطي من أحدهما شبهة دون الآخر للجهل بالحكم أو للجهل بالموضوع على ما بيناه سابقاً فحينئذٍ لا يكون التوارث بين الطفل والزاني منهما فقط لنفي النسبة شرعاً في الزاني إلا أنها في غيره متحققة كما لا تكون النسبة بينه وبين المنتسبين إلى الزاني أيضاً لنفس الملاك لكن التوارث لا يمنع بالنسبة إلى المتولد من الوطي الحرام لكن الوطي الحرام في غير الزنا كوطي الزوج زوجته في حال الاعتكاف؟ وفي حال الحيض وفي صوم شهر رمضان وما أشبه ذلك لأن هنا النسبة الشرعية متحققة ومعترف بها منتهى القضية أن الزوج إذا وطأ زوجته وهي محرمة أو صائمة ارتكب لمعصية لكن النسبة الوضعية بينه وبين الولد باقية والمقصود من أن التولد من الزنا يمنع الإرث إذا كان فيه زنا لا وطي حرام فيرث أقرباء المتولد من الزنا منه كولده وزوجته ونحوهما إن لم يكن مانع في البين كما يرث الولد أحد أبويه غير الزاني لتحقق النسبة الشرعية ولأن المفروض أن الزنا في طرف واحد فتتحقق النسبة الشرعية من الطرف الآخر سواء كان التوارث بين نفس أحد الأبوين الذي لا يكون من الزنا أو بين المنتسبين إليه لفرض تحقق النسبة الشرعية كما بينا فإذا كان من طرف الأب وطي شبهة. كما إذا كان الأب أعمى فلم يميز أن هذه المرأة زوجته أم ليست زوجته وكان من طرف الأم زنا مثلاً فالطفل يرث الأب ولا يرث الأم وكذا جده لأبيه وأعمامه.
وكذا لو فرضنا أن الوطي بالشبهة كان من ناحية الأم لا من ناحية الأب فترث الأم والمنتسبين إليها منه كما هو يرثهم أيضاً.
وعليه فإن المتولد من الشبهة كالمتولد من العقد الصحيح الشرعي يتحقق التوارث بينه وبين أقاربه لأنه ولد شرعي ومع تحقق الشبهة فالنسبة باقية شرعاً فيرث من أمه وأبيه وغيرهما من الطبقات ويرثون منه.
- نكاح سائر الأديان والملل في التوارث؟
وهنا مسألة: وهي أن نكاح سائر الملل والأديان لا يمنع من التوارث لو كان صحيحاً بمذهبهم لما بيناه سابقاً من قاعدة الالزام ومن قوله (عليه السلام) (لكل قوم نكاح) (وان كل قوم دانوا بشيء يلزمهم حكمه) بلا فرق بين أن يكون النكاح موافقاً للشرع الحنيف أو مخالفاً للاطلاق والاتفاق ولما ستعرفه من ميراث المجوس حيث أنهم يجيزون للأب نكاح البنت وللأخ نكاح الأخت والأم وما أشبه ذلك حيث أنه في دينهم هذا نكاح يترتب عليه أحكام التوارث أيضاً.
- نكاح المذاهب الإسلامية:
وكما أن نكاح سائر الأديان والملل لا يمنع من التوارث كذلك نكاح سائر المذاهب الإسلامية غير الإمامية لو وقع النكاح على مذهبهم وإن كان باطلاً عند الإمامية كما لو كانت المنكوحة مطلقة بالطلاق الباطل عندنا لما مرّ من الاطلاقات والعمومات والاتفاق مضافاً إلى شمول قاعدة الالزام له أيضاً فإن من طلق زوجته ثلاثاً في مجلس واحد وإن كان يقع واحدة على مذهب الإمامية ولكن حيث أنهم يعدون طلاقاً بائناً فلا تحل الزوجة على زوجها عندهم إلا بمحلل فيمكن أن يترتب عليه أحكام النكاح وحينئذٍ فإذا كان النكاح والطلاق صحيحاً عندهم ترتبت عليه الأحكام من التوارث وغيره.
المانع الثالث: الغائب غيبة منقطعة كما لو غاب الزوج وانقطعت آثاره وأخباره وجهل حياته وموته يتربص بماله ولا يورث حتى يتحقق موته بالحجة الشرعية كالتواتر والبينة أو الخبر المحفوف بقرائن توجب الاطمئنان أو تمرّ عليه مدة لا يعيش مثله فيها غالباً وذلك للأصول كأصالة بقاء حياته وعدم انتقال إرثه إلى غيره مضافاً إلى أصالة عدم جواز التصرف في ماله.
