محاضرات فقه المجتمع - المحاضرة 17 - مسائل وتفريعات
مسائل وتفريعات
المسألة الأولى: العقم في المرأة أو في الرجل ليس من الأمور الموجبة لخيار الفسخ بالإجماع ولأصالة اللزوم في العقود الظاهر حصر الأمراض الموجبة للفسخ في الروايات الشريفة في الأمراض التي تقدم ذكرها وحيث أن العقم ليس منها فلا يكون موجباً للخيار.
المسألة الثانية: ليس للجذام والبرص من عيوب الرجل الموجبة لخيار المرأة عند المشهور من الفقهاء لأصالة اللزوم ولعدم دليل على الخلاف مضافاً إلى أن المرأة هي التي نص عليها في أكثر الروايات الواردة في الباب ففي صحيح عبد الرحمن بن عبد الله الصادق (عليه السلام) (قال المرأة ترد من أشياء من البرص والجذام والجنون والقرن وهو العفل ما لم يقع عليها فإذا وقع عليها فلا).
ومثلها روايات أخرى فتمسك المشهور بأن الجذام والبرص ليست من العيوب الواقعة في الرجل الموجبة للفسخ استناد إلى هذه الروايات.
هذا وهناك قول آخر في المسألة يرى ذلك من موجبات الفسخ أيضاً فإذا أصيب الرجل بالجذام والبرص يجوز للمرأة فسخ النكاح وعلى هذا القول يكون الجذام والبرص من العيوب المشتركة بين الرجل والمرأة وقد نسب هذا القول إلى القاضي (قدس سره) وجماعة من المتأخرين واستدلوا بقاعدة نفي الضرر إذا كان الرجل الأبرص والمجذوم يسبب ضرراً على المرأة وحيث أن لا ضرر يجري فيها فيحق لها الفسخ.
ولأجل العدوى ولأجل صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام) (إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل).
وهذه الرواية مطلقة إذ لم تخصص ذلك بالمرأة فتشمل الرجل أيضاً ولعله لهذه الجهة رجحه المحقق الحلي رضوان الله عليه في الشرائع وقال هو ليس بعيد، إلا أن الاحتياط لا يترك من جهة الأوجة في مثل هذه الحالات وذلك أنها لو أرادت الفسخ تفسخ بعد رضاء الزوج المصاب وكذا من الزوج بان يطلقها فأن الاحتياط هو ذلك إذا أرادت المرأة أن تفسخ وفسحت النكاح وذلك للعلم بصحة زوال النكاح حينئذٍ وأما لو ابتليت المرأة بأحد الأمراض المذكورة بعد العقد عليها وكان العقد صحيحاً فأنها لا تجب نفقة العلاج على الزوج على قول وذلك للأصل وعدم كون نفقة العلاج من النفقات الواجبة على الزوج. .
إلا أنه في مقابل هذا القول قد يقال بالوجوب لأنه مقتضى المعاشرة بالمعروف ولعلة مقتضى قوله تعالى ((عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) ((الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ)).
ولعل هذا من مصاديقه كما ذهب إليه بعض.
- خيار الفسخ فوري.
المسألة الثالثة: أن خيار الفسخ بعد تحقق العيوب المذكورة في الرجل والمرأة فوري للإجماع عليه والاقتصار على المتيقن في مقابل أصالة اللزوم بعد عدم أحراز كون أدلة الخيار في مقام البيان من هذه الجهة فلا وجه حينئذٍ للقول بأنه متراخ وعليه فأنه إذا ظهرت هذه الحالات في المرأة يجب على الزوج أن يفسخ فوراً إذا أراد ذلك لا أن يتراخى وإذا ظهرت هذه العيوب في الرجل يجب عليها أن تفسح فوراً أيضاً إذا أرادت الفسخ؛ أما إذا علم الرجل أو المرأة بالعيب ولم يبادر بالفسخ يلزم العقد عليهما.
نعم المقصود الفورية العرفية لا الفور الدقي العقلي كما ذكروا مثل ذلك في مختلف الخيارات في أبواب المعاملات.
والظاهر أنه إذا لم يعلم بالخيار لم يسقط خياره إذا لم يأخذ به لأن الخارج من الأدلة المتقدمة لأن الفورية لازمة في صورة العلم بالخيار.
وكذلك الكلام إذا كان يعلم بالخيار ولا يعلم الفورية.
