محاضرات أصول فقه - المحاضرة 8
2- لدراسة مقدمة الواجب (ما لا يتم الواجب الا به) يسير الاصولي الخطوات التالية:
أ- تعريف المقدمة.
عن طريق الاستعمال اللغوي العرفي.
ب- اثبات حكم المقدمة.
عن طريق الادراك العقلي.
ج- اثبات الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع.
د- تطبيق الملازمة على حكم المقدمة.
3- ولدراسة ظاهرة الاستصحاب يقوم الاصولي بالعمل التالي:
أ- تعريف الاستصحاب.
عن طريق الاستعمال اللغوي العرفي.
ب- اثبات أنه ظاهرة اجتماعية عامة.
عن طريق بناء العقلاء.
ج- التماس الدليل الشرعي لاثبات حجية الاستصحاب.
وذلك عن طريق النصوص الشرعية, وهكذا.
- تصنيف مباحثه:
تبينا في المقدمة العلمية لهذا العلم أن علم أصول الفقه يبحث في موضوعين هما:
1- الظواهر اللغوية الاجتماعية العامة.
2- المدركات العقلية العامة.
وهنا نحاول أن نتبين تصنيف موضوعات هذا العلم بعناوينها الرئيسة, ومن خلال الغاية التي يهدف اليها الاصول من البحث, وهي تهيئة الاصول والقواعد التي تساعد الفقيه في استنباط الحكم الشرعي من مصدره.
ومصادر الفقه الاسلامي (الكتاب والسنة والاجماع والعقل) تتنوع الى صنفين, هما:
أدلة مؤسسة.
أدلة كاشفة.
وأعني بالادلة المؤسسة تلك التي تشرع الحكم وهي الكتاب والسنة.
وبالادلة الكاشفة تلك التي لا تشرع الحكم وانما تكشف عنه وهي الاجماع والعقل.
في ضوء هذا التصنيف لادلة الفقه لابد من تصنيف موضوعات الاصول تصنيفا رئيسا الى:
1- مباحث دلالة الالفاظ.
ويحاول الاصولي من خلالها أن يهيء القواعد اللفظية الاصولية التي تساعد الفقيه على دراسة نصوص التشريع في الكتاب والسنة لمعرفة دلالاتها ثم استفادة الحكم منها.
2- مباحث الملازمات العقلية.
ويحاول الاصولي من خلالها أن يهيء القواعد العقلية الاصولية التي تساعد الفقيه على معرفة حكم تلكم الملازمات التي لم ينص الشارع على حكمها باية أو رواية, انما ترك أمر ذلك الى بداهة العقول, لان العقل بفطرته يدرك ذلك فيكشف عن حكم الشرع فيه.
3- مباحث الاصول العملية.
ويحاول الاصولي من خلالها أن يهيء القواعد العلمية الاصولية التي تساعد المكلف على معرفة الوظيفة العملية عند الشك وعدم العلم بالحكم الواقعي لرفع حيرته والتوسعة عليه منة له ورحمة به أو عند فقدان النص الشرعي, أو عقمه عن اعطاء الحكم الشرعي لاجماله, أو لتعارضه مع نص شرعي آخر تعارضا محكما لا يستطاع رفعه.
مباحث الدليل والحكم
(ا لد ليل)
تبينا أن علم أصول الفقه يبحث في الادلة مطلقا, أي بشكل عام, وفي أدلةالفقه الاسلامي بصورة خاصة.
وهو بهذا يقوم بدور تزويد الفقه بالقواعد العامة ليقوم الفقيه بدور تطبيق هذه القواعد الاصولية على ما بين يديه من جزئيات تحمل في طياتها الاحكام الشرعية كالايات والروايات ليستنبط الحكم منها, أو بدور تطبيقها في الموارد, التي لا نص خاصا فيها ليستكشف موقف المشرع الاسلامي منها ايجاباأو سلبا.