وهذا ما تقتضيه صحيحة هشام بن مالك قال: (سأل خطاب الأعور أبا إبراهيم (عليه السلام) وأنا جالس فقال ( إنه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأجر ففقدناه وقد بقي من أجره شيئاً ولا يعرف الوارث قال فاطلبوه قال قد طلبناه فلم نجده فقال مساكين وحرّك يده قال فأعاد عليه قال اطلب واجهد فإن قدرت عليه وإلا فهو كسبيل مالك حتى يجيء له طالب فإن حدث لك حدث فأوص به إن جاء لها طالب أن يدفع إاليه ) حيث يستفاد من هذه الرواية حكم كلي وهو عدم صحة التصرف في مال الغير مطلقاً فينطبق على المقام قهراً وعليه فإن من كان عمره خمسين سنة مثلاً ثم غاب غيبة تطول خمسين سنة أخرى فإنه في الغالب لا يعيش مثله إلى مثل هذا السن وفي هذه الصورة ربما يطمئن أو يقطع بموته أما إذا غاب غيبة لم تنقض مثل هذه المدة فمقتضى القاعدة حينئذٍ الانتظار وعدم تقسيم تركته نعم في بعض الأخبار ورد تحديد الغيبة بعشر سنين كما في صحيحة علي بن شهريار قال: (سألت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) عن دار كانت لامرأة وكان لها ابن وابنة فغاب الابن بالبحر وماتت المرأة فزعمت ابنتها أن أمها صيرت هذه الدار لها وباعت أشقاقاً منها وبقيت من الدار قطعة إلى جنب رجل من أصحابنا وهو يكره أن يشتر يها من غيبة الابن وما يتخوف أن لا يحل شراؤها وليس يعرف للابن خبر قال لي ومنذ كم غاب ؟ قلت منذ سنين كثيرة قال ينتظر به غيبة عشر سنين ثم يشتري قلت إذا انتظر غيبة عشر سنين يحل شراؤها ؟ قال نعم ) .
والظاهر أن هذه الرواية التي تحدد الغيبة بعشر سنين يمكن أن تحمل على محامل منها: تحمل على مورد يستنكر عرفاً بقاؤه أزيد من عشر سنين كما بيناه من أنه إذا كان عمر الغائب حين غيبته مائة سنة أو أكثر قال الشهيد (قده) في المسالك (بلوغ العمر مائة سنة الآن على خلاف العادة ) بقرينة ما ورد فيها من قول (سنين كثيرة) ومنها: تحمل على صورة حصول اليأس من حياته بضميمة ما تقدم من الرواية وإلا فإن التقدير بالعشرة لا ملاك له بما هو هو وإنما الملاك هو حصول الحجة الشرعية على الموت أو بانقضاء المدة التي لا يعيش مثله بها غالباً هذا ويؤيد ذلك ما ورد في روايات حددت بأربع سنين كموثقة سماعة عن الصادق (عليه السلام) (المفقود يحبس ماله عن الورثة قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين فإن لم يقدر عليه قسم ماله بين الورثة فإن كان له ولد حبس المال وانفق على ولده تلك الأربع سنين) وفي رواية إسحاق بن عمار (قال قال لي أبو الحسن (عليه السلام) المفقود يتربص بماله أربع سنين ثم يقسم ) .
فإن هذا التحديد بأربع سنين أيضاً قد عرفت مما تقدم محمول على أن يكون مورد الطلب أكثر من أربع سنين إذا طلب ولم يعثر عليه.
وكيف كان فإن الرواية التي تحدد بالعشر سنين والروايات التي تحدد بالأربع سنين محمولة على موارد الاستنكار العرفي بالبقاء أو على حصول الاطمئنان واليأس من الحصول عليه.
- متى تقسم تركة الغائب؟
فيتلخص من جميع ما تقدم أن الأقسام بالنسبة إلى الغائب أربعة:
القسم الأول: أن يطمأن بموته قبل الأربع سنين وحينئذٍ لا معنى للتربص والانتظار إلى أربع سنين أبداً وإنما تقسم تركته حسب القطع واليقين.
القسم الثاني: أن يطمأن بحياته ولو بعد مضي أربع سنين أو أكثر بواسطة الفحص كما لو علمنا أنه مسجون أو محصور في بلد كما لو كان البلد محاصراً من قبل الخصوم أو عليه حصار حربي أو ما أشبه ذلك بحيث يمنع التواصل بينه وبين أهله وحينئذٍ فمع حصول الاطمئنان بحياته ولو بعد الأربع سنين فإنه لا مجال لجريان أحكام الميراث عليه لكي تقسم تركته.