ومقابل هذا القول قول آخر يقول لأن مقتضى الأدلة هو التراخي خصوصاً بعد عدم تنبيه الروايات على الفور خصوصاً أن في مثل النزاعات والخلافات الزوجية لا تكون القرارات في الغالب فورية بل تكون مع النزاع والتشاور وما أشبه ذلك حتى يختار أحدهما الفسخ..
وكيف كان فإنه إذا قلنا بالفورية فينبغي تحديد الاختيار في الفسخ وعدمه بالقدر المتيقن منه وعدم الضرر بالآخر فلا يقال إذا لم يكن فور يلزم التوسعة في عدم الفسخ ولو إلى سنة مثلاً بما يوجب ضرراً وعسراً وحرجاً على الطرف الآخر وهذا ما لا يمكن الالتزام به لأنه منصرف عن الأدلة ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة.
نعم لو رضي الزوج أو رضيت الزوجة فالظاهر من الأدلة سقوط الخيار ولا يحتاج حينئذٍ إلى مظهر خارجي وأن كان لا يعرف ذلك غالباً إلا باللفظ وما أشبه.
وأما حالة التروي والتأمل لأجل أخذ القرار فليست حالة الرضا نعم يضر التروي بالنسبة إلى من يقول بالفورية السريعة وإما إذا قلنا بالفورية العرفية فلا.
والحاصل ان القدر المخرج من خيار الفسخ ما إذا أخر صاحب الخيار عالما عامدا بدون محذور عقلي أو عرفي أو شرعي أما إذا كان هنالك نزاع واحتياج إلى الرجوع إلى الحاكم أو إلى أهل الخبرة أو إلى كبار العائلة للتشاور والتفاهم فأطلاق دليل الخيار محكم وباق على حاله.
ومن الواضح ان البت في قضايا اختلاف الأزواج في الفسخ ونحوه لا يكون إلا عند الحكام أو كبار العائلة بعد اخذ وعطاء ومراودة وما أشبه ذلك فكيف يمكن بأن يقال ان مثل ذلك ينافي الفورية والحال أن العرف يرى في ذلك الحق؟.
- هل الأمراض المعدية توجب الفسخ؟
المسألة الرابعة: الأمراض المعدية لا توجب الخيار وأن كانت خطرة للأصل بعد حصر موجبات الخيار في غير ذلك لكن لا بد من الرجوع في مثل ذلك إلى الحاكم الشرعي للفصل والحكم بينهما بما يقتضي نظره العادل.
ويقابل هذا من العيوب الموجبة للفسخ حيث يستدل به عدا أن الجذام من الأمراض المعدية وهو حيث كان من الأمراض التي توجب الفسخ فيمكن التعدي منه إلى غيره من الأمراض المعدية خصوصاً في مثل هذه الإعصار حيث كثرت هذه الأمراض بالعدوى منها.
وكيف كان فإن في المسألة قولين إلا أن الظاهر أن المشهور مع القول الأول.
- إذا ثبت أن الرجل عنين.
المسألة الخامسة: إذا ثبت أن الرجل عنين سواء بواسطة فحص الأطباء أوالعلامات فأن صبرت المرأة على ذلك فلا كلام في سقوط خيارها مع علمها بالموضوع والحكم والرضا بالبقاء معه إجماعاً ونصاً كما في مرسل الصدوق (رضوان الله عليه) (متى أقامت المرأة مع زوجها بعدما علمت بأنه عنين ورضيت به لم يكن لها خيار بعد الرضا)..
خصوصاً وأن الخيار من الحقوق والحقوق تسقط بإسقاط أصحابها وإما إذا لم تصبر ورفعت أمرها للحاكم الشرعي لاستخلاص نفسها منه فإن الحاكم يؤجلها سنة كاملة من حين المرافعة فإن واقعها في خلال سنة أو واقع غيرها في أثناء هذه السنة فحينئذ لا خيار إجماعاً ونصاً ففي قول مولانا أمير المؤمنين علي (عليه السلام).
(يؤخر العنين سنة من يوم ترافعه امرأته فأن خلص إليها والاّ فرّق بينهما فأن رضيت أن تقيم معه ثم طلبت الخيار بعد ذلك فقد سقط الخيار ولا خيار لها).
وفي رواية محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) قال(العنين يتربص به سنة ثم ان شاءت امرأته تزوجت وان شاءت أقامت).
