محاضرات أصول فقه - المحاضرة 13 - سنة أهل البيت
سنة أهل البيت
أهم المحاور التي سيدور حولها البحث في سنة أهل البيت هي:
أهل البيت .
سنة أهل البيت .
مشروعية سنة أهل البيت .
- (أهل البيت):
المراد بأهل البيت عند الامامية, وفي خصوص ما يتعلق بموضوع السنةالتي هي مصدر من مصادر التشريع الاسلامي: الائمة الاثنا عشر, وهم:
1- علي بن أبي طالب (ت 40هـ).
2- الحسن بن علي بن أبي طالب (ت 50هـ).
3- الحسين بن علي بن أبي طالب (ت 61هـ).
4- علي بن الحسين زين العابدين (ت 94هـ).
5- محمد بن علي الباقر (ت 114هـ).
6- جعفر بن محمد الصادق (ت 148هـ).
7- موسى بن جعفر الكاظم (ت 183هـ).
8- علي بن موسى الرضا (ت 203هـ).
9- محمد بن علي الجواد (ت 220هـ).
10- علي بن محمد الهادي (ت 254هـ).
11- الحسن بن علي العسكري (ت 260هـ).
12- محمد بن الحسن المهدي (ولد سنة 255هـ ولا يزال حيا).
وقد ثبت هذا أعني كون أهل البيت هم الائمة الاثني عشر عندنا نحن الامامية بالضرورة من المذهب لقيام الادلة النقلية المتواترة والادلةالعقلية المتظافرة على ذلك.
وقد استعرضتها كتب علم الكلام بعامة ومدونات الامامة بشكل خاص.
ويغنينا هنا أن نستدل على ذلك بحديث الاثني عشر المتفق عليه بين المسلمين, والذي روي بعدة طرق وبألفاظ مختلفة, كلها تلتقي عند بيان أن الخلفاء اثنا عشر.
ومنها:
ما جاء في (سلسلة الاحاديث الصحيحة) برقم 375: (لا يزال هذا الامرفي قريش ما بقي في الناس اثنان).
وبرقم 376: (لا يزال هذا الامر عزيزا الى اثني عشر خليفة كلهم من قريش).
وفي لفظ: (لا يزال هذا الامر عزيزا منيعا ينصرون على من ناوأهم عليه الى اثني عشر خليفة كلهم من قريش).
وفي لفظ آخر: (لا يزال هذا الامر ماضيا حتى يقوم اثنا عشر أميرا كلهم من قريش).
وعن مسروق قال: كنا جلوسا عند عبدالله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن فقال له رجل: ياأبا عبدالرحمن, هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, كم تملك هذه الامة من خليفة ?.
فقال عبدالله بن مسعود: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك, ثم قال:نعم, ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, فقال: (اثنا عشر كعدة نقباءبني اسرائيل).
وفي كتاب (نهج الحق وكشف الصدق):
(لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش).
(لا يزال أمر الناس عزيزا الى اثني عشر خليفة كلهم من قريش).
(لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة ويكون عليهم اثنا عشر خليفةكلهم من قريش).
(هذا الامر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش).
وفي كتاب (دلائل الصدق):
عن جابر (بن سمرة) قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (يكون اثنا عشر أميرا), فقال كلمة لم أسمعها, فقال أبي انه قال: (كلهم من قريش).
وفي كتاب (كنز العمال):
(يكون بعدي اثنا عشر خليفة).
وفي (نهج الحق) أيضا:
(( وقد ذكر السدي في تفسيره وهو من علماء الجمهور وثقاتهم قال: لما كرهت سارة مكان هاجر أوحى الله الى ابراهيم, فقال: انطلق باسماعيل وامه حتى تنزله بيت النبي التهامي, يعني مكة, فاني ناشر ذريتك وجاعلهم ثقلاعلى من كفر بي, وجاعل منهم نبيا عظيما, ومظهرة على الاديان, وجاعل من ذريته اثنى عشر عظيما, وجاعل ذريته عدد نجوم السماء )).