القسم الثالث: أن يحصل الاطمئنان بموته بالفحص في أثناء الأربع سنين وحينئذٍ لا موضوعية للأربع سنين بعد الاطمئنان بالموت لأن الاطمئنان حجة شرعاً وعليه فالروايات المتقدمة لا تنافي ما ذكرناه.
فالمدار إذن على حصول الاطمئنان وعدمه وإن الرواية التي تحدد بالأربع سنين لأنه يلازم عادة الاطمئنان بموته.
نعم قد عرفت مما تقدم أن هذا التربص والانتظار بالنسبة إلى تقسيم التركة وأما بالنسبة إلى الزوجة والزوجية فلها حكم آخر فإن الزوجة إذا حصل لها عسر حرج من هذا التربص أو ضرر لعدم المنفق وما أشبه فإنه يجوز لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي وحينئذٍ يطلقها الحاكم نيابة عن الزوج لأنه ولي الغائب على ما فصلناه في باب النكاح والطلاق.
- في توريث الغائب:
هذا بالنسبة إلى تقسيم تركة الغائب إلا أن الغائب نفسه يرث ويعزل له من تركة مورثه للاطلاق والعمومات والاتفاق ما لم يثبت سبق موته على موت المورث وعليه إذا غاب رجل من أهله وكان له أب فمات أبوه وهو غائب فمادمنا لم نعلم بموت الابن وسبق موت الابن على الأب فمقتضى القاعدة أن تعزل حصته من التركة وتنتقل ملكيتها إليه.
والثمرة تظهر بعد ذلك إذ لو حكمنا بموته أيضاً ـ أي بموت الابن ـ وكان موت الابن سابقاً على موت الأب فمقتضى القاعدة أن هذه الحصة من التركة تذهب إلى أولاد الابن ومن ينتسب إليه وأما إذا كان موت الابن سابقاً على موت الاب فإن الورثة الآخرين يشاركون في هذه التركة.
- الحمل بعد انفصاله حياً:
المانع الرابع: هو الحمل بمعنى أن الحمل يرث بشرط انفصاله حياً عن أمه نصوصاً وإجماعاً ففي موثق أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال: (قال أبي (عليه السلام) إذا تحرك المولود تحركاً بيناً فإنه يرث ويورث فإنه ربما كان حياً فإن المراد بالتحرك البيّن الحركة الإرادية التي لا تصدر إلا عن حي لا التقلص والاختلاج داخل الرحم فإنهما قد يصدران من الأموات أيضاً.
وفي صحيح عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) (في ميراث المنكوس من الدية قال لا يرث شيئاً حتى يصيح ويسمع صوته).
وفي صحيحه الآخر عن الصادق (عليه السلام) أيضاً (لا يصلى على المنكوس وهو المولود الذي لم يستهل ولم يصح ولم يورث من الدية ولا من غيرها فإذا استهل فصل عليه وورثه) إلى غير ذلك من الروايات.
والظاهر أيضاً في هذه المسألة لا نحتاج فيها إلى دليل من الخارج لأن إرث الحمل بعد الولادة هو مقتضى الأدلة الأولية وأما قبل الولادة فلا دليل على انتقال المال إليه بل مقتضى الأصل بقاؤه على حكم مال الميت وما ورد في الروايات المتقدمة من العناوين والأوصاف كقوله (عليه السلام) (التحرك البيّن والاستهلال والصياح وسماع صوت الصبي وغيرها) إنما يراد منها إثبات الحياة بهذه الطرق بالخصوص عند عدم البينة في الغالب نعم لو علمنا بحياته من غير هذه الطرق كما لو علمنا بذلك بواسطة الأجهزة الطبية الحديثة فلا شك أنه يرث ويورث أيضاً لمكان علمنا به وقطعنا بالحياة.
ولو شك فيها ولم يتحقق أحد العناوين المتقدمة في الروايات فلا وجه لاستصحاب الحياة حينئذٍ لما عرفت من أن إثبات الحياة بالشرع لابد وإن تكون بما تقدم ومع الدليل لا مجال لجريان الأصل الاستصحابي.
وعليه فإن الحمل مادام حملاً يرث وإن علم بحياته في بطن أمه إجماعاً ونصاً قال أبو عبد الله في صحيح ابن سنان (المنكوس لا يرث من والديه شيئاً حتى يصيح ويسمع صوته).
