محاضرات فقه المجتمع - المحاضرة 11 - أحكام المهر
أحكام المهر
المبحث الآخر من مباحث النكاح هو المهر وهو:
ما يثبت على الزوج للزوجة في عقد النكاح فهو بمنزلة عوض البضع ويقال له الصداق أيضا كما ورد في الآية المباركة ((وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً)).
وربما سمي بالصداق لإشعاره بصدق رغبة باذلة في النكاح الذي هو الاصل في ايجابه وورد التعبير عنه في القرآن الكريم بأكثر من صيغة فسمي بالصدقة والنحلة والأجر والفريضة، كما قال سبحانه في ذلك ((وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً)) وقال سبحانه ((فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)) وقال تعالى ((وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً)).
والظاهر انه يسمى نحلة لان معناها الانتساب كأنه المال ينتسب إلى المرأة بعد انتسابه إلى الرجل ومنه تسمى الهدية نحلة أيضا.
وتسمية بالاجر واضح إذ جاء في القرآن الحكيم ((يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ)) نعم في الغالب يطلق الاجر في عقد المتعة كما ورد التعبير عنه في بعض الآيات الشريفة.
ويكفي في الصداق ما تراضى به الزوجان من ناحية الكثرة ومن ناحية القلة. كما انه لا يشترط أن يكون مالاً أو يكون عيناً أو يكون منفعة بل كل ما يملكه المسلم يصح أن يجعل صداقاً سواء كان عيناً أو كان ديناً أو منفعة لعين كدار أو عقار أو حيوان كما يصح جعله منفعة كتعليم صنعة أو علم او فن ونحو ذلك من كل عمل محلل.
بل الظاهر أيضاً صحة جعل الصداق في الحقوق المالية القابلة للنقل والانتقال كحق التحجير مثلاً ولذا ورد في الأخبار انه ما ترضى عليه الزوجان قليلاً كان أو كثيراً وهذا ما قام عليه الاجماع مضافاً إلى الروايات الواردة بهذا الشأن وهي مستفيضة بل متواترة.
منها قول أبي جعفر(ع) في صحيح زرارة.
الصداق كل شيء تراضى عليه ألناس قل أو أكثر في متعة أو تزويج غير متعة.
وعنه أيضاً في صحيح زرارة (الصداق ما تراضيا عليه قل أو أكثر)
وروى الفريقان أيضاً انه جاءت امرأة إلى النبي صلّى الله علّيه وآله و سلّم فقالت زوجني فقال: (ص) من لهذه؟ فقام رجل وقال: أنا يا رسول الله زوجنيها فقال (ص) ما تعطيها، فقال: مالي شيء فقال: لا! فا عاد رسول الله صلّى الله علّيه وآله و سلّم الكلام فلم يقم أحد غير الرجل، ثم أعاد للمرة الثالثة فقال رسول الله(ص): أتحسن من القرآن شيئاً قال: نعم، قال (ص) قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن فعلمها أياه)
ومن الواضح أن هذا مثال لتعليم كل شيء مباح وضعي سواء كان تعليماً علمياً أو تعليماً حفظياً أو تعليم صناعة وما اشبه ذلك.
وفي رواية سهل بن سعد عن النبي (ص) (أنه قال رجل تزوجها ولو بخاتم من حديد) وعن صفوان عن أبي الحسن (ع) في حديث انه قال: (وقد كان رجل عند الرسول الله (ص) يتزوج المرأة على السورة في القرآن ودرهم وعلى القبضة من الحنطة.
وفي رواية أخرى عنه (ص) سألته بمن تزوج امرأة على أن يعلمها سورة من القرآن كتاب الله عز وجل.
(قال ما احب أن يدخل بها حتى يعلمها السورة ويعطيها شيئاً قلت أيجوز أن يعطيها تمراً أو زبيباً. فقال لا بأس بذلك إذا رضيت به كائناً ما كان).
وهذا ما وردت به روايات متظافرة.