ان هذا بدورة يسلمنا هنا الى ضرورة تعرف الادلة بعامة ثم الادلةالشرعية بخاصة:
لكلمة (دليل) في لغتنا العربية معنيان, هما:
1- المرشد: Guide.
ويجمع على (أدلة) و (أدلاء).
ومن مصاديقه: الانسان يدل على شيء, والاشارة, والعلامة, والرمز,وما اليه.
2- البرهان Proof.
ويجمع على (أدلة) فقط.
وهو البينة التي يقيمها الفلاسفة والعلماء وغيرهم لاثبات فكرة أو نفيها.
واذا أخذنا بمقولة اللغويين المحدثين الذين يقولون بأن اللغات تنتقل من الحسي الى الذهني أو قل من المادي الى المعنوي, يسهل علينا أن نؤمن بأن كلمة (دليل) استعملت في لغتنا أولا للمرشد من انسان وغيرة ثم استعملت في البرهان لوجه الشبه القائم بينهما وهو الدلالة على الشيء, فكرة وغيرها ثم بقيت تستعمل فيهما.
فالمرشد يوصل الى شيء مادي.
والبرهان يوصل الى شيء معنوي.
ومن هنا عرف الدليل فلسفيا ب (( ما يقود الذهن الى التسليم بحقيقة قضيةكانت موضع شك من قبل. وقد يكون مجرد أمارة أو ظاهرة معينة أو شهادةشاهد, أو ضربا من الاستدلال المنطقي )).
والدليل في عرف الاصوليين: (( هو ما يمكن التوصل به بصحيح النظر فيه الى مطلوب خبري )).
ويريدون بـ(صحيح النظر) التفكير القائم على اسس منهجية سليمة,
وبـ(مطلوب خبري) النتيجة التي يوصل اليها الدليل, وهي جملة خبريةلانها تحتمل الصدق والكذب لذاتها, وهذا مثل قولنا: صيغة الامر ظاهرة في الوجوب + وكل ظاهر حجة = فصيغة الامر حجة.
ان المطلوب الخبري في هذا الدليل الذي هو القياس المنطقي هو جملة(صيغة الامر حجة), وهي جملة خبرية أنتجها الدليل الذي أعمل الاصولي فكرة فيه لكي يوصله الى مطلوبه هذا.
والدليل في علم المنطق هو القياس والاستقراء والتمثيل والعكس المستوى وعكس النقيض والتناقض.
وقد يطلق على البرهان الذي يستدل به اسم (البينة) واسم (الحجة)والفرق هو أن (( ما ثبت به الدعوى من حيث افادته للبيان يسمى بينة, ومن حيث الغلبة على الخصم يسمى حجة ))(1).
فسمي بينة لان الدليل بيان يوضح ويكشف عن المطلوب, وسمي حجة لان الخصم في مجال المناظرة لكي يغلب خصمه يحتج بالدليل الذي يساعده على التغلب على خصمه.
فالحجة هي الدليل, سمي بذلك لانه يضفي صفة الاحتجاج على الشيءالذي يراد الاستدلال به والبرهنة على الاثبات أو النفي.
وقد دأب الاصوليون متأثرين بالمصطلح المنطقي على التعبير عن الدليل غالبا بالحجة.
ويعبرون عن اعطاء الدليلية لشيء ما بالحجية, فعندما يقولون (حجيةخبر الثقة) يعنون بذلك اعتبار خبر الثقة حجة, أي دليلا يستدل به, وعندمايقولون (اثبات حجية الاستصحاب) يعنون اثبات دليلية الاستصحاب, أي اعتبار الاستصحاب دليلا.
وتطلق كلمة (حجة) عند أهل البيت عليهم السلام في لغة الحديث, وعندنااتباعهم الامامية في لغة العلوم الشرعية:
على الانبياء والاوصياء المبلغين عن الله تعالى, وبشكل خاص علىالائمة الاثنى عشر عليهم السلام .