وقد بينا أن المنساق من مثل هذه الرواية هو أن يولد حياً ولا عبرة بالحياة والتحرك في بطن أمه كما لا يرث الحمل لو سقط ميتاً لما مرّ من الروايات ولقول نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله) (الطفل لا يرث ولا يورث حتى يستهل) بلا فرق بين من لم تلج الحياة فيه أصلاً أو ولجت فيه ثم مات أو سقط الحمل بجناية أو غير جناية.
وعليه فالحمل في بطن أمه يحجب من كان متأخراً عنه في المرتبة بالطبقة الإرثية إلى أن ينفصل حياً للعمومات والاطلاقات الدالة على ذلك بل ولأصالة السلامة فلو كان للميت حمل في بطن أمه وله أخوة أو أحفاد يحجبون عن الإرث فلا يعطى لهم شيء حتى يتبين لهم حال الحمل فإن انفصل حياً اختص الإرث به وإن سقط ميتاً ورثوا.
وعليه فإن الحجب يكون معلقاً هنا ولا يشترط استقرار حياة الحمل بحيث يمكن أن يعيش وذلك للاطلاق والعمومات ولصرف وجود الحياة بعد انفصاله فلو انفصل عن أمه حياً ثم مات بعد ساعات أو بعد أيام فإنه يرث من أبيه.
- مسائل وتفريعات:
وهنا مسائل:
المسألة الأولى: يكفي انعقاد النطفة حين موت المورث ولا يشترط ولوج الروح في الحمل في حينه وذلك للاطلاق والعموم والاتفاق فلو مات شخص وتبين الحمل في زوجته منه يرث لو انفصل حياً ويشترط العلم بوجوده عند الموت وذلك لتحقق الانتساب إليه حينئذٍ وإفراز نصيبه من التركة.
- لو كان للميت وارث غير الحمل:
المسألة الثانية : لو كان للميت وارث آخر في طبقة الحمل ومرتبته إذا كان له ولد يعزل للحمل بنتين أو ذكرين ويعطى الباقي للموجود ثم إذا تبين الحال أخذ سهمه من المعزول وردّ الباقي إلى سائر الورثة ويوزع بينهم حسب ما جاء في كتاب الله تعالى وذلك للإجماع وللقدر المتيقن فإن ذلك أكثر المحتملات غالباً ولذا لا يكون هذا العزل قمسة نعم قد يتفق الزيادة على الأثنين لكن لا غالبية فيها.
ولو عزل ميراث ذكرين ثم بان أزيد منهما فمقتضى القاعدة أنه مع بقاء التركة في يد الورثة يسترجع منها قيمة الزائد ومع تلفها لا ضمان للأصل بعد الشك في شمول قاعدة الاتلاف لمثل المقام.
وأما مع الامكان فيضمن لقاعدة الاتلاف.
كما لو انكشف أن الحمل كان واحداً لا توأماً فالزائد يرد إلى الورثة فإنه ملكهم وكذا لو سقط ميتاً يرد ما عزل له للورثة يقسمونه بينهم حسبما جاء في كتاب الله تبارك وتعالى.
- إذا علم بالحمل عزل نصيبه:
المسألة الثالثة: لو علم حال الطفل في بطن أمه أما بالآثار والتجريبات أو بالآلات المستحدثة والأجهزة الطبية يعزل نصيبه حسب ما علم ذكراً كان أو أنثى توأماً أو منفرداً وذلك لوجود المقتضي وفقد المانع لكنه ليس بقسمة فلو علم أنه ذكر واحد عزل نصيبه أو كان أنثى يعزل نصيبها أو علم أنه متعدد سواءً كانا مختلفين أي ذكر وأنثى أو متحدين أي ذكرين أو أنثيين.
ولو خرج نصف المولود من بطن أمه وتحرك واستهل ثم سقط ميتاً لم يرث ولم يورّث لأن المنساق من الروايات المتقدمة أن ينفصل حياً بتمام بدنه كما يستفاد ذلك من قوله (عليه السلام) (تحركاً بيناً) مضافاً إلى الإجماع (ومنه يظهر أيضاً كما أن الحمل يرث لو انفصل حياً يورث لو علم حياً ثم مات من ساعته أيضاً لوجود المقتضي وفقدان المانع فتشمله الاطلاقات والعمومات فيكون نصيبه وسائر أمواله لوارثه حينئذٍ.