ولا يخفى أن التمر والزبيب والسورة والدرهم والحنطة من باب المثال لا من باب الحصر فيصح كل ما تراضى عليه الزوجان حتى يصح على إجارة الزوج نفسه مدة معينة وعلى عمل مخصوص وفاقاً للمشهور بين الفقهاء ويقابل ذلك قول هو خلاف المشهور، وهو المنسوب للشيخ (قدس سره) في النهاية وجماعة أيضاً حيث منعوا أن يؤجر الزوج نفسه ويجعل الإجارة مهراً للمرأة واستندوا في ذلك إلى روايات لا تخلو من ضعف في السند بل بعضها قاصر عن دلالتها في المنع، وقد فصل ذلك سماحة السيد الشيرازي (دام ظله) في كتابه الفقه فيمكن مراجعة ذلك.
ويصح كون جميع المهر حاضراً أو غائباً أو بعضه حاضراً وبعضه غائباً لأطلاقات الأدلة وإيكال المسألة إلى الرضا بين الزوجين وأيضاً خصوصاً ما رواه الدعائم يدل على ذلك.
ففي جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه قال (إذا تزوج الرجل على صداق منه عاجل وآجل فتشاجرا وتشاحا في الدخول لم تجبر المرأة على الدخول حتى يدفع أليها العاجل، وليس لها قبض الآجل إلا بعد الدخول بها وان كان إلى أجل معلوم فهو إلى الأجل وان لم يجعل له حداً فالدخول يوجبه)
وهنا تفريع وهو أنه حين يصح أن يسقط الزوج حقاً من حقوقه ويجعله مهراً كحقه في أن يتزوج أكثر من واحدة مثلاً فهل يصح جعل اسقاطه مهراً حيث أن المرأة تنتفع بإسقاطه هذا الحق وكذا هل يمكن للمرأة أن تجعل لنفسها في ذمة الزوج حقاً وإن كان مقتضى الأصل الأولي عدم هذا الحق كان تجعل مهرها مواقعتها كل أسبوع مرة مثلاً أو أن يأخذها إلى السفر في كل شهر مثلاً
ما أشبه ذلك؟ مقتضى القاعدة الصحة وذلك لأطلاقات ما تراضيا عليه الذي وردت به الروايات بل وللملاك في تعليل السورة وخصوصاً أن أمثلة هذا الشرائط عقلائية وكل شرط عقلائي يؤيده العرف ولم يغيره الشارع مقتضى القاعدة اعتباره لأن أدلة العقود إمضائية حسب مرتكزات ومباني العقلاء الا في الموارد التي تصرف بها الشارع توسعة أو تضييقاً مقتضى القاعدة الاعتبار.
ولذا قال صاحب الجواهر(قدس سره) تبعاً لغيره وتبعه غيره أيضاً في هذا المقام على ان المدار في المهر على المالية التي تصح أن تكون عوضاً من غير فرق بين العين والعوض والمنافع والأعمال ونحوها بل الظاهر جواز جعل المهر حقاً مالياً كحق التحجير ونحوها مما يصح المعاوضة عليه.
وهنا تفريقات:
منها يستحب في جائب الكثرة أن لا يزيد مهر المرأة على مهر السنة ومهر السنة خمسمائة درهم اجماعاً ونصوصاً مستفيضة في المقام. ففي معتبرة حسين بن خالد عن أبي الحسن (ع) (أوحىالله الى نبيه (ص) أن سنّ مهور المؤمنات خمسمائة درهم)
وفي معتبرة عمر بي يزيد عن الصادق (ع) (ان مهر المؤمنات خمسمائة وهو مهر السنة) وقد يكون اقل من خمسمائة ولا يكون أكثر من ذلك.
ولا يخفى أن الخمسمائة درهم في هذا الزمان يعادل حوالي ثلاثين مثقال ذهب تقريباً.
وفي رواية أخرى عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) (وكان صداق النساء على عهد النبي (ص) أثنتا عشر أوقية ونشاً. قيمتها من الورق خمسمائة درهم.