وفي موسوعة (الكافي) للشيخ الكليني فصل بعنوان (كتاب الحجة) وردت فيه الكلمة مستعملة في لغة الحديث في أكثر من حديث.
ومن اطلاقها على الانبياء ما عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله عليه السلام:
أنه قال للزنديق الذي سأله من أين أثبت الانبياء والرسل?
قال: (( انا لما أثبتنا ان لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق, وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهده خلقه, ولا يلامسوه, فيباشرهم ويباشروه, ويحاجهم ويحاجوه, ثبت ان له سفراء في خلقه, يعبرون عنه الىخلقه وعبادة, ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم, فثبت الامرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبرون عنه جل وعز, وهم الانبياء عليهم السلام وصفوته من خلقه, حكماء مؤدبين بالحكمة,مبعوثين بها, غير مشاركين للناس على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب في شيء من أحوالهم مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة, ثم ثبت ذلك فيكل دهر وزمان مما أتت به الرسل والانبياء من الدلائل والبراهين, لكيلا تخلوأرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته )).
ومن اطلاقها على الائمة عليهم السلام ما عن منصور بن حازم: قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: ان الله أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه, بل الخلق يعرفون بالله.
قال: صدقت.
قلت: ان من عرف ان له ربا, ينبغي له أن يعرف ان لذلك الرب رضا, وسخطا,وانه لا يعرف رضاه وسخطه الا بوحي أو رسول, فمن لم يأته الوحي فقد ينبغي له أن يطلب الرسل, فاذا لقيهم عرف انهم الحجة وأن لهم الطاعةالمفترضة .
وقلت للناس: تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان هو الحجة من الله على خلقه.
قالوا: بلي.
قلت: فحين مضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان الحجةعلى خلقه?
فقالوا: القرآن.
فنظرت في القرآن فاذا هو يخاصم به المرجي والقدري والزنديق الذي لايؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته, فعرفت أن القرآن لا يكون حجة ألابقيم, فما قال فيه من شيء كان حقا, فقلت لهم: من قيم القرآن?
فقالوا: ابن مسعود قد كان يعلم, وعمر يعلم, وحذيفة يعلم .
قلت: كله?(2).
قالوا: لا.
فلم أجد أحدا يقال انه يعرف ذلك كله الا عليا عليه السلام .
واذا كان الشيء بين القوم قال هذا لا أدري, وقال هذا لا أدري وقال هذا لاأدري, وقال هذا أنا أدري, فأشهد أن عليا عليه السلام كان قيم القرآن, وكانت طاعته مفترضة, وكان الحجة على الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ما قال في القرآن فهو حق.
فقال عليه السلام: (( رحمك الله )).
ومن استعمالها في لغة العلوم الشرعية فأمثال ما جاء في رسائل الشيخ الانصاري في مبحث الظنون المعتبرة من قوله: (( اعلم أن اثبات الحكم الشرعي بالاخبار المروية عن الحجج عليهم السلام ... )) يعني أئمتنا عليهم السلام .
الدليل: هو الفكرة المعلومة التي توصل المستدل بها الى فكرة اخرى كانت غير معلومة لديه.
أو قل: هو المعلومة التي نتوصل عن طريقها الى النتيجة المطلوبة.
- أدلة الفقه:
هي الادلة التي يرجع اليها الفقهاء المسلمون لاستفادة التكليف الشرعي منها حكما كان أو وظيفة.
وتسم ى أيضا (مصادر التشريع الاسلامي) لان التشريع الاسلامي الذي هونظام حياة الانسان المسلم يؤخذ منها.
وهي عند جمهور المسلمين: الكتاب والسنة الاجماع والعقل.
الا ما عرف من انكار بعض أهل السنة للسنة, وانكار بعض الشيعةللاجماع والعقل .. وسأشير الى هذا في موضعه.