- لو مات الأب والحمل في بطن أمه:
المسألة الرابعة: لو مات الأب والحمل في بطن أمه وطلب الورثة القسمة فمن كان محجوباً بالحمل حجب نقصان لم يعط شيئاً حتى يتبين الحال كما تقدم ومن لم يكن محجوباً به ولا يتغير فرضه لوجود الحمل وعدمه كأحد الزوجين والأبوين إذا كانوا مع الولد فيعطى كمال نصيبه لعدم وجود مانع من النصيب حينئذٍ إذ الحمل لا يمنع منه كما هو في مفروض المسألة ولو كان ينقصه في بعض الوجوه فيعطى أقل ما يصيبه حتى يتبين الحال لأنه المتيقن من نصيبه مضافاً إلى الإجماع.
- لا فرق في الحكم بين أقل مدة الحمل وأقصاها:
المسألة الخامسة: لا فرق في الحكم المذكور وجوداً وعدماً بينما إذا كان التولد في أقصى مدة الحمل أو ما دونها وبين ما إذا كان الولد تام الخلقة أو ناقص الخلقة وبين ما إذا خرج الولد بنفسه أو بقسر خارجي أو بعملية جراحية أو ما أشبه ذلك للاطلاقات والعمومات.
المسألة السادسة لو قتل شخص الحمل وهو في بطن أمه هل يمنع ذلك القاتل لهذا الحمل من الميراث أو لا؟
احتمالان :
الأول: يقول بالجمود على الاطلاقات والعمومات الدالة على أن القاتل لا يرث ممن قتله لو كان يتصل بالحمل بنسب أو سبب.
والثاني: يقول بانصراف تلك الأدلة عن مثل ذلك لأن الجنين مادام في بطن أمه لا يرث شيئاً ولا يورث وقد انفصل عن أمه ميتاً فلا موضوع للوراثة حينئذٍ.
وعليه فلا يكون هذا القتل مانعاً عن الإرث كما لو كان القاتل قتل أجنبياً مثلاً.
إلا أن الظاهر هو قوة الاحتمال الأول لأن المدار في كون القاتل لا يرث من قتله يرجع إلى العرف والعرف يرى في مثل هذه الصورة صدق القتل وأنه كان سبباً في قتل هذا الجنين فانفصل عن أمه ميتاً وحينئذٍ إذا تحقق الموضوع عرفاً تشمله الاحكام وفي صورة الشك فالظاهر أن الحل هو المصالحة والمراضاة لعدم الاطمئنان بقوة الفتوى في أحد الطرفين.
- من مات وعليه دين مستغرق للتركة:
المانع الخامس: من مات وعليه دين مستغرق للتركة وإنما يمنع هذا لأن التركة تنتقل إلى الورثة متعلقة بحق الديان ، أما قولنا بانتقال التركة للورثة فللاطلاقات والعمومات الدالة على أن ما تركه الميت فلوراثه ، وأما قولنا يتعلق حق الديان بها فلتبدل ذمة الميت إلى أعيان أمواله بعد موته وحدوث حق فيها فلا محالة حينئذٍ يتعلق حق الديان بالأعيان المنتقلة إلى الورثة مع بقاء حق الرهانة.
وعليه لا يجوز للورثة التصرف في التركة إلا بعد استرضاء الديان بأي وجه كان لفرض تعقل حقهم بها نعم يخرج الكفن والتجهيزات اللازمة للميت المديون ولو من دون استرضائهم لأن ذلك من الحكم الشرعي الذي لا يتعلق برئضائهم إلا أن الظاهر أن رضا الديان بإخراج الكفن مسلم ومعلوم بالقرينة العرفية.
هذا ويقابل هذا القول قول آخر يقول أن في هذه الصورة لا إرث إلا بعد أداء الدين وانفاذ الوصية وعليه فإنه إذا كان الدين مستغرقاً للتركة يقدم حق الديان ولا يبقى شيء للورثة إلا أن جمعاً من الفقهاء منهم السيد البزاوري (رضوان الله عليه) في مهذب الأحكام لم يرتضوا هذه الفتوى لأن ذلك ـ أي الترتيب ـ حكم تكليفي محض، ولا ينافي انتقال التركة إلى الوارث ووجوب إخراج الدين عليهم فالوصية والدين مقدمان على الإرث تكليفاً لا وضعاً .
نعم لو تسامح الورثة في أداء الدين وتباطئوا يتسلط الديّان على أخذ مالهم ودينهم من نفس التركة حينئذٍ لفرض أن التركة متعلقة بحقهم أيضاً وانتقل المال إلى الورثة متعلقاً بحق الغير.