وعن أبي بصير عن الصادق (ع) في حديث تزويج مولاتنا فاطمة (ع) بالسماء قال (ع) والرواية الطويلة قال (أبو أيوب يا رسول الله فما كانت نحلتها قال يا أبا أيوب شطر الجنة وخمس الدنيا وما فيها والنيل والفرات وسيحان وجيحون والخمس من الغنائم كل ذلك لفاطمة(ع) نحلة من الله لا يحل لأحد أن يظلمها فيه بوطرة إلى أن قال فقام حذيفة بن اليمان على قدميه وقال يا رسول الله فمتى تزوجها بالأرض قال يوم الأربعين من تزويجها في السماء، قال حذيفة فما نحلتها في الأرض يا رسول الله فقال يا أبا عبد الله ما يكون سُنَّة أمتي ممن آمن منهم قال فكم هو؟ قال خمسمائة درهم قال حذيفة يا رسول الله لا يزداد عليها في نساء الأمة فان بيوتات العرب تعظم العرب وتنافس فيها قال له رسول الله (ص) الخمسمائة درهم تأديب من الله ورحمة وسلامة، في ابنتي وأخي اسوة) والمراد من الأخ هنا هو أمير المؤمنين(عليه الصلاة السلام) قال حذيفة، يا رسول الله فمن لم يبلغ الخمسمائة درهم قال رسول الله (ص) يكون النحلة ما تراضيا عليه، قال حذيفة يا رسول الله، فأن أحب أحد من الأمة الزيادة على الخمسمائة درهم قال (ص) قد أخبرتكم معاشر الناس بما كرمني الله به وكرم أخي علياً وابنتي فاطمة(عليهما السلام) وتزويجها في السماء وقد أمرني ربي أن أزوجه في الأرض وأن أجعل نحلتها خمسمائة درهم ثم تكون سنّة لأمتي .. إلى ان قال في الخبر قال أمير المؤمنين(ع) هذا رسول الله (ص) قد زوجني ابنته فاطمة وأصدقها خمسمائة درهم)
هذه بعض الروايات الناهية عن المغالاة في المهور مثل ما رواه البحار نقلاً عن المجازات النبوية للسيد الرضي بإسناده عن النبي (ص) انه قال: (لا تغالوا بمهور النساء فإنها هي سقيا الله سبحانه وتعالى).
وفي رواية الدعائم ثم عن علي (ع) أنه قال: (لا تغالوا في مهور النساء فتكون عداوة).
وهذه الرواية ظاهرة في حكمة المنع من المغالاة في المهور.
- ذكر المهر ليس شرطاً في صحة العقد
ومن التفريعات: أن ذكر المهر ليس شرطاً في صحة العقد الدائم. وذلك للأصل والإجماع والنصوص المستفيضة ومنها ما عن الإمام الصادق(عليه السلام) في معتبرة عبد الرحمن بن عبد الله (في رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقها ثم دخل بها قال: لها صداق نسائها) أي النساء التي تقارنها في المقام الإجتماعي وفي الصفات والخصوصيات وفي موثقة منصور بن حازم قال(قلت لأبي عبد الله في رجل يتزوج امرأة ولم يفرض لها صداقها قال (عليه السلام):لاشيء لها من الصداق فأن كان دخل بها فلها مهر نسائها)، وقريب منه صحيح الحلبي أيضاً، نعم هنالك رواية وردت عن أبي جعفر (ع) في صحيح زرارة فيها(لا يصلح نكاح إلا بمهر) لكن هذه الرواية محمولة على أن النكاح الذي لايتم إلا بمهر المقصود فيه عدم خلو النكاح من المهر ولو بعنوان مهر المثل في مقابل الهبة المختصة بالنبي صلّى الله علّيه وآله و سلّم وكأن الرواية تقول أن هبة المرأة نفسها للرجل هذا غير جائز لأنه ينبغي أن يكون نكاح بين المرأة وبين الرجل ويوضع فيه المهر وكأنه تخصيص للهبة برسول الله (ص).