إلى غير ذلك من الإخبار ومقتضى إطلاق هذه الروايات واطلاق الفتوى عدم الفرق في سقوط الخيار بين القدرة على اتيانها أو اتيان غيرها من النساء فيحمل قوله (عليه السلام): (فإن خلص إليها) على القدرة على الجماع.
وعليه فإن ما نسب إلى بعض من اعتبار القدرة على اتيان زوجته فلا وجه له.
وكيف كان فإنه إذا لم يواقعها في السنة ولم يواقع غيرها كان لها الفسخ إجماعاً ونصوصاً والفسخ يرجع فيه إلى الفورية العرفية كما عرفت مما تقدم.
وإن لم تبادر بالفسخ فإن كان عدم المبادرة بسبب جهلها بالخيار أو جهلها بفورية الخيار لم يسقط الخيار عنها وإلا إذا كانت عالمة وأخرته عامدة سقط خيارها وكذا إذا رضيت أن تقيم معه ثم طلبت الفسخ بعد رضاها أولاً فليس لها ذلك إجماعاً ونصاً كما في معتبرة ابن بكير عن أحدهما (عليهما السلام): (وإن رضيت به وأقامت معه لم يكن لها بعد رضاها به أن تأباه).
المسألة الخامسة: خصوصيات الفسخ وفرقه عن الطلاق:
إن الفسخ بالعيب ليس بطلاق بالضرورة الفقهية سواء وقع الفسخ من الزوج أو من الزوجة فليس للفسخ أحكام الطلاق ولا يترتب عليه لوازمه ولا يعتبر فيه شروطه فعليه فلا يحسب الفسخ من الثلاث المحرمة المحتاج نكاحها بعده إلى المحلل ولا يعتبر فيه الخلو من الحيض والنفاس ولا حضور العدلين ولا غيرها من الشرائط التي يشترطها الفقهاء في الطلاق وذلك لقاعدة انتفاء الحكم بانتفاء الموضوع المسلمة بين العقلاء في جميع ذلك فإذا تبين إن النكاح لم يكن صحيحاً أو لم يكن منعقداً بسبب هذه العيوب فلا يحتاج إلى طلاق وإنما يحتاج إلى فسخ.
وعليه فإذا فسخ الرجل بأحد عيوب المرأة فإن كان الفسخ قبل الدخول فلا مهر لها إجماعاً ونصاً منها قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح أبي عبيدة: (وإن لم يكن دخل بها فلا عدة عليها ولا مهر لها).
ومثل هذا الصحيح روايات أخرى.
وإن كان الفسخ بعد الدخول استقر على الزوج مهر المسمى في غير المدلسة نفسها وذلك لاستقرار المهر بالدخول فلا يرجع بالفسخ وذلك للإجماع أيضاً بل والنصوص الواردة في المقام والتي مها قول أبي عبد الله (عليه السلام) في معتبرة ابن محبوب: (ولها ما أخذت بما استحل من فرجها).
وكذا ما ورد من صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام): (أرأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟ قال المهر لها بما استحل من فرجها).
إلى غير ذلك من الروايات.
وكذا الحال فيما إذا فسخت المرأة بعيب الرجل أيضاً للإجماع والنصوص تستحق المرأة تمام المهر إن كان بعد الدخول أما إذا كان قبل الدخول لم تستحق شيئاً إلا في العنن فإنها تستحق عليه نصف المهر المسمى وذلك للنص الخاص لقول أبي جعفر (عليه السلام) في معتبرة ابن محبوب: في العنن (فعلى الإمام أن يؤجله سنة فإن وصل إليها وإلا فرّق بينهما وأعطيت نصف الصداق ولا عدة عليها).
المسألة السادسة: لو رضي الزوج بعيب الزوجة:.
لو رضي الزوج بالعيب كالبرص مثلاً في عضو خاص ثم بان فيها عيب آخر من غير جنسه فله الخيار في الفسخ وذلك للعمومات والإطلاقات الشاملة للعيب الآخر وهل يكون كذلك لو اتسع العيب الذي علم به؟ الأقوى العدم لغرض تعلق الخيار بالطبيعة الشاملة للكل والبعض ولكن الأحوط التراضي بالطلاق إن أراد.