(( واشير الى مضمون هذا الحديث في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي من الكتاب المقدس: الاصحاح الثاني عشر بقوله: (وظهرت آية عظيمة في السماء,امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها, وعلى رأسها اكليل من اثنى عشر كوكبا .. ولدت ابنا ذكرا عتيدا أن يرعى جميع الامم بعصا من حديد )).
وعلق عليه الاستاذ سعيد أيوب في كتابه (المسيح الدجال: قراءة سياسيةفي أصول الديانات الكبرى)(1)) علق عليه بالتالي:
في ص77: (( قالوا في التفسير: (انها امرأة فاضلة .. وقور .. ويأتي النسل من هذه المرأة)(2).
ومكانة أولاد فاطمة رضي الله عنها من قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم معروفة(3).
وأهل الكتاب عندما وضعوا الصفات التي ترمز الى الاسم, كون هذا الوضع مشكلة, هي أن صفحاتهم لم تفسح صدرها للاسماء العربية, لكنها امتلات بالاسماء التي كانت تحتويها البيئات التي عاش فيها اليهود, وشاءت حكمة الله أن تضع أقلامهم صفات النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي تعتبر بحق علما عليه )).
وفي ص90: (( ثم يقول الرائي عن القيادات التي ستخرج من هذه العاصمة:(يحرسها اثنا عشر ملاكا, ويقوم سور المدينة على اثني عشر دعامة كتبت عليها أسماء رسل الحمل الاثنى عشر).
قلت: هذه القيادات جاء ذكرها في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لايزال هذا الدين عزيزا ينصرون على من ناوءهم عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش), وفي حديث: (اثنى عشر, عدة نقباء بني اسرائيل) كما قال سفرالرؤيا, فانه ربط عدد نقباء المدينة الجديدة بعدد نقباء بني اسرائيل, ومن هؤلاء سيكون المهدي المنتظر كما ذكر ابن كثير في تفسير سورة النور, وقال:ومنهم المهدي الذي اسمه يطابق اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وقال: ان في الحديث دلالة على انه لابد من وجود اثني عشر خليفة))(4).
ويستفاد من هذه الاحاديث:
1- ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالها في أكثر من مكان, وفي أكثر من مناسبة, وبغير لفظ واحد, ليعطي الموضوع أهميته, وليرسخه في ذهنيات الصحابة, وقد وعوا ذلك, ونقلوا هذه الاحاديث, ورواها عنهم الرواة بعدة طرق.
2- ان هذه الاحاديث باختلاف ألفاظها وتعدد طرقها وكثرة رواتها ترقىالى مستوى التواتر.
وبتعبير آخر, تفيد القطع بصدورها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
3- انها صريحة في ان خلفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم اثنا عشر خليفة فقط.
4- انها صريحة في أن هؤلاء الخلفاء كلهم من قريش.
5- انها صريحة في أن هؤلاء الخلفاء باقون ما بقي هذا الدين.
وهو مفاد حديث الثقلين الاتي حيث يستمر ارتباط العترة بالقرآن الى أن يردا على رسول الله الحوض.
6- ان منعة الدين وعزة المؤمنين بتولي هؤلاء الخلفاء أمر الاسلام والمسلمين.
أما الاستدلال بهذا الحديث الشريف على أن المراد بالاثنى عشر, هم الائمة الاثنا عشر:
فقد قال العلامة الحلي في (نهج الحق): (( وقد دلت هذه الاخبار علىامامة اثني عشر اماما من ذرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم, ولا قائل بالحصرالا الامامية في المعصومين.
والاخبار في ذلك أكثر من أن تحصى )).
وقال الشيخ المظفر في (دلائل الصدق): (( ولا ريب أن المراد به أئمتنالامور:
(الاول): أنه لولا ارادتهم لكان الخبر كاذبا ان أراد جميع امراء قريش, وغيرمفيد بظاهره ان أراد البعض.