ولعله لهذه الجهة قلنا أن كون مثل هذه الصورة من الموانع المطلقة للإرث فيه مسامحة لأن استغراق الدين للتركة يمنع عن الملكية الطلقة للورثة ولا يمنع عن الملكية في الجملة فهو على بعض التقادير يمنع وعلى بعض التقادير لا يمنع.
هذا فيما إذا استغرق الدين التركة.
- إذا لم يستغرق الدين التركة:
وأما لو كان الدين غير مستغرق للتركة فتنقل التركة إلى الورثة فتشمله الأدلة الدالة على أن ما تركه الميت فلوراثه وما قابل الدين من التركة حينئذٍ يكون متعلقاً بحق الديان لما تقدم من تبدل ذمة الميت إلى الأعيان بالوفاة، وللورثة إخراج حقهم من التركة وإعطاء الديون لأصحابها وهنا مسألتان:
الأولى: حق الديان غير المستغرق للتركة مشاع للجميع لأصالة إشاعة كل حق مشترك إلا أن يقوم دليل على الخلاف فليس لأحد من الورثة التصرف في التركة إلا بإذن الديان لقاعدة عدم جواز تصرف الشركاء في الحق المشاع إلا بإذن الجميع فلو تصرفوا فيها حتى بقي مقدار الدين تعيّن ذلك في حق الديان حينئذٍ لانحصار الإشاعة في هذه الصورة في الكلي المعيّن لو لم نقل أن حقهم من الأول كان كذلك.
- لو غاب الدائن ولم يتمكن من الوصول إليه:
الثانية: لو كان الدائن غائباً ولم يتمكن الوارث من الوصول إليه لأخذ رضاه أو أعطاءه حقه وأراد الورثة التصرف في التركة يجوز لهم التصرف فيها بعد الرجوع إلى الحاكم الشرعي والاستئذان منه لولاية الحسبة على ذلك وإن لم يتمكن منه فتصل النوبة إلى عدول المؤمنين حينئذٍ كما بيّنه الفقهاء في باب القضاء.
المبحث الثالث في الحجب : حجب الحرمان والنقصان:
وهو على قسمين:
فإما أن يحجب عن تمام الإرث بالكلية ويسمى بحجب الحرمان أو يحجب من أوفر نصيبه ويسمى بحجب النقصان والظاهر إن الحصر في هذين القسمين عقلي لأنه يدور بين النفي والإثبات إذ لا يتصور قسم ثالث في البين.
والمراد من الحجب هو المنع لغة فليس المراد منه حقيقة شرعية ولا متشرعية بل الحجب مأخوذ هنا بمعناه العرفي واللغوي.
وعليه فكل طبقة سابقة هي أقرب إلى الميت فهي تمنع الطبقة اللاحقة حجب حرمان إلا أن تكون السابقة ممنوعة عن الإرث بالموانع التي بيناها سابقاً وذلك لقيام الإجماع والنصوص على ذلك وما تقدم من القاعدة (أن الأقرب يمنع الأبعد) سواءً كانت الأقربية عرفية أم نزّلها الشارع منزلتها كما في ولد الولد حيث نزله الشارع منزلة الابن في مشاركة الأبوين في الحجب وعليه فلا ميراث للأخوة والأخوات مع وجود الأولاد لأن الأولاد أقرب إلى الميت من أخوانه وأخواته، وهكذا.
ولا فرق في حجب الحرمان بين التقدم في الطبقة كما بين الأولاد والأخوة أو تقدم في درجة في الطبقة كالولد فإنه حاجب عن ولد الولد وذلك لتقدم درجة الولد عن الحفيد فتشمله القاعدة (إن الأقرب يمنع الأبعد) سواء كان الولد ذكراً أم كان أنثى بل لا ميراث عندنا لابن الابن مع وجود البنت للميت خلافاً للجمهور حيث أورثوه مع البنت قولاً بالتعصيب الذي لا نقول به نحن.
وكذا بالنسبة إلى الأخ فإنه حاجب عن ابن الأخ لعدم صدق الأخ عليه وإن كان في تلك الطبقة عرفاً.
إلا إذا كان الولد أو الأخ ممنوعين من الإرث بالموانع التي بيناها فإنه حينئذٍ تصل النوبة إلى الحفيد أو تصل النوبة إلى ابن الأخ كما بيناه سابقاً.