التدليس وأحكامه: وهو الخديعة وكتمان العيب وإظهار خلاف الواقع وأصل الدلس: الظلمة وما ذكروه من مصاديق الظلمة حيث أن المدلس يظلِّم الأمر على غيره ولو اعتباراً بل على نفسه في الواقع أيضاً ولا ريب في تحققه بإرائة شيء على خلاف الصحة مثلاً وعملاً بل قد يتحقق بمجرد السكوت عن العيب على تفصيل يأتي في المسألة اللاحقة في النكاح المبني على الدقة على ملاحظة خصوصيات الزوجين عند إرادة النكاح.
وكيف كان فإذا دلست المرأة نفسها على الرجل في أحد عيوبها الموجبة للخيار وتبين له بعد الدخول فإذا اتفق معها فعليه تمام المهر لأطلاقات أدلة استقرار المهر بالدخول إجماعاً ونصوصاً وأما إذا اختار الفسخ فلم تستحق المهر وذلك للإجماع ولأن الضرر الذي ورد على نفسها جاء من قبلها لأجل تدلييسها على الرجل بذلك وقد ثبت في محله إن من أقدم على الضرر لا تشمله أدلة الضرر وعليه فإذا كان الزوج في هذه الصورة قد دفع إليها المهر استعاده منها لغرض عدم ملكيتها للمهر لأجل التدليس فيكون باقياً على ملك الزوج ولم ينقل إلى ملكيتها بحسب الواقع، وإن كان المدلس غير الزوجة كالأب أو الأم أو الأخ أو العم أو غير ذلك فالمهر هو المسمى وإن استقر على الزوج بالدخول واستحقته عليه الزوجة إلا أن الزوج بعد أن دفعه إليها يرجع به على المدلس لا على الزوجة فيأخذه منه إجماعاً ونصوصاً التي منها ما عن الصادق (عليه السلام) في معتبرة رفاعة بن موسى:(قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في امرأة زوجها وليها وليها وهي برصاء ان لها المهر بما استحل من فرجها وان المهر على الذي زوجّها) وانما صار عليه المهر لأنه(دلسها) والعلة واضحة وصريحة في ذلك ولا يخفى ان التدليس يحصل عند توصيفها بالصحة عند الزوج لغرض التزويج بحيث صار ذلك سبباً لغرور الزوج وانخداعه فأن ذلك هو المنساق من الأدلة عرفاً في النكاح وفي سائر ما يحقق به التدليس وتترتب عله أحكامه وإلا فإنه لا يتحقق بالاخبار أو بالإخبار لغير الزوج لأصالة عدم تحقق موضوعه عند الشك فيه وأصالة عدم ترتب آثاره عليه بعد خروجه عن متفاهم الأدلة.
والظاهر أن التدليس يتحقق أيضاً بالسكوت عن العيب مع العلم به وإخفائه على الزوج واعتقاده بالعدم لصدق التدليس فيه عرفاً فيشمله إطلاق الأدلة مهراً خصوصاً في مثل النكاح الذي إذن الشارع فيه بذكر العيوب من باب نصح المستشير أو من باب الأهم والمهم.
- من الذي يرجع إليه في التدليس؟
وهنا مسائل:.
منها: الذي يكون تزويجه موجباً للرجوع عليه بالمهر هو الذي يسند إليه التزويج من وليها الشرعي أو العرفي كأبيها وجدها وأمها وأخيها الكبير وعمها وخالها ممن لا تصدر المرأة إلا عن رأيهم لصدق السببية في ذلك كله بالنسبة إلى النكاح والتدليس ومثلهم على الظاهر بعض الاجانب ممن لهم شدة علاقة وارتباط بالأسرة بحيث لا تصدر إلا عن رأيه ويكون هو المرجع في أمورها المهمة ويركن إليه فيما يتعلق بها بل لا يبعد أن يلحق بمن ذكر غيرهم الذي يراود الطرفين ويعمل على إيجاد وسائل الائتلاف في البين لوقوع التزويج وذلك لإمكان استفادة التعميم لذلك مما تقدم من صحيح الحلبي.
- في محققات التدليس:
المسألة الثانية: إن التدليس يتحقق في العيوب الموجبة للخيار كالجنون والعمى وغيرهما كذلك يتحقق في مطلق النقص كالعور ونحوه بإخفائه ويتحقق أيضاً في صفات الكمال والحسب والنسب والجمال والبكارة وغيرها بتوصيف المرأة بها مع فقدانها لصدق التدليس في كل منها عرفاً فتشملها الأدلة الشرعية قهراً ويشمل التدليس للتخلف عن الشرط سواء كان الشرط مذكوراً في العقد أو كان مبنياً عليه العقد فإن الشرط عند متعارف الناس في عهدهم وقراراتهم العقلائية على أحكام ثلاثة في الغالب:.