وبناء على هذا فالمقصود من مثل هذه الرواية عدم خلو النكاح من المهر على كل تقدير لا أنه لا بد أن يذكر ذلك المهر في النكاح ويكون من شروط صحته.
وعليه فلو عقد عليها ولم يذكر مهراً أصلاً بأن قالت الزوجة للزوج مثلاً (زوجتك نفسي) أو قال (موكلها زوجتك موكلتي فلانة) فقال (قبلت) صح العقد وذلك لعدم تقيد صحة النكاح الدائم بالعوض بخلاف المنقطع إذ أن من شروط النكاح المنقطع تعيين المهر بل لو صرحت المرأة بعدم المهر بأن قالت (زوجتك نفسي بلا مهر) فقال (قبلت) صح النكاح أيضاً لا طلاق الأدلة.
هذا ويصطلح الفقهاء مثل هذا النكاح فيما إذا المرأة زوجت نفسها بلا مهر بـ (تفويض البضع) ويقولون للمرأة التي لم يذكر في عقدها مهر مفوضة البضع وأصل التفويض هو الإيكال إلى الغير والتفويض إليه كما قال سبحانه حكاية عن موسى بن عمران (ع): (وأفوض أمري إلى الله أن الله بصير بالعباد) كما قد يطلق أيضاً على مطلق الترك والإهمال كما قال الشاعر الجاهلي:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا.
والسراة جمع سري وهو الشريف.
وعلى هذا فإذا وقع العقد بلا مهر لم تستحق المرأة قبل الدخول شيئاً لعدم الموجب للإستحقاق بعد عدم ذكر المهر في العقد وتحقق تفويض البضع منها وعدم حصول سبب للاستحقاق بوجه من الوجوه إلا إذا طلقها حينئذٍ فتستحق عليه أن يعطيها شيئاً بحسب حاله من الغنى والفقر واليسار والأعسار من الدينار أو الدرهم أو الثوب أو دار أو أرض أو غير ذلك. (ويقال لذلك الشيء المعطى بالمتعة وذلك لقول تعالى ((لا جُناحَ عَلَيْكُمْ أن طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ))
وقوله تعالى متاعاً بالمعروف يظهر منه العرفية أي ما يعتبره العرف متاعاً في مثلها.
مضافاً إلى الإجماع والنصوص المستفيضة والتي منها ما عن الصادق(ع) في معتبرة أبي الصلاح الكناني (إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف مهرها وان لم يكن لها مهر فمتاع بالمعروف على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وليس لها عدة تزوج إن شاءت من ساعتها)
وفي صحيح الحلبي عن الصادق (ع) في الرجل يطلق امرأته قبل يدخل بها (قال: عليه نصف المهر أن كان فرض لها شيئاً وان لم يكن فرض لها شيئاً فليمتعها على نحو ما يمتع مثلها في النساء ولو انفسخ العقد قبل الدخول بها لأمر غير الطلاق لم تستحق شيئاً لا مهراً ولا متعة).
أما عدم المهر ولو نصفه فلفرض عدم ذكره في العقد فلا شيء حتى ينصف.
وأما عدم المتعة فلا ختصاصها بالطلاق كتاباً وسنة وإجماعاً.
وأما لو دخل بها استحقت عليه بسبب الدخول مهراً مثالها إجماعها ونصوصها مستفيضة.
منها ما عن الصادق (ع) في معتبرة منصور بن حازم (فيمن لم يفرض لها صداق فان كان دخل بها فلها مهر نسائها) (والروايات في هذا المجال مستفيضة بل متواترة والمعتبر في مهر المثل هنا وفي كل مورد يحكم فيه، ملاحظة حال المرأة وصفاتها من السن و البكارة والنجابة والعفة والعقل والأدب والشرف والجمال والكمال واضدادها بل يلاحظ كل ماله دخل في العرف والعادة في ارتفاع المهر وتقصانه فتلاحظ أقاربها وعشيرتها وبلدها وغير ذلك والمناط كله هو ما يتفاوت به الأغراض والرغبات من الصفات والخصوصيات سواء كانت في نفسها أو بما يتعلق بها حتى الاختلاف بحسب الأزمنة والأمكنة والأعراف.
