محاضرات أصول فقه - المحاضرة 43 - تقسيم الدلالة اللفظية
تقسيم الدلالة اللفظية
(1) التقسيم المنطقي:
تقدم أن العلاقة بين اللفظ والمعنى تنشأ من وضع اللفظ للمعنى واقترانه به واستعماله فيه, وأن هذه العلاقة هي الدلالة القائمة بين اللفظ كدال والمعنى كمدلول.
وعلى أساس من ملاحظة هذا الوضع واستعمال اللفظ في المعنى الموضوع له, أو غيره توسعا أو تجوزا وللمناسبة يقسم المناطقة الدلالة اللفظية (الوضعية)الى ثلاثة أقسام, هي:
أ- دلالة المطابقة:
ويراد بها استعمال اللفظ في المعنى الموضوع له واراة ذلك المعنى الموضوع له.
نحو اطلاق لفظ (حاتم) وارادة الشخص المسمى بهذاالاسم كما لو قلت مناديا (ياحاتم), فانك هنا تنادي الشخص المسمى بهذا الاسم .
ب- دلالة التضمن:
ويراد بها استعمال اللفظ وارادة جزء المعنى الموضوع له, لاتمام المعنى الموضوع له وهو المركب بكامله.
نحو اطلاق لفظ (حاتم) وارادة رقبة الشخص المسمى بهذا الاسم التي هي جزء منه, كما اذا قلنا: (سوف نقيم الحد الشرعي على حاتم بقطعه بالسيف), فاننا نقصدبهذا التعبير قطع رقبته التي هي جزء منه.
ويشترط في هذة الدلالة أن يكون المعنى الموضوع له مركبا ليصح ارادة جزئه.
ج- دلالة الالتزام:
ويراد بها استعمال اللفظ وارادة شيء خارج عن المعنى الموضوع له, ولكنه ملازم له.
كما لو أطلقنا لفظ (حاتم) وأردنا صفة (الكرم)الملازمة لحاتم, نحو قولنا: (زيد حاتم) أي زيد كريم .
ويشترط في هذه الدلالة وجود التلازم ذهنا بين المعنى الموضوع له واللازم المقصود من اللفظ.
ووجه القزويني في (شرح الشمسية) تسميات هذه الدلالات الثلاث بأسمائها المذكورة, فقال: (( أما تسميةالدلالة الاولى بالمطابقة فلان اللفظ مطابق, أي موافقل تمام ما وضع له, من قولهم (طابق النعل النعل) اذاتوافقا.
وأما تسمية الدلالة الثانية بالتضمن, فلان جزءالمعنى الموضوع له داخل في ضمنه, فهي دلالة على مافي ضمن المعنى الموضوع له.
وأما تسمية الدلالة الثالثة بالالتزام فلان اللفظ لا يدل على كل أمر خارج عن معناه الموضوع له بل على الخارج اللازم له )).
وذكر الفخر الرازي في (المحصول) في تنبيهات الدلالة:أن (( الدلالة الوضعية هي دلالة المطابقة, وأماالباقيتان فعقليتان لان اللفظ اذا وضع للمسمى انتقل الذهن من المسمى الى لازمه.
ولازمه ان كان داخلا في المسمى فهو التضمن, وأنكان خارجا فهي الالتزام )).
وقد تبنى الاصوليون هذا التقسيم الثلاثي, واستخدمه الفقهاء في استدلالاتهم .
ومنه على سبيل المثال ما جاء في المستمسك(1))تعليقا على ما في (العروة الوثقى) من أن الشياع المفيدللعلم وسيلة من وسائل معرفة اجتهاد المجتهد قال: ((الفرق بينه وبين الاول (يعني العلم الوجداني) من حيث السبب لا غير, والا فهما مشتركان في كون العلم هو الحجة, وأن كانت عبارة المتن توهم غير ذلك.
هذا وربما يقال بثبوته بخبر الثقة, لعموم ما دل على حجيته في الاحكام الكلية, اذ المراد منه ما يؤدي الى الحكم الكلي, سواء كان بمدلوله المطابقي أم الالتزامي,والمقام من الثاني, فان مدلول الخبر المطابقي هو وجودالاجتهاد, وهو من هذه الجهة يكون اخبارا عن الموضوع,لكن مدلوله الالتزامي هو ثبوت الحكم الواقعي الكلي الذي يؤدي اليه نظر المجتهد )).
ويبدو أن دليل هذه القسمة هو الاستقراء لاستعمالات الالفاظ في مدلولاتها وذلك لمطابقته لمواقع الاستعمالات اللغوية, ولان الاستقراء الطريق السوي لذلك.