الأولى: ذكر نفس الشرط في العقد كأن تقول المرأة أنكحتك نفسي بشرط أن أكون باكرة ويقول الرجل قبلت النكاح بهذا الشرط.
الثاني: أن يذكر نفس المشروط في العقد كأن تقول المرأة أنكحتك نفسي باكرة ويقول الرجل قبلت هكذا.
الثالث: أن يذكر المشروط قبل العقد ووقع العقد مبنياً عليه حينئذ كأن وصفت المرأة نفسها بالبكارة ويقع العقد مبنياً عليه بالقرينة المعتبرة داخلية كانت أو خارجية والظاهر أن أقسام الشروط الثلاثة كلها معتبر عند العرف فيشمله إطلاق دليل الشرط الذي يقول (المؤمنون عند شروطهم).
وعليه إذا وقع العقد مشروطاً بصفة كمال أو عدم نقص أو ما أشبه ذلك ثم تبين تخلف الشرط فإنه موجب لخيار الفسخ فلو تزوج امرأة على أنها بكر فوجدها ثيباً لم يكن له الفسخ إلا إذا ثبت بالإقرار أو البينة سبق ذلك على العقد كان له الفسخ وذلك لأن مفاد الشرط عرفاً بل الأصل وقوع العقد عليها بكراً فلا بد من إثبات وقوع العقد عليها ثيباً حتى يتحقق موضوع الخيار وإلا فلا موضوع له ومع وجدان الزوج لها ثيباً ليس لأحد أن يقول أنها ذهبت بالدخول بها حلالاً أو حراماً لأن زوال البكارة أعم من الدخول.
فعن أبي الحسن (عليه السلام): (في الرجل يتزوج المرأة على أنها بكر فيجدها ثيباً أيجوز له أن يقيم عليها؟ فقال قد تفتق البكر من المركب ومن النزوة) والنزوة هي الوثبة والقفز ونحوهما.
نعم لو تزوجها باعتقاد البكارة ولم يكن اشتراط ولا توصيف ولا إخبار وبنى على ثبوتها فبان خلافها ليس له الفسخ ولو تبين زوالها قبل العقد لعدم اشتراط في البين بأي وجه من الوجوه أصلاً حتى يوجب تخلفه للخيار بل كان مجرد البناء القلبي والنيات القلبية والدعاوي النفسائية لا أثر لها في العقود والعهود الواقعة بين الناس.
ثم إن التدليس يتحقق في الرجل أيضاً كما يتحقق في المرأة بأن كان بناؤهما في العقد على أن الزوج شاب حسن الوجه أو ذا مهنة شريفة ثم بان الخلاف فيجري عليه حكم تدليس المرأة لقاعدة إن تخلف الشرط يوجب الخيار مبنياً عليه.
- في تدليس النسب والمهنة ونحوهما
المسألة الثالثة : لو انتسب إلى قبيلة فبان من غيرها لم يكن لها الخيار لأصالة اللزوم إلا إذا كان ذلك بنحو الاشتراط لما عرفته مما تقدم وكذا العكس كما لو شرطت المرأة على الرجل أن يكون ذا مهنة شريفة فبان الخلاف فلها الخيار وكذا لو شرط الرجل على المرأة كذلك وأما لو لم يشترط كل واحد منهما في العقد ولم يكن العقد مبنياً عليه فلا خيار في البين لأصالة اللزوم وعموماته ولو شرط الاستيلاد بأن تكون هذه المرأة ولوداً فظهرت عقيماً بشهادة الأطباء أو أهل الخبرة كان له الخيار لأنه من خيار تخلف الشرط، نعم لو لم يشترط ذلك ولم يكن العقد مبنياً عليه فإن العقم ليس من العيوب الموجبة للخيار في حد نفسه ولا فرق فيما تقدم من الأحكام بين العقد الدائم والعقد المنقطع للاطلاقات والعمومات المتقدمة من غير ما يدل على التقييد بالدوام أو بالمتعة.