كما أنه لو اجتمع الأحفاد وإن نزلوا فإن الأقرب منهم يمنع الأبعد كما بيناه من القاعدة هذا بالنسبة إلى حجب الحرمان.
- موارد حجب النقصان:
وأما بالنسبة إلى حجب النقصان فهو يتحقق في موارد خاصة عيّنها الشارع لثبوته في حق كل وارث لو ورث الآخر أزيد مما يرث معه وهذه الموارد نبينها على الترتيب.
الأول: الولد وإن نزل ذكراً كان أو أنثى واحداً كان أو متعدداً يمنع الأبوين عما زاد عن الثلث فريضة وذلك لقوله تعالى: ((وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ)).
إذ الآية الشريفة تعيّن فرض الأبوين مع الولد وبدونه يكون السدس للأم والباقي يكون للأب فيكون الولد حاجباً للأم والأب عما زاد عن السدس فريضة لا ردّاً وليس للولد فرض هنا مضافاً للإجماع في المقام..
هذا إذا كان الولد ذكراً وأما إذا كان بنتاً وحدها مع وجود أبوين كما لو مات رجل وخلف بنتاً وأبوين أو خلف بنتين مع أحد الأبوين فإنه في هذه الصورة لا تحجب البنت الأبوين حجب نقصان نصاً وإجماعاً ففي صحيح محمد بن مسلم: (قال أقرأني أبو جعفر (عليه السلام) صحيفة في كتاب الفرائض التي هي إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخط علي (عليه السلام) بيده فوجدت فيه رجل ترك أبويه وابنته فللابنة النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس يقسم المال على خمسة أسهم فما أصاب ثلاثة فللابنة وما أصاب سهمين فللأبوين).
فإن مقتضى هذه الرواية أنه يبقى من التركة سدس يوزع على البنت والأبوين أخماساً.
فلو فرضنا مثلاً أنه ترك اثنا عشر يعطى نصفها للبنت وأربع منها للأبوين فيبقى سدس يوزع أخماساً ثلاثة منها للبنت واثنتان للأبوين لكل منهما واحد فنرى أن في هذه الصورة يأخذ الأبوان أكثر من السدس وهكذا.
وأما إذا خلف بنتين فصاعداً مع أحد الأبوين لا مع كليهما فإنه أيضاً لا يكون حجب نقصان وذلك لقوله تعالى: ((فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ)) فلو كن البنات مع أحد الأبوين يبقى سدس يرد عليهم أخماساً على حسب السهام لما مرّ سابقاً مضافاً إلى الإجماع.
فلو فرضنا أن التركة أثنا عشر يعطى ثمانية للبنات وأثنين يعطيها لأحد الأبوين فيبقى سدس يقسم بينهم أخماساً بينهم أيضاً فيعطى للبنات أربعة وواحد لأحد الأبوين فحينئذٍ تقسم التركة اخماساً أربعة أخماس للبنات وخمس لأحد الأبوين والخمس أزيد من السدس.
فلم تحجب البنات هنا أحد الأبوين حجب نقصان هذا بالنسبة للمورد الأول.
المورد الثاني: الولد وإن نزل فإنه يحجب الزوج أو الزوجة عن النصيب الأعلى.
والنصيب الأعلى للزوج هو النصف وبالنسبة للزوجة هو الربع فالولد وإن نزل يحجب الزوج والزوجة عن نصيبهما الأعلى إلى الأقل وهو الربع بالنسبة إلى الزوج والثمن بالنسبة إلى الزوجة للأدلة الثلاثة على ذلك فمن الكتاب قوله تعالى: ((وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ)).
ومن السنة روايات منها ما عن أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم (أن الزوج لا ينقص من النصف شيئاً إذا لم يكن ولد والزوجة لا تنقص من الربع شيئاً إذا لم يكن ولد فإذا كان معها ولد فللزوج الربع وللمرأة الثمن).
وقريب منه غيره من الروايات.
وأما الإجماع فهو مسلم بل هو من ضروريات الدين.
والظاهر أنه لا فرق في الولد هنا بين أن يكون صبياً أو لا كالحفيد وإن سفل كابن الحفيد وما أشبه ذلك لما مرّ من الاطلاق في أن الولد لا يحجب وإن نزل.