2- التقسيم اللغوي:
ويقسم اللغويون الدلالة اللفظية الى الاقسام التالية:
أ- الدلالة الصوتية:
وهي تلك التي ترتبط بطريقة أداء الصوت أو الحرف كالهمز والتسهيل, والتفخيم والترقيق, والاظهار والادغام .. والخ.
ب- الدلالة الصرفية:
وتستفاد من هيئة وبنية الكلمة كهيئة اسم الفاعل وبنية الفعل المضارع .. الخ.
ج- الدلالة المعجمية:
وتتمثل في الكلم المفردات, تستفيدها من استعمالات أبناءالمجتمع. وهي التي يدونها المعجميون في معاجمهم .
د- الدلالة النحوية:
وهي التي تستفاد من موقع ووظيفة الكلمة في الجملة.
هـ - دلالة الجملة:
وتستفاد من التركيب نفسه .. فمثلا: عندما يقال (علي شجاع) فلكل مفرده من المفردتين دلالتها المعجميه وللجملة دلالتها التركيبية أفادها نظام التركيب, وهي اتصاف علي بالشجاعة.
و دلالة الاسلوب:
وهي ما يفيده سياق الكلام بما يضيفه من معنى عام ينشأ من ارتباط الجمل بعضها ببعض.
وأيضا دليل هذه القسمة الاستقراء لواقع الاستعمالات اللغوية الاجتماعية.
وهذه كلها تناولها الاصوليون بالبحث ولكن من خلال العناوين الواردة في التقسيم التالي:
3- التقسيم الاصولي:
هذا التقسيم لم يذكرة الاصوليون على هيئة تقسيم ولكن يمكننا أن نستخلصه من مجموع الدراسات الاصولية للدلالة وكما يلي:
أ- دلالة المفردات.
ونوعوها الى نوعين هما:
استعمال اللفظ في المعنى الموضوع له فقط.
وتناول الاصوليون في هذا الحقل الموضوعات التالية:التباين, الترادف, الاشتراك. التضاد.
استعمال اللفظ في المعنى الموضوع له, وفي غيره للمناسبة, وبحثوه تحت عنوان: الحقيقة والمجاز.
ب- دلالة الهيئات:
ونوعوها أيضا الى نوعين, هما:
دلالة الهيئات المفردة:
ودرسوا في اطارها دلالة المشتق في مختلف هيئاته,كالفعل واسم الفاعل واسم المفعول .. والخ.
دلالة الهيئات المركبة:
وتتنوع الى نوعين أيضا, هما:
- دلالة الجملة:
وبحثوا فيها دلالات الجمل الانشائية والخبرية.
- دلالة الاسلوب:
وعالجوا فيها دلالة الكلام المؤلف من جملتين فأكثر.
وسنتناول هذة وفق التسلسل التالي: التباين. الترادف.الاشتراك. التضاد. الحقيقة والمجاز. المشتق. الجملة.الكلام . الاعراب. كيفية دلالة الكلمة.
التوحد والتعدد في الالفاظ والمعاني
من الظواهر اللغوية التي رصدها العلماء وانتهواعلى أساس مما أوصلتهم ملاحظاتهم الى أن الالفاظ في مجال دلالاتها على معانيها:
1- قد تكون لفظا واحدا يدل على معنى واحد.
2- وقد تكون لفظا واحدا يدل على معان متعددة.
3- وقد تكون عدة ألفاظ تدل على معنى واحد.
وأطلقوا على الالفاظ المتعددة التي تدل علىمعنى واحد اسم (المترادف) أو (الالفاظ المترادفة).
وعنونت بعنوان (اختلاف الالفاظ واتفاق المعاني).
وعلى اللفظ الواحد الذي يدل على عدة معان اسم (الاشتراك) أو (الالفاظ المشتركة).
وعنونت بعنوان (اتفاق الالفاظ واختلاف المعاني).
وخصوا ما يدل منها على معنيين متضادين باسم (التضاد) أو (الالفاظ المتضادة).
وعلى اللفظ الواحد للمعنى الواحد اسم (المتباين) أو (الالفاظ المتباينة) وعنونت بعنوان (اختلاف الالفاظ واختلاف المعاني).
والذي يظهر من تعليلات وجودها في اللغة العربية انها ظاهرة لغوية عربية.
وتناول المنطقيين لها بالدرس والبحث منذ عهد ارسطو وقومه الاغريق, وكذلك وجودها فيما اطلعنا عليه من اللغات الكبرى المعاصرة يؤيد شيوعها بين الناس وفي اللغات كظاهره مشتركة.