- لو تمتع بها فكانت كتابية
المسألة الرابعة : لو تمتع بامرأة فبانت كتابية لم يكن له الفسخ من دون هبة المدة ولا له إسقاط شيء من المهر لعدم الضرر لاستمتاع الزوج وكذا لو تزوجها دائماً على أحد القولين نعم لو شرط إسلامها كان له الفسخ إذا وجدها على خلافه وكذا لو شرط كتابية من نوع خاص كالمسيحية مثلاً فبانت من دين آخر مثلاً وكذا الحال لو شرط كونها مسلمة من مذهب خاص من المذاهب فظهرت مسلمة بالمذهب الآخر أو شرطت المرأة إسلاماً خاصاً فظهر إسلاماً على نحو آخر وهكذا الحال في شرط كونها عالمة فظهرت جاهلة أو عاملة فظهرت عاطلة إلى غير ذلك وكذا الكلام في العكس بأن شرطت المرأة أن يكون الزوج كذلك فظهر العكس وفي الجواهر (ولو شرط كونها كتابية فبانت مسلمة ففي تسلطه على الخيار وجهان أقواهما الأول لعموم
المقتضي ولعل له غرضاً في ذلك ويلحق بذلك كل شرط حتى إذا كان الشرط صفة النقص فإذا اشترط الزوج أو الزوجة صفة نقص فبان الكمال ففي إلحاق التدليس به أشكال لأنه لا يصدق عليه أنه تدليس خصوصاً مع ظهور الأدلة في تدليس الناقص بالكامل لا العكس .
إلا أن الظاهر أيضاً إمكان أن يقال أنه تدليس لأن صفة النقص قد تكون مطلوبة للزوج أيضاً فيكون مصداق تخلف الشرط كما إذا شرط كونها ثيباً لعدم قدرته على افتضاض البكر مثلاً فبانت بكراً أو شرط كونها قبيحة لأن القبيحة تتحمل من الأزواج ما لا تتحمل غيرها كما في رواية (جاء إلى الرسول (ص) رجل وقال لا تتحملني المرأة) والرواية مفصلة ذكرها الحر العاملي رضوان الله عليه في كتاب الوسائل ج14/ الباب 22.
وكيف كان فإذا شرط كونها قبيحة فبانت جميلة أو كان يخاف على زوجته إذا كانت جميلة من الفساق بخلاف ما إذا كانت غير جميلة إلى غير ذلك من شرائط الصفات الناقصة التي تدخل في ضمن الأغراض العقلائية فالظاهر أن في مثل هذا يثبت خيار الفسخ.
- لو كان له الخيار فطلق جهلاً
المسألة الخامسة: لو كان له خيار الفسخ وطلق عوض الفسخ جهلاً فهل يترتب عليه أحكام الفسخ؟.
في المسألة وجهان:
الوجه الأول: أنه لا تترتب عليه أحكام الفسخ لأنه ما وقع منه هو الطلاق.
الوجه الثاني: إنه تترتب عليه أحكام الفسخ لأن الظاهر عدم اعتبار لفظ خاص في الفسخ وإن كان قد وقع بلفظ الطلاق.
- لو أزالت المرأة العيب لا خيار وكذا في الرجل
ثم إن المرأة العقيم لو اشترط عليها الولادة فبانت عقيماً وعالجت نفسها حتى أزالت الصفة وإن كان الشرط عدم الصفة حتى في المستقبل لم يحق له الفسخ ومنه يعلم أنه لو كان الشرط فعلية الولادة فلم تستعد لذلك فله حق الفسخ ولو اختلف الأطباء في أنها عقيمة أو لا. أو كان الإختلاف أن العقم منها أو من الرجل أو في أن العقم هل كان قبل النكاح أو حدث بعد النكاح؟ لا يحق له الفسخ لعدم العلم بتحقق الشرط حينئذ.
والظاهر أن للمغرور المدلَّس مطالبة المدلِّس الغار بالمهر الذي يدفعه للزوجة سواء قبل أو بعد دفعه وذلك لاطلاقات الأدلة وبذلك يظهر الوجه فيما ذكره القواعد خلافاً للجواهر حيث ذكر صاحب الجواهر إلى عدم رجوع المغرور بالغرامة على الغار إلا بعد أن يغرم لأنه إنما يرجع بما غرم لكن لو علم أبو الزوجة الذي دلسها مثلاً أنه إذا دفع المهر إلى الزوج يأخذه الزوج ولا يعطيه إلى ابنته يجوز له المنع عنه حينئذ إلا بكفيل أو ضامن ونحو ذلك لأن ظاهر المغرور يرجع من غره هو الارتباط بين الأمرين فليس المقام من قبيل مطالبة زيد من عمر وعمر من بكر مثلاً حتى يقال أنه لا ربط بين الأمرين وأنه يجب على الزوج الدفع إليه سواء أعطاها أو لم يعطها.