(الثاني): أن بعض أحاديث المقام يفيد بظاهره وجود الاثني عشر في تمام الاوقات بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى قيام الساعة, وهو لا يتم الاعلى ارادة أئمتنا كخبر مسلم في أول كتاب الامارة عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعةأو يكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش.
ومثله في مسند أحمد.
وكخبر مسلم أيضا عن جابر: أن هذا الامر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثناعشر خليفة.
(الثالث): ما رواة مسلم في المقام المذكور عن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يزال هذا الامر في قريش ما بقي من الناس اثنان.
ورواه البخاري في أول كتاب الاحكام في باب الامراء من قريش. ورواه أحمد عن ابن عمر.
فان المراد به حصر الامامة الشرعية في قريش ما دام الناس, لا السلطةالظاهرية, ضرورة حصولها لغير قريش في أكثر الاوقات, فيكون قرينةعلى أن المراد من الحديث الاول حصر الخلفاء الشرعيين في اثني عشر, وهو لايتم الا على مذهبنا.
(الرابع): ما رواه أحمد عن مسروق قال: كنا جلوسا عند عبدالله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن, فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمن هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم يملك هذه الامة من خليفة? فقال عبدالله: ما سألني عنهاأحد منذ قدمت العراق قبلك, ثم قال: نعم, ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: اثنا عشر كعدة نقباء بني اسرائيل.
وروى نحوه أيضا بعد قليل.
وذكره ابن حجر وحسنه في (الصواعق).
فانه دال على انحصار الخلافة في اثني عشر, وانهم خلفاء بالنص لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: كعدة نقباء بني اسرائيل, فان نقباءهم خلفاء بالنص لقوله تعالى: (ولقد أخذنا ميثاق بني اسرائيل وبعثنا فيهم اثني عشر نقيبا).
مع أن سؤال الصحابة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم انما هو عن خلفائه بالنص, لا بتأمير الناس أو بالتغلب, اذ لا يهم الصحابة السؤال عن ذلك, لان تأميرالناس وتغلب السلاطين لا يبتني عادة على الدين حتى يهم الصحابةالسؤال عنه, ولان السلاطين بلا نص لا يحتاج الى السؤال عنهم وعن عددهم لان العادة جرت على وجود مثلهم, وانهم لا ينحصرون بعدد, فظهر أن السؤال انما هو عن الخلفاء بالنص وعنهم أجاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم, ولا قائل بأن الخلفاء اثنا عشر بالنص غير أئمتناعليهم السلام, فيكونون هم المراد بالاثني عشرفي هذا الحديث فكذا في الحديث السابق.
(الخامس): ان المنصرف من الخليفة من استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم خصوصا قبل حدوث دعوى حصول الخلافة بلا نص.
بل لا يتصور الصحابة وكل العقلاء أن يتركهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلا امام منصوب منهم حتى يسألوا عن غيره أو الاعم منه أو يفهموا من اخباره ارادة الغير أو الاعم, فلابد أن يراد بالاثني عشر في الحديثين أئمتنا, فهم أئمةالامة بالفعل, ولهم الزعامة العظم ى الالهية عليها.
ولا يضر في امامتهم الفعلية عدم نفوذ كلمتهم لان معنى امامتهم وولايتهم انهم يملكون التصرف, وان منعهم الناس, كالانبياء المقهورين فانهم ولاة الامر وان تغلب عليهم الظالمون.
وكما أنه لا يصح أن يقال لا فائدة في نبوة النبي الممنوع عن التصرف, لايصح أن يقال لا فائدة في امامة الامام الممنوع عنه, فان الفائدة لا تنحصربالتصرف لكفاية أن يكون بهم ايضاح الحجة وانارة المحجة ونشر العلم, بل لو لم يتمكنوا حتى من هذا لحبس أو نحوه.