(والظاهر أن النصوص مشتملة على مثل هذه التعبيرات ولو بالتضمن
منها مثلاً قول الصادق(ع) في ما مرّ من معتبرة منصور بن حازم (يقول لها مهر نسائها) أي أمثالها.
الرواية الأخرى في الصحيح الحلبي (لها مهر مثل مهور نسائها)
وفي رواية ثالثة (لها صداق نسائها)كما في موثق عبد الرحمن بن عبد الله (والمستفاد من الجميع هو ما ذكره الفقهاء)
والمرجع في تعيين مهر المثل الثقاة الذين يطلعون على مثل ذلك لأنهم المرجع حينئذ فيؤخذ بقولهم ما لم يكن دليل على الخلاف.
وهو في أمثال هذا الموارد مفقود نعم لو جعل الحاكم الشرعي للمهر الشرعي حداً حسب ما يراه من المصلحة فالظاهر تعينه لأن المفروض حجية حكمه مالم يقطع بالخلاف والمفروض عدمه.
وهل يعتبر المهر الذي تعينه الدولة مثلاً؟ فالظاهر أن هذا يختلف بحسب اختلاف الموارد فان الدولة إذا رجعت إلى عدول المؤمنين والثقاة منهم وعينت بالقدر المعتبر المعتد به في العرف والعرف يرى ذلك صحيحاً وإيضا فمقتضى القاعدة الاعتبار.
وأما إذا كان في التعيين إجحاف أو ظلم فمقتضى القاعدة الرجوع فيه إلى العرف وأهل الخبرة.
- إشتراك الأهل بمهر البنت
التفريع الآخر إذا أشرك أباها في المهر، بان سمى للمرأة مهرا واشتراط لأبيها شيئاً معيناً تعين عليه ما سمي لها وسقط ما سمى لأبيها إذ الأب لايستحق شيئا من ذلك. للأصل والإجماع والنصوص بل والفتاوي وأما ما تعارف في بعض البلاد من أنه يأخذ بعض أقارب البنت كأبيها أو أمها أو أختها من الزوج شيئاً وهو المسمى بلسان البعض بـ(شير بها) وفي لسان بعض آخر بشيء آخر ليس بعنوان المهر أو جزء منه بل هو شيء آخر يؤخذ زائداً على المهر وحكمه انه إن كان اعطاؤه وأخذه بعنوان الجعالة على عمل مباح كما إذا أعطى شيئاً للأخ بأن يتوسط في البين ويرضى أخته ويسعى في رفع بعض الموانع لتحقيق النكاح مثلاً فلا إشكال في جوازه وحليته وذلك لتحقق التراضي وطيب النفس مع وجود المقتضي وفقد المانع كما هو الحال المفروض فتشمله الأدلة العامة الدالة على صحة النقل والانتقال بذلك.
ومنها قوله تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم)
والحديث الشريف (ولا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفسه).
(وقاعدة حرمة التصرف في مال الغير وعرضه).
(وغيرها سائر العمومات التي تدل على أن الرضا في أمثال هذه الموارد مجوز في هذه الحالة فإن كان أعطاء الزوج للقريب بطيب نفس منه وان كان لأجل جلب خاطره وتحبيبه وإرضائه حيث أن رضاه في نفسه مطلوب أو من جهة أن رضاء البنت منوط برضائه فبملاحظة هذه الجهات العقلائية تطيب نفس الزوج ببذل المال فالظاهر جواز أخذ القريب له لفرض أن المالك أعطاه برضاه وطيب نفسه فيكون من سنح الهدية والهبة والعطية وما أشبه ذلك.
لكن يجوز للزوج استرجاعه مادام موجوداً لجواز الرجوع بالهبة والهدية ما دامت العين موجودة.