نعم الظاهر أنه يجب على الزوج دفع المهر إلى الزوجة وإن لم يعطه الغار إذ لا دليل على الربط بين الأمرين من هذه الجهة.
ثم أن الظاهر أن العيب الموجب للفسخ والتدليس قد يجتمعان وقد ينفرد كل منهما عن الآخر أما في صورة اجتماعهما فهو كما لو دلس بالعيب ولا حكم له زائدا على خيار العيب إلا الرجوع بالمهر على المدلس وأما في صورة انفراد العيب عن التدليس كما لو كان العيب خفياً على الزوجة ووليها.
وأما انفراد التدليس عن العيب كما إذا دلسها باشتراط صفات الكمال فيها أو توصيفها بها مع فقدها لها ولكل حكمه كما عرفت.
وهنا تتمة
- يجوز التزوج بمن ادعت أنها خلية:
يجوز تزويج امرأة تدعي أنها خلية من الزوج من غير فحص عن حالها بلا خلاف بل ربما يظهر من تسالمهم الإجماع عليه للأصل ولجملة من الأخبار التي تدل على أن المرأة مصدقة في نفسها حتى في صورة عدم حصول العلم بقولها وكذا إذا لم تدع ذلك وإنما دعت الرجل إلى تزويجها أو أجابت إذا دعيت إلى الزواج والظاهر أن ذلك يجري أيضاً حتى في صورة ما إذا علمنا إنها ذات بعل سابقاً لكنها ادعت طلاقها أو موت الزوج فإن في هذه الصورة أيضاً تصدّق للنصوص الخاصة ولحمل فعل المسلم على الصحة بالإضافة إلى الإطلاق في الروايات التي تدل على أن النساء مصدقات فيما يرتبط بأنفسهن.
ففي خبر ميسر قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): (ألقى المرأة في الفلاة التي ليس فيها أحد فأقول لها ألك زوج فتقول لا، فأتزوجها قال (عليه السلام) نعم هي المصدقة على نفسها).
وفي خبر أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (عليه السلام): (في المرأة حسناء ترى في الطريق ولا يعرف أن تكون ذات بعل أو عاهرة قال ليس هذا عليك بل عليك أن تصدقها).
نعم لو كانت متهمة في دعواها فالأحوط الفحص عن حالها ومن هنا ظهر أيضاً جواز تزويج زوجة من غاب غيبة منقطعة ولم يعلم موته أو حياته إذا ادعت الزوجة حصول العلم بموته عن الإمارات والقرائن أو بإخبار المخبرين وأن لم يحصل العلم بقولها.
ويجوز للوكيل أن يجري العقد عليها ما لم يعلم كذبها في دعوى العلم ولكن الأحوط الترك في مثل هذه الصور خصوصاً إذا كانت المرأة متهمة.
والظاهر أن هذا الحكم يجري فيما لو ادعت أنها مسلمة أو ادعى الزوج أنه مسلم وأما إذا كان في بلد لم يعلم أن المرأة مسلمة أو الرجل مسلم فإذا كان من بلاد الإسلام كفى إقدامه على الزواج وإن لم يعلم أنه أو أنها مسلمة كما هو بالنسبة إلى اللقيط والميت واللحوم وما أشبه ذلك لكن إذا ادعت المرأة أنها خلية من الزوج فتزوجها رجل ثم ادعت بعد ذلك أنها ذات بعل لم يسمع دعواها إلا إذا أقامت البينة على ذلك فحينئذ يفرق بينها وبين الزوج وإن لم يكن هناك زوج معين بل شهدت بأنها ذات بعل على وجه الإجمال.
ومنه يظهر أيضاً فيما إذا ادعى الزوج بعد أن عقد عليها أنها الزوجة الخامسة أو إنه متزوج بأختها ويحرم الجمع بين الأختين فإنه لا يسمع دعواها أيضاً وإنما يحتاج إلى البينة ولا فائدة بأن يقال له اتركها ولا تحتاج إلى إقامة الدعوى إذ لا ينفع تركها في إسقاط نفقة العدة ولا في إرجاع المهر أقل الأمرين من المسمى إلى مهر المثل كما هو واضح.