ففائدتهم أن وجودهم حجة لله على عباده ودافع لعذرهم, كما قال سبحانه في شأن الرسل: (لئلا يكون للناس حجة بعد الرسل) فكما أن النبي حجة لم تبطل نبوته بحبسه أو غيبته كما غاب نبينا في الغار, وغاب موسى عن قومه,فكذا الامام, ولا أثر لطول الغيبة أو قصرها في الفرق )).
وقال استاذنا السيد الحكيم في (الاصول العامة): (( والذي يستفاد من هذه الروايات:
1- أن عدد الامراء أو الخلفاء لا يتجاوز الاثني عشر, وكلهم من قريش.
2- وأن هؤلاء الامراء معينون بالنص, كما هو مقتضى تشبيههم بنقباء بني اسرائيل لقوله تعالى: (ولقد أخذنا ميثاق بني اسرائيل وبعثنا منهم اثني عشرنقيبا).
3- ان هذه الروايات افترضت لهم البقاء ما بقي الدين الاسلامي, أو حتى تقوم الساعة, كما هو مقتضى رواية مسلم السابقة, وأصرح من ذلك روايته الاخرى في نفس الباب: (ولا يزال هذا الامر في قريش ما بقي من الناس اثنان).
واذا صحت هذه الاستفادة فهي لا تلتئم الا مع مبنى الامامية في عدد الائمة وبقائهم وكونهم من المنصوص عليهم من قبله صلى الله عليه وآله وسلم, وهي منسجمة جدا مع حديث الثقلين وبقائهما حتى يردا عليه الحوض.
وصحة هذه الاستفادة موقوفة على أن يكون المراد من بقاء الامر فيهم بقاء الامامة والخلافة بالاستحقاق لا السلطة الظاهرية.
لان الخليفة الشرعي خليفة يستمد سلطته من الله, وهي في حدودالسلطنة التشريعية لا التكوينية, لان هذا النوع من السلطنة هو الذي تقتضيه وظيفته كمشرع, ولا ينافي ذلك ذهاب السلطنة منهم في واقعهاالخارجي لتسلط الاخرين عليهم .
على أن الروايات تبقى بلا تفسير لو تخلينا عن حملها على هذاالمعنى لبداهة ان السلطنة الظاهرية قد تولاها من قريش أضعاف هذا العدد,فضلا عن انقراض دولهم وعدم النص على أحد منهم امويين وعباسيين باتفاق المسلمين.
ومن الجدير بالذكر ان هذه الروايات كانت مأثورة في بعض الصحاح والمسانيد قبل أن يكتمل عدد الائمة, فلا يحتمل أن تكون من الموضوعات بعداكتمال العدد المذكور على أن جميع رواتها من أهل السنة ومن الموثوقين لديهم )).
وننتهي من هذا كله الى أن المراد بأهل البيت هنا هم أئمتنا الائمة الاثناعشر.
وقد تم تعيينهم بنص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على علي بن أبي طالب بالخلافة والامامة في أحاديث جاوزت حد التواتر, من أشهرها وأظهرها (حديث الغدير).
ثم بنص الامام السابق على الامام اللاحق.
ومن نصوصنا الشرعية التي تحدد وبوضوح المراد بالاثني عشر في الحديث المذكور:
ما أخرجه الصدوق في (الاكمال) بسندة الى الامام الصادق عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الائمة بعدي اثنا عشر, أولهم علي وآخرهم القائم, هم خلفائي وأوصيائي.
ما أخرجه أيضا وفي المصدر نفسه عن علي عليه السلام: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الائمة بعدي اثنا عشر, أولهم أنت ياعلي وآخرهم القائم الذي يفتح الله عزوجل على يديه مشارق الارض ومغاربها.
- (سنة أهل البيت):
بعد أن عرفنا من هم أهل البيت, ننتقل الى محاولة معرفة المراد من سنتهم ? روى رواتنا عن أئمة أهل البيت عليهم السلام حوالي ستين ألف حديثأو أكثر من هذا العدد, في بيان أحكام التشريع الاسلامي.