وأما في صورة عدم الرضا من الزوج وإنما أعطاه في جهة استخلاص البنت حيث أن القريب قد يكون مانعاً عن تمشية الأمر مع رضاها بالتزويج بما بذل لها من المهر فيحرم أخذه وأكله، لكونه كالغصب حينئذٍ وإن أخذه من مالكه بغير طيب نفس وبغير رضاه فيشمله عموم (لا يمل مال أمري مسلم إلا بطيب نفسه) فعليه فيجب على الآخذ الرّد وفي صورة التلف يضمن العوض. كما يجوز للزوج الرجوع فيه باقياً كان أو تالفاً لقاعدة السلطنة التي تقول (بأن الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم)
وهذا ماله ذهب عند الغير وهو مسلط على إرجاعه وفي صورة التلف أيضاً يجب على الآخذ الإرجاع لقاعدة ضمان اليد.
- يجوز تأجيل المهر
التفريع الآخر: يجوز أن يجعل المهر كله حالاً أي بلا أجل ومؤجلا أن يجعل بعضه حالاً وبعضه مؤجلاً وذلك لأن الحق بينهما فلهما أن يتراضيا بكل ما شاءا وأرادا مضافاً إلى الأصل والإجماع والأطلاق وما روي عن الصادق (ع) في معتبرة رياض بن إبراهيم (في الرجل يتزوج بعاجل وآجل قال الآجل إلى موت أو فرقة) وللزوجة مطالبة الحال في كل حال لقاعدة السلطنة بعد تحقق ملكيتها للمهر بالعقد مضافاً إلى الأجماع.
نعم لها المطالبة بشرط مقدرة الزوج واليسار وذلك لقوله تعالى ((وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ)) أي تنتظره إلى حال اليسار. ولها أيضاً أن تمتنع من التمكين وتسليم نفسها حتى تقبض مهرها الحال إجماعاً ونصاً ففي معتبرة سماعة قال (سألته عن رجل تزوج بجارية أو تمتع بها ثم جعلته من صداقها في حل أيجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً؟ قال نعم إذا جعلته في حل فقد قبضته منه وأن خلاها قبل أن يدخل بها ردّت المرأة عن على الزوج نصف الصداق)
كما أن هذا ما تقتضيه قواعد نفي العسر والحرج والضرر.
وأن النكاح في حكم المعارضة من هذه الجهة وبأن لكل من الطرفين الامتناع من التسليم حتى يقبض ماانتقل إليه وفي هذه الصورة سواء كان الزوج موسراً أو معسراً لأن الإعسار أنما يسقط حق المطالبة كحكم تكليفي فقط وأما تسليم المعوض قبل أخذ العوض فله حكم آخر لا ربط له بالإعسار.
نعم ليس للزوجة الأمتناع فيما لو كان المهر مؤجلاً كله أو بعضه وقد أخذت بعضه الحال وذلك لعدم الموضوع للمطالبة بشيء فعلاً حتى يكون حق الأمتناع من التمكين فإذن يكون الحق الفعلي للزوج بالاستمتاع بها ثابت من كل جهة بلا مزاحم في البين.
- في ضمان المهر على الزوج
ومن التفريقات. أن الصداق مضمون على الزوج مطلقاً حتى يرده إلى الزوجة لقوله تعالى ((وآتوهن أجورهن )) والإجماع قائم على ذلك مع انه إذا التزم بذلك تشمله العمومات والاطلاقات المتقدمة.
والضمان في مثل هذه الصور ضمان يد لا ضمان معاوضة لعدم ترتب أحكام ضمان المعاوضة علية من تبعض العقد فلو اتلفه أو تلف المهر قبل تسليمه إليها يكون الزوج ضامناً للمثل أو ضامنا للقيمة لقاعدة (على اليد ما أخذت حتى تؤدي). وإن المدار طبعاً في مثل هذه الموارد على وقت الأداء لا غير.
ولو أتلفته الزوجة فلا ضمان في البين لفرض أن التلف وقع بفعلها ولا يعقل أن يكون الشخص ضامناً لماله فيكون التلف كالفرض حينئذٍ.