واستقر مؤخرا في الفكر الاصولي السني عنوان (القياس) في موضع(العقل), فعرفت الادلة عند جمهور أهل السنة بأنها الكتاب والسنة والاجماع والقياس, وبقيت عند جمهور الشيعة الكتاب والسنة والاجماع والعقل.
وسنتحدث عن كل واحد من هذه الاربعة في حدود ما يرتبط بها باعتبارهاأدلة الفقه.
- القرآن الكريم:
القرآن الكريم هو الدليل الاول من أدلة الفقه, وأهمها على الاطلاق.
يغلب عليه في لغة الفقهاء والاصوليين والمحدثين اسم (الكتاب), بينمايغلب عليه عند المسلمين بعامة اسم (القرآن), وأقل منهما استعمالا تسميته عندعموم المسلمين أيضا باسم (المصحف).
وكلمة (كتاب) تستعمل في اللغة العربية مصدرا للفعل كتب يكتب كتابا بمعنى كتابة, واسم مفعول بمعنى مكتوب, واستعمال الكلمة مصدرا واسم مفعول هي من ظواهر التصريفات في اللغة العربية, يقولون (لفظ) ويريدون به مصدر لفظ يلفظ, ويطلقونه ويريدون به اسم المفعول, أي (ملفوظ), وكذلك كلمة (خلق) والخ.
وكلمة (كتاب) مصدرا كانت أو اسم مفعول مأخوذة من مادة (ك ت ب) التي تعني الخط والتدوين.
وسمي القرآن كتابا أي مكتوبا لانه مخطوط, والخط الكتابة في لغتناالعربية.
والكتاب أيضا هو الصحف المجموعة, والقرآن الكريم صحف مجموعة.
والقرآن نفسه ذكر هذا بما يشير الى علة تسميته بكتاب, وذلك بقوله: (انه لقرآن كريم في كتاب مكنون).
وجاء استعمال هذا الاسم في أكثر من موضع من القرآن نفسه, منها قوله تعالى: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدي للمتقين), وقوله: (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه).
واسم (الكتاب) يطلق أيضا على (التوراة) و (الانجيل), قال تعالى: (واذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون), وقال: (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب).
وتسمية اليهود والنصارى بأهل الكتاب في القرآن الكريم والحديث الشريف دليلة بينة على ذلك.
ومن شواهد استعمال كلمة (الكتاب) علما للقرآن الكريم قوله تعالى: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا), وقوله: (تلك آيات الكتاب الحكيم) و (تلك آيات الكتاب المبين) و (تلك آيات الكتاب وقرآن مبين).
وكذلك كلمة (قرآن) هي الاخرى تستعمل في لغتنا العربية مصدرا فيقولون: قرأ يقرأ قراءة وقرآنا.
ومن شواهده في الاستعمال القرآني قوله تعالى: (فاذا قرأناة فاتبع قرآنه)أي قراءته.
وتستعمل اسم مفعول بمعنى مقروء.
ومن شواهدة قوله تعالى: (ان هو الا ذكر وقرآن مبين), وقوله: (انا أنزلناقرآنا عربيا لعلكم تعقلون), وقوله: (تلك آيات الكتاب وقرآن مبين).
ومن شواهد استعمالها علما لكتاب الله الذي أنزله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدي للناس).
وقوله: (فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم).
وقوله: (أن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم).
وأما المصحف لغة فهو المجلد الذي يضم مجموعة من الصحف.
والصحف جمع صحيفة وهي ما يكتب فيه من ورق ونحوة, وتطلق أيضاعلى المكتوب في الورق أو غيره.
فالمصحف اسم مفعول مأخوذ من (أصحف الكتاب) اذا جمعه صحفا.
وكان يطلق على كل كتاب جمعت صحفه في مجلد ثم كثر استعماله في القرآن الكريم فصار علما بالغلبة.
ـــــــــــــــــ
الهامش
1- الكليات: مادة حجة.
2- يعني كل القرآن