والتساؤل الذي يثار هنا لتعيين نقطة البحث: هل هذه الاقوال التي رويت عنهم هي رواية منهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيكون التعبير عنها بكلمة (سنة) تعبيرا مجازيا.
أو أنهم في ما روي عنهم كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما روي عنه, فكماأن المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سنة ومصدر تشريع, كذلك المروي عنهم سنة ومصدر تشريع.
ويكون التعبير عن ما روي عنهم بالسنة تعبير حقيقي تماما, كما هو التعبيرعن المروي عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
في المسألة ثلاثة أقوال هي:
1- ان أقوالهم عليهم السلام هي رواية لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2- انهم عليهم السلام يدركون الحكم الواقعي بواقعه عن طريق الالهام أوالتحديث, تماما كما يدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك لكن عن طريق الوحي.
3- انهم عليهم السلام مفوضون من قبل الله تعالى بالتشريع كما فوض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك.
واستدل للقول الاول بتصريح الائمة أنفسهم بأنهم ليسوا مجتهدين وانما هم رواة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
عن جابر: قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: اذا حدثتني بحديث فاسنده لي?
فقال: حدثني أبي عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن جبريل عن الله عزوجل.
وكل ما أحدثك بهذا الاسناد.
وعن جابر أيضا عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أيضا, قال: ياجابر انا لو كنانحدثكم برأينا وهوانا لكنا من الهالكين, ولكنا نحدثكم بأحاديث نكنزها عنرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم .
وفي رواية اخرى: ياجابر, لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا, لكنا من الهالكين, ولكنا نفتيهم باثار من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وأصول علم عندنا, نتوارثها كابرا عن كابر, نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم.
وفي رواية محمد بن شريح عن الامام أبي عبدالله الصادق عليه السلام:والله ما نقول بأهوائنا, ولا نقول برأينا, ولا نقول الا ما قال ربنا.
وفي رواية عنه عليه السلام أيضا: مهما أجبتك فيه بشيء فهو عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسنا نقول برأينا من شيء.
وفي رواية الفضل عن الامام الباقر عليه السلام, قال: لو أنا حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا, ولكنا حدثنا ببينة من ربنا بينها لنبيه صلى الله عليه وسلم فبينها (نبيه) لنا.
وممن ذهب هذا المذهب الشيخ الطوسي, قال في كتابه (تلخيص الشافي) ط النجف ج1 ص253: (( الامام لا يكون عالما بشيء من الاحكام الا من جهةالرسول وأخذ ذلك من جهته )).
ويعضد هذا: أن لدى الائمة عليهم السلام ما يعرف ب (كتاب علي), وكانواينقلون عنه ويطلعون الاخرين عليه.
(( وهو من املاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أمير المؤمنين علي عليه السلام, وكتابته عليه السلام بخطه الشريف )).
ووصف بأنه كتاب كبير مدرج, أي مطوي وملفوف.
واشير اليه في أحاديث كثيرة من حديث الائمة من أبناء أمير المؤمنين عليهالسلام, نصوا فيها على أنه من املاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام, منها:
ما في كتاب (الاحتجاج) 287/2: (( ومن كلام للحسن عليه السلام لمعاوية: نحن نقول أهل البيت: ان الائمة منا وان الخلافة لا تصلح الا فينا,وان الله جعلنا لها في كتابه وسنة نبيه. وان العلم فينا, ونحن أهله, وهو عندنامجموع كله بحذافيرة, وانه لا يحدث شيء الى يوم القيامة حتى أرش الخدش الا وهو عندنا مكتوب باملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبخط علي عليه السلام بيده )).
وما رواه النجاشي في كتابه (الرجال) في ترجمة محمد بن عذافر بن عيسى الصيرفي (المدايني) باسناده الى عذافر بن عيسى الصيرفي قال: كنت مع الحكم بن عتيبة (من فقهاء أهل السنة) عند أبي جعفر الباقر عليه السلام,فجعل يسأله الحكم, وكان أبو جعفر له مكرما, فاختلفا في شيء, فقال أبو جعفر: يابني, قم فأخرج كتاب علي عليه السلام, فأخرج كتابا مدرجا عظيما ففتحه,وجعل ينظر فيه حتى أخرج المسألة.