- المرأة تملك المهر
التفريع الآخر: الصداق تملكه المرأة بنفس العقد لاقتضاء قاعدة عدم صحة تخلف المسبب عن السبب وهذه جارية في جميع العقود المترتبة عليها آثارها من حين حدوث العقد ما لم يكن مانع في البين كما أن هذا مقتضى الإطلاقات أيضاً المستفاد من مثل قوله تعالى ((وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ)) مع ظهور الاتفاق عليه وتستقر الملكية لتمام المهر بالدخول إجماعاً ونصوصاً التي منها قول الصادق (ع) في صحيح الحلبي (في رجل دخل بامرأة قال إذا التقى الختانان وجب المهر والعدة)
وفي معتبرة داوود بن سرحان عن أبي عبد الله (ع) (قال: إذا أولجه فقد وجب الغسل والجلد والرجم) أي في صورة الدخول المحرم ووجب المهر في صورة النكاح الحلال إلى غير ذلك من الروايات فإذا طلقها الزوج قبل الدخول عاد إليه النصف وبقي للمرأة النصف لقوله تعالى ((وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ))
والنصوص المستفيضة في هذا أيضاً تدل عليه فلها التصرف فيه حينئذٍ بعد العقد بأنواع التصرفات لقاعدة السلطنة مع انه لا معنى للملكية إلا هذا مضافاً إلى الإجماع.
ولو جعل المهر نماء كما لو كان هذا المال متاجراً فيه مثلاً أو كان حيواناً وقد سمن كان لها خاصة لقاعدة تبعية النماء للملك المسلّمة بين المسلمين والعقلاء ولو طلقها قبل الدخول كان له نصف ما وقع عليه العقد بلا نماء أصلاً إلا ما يحدث في ملكه لأن النماء تابع للملك والمفروض أن الزوجة ملكت تمام المهر كما في كل ملكية متزلزلة حيث أن نماء تمام الملك للمنتقل إليه وليس للمنتقل منه شيء من النماء ولا يستحق من النماء السابق شيئاً للأصل والإجماع قبل استقرار ملكية الزوجة للنماء؟
- هل يصح هبة المهر أو الإبراء منه؟
التفريع الآخر لو ابرأته من الصداق الذي كان عليه ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصفه عليها على المشهور وذلك لما عن الصادق (ع) في معتبرة سماعة (رجل تزوج جارية أو تمتع بها ثم جعلته من صداقها في حل أيجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً؟ قال نعم إذا جعلته في حل فقد قبضته منه وان خلاّها قبل أن يدخل بها ردت المرأة على الزوج نصف الصداق) وفي هذا روايات متظافرة وكذا لو كان الصداق عيناً فوهبته إياها. رجع بنصف مثلها إليها أو قيمته ولو وهبت نصف مهرها ثم طلّقها الزوج قبل الدخول يرجع إليها ربع مهرها وهكذا بالنسبة لفرض إنها بعد الهبة مالكة لنصف المهر فإذا طلقت قبل الدخول يستقر ملكها بالنسبة إلى الربع وهكذا يلاحظ نسبة الصداق المفروض وما وهبته أو ابرأته.
- كيف تستحق المرأة المهر؟
التفريع الآخر: أن تمكين المرأة من نفسها ليس شرطاً لاستحقاقها المهر للإطلاقات والعمومات بل تملك المرأة المهر بمجرد العقد وهل لها الامتناع من التمكين من جهة التقاص حتى تأخذ مهرها فيما إذا امتنع الزوج عن أدائها سواء كان حالاً أو حل بعد الأجل؟ الظاهر أن لها ذلك وذلك لعمومات أدلة التقاص الشاملة لما نحن فيه وإن لكل ذي حق استيفاء حقه والتمكين على المرأة ليس حكما تكليفياً محضاً بل تقدم أنه فيه نوع من المعاوضة وإذا ذهب بعض الفقهاء إلى أن النكاح برزخ بين المعاوضة وغيرها فيجري فيه التقاص من حيث الحقية ولو لم تمكن المرأة من نفسها وطلقها الزوج قبل الدخول تستحق نصف المهر أيضاً لاطلاقات أدلة
التنصيف ولا مدخلية للتنصيف بالتمكين.