ولا يخفى أن الزوج والزوجة حسب التقسيم العقلي لهما ثلاثة أحوال:
فتارة لا يكون معهما ولد فللزوج النصف وللزوجة الربع يأخذ أن كل منهما نصيبه الأعلى وتارة يكون معهما ولد فحينئذٍ يأخذان نصيبهما الأدنى فللزوج الربع وللزوجة الثمن وثالث لا يكون وارث غير أحدهما فإذا كان الوارث هو الزوج يأخذ تمام التركة نصفها يأخذ بالفرض لأن النصف هو نصيبه الأعلى والنصف يأخذ بالرد وأما إن كان الوارث الباقي هو الزوجة فتأخذ الربع وهو نصيبها الأعلى وأما باقي التركة فتذهب إلى الإمام لما سنبينه فيما بعد:
- شرائط حجب الأخوة:
الحاجب الثالث: هم الأخوة والأخوات فإنهم يمنعون الأم عن الزيادة على السدس فريضة وردّاً إن لم يكن للميت ولد لكن ذلك بشروط على ما سنبينه وقد قامت الأدلة الثلاثة على حجب الأخوة والأخوات للأم فمن الكتاب قوله تعالى ((فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ)).
ولفظ الأخوة وإن كان جمعه من الناحية الحسابية من ثلاثة فما زاد إلا أن المراد من الأخوة في الآية الشريفة هو الجمع المنطقي لا الرياضي والجمع المنطقي يتحقق بالأثنتين فما زاد بقرينة الروايات المستفيضة والإجماع.
وكيف كان، فإن الأخوة والأخوات يمنعون الأم إن لم يكن للميت ولد ولكن ذلك بشروط:
الأول: أن يكونوا رجلين فصاعداً أو رجلاً وامرأتين أو أربعة نساء لما مرّ في الآية الشريفة ولقول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (لا يحجب الأم من الثلث إذا لم يكن ولد إلا أخوان أو أربعة أخوات).
وعنه (عليه السلام) في معتبرة البقال (إذا ترك الميت أخوين فهم أخوة مع الميت حجبا الأم عن الثلث وإن كان واحداً لم يحجب الأم).
وقال (عليه السلام) (إذا كن أربعة أخوات حجبن الأم عن الثلث لأنهن بمنزلة الأخوين وإن كن ثلاثاً لم يحجبن).
ومن هذه الرواية يستفاد حكم الأخ والأختين للتعليل الوارد فيها فإن الظاهر أنهم لا يحجبون في هذه الصورة بل هو المروي عن أبي العباس: (قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لا يحجب عن الثلث الأخ والأخت حتى يكون أخوين أو أخاً وأختين) فإن الله تعالى يقول: ((فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ)).
إلى غير ذلك من الروايات مضافاً إلى الإجماع فلفظ الأخوة الوارد في الآية المباركة يعم الذكور والإناث لما ورد من السنة الشريفة بتنزيل الأثنتين منهن منزلة الواحد منهم ففي معتبرة أبي العباس: (قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أبوين وأختين لأب وأم هل يحجبان الأم عن الثلث؟ قال لا، قلت فثلاث؟ قال لا، قلت فأربع؟ قال نعم).
الثاني: أن لا يكون في الأخوة موانع الإرث من الكفر أو الرق أو القتل كما بيناه سابقاً فلو كان كلهم أو بعضهم رقاً لم يحجبوه.
ولا فرق في القتل غير الحاجب بين العمد منه والخطأ فتلخص مما تقدم أنه يعتبر أن لا يكون في الأخوة موانع الإرث المشهورة وأما غيرها من الحمل والدين المستغرق للتركة فإن الحمل لا يحجب كما يأتي وكذا الدين كما تقدم حكمه وقلنا أنه أيضاً لا يحجب أن فرضنا أن للميت تركة بعد الأداء.
الثالث: حياة الأب وأن يكون موجوداً وذلك للأدلة الثلاثة فمن الكتاب قوله تعالى: ((وَوَرِثَهُ أَبَواهُ)) فإن المنساق من الآية وجود الأب ويشهد له الاعتبار أيضاً لأن الأب معيل وينفق على أخوة الميت فلابد من مراعاة حقه فحجب الأخوة يوجب كثرة نصيب الأب لفرض حجب الأم عما زاد عن السدس لوجودهم وأما السنة فهي روايات كثيرة منها معتبرة بكير عن الصادق (عليه السلام) (قال الأم لا تنقص عن الثلث أبداً إلا مع الولد والأخوة إذا كان الأب حياً).
ومثلها صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال (إن مات رجل وترك أمه وأخوة وأخوات لأب وأم وأخوة وأخوات لأب وأم وليس الأب حياً فإنهم لا يرثون ولا يحجبونها).
هذا وهناك شروط أخرى وموانع سنتعرض إليها إن شاء الله.