فقال أبو جعفر عليه السلام: هذا خط علي واملاء رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأقبل على الحكم وقال: ياأبا محمد اذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم يمينا وشمالا, فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل.
نقلت قطعة منه بكاملها في كتاب (الامالي) للشيخ الصدوق في المجلس السادس والستين, وهي مشتملة على كثير من الاداب والسنن وأحكام الحلال والحرام, تقرب من ثلاثمائة بيت, رواها باسنادة الى الامام الصادق عليه السلام بروايته عن آبائه الكرام .
وقال الصادق عليه السلام في آخرها: انه جمعها من الكتاب الذي هو املاءرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي بن أبي طالب عليه السلام (5).
واستدل للقول الثاني بأن وظيفة الامام هي وظيفة النبي التي هي تبليغ الاحكام الشرعية, ولا اختلاف بينهما في أصل الوظيفة, وانما في الواسطةالموصلة الى حكم الله الواقعي, وهو في واقعه, فواسطة النبي هي الوحي (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى), وواسطة الامام هي الالهام .
واستدلوا على أن الائمة ملهمون بما جاء في كتاب (الكافي) تحت عنوان (باب ان الائمة عليهم السلام محدثون مفهمون), منها:
عن عبيد بن زرارة, قال: أرسل أبو جعفر عليه السلام الى زرارة أن يعلم الحكم بن عتيبة: أن أوصياء محمد عليهم السلام محدثون.
عن محمد بن اسماعيل, قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: الائمةعلماء صادقون مفهمون محدثون.
فكما ان النبي يدرك الحكم الواقعي عن طريق الوحي, فكذلك الامام يدرك الحكم الواقعي ولكن عن طريق الالهام .
وممن ذهب هذا المذهب استاذنا الشيخ المظفر في كتابه (أصول الفقه).
قال: (( السنة في اصطلاح الفقهاء: (قول النبي أو فعله أو تقريرة) .
ومنشأ هذا الاصطلاح أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باتباع سنته, فغلبت كلمة (السنة) حينما تطلق مجردة عن نسبتها الى أحد على خصوص مايتضمن بيان حكم من الاحكام من النبي صلى الله عليه وآله وسلم سواء كان ذلك بقول أو فعل أو تقرير.
أما فقهاء الامامية بالخصوص فلما ثبت لديهم أن المعصوم من آل البيت يجري قوله مجرى قول النبي من كونه حجة على العباد, واجب الاتباع, فقد توسعوا في اصطلاح السنة الى ما يشمل قول كل واحد من المعصومين أو فعله أو تقريره, فكانت السنة باصطلاحهم: (قول المعصوم أو فعله أو تقريره).
والسر في ذلك ان الائمة من آل البيت عليهم السلام, ليسوا هم من قبيل الرواة عن النبي والمحدثين عنه ليكون قولهم حجة من جهة أنهم ثقات في الرواية, بل لانهم هم المنصوبون من الله تعالى على لسان النبي لتبليغ الاحكام الواقعية فلا يحكمون الا عن الاحكام الواقعية عند الله تعالى كما هي, وذلك من طريق الالهام كالنبي من طريق الوحي, أو من طريق التلقي من المعصوم قبله, كما قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: علمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألف باب من العلم ينفتح لي من كل باب ألف باب.
وعليه: فليس بيانهم للاحكام من نوع رواية السنة وحكايتها, ولا من نوع الاجتهاد في الرأي والاستنباط من مصادر التشريع, بل هم أنفسهم مصدرللتشريع, فقولهم سنة, لا حكاية للسنة.
واما ما يجيء على لسانهم أحيانا من روايات وأحاديث عن نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهي اما لاجل نقل النص عنه كما يتفق في نقلهم لجوامع كلمه, واما لاجل اقامة الحجة على الغير, واما لغير ذلك من الدواعي. وأمااثبات امامتهم وأن قولهم يجري مجرى قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهوبحث يتكفل به علم الكلام)).