وأقدم من سجل وجودها في اللغة العربية سيبويه,فقد قال في كتابه: ((اعلم أن من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين, واختلاف اللفظين والمعنى واحد, واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين.
فاختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين هو نحو: جلس وذهب.
واختلاف اللفظين والمعنى واحد نحو: ذهب وانطلق.
واتفاق اللفظين والمعنى مختلف قولك (وجدت عليه) من الموجده, و (وجدت) اذا أردت وجدان الضالة, وأشباهه كثير)).
وبين يدي من المؤلفات التي تناولت الانواع الثلاثة من هذه الاقسام .
1- كتاب (ما اختلفت ألفاظه واتفقت معانيه) للاصمعي (ت217هـ).
2- كتاب (اتفاق المباني وافتراق المعاني) للدقيقي (ت614هـ).
3- كتاب (الترادف في اللغة) للدكتور حاكم الزيادي المعاصر.
4- كتاب (التضاد في ضوء اللغات السامية) للدكتور ربحي كمال المعاصر.
وقد نص بعضها على وجود هذه الظاهر في اللغةالعربية, قال الدقيقي:
(( اذ كان الكلام كله لا يخرج عن ثلاثة أقسام:
1- معان مفترقات يعبر عنها بألفاظ مختلفات.
2- معان متفقات يعبر عنها بألفاظ متباينات.
3- معان مفترقات يعبر عنها بألفاظ متفقات )).
وقال الدكتور ربحي كمال: (( من ألفاظ الساميين:
1- ما اختلف لفظه واختلف معناة.
2- وما اتفق لفظه واختلف معناة.
3- وما اختلف لفظه واتفق معناة )).
فالقسمة كما ترى هي للالفاظ باعتبار تعددهاوتوحدها في مقابلة تعدد المعاني وتوحدها.
ومن هنا عنونتها ب (التوحد والتعدد في الالفاظ والمعاني), لانهم يقصدون بالاتفاق التوحد وبالاختلاف التعدد.
وعليه ستكون الاقسام كالتالي:
1- تعدد الالفاظ وتعدد المعاني, نحو: محمد, نافذة,البصرة, باب, سماء, أرض.
فهنا ألفاظ متعددة لمعان متعددة, أي أن كل لفظ من هذه الالفاظ هو لمعنى من هذه المعاني, أو قل: لفظ واحد لمعنى واحد.
2- تعدد الالفاظ وتوحد المعاني, وذلك كأن يكون هنا كعدة ألفاظ تدل على معنى واحد, كأسماء الاسد, مثل: ليث وغضنفر وضرغام وهزبر, فأنها ألفاظ متعددة لمعنىواحد.
3- توحد الالفاظ وتعدد المعاني, وذلك كأن يكون هناكلفظ واحد لعدة معان, مثل لفظ (عين) فانه للنابعةوالباصرة والربيئة والجاسوس والشيء.
ومثل: القرء للحيض والطهر, والجون للاسود والابيض,والمولى للسيد والعبد, وهو ما أسموه بالتضاد.
التباين
- التباين: لغة التفارق والتباعد.
واصطلاحا فكما مر تعدد الالفاظ بتعدد المعاني.
والالفاظ المتباينة هي النسبة العليا في كل لغة من اللغات, لانها الاصل في وضع الالفاظ للمعاني, ذلك أن الامرالطبيعي أن يوضع لكل معنى بخصوصه لفظ واحد.
وقد أشار الى كثرتها مع تعريف لها الفيلسوف الفارابي في كتاب (العبارة), قال: (( والاسماء المتباينة هي الاسماءالكثيرة التي يدل كل واحد منها على غير مايدل عليه الاخر, أو التي يكون الحد المساوي لكل واحد منها غير الحدالمساوي للاخر )).
وهي جل الالفاظ الموجودة في معجمات اللغات, وله لانحتاج الى ذكر أمثلة كثيرة لها, ويكفينا في التمثيل ما مرمنها في التقسيم المتقدم .
والتعامل معها في مجال دراسة النص الشرعي آية أورواية, أو غيرهما هو التعامل مع مفردات اللغة العربيةمن حيث دلالاتها المختلفة نصا وظاهرا وأظهر... والخ, وفي ضوء ما نذكره من قواعد وضوابط في فصول الكتاب.
ـــــــــــــــــ
الهامش
1- المستمسك 1 / 39 / ط4 .