- ما هو المراد من الدخول ؟
التفريع الآخر: أن الدخول الذي يستقر به تمام المهر هو مطلق الوطي ولو كان دبراً إجماعاً ونصوصاً منها قول الصادق (ع) في صحيح الحلبي (إذا التقى الختانان وجب المهر والعدة) كذلك في صحيح محمد بن مسلم (إذا أدخله وجب الغسل والمهر) إلى غير ذلك من النصوص المعتبرة.
ولا يخفى أن إلحاق الدبر بالقبل للإجماع عليه وإصالة المساواة بين الفرجين في جميع الأحكام الا ما خرج بالدليل ولا دليل هنا يخرج الوطي دبرا عن الوطي قبلاً.
وأما قول مولانا الصادق(ع) (لا يوجب المهر الا الوقاع في الفرج) فالحصر فيه اضافي بالنسبة إلى ساثر الاستمتاعات لابالنسبة إلى الدبر.
ثم أن الدخول الموجب لاستقرار المهر والعدة هو التقاء الختانين كما في مر في الرواية.
وهذا الالتقاء تارة يتحقق بالطريق المعروف المتعاهد بأن تنهض الآلة ويدخلها
وأخرى بأن يدخل مقداراً منها بإعانة اليد مثلاً لمرض يمنع عن النهوض كالعنن أوالضعف أو عوارض أخرى.
ويتحقق بذلك أيضاً سائر الآثار من العدة والمهر والغسل والرجم لتحقيق الجنابة شرعاً التي هي من آثار الدخول والتفريق بين آثار الدخول يحتاج إلى دليل وهو مفقود هنا.
ويكن الاشهاد لذلك بمعتبرة أبي نصر البزنطي قال (سأل الرضا (ع) عن خصي تزوج امرأة على ألف درهم ثم طلقها بعدما دخل بها، قال لها الألف التي أخذت منه ولا عدة عليها)
وأنفياً لا يعتبر الا نزال في تحقق الوطي الشرعي ذلك لما فرض الإطلاقات وفي صحيح عبد الله بن سنان عن الصادق (ع) (قال سأله ابي وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة فأدخلت عليه ولم يمسها ولم يصل إليها حتى طلقها جعل عليها عدة منه، فقال إنما العدة من الوضع قيل له فان كان واقعاً في الفرج ولم ينزل؟ فقال إذا أدخله وجب الغسل والمهر والعدة)
وعليه فانه اختلف الزوجان بعدما طلقها فادعت وقوع المواقعة فانكرها فالقول قول الزوج لأصالة عدم تحقق الدخول وقاعدة البينة على المدعي واليمين على من أنكر وله أن يدفع اليمين عن نفسه بإقامة البيئة على العدم أن أمكن ذلك.
وذلك لعموم ما دل على حجية البيئة الشاملة لمثل هذه الصورة أيضاً مع صحة التاييد للعموم لما ورد في نظير المقام من صحيح زرارة (قال سألت أبا جعفر (ع) عن رجل تزوج جارية لم تدرك لأي –أي لايجامع مثلها- أو تزوج رتقاء فادعت عليه فطلقها ساعة أدخلت عليه قال هاتان ينظر إليهن من يوثق به من النساء فان كن كما دخلن عليه فان لها نصف الصداق الذي فرض لها ولا عدة عليهن منه، قال فان مات الزوج عنهن قبل أن يطلق قال لها الميراث ونصف الصداق وعليهن العدة أربع أشهر وعشراً)
كما أنه إذا ادعت المرأة المواقعة قبلاً وكانت بكراً، وكانت عنده بينة على أنه له بينة على بقاء بكارتها يسمع كلامه وكذا لو شهدت البيئة بعدم ملاقاتها بعد تحقق العقد لمانع كالسفر والمرض وغيرها فان القول قوله.