واستدل للقول الثالث بما روي عنهم عليهم السلام بأن الله تعالى فوض لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالتشريع.
وقد عقد الشيخ الكليني في كتابه (الكافي) الباب 108 من اصوله, تحت عنوان (التفويض الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والى الائمة عليهم السلام في أمر الدين).
ومما رواه فيه:
عن فضيل بن يسار, قال سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول لبعض أصحاب قيس الماصر: (ان الله عزوجل أدب نبيه فأحسن تأديبه, فلما أكمل له الادب قال: (انك لعلى خلق عظيم), ثم فوض اليه أمر الدين والامة ليسوس عبادة, فقال عزوجل: (ما آتاكم الرسول فخذوة وما نهاكم عنه فانتهوا).
وان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان مسددا, موفقا مؤيدا بروح القدس,لا يزل ولايخطيء في شيء مما يسوس به الخلق, فتأدب باداب الله.
ثم ان الله عزوجل فرض الصلاة ركعتين, ركعتين, عشر ركعات, فأضاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى الركعتين ركعتين, والى المغرب ركعة,فصارت عديل الفريضة, لا يجوز تركهن الا في سفر, وأفرد الركعة في المغرب فتركها قائمة في السفر والحضر, فأجاز الله عزوجل له ذلك كله,فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة.
ثم سن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النوافل أربعا وثلاثين ركعة مثلي الفريضة, فأجاز الله عزوجل له ذلك.
والفريضة والنافلة احدى وخمسون ركعة, منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعد بركعة مكان الوتر.
وفرض الله في السنة صوم شهر رمضان, وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم صوم شعبان وثلاثة أيام في كل شهر مثلي الفريضة, فأجاز الله عز وجل له ذلك.
وحرم الله عزوجل الخمر بعينها, وحرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسكر من كل شراب, فأجاز الله له ذلك كله.
وعاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشياء وكرهها ولم ينه عنها نهي حرام, انما نهى عنها نهي اعافة وكراهة, ثم رخص فيها فصار الاخذ برخصه واجباعلى العباد كوجوب ما يأخذون بنهيه وعزائمه, ولم يرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما نهاهم عنه نهي حرام, ولا فيما أمر به أمر فرض لازم .
فكثير المسكر من الاشربة نهاهم عنه نهي حرام لم يرخص فيه لاحد, ولم يرخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاحد تقصير الركعتين اللتين ضمهماالى ما فرض الله عزوجل, بل ألزمهم ذلك الزاما واجبا, لم يرخص لاحد في شيء من ذلك الا للمسافر, وليس لاحد أن يرخص شيئا ما لم يرخصه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, فوافق أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر الله عز وجل, ونهيه نهي الله عز وجل, ووجب على العباد التسليم له كالتسليم لله تبارك وتعالى).
ـــــــــــــــــ
الهامش
1- المسيح الدجال .. ط1 نشر دار الاعتصام بمصر 1406هـ 1989م .
2- يوم الدين / ستيفنس ص87, 109 تفسير الرؤيا / حنا ص272, جين واكسون, آخر ساعة,العدد الصادر في 1984/9/26م .
3- روى ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ان الحسن والحسين هماريحانتاي من الدنيا) رواة البخاري والترمذي (التاج الجامع 1/356). والجدير بالذكر أن أبناءالحسن والحسين رضي الله عنهم اشتغلوا بالعلم . وذكرت تفاسير أهل الكتاب أن نسل المرأةالوقور سيواجه المخاطر, وحدث هذا فعلا, ولا حول ولا قوة الا بالله.
4- أنظر مقالتنا (قراءة في كتاب التوحيد) مجلة تراثنا . أنظر: بحار الانوار 172/2 173.
5- أنظر: دروس في فقه الامامية بحوث تمهيدية 104 105.