النظرية الواقعية: دراسة في الاصول والاتجاهات الفكرية الواقعية المعاصرة ((قراءة في الفكر السياسي الامريكي المعاصر))
المستخلص
تعد النظرية الواقعية من ابرز واهم النظريات التي سيطرة على السلوك السياسي الخارجي الامريكي منذ الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا، وما تزال هذه النظرية تحكم السياسة الخارجية الامريكية والسلوك الخارجي مع المدرسة الليبرالية الجديدة. تلك المدرسة –المدرسة الواقعية- لم تعد تأخذ بمفهوم الحرب والقوة وفوضوية النظام الدولي وانما اخذت الاعتمادية الدولية والتعاون المشترك والقوة الناعمة، ومثلت ترابطاً مع المدارس الاخرى مثل الليبرالية الجديدة، فهناك الكثير من المفاهيم التي اعتمدت بدل تلك المفاهيم السابقة التي تعد اكثر تشاؤمية، ولهذا تأخذ النظرية الواقعية حيزا كبيرا من الاهتمام بالنسبة لدارسي العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وقد تركزت هذه الدراسة حول الاصول الفكرية الاوربية والامريكية للنظرية الواقعية والعناصر النظرية كذلك، ومن ثم النظرية الواقعية بمفهومها التقليدي والجديد والاتجاهات الفكرية المعاصر للفكر الواقعي والتي تمثل بالنظريات الدفاعية الهجومية والنيوكلاسيكية، حيث مثلت تلك النظريات بمفاهيمها المختلفة السلوك الخارجي للسياسة الامريكية وتطلعاتها المستقبلية ونظرتها إلى العالم، وجسدت الفكر السياسي الامريكي المعاصر والطريقة التعامل مع مستجدات النظام الدولي.
Abstract
The realism school regardedthe most important theory and the most prominent theory that control the US external political behavior since World War II to the present day, and this theorycontinues leading US foreign policy and external behavior with the neo-liberal school. The Realism school no longer adopt the concept of war, power and chaotic international order, but took the international reliability and mutual cooperation and soft power, and represented interconnected with other schools such as neo-liberalism، there are a lot of concepts has been adopted rather than those previous concepts which thy are more pessimistic. Then the Realism theory has a great deal of attention for students of political science and international relations. This study has focused on the intellectual Europeanand Americanorigins of realism theory and elements of theory as well as concentrated، and then the traditional and newrealist theory concept and the contemporary intellectual trends which represent the defensiveand offensive neoclassicalthought and theories، which represented those concepts of different theories external behavior of US foreign policy and it's future aspirations and outlook to the rest of the world، and embodied the contemporary American political thought and it's own way to deal with the changes in the international order.
المقدمة
إن الحديث عن النظرية الواقعية واصولها الفكرية يشكل أهمية كبيرة سواء على صعيد الفكر السياسي المعاصر أو على صعيد العلاقات الدولية، وذلك لما مثلته هذه النظرية من مرجعية فكرية على الصعيد الخارجي. وقد مثلت النظرية الواقعية المرجع الفكري للسياسات الامريكية الحديثة والمعاصرة على الصعيد الخارجي، ضاربة بذلك كل المدارس التي عرفتها السياسة الخارجية ولا سيما المدرسة المثالية والسلوكية، حيث كان ظهور نظرية الواقعية السياسة هو نتيجة طبيعية للإخفاقات التي منيت بها المدرسة المثالية في الحد من الصراعات والحروب الدولية، وفشلها في منع أو ردع الدول في الحرب العالمية الثانية والحد من تطلعاتها، وايضا لمثاليتها العالية ورؤيتها للعالم، وقد جاءت النظرية الواقعية لمعالجة كل تلك الاخفاقات ولدراسة العالم بما هو كائن وليس بما ينبغي أن يكون. وما زالت هذه المدرسة تحكم السياسات الخارجية بشكل عام، وسياسة الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص؛ وذلك لما تمثله هذه المدرسة من واقعية على الصعيد الخارجي بنظرتها التفاعلية مع العالم الخارجي ونظرياتها المتجددة.
فرضية الدراسة
تنطلق الدراسة من فرضية مفادها:"إن نظرية الواقعية السياسية بمفهومها التقليدي والجديد واتجاهاتها الفكرية المعاصرة جسدت الفكر السياسي الامريكي على الصعيد الخارجي، في الطريقة التي تستجيب بها الولايات المتحدة للتغيرات والاحداث الحاصلة في بنية النظام الدولي، ابتداءً من الحرب العالمية الثانية ومروراً بالحرب الباردة ومن ثم الحرب على الإرهاب وفق النهج الامريكي". ولهذا تحاول الدراسة التأكد من صحة الفرضية انطلاقا من دراسة الاصول الفكرية للنظرية الواقعية واتجاهاتها الفكرية المعاصرة، وتأثيرها على الاستراتيجية الامريكية ومنهج التفكير السياسي الأمريكي.
منهجية الدراسة
اقتضت المنهجية العلمية لتأكد من صحة الفرضية اعتماد الدراسة على اساليب عدة من اساليب البحث العلمي، ومنها الاسلوب التاريخي لدراسة الاحداث الدولية، والاسلوب التحليلي الذي اعتمد في تحليل الظواهر والمواقف الدولية، وايضا الاسلوب المقارن بين الواقعية بشكلها التقليدي والمعاصر، والدفاعي والهجومي.
هيكلية الدراسة
اقتضت الضرورة العلمية تقسيم الدراسة إلى مبحثين اضافة إلى مقدمة وخاتمة ومن ثم الاستنتاجات: تناول المبحث الأول الاصول والركائز الفكرية للنظرية الواقعية. وتفرع إلى مطلبين خصص الأول لدراسة الاصول الفكرية الاوربية والامريكية للنظرية الواقعية أما الثاني فخصص لدراسة الركائز الفكرية المعاصرة للنظرية الواقعية. في حين خصص المبحث الثاني لدراسة النظرية الواقعية والاتجاهات الفكرية الواقعية المعاصرة، وتم تقسيمه إلى مطلبين أيضا، خصص المطلب الأول لدراسة نظريتا الواقعية التقليدية والواقعية الجديدة، اما المطلب الثاني فقد خصص لدراسة الاتجاهات الفكرية الواقعية المعاصرة.
المبحث الأول: الأصول والركائز الفكرية للنظرية الواقعية
إن الحديث عن الأصول الفكرية للنظرية الواقعية يمثل ضرورة مهمة لمعرفة الجذور والأسس الفكرية والفلسفية التي شكلت الأساس الفكري والقاعدة الفكرية التي استندت عليها الطروحات النظرية للنظرية الواقعية فيما بعد، وتمثلت تلك الأصول بطروحات الفلاسفة الأوائل غير الأمريكيين، وكذلك الأسس والأصول التي سادت الثقافة الأمريكية فيما بعد والتي مثلت الأصول الأمريكية للواقعية. فضلا عن الركائز الفكرية التي شكلت العناصر النظرية للنظرية الواقعية.
المطلب الأول: الأصول الفكرية الأوربية والأمريكية للنظرية الواقعية
لا يمكن الحديث عن النظرية الواقعية بصورة أو بأخرى، ولا تكتمل الدراسة العلمية لها إلا بالعودة إلى الأصول أو الطروحات الفكرية للمنظرين الأوائل من دعاة الواقعية السياسية في دراسة العلاقة بين الدول ومنطق التفكير السياسي لرجل الدولة. وقد تمثلت تلك الطروحات في أفكار كل من"ثيوسيديدس، ميكيافيللي وتوماس هوبس". كذلك الحال بالنسبة للأصول الفكرية الأمريكية التي سادت الثقافة السياسية الأمريكية والتي شكلت الأصول الأمريكية للواقعية.
1. الأصول الفكرية الأوربية للنظرية الواقعية
ستقتصر دراسة الأصول الأوربية للنظرية الواقعية على المفكر الإغريقي"ثيوسيديدس"والايطالي"ميكيافيللي"والمفكر الانجليزي"توماس هوبس"، لمعرفة طروحاتهم الفكرية التي شكلت الأساس الفكري للنظرية الواقعية.
أ. ثيوسيديدس (460- 395ق.م)
تعود جذور الفكر الواقعي إلى المفكر الإغريقي"ثيوسيديدس"، الذي قام بتفسير أسباب حرب البيلوبونيرية (431-404ق. م)، بين أسبارطة وأثينا، وخلص في النهاية بأن حروب البيلوبونيرية سببها تنامي قوة أثينا العسكرية لدرجة قد تجعلها تهديدا مباشرا لأسبارطه([1]). وقد شكلت الحرب بين أثينا وأسبارطة محور الدراسة التي قام بها ثيوسيديدس لتؤكد من خلالها أن سباق التسلح الذي كان على أشده والمتسبب في اندلاع الحرب، راجع لزيادة قوة أثينا الامر الذي عدته أسبارطة تهديدا لأنها حذت حذوها. ومن ثم يعد سباق التسلح والزيادة في القوة العسكرية لإحدى الدول تهديدا لأمن جيراها والسبب في نشوب الحرب([2])، حيث فرضت دولة أثينا على أسبارطة منطق سياسة القوة وذلك انطلاقا من التفوق العسكري الذي كانت تتمتع به أثينا، حيث يبدو واضحاً أن على الضعفاء الرضوخ لرغبة الأغنياء في التوسع والتسلط([3]). وتعد ملاحظات ثيوسيديدس هذه وغيرها حول تصرف الدول نواة إحدى المنهجيات الأساسية في تقييم العلاقات بين الدول([4]). ومنذ تأكيدات ثيوسيديدس قبل أكثر من ألفي عام في حوارات مليان"بأن الأقوياء يصنعون كل ما تمكنهم القوة من صنعه"([5])، فقد دأب دعاة الواقعية على ترديد التفسير القائل بأن طبيعة الإنسان وما تمليه الفوضوية في النظام الدولي يؤديان إلى ما أسماه فريدريك لأكبر المبدأ الدائم للحكام"أن يتوسعوا إلى أقصى حد تسمح به قوتهم"([6]). وحسب ثيوسيديدس في ذات الإطار التحليلي للحرب البيلوبونيرية، فإن الحرب كانت نتيجة للتغيرات المنظمة التي حصلت في عنصر القوة التي امتلكتها دويلات المدن الأثنية وتجاوزت بها حدود قوة نظيرتها دويلات المدن الأسبارطية، مما جعل حتمية الحرب أمراً واقعاً في سياق تعاظم قدرات أثينا في مقابل ضعف ومحدودية القدرات لدى أسبارطة، وهو ما أدى إلى حصول تغير في هرمية النظام السياسي الدولي آنذاك لمصلحة الطرف الأول في معادلة القوة([7]).وقد وصف ثيوسيديدس عملية التطور هذه في العالم اليوناني"تبدأ المدينة بتسليح نفسها من أجل أن لا تقع تحت طغيان مدينة أخرى"، وما أن تصبح مجهزة بمعدات قوية، فأنها تصل إلى الاستدلال بأن الهدف أن تصبح محمية أكثر، وما أن تقوم بذلك، حتى تنتقل لوضع الدول المجاورة لها تحت وصايتها، وتصبح –بالتالي- امبريالية؛ لأنها لم تبحث إلا عن الدفاع عن مصالحها، وأن الموازنة الوحيدة لوقف هيمنة قوى كبرى تكمن في نتيجة تحالف الآخرين.
يعتقد ثيوسيديدس بأنه لا يوجد نظام يمكن الاعتماد عليه فوق نظام دول المدن المستقلة. ويتبنى ثيوسيديدس نظرة متشائمة عن الطبيعة البشرية، إذ كان يعتقد بوجود صفات ثابتة للطبيعة البشرية في كل العصور وعلى اختلاف أعراقهم ومذاهبهم يحسدون بعضهم البعض، أو يكرهون بعضهم البعض بالطريقة نفسها([8]). ويرى روبرت كوهين"أن الفرضيات الأساسية للواقعية جلية في كتاب ثيوسيديدس، وهو أن الفاعل الأساس في السياسة الدولية هي الكيانات الإقليمية (دول المدن) في تلك الحقبة، وأن سلوك الدول يمكن تفسيره عقلانيا، وأن الدول تبحث عن القوة، وتقوم بحساب مصالحها انطلاقاً من مفهوم القوة([9]).ولذلك فالواقعيون دائماً ما يحتجون لتأسيس تقليد تاريخي متواصل لهم، وللقول بأن نظرتهم للعالم ترجع إلى الظهور الحقيقي للمنظم الأول للسياسة بين الدول وهو ثيوسيديدس. أثناء الحرب الباردة كان علماء السياسة يرجعون باستمرار إلى ثيوسيديدس من أجل الوصول إلى رؤية تحليلية لأسباب وهيكلة ذلك الصراع. وحاول عدد من الواقعين المعاصرين أن يقارنوا بين رؤية ثيوسيديدس للحرب البيلوبونيرية والعلاقات بين أثينا وأسبارطة بأوضاع الحرب الباردة والعلاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي([10])، وأن هناك نوعاً من الثنائية القطبية بين أثينا وأسبارطة لكنها ليس كما هي الآن في عالمنا المعاصر، مثلما يعتقد كيسنجر.
على كل حال فإن ثيوسيديدس عرف وجود الدولة المدنية وكل مدينة تتفاعل مع المدن الأخرى، مما ينتج علاقات بين هذه الكيانات تترجم إما بشكل سلمي عن طريق الدبلوماسية وإما بشكل تنافسي عن طريق الحرب. كما بدت بعض المفاهيم الواقعية في التبلور مع ثيوسيديدس كمفهوم التهديد، فضلا عن مفهوم توازن القوى، ومفهوم المصلحة([11]). وبذلك فإن تحليلات ثيوسيديدس للسياسة الدولية ستظل موضع نقاش وإعادة قراءة باستمرار لتوظيفها في المساعدة في تحقيق فهم أعمق للمستجدات ما دام بقيت إرادة الهيمنة وبقيت القوة كوسيلة أولى في إدارة العلاقات الدولية، وهو ما استنتجته مجموعة من الدراسات المتخصصة في حقل السياسة الدولية في مقاربات مترابطة مع صياغات ثيوسيديدس التحليلية لأثينا، حذرت فيه الولايات المتحدة من مغبة استمرار نهج الهيمنة في حقبة ما بعد الحرب الباردة([12]).
ب. نيقولا ميكيافيللي (1469-1527م)
في عصر النهضة ظهرت الواقعية بصورة واضحة في افكار المفكر الايطالي نيقولا ميكيافيللي الذي أكد على مبادئ ثيوسيديدس. وتنطلق تلك الأفكار من رؤية ما هو كائن بالفعل وليس ما ينبغي أن يكون، فالحاكم إذا أراد أن يحتفظ بالحكم عليه أن يعي كيف أن لا يكون متمسكا بالفضيلة وأن يستخدم مقدراته وفقا للحاجة. وأكد على الطبيعة الشريرة للأفراد وأن الحاكم يجب أن يتبنى سياسات تختلف عن الأفراد العاديين من أجل تحقيق مصلحة دولة في منع الصراع بين الدول([13])؛ لأن البشر تدفعهم بالأساس مصالحهم الذاتية وشهواتهم، وأن أكثر تلك الشهوات تفشياً وانطواء على خطورة محتملة هي شهوة السلطة، ورأى أن حاكم الدولة هو الضامن الحقيقي والوحيد للسلام الداخلي؛ لأنه وحده يتمتع بسلطة فرض ذلك السلام([14]). وبهذا يعطي ميكيافيللي للأمير الصورة أو الصفات التي تمكنه من مواجهة الطبيعة البشرية وحالة الحرب، فالأمير يجب أن يكون واقعيا لا يفكر إلا في ميدان الواقع، انطلاقاً من انتصار الأقوى وهي الظاهرة الأساسية الجلية في التاريخ([15]). وتظهر واقعية ميكيافيللي في أولوية الدولة على الدين، وهو الموضوع المركزي الذي تنص عليه دراسات ميكيافيللي. وركز بشكل كبير على مفهوم الدولة. وبالنسبة له فإن المحافظة على بقاء الدولة وحكم الأمير هو الهدف الأسمى لأية سياسة. وفي رأيه أن أفضل بناء داخلي للدولة هو محاولة تقوية ذاتها، بحيث تستطيع الوقوف ضد أي هجوم مفترس عليها([16]). وهو يرى أن المجال السياسي له قواعده وقوانينه الخاصة به ولا علاقة له بالقيم السائدة في المجال الديني والأخلاقي([17]) وأن الأثر الأكبر على تصور النظرية الواقعية كان بفضل أعمال الأمير ميكيافيللي، ومن خلال طرحة عزل العمل السياسي عن أي مضمون أخلاقي مجسدا مبدأ"الغاية تبرر الوسيلة"وهو جوهر النصائح التي همس بها الأمير والتي تتعلق بمجملها بكيفية الاستيلاء على السلطة والحفاظ عليها([18]).
إن الموضوع الرئيس الذي انصبت عليه دراسات ميكيافيللي هو: الدولة وكيفية المحافظة عليها عن طريق وجود سلطة الأمير القوي الذي يتحلى بفضائل خاصة، والجيش النظامي المدرب من غير المرتزقة. مع انه فصل السياسة عن الدين والأخلاق، إلا أنه فرق بين الدين وسلطة الكنيسة والدور الذي لعبته في إضعاف مقومات بناء ايطاليا الموحدة([19]). فمسؤولية ميكيافيللي التاريخية تكمن في كونه قبل الواقع السياسي، واقع اللاأخلاقية السياسية، وأعده قاعدة عامة، ودافع عنه بهذه الصفة وفي كونه قد أعلن أن المجد السياسي هو بجوهره سياسة لا أخلاقية، حيث إنه حلل استخدام الحكام للأساليب اللاأخلاقية طالما تكسبهم أهدافهم، ونصح الأمير بأن يلبس ثوب الرياء([20]). وركز أيضا على دور القوة في الممارسة السياسية، مؤكداً أن الحاكم لابد أن يعتمد على معايير أخلاقية تختلف عن تلك التي يتبناها الفرد العادي؛ من أجل ضمان أمن الدولة وبقائها، وأن السياسة هي تصارع على المصالح([21]). ويرى بأن الأخلاق والدين هما من البدع المسيحية، ومن ثم يجب على الحاكم التخلص منها. كما يعتقد بضرورة التخلص من العهود والمواثيق التي لا تخدم مصلحة الدولة، وعلى الحاكم أن لا يتردد في استعمال القوة عند الضرورة، كما لا ينبغي أن يستهين الحاكم بضرورة انشاء جيش قوي يكفل له الأمان([22])؛ لان الغرض من السياسية هو المحافظة على القدرة السياسية للدولة وزيادة قوتها. وهو يرى وجود نوعين من الحروب: الهجومية والدفاعية. فالقوة هي الضمان الوحيد لبقاء الدولة واستمرارها([23]). وفي هذا السياق يقول"حين تتعرض سلامة أرض الآباء للخطر يجب أن لا تكون هنالك أي مسألة في التفكير فيما إذا كان الشيء عادلا أو غير عادل، إنسانيا أو قاسيا، يستحق المديح أو العار، ويجب على المرء إغفال أي اعتبار آخر وأن يتخذ من الإجراءات مما يؤدي إلى تأمين سلامة البلد وحريته([24]).
فنظرية ميكيافيللي القائلة"بأولوية القوة على الحق"هي اليوم تعد جوهر الواقعية السياسية المعاصرة، ولهذا الغرض كانت القوة العسكرية هي المطلب الأهم، واعدت الثروة المكونة عن التجارة والصناعة وسيلة في المقام الأول لاكتساح تلك القوة اللازمة([25]). ولهذا يمثل ميكيافيللي حلقة البحث في تحليل القوة والنظام الحكومي بأسلوب معاصر، حيث يركز على جعل القيم السياسية تعلو أي قيم أخرى لدى صناعة القرار السياسي الداخلي والخارجي([26]). يتضح الفكر الواقعي وجذوره الفكرية في فكر ميكيافيللي بأولوية السياسية والدولة والمصلحة على الأخلاق والدين، فالغرض الأساس من السياسة برأيه هو المحافظة على القوة العسكرية نفسها وزيادتها،
والغاية العليا من السياسة، في نظرة هي المصلحة العامة والأمن والرفاهية للجماعة وليست تلك الغايات الأخلاقية التي يصورها المفكرون السياسيون السابقون([27]).
ج. توماس هوبس(1588-1679م)
إذا كان ثيوسيديدس قد ركز على أخلاقيات السياسة الواقعية، وأبقى ميكيافيللي على الجانب العملي التطبيقي لها، فإن هوبس قد أظهر الوجه الفلسفي للواقعية السياسية. وتتخذ الواقعية شكلاً مبنيا بطريقة خاصة في أعمال هوبس في القرن السابع عشر، والتي تعطي الأفضلية للنزاعات في العلاقات الدولية، وتركز على الفوضى التي هي من خصائص المجتمع الدولي([28]).
إن الواقع الذي عاصره هوبس كان حرباً أهلية طاحنة أثرت في تفكيره السياسي، مما جعله يبحث عن وسيلة لمنع تكرار هذه الأحداث المؤسفة تفرض إيجاد سلطة سياسية قوية تفرض نفسها على الناس مما تسنه من قوانين تلزم المواطنين جميعاً باحترام حقوق الآخرين، والعيش معهم بسلام. هذا الواقع أثر في تفكير هوبس إلى درجة كبيرة، فهو يرى بأن الإنسان يميل دائماً إلى الصراع مع أقرانه من البشر بحثاً عن المنفعة أو دفاعاً عن أخية أو طمعاً في المجد، وترتبط هذه الحالة الطبيعية في ذهنه بغياب السلطة المنظمة، إذ بدون هذه السلطة المنظمة يصبح الناس في وضع شبيه بحالة الحرب([29]). وهذه نتيجة طبيعية لحالة الطبيعة الفوضوية، وهو ينظر إلى هذه الحالة –الطبيعة- التي سبقت قيام الدولة بوصفها حالة فوضوية تجلب الشقاء والدمار على الناس، وذلك لتعارض مصالحهم، مما يؤدي إلى الصراع الأناني إذا رغب فردان في نفس الشيء بحيث لا يستطيعان الحصول عليه معا يصيران عدوين ويحاول كل منهما أن يدمر الآخر ويخضعه لسلطانة([30]). وفي هذه الحالة يرى هوبس بأن كل إنسان ضد كل إنسان وليس في حالة حرب في المعنى المنظم ولكن بكفاح دائم من الجميع، وأن الأسباب الرئيسة لهذا الصراع هو المنافسة والتحدي وحب المجد، أما القانون والدولة فهما غائبان([31])،"وأن الواقع الأساسي في حالة الطبيعة لكل الأمور الحية وغير الحية هي حالة تضامن وعراك وصراع وحرب، وبالطبع أن هذه الحالة هي حالة وحشية وفوضى لا تطاق"([32]).
يعد هوبس من خلال مقولته اللوفيثان(أي التنين ويقصد به الحكم المطلق)، أن حياة الفوضى تسود المجتمعات البشرية، ومن ثم فإن حياة الفطرة هي الظاهرة البارزة على الأفراد بفضل غريزة حب البقاء. والطريقة المثلى للقضاء على الفوضى، هي أن يتنازلوا عن السلطة بواسطة عقد بينهم وبين الحاكم من أجل ضمان النظام والأمن على أن يكون للحاكم ما يسمى بالحكم المطلق، وعند هوبس لا يمكن امتصاص الفوضى إلا من قبل الحكومات التي لها القدرة على ردع الآخرين([33]). ويعود الفضل إلى هوبس في حقل التصور الرئيس للواقعين وهو الفوضى، وذلك من خلال تصويره لحالة الطبيعة أو الفطرة التي سبقت العقد الاجتماعي، تلك الحالة التي اتسمت بالاضطرابات والخوف وحرب الكل ضد الكل من أجل البقاء([34])، والتي جعلت الناس متساوين في القدرات وهو ما يجعلهم متساوين في الأمل والطموح لتحقيق الأهداف، ويؤدي إلى ارتكاب أعمال عدوانية في سبيل ذلك. كما دعا هوبس إلى الفصل بين الأخلاق والسياسة([35]). وحقيقة الأمر كل ما دعا إليه هوبس هو ضارب بأسس النظرية الواقعية الحديثة.
إن حالة الحرب ليست وضعا استثنائياً، بل هي أمر طبيعي في علاقات الدول بعضها بعض، والصراع -من وجهة نظره- حالة لا يمكن تفاديها، لذلك يعطي الأولوية لدراسة أثر القوة في العلاقات السياسية. فالقوة هي عامل حاسم في السلوك الإنساني، فالإنسان يسعى دون هوادة نحو امتلاك المزيد من القوة ولا يتوقف هذا السعي الا عند الموت، أما العهود المواثيق التي لا تضللها السيوف، فهي ليست إلا كلمات لا طاقة لها على حماية الإنسان([36]). وبذلك فقد أعطى هوبس اهتماماً كبيراً للقوة في العلاقات الدولية، فضلاً عن التأكيد على أهمية المؤسسات السياسية ودورها في صنع القرار([37]). ولهذا يعد هوبس من أبرز منظري سياسة القوى في السياسة الخارجية، فقد نشر كتابة"ليفاثان"في العام 1651م، ليلتقي -عن طريقه- مع الواقعين، بإعطائه الأهمية لدراسة أثر القوة في السياسة الدولية وعلى غرار ميكيافيللي، إذ يرى هوبس أن القوة عامل حسم في السلوك الإنساني. وتعزيزا لمفهوم القوة لدى هوبس ترابط ذلك مع فرضيات المدرسة الواقعية التي تستند اصولها إلى حالة الطبيعة لدى هوبس. إن الأخذ بالتفسيرات التي قدمها هوبس للحالة الطبيعية، واعتمادها في دراسة العلاقات الدولية، تنجم عنها نقطتين أولا: ربما تريد التمييز بين حقل السياسة الداخلية وحقل السياسة الخارجية للدول، ثانياً: إن العلاقات الدولية هي فقط من اختصاص الدول ذات السيادة وصاحبة سلطة الإكراه. ويقدم هوبس نقطتين مفتاحيتين بالنسبة للأدبيات الواقعية، وهما:
- إنه يفسر لماذا يمكن أو يجب أن يتم التعامل مع الدول على أنها فاعل عقلاني موحد، على الرغم من كل الاختلافات الفعليه.
- انه يفسر لماذا يمكن أو يجب أن تعد الفوضى الدولية كحالة الحرب على الرغم من كل الاختلافات الفعليه لدوافع الدول في علاقاتها مع الدول الأخرى. ولقد توصل هوبس إلى هاتين النقطتين، مع مراعاة الطبيعة البشرية وطبيعة الدول([38]).
نستنتج من أفكار كل من"ثيوسيديدس، وميكيافيللي، وتوماس هوبس"، أن الطروحات الفكرية التي قدمها هؤلاء في فلسفتهم هي مترسخة اليوم في المفاهيم الواقعية المعاصرة، من خلال التأكيد على الطبيعة الشريرة للإنسان وحالة الطبيعة الفوضوية للنظام، وأن الكل يبحث عن حالة التسلط على الآخر انطلاقاً من تحقيق المصلحة القومية، وأن الجميع في حالة صراع مستمر بحثاً عن القوة والهيمنة، وتبلورت بعض المفاهيم الواقعية مثل مفهوم"التهديد". كذلك نجد أن الطروحات الخاصة بالدولة تؤكد أنها الفاعل الرئيس في العلاقات بين الدول. وأيضا فيما يتعلق بالطرح الفاصل بين الإخلاق والسياسة، وكل هذا الطروحات والمفاهيم نجد أنها مفاهيم أساسية في الطروحات الفكرية المعاصرة للنظرية الواقعية، وركائزها الأساسية في تفسير منطق العلاقات بين الدول، ولذلك يعد هؤلاء المفكرون من الأوائل الذين أسهموا في وضع الأسس أو اللبنات الأولى في الواقعية السياسية. تكتمل هذا الأسس فيما بعد بما قدمته الفلسفة الأمريكية والبيئة الثقافية السائدة آنذاك في رفد تلك الأسس التي قدمها المنظرون الأوائل، للتترسخ أكثر في الثقافة الأمريكية فيما بعد. وقد مثل الدين الأمريكي وفلسفة التطور والفلسفة البراغماتية أبرز تلك الأصول الفكرية للواقعية الأمريكية.
2. الأصول الفكرية الأمريكية للواقعية السياسية
على الرغم من أن الجذور الفلسفية التي ورثتها النظرية الواقعية من التاريخ الأوربي في مختلف عصوره، إلا أن الواقعية انطلقت في الولايات المتحدة كرؤية جديدة، ومن ثم كنظرية منافسة وصولاً إلى هيمنتها على العلاقات الدولية. وسنتناول هذه الأصول على الشكل الآتي:
أ. الأصول الدينية
أثرت الأفكار والمعتقدات الدينية التي جاء بها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة الأمريكية تأثيرا مهما في أرساء الأسس اللازمة لبناء نظام سياسي اجتماعي ديني يتوافق مع عقيدتهم الدنية المنحدرة من الديانة البروتستانتية، إذ أوجدت منذ البداية جوا دينياً ما يزال قائماً حتى يومنا هذا، وسيكون لها شأن لا ينازع في زرع قيم وافكار وقواعد سلوك مؤثرة ليس فقط في صياغة الشخصية الأمريكية على الصعيد الاجتماعي، إنما أيضا في صياغة العقل الأمريكي ومنهج التفكير السياسي الرسمي في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية([39])،وهو يمثل قوة رئيسة في السياسة والهوية الأمريكية عن العالم، ويؤثر في الطريقة التي يستجيب بها الأمريكان للأحداث خارج حدود وطنهم([40]). ويعد من العناصر القوية المؤثرة في تشكيل الثقافة الأمريكية وقيمها ومؤسساتها وإصلاحاتها والأساليب التي كانت تجول في أفكار الناس حول الحقيقة. فلا غرابة في ضرورة أن نرى تأثير الدين في السياسة، وقد بقي الاثنان مترابطين باستمرار سواء في البلاغة الكلامية للدين، أم عن طريق الحقيقة القائلة أن كليهما تعامل مع نفس الأسئلة المتعلقة بالأخلاقيات، وهذا ما قال عنه توكفيل"أن الدين في أمريكا لا يقوم بدور مباشر في حكم المجتمع لكن لابد من اعتباره المؤسسة السياسية الأولى للأمريكيين([41]). وبالرغم من تأثر الأمريكيين البالغ بمبادئ المنفعة عن هوبس والانتخاب الطبيعي عند داروين وموت الإله عن نيتشة، ووليم جيمس، فإنهم من أكثر الأمم تعلقاً بالدين،وبدون الدين لما كانت هناك أمريكا ولا نزعة أمريكية، ولا عقيدة ولا إعلان مصير ولا استثنائية أمريكية([42]).
إن تحالف الساسة ورجال المال ورجال الدين في أمريكا، مثل الخلفية الفكرية الحاكمة للمصلحة القومية العليا للولايات المتحدة الأمريكية، والتي ألقت بضلالها على سياساتها الخارجية ودورها في العلاقات الدولية([43]).حيث ترى العقيدة البروتستانتية الكالفينية"أن الدين هو الضمان الوحيد للفضائل القومية التي تسمح بالنجاح الدنيوي، وأن الحياة الأخروية هي امتداد للحاضر، وتربط مسألة الإيمان بالعمل، فالإيمان لا قيمة له، أو إنه لا يكتمل مالم يتحد مع العمل. وبهذا الصدد يقول الأمريكان أن"دين أمريكا الحقيقي هو صوفية النجاح المادي"([44]). فالدين كما يقول تيودور روزفلت"هو الأعمال الجيدة"، وأن ذهابه للكنيسة شكلي، وأن حرية كل فرد في عبادة الله على طريقته الخاصة([45])، وأن المسيحية تجربة نفعية براغماتية أمريكية، وأن يسوع أقرب لما هو أمريكي مما هو مسيحي، والمسيحية الأمريكية هي الضلع الثالث لمثلث ضلعيه الآخرين الديمقراطية،"وفلسفة دعه يعمل دعه يمر"([46]).
أعطى فرانكلين اهتماماً كبيرا للدين، لما له من فوائد اجتماعية بوصفه من مقومات الأخلاق الطبيعية، وأهمية للكفاف والاجتهاد في العمل بوصفها وسيلة من وسائل النجاح في الحياة، وهذا ما أكدت عليه الطائفة البيورتيانية بأن الإيمان بالإله يجب أن يترافق مع الإيمان القدرة الإنسانية، وتؤمن بأن علاقة الاختيار الإلهي هي النجاح والانتصار الذي يترجم إلى الثروة. وانسجاماً مع الأخلاق البروتستانتية، فإنه ما من شيء يبين وجود الله وحضور العناية الإلهية إلى الارض غير القوة أو السلطة الانتاجية للجمهور([47]). وبالتالي فإن الرسالة الأمريكية إنما هي في المحصلة رسالة مصلحتها القومية، وبتحقيق هذه المصلحة تتحقق الرسالة الأمريكية، بالقيم، بالقوة، بالتجارة. ولهذا شكل الدين والسياسة نسيجا متداخلاً عبر تاريخ الولايات المتحدة. وعادة ما يستدعي الدين بهدف تغطية المصالح الحقيقية، فالدين الأمريكي ما زال يمثل أهم الأسس الفكرية والآيديولوجية في الفكر السياسي الأمريكي المعاصر الذي انبنت عليه كثير من السياسات والنظريات التي حكمت السياسة الأمريكية فيما بعد، فهو دين براغماتي واقعي يركز على النتائج العملية المحكوم عليها وفقا لنتائجه البراغماتية.
هذا الإيمان الراسخ بأهمية العمل والسعي الدؤوب وراء النجاح والحصول على الثروة لتكون علامة على رضا الرب، وتصديقا لعقيدة الاختيار والتأييد الإلهي، هذا كله له الأثر الكبير في بروز النزعة الواقعية في السياسة، والتركيز على تحقيق المصلحة المباشرة، وتمجيد الانتصارات بغض النظر عن الوسيلة التي تحققها. ومن أبرز الذين دعوا إلى تبني نظرية الواقعية في السياسة انطلاقا من اسس دينية، القس الأمريكي راينهولد ديبور(1892-1971م) الذي لقبة جورج كينان بأبي الواقعيين، ولقب أيضا بمؤسس مدرسة الواقعية السياسية الأمريكية ونظرية القوة في السياسة الدولية([48]).
ب. الأساس الاجتماعي"نظرية التطور"
تعد نظرية التطور البيولوجي، أو نظرية النشوء والارتقاء والبقاء للأصلح من أهم وأخطر النظريات التي شكلت الأساس الفكري للفلسفة الأمريكية ولاسيما الفلسفة الواقعية البراغماتية، والتي بدت على يد هيغل ولامارك ثم بلغت ذروتها على يد تشارلز داروين، وأخذت تطبيقاتها الاجتماعية على يد هربرت سبنسر وغيره([49]). وفلسفة سبنسر اهتمت في بحثين رئيسين: أولهما الفردية والآخر التطورية وتطبيقاتها على المجتمع البشري. وقد رأى سبنسر هاتين كالدولاب الذي يجلب التقدم والسعادة للإنسانية. وراجت أفكار سبنسر في أمريكا حتى في العلوم الاجتماعية وأصحاب الأموال، واثرت هذه الأفكار حتى على افكار كثيرين من رجال الدين([50])،حتى أصبحت الأنموذج المعرفي الكامن وراء معظم الفلسفات العلمانية. وأثرت كثيرا في بعض الاتجاهات الفلسفية والفكرية أبان القرنيين التاسع عشر والعشرين([51]).
ومن بين تلك الفلسفات التي بدى تأثيرها واضحاً فيها هي الفلسفة الواقعية أو النظرية الواقعية الأمريكية. يقول المؤرخ الأمريكي ريتشارد هوفستارد في كتابة"الداروينية الاجتماعية في أمريكا"إنه كان من غير الممكن لأي شخص يهتم بالتثقيف العقلي في العقود الثلاثة بعد الحرب الأهلية الأمريكية أن يكون تام المعرفة من دون أن يتقن أفكار هربرت سبنسر، حيث تركز على الرؤية المادية للإنسان والحياة وعلى أن الإنسان جزء من الطبيعة، والطبيعة مادية وخالية من الهدف والغاية، والإنسان نظام كغيرة من النظم في الطبيعة ويخضع بدوره لقوانين الطبيعة الحتمية العامة، وهو كحيوان كامل، وأن الفرق بينه وبين الحيوان إنما فرق في الدرجة وليس النوع([52]). وهي تقوم بصورة رئيسة على تسخير مبادئ الانتخاب الطبيعي والصراع من أجل البقاء لتبرير الصراعات الاجتماعية وعدم المساواة في ظل النظام الرأسمالي، واضفاء صبغة أخلاقية، وهو ما يعرف بقانون الغاب. ونرى أن هذه الأفكار ضاربة في جذور النظرية الواقعية الأمريكية ونظرتها للعالم والسياسة العالمية، وتأثيرها الكبير على الفكر السياسي الأمريكي وترسيخها لمفاهيم الصراع والقوة في الثقافة السياسية الأمريكية. وساهمت هذه الرؤى في ترسيخ مفاهيم القوة والمحافظة على الذات والصراع في الثقافة الأمريكية كمفاهيم مركزية في نظرية الواقعية وتأصيل مفهوم الصراع في العلاقات مع الآخرين، وكانت الفكرة تعني للأمريكيين أنهم مختارون لتحضير البشرية، أو بمعنى آخر الامبريالية التقدمية، أي استعمار شعوب أخرى لنقل التقدم إليها([53]).
ج. الأصول البراغماتية
البراغماتية اتجاه فكري- فلسفي يركز على المنفعة كقيمة عليا، ويرى بأن المنفعة هي القيمة المعيارية للحق والخير والعدل. وقد ظهر هذا الاتجاه الفلسفي نتاجاً للتحولات التي مر بها المجتمع الأمريكي خلال مرحلة تحوله من مجتمع زراعي تقليدي إلى مجتمع صناعي معاصر ليتربع بعد ذلك على عرش الثقافة الأمريكية والعقل الأمريكي مكوناً ما اصطلح على تسميته الفكر الرسمي. وتركز البراغماتية على العواقب والنفعية والتجريب، وهي مشتقة من اللفظ اليوناني"براغما"، وتعني العمل. والحق أن البراغماتية تأثرت -إلى حدٍ كبير- بالأفكار التي طرحها داروين([54]).
تقوم الفلسفة البراغماتية في المقام الأول على الرفض المنهجي لكل الأحكام السابقة، وكل المنظومات الجاهزة النظرية والمكتملة. ويقول وليم جيمس عن البراغماتية"أنها تحول النظر بعيدا عن الأشياء الأولية: المبادئ والنواميس والحتميات المسلم بها، إلى الأشياء النهائية: الثمرات والنتائج والآثار والوقائع والحقائق.
وعنده أن الحقيقي ليس سوى النافع في المسلك"([55])، وليس المهم عند البراغماتين أن يتحدث الفلاسفة عن مثالية أو عقلية أو واقعية، فإن كل هذه المذاهب تعد على قدم مساواة في النظر اليها، وذلك على أساس ما ينتج عنها من نفع في الميدان العملي، فهي تستغني عن الوسيلة في سبيل الغاية وكأنه يربط الوسيلة بالغاية، أو كأنه يقبل الفكرة القائلة بأن"الغاية تبرر الوسيلة"([56]). وكما فرضت الفلسفة اليونانية نفسها فلسفة عالمية طيلة 25 قرنا فإن البراغماتية الأمريكية ستفرض نفسها على كل الفلسفات بوصفها الفلسفة الشاملة في القرون القادمة([57]).
تعد البراغماتية فلسفة أمريكية بامتياز، وبها ترتبط كل الحركات الكبرى التي أطلق عليها اسم (عصر الفلسفة الأمريكية) الواقعية، والتقدمية والمذهب الطبيعي والمثالية، والتي تطورت من المدة الممتدة من حرب الانفصال إلى الحرب العالمية الثانية وما بعدها. ولها تأثير قوي على التوجه السلوكي في علم النفس والعلوم الاجتماعية والسياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان لها أثر واضح في الفكر الأمريكي المعاصر ولا سيما على الصعيد السياسي، وحظيت باهتمام كبير من جانب الفلاسفة والمفكرين([58]). وحقيقة الأمر لا يمكن تجاهل دور الفكر البراغماتي في صياغة كثير من مفاهيم الواقعية السياسية ومن ضمنها المعايير الأخلاقية؛ لأن مرتكزاتها الفكرية تقوم على مبادئ المنفعة والواقعية والمادية والعملية، ولذلك أصبحت البراغماتية تمثل شعار الوعي القومي الأمريكي، وفيها تبنى الأمريكيون نهجاً براغماتياً في السياسة والحياة، حيث تمت ترجمتها إلى وقائع تاركة بصماتها في كل ميادين الحياة الأمريكية خصوصا في السياسة والاقتصاد والمجتمع والطبيعة، حيث البحث عن الغاية والنجاح هما الحكم والفيصل في كل شيء. ولم تكن السياسة معركة بين الخير والشر أبداً، بل هي صراع مصالح، والوجود الاجتماعي ساحة والمصالح متغيرة([59]) وأصبحت أيضا من أهم السمات الأساسية المتميزة للشخصية الأمريكية وواقعها الوطني، وأخذت تمثل الواقع الأمريكي بكل مضامينه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
إذاً المنهج الواقعي متجذر في الفكر السياسي الأمريكي من خلال ثلاثة أسس، الأول: الأساس الديني الذي عمد الآباء المؤسسون إلى تطبيقه في الأرض الجديدة بما يحملون من أفكار دينية. والثاني الأساس الدارويني الاجتماعي والذي كان له تأثير مباشر وغير مباشر في الفكر السياسي الأمريكي المعاصر، إذ عملت على ترسيخ مفاهيم الصراع والقوة في الثقافة السياسية الأمريكية. اما الأساس الثالث هو الأساس البراغماتي الذي أنبنى عليه الفكر السياسي الأمريكي المعاصر. وبذلك تكون النظرية الواقعية اكتسبت نزعتها العملية وتعظيمها للمصلحة المادية من الفلسفة البراغماتية، وأن كل هذه الأسس متجمعة شكلت الأسس ومفاهيم الواقعية الأمريكية المعاصرة في الجوانب السياسية والدينية والاقتصادية وكل جوانب الحياة، ولاسيما نزعتها العملية وواقعيتها من التعامل مع الآخرين. وإن الميزات الأساس التي جعلت الولايات المتحدة الأمريكية تتبوأ المرتبة الأولى في العلاقات الدولية، منذ الحرب العالمية الثانية على الأقل، لا تكمن فقط في شساعة أراضيها وفخامة ثروتها، وتنوع أعراقها، وقابلية كل هذه العناصر للاندماج والتعايش والعمل المشترك، ولا تكمن أيضا فقط في طبيعة النظام الاقتصادي الذي اعتمدته، أو المرجعية الليبرالية في التنظيم والتدبير، ولكن تكمن أيضا وبالتحديد في التحالف بين هذه الأسس الثلاثة، أي التحالف القوي بين السياسيين ورجال الأعمال من ناحية ورجال الفكر ورجال الدين من ناحية ثانية، لرسم خلفية فكرية حاسمة للمصلحة القومية العليا للولايات المتحدة الأمريكية([60]). هذا التحالف مثل أساس المصلحة القومية العليا، التي هي تمثل أساس النظرية الواقعية في السياسة الأمريكية المعاصرة.
المطلب الثاني: الركائز الفكرية المعاصرة للنظرية الواقعية
تعتمد الواقعية السياسية المعاصرة في تفسيرها للعلاقات بين الدول وطبيعة النظام الدولي على بعض الركائز أو العناصر التي تشكل المفاهيم النظرية للواقعية المعاصرة لفهم بنية النظام الدولي والعلاقات الدولية، والتي على الدول أن تأخذ هذه المفاهيم في عين الاعتبار في سياستها الخارجية. وهذه الركائز أو العناصر النظرية هي"القوة، المصلحة القومية، توازن القوى والمعايير الأخلاقية"، وسنحاول دراسة هذا العناصر بشكل مختصر، وعلى الشكل الآتي:
1. القوة
تستند النظرية الواقعية في بنائها النظري إلى فرضية أساس مفادها أن"القوة هي الهدف الرئيس على المستويين الداخلي والخارجي"، وهي الأساس لتقديم نظرية عامة تفسر علاقات القوى المتعددة والأساس الذي ترتكز عليه سياسات الدول في المجالين الدولي والوطني، وهما ليس إلا مظهرين مختلفين لظاهرة واحدة. يرى موركنثاو أن"السياسة كلها قوة، لذا ماتزال القوة ملخص دقيق للفكر الواقعي الكلاسيكي، مؤكدا أن الهدف من كل السياسة هي القوة، ومع ذلك لا يعني أن القوة هي الميزة الوحيدة للسياسة([61]).
وفقا لموركنثاو، قد تنطوي القوة على شيء يقيم سيادة الإنسان على الإنسان ويضمن الحفاظ عليها ويكون بذلك شاملا لكافة العلاقات الاجتماعية التي تهدف إلى تلك الغاية ابتداء من العنف البدني، وانتهاء بأكثر الروابط النفسية التي يسيطر بها عقل على عقل آخر، ويقول"عندما نتحدث عن القوة أو السلطان فإننا لا نعني به سلطان الإنسان على الطبيعة أو وسائل الإنتاج والتوزيع، أو حتى على نفسه، فيما يسمى ضبط النفس، ولكننا نعني به سيطرة الإنسان على عقول الآخرين وأفعالهم. إذاً نستنتج بأن موركنثاو لم يعننِ بالقوة بمعناها الصلب التقليدي فقط، وإنما القوة الناعمة بمفهومها المعاصر، الذي تكلم عنها جوزيف ناي فيما بعد، في كتابة"القوة الناعمة"أيضا. وهناك تأرجح بين مفهوم القوة والقيم الأمريكية؛ لان مفهوم القوة أصبح محددا مهما في الرؤية الأمريكية لا يمكن أن تنتشر إلا بالقوة. ويبدو أن العلاقة جدلية بين الأمرين: القوة من جانب والمصالح من جانب آخر، بمعنى أن بقاء أمريكا قوية إنما يتحدد إلى -حدٍ كبير- بتحقيق المصالح ونشر القيم الأمريكية. وحتى تتحقق وتنتشر القيم لا بد من ممارسة القوة([62]). وينظر موركنثاو للقوة من ثلاث زوايا: الأولى القوة كسبب، أي أنها الدافع لسلوك معين. والثانية القوة كهدف، أي أنها نتاج لسلوكيات الدول. أما الثالثة القوة كوسيلة، أي أنها أداة لبلوغ الغايات المرجوة([63]). والسياسة الخارجية ما هي إلا صراع من أجل امتلاك القوة وتحقيق تلك الغايات والأهداف.
يتفق الواقعيون على أن تعريف القوة يتحدد طبقاً للموقف بوضع التحليل، أي أنها تتوقف على القضية التي توظف القوة بها أو الهدف الذي توظف القوة من أجله([64]) لكن هناك مشكلة تواجه هذا المفهوم؛ لأن طبيعة القوة غير قابلة للقياس الدقيق على الرغم من وجود أسس وعناصر لقوة الدولة، وذلك لأن القوة ليست مطلقة بل هي نسبية ويجب مقارنتها بقوة الدول الأخرى، وأيضا هي ليست مستقرة على حال بل تتغير مع تغير عناصرها، فضلا عن عدم وجود عامل واحد يمكن من خلاله التحكم بالقوة، حتى لو كان ذلك العامل هي القوة العسكرية. القوة لا تقتصر على الجانب العسكري، فهي مركب من أجزاء عسكرية وغير عسكرية تشتمل على متغيرات أخرى، كمستوى التطور التقني أو السكان أو المصادر الطبيعية والعوامل الجغرافية والقيادة السياسية والايديولوجية([65]).
وتعرف القوة أيضا بأنها"مجموعة الامكانات المتاحة لدولة ما"، والقوة التي تعنيها التحليلات الواقعية ليست القوة العسكرية التقليدية بل القوة بمفهومها الشامل لكل من عناصرها ومكوناتها المادية وغير المادية. فهي النتاج النهائي لعدد كبير من المتغيرات، الذي تتم بين العناصر المادية وغير المادية. وهذا الاندماج هو الذي يحدد في النهاية قيمة الدولة وتتضح هذه القوة من خلال الحيوية الاقتصادية أو النفوذ السياسي أو العسكري. ويتضح التركيز على الجوانب المادية في تعريف القوة في قائمة محددات القوة الوطنية التي وضعها وولتز، فهو يعرف الدول الكبرى بأنها"الدول التي تمتلك اقليماً واسعا وعدداً كبيراً من السكان وموارد وفيرة، واقتصاداً كفوءاً، وجيشا قويا، ونظاما سياسيا مستقرا عالي الكفاءة". ويستعيد وولتز طرحه من تلك القائمة وما أورده موركنثاو من عناصر القوة المعنوية من قبيل الخصائص القومية والروح المعنوية والآيديولوجية وشكل نظام الحكم والميل العام إلى المسالمة والقتال([66]). وبذلك يختلف أنصار الاتجاهين التقليدي والبنيوي في المدرسة الواقعية على تحديد عناصر القوة. فالتقليديون يفهمون القوة على أنها مركب الكلي، الذي يضم عناصر مادية ومعنوية، فالقوة مكونات عسكرية واقتصادية، كما أنها تشمل القدرة على تشكيل الرأي العام. وقد أشار موركنثاو إلى هذا التعريف الشامل للقوة، لكن هذا المفهوم الشامل للقوة اختفى من طروحات الجيل الثاني من الواقعيين ولاسيما أنصار الاتجاه البنيوي الذين ركزوا فقط على الجوانب المادية للقوة. وهكذا أصبحت القوة تعرف بأنها"استخدام دولة لمواردها المادية لإجبار دولة أخرى على فعل شيء لا ترغب في القيام به"([67]). وبهذا فإن القوة في الفكر الواقعي لا تحدد في مفهوم واحد بل للقوى مفاهيم كثيرة متعددة تندرج ضمن المفهوم العام للقوة أو تحت مفهوم الأمن القومي. ويرى موركنثاو أن استخدام مفهوم القوة في تعريف مصلحة الدولة هو المعلم البارز الذي يعين الواقعيين على تلمس طريقهم في حقل السياسة الدولية.
2. المصلحة القومية
المصلحة هي إحدى تلك الاعتبارات التي تحد تصرف القوة في تكيف التصرف السياسي وتقريره، وصح الاعتقاد أن القوة والمصلحة يمكن أن ينسجما في تغير علاقاتهما المتبادلة([68]). وفق الواقعية، أن لكل دولة من دول العالم مجموعة من المصالح القومية، يمكن إجمالها في ثلاثة مصالح رئيسة: مصلحة البقاء وهي المصلحة الأساسية للدولة، وتعني أن تبقى موجودة ولا يتم الغاؤها. مصلحة تعظيم القوة العسكرية، وهي أداة الدولة الأساسية للدفاع عن نفسها ضد الطامعين. ومصلحة تعظيم القوة السياسية، وهي الاهتمام بالبعد الاقتصادي والتجاري في العلاقات بين الدول، لأن ذلك هو الأساس المادي الذي تقوم عليه مصلحة تعظيم القوة العسكرية([69]) فالمصلحة وفقا لهذه الرؤية تتحدد في إطار القوة ومن غير الممكن الحفاظ على مصلحة الدولة دون استخدام أو تعظيم القوة العسكرية وغير العسكرية. ويعترف موركنثاو بأن مفهوم المصلحة القومية المعّرفة بالقوة هو مفهوم غير مستقر، ولكنه يؤكد إنه طالما ظل العالم مقسما إلى دول ذات سيادة فإن الحد الأدنى للسياسة الخارجية لكل دولة يجب أن يكون فقط للبقاء على قيد الحياة، نظرا لأن كل دولة مضطرة لحماية وجودها المادي والسياسي والثقافي ضد أي هجوم من الدول الأخرى، فإن المصلحة القومية تتطابق فقط مع البقاء القومي وتشكلان معاً هوية واحدة([70]).
المصلحة الوطنية، هي الأهداف العامة المستمرة التي تعمل الامة من أجل تحقيقها. وتبعا لذلك، فهي تتميز بعموميتها واستمراريتها وارتباطها بالعمل السياسي([71]). وإن فكرة المصالح القومية أو الوطنية توضح جانب الاستمرار في السياسات الخارجية للدول رغم التبدل الذي يصيب الزعامات السياسية، أو التحول الذي قد يحدث في نمط الآيديولوجية المسيطرة أو في نماذج القيم السياسية والاجتماعية السائدة، بمعنى إنه أيا كانت طبيعة الاختلافات في العوامل السياسية والاستراتيجية والآيديولوجية والطبيعية التي تؤثر في الأوضاع المتميزة لكل دولة، وتدفعها إلى الصراع أو التعاون مع غيرها من الدول، فإن المصلحة القومية تظل دائماً وأبدا المقياس العام الذي يمكن بواسطته الاستدلال على العوامل التي تحدد السلوك الخارجي لأي دولة عضو في المجتمع الدولي. وحينما يتم الاعتماد على مفهوم المصلحة القومية القائل بأن تحقيق المصلحة القومية للدولة هو الهدف النهائي المستمر لسياساتها الخارجية، فإن السياسة القومية تكون محور الارتكاز أو القوة الرئيسة المحركة للسياسة الخارجية لأي دولة من الدول. لذلك نجد أن المصلحة الوطنية للدولة هي التي تحدد سلوك الدولة في سياساتها الخارجية في اطار العلاقات الدولية سعيا منها لحماية مصالحها([72]). المصلحة الوطنية وفق هذا الوصف هي نوعان كما صنفها موركنثاو: المصالح الأساسية والثانوية. في حين ربط البقاء المادي والأمن بالنوع الأول، رأى أن النوع الآخر تحدده الاعتبارات والأوضاع الداخلية للدولة، وفضلا عن ذلك أكد على ارتباط المصالح الأساسية بعلاقة تفاعل وثيقة مع المصالح الثانوية، فتحقق المصالح الأساسية يؤدي إلى إنجاز المصالح الثانوية، وإنجاز المصالح الثانوية يرتب بدوره الأوضاع الملائمة لتحقيق المصالح الأساسية. ولهذا يعد الأمريكان المصلحة القومية بأنها خير عام يهتم به جميع الأمريكيين أو معظمهم.
3. توازن القوى
التوازن عبارة عن حالة من الاتزان الساكن أو المتحرك بين قوى متعارضة. ومن الملاحظ أن المصالح الدولية تجرها-حالة الاتزان- إلى نزاع مع دول أخرى داخل النظام الدولي. ويرى موركنثاو أن مصطلح توازن القوى يصف أشياء مختلفة يمكننا تصنيفها في مستويات مختلفة، أولا هناك الموقف النظري المنظومي الذي يعد أن توازن القوى يصف حالة يعاد فيها توزيع السلطة بشكل متساوٍ إلى حد ما بين مختلف أقطاب المنظومة العالمية. ثم المستوى النظري الوطني الذي يعد أن توازن القوى هو سياسة خاصة،"سياسة توازن القوى"، أي السياسة التي تتبعها الدول لتحقيق هذا التوازن، وهنا يجب أن نميز بشكل أساس بين هذين المستويين، لأن الأول يقع على صعيد المنظومة الدولية والثاني على صعيد السياسة القائمة بين الدول. وهناك أيضا المستوى النظري للمؤرخين الرسميين حين يستخدم مفهوم توازن القوى لوصف حالة توازن أو عدم توازن([73]). ويصف توازن القوى بأنه سياسة ترمز إلى المدرسة الواقعية في السياسة الدولية، وهي المدرسة التي تعني بظاهرة القوة، وأن الدول حينما تسعى للحفاظ على وجودها وأمنها ومركزها الدولي من خلال عملية الصراع على اكتساب القوة، فإن رائدها في ذلك هو تحقيق توازن القوى، وهو في الوقت نفسه سلاحها في تنظيم استخدام القوى والسيطرة عليها، تركز المدرسة الواقعية هنا على الصراع في تشكيل توازن القوى، وهو صحيح فيما يخص علاقته بالمدرسة الواقعية في السياسة الدولية التي تعده من اهم عوامل الاستقرار الدولي، غير أن توازن القوى ليس سياسة في حد ذاتها تسعى الدول إلى تحقيقها وتجاهد من اجلها، فالدول لا تسعى إلى التوازن بل تسعى إلى التفوق والهيمنة، مما يقود إلى نشوء توازن القوة، فتوازن القوة ليس حالة مقصودة بذاتها بل هو حالة يتم الوصول إليها بشكل عرضي من خلال السعي إلى التفوق، والدول الساعية إلى التفوق تجد نفسها في وضع الدول المتوازنة في لحظة تاريخية ما([74]).
ويرى موركنثاو أن هناك ثلاثة أشكال لتحقيق السلام على الصعيد العالمي، أولا: إذا تم فرضه من قبل الرأي العام الدولي أو نوع من الأخلاق، ثانيا: يمكن تحقيق السلام من خلال القانون الدولي. ثالثا: هذا السلام يمكن أن يصبح حقيقة إذا أقمنا حكومة عالمية، أي قوة مهيمنة شبه مطلقة يمكنها فرض آرائها على أي كان بما في ذلك التحالفات. وأخيراً يمكن تحقيق السلام أو تحديد الحرب من خلال توازن القوى، وهنا يرى موركنثاو بأن الحل الاخير هو الممكن؛ لأن الحلول الأخرى تبدو له غير قابلة للتحقيق من الناحية العملية، ويعتقد أن مفهوم توازن القوى ينشأ من طبيعة العلاقات الدولية، وأن مختلف الجهود التي تبذلها الدول والأمم تتعارض مع بعضها البعض في نهاية المطاف ويمكن للتوازن أن ينبثق بشكل عفوي في بعض الظروف، وهذا موقف عقلاني؛ لأنه يأخذ طبيعة الإنسان بعين الاعتبار، وهو موقف اخلاقي لاعتقاده بإمكان تحقيق السلام([75]).
ويعد الواقعيون أن لعبة ميزان القوى هي الوسيلة الأكثر عملية لإقامة السلام والاستقرار مقارنة مع دعوة المثاليين إلى اعتماد القانون الدولي وإقامه حكومة دولية. ويشير موركنثاو إلى وجود طرائق مختلفة لتوازن القوى مثل"مبدأ فرق تسد، سياسة التعويضات، وسياسة التسلح ونظام الأحلاف". وتذهب خلاصة أفكار موركنثاو"إلى أن توازن القوى هو ظاهرة طبيعية في حياة الدول؛ فالسياسة الدولية ليست سوى صراع من أجل القوة، وتوازن القوى هو نتيجة حتمية لهذا الصراع"([76]).
4. المعايير الأخلاقية
في إطار الأخلاق وأثرها في السياسة الخارجية، فإن للواقعيين رؤية تختلف كلياً عما ينظر المثاليون إلى عنصر الأخلاق، والواقعيون يشكلون فكرة وجود مبادئ أخلاقية عالمية، وهم يحذرون قادة الدول من التضحية في سبيل الالتزام ببعض مبادئ السلوك الأخلاقي. ورغم أن جوهر الفكرة وضع أسسها ميكيافيللي إلا أن بعض الواقعيين من أنصار فكرة"عقل الدولة"يتحدثون عن معيار أخلاقي مزدوج، واحد للأفراد الذين يعيشون داخل حدود الدولة، وآخر للدولة في علاقاتها مع الأمم الأخرى. انطلاقاً من واقع السياسات الدولية، غالبا ما تجعل قادة الدول مرغمين على التصرف بطرق غير مقبولة كلياً لدى الأفراد (الكذب والغش والقتل..)([77]). ويعتقد موركنثاو أن الأخلاق ضرورية في العلاقات الدولية ويناهض -على سبيل المثال- المبرر الأخلاقي في السياسة الدولية، وهو ما يسميه بـ"آيديولوجية الأخلاق"، أي إن المبادئ الأخلاقية تخفي وراءها المصالح الخاصة، كما يدين الاطلاقية ويسميها بالنزعة العاطفية، لأنها تغطي طبيعة السياسي وتركز فقط على القيمة الأخلاقية على حساب القيم الأخرى. إذاً موركنثاو يقترح علينا أخلاقية المسؤولية والمصلحة العليا للدولة، أي الدولة لمواطنيها وعلى القادة أن يكونوا أخياراً إذا أمكن وأشرارا إذا استدعت الضرورة([78]). والواقعية السياسية تدرك الأهمية الأخلاقية ومتطلبات العمل السياسي الناضج، وترى أنه لا يمكن تطبيق المبادئ الأخلاقية العامة على تصرفات الدول وأفعالها، بل يجب على كل من الفرد والدولة أن يحكما على العمل السياسي عن طريق المبادئ الأخلاقية العامة كالحرية. ومن ثم فإن الواقعية تعد أن التعقل والحكمة هما الفضيلة الأعلى في السياسة، وأن الأخلاق –نظريا أو تجريديا- تحكم على العمل وفق الامتثالية للقانون الدولي، والأخلاق السياسية تحكم على العمل وفقاً لأثاره ونتائجه السياسية البراغماتية([79]). ولذلك يجب أن تكون الدولة مستقلة في علاقاتها الخارجية وتعمل بما تمليه عليها إرادتها وحدها، والقواعد الأخلاقية الملزمة للأفراد داخل الدولة ليست ملزمة للدول في علاقاتها الخارجية([80]).
وبناءً على ذلك فإن الواقعية ترفض إدخال القيم في العلاقات الدولية على اعتبار أن كل دولة لها قيمها ومعتقداتها الخاصة النابعة من مصالحها القومية بالأساس، فالدولة لا يحق لها أن تقدم موقفاً اخلاقيا على حساب عمل سياسي ناجح([81]). ولا يمكن أن تطبق القيم الأخلاقية للدولة، وإن طبقت فأنها تكون دائماً تابعة لظروف ومعطيات خاصة. ومن هنا يمكننا أن نقيم سلوك الدول الأخرى. والواقعيون يرون أن الصراع السياسي في كل مكان متكرر ويتعذر استئصاله، ويعدون الأخلاق السياسية بوصفها أخلاقاً سياسية لا يمكنها أن تحد من ذلك الصراع، فهي بعيدة للغاية بتحقيق توافق بين الصراع السياسي والفلسفة الأخلاقية([82]). إذاً، المعايير الأخلاقية وفق المفهوم الواقعي هي معايير براغماتية على الصعيد الخارجي، مستهدفة من ذلك ما يعود عليها بالمنفعة العامة. فمن غير الممكن أن تتبع الدولة أخلاقيات مثالية على الصعيد الخارجي؛ لأن ذلك سيحد من سعي الدول في كسب القوة وبلوغ المصلحة القومية، فالقيم الأخلاقية بالنهاية هي المصلحة القومية عينها، وأين ما تكون مصلحة الولايات المتحدة فتلك قيمة أخلاقية يجب السعي لاكتسابها.
المبحث الثاني: النظرية الواقعية والاتجاهات الفكرية الواقعية المعاصرة
عرفت النظرية الواقعية ولادة عدة من النظريات التي انسلخت من الواقعية التقليدية، فلم تعد دراسة النظرية الواقعية بشكلها التقليدي فقط التي ارتبطت بـ هانس موركنثاو، فظهرت إلى جانب الواقعية التقليدية والجديدة، الواقعية الدفاعية والهجومية، وأيضا الواقعية النيوكلاسيكية، أو ما يسمى بالفكر الواقعي المعاصر، وهو ما مثل استقراء للواقعية التقليدية والجديدة. ولكن قبل الخوض في الاتجاهات الفكرية المعاصرة للفكر الواقعي، نتطرق إلى الواقعية التقليدية والواقعية الجديدة أو البنيوية في المطلب الأول من هذا المبحث.
المطلب الأول: نظريتا الواقعية التقليدية والواقعية الجديدة
يعود الفضل في إدخال الواقعية كمدرسة فكرية لدراسة العلاقات الدولية إلى هانس موركنثاو من خلال عمله الشهير"السياسية بين الأمم"1948م، الذي احدث ثورة في الدراسة الأكاديمية للسياسات الدولية. وفي أواخر العقد السابع من القرن العشرين أحدث"كينيث وولتز"شرخاً كبيراً عن واقعية موركنثاو التقليدية وهي ما سميت بـ الواقعية الجديدة أو الواقعية البنيوية. في حين اصبحت واقعية موركنثاو تسمى بالواقعية التقليدية أو الكلاسيكية، لذلك سنحاول التركيز في هاتين النظريتين في هذه الدراسة ومن ثم الانتقال إلى الاتجاهات الفكرية المعاصرة، وهذا ما سيتم تناوله في المطلب الثاني.
1. الواقعية التقليدية (الكلاسيكية)
ظهرت الواقعية في البداية من خلال شكلها التقليدي مع اسهامات هانس موركنثاو(1904-1980م)، وغيره من المفكرين الواقعيين الأوائل الذين حاولوا التكيف مع أحداث القرن العشرين التي صاحبها الكثير من مظاهر الاضطراب واللاأمن وتفاقم حدود الصراعات والحروب، وقد هيمن هذا المنظور على حقل العلاقات الدولية والفكر السياسي الأمريكي خلال مرحلة الحرب الباردة([83]). وقد ظهرت بعد الحرب العالمية في إرشاد صانع قرار السياسة الخارجية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لردع المانيا النازية وايطاليا الفاشية واليابان العسكرية بعد فشل المدرسة المثالية في ذلك([84])، وهي رؤية تصحيحية لسذاجة المدرسة المثالية، والتي هاجمتها بوصفها يوتوبيا تتمثل بأسبقية الرغبة على الواقع، والأهداف على التحليل النقدي، وترى أنه يجب تحليل العالم كما هو عليه وليس كما ينبغي أن يكون، وعلى العلاقات الدولية أن تدرس الكائن وليس ما يجب أن يكون. وتبين الإخفاقات المختلفة التي ألمت بالمثالية، مثل إنشاء عصبة الأمم ومختلف محاولات تحقيق السلام، وهي عبارة عن قراءات ماضية لميكيافيللي، الذي يقترح قراءة حديثة للعلاقات الدولية، حتى لو لم يكن يهتم إلا بصورة الأمير([85]) فهي ترفض مقولة المثالية بوجود تناسق في المصالح بين مختلف الأمم. وترى أن الدول تتضارب مصالحها إلى درجة تقودها إلى الحرب، وإمكانيات الدولة تلعب دورا هاما في تحديد نتيجة الصراع الدولي وقدرة الدولة على التأثير في سلوك الآخرين؛ لأن الدول مثلها مثل البشر تمتلك رغبة فطرية في السيطرة على الآخرين، وهو ما يقود نحو التصادم والحروب([86]). وقد أبرز موركنثاو فضائل نظام توازن القوى التقليدي المتعدد الأقطاب، ويرى بأن نظام الثنائية القطبية الذي برزت فيه الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي يحمل العديد من المخاطر.
إن البنية بالنسبة للواقعيين التقليديين بنية فوضوية ينبغي فيها أي شكل من أشكال السلطة الفوقية التي يمكن للدول الاحتكام إليها. هذه الظروف تساهم في تكريس ما يسميه الواقعيين بالمعضلة الأمنية المتأتية من سعي كل دولة لزيادة مستويات أمنها بشكل منفرد، عبر حيازة مصادر القوة، خاصة بشقيها العسكري والاقتصادي. ولذلك فهم ينظرون إلى السياسة – مثلها في ذلك مثل المجتمع بصورة عامة- محكومين بالقوانين الوضعية المتأصلة في الطبيعة الإنسانية، وأنه من أولى الضروريات أن يتم فهم القوانين التي يحيا بها المجتمع([87])؛ لأن حالة الدولة في النظام الدولي هي مماثلة لحالة الإنسان في حالة الطبيعة، ومن ثم السياسة الدولية هي بشكل أساس بحث عن القوة، وهي مجبرة على ذلك. وبذلك فالدولة تدافع وتمارس فقط في السعي لتحقيق المصلحة الوطنية الذي يعرف بأنه الأمن القومي، والمصلحة الوطنية تتحقق في إطار القوة الطبيعية التي يمكن تحديدها وتقيمها من حيث الإمكانيات المادية. النظام الدولي ليس لديه السيادة على الدول ولذلك فهو عالم فوضوي. وهكذا عمل الدولة في داخلها يمكن تلخيصه إلى المصلحة الوطنية وهدفها الأساس، ومن ثم فإن أمن الدولة القومي هو المحدد الوحيد للسياسة الخارجية([88]). وبذلك تعد الفوضى هي السمة الرئيسة للبنية التي تتفاعل فيها الدول مع بعضها حسب الواقعية التقليدية، ولهذا فإن صانعي القرار مدعوون للأخذ بعين الاعتبار"المصلحة العليا للدولة"قبل أي شيء آخر. ولهذا أيضا يقال عن الواقعية الكلاسيكية أنها تحمل نظرة تشاؤمية، وتطغى عليها هذه النظرة إلى حد كبير؛ وذلك بسبب رؤية الدول لمكاسبها ومقارنتها بمكاسب الآخرين، والشكوك المتبادلة والخوف من الغش والانحراف، والاهتمام بالمصلحة الخاصة للدول في ظل الفوضى([89]).
تنطلق الواقعية من افتراض أن الدول كوحدات متجانسة مستقلة هي الفاعل الأساس في العلاقات الدولية، وبالرغم من اعتراف الواقعيين بحدوث تطورات مهمة وظهور فاعلين جدد إلا أنهم يتمسكون بأن الدول القومية هي الفاعل الأساس المؤثر في السياسات الدولية، والدولة القومية تعني لديهم وحدة ذات كيان مستقل من ناحية ومتجانسة من ناحية أخرى. أي إنه لا يمكن النفاذ إليها بتأثيرات خارجية، كما أنها لا تتعرض لضغوط داخلية، ومن ثم فإن العلاقات السياسية وغير السياسية الدولية تحدد بالرجوع إلى الحدود القومية، ولذلك فإن تحليلهم يستند على افتراض الفصل بين السياسة الداخلية والخارجية، ومن ثم فإن الحكومات أو صانعي القرار أو المسؤول الحكومي على أعلى المستويات الدبلوماسية والعسكرية، هم الفاعلون الأساسيون وليس أي مجموعات داخلية أخرى أو أي فاعل دولي آخر من غير الدول([90]).
وهكذا، فإن المدرسة الواقعية تذكرنا بحق بالدور الرئيس الذي تقوم به الدول على الساحة الدولية، كما تذكرنا بطبيعة هذه الساحة النزاعية والفوضوية، لكنها تفصل -أكثر مما يفترض- السياسة الخارجية عن السياسة الداخلية، وتقلل من قيمة دور الفاعلين غير الحكوميين ومن أهمية القوى الاقتصادية..الخ، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فإن آراءها في التحليل المنطقي للسياسة الخارجية، هي إرادة مبنية على مفهوم المصلحة الوطنية([91])، لأن منهاج التحليل الذي اعتمده موركنثاو ينظر إلى عملية صنع السياسة الخارجية على أنها –باستمرار – عملية ترشيديه عقلانية، بمعنى أنها تخرج عن كونها عملية توفيق بين الوسائل المتاحة وبين الأهداف التي هي ثابته، لذلك فكل سياسة خارجية هي عقلانية؛ لأنها تسعى دائماً لتعظيم القوة والمصلحة الوطنية، وذلك لأن السياسة الخارجية أيضا -وبحسب ما يرى موركنثاو- تسير وفقا لأساس الفهم والاعتراف بهذه القوانين، والاعتراف وبالآخر بطبيعة العلاقات الدولية الفوضوية والنزاعية، وليس وفقاً لمثالي مجرد يرفض أن يأخذ هذه الأخيرة بعين الاعتبار([92]).
دعامتا التحليل في النظرية الواقعية لموركنثاو هما فكرة المصلحة وفكرة القوة، والمصلحة في مفهوم هذه النظرية تتحدد في إطار القوة التي تتحدد بدورها في نطاق ما يسميه موركنثاو بفكرة التأثير أو السيطرة وبتحديد آخر فإن القوة السياسية التي تعنيها هذه النظرية الواقعية هي مدى التأثير النسبي الذي تمارسه الدول في علاقاتها المتبادلة، وهي بذلك لا يمكن أن تكون مرادفاً للعنف بأشكاله المادية والعسكرية، وإنما هي أوسع نطاقاً من ذلك بكثير، فهي النتاج النهائي -في لحظة ما- لعدد كبير من المتغيرات المادية. والتفاعل الذي يتم بين هذه العناصر والمكونات هو الذي يحدد في النهاية حجم قوة الدولة، وبحسب هذا الحجم تتحدد الامكانيات في التأثير السياسي في مواجهة غيرها من الدول([93]) ومن هنا تنظر النظرية الواقعية إلى المجتمع الدولي والعلاقات الدولية على أنها صراع مستمر نحو زيادة قوة الدولة واستغلالها بالكيفية التي تمليها مصالحها أو استراتيجيتها بغض النظر عن التأثيرات التي تتركها في مصالح الدول الأخرى([94])؛ لأن الواقعية الكلاسيكية اعتمدت على مفاهيم خاصة لفهم وتفسير مختلف الظواهر المعقدة في السياسة الدولية بما فيها ظاهرة السياسة الخارجية، وتعد مفهوم القوة، والمصلحة، وتعظيم المكاسب، المساعدة الذاتية، العقلانية والفوضى الدولية.. من المفاهيم المفتاحية التي اعتمدتها هذه المقاربة لتفسير السلوك الخارجي للدول([95]). فالقوة في ذاتها تقود إلى الصراع، ومن هنا فالصراع من أجل القوة هو أداة موركنثاو الموضوعية في تحليله النسقي لتفسير السلوك الدولي والوقوف على دوافعه الحقيقية بعيدا عن التبريرات الواقعية، وهذا الصراع يكشف عن الصلب الذي يفسر السياسات الخارجية للدول مع تباين النظم والآيديولوجيات([96]). الواقعيون الكلاسيكيون رغم تركيزهم على تفسير الحروب والنزاعات والتشاؤمية إلا أنهم اهتموا أيضا بتحقيق السلام، ويعد توازن القوى من أنجح وسائل تحقيق السلام بالنسبة لموركنثاو.
وتتلخص طروحات موركنثاو بما يأتي، أولا: إن الدول"الأمم"هي الممثل الأهم للعلاقات الدولية. ثانياً: يجب التمييز بين السياسة الوطنية والسياسة الخارجية. وثالثا: السياسة العالمية هي صراع من اجل السلطة أو القوة ويعدها من أجل السلام([97]). ويمكن تحديد المبادئ الأساسية للواقعية الكلاسيكية التي حددها موركنثاو في كتابة الشهير"السياسة بين الأمم"في ستة مبادئ أساسية([98]) وهي:
- العلاقات السياسية تحكمها قوانين موضوعية تضرب بجذورها في أعماق الطبيعة البشرية من خلال الاضرار والنوايا الموجودة في هذه الأخيرة، وبناء السياسة العامة يجب أن يتم على أساس فهم هذه القواعد الموضوعية.
- إن فكرة المصلحة الوطنية هي الموجه الرئيس للواقعية السياسية، فالقائد السياسي يفكر ويتصرف طبقاً للمصلحة الوطنية المعرفة في اطار القوة.
- المصلحة تشبه القوة، في كونها غاية مشروعة بشكل عام، رغم أن معناها الدقيق يختلف حسب الوقت والظروف، فالمصلحة الوطنية في حدها هي البقاء، ولكن الدول -لضمان بقائها- تسعى لتحقيق أهداف أخرى.
- بالرغم من إدراك الواقعية للأهمية الأخلاقية للعمل السياسي، فأنها تدرك -في الوقت ذاته- التوتر غير المرغوب بين القيادة الأخلاقية ومتطلبات العمل السياسي الناجح، وهذا الأخير يقتضي تنقية سلوك الدولة من المبادئ الأخلاقية، ومعيار الحكم على سياسة معينة هي نتائجها السياسية"الغاية تبرر الوسيلة".
- التطلعات الأخلاقية المعينة لا يمكن مطابقتها مع القوانين الأخلاقية التي تحكم الكون.
- السياسة الواقعية حقل مستقل بذاته، وتحليله يجب أن يتم بوصفه كيان قائم بذاته، دون أن يتم اخضاعه لأي حقل آخر من الاهتمامات الإنسانية. بمعنى الظاهرة السياسية هي ظاهرة مستقلة والحكم على أي سلوك سياسي يكون خلال معايير سياسية.
2. الواقعية الجديدة(البنيوية)
بعد أن خفق تيار الواقعية قليلا تحت تأثير الترابط المتبادل خلال الستينات، وبفضل زوال التوتر، عادت الواقعية ابتداءً من أواخر السبعينات تحت تأثير الحرب الباردة الجديدة، دون شك لتحتل مكان الصدارة في التفكير حول العلاقات الدولية، وذلك تحت شعار التيار الواقعي الجديد، وكان ذلك بشكل خاص مع ظهور أعمال"كينيث وولتز، وجون جيرار، روبرت غيليان"، وابتعد منظرو التيار الواقعي الجديد قليلا عن نظريات موركنثاو لينضموا إلى ريمون ارون، في اصرارهم على الطبيعة الفوضوية للنظام الدولي، وفي لجوئهم الأكثر حذرا إلى مفاهيم أخرى، كالمصلحة القومية والقوة([99]). وانتقدت الواقعية الجديدة سابقتها التقليدية بسبب منهجيتها السلوكية، التي تمحورت حول سلوك الدولة –العنصر الأساس في تقديرها- في السياسة الدولية، وأخفقت في استيعاب الواقع الحقيقي على أنه نظام بنية أو كيانه المتميز، وبالغت في تفسيرها للمصلحة ومفهوم القوة، وأغفلت سلوك المؤسسات الدولية، وأطر علاقاتها الاعتمادية في جوانبها الاقتصادية([100]).
من أبرز ممثلي الواقعية الجديدة، يمكن ذكر"روبرت جلين، كينيث وولتز، ستيفن كريزيز، وروبرت تاكر، وجورج مودلسكي"، حيث كان هدف رواد هذه المدرسة هو محاولة إخراج الواقعية من المفهوم الكلاسيكي والتحليلي البديهي إلى مستوى من التحليل، أكثر علمية للوصول بها إلى نظرية علمية([101])، وهي رؤية نسقية للسياسات الدولية، حاول كينيث وولتز من خلال عمله الشهير"نظرية السياسات الدولية"1979م، تجاوز النقد الذي كان من الممكن توجيهه إلى موركنثاو، مقترحاً نظرية"للمنظومة الدولية"، والإبقاء على سلوكيات الفاعلين الذين يشكلون عناصر هذه المنظومة التي تفرض قيودا محددة على السلوك، اما العوامل الأخرى كالدين والسياسة الداخلــــة والاقتصاد فتعد ثانوية إلى حد ما([102]).
الواقعية الجديدة أو ما تسمى أحيانا بالواقعية الهيكلية، هي خلافاً للواقعية الكلاسيكية أو التقليدية، حيث يتم تحديد النظام الدولي من خلال الفوضى، وهي حالة عدم وجود سلطة مركزية كما يسميها"وولتز". الدول تكون ذات سيادة ومستقلة عن بعضها البعض. وفي مثل هذا النظام الفوضوي، ستكون قوة الدولة هي المفتاح الرئيس في فهم الواقع؛ لأنه فقط من خلال القوة يمكن للدول الدفاع عن انفسها، وتأمل في البقاء على قيد الحياة. فالواقعية تفهم القوى في مجموعة متنوعة من الطرق، على سبيل المثال القوة العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، ولكن يؤكد في النهاية على توزيع القدرة المالية والقسرية كمحدد للسياسة الدولية([103]). وعلى الرغم من ذلك الخلاف المتعلق في تحديد النظام الدولي من خلال الفوضى، إلا أنها لم تختلف عن سابقتها في خصوص اعتبار العوامل النابعة من البيئة الخارجية كمحدد رئيس للسلوك الخارجي للدول، وذلك انطلاقا من الأساس الذي يؤكد ندرة الأمن وفوضوية النظام الدولي، ومن هذا المنطلق فإن جل اهتمام الوحدات السياسية هي كيفية الحفاظ على وجودها. إذاً، وولتز يدافع عن منظور منظومي، بعبارة أخرى، من رؤية تنطلق من منظومة ما، أي من مجمل المنظومة الدولية التي تفرض طريقة معينة على شكل وحدات المنظومة وتصرفاتها عن طريق المظاهر الضاغطة والصائغة. إذاً فالمنظومة الدولية هي بنية تفرض نفسها على وحداتها. يقول وولتز بأن"بنية النظام الدولي هي التي تشكل كل خيارات السياسة الخارجية"([104]). وهذه البنية للنظام الدولي هي نتيجة لفوضوية النظام الدولي، حيث يرى وولتز"أن الفوضى هي من المكونات الأساسية للنظام الدولي، وأن الحرب تندلع نتيجة هذا النظام وليس نتيجة الشر في الطبيعة الإنسانية"([105])؛ لأن الواقعية الجديدة تغفل الطبيعة البشرية، وتركز على فوضوية النظام الدولي، بل تشكل الطبيعة الفوضوية للنظام الدولي نقطة البداية لتفكير الواقعيين الجدد بشأن التعاون الدولي بين الدول. وهذه الفوضوية تعبير عن حالة غياب الحكومة على المستوى الدولي، وبالمعنى الرسمي فأنها تشير إلى عدم وجود سلطة مركزية، وبهذا المعنى فأنها بالتأكيد سمة من سمات النظام الدولي والإطار الاجتماعي السياسي الذي تحدث فيه العلاقات الدولية([106]). وفي ظل هذه السمة الفوضوية في بنية النظام الدولي سوف تدفع الدول إلى التنافس من أجل القوة، لكن هذه الدول لا ينبغي لها أن تكافح من أجل زيادة القوة وحسب، ولكن بدلا من ذلك فهي تسعى للاستيلاء على القوة([107]). إذاً، فالدولة هي الفاعل الرئيس في السياسة الدولية بحسب الواقعية الجديدة، وذلك بسبب امتلاكها لوسائل العنف المنظم، خاصة وأن الدول تتجه إلى فهم بنيتها الدولية وليس الداخلية، والطبيعة الفوضوية للنظام الدولي هي التي تحدد سلوك الفاعلين، والعوامل الداخلية ليست عاملا مهما في السياسة الخارجية ونفي بأن تكون أية علاقة بينهما، وهذا ما دافع عنه وولتز بقولة"نظرية العلاقات الدولية تفقد طبيعتها عندما تتدخل الخصائص القطرية للدول كأداة تفسيرية للسلوك الخارجي"([108]).
وينطلق وولتز في بناء نظريته من افتراض أن الواقعيين التقليديين حددوا موطن الحرب في مستوى واحد من اثنين، أو كلاهما، وهما الفرد والمجتمع، أو الدولة. ويرى أن الصواب وجود الفصل بين مستوى النظام ووحداته، كما يرى أن الحرب جوهر عالم السياسة تجد جذورها بين الإنسان والدول والنظام الدولي. وعليه، اذا أردنا فهمها والقضاء عليها، يجب علينا ألا نركز على مستوى واحد من مستويات التحليل الثلاثة التي طرحها ونغفل الباقي، ولا بد أن يكون فهمنا للسياسة الدولية بدمج هذه المستويات الثلاثة، حيث يرى وولتز أن"الصورة الثالثة تصف الإطار العام للسياسة العالمية، ولكن من غير الصورتين الأولى والثانية لا يمكن معرفة القوى التي تقرر السياسة وتحددها، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى تصف الصورتان الأولى والثانية القوى في السياسة العالمية، لكن هنا من المستحيل تقيم أهميتها وتوقع نتائجها من غير الصورة الثانية([109])، لهذا تعد الدول هي الفاعل الأساس في النظام الدولي.
وتؤكد المدرسة الواقعية الجديدة على استخدام الأدوات الناعمة في السياسة الخارجية، حيث حلت محل القنوات القتالية، كون هذا العصر هو عصر الاقتصاديات القائمة على المعلومات، والاعتماد المتبادل الذي يتخطى الحدود القومية، وأصبحت القوة أقل قابلية للنقل والتمويل، وأصبحت مادية ملموسة إكراهية بدرجة أقل. فالواقعية التقليدية هي التي ترى أن القوة غاية في حد ذاتها، ولهذا هي تسعى لتحقيق ميزان القوى، لأن الأخير سياسة واعية من طرف الدول. أما الواقعية الجديدة، فتنطلق من مسلمة أساسية وهي أن هدف الدول هو المحافظة على البقاء، وعليه، تبذل مجهودات داخلية(تقوية الاقتصاد، بناء القوى العسكرية..الخ ومجهودات خارجية (بناء الاحلاف، إضعاف الاحلاف المعادية..الخ)([110]).
يستند وولتز إلى نظريات الاقتصاد الجزئي، فهو يشبه النظام الدولي بالسوق، ويميز بين التغير داخل بنية النظام الدولي (اي تغير وحداته)، وتغير بنية النظام الدولي ذاتها، فتغير هذه البنية هو تغير في عدد القوى الكبرى أو في قدراتها، وهكذا فإن قبل الاتحاد السوفيتي لم تتغير بنية النظام الدولي إلا مرة واحدة خلال أربعة قرون، وذلك عندما تحول من تعدد الأقطاب إلى القطبية الثنائية بعد الحرب العالمية الثانية. ويرى وولتز أن هذا التحول أثر إيجابيا في الاستقرار والسلم الدوليين؛ لأن نظام القطبية الثنائية يقود إليهما أكثر من نظام تعدد الأقطاب. ولهذا نظرية وولتز لتوازن القوى تقر بأفضلية نظام الثنائية القطبية على غيره من الأنظمة الدولية الأخرى([111])، وهذا ما خالف بيه موركنثاو الذي يفضل النظام المتعدد الأقطاب من الثنائية القطبية، ولهذا يرى وولتز أن نهاية الحرب الباردة لن تؤدي إلى تغير مفهوم الأمن ولم تؤدِ إلى تغير هذه البنية"الفوضى"والعالم ما زال في منافسة مستمرة بين الدول([112])، حتى مع التغير الذي حدث في النظام الدولي بعد الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي. إن الرؤية للعالم وفق نظرية الواقعية الجديدة يمكن تلخيصها في اربع نقاط وهي:
- يزعم الواقعيون بأن البقاء على قيد الحياة هو الهدف الرئيس من كل دولة ضد الغزو والاحتلال الأجنبي، ومن ثم على الدول أن تواجه التهديدات الأكثر إلحاحاً، وحالة الفوضى في النظام الدولي تتطلب من الدول أن تضمن باستمرار امتلاكها القوة الكافية للدفاع عن انفسها ودفع حياتها ومصالحها المادية اللازمة للبقاء على قيد الحياة.
- تعتقد الواقعية أن تكون الجهات الفاعلة عقلانية-الدول-، وهذا يعني أن النظر إلى الهدف من البقاء على قيد الحياة هو هدف رئيس لجهات فاعلة، وعليها أن تعمل أفضل ما في وسعها من أجل تحقيق أقصى قدر من امكاناتها من اجل الاستمرار في الوجود.
- تفترض الواقعية أن على جميع الدول امتلاك بعض القدرات العسكرية، وعليها أن تدرك ما تنوي الدول المجاورة لها على وجه التحديد في العالم، وبنفس الوقت هو أمر خطير وغير مؤكد.
- وفي مثل هذا العالم إن القوى العظمى هي الدول ذات القوة الاقتصادية وبصفة خاصة القوة العسكرية، وهي التي تتحكم بمبادئ العلاقات الدولية([113]).
من الناحية المنهجية، نفهم أن الواقعية الجديدة حاولت تبسيط المفاهيم التقليدية وإعطاءها نوع من المصداقية. وقد حافظت الواقعية الجديدة على"الفوضى كمعطى دولي"، لكن تفسيرات هذه الفوضى، كانت مبنية على أساس غياب سلطة فوق الدول على الصعيد الخارجي يضمن الأمن لها، وعليه فالفوضى هي ميزة السياسة الدولية، وليس للسياسة الداخلية التي لها سلطة مركزية. فالدول يجب أن لا تثق في قوتها، كما لا تثق في الاخرين؛ لأنه ليس هناك أي سلطة تراقب وتحفظ هذه الاتفاقيات بين الدول، فلا شيء يمنع الاحلاف من اختراق الاتفاقيات، لذا فمن الصعب والخطورة أن تعلق أو تولي أمنك وتضعه في أيد الآخرين([114]).
ويمكن أن نوجز مما سبق بعض الاختلافات بين الواقعية بشكلها الكلاسيكي والجديد، كما لاحظها"ستيفن لامي"في تحليله بين الواقعية الكلاسيكية والجديدة. أولاً: الواقعية هي نظرية استقرائية، وهو ما يفسر السياسة الدولية من خلال تحليل التفاعلات وتصرفات الدول في النظام الدولي، في حين في الواقعية الجديدة نجد أن بنية النظام الدولي والفوضى هما اللذان يحددان خيارات الدول للسياسة الخارجية. ثانيا: اذا كانت القوة في الواقعية الكلاسيكية هدفاً بحد ذاتها، فإن في الواقعية الجديدة القوة ليست هدف فقط ولكن وسيلة أيضا، كذلك هناك فرق في الطريقة التي تتفاعل بها الدول على المستوى الدولي في حالة الفوضى. على الرغم من هذه الاختلافات، وعلى الرغم من وجود أكثر من انواع الواقعية، هناك بعض الموضوعات التي تظل ثابتة مثل: إن الدول هي الفاعل المهم والرئيس في العلاقات بين الدول والنظام الدولي والشغل الشاغل لهم، وهدفهم الأساس هو ضمان الأمن([115]).
ويمكن تلخيص أهم مبادئ الواقعية الجديدة والتي يمكن أن نوجزها في النقاط الخمس الآتية([116]):
- النظم السياسية تأخذ شكلين أساسيين تسلسلية أو فوضوية، والنظام الدولي يأخذ دائماً الشكل الأخير.
- في النظام الفوضوي كل الدول لها وظائف متشابة، فهي متمايزة من حيث القدرات وليس الوظائف.
- جميع الدول تتميز بخاصية الأنانية، وتسعى على الأقل لضمان بقائها.
- في أي نظام للمساعدة الذاتية البقاء يقتضي الاستجابة للقوة النسبية ولأفعال الآخرين.
- حالة الفوضى في النظام الدولي تدفع دائماً نحو خلق نظام توازن القوة.
إذاً وبحسب الواقعية الجديدة فإن الدول هي الفاعل الرئيس والمهم في العلاقات الدولية، وإن النظام الدولي نظام فوضوي نظام غير الطبيعة الإنسانية الفوضوية التي كانت تميز الواقعية الكلاسيكية، والهدف الأسمى للدول هو الحفاظ على بقائها وهي تفكر جديا في تحقيق ذلك، وهي لا تثق في بعضها البعض ولا يمكن معرفة نيات بعضها البعض، ومع هذا فهي فاعل عقلاني كما يسميها الواقعيون الجدد.
المطلب الثاني: الاتجاهات الفكرية الواقعية المعاصرة
عرفت الواقعية منذ ظهورها مساراً تطورياً أدى إلى ظهور العديد من الاتجاهات داخل المنظور الواقعي. فالبداية الفعليه لظهور الواقعية كانت مع إسهامات موركنثاو حينها عرفت بالواقعية التقليدية، ثم عدلت الواقعية التقليدية لاحقا نتيجة تحولات عرفتها بنية البيئة الدولية، وأضيفت لها قطع نظرية جديدة طورتها في شكل الواقعية الجديدة مع"كينيث وولتز". وإحدى الاسهامات المهمة داخل المنظور الواقعي تمثلت في ظهور توجهين"الهجومي-الدفاعي"المتمثلين في نظرية الواقعية الدفاعية والواقعية الهجومية. وأيضا عرفت اتجاهاً جديداً تمثل بالواقعية النيوكلاسيكية، وقد استند كلا الاتجاهين إلى مفهومة الأمن، إلا أنها اختلفت بشكل عميق في تحديد درجة توفير الأمن في النظام الدولي، هل هو محدد أو وافر؟ وهل أن الدول تسعى إلى توسيع نفوذها بناء على ما تملكه من عناصر القوة التي تشكل لها الحافز إلى التوسع والهيمنة أو أنها لا تندفع إلا لتحقيق مستوى أدنى أو محدد من الأمن؟. وكان لهذين الاتجاهين انعكاسهما على الاستراتيجية العسكرية الأمريكية التي شهدت حالة الانتقال من استراتيجية الدفاع إلى استراتيجية"التدخل الوقائي"، التي تجسدت ميدانياً في مفهومي الضربة الوقائية والضربة الاستباقية([117])؛ لأن الفوضى تدفع الدول إلى تحقيق أقصى قدر من القوة النسبية. هذا الخلاف هو في الأساس ما أطلق عليه النقاش بين الواقعيتين الهجومية والدفاعية([118]).
1. الواقعية الدفاعية
تعد الواقعية الدفاعية بالصورة التي قدمها"روبرت جيرفس، جورج كويستر، ستيفن وولت، ستيفن، فإن افيرا وجاك سنايدر"، من الإضافات المهمة للواقعية. ويجادل هؤلاء بأن احتمال وقوع الحرب كان أعلى حين كانت الدول تستطيع أن تتغلب على بعضها، ولكن كلما كان الدفاع أسهل، فإن الأمن كان أوفر، وحوافز التوسع أقل، واحتمالات التعاون اعلى. بل حين يكون للدفاع فائدة وتكون الدول قادرة على التمييز بين الأسلحة الهجومية والأسلحة الدفاعية، فإن الدول تستطيع أن تكسب وسائل الدفاع عن نفسها من غير أن تهدد الآخرين، وبذلك تقلل من تأثيرات الفوضى الدولية([119]). وهي إحدى صور الواقعية، التي تتماثل مع الواقعية التقليدية في النظر إلى الدول بوصفهم لاعبين عقلانيين ولاعبين أساسين في الشؤون الدولية. فهي تصور النظام على أنه فوضوي في الأساس، لكن الفوضى هذه أكثر حميدة وأقل تهديدا، ويمكن للدول أن تتعامل مع معظم التهديدات الخارجية من خلال تعديل ميزان القوى الدفاعية([120]). فهي تفرض أن فوضوية النسق الدولي أقل خطورة وأن الأمن أكثر من كونه مفقودا، وهي بهذا تقدم تنازلا نظريا بتقليصها للحوافز النسقية الدولية، وجعلها لا تتحكم في سلوكيات جميع الدول. أنها بدأت تقر بوجود سياسات خارجية متميزة، ومن ثم الاعتراف بالآثار الضئيلة للبنية الداخلية على السلوك الخارجي. هذه الفوضوية الحميدة وضغوط النظام الدولي يحاجج بها دعاة الواقعية الدفاعية، بأن الأمن سلعة وافرة في النظام الدولي وليست نادرة، وبإمكان مختلف الدول ضمان بقائها إذا ادركت هذه الحقيقة([121]).
الواقعية الدفاعية تنبأت بأن تسبب حالة الفوضى في البيئة الدولية يجعل الأمن في مقدمة انشغالات الدول ومركز اهتمامها، وأن هذه النتائج المتمثلة في"المعضلة الأمنية"تنشأ من قيام دولة ما بزيادة مستوى الأمن لديها، باعتبار أن الأمن يعد لعبة صفرية، وهو ما يؤدي إلى إرباك الاستقرار، مما يدفع الدول المناوئة إلى الرد ما تعده خفضاً في مستوى الأمن. وهي تفترض بأن الوحدات الدولية تتوسع من أجل مصالحها السياسية عندما تصبح غير آمنه بصورة متزايدة، وعلى هذا الأساس فإن الواقعية الدفاعية تتناقض مع الواقعية التقليدية. ففي حين تنظر الثانية إلى أن الدول تتوسع نتيجة للثقة أو على الأقل إدراكاً منها لزيادة الموارد، وهي تسلم بأن الدول تتوسع لأنها تستطيع ذلك، أما بالنسبة لدعاة الواقعية الدفاعية فإنها تتوسع لأنها مجبرة على ذلك، وهم يتفقون مع الواقعيين الهجوميين في أن الدول تبحث عن الأمن وإن اختلفوا في تحديد آليات بلوغه([122]). فالواقعية الدفاعية ترى بأن الدول تسعى فقط للحفاظ على وجودها، بينما تقدم القوى الكبرى ضمانات لصيانة أمنها عن طريق تشكيل تحالفات توازنيه بانتقاء آليات دفاعية عسكرية، مثل"القدرات النووية الانتقامية". وليس من المفاجئ أن تجد وولتز وغيره من النيوواقعيين الذين يرون أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت آمنه في اغلب فترات الحرب الباردة، لأنهم يتخوفون من امكانية تبديد الولايات المتحدة لهذا المكسب في حال تبنيها لسياسة خارجية عدائية. وهكذا بنهاية الحرب الباردة تحولت الواقعية التشاؤمية لموركنثاو والمستمدة من الطبيعة البشرية إلى تبني نبرة أكثر تشاؤمية([123]).
تزعم الواقعية الدفاعية أن الدول لديها ميل إلى التوازن مع الدول الأخرى، وإذا لم تفعل ذلك فإنها قد تعاني من عواقب، وقد يتم القضاء عليها من النظام، فالدول تميل إلى التوازن مقابل القوة([124]). وهي تعتقد أن الهيمنة هي استراتيجية غير حكيمة للدول في البقاء على قيد الحياة، وأشاروا إلى أن الدول التي تسعى إلى الهيمنة يمكن أن تجلب إلى الدول أو إلى نفسها صراعات خطيرة مع نظرائها. بدلا من ذلك يؤكد الواقعيون أصحاب النظرية الدفاعية على الاستقرار من خلال التوزيع المتساوي للقوة بين الدول"توازن القوى"بحيث تضمن أي منها لن تخاطر بمهاجمة الأخرى، ومن ثم فإن توزيع القوة بين القوى العظمى، هو مفهوم أساس في نظرية الواقعية الدفاعية([125])، ولهذا تفترض الواقعية الدفاعية بأن الدول تسعى إلى الأمن أكثر من سعيها إلى النفوذ، وذلك من المهم أن تتنبأ وتعمل على التوسيع في أوقات انعدام الأمن في مواجهة الأمم القوية ذات النوايا العدوانية، وفي غياب مناخ التهديد، لا يتوفر للدول الحافز النظامي للتوسع، فهي لا تتوسع عندما تكون قادرة، لكن عندما ينبغي عليها ذلك، أي عندما تشعر بالتهديد لأمنها وسيادتها. ولهذا أيضا يفترض دعاة الواقعية الدفاعية أنه ليس للدول مصالح كبيرة في الغزو العسكري، ويرون أن التكاليف المترتبة عن السياسات ذات النزعة العسكرية تفوق عادة الفوائد المرجوة منها. وتبعاً لذلك يرون أن الحرب التي تخوضها الدول الكبرى تحدث عموما نتيجة لشعور مبالغ فيه بالخطر والذي تغذية مجموعات داخلية، كما تعود أيضا إلى الثقة المفرطة في فعالية العمل العسكري([126]). وعليه فقد طورت الواقعية الدفاعية فرضياتها لتبين من خلالها أثر البنيات الداخلية للدول في تحديد طبيعة التوجه الخارجي للدول. ففي حالة وجود خطر خارجي، تجند الدولة مجموعة القدرات العسكرية والاقتصادية والبشرية، وإدراك هذا الخطر مترتب بذاتية القادة السياسيين الذين يجدون من الوسائل المستقلة إلى الدفاع عن المصالح الحيوية فقط، وأكثر مصلحة حيوية هي الأمن([127]).
وعندما تكون القدرات الدفاعية أكثر تيسرا من القدرات الهجومية فإنه يسود الأمن وتزول حوافز النزعة التوسعية. وعندما تسود النزعة الدفاعية ستتمكن الدول من التميز بين الأسلحة الدفاعية والأسلحة ذات الطابع الهجومي. آنذاك يمكن للدول امتلاك الوسائل الكفيلة بالدفاع عن نفسها دون تهديد الأخرين، وهي بذلك تقلص من آثار الطابع الفوضوي للساحة الدولية، ومن ثم التخفيف من حدة تأثير هذه البنية الفوضوية على سلوكيات الفاعلين، فالقادة السياسيون لا يحاولون وضع دبلوماسية عنيفة واستراتيجية هجومية إلا في حالة الإحساس بالخطر، ولذلك في غياب الأخطار الخارجية الدول ليس لها دوافع آليه إلى اتباع هذه السياسات العنيفة. وبهذا قد أدخلت الواقعية الدفاعية عنصراً مهماً في النظرية الواقعية وفهم الساحة الدولية وهو عنصر"الإدراك". إدراكات صانع القرار أو القادة السياسيين في فهم الساحة الدولية وقراءة أفكار الحرب. يدعي كل من روبرت جيرفس وجاك سنايدر، أن قادة الدول بدأوا يفهمون بأن تكاليف الحرب أصبحت –بوضوح- أكبر من فوائدها، وأن استخدام القوة العسكرية من أجل الغزو والتوسع عبارة عن استراتيجية أمنية يرفضها الكثير من القادة في هذا العصر الذي يمتاز بالاعتماد المتبادل المعقد والعولمة. بقيت الحرب كأداة لفن الحكم عند قليل من القادة، في الوقت نفسه فإن أغلب الحروب ينظر إليها من قبل المواطنين والقادة وكأنها ناتجة عن القوة اللاعقلانية([128]). فالواقعية الدفاعية غالبا ما تختلط مع الليبرالية الجديدة. إنها تحمل بعض التعاطف لمجادلة الليبرالية الجديدة،بأن الحرب يمكن تفاديها من خلال إيجاد المؤسسات الأمنية التي تقوم بدورها بالانحسار التدريجي للمأزق الأمني وتوفير أمن متبادل للدول المشاركة في تلك المؤسسات، ولكن الواقعية الدفاعية لا ترى في تلك المؤسسات الطريقة الفاعلة لتفادي جميع الحروب، لذلك تعد الواقعية الدفاعية أكثر تفاؤلا من الهجومية ولكنها أكثر تشاؤماً من الأمني وتوفير أمن متبادل للدول المشاركة في تلك المؤسسات، ولكن الواقعية الدفاعية لا ترى في تلك المؤسسات الطريقة الفاعلة لتفادي جميع الحروب، لذلك تعد الواقعية الدفاعية أكثر تفاؤلا من الهجومية ولكنها أكثر تشاؤماً من الليبرالية الجديدة؛ لأنها تنظر إلى مضاعفة القوة، هو للحفاظ على الوضع القائم دائما وهدفها الأول البقاء (أي الأمن) وليس مضاعفة القوة، فهي لا ترسم رابطة مباشرة بين مضاعفة القوة والأمن؛ لأن مضاعفة القوة قد تؤدي إلى الإضرار بأمن الدولة في حالات معينة([129]).
وللتقليص من أخطار وإدراكات وحسابات الدول وصانع القرار، فضل أنصار الواقعية الدفاعية من ستيفن وولت وجاك سنايدر"الاستراتيجيات التعاونية"، ومنها تكوين الدول علاقات دبلوماسية خاصة مع القوى الكبرى لتحقيق أمنها، حيث إنه من الممكن تخفيف المعضلة الأمنية عبر المزيد من التعاون بين الدول([130]). ولهذا أتت الواقعية الدفاعية بمصطلح أو مفهوم"الواقعية التعاونية"المشجع والمؤكد على الفوضى الناجحة عوضاً عن الفوضى المطلقة، وذلك من أجل تفادي الحرب بوضع سياسات مشتركة لذلك. ومع تراجع حالة الفوضى في النظام الدولي، سيتراجع بذلك أهم محدد لتفسير السلوك الخارجي بالنسبة الواقعية وولتز، ونتيجة أكثر فأكثر لإثبات دور المحددات الداخلية في تفسير السلوك الخارجي(إدارك صانع القرار للبيئة الخارجية)([131]).
2. الواقعية الهجومية
ظهرت الواقعية الهجومية كرد فعل للواقعية الدفاعية، حيث انتقدتها حول المرتكز الأساسي لها في أن إطار الفوضى الدولية تبحث فقط عن أمنها. حيث ترى عكس ذلك، بأن الفوضى تفرض باستمرار على الدول تعظيم وزيادة القوة، لذا يعتقدون بتزايد احتمالات الحرب بين الدول كلما كانت لدى بعضها القدرة على غزو دولة أخرى بسهولة، ومن ثم استمرار حالة الفوضى المطلقة، غير أن ما يميز هذا الصراع عن واقعية وولتز هو عدم الإقرار بأن تفسير السياسات الخارجية والمخرجات الدولية لمختلف الدول يكون مبنيا على فكرة الفوضى، وهذا ما ترفضه الواقعية الهجومية كعامل واحد. فكما يؤكد"فريد زكريا"أن التركيز على السياسات الخارجية للدول يجب أن يضم المتغيرات الداخلية والنسقية والتأثيرات الأخرى مخصصة ومحددة مظاهر السياسة الدولية التي يمكن تفسيرها بهذه المتغيرات([132]).
الواقعية الهجومية يطلق عليها أيضا"الواقعية العدوانية"–يفترضون عالم هوبس- إذ تسعى الدول إلى تحقيق اقصى قدر من الأمن([133]) وذلك راجع لقيام سلطة عليها مهمة فرض الأمن والنظام، وعند الهجوميين تعد الدول فواعل عقلانية لا تنخرط في نزاعات إلا عندما تشعر بالتهديد، ولكنها ما تلبث أن تتبنى هذه السياسة وذلك لما تفرضه متطلبات البنية الدولية لتكون أكثر قوة من باقي الدول. تلك الفوضى تدفع للعمل على تعظيم قوتها النسبية طالما أن ظهورا مفاجئا لقوة تعيد النظر في الواقع القائم يبقى احتمالا واردا([134]). وبتعبير آخر فإن أي دولة لا تستطيع أن تتأكد في أي وقت تظهر القوة التي تطالب بتغير الوضع الراهن. وتتمسك الواقعية الهجومية بأن الفوضى، غياب حكومة أو سيادة عليا، توفر حوافز قوية للتوسع، وكل الدول تكافح من أجل مضاعفة قوتها بالدول الأخرى لأن الدول الأكثر قوة هي فقط التي بإمكأنها ضمان بقائها وهي تنتهج سياسات توسعية. عبارة مضاعفة القوة تضع الهجوميين في موقع قريب من موركنثاو الذي يشدد على"الصراع اللامتناهي حول القوة"، لكن مصدر هذا السلوك ليس الطبيعة البشرية كما يدعي موركنثاو بل بفعل البنية الفوضوية للنظام الدولي، وهذا يضع ميرشايمر قريبا من وولتز لكنه يختلف مع وولتز في التأكيد على أن البحث عن القوة والأمن لا يمكن إشباعها، بينما يقول وولتز أن لها حدوداً، أي أن الواقعيين الهجوميين يختلفون مع وولتز حول مسألة كم هو مقدار القوة التي تريدها الدول([135]).
يرون أصحاب الواقعية الهجومية ويعتقدون بتزايد احتمالات الحرب بين الدول كلما كانت لدى بعضها القدرة على غزو دولة أخرى بسهولة. لكن عندما تكون القدرات الدفاعية أكثر تفسيرا من القدرات الهجومية فإنه يسود الأمن وتزول حوافز النزعة التوسعية، وعندما تسود النزعة الدفاعية ستتمكن الدول من التمييز بين الأسلحة الدفاعية والأسلحة ذات الطابع الهجومي. آنذاك يمكن للدول امتلاك الوسائل الكفيلة بالدفاع عن نفسها دون تهديد الآخرين، وهي بذلك تقلص من آثار الطابع الفوضوي للساحة الدولية([136]).
هذا الاتجاه الذي ظهر في إطار الواقعية الجديدة يتزعمه"ميرشايمر"وهو في مضمونه إحياء للواقعية الكلاسيكية في إطارها الجديد. حيث يعتقد ميرشايمر أن نهاية الحرب الباردة التي كانت تتسم بتوازن القوى ستخلق تنافساً امنياً يكون فيه قيام الحرب أمرا اعتياديا وضروريا في الوقت نفسه. وهو يعتقد أن النظام الدولي الحالي فوضوي، يدفع الدول إلى انتهاج سياسات تمولها زيادة القوة([137])، وهو هدف الدولة بالنسبة لميرشايمر، ولا يمكن لأي دولة أن تكون على يقين من نوايا الدول الأخرى، والبقاء هو الهدف الأساس، والجهات الفاعلة عقلانية. من هذه الافتراضات يستنتج ميرشايمر بأن القوى العظمى سوف تخشى بعضها البعض وسوف تسعى باستمرار للتحقق من حدة هذا الخوف([138]). ويرى بأن"أفضل طريقة لبقاء الدولة في نظام فوضوي، هي أن تستغل فرص الدول الأخرى، وأن نوعاً تكسب فريدا من القوة على حسابها، لأن أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم. ويقترح على قادة الدول أن يبحثوا عن سياسات أمنية تضعف من قدرات اعدائها وتزيد من قوتها النسبية تجاههم. ويرى أن"الابتزاز والحرب"هما الوسيلتان الأساسيتان اللتان تطبقها الدول في الحصول على القوة. ورغم رغبة الجميع في خلق عالم سلمي إلا أنها غير عملية من الناحية الواقعية. كما يتطرق ميرشايمر إلى المأزق الأمني والذي يعكس المنطق الأساسي للواقعية الهجومية، حيث يعني إجراءات الدولة المتخذة لزيادة أمنها. والنتيجة هي أن حرص الدولة على زيادة فرصها في البقاء، سوف يؤدي بالضرورة إلى التهديد ببقاء الدول الأخرى([139]). ويعد ميرشايمر الحرب بأنها الطريق الرئيس لكسب القوة على الرغم من أنها مكلفة، وهو يزعم أن الدول عقلانية قد تختار الحرب اذا كانت الفوائد تفوق التكاليف. والأهم من ذلك أن نجاح الحرب يمكن أن يطيح المنافس مما يجعل الطرف المعتدي أكثر اماناً. وباختصار، الحرب والابتزاز يوفران خيارا آخر لتصبح المكاسب النسبية التي تهدد المنافس على تقديم تنازلات، فالابتزاز غير متواجد ولكنه فعال فقط ضد الدول الصغيرة أما الدول الكبرى فهي قادرة على المقاومة([140]).
يعتقد ميرشايمر بأن الدول العظمى تحاول الهيمنة في منطقتها، وتحرص في الوقت نفسه ألا تسيطر أي قوة عظمى منافسة على منطقة أخرى، والهدف الأساس لكل قوة عظمى هو زيادة حصتها من النفوذ العالمي إلى أقصى حد، والسيطرة في النهاية على النظام([141]) وهو يرى بأن تعظيم القوة النسبية إلى حد الهيمنة هو الهدف النهائي لكل دولة، ويتم تعريف الهيمنة"أن تكون الدولة لها من القوة لكي تهيمن على جميع الدول الأخرى في المنظومة والتي يمكن تطبيقها –الهيمنة- على الصعيدين العالمي والاقليمي. ويستشهد ميرشايمر بأن"الهيمنة تعني السيطرة على النظام والتي عادة ما يتم تفسيرها على أنه عالم بأسره". الهيمنة العالمية -من وجهة ميرشايمر، صعبة-، في حين يرى بأن الهيمنة الإقليمية هي الهدف الاستراتيجي الرئيس للدولة، وبالتالي على المستوى الاقليمي تأخذ الهيمنة مرحلة مركزية في تفكير ميرشايمر، ولكن كيف الدول يمكنها بلوغ الهيمنة؟. يذكر ميرشايمر باستراتيجيتين شاملتين الأولى: تشمل المحاولات المباشرة لاكتساب القوة النسبية، في حين أن الثانية غير مباشرة وتهدف إلى التحقق من المعتدين الاخرين من تحقيق المكاسب([142]). يبدو أن نظرية ميرشايمر في الهيمنة العالمية مستحيلة تقريبا، باستثناء الدولة التي اكتسبت التفوق النووي؛ لأن لها القدرة لتدمير خصومها دون خوف من الانتقام([143]).
ويستنتج ميرشايمر فرضيات حول سلوك القوة العظمى، من أجل التنبؤ من هي الأكثر احتمالا من هذه الاستراتيجيات المختلفة. يقول ميرشايمر، إنه يعمل مع اثنين من المتغيرات التفسيرية: توزيع القوة والموقع الجغرافي، في حين أن المتغيرات المحتملة الأخرى مثل السياسة الداخلية أو التوزيع بين الهجوم والدفاع، تترك المناقشة بها إلى حد كبير على الرغم من استكشافها على نطاق واسع من قبل كتاب الواقعية الأخرى مثل"وولت". المتغير الأكثر أهمية الذي يطالب بوضع استراتيجية لكسب القوة أو استراتيجية للتحقق من العدوان، هو التوزيع الاقليمي للقوة العسكرية، على الرغم من أن الدول -بحسب ما يراه ميرشايمر- تسعى دائماً لتحقيق اقصى قدر من القوة النسبية، وهي تعمل بعقلانية لاحتساب تكلفة وفوائد العدوان، مع الأخذ بنظر الاعتبار قوة الإجراءات المحتملة لمنافسيهم([144]).
ويرى ميرشايمر في توازن القوى العالمي أن أيا من القوتين العظيمتين في الثنائية القطبية قادرتان على إنشاء الهيمنة العالمية بسبب التوزيع المتساوي تقريبا من القوة العالمية. ففي الثنائية القطبية، فإن شن حرب الهيمنة غير عقلاني، لأن هناك قوة أخرى كبيرة في الطرف الآخر تمتلك ما يلزم للدفاع عن نفسها وأجهاض طموحات الهيمنة من جهة أخرى. وبالمثل الابتزاز يبدو أنه غير فعال؛ لأن الخصم الرئيس قادر على المواجهة، ومن المرجح أن يدعم الدولة المستهدفة لإحباط المبتز، ومن ثم ومن المرجح أيضا أن يعمل على إضعاف بعضهم البعض بصورة غير مباشرة باستمرار إراقة الدماء والحروب واستنزاف القدرات، على سبيل المثال، من خلال سباق تسلح مكلف، أو استدراج بعضهم البعض في صراعات لفترات طويلة مع القوى الثانية. هذا في الثنائية القطبية. أما في تعدد الأقطاب فتكون هناك مجالات اوسع للمناورة لأن هناك المزيد من اللاعبين الفاعلين، وتنوع المصالح سيكون محدداً وهذا يجعل من استراتيجية الحرب محدودة ضد القوى الثانوية أو القوى العظمى الفردية، وعلاوة على ذلك يمكن للقوى العظمى أن تقوم بعزل أكثر سهولة وابتزاز الدول الصغيرة، في حين إن احتمال إراقة الدماء ناجحة واستنزاف القدرات سيزيد أيضا بالمقارنة مع الثنائية القطبية. بالمقابل أن حجة الواقعية الجديدة أكثر ديناميكية عن الحرب الكبرى."كوبلاند"يتحدى ميرشايمر بشكل مباشر؛ لأنه يحدد بصورة أكثر وضوحاً عندما يرجح بأن القوى العظمى ستختار أو ستتبع السياسات المتشددة عندما تواجه تراجعاً عميقاً وحتى في ارتفاع القوة النسبية([145]).
تحقيق التوازن يمثل طريقة للتحقق عن طريق ردع أو محاربة المعتدي المتحول من خلال الحشد الداخلي أو عبر تشكيل تحالف. وانسجاما مع معظم الكتابات، التحالف هنا يبدو واقعياً، يقول ميرشايمر"إن التحالفات هي جذابه لتقاسم العبء على التعامل مع المعتدي، لكن التحالفات هي أيضا بطيئة في التشكيل وتميل إلى أن تكون غير فعالة بسبب مشاكل العمل الجماعي، أيضا وعيوبها تجعل من مسؤولية الدول الأقل قوة أن تضيف عبء على التحالفات. أيضا هناك بعض نقاط الضعف في التحالف، وهو ما يسميه ميرشايمر"المسايرة"بوصفها وسيلة للتعامل مع المعتدي، وتحدث عندما يكون حلفاء الخصم أكثر قوة. ويمكن القول أن المسايرة هي طريقة أو وسيلة شائعة للتعامل مع التهديد، وهذه استراتيجية قد تكون أيضا وسيلة مفيدة للتعامل مع الخصوم القوية الأخرى عن طريق ربط نفسه إلى حليف أقوى والحصول على غنائم النصر وتصبح أقوى من الدول الدائرة المحيطة بها. ومع ذلك يستنكر ميرشايمر المسايرة على أسس نظرية بحجة امنها تنتهك ميزان القوى المنطقية؛ لان المسايرة تستلزم تنازلات للأقوى([146])، لهذا يستنكرها ويعدها استراتيجية للضعفاء والأفضل تجنبها. يرى ميرشايمر أن بنية السياسة الدولية هي المفتاح في فهم حالة الصراع التي تعيشها الدول. وعلى وجه التحديد، تعتمد نظرية ميرشايمر على خمسة من الافتراضات الأساسية المشتركة التي تميز الصفات الأساسية في السياسة الدولية([147]):
- لعبة السياسة الدولية في عالم فوضوي، يعني أنه ليس هناك حكومة عالمية لتطبيق القوانين ومعاقبة الجناة.
- لا يمكن لدولة أن تكون متأكدة تماما من أي وقت مضى من نوايا بعضهم البعض، ولا يمكن أن تكون على يقين من أن الدول الأخرى لن تستخدم القوة ضدها. وعلاوة على ذلك، فإن الدول تعاني من نقص حول نوايا بعضهم البعض لأن نواياهم هي في تغير مستمر ويمكن أن تتغير من نوايا حميدة وبسرعة إلى نوايا خبيثة والعكس بالعكس.
- البقاء على قيد الحياة هو الدافع الأساس لجميع الدول في النظام الدولي، ويجب أن يكون البقاء أولوية قصوى، لأن الاستقلال الذاتي للدولة هو شرط أساس لتحقيق جميع الغايات الأخرى.
- الدول هي كيانات عقلانية بالمعنى الفعال للكلمة، وهذا يعني أن التفكير الاستراتيجي نحو وضعهم الخارجي واختيار الاستراتيجية التي تبدو لتعظيم أو زيادة الهدف الأساس من البقاء على قيد الحياة.
واخيراً، تنص نظرية ميرشايمر على امتلاك الدول دائما بعض القدرات العسكرية لتمكينهم من أذى وربما لتدمير بعضها البعض أو تدمير الخصوم. عند مزاوجة هذه الافتراضات سويا، يستنتج ميرشايمر بأن الدول ستدرك الطريقة الأكثر مثالية لضمان البقاء على قيد الحياة تقريبا. في الفوضى، تعظيم القوة النسبية هو الهدف النهائي لتصبح أقوى بكثير من القوة المهيمنة. ومع ذلك لا يمكن لجميع الدول تعظيم القوة النسبية في وقت واحد، ومن ثم فإن النظام الدولي متجه لأن يكون ساحة للمنافسة الأمنية بين الدول لا هوادة فيه طالما ما تزال الفوضى سائده.
وفي ظل التناقضات بين السياسة الخارجية الأمريكية الفعليه والتوقعات الهجومية -من وجهة نظر ميرشايمر- فإن التحدي الحقيقي لبقاء الولايات المتحدة هو الصين على الرغم من كون الصين حاليا ضعيفة عسكريا واقتصاديا وأقل شأن، فالصين من المرجح أن ترتفع، واذا ما حدث ذلك فإنها ستسعى إلى طرد الولايات المتحدة من حديقتها الخلفية، ووضع نفسها على أنها قوة عظمى مهيمنة في آسيا، مما يجعل الحياة صعبة بالنسبة لأمريكا. وهكذا، بدلاً من إضاعة الوقت والمال على حماقات السياسية الخارجية في الخارج، على الولايات المتحدة التركيز على تباطؤ الصين. ويعد ميرشايمر واحداً من أشد المنتقدين للحملة الأمريكية ضد العراق 2003م بالحجة المزعومة"أسلحة الدمار الشامل"، ويشن ميرشايمر أيضا انتقادات شرسة ضد الطريقة التي تدير واشنطن فيها الحرب ضد الارهاب، على الرغم من الواقعية الهجومية التي يؤمن بها ميرشايمر ولكن لديه الكثير ليقوله عن أسباب الإرهاب. ويرى بأنه يجب على الولايات المتحدة أن لا تبدد الموارد في عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد بلدان مثل افغانستان التي تشكل تهديدا ضئيلا. وهو يرى أيضاً أن القوة العسكرية من غير المرجح أن تجلب النصر في الحرب ضد الإرهاب. وإنما ستزيد من تفاقم المشكلة وزيادة العداء في العالم الاسلامي. فما تحتاجه الولايات المتحدة إلى القيام به هو الاعتماد على الاستخبارات والعمليات العسكرية على نطاق صغير للقضاء على الإرهابيين والاهم في محاولة لكسب قلوب وعقول الشعوب الاسلامية وهي ما تسمى اليوم بــ"القوة الناعمة"من اجل الحد من تجنيد الإرهابيين، وهذا بدوره سيحسن صورة الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم([148]). ويبدو هنا ميرشايمر يحمل نظرة واقعية جداً تبعده عن واقعيته الهجومية وتضعه في خانة الواقعيين الذين يؤيدون استخدام القوة الناعمة إلى جانب القوة الصلبة التي دعا اليها"جوزيف ناي"؛ لأن الحرب على الإرهاب مكلفة وتسبب فجوة بين العالم الإسلامي وأمريكا أكثر فأكثر، ومن ثم هناك من يعول على استخدام القوة الناعمة في مواجهة الإرهاب، ولو أنها تبدو استراتيجية غير فعالة وهي جزء من استراتيجية تحديث منطقة الشرق الاوسط؛ لأن القوة الناعمة أصبحت غير مجدية مع الإسلاميين الراديكاليين والمتطرفين على غرار تنظيم"القاعدة"وتنظيم"داعش".
إن عمل ميرشايمر يشكل اضافة هامة إلى الواقعية البنيوية، أي واقعية وولتز، فيعد منطق الفوضى يتفق مع نظرية ميرشايمر الأساسية للواقعية الهجومية في تفسير سلوك الدولة التوسعي، وبهذا يحل ميرشايمر الشذوذ التي لم تحل حتى الآن في الواقعية البنيوية، مثل لماذا سعى عدد من القوة العظمى إلى الهيمنة والسبب في الصراع المتكرر بين الدول، والتي من الصعب للواقعيين الدفاعيين شرحها. في هذه العملية يجعل ميرشايمر أيضا من اسهاماته الهامه في نظرية التحالف ونظرية السياسة الخارجية ويقدم رؤى جديدة في دور القوة والجغرافيا في السياسة الدولية، ومع ذلك ما تزال هناك بعض العيوب والأهم من ذلك المنطق الداخلي للواقعية الهجومية لا يخلو من المشاكل، ونظريته يصاحبها الشذوذ أيضا عندما تواجه مع السجل التجريبي خاصة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة([149]). مع ذلك ليس هناك شك في أن مساهمة ميرشايمر هي تحسناً إلى الواقعية البنيوية وأضواء الطريق نحو نظرية الواقعية البنيوية أكثر اكتمالا مما يمكن أن يعزى بشكل أكثر دقة لكل من سلوك الدولة الدفاعي والهجومي، وعليه فمن المرجح أن ترتيب نظرية ميرشايمر من بين اهم التطورات في الفكر الواقعي الحديث والمعاصر.
هناك تباين بين الواقعيين على بعض القضايا فيما يسمى بالواقعية الهجومية، وترى أن الحفاظ على القوة وتعظيمها هو من أجل ضمان بقائها على قيد الحياة، وتسعى الدول لتعظيم قوتها النسبية على الآخرين([150]) وهذا خلاف متجذر بين الواقعيات التي تضع فرضيات مختلفة حول دوافع الدولة. الواقعية الدفاعية تفترض أن الدول لا تهتم إلا بتعظيم أمنها، في حين أن الواقعية الهجومية تفترض أن الدول تميل إلى تحقيق أقصى قدر من القوة النسبية. هذه الحجة مع ذلك هي غير صحيحة؛ لأن كلا الواقعيتين تبدأ من نفس الافتراضات الأساسية: وهي أن الدول تتصرف بدافع الرغبة في البقاء على قيد الحياة. ويمكن القول أن المناقشة بين الهجومية والدفاعية ليست حول الافتراضات المحفزة، وإنما حول كيفية أن تعيش الدولتان في حالة من الفوضى. وولتز يرى أن الدول تتصرف بشكل أكثر حميدة مما يفصل ميرشايمر الذي يؤكد بقوة نزوع الدول لتحقيق التوازن بقوة ضد أيهما الدولة تصبح اقوى في النظام الدولي([151]). والواقعية الدفاعية لا تفترض بأن العدوانية في سلوك الدول حالة فطرية، فيما تنزع الواقعية الهجومية إلى أن إرادة البقاء تعني"أن حالة الأمن تعبر عن هاجس قلق دائم يحفز الدولة إلى انتهاج سلوك عدواني([152]). هذا الخلاف بين الواقعيتين الدفاعية والهجومية يساعد على تفسير السبب الذي يجعل الواقعيين يختلفون حول مجموعة من القضايا مثل مستقبل أوربا، فالواقعيون الدفاعيون مثل فإن إيفيرا، يرون أن الحرب نادرا ما تكون ذات فائدة، وهي في العادة نتاج النزعة العسكرية والقومية المفرطة، فضلاً عن عوامل أخرى، فإن إيفيرا لا يعتقد بتوفير هذه العوامل في أوربا ما بعد الحرب الباردة، فإنه يخلص إلى أن المنطقة سيسودها السلام. بالمقابل نجد ميرشايمر وغيره من الواقعيين الهجوميين يعتقدون أن الفوضى تدفع القوى الكبرى إلى التنافس بغض النظر عن خصائصها الداخلية، فهم يرون أن مناخ التنافس حول الأمن يسود أوربا بمجرد انسحاب راعِ السلام منها([153]).
يسلط ميرشايمر الضوء على المزاوجة الممكنة من الواقعية الهجومية والواقعية الدفاعية من خلال التأكيد على سلطة الدولة، وذلك لأن الدول تتصرف في بعض الأحيان بموقع دفاعي، وتارة أخرى في موقع هجومي، لتحقيق أقصى قدر من القوة. وبذلك فإن ميرشايمر يفتح الباب أمام اندماج محتمل بين الواقعية الهجومية والواقعية الدفاعية([154]). ويمكن تلخيص فرضيات الواقعية الهجومية بعدة نقاط:
- إن سمة النظام الدولي هي فوضوية.
- إن الدولة هي فاعل عقلاني.
- إن الأهداف الأساسية للدولة تتمثل في إرادتها في البقاء والحفاظ على السلامة الإقليمية.
- كل الدول تمتلك قدرات عسكرية عدوانية ولا سيما القوى العظمى.
- عدم اليقين بنوايا الدول الأخرى، فالنوايا يمكن أن تتغير بسرعة.
- الدول ترتكز على توازنات مقابل القدرات الهجومية من المنافسين المحتملين.
3. الواقعية النيوكلاسيكية
ظهرت الواقعية الكلاسيكية الجديدة للمرة الأولى في عام 1998م في كتابات"جدعون روز"المسماة"الواقعية ونظريات السياسة الخارجية الجديدة"والذي قدم مقاربة جديدة لشرح سلوك السياسة الخارجية. ويعد"راندل، وفريد زكريا، توماس كريستنس، ووليام". من رواد المدرسة الكلاسيكية الجديدة الصاعدة في نظريات السياسة الخارجية التي تدمج النظام الدولي والبنية السياسية الداخلية لشرح سلوك السياسة الخارجية للدول. إنها تحدد على الدول الاهتمام بالمصلحة والهوية وتفضيلها كمتغير يتدخل بين النظام الدولي وسلوك السياسة الخارجية، كما إنها تجلب للدولة مره أخرى في الاعتماد على مقترحات الواقعية الكلاسيكية([155])، وهي تهدف إلى تحديث النهج التقليدي والجديد من خلال دمج المستوى المحلي والفردي مع العوامل النظامية لتحليل السياسة الخارجية. ويرى الواقعيون النيوكلاسيكيون أن السياسات الخارجية للدول هي التي تحرك قدرات القوة النسبية في النظام الدولي، ومع ذلك فهي عملية غير مباشرة ومعقدة وكيفية ترجمتها إلى سياسات خارجية أو استراتيجيات الأمن قد تعتمد على عوامل التدخل المختلفة داخل الدولة نفسها، لذلك صناع القرار الخارجي مقيدون من قبل الهيكل المؤسس المحلي، فضلا عن التهديدات والفرص الخارجية([156]). وهي تدمج بشكل واضح المتغيرات الداخلية والخارجية محوّرة ومصورة رؤى معينة مستقاة من الفكر الواقعي الكلاسيكي، يحاجج دعاتها أن أهداف وطموحات السياسة الخارجية تساق في أغلب المجالات بمكانة الدولة في النظام الدولي، وبشكل أكثر تحديدا قدرات قواتها المادية، وهذا هو السبب لماذا هم واقعيون، هم يحاججون أيضا أن هذه القدرات تؤثر بطريقة غير مباشرة ومعقدة في السياسة الخارجية؛ لأن الضغوط النسقية يجب ترجمتها عبر المتغيرات المتداخلة على مستوى الوحدة، وهذا هو السبب لماذا هم كلاسيكيون جدد([157]).
متغيرات التدخل هي العوامل المحلية والفردية التي تستخدم في تحليل سلوك السياسة الخارجية خلال الأزمة. والواقعية النيوكلاسيكية تعطي لمتغيرات التدخل مكاناً خاصاً لشرح سلوك السياسة الخارجية قصيرة المدى للدولة ولاسيما فترة الأزمة. في هذه الفترة الوكالات الفردية والقيود الداخلية تساعد على فهم وشرح وتوقع سلوك السياسة الخارجية. هذه المتغيرات"التدخل"تختلف عن كل سلوك السياسة الخارجية، وبعض المتغيرات على النحو الآتي؛ القادة وتصوراتهم حول النظام الدولي، البقاء على قيد الحياة السياسية والهياكل المحلية والقدرات المالية والسياسية والعسكرية والآيديولوجية، والهياكل المجتمعية ومعالجة المتغيرات المستقلة، هذه المتغيرات"التدخل"تحتل منهجية مفيدة لسلوك السياسة الخارجية([158]). الواقعية النيوكلاسيكية تشدد على الدور الذي لعبته كل من المتغيرات المستقلة والتدخل، والتي توفر منهجية متميزة حين الجمع بين عوامل مختلفة لتحليل سلوك السياسة الخارجية، توصل المتغيرات يقدم أرضية مفيدة لتفاهمات وتنبؤات السياسة الخارجية للدولة مع الضغوط النظامية ومتغيرات مستوى الوحدة مثل الهياكل السياسية المحلية وتصورات صناع القرار كمتغيرات التدخل([159]) فهي تسعى إلى تفسير سلوك المشكلة عن طريق إضافة بعض المتغيرات غير المادية. ونتيجة لهذا النهج تؤدي نظرية النيوكلاسيكية ثلاث خطوات: الأولى المتغير المستقبلي"القوة النسبية للدولة في النظام الدولي"، الثانية: المتغير المحلي"حزام النقل"والتي يتم من خلالها تصفية الضغوط النظامية، والخطوة الثالثة: المتغير الخارجي"نتائج السياسة الخارجية"كل تلك المتغيرات هي من اجل فهم العلاقة بين القوة النسبية والسياسة الخارجية للدولة وهناك حاجة إلى تحليل العوامل الفردية والمحلية التي تأخذ بنظر الاعتبار تلك العوامل([160]).
إن التعامل مع القوة النسبية وتأثيرها على السياسة الخارجية، يعكس صورة الارتباط الطويل الأمد بين النمو الاقتصادي والتوسع العسكري (النفوذ العسكري)، على العكس عندما يحدد التراجع الاقتصادي النسبي، فقد يؤدي إلى سياسات أقل قوة. التصور وسوء الفهم في العلاقات الدولية وفقا للواقعية النيوكلاسيكية ومعتقدات صناع القرار تؤثر بقوة على العلاقة بين القوة النسبية والسياسة الخارجية. قد تكون هذه المعتقدات غير صحيحة أو تسبب تشوهات غير متوقعة من قبل الواقعية البنيوية أو الجديدة، ومن ثم وجهة نظر الواقعية النيوكلاسيكية تسمح للمراوغات مثل تدمير"غروباتشوف"الاتحاد السوفيتي من خلال محاولات تعزيز ذلك([161]). ولهذا الواقعية النيوكلاسكية تبحث في المتغيرات بما في ذلك السياسة الداخلية، سلطة الدولة والعمليات وتصورات القادة وتأثير الافكار لشرح كيفية رد فعل الدول على الصعيد الدولي([162]). وعليه فإن الواقعية النيوكلاسيكية تضع تأثير الأفكار جنبا إلى جنب مع ضرورات القوة المادية في صنع السياسة الخارجية([163]).
إذاً، تعد الواقعية النيوكلاسيكية محاولة مهمة وجديدة في تخفيف حدة الفصل بين البيئتين الداخلية والخارجية، بعد النفي التام بينهما من قبل الواقعيين السابقين بنظرياتهم المختلفة، بحيث قدمت-الواقعية النيوكلاسيكية- مواقف وصفت بالمعتدلة، لتشكل بذلك مبادرة إيجابية لإعادة النظر في مستويات التحليل المعتمدة في تفسير السلوك الخارجي وإعطاء أهمية للمحددات الداخلية إلى جانب المحددات النسقية. شكلت هذه المواقف بالنسبة للواقعية النيوكلاسكية تحولا عميقا لدى المدرسة الواقعية فيما يتعلق بالحدود الفاصلة بين ما هو داخلي وما هو خارجي، لتفتح المجال امام ضرورة إعادة النظر حول تأثير المحددات الداخلية في توجيه السياسة الخارجية وإزالة ذلك الفصل الصلب بينهما([164]).
تفترض نظريات السياسة الخارجية بأن السياسة الخارجية هي امتداد أو نتاج مباشر للسياسة الداخلية، وأن قضايا مثل الآيديولوجية والثقافة والاقتصاد كثيرا ما يستشهد بها أنها هي العوامل التي تقوم بتشكيل سياسات الدول الخارجية. وقد وجهت"روز"انتقادات إلى منظري السياسة الخارجية بسبب فشلهم في تفسير لماذا تتصرف الدول المتشابهة بشكل مختلف والعكس بالعكس. ويطلق على الواقعيين الهجوميين بالعدوانيين، حيث أن العالم -في تصور"هوبس"- هو الذي تسعى فيه الدول إلى دول قلقة تتنافس على موضع ضمن هذا الاطار القائم على الفوضى. ومن وجهة نظر روز، فإن الواقعية الهجومية سريعة السقوط؛ لأن الدول في المناصب الهيكلية المتشابهة تتصرف بشكل مختلف في كثير من الأحيان. كذلك هو يصور الواقعية الدفاعية انه فوضوي في الأساس، إلا أنهم يصورون الفوضى أكثر حميدة. وترى الواقعية الدفاعية أن الدول بإمكأنها أن تتعامل مع معظم التهديدات الخارجية من خلال تعديل ميزان القوى. كما ويندلع العنف الدولي فقط في بعض حالات الخوف المحددة أو عند التعامل مع دول مارقة غير عقلانية، وتتكون السياسة الخارجية بنزعة سليمة إلى حد كبير كرد فعل للعوامل النظامية. أما الواقعية النيوكلاسيكية ترفض افتراض أن الأمن هو هدف الدولة الوحيد، وبدلا من ذلك ترى بأن الدول تحاول استخدام قوتها لتوجيه النظام الدولي نحو اهدافها وأولوياتها الخاصة. ولذلك فإن الدول الأقوى تعتمد سياسات خارجية بعيدة المدى وهكذا فإن الوحدات الدولية الموجودة ضمن مستوى واحد محددة في سياساتها الدولية ومحددة الاستجابات([165]).
الخاتمة والاستنتاجات
لم تعد النظرية الواقعية تلك النظرية التقليدية التي وضعها"هانز موركنثاو"الذي عد بها القوة والمصلحة هما الاساس في السياسة الدولية انطلاقاً من البيئة الفوضوية المشجعة على شن الحرب والمترسخة في السلوك الانساني التي أوجدها مفكرو النظرية الواقعية السياسية أمثال"توماس هوبس"ومن قبله"ثيوسيديدس وميكيافيللي"، بل تجددت تلك النظرية وتفرعت في تجددها، فالواقعية الجديدة أو البنيوية التي أوجدها"كينيث وولتز"والتي احدثت شرخاً في الواقعية التقليدية نهاية سبعينيات القرن الماضي أي فترة الحرب الباردة، والتي انسلخت منها فيما بعد بنهاية الحرب الباردة نظريتا الواقعية الدفاعية والهجومية، ومن ثم أعادت أحياء الواقعية التقليدية مرة أخرى ولو بشكل مختلف من خلال طروحات الواقعية النيوكلاسيكية منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي، والتي ركزت على العلاقة بين البيئة الداخلية في فهم السلوك الخارجي من خلال إدراك صانع القرار السياسي، والتي مثلها كل من"جدعون روز وفريد زكريا وغيرهم".
ومن خلال أستعراض هذه الدراسة للنظرية الواقعية وفروعها بعد الحرب العالمية الثانية وحتى وقتنا هذا، سنلاحظ بأن كل منها_ النظريات الواقعية- يمثل مرحلة تاريخية وسياسية مهمة جاءت أنسجاما مع الفكر السياسي الامريكي وتطلعات السياسة الخارجية الأمريكية لتلك المراحل التاريخية التي شهدها النظام العالمي، فالواقعية التقليدية التي جاءت منتقدة للمدرسة المثالية في فشلها المتكرر في أيجاد مجتمع دولي مستقر بعد الحرب العالمية الاولى وفشلها في الحرب العالمية الثانية، لتكون الدعامة الاساسية في مواجهة التطلعات النازية والفاشية انطلاقا من سياسة الامر الواقع أي ما هو كائن، وليس ما يجب أن يكون وفق مفهوم المدرسة المثالية، ومن ثم مثلت الواقعية التقليدية عنصر المواجهة خلال فترة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي قبل أن يشرخها"كينث وولتز"بالواقعية الجديدة والتي لم تختلف كثيرا عن النظرية الأم، إلا أنها مثلت تلك النظرية تطلعات السياسة الخارجية الامريكية في مرحلة متقدمة من الحرب الباردة منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي أي نهايات الحرب الباردة وسياسة الوفاق بين القوتين العالميتين ومن ثم تدمير"غروباتشوف"وتفكك الاتحاد السوفيتي. ليجد الفكر السياسي الامريكي بعد ذلك أي فترة ما بعد الحرب الباردة نظريتي الواقعية الدفاعية والهجومية وهي فترة هيمنة الولايات المتحدة على النظام الدولي وبروز تيار المحافظين الجدد بشكل كبير في الادارة الامريكية، تلك النظريتين التي اختلفتا على درجة توفر الامن في النظام الدولي وأي الاسلوب أنجح في بقاء الدولة على قيد الحياة هل هو الوضع الدفاعي أم الهجومي؟ كان لهما تأثير كبير على الاستراتيجية العسكرية الامريكية التي شهدت حالة الانتقال من استراتيجية الدفاع إلى استراتيجية"التدخل الوقائي"، التي تجسد ميدانياً في مفهومي الضربة الوقائية والضربة الاستباقية، والتي تمثلت بالحرب على الإرهاب والدول المارقة ومحور الشر ومواجهتها بالاستراتيجية الهجومية انطلاقا من المفهوم الدفاعي والحفاظ على الامن القومي الامريكي من أي تهديد، ومحاصرة الدول المرشحة لمنافسة الولايات المتحدة الامريكية في النظام العالمي، وهذا ما أكدته دراسات"بريجنسكي"، و"ميرشايمر"منظر الواقعية الهجومية انطلاقا من ما يسميه ميرشايمر"التناقضات بين السياسة الخارجية الامريكية الفعلية والتوقعات الهجومية"؛ لأن التحدي الحقيقي لبقاء الولايات المتحدة هو الصين على الرغم من كونه حاليا ضعيفاً عسكريا واقتصاديا واقل شأنا، إلا أن الصين مرشحة لمنافسة الولايات المتحدة ومن المرجح أن ترتفع واذا ما حدث ذلك أنها ستسعى إلى طرد الولايات المتحدة من حديقتها الخلفية.
ولهذا تعد النظرية الواقعية بمجمل تفرعاتها هي تجسيد للفكر السياسي الامريكي الحديث والمعاصر منذ الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا، والتي اتسقت مع تطلعات السياسة الخارجية الامريكية في التغيرات الحاصلة في بنية النظام الدولي، لتنجح تلك النظرية في قيادة الولايات المتحدة إلى تسيد النظام الدولي ومجابهة كل التطلعات المناوئة لها، ونجحت ايضا في الحد من شن الحروب العالمية بين الدول العظمى والتي فشلت فيها المدرسة المثالية من قبل. فاستراتيجية الولايات المتحدة الامريكية اليوم هي هجومية فيما يتعلق بالحرب على الارهاب والتنظيمات المتطرفة، ومواجهة الارهاب والتطرف في مناطق تفريخه أي في منطقة الشرق الاوسط حفاظا على المصالح الامريكية في المنطقة وحفاظا على حلفائها ايضا قبل التمدد إلى امريكا وتهديده للأمن القومي الامريكي، وهذا هو جوهر مفهوم النظرية الواقعية وتأثيرها على الفكر السياسي الامريكي وعقيدته العسكرية. وهناك بعض الاستنتاجات التي خرجت بها الدراسة وهي كالآتي:
- لم تكن هناك مرحلة تاريخية معينة لولادة النظرية الواقعية، وإنما كانت عبر مراحل تاريخية طويلة، أبتداء من الفلسفة الإغريقية وحتى وقتنا الحاضر، وما زالت تلك النظرية في تجدد مستمر.
- يعد مفهوم القوة والمصلحة محور طروحات النظرية الواقعية بمختلف مسمياتها، وحتى مفهوم المصلحة يتحدد في إطار مفهوم القوة، كما هو الحال للمعيار الأخلاقي الذي يتحدد في إطار المصلحة أيضاً.
- تعد النظرية الواقعية بمختلف تطورها التاريخي هي تجسيد للفكر السياسي والروح التوسعية الامريكية، وهي تعبر عن سر النجاح الأمريكي في السياسة الدولية وروح التفكير للعقل الأمريكي. حيث أنسجمت مع التطلعات الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة، ومن ثم الحرب على الإرهاب...الخ.
- تعرف الواقعية التقليدية القوة بمعناها الشامل المادي وغير المادي، القوة العسكرية والاقتصادية وقوة التأثير في الرأي العام، أما الواقعية البنيوية كانت تنظر إلى القوة بمعناها المادي والعسكري وقدرة الدولة في اخضاع الدول الأخرى بالقوة العسكرية.
- رغم الاختلاف بين الواقعية التقليدية والهجومية حول مفهوم الفوضى، حيث تعتقد الأولى بأن الفوضى مترسخة في الطبيعية البشرية، أما الثانية التي ترى بأنها مترسخة في طبيعة النظام الدولي، ورغم ذلك الاختلاف إلا أن النتيجة واحدة بالنسبة لسلوك الدولة على الصعيد الخارجي.
- تعبر الواقعيتان الدفاعية والهجومية عن وجهين مختلفين من الواقعيات، فالواقعية الدفاعية أوجدت ما يسمى بالواقعية التعاونية أو اطلق عليها هذا الاسم نتيجة دعواتها بأنشاء المؤسسات الاقتصادية العالمية للحد من حالة الحرب. أما الواقعية الهجومية فيطلق عليها بالواقعية العدوانية، نتيجة أيمانها بفوضوية الساحة الدولية وحالة الحرب والصراع بين الدول.
المصادر
اولا: الكتب العربية والمترجمة
- ابدوريا، المدخل الى العلوم السياسة(النظريات الاساسية في نشأة الدولة)ت/ نوري محمد حسين،ط1،جامعة اوستين، 1988.
- ابو خزام، ابراهيم، الحروب وتوازن القوى (دراسة شاملة لنظرية توازن القوى وعلاقاتها الجدلية بالحرب والسلام)، ط2، دار الكتب الجديدة المتحدة، بيروت-لبنان، 2009.
- ابو جابر، فايز صالح، الفكر السياسي الحديث، بــ ط، دار الجيل، بيروت، 1985.
- ابو ريان، محمد علي، الفلسفة ومباحثها، ط4، دار المعارف، الاسكندرية، بـ /ت.
- برايار، فليب وجليلي، محمد رضا، العلاقات الدولية، ت/حنان فوزي حمدان، ط1، مكتبة الهلال، بيروت، 2009.
- بلاتونوف، اوليغ، لهذا كلة ستنقرض امريكا(الحكومة العالمية الخفية)، ت/ ئائله موسى وايرنيا بولمشينكايا، ط1، دار الحصاد للطباعة والنشر، دمشق، 2002.
- جلال، شوقي، العقل الامريكي يفكر، ط2، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1997.
- ديلودال، جيرار، الفلسفة الامريكية، ت/ جورج كتوره والهام الشعراني، المنظمة العربية للترجمة بالتعاون مع مؤسسة راشد آلـ مكتوم، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2009.
- روسو، جان جاك، في العقد الاجتماعي ومبادئ القاموس السياسي، ت/ عبد العزيز لبيب، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2011.
- طشطوش، هايل عبد المولى، مقدمة في العلاقات الدولية، بـ /ط، 2010.
- غريفتش، مارتن واوكالاهان، ميري، المفاهيم الاساسية في العلاقات الدولية، ترجمة مركز ابحاث الخليج، ط1، الامارات.
- العقابي، علي عودة، العلاقات الدولية(دراسة تحليلية في الاصول والنشأة والتاريخ والنظريات، بـ ط، بغداد، 2010.
- عبد الحافظ، عادل فتحي، النظرية السياسة المعاصرة(دراسة في النماذج والنظريات التي قدمت لفهم وتحليل عالم السياسة، ط1، الدار الجامعية، الاسكندرية، 2007.
- عودة، جهاد، النظام الدولي(نظريات واشكاليات)، ط1، دار الهدى للنشر والتوزيع، 2005.
- فرانكل، جوزيف، العلاقات الدولية، ت/ غازي عبد الرحمن القصيبي، ط2، تهامة للنشر، السعودية-جدة، 1984.
- فرج، انور محمد، نظرية الواقعية في العلاقات الدولية، ط1، مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية، السليمانية، 2007.
- فهمي، عبد القادر محمد، الفكر السياسي والاستراتيجي للولايات المتحدة الامريكية(دراسة في الافكار والعقائد ووسائل البناء الامبراطوري)، بـ ط، دار الشروق، عمان، 2009.
- قربان، ملحم، قضايا الفكر السياسي"الحقوق الطبيعية"، ط1، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات، بروت،1983.
- قربان، ملحم، الواقعية السياسية، ط3، المؤسسة الجامعية للدراسات، بيروت، 1981، ص 96.
- لونجي، كليفورد، الشعب المختار الاسطورة التي شكلت انجلترا وامريكا، ت/ قاسم عبد قاسم، ج1، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، 2003.
- مرقس، سمير، الامبراطورية الامريكية(ثلاثية الثروة..الدين.. القوة) من الحرب الاهلية الى ما بعد 11/سبتمبر، ط1، دار الشروق الدولية، 2003.
- ميكيافيللي، نيقولا، الامير، ترجمة: خيري حمادي، ط التاسعة، مكتبة التحرير، بغداد، 1988.
- مهران، محمد ومدين، محمد، مقدمة في الفلسفة المعاصرة، بــ ط، دار قباء للطباعة والنشر، القاهرة، 2004.
- موريس، تشارلس، رواد الفلسفة الامريكية، ت/ ابراهيم مصطفى ابراهيم، مطابع رويال، القاهرة – الاسكندرية، 1996.
- مقلد، اسماعيل صبري، العلاقات السياسية الدولية(دراسة في الاصول والنظريات)، بــ/ ط، المكتبة الاكاديمية، القاهرة، 1991.
- هلال، رضا، تفكك امريكا، ط2، الشركة الاعلامية للطباعة والنشر، 2001.
- ويلكينسون، بول، العلاقات الدولية، ت/ لبنى عماد تركي، ط1، مؤسسة هنداوي، القاهرة، 2013، 2013.
ثانياً: الرسائل والاطاريح:
- ابراهيم، عبد الامير عبد الحسن، المنهج الواقعي واثره على السياسة الخارجية الامريكية، رسالة ماجستير، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 2009.
- بأسماعيل، عبد الكريم، الابعاد الاستراتيجية لتدخل الولايات المتحدة الامريكية في العراق 1990-2008، رسالة ماجستير، كلية العلوم السياسية والاعلام قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة الجزائر (دالي ابراهيم)، الجزائر، 2010.
- توفيق، حكيمي، الحوار النيوواقعي والنيوليبرالي حول مضامين الصعود الصيني(دراسة الرؤى المتضاربة حول دور الصين المستقبلي في النظام الدولي، مذكرة مقدمة لنيل درجة الماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم العلوم السياسية، جامعة باتنه- باكير، الجزائر، 2008.
- صالح، دانا علي، المتغيرات المؤثرة في التعاون الدولي بعد الحرب الباردة(دراسة في تأثيرات ثورة الاتصالات)، اطروحة دكتورا، كلية العلوم السياسة، جامعة السليمانية، 2011.
- حمزاوي، جويد، التطور الامني الأوربي: نحو بنية أمنية شاملة وهوية استراتيجية في المتوسط، مذكرة مكملة مقدمة لنيل درجة الماجستير في كلية العلوم السياسية، جامعة الحاج لخضر-باتنه، كلية الحقوق والعلوم السياسية / قسم العلوم السياسية، الجزائر، 2001.
- خليل، جلال حامد، وحدة الدولة وتجزئتها(دراسة في العامل القومي)، رسالة ماجستير، كلية العلوم السياسة، جامعة بغداد، 2000.
- علي، مدوني قصور بناء متطلبات الدولة في الدولة في افريقيا وانعكاساتها على الامن والاستقرار فيها، اطروحة دكتوراه، جامعة محمد خيضر –بسكره، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، الجزائر، 2014.
- معمري، خالد، التنظير في الدراسات الامنية لفترة ما بعد الحرب الباردة(دراسة في الخطاب الامني الامريكي بعد 11/سبتمبر)، مذكرة لنيل درجة الماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم العلوم السياسية، جامعة باتنه، الجزائر، 2008.
- نصيب، عتيقة، العلاقات الجزائرية المغربية في فترة مابعد الحرب الباردة، مذكرة مكملة لنيل درجة الماجستير في العلوم السياسة، كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم العلوم السياسية، جامعة محمد خيضر- بسكره، الجزائر، 2012.
ثالثاً: البحوث:
- ابو زيد، أحمد محمد، كينيث والتز: خمسون عاما من العلاقات الدولية (1959_2009) دراسة استكشافية، مجلة المستقبل العربي للعلوم السياسية، العدد ٢٧، مجلة دورية تصدر عن الجمعية العربية للعلوم السياسية بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت ٢٠١٠.
- جندلي، عبد الناصر، النظريات التفسيرية للعلاقات الدولية بين التكيف والتغير في ظل تحولات ما عد الحرب الباردة، مجلة المفكر، مجلة علمية محكمة متخصصة في الحقوق والعلوم السياسية، العدد 5، جامعة محمد خيضر-بسكرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، 2010.
- راضي، سمير جسام، مفهوم التعاون الدولي في المدارس الفكرية للعلاقات الدولية، مجلة العلوم السياسية، العدد45،جامعة بغداد/كلية العلوم السياسية، 2012.
- سالم، احمد علي، القوة والثقافة وعالم مابعد الحرب الباردة: هل باتت المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية شيئاً من الماضي؟ المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد20، بيروت، 2008.
- غيّوم، اكزافييه، العلاقات الدولية، ترجمة: قاسم المقداد، مجلة الفكر السياسي تصدر عن اتحاد الكتاب العرب العددان 11-12 مزدوج، المؤسسة العربية السورية لتوزيع المطبوعات، دمشق 2003.
- مارسدن، جورج، الدين والثقافة الامريكية، ترجمة: صادق ابراهيم عودة، عرض يوسف يوسف، بيت الحكمة، دراسات سياسية، العدد9، السنة الرابعة، بغداد، 2001.
- مصطفى، نادية محمود، نظرية العلاقات الدولية بين المنظور الواقعي والدعوة إلى منظور جديد، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، 1985.
- ميد، ولتر راسل، بلاد الرب والسياسة الخارجية الامريكية، ترجمة: امير روش، مسارات، العدد الاول، السنة الرابعة، مجلة فكرية ثقافية، بغداد، 2009.
- النعيمي، احمد نوري، البنيوية العصرية في العلاقات الدولية، مجلة العلوم السياسية، العدد 46، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 2013.
- نومان، عصام عبد الحسين، الفكر التوسعي الامريكي(دراسة فلسفية في تأصيل المفهوم)، مركز بابل للدراسات الانسانية، العدد2، جامعة بابل، 2013.
- اليحياوي، يحيى، القوة الناعمة: أو في التمظهرات الجديدة لتسلط، المستقبل العربي، العدد369، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، 2009.
رابعاً: مواقع الانترنيت:
- ابراهيم، بولمكاحل، تطور اتجاهات المدرسة الواقعية في تحليل العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، http://politics-ar.com/ar2/?p=3062
- بومنجل خالد، واخرون، اهم التيارات المهيمنة في العلاقات الدولية، بحث منشور، جامعة قسنطينة، كلية العلوم السياسية، الجزائر، 1014، ص6. انظر الرابط: http://goo.gl/qXrcOe
- زقاغ، عادل، العقلانية، انظر الرابط: http://goo.gl/uZ8Sh4
- شاهين، سوسن زهدي، هل النظرية مفتاح لفهم الاحداث الدولية، http://www.alalam.ir/news/28333
- عبد المنصف، مي حسين، النظرية الواقعية الكلاسيكية في العلاقات الدولية، الحوار المتمدن، العدد 4068، 2013. انظر الرابط: http://goo.gl/dD6Atm
- ميرشايمر، جون، العالم الحقيقي والعالم الاكاديمي، ترجمة جلال خشيب، الحوار المتمدن، العدد 3854، 20012، http://goo.gl/FrvTIz
- ناصر، سمير محمود، مقدمة في الواقعية السياسية، الحوار المتمدن، العدد 1686، 2006، انظر الرابط: http://goo.gl/hgjtrH
- وادي، عبد الكريم سلمان، ملخص حول النظريات في العلاقات الدولية، مركز راشيل كوري الفلسطيني لحقوق الانسان ومتابعة العدالة الدولية، 2013، انظر الرابط: http://goo.gl/RFsB
- وولت، ستيفن،"العلاقات الدولية: عالم واحد، نظريات متعددة،ترجمة: زقـــــــــــاغ عادل و زيدان زياني، ص2. نقلا عن موقع: http://goo.gl/JS8Md2
خامساً: المصادر الانكليزية:
• Anne-Marie Slaughter، International Relations، Principal Theories، http://goo.gl/AQX5YN.
• Gideon Rose، Neoclassical Realism and Theories of Foreign Policy، World Politics، Volume 51، Issue 1 (Oct.، 1998).
• John J. Mearsheimer،World Offensive Realism and the Struggle for Security، New York:2001. http://goo.gl/aGPMV4.
• John J. Mearsheimer، an offensive realist between geopolitics and power، Palgrave Macmillan، Volume 8، Number 4، December 2005. http://goo.gl/UZrKqZ.
• Nicoletta lasan and vasily goldis، Neorealist / neoliberal and Security، http://goo.gl/ttnxk4.
• Nicholas Kitchen، Systemic pressures and domestic ideas: a neoclassical realist model of grand strategy،2012. http://goo.gl/FW70AX.
• Richard rosecrance، powar and International Relations:The Rise of China and Its Effects، 2006، http://goo.gl/F5BS2K.
• Umran،Ucbas،، neoclassical reajism in anlysiv grlsis mangemnt: the case of Turkish foreign policy crises،، http://goo.gl/zMUfGz.
• William A. Galston، Realism in political Theory،The Brookings Institution، Draft 1، August 2007. http://goo.gl/sKZAFs.
[1] - بومنجل خالد، واخرون، اهم التيارات المهيمنة في العلاقات الدولية، بحث منشور، جامعة قسنطينة، كلية العلوم السياسية، الجزائر، 1014، ص6. انظر الرابط: http://goo.gl/qXrcOe.
[2] - علي، مدوني قصور بناء متطلبات الدولة في الدولة في افريقيا وانعكاساتها على الأمن والاستقرار فيها، اطروحة دكتوراه، جامعة محمد خيضر – بسكره، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، الجزائر، 2014،ص 61.
[3] - بأسماعيل، عبد الكريم، الابعاد الاستراتيجية لتدخل الولايات المتحدة الأمريكية في العراق 1990-2008، رسالة ماجستير، كلية العلوم السياسية والاعلام قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة الجزائر (دالي ابراهيم)، الجزائر، 2010، ص8.
[4] - غريفتش، مارتن واوكالاهان، ميري، المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية، ترجمة مركز ابحاث الخليج، ط1، الامارات، 2008، ص 454.
[5] - توفيق، حكيمي، الحوار النيوواقعي والنيوليبرالي حول مضامين الصعود الصيني(دراسة الرؤى المتضاربة حول دور الصين المستقبلي في النظام الدولي، مذكرة مقدمة لنيل درجة الماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم العلوم السياسية، جامعة باتنه- باكير، الجزائر،2008، ص 11.
[6] - النعيمي، احمد نوري، البنيوية العصرية في العلاقات الدولية، مجلة العلوم السياسية، العدد 46، جامعة بغداد، 2013، ص 41.
[7] - ابراهيم، عبد الأمير عبد الحسن، المنهج الواقعي واثره على السياسة الخارجية الأمريكية، رسالة ماجستير، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 2009، ص 34.
[8] - فرج، انور محمد، نظرية الواقعية في العلاقات الدولية، ط1، مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية، السليمانية، 2007، ص180-181.
[9] - ابراهيم، عبد الأمير عبد الحسن، مصدر سبق ذكرة، ص 35.
[10] - فرج، انور محمد، المصدر السابق، ص 181.
[11] - بومنجل خالد، واخرون، مصدر سبق ذكرة، ص7.
[12] - ابراهيم، عبد الأمير عبد الحسن، مصدر سبق ذكرة، ص 35.
[13] - عبد المنصف، مي حسين، النظرية الواقعية الكلاسيكية في العلاقات الدولية، الحوار المتمدن، العدد 4068، 2013. انظر الرابط: http://goo.gl/dD6Atm
[14] - ويلكينسون، بول، العلاقات الدولية، ترجمة: لبنى عماد تركي، ط1، مؤسسة هنداوي، القاهرة، 2013، 2013، ص1.
[15] - فرج، انور محمد، مصدر سبق ذكرة، ص 190.
[16] - المصدر نفسة، ص 194.
[17] - ناصر، سمير محمود، مقدمة في الواقعية السياسية، الحوار المتمدن، العدد 1686، 2006، انظر الرابط: http://goo.gl/hgjtrH.
[18] - زقاغ، عادل، العقلانية، انظر الرابط: http://goo.gl/uZ8Sh4
[19] - ابراهيم، عبد الأمير عبد الحسن، مصدر سبق ذكرة، ص 37.
[20] - قربان، ملحم، قضايا الفكر السياسي"الحقوق الطبيعية"، ط1، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات، بروت،1983ص198.
[21] - النعيمي، احمد نوري، مصدر سبق ذكرة، ص 41.
[22] - بأسماعيل، عبد الكريم، مصدر سبق ذكرة، ص8.
[23] - علي، مدوني، مصدر سبق ذكرة، ص 61.
[24] - ابراهيم، عبد الأمير عبد الحسن، مصدر سبق ذكره، ص 16.
[25] - روسو، جان جاك، في العقد الاجتماعي ومبادئ القاموس السياسي، ت/عبد العزيز لبيب، ط1،مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2011، ص13.
[26] - العقابي، علي عودة، العلاقات الدولية(دراسة تحليلية في الأصول والنشأة والتاريخ والنظريات، بـ ط، بغداد، 2010، ص12.
[27] - فرج، انور محمد، مصدر سبق ذكرة، ص 192.
[28] - برايار، فليب وجليلي، محمد رضا، العلاقات الدولية، ترجمة: حنان فوزي حمدان، ط1، مكتبة الهلال، بيروت، 2009، ص14.
[29] - ابراهيم، عبد الأمير عبد الحسن، مصدر سبق ذكرة، ص 15.
[30] - خليل، جلال حامد، وحدة الدولة وتجزئتها(دراسة في العامل القومي)، رسالة ماجستير، كلية العلوم السياسة، جامعة بغداد، 2000، ص 18.
[31] - ابدوريا، المدخل إلى العلوم السياسة(النظريات الأساسية في نشأة الدولة) ترجمة: نوري محمد حسين، ط1، جامعة اوستين، 1988، ص 17.
[32] - ابو جابر، فايز صالح، الفكر السياسي الحديث، بــ ط، دار الجيل، بيروت، 1985، ص 71.
[33] - بإسماعيل، عبد الكريم، مصدر سبق ذكرة، ص 9.
[34] - نصيب، عتيقة، العلاقات الجزائرية المغربية في فترة ما بعد الحرب الباردة، مذكرة مكملة لنيل درجة الماجستير في العلوم السياسة، كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم العلوم السياسية، جامعة محمد خيضر- بسكره، الجزائر، 2012، ص 39.
[35] - وادي، عبد الكريم سلمان، ملخص حول النظريات في العلاقات الدولية، مركز راشيل كوري الفلسطيني لحقوق الإنسان ومتابعة العدالة الدولية، 2013، انظر الرابط: http://goo.gl/RFsB6L.
[36] - معمري، خالد، التنظير في الدراسات الأمنية لفترة ما بعد الحرب الباردة(دراسة في الخطاب الأمني الأمريكي بعد 11/سبتمبر)، مذكرة لنيل درجة الماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم العلوم السياسية، جامعة باتنه، الجزائر، 2008، ص79.
[37] - عبد المنصف، مي حسين، مصدر سبق ذكرة.
[38] - فرج، انور محمد، مصدر سبق ذكرة، ص 205- 206.
[39] - فهمي، عبد القادر محمد، الفكر السياسي والاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية(دراسة في الافكار والعقائد ووسائل البناء الامبراطوري)، بـ ط، دار الشروق، عمان، 2009، ص 34.
[40] - ميد، ولتر راسل، بلاد الرب والسياسة الخارجية الأمريكية، ترجمة: امير روش، مسارات، العدد الأول، السنة الرابعة، بغداد، 2009، ص8.
[41] - مارسدن، جورج، الدين والثقافة الأمريكية، ترجمة: صادق ابراهيم عودة، عرض يوسف يوسف، بيت الحكمة، دراسات سياسية، العدد9، السنة الرابعة، بغداد، 2001، ص145.
[42] - لونجي، كليفورد، الشعب المختار الاسطورة التي شكلت انجلترا وأمريكا، ترجمة: قاسم عبد قاسم، ج1، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، 2003، ص23.
[43] - مرقس، سمير، الامبراطورية الأمريكية(ثلاثية الثروة..الدين.. القوة) من الحرب الاهلية إلى ما بعد 11/سبتمبر، ط1، دار الشروق الدولية، 2003، ص43.
[44] - بلاتونوف، اوليغ، لهذا كلة ستنقرض أمريكا(الحكومة العالمية الخفية)، ترجمة: ئائله موسى وايرنيا بولمشينكايا، ط1، دار الحصاد للطباعة والنشر، دمشق، 2002، ص18.
[45] - هلال، رضا، تفكك أمريكا، ط2، الشركة الاعلامية للطباعة والنشر، 2001، ص102.
[46] - المصدر نفسة، ص 97.
[47] - مرقس، سمير، مصدر سبق ذكرة، ص47.
[48] - فرج، انور محمد، مصدر سبق ذكرة، ص 209-210وص 295.
[49] - فهمي، عبد القادر محمد، مصدر سبق ذكرة، ص 65.
[50] - ابو جابر، فايز صلح، مصدر سبق ذكرة، ص171-172وص 180.
[51] - مهران، محمد ومدين، محمد، مقدمة في الفلسفة المعاصرة، بــ ط، دار قباء للطباعة والنشر، القاهرة، 2004، ص30.
[52] - ابو جابر، فايز صالح، مصدر سبق ذكرة، ص 177. وأيضا: فرج، انور محمد، ص 211.
[53] - فرج انور، مصدر سبق ذكرة، ص213.
[54] - نومان، عصام عبد الحسين، الفكر التوسعي الأمريكي(دراسة فلسفية في تأصيل المفهوم)، مركز بابل للدراسات الإنسانية، العدد2، جامعة بابل، 2013، ص67-68.
[55] - هلال، رضا، مصدر سبق ذكرة، ص 21- 22.
[56] - ابو ريان، محمد علي، الفلسفة ومباحثها، ط4، دار المعارف، الاسكندرية، بـ /ت، ص 24- 25.
[57] - ديلودال، جيرار، الفلسفة الأمريكية، ترجمة: جورج كتوره والهام الشعراني، المنظمة العربية للترجمة بالتعاون مع مؤسسة راشد آلـ مكتوم، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2009، ص29.
[58] - موريس، تشارلس، رواد الفلسفة الأمريكية، ترجمة: ابراهيم مصطفى ابراهيم، مطابع رويال، القاهرة – الاسكندرية، 1996، ص210-211.
[59] - جلال، شوقي، العقل الأمريكي يفكر، ط2، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1997، ص111.
[60] - اليحياوي، يحيى، القوة الناعمة: أو في التمظهرات الجديدة لتسلط، المستقبل العربي، العدد369، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، 2009،ص29.
[61] -. Nicholas Kitchen، Systemic pressures and domestic ideas: a neoclassical realist model of grand strategy،2012،p.127. http://goo.gl/FW70AX
[62] - مرقس، سمير، مصدر سبق ذكرة، ص 67.
[63] - معمري، خالد، مصدر سبق ذكرة، ص82- 83.
[64] - سالم، احمد علي، القوة والثقافة وعالم ما بعد الحرب الباردة: هل باتت المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية شيئاً من الماضي؟ المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد20، بيروت، 2008، ص125.
[65] - ابراهيم، عبد الأمير عبد الحسن، مصدر سبق ذكرة، ص13.
[66] - مقلد، اسماعيل صبري، العلاقات السياسية الدولية(دراسة في الأصول والنظريات)، بــ/ ط، المكتبة الاكاديمية، القاهرة، 1991، ص19. وأيضا: سالم، احمد علي، مصدر سابق، ص 122وص 103.
[67] - سالم، احمد علي، مصدر سابق، ص 122-123.
[68] - قربان، ملحم، الواقعية السياسية، ط3، المؤسسة الجامعية للدراسات، بيروت، 1981، ص 96.
[69] - عودة، جهاد، النظام الدولي(نظريات واشكاليات)، ط1، دار الهدى للنشر والتوزيع، 2005، ص31-32.
[70] - فرج، انور محمد، مصدر سبق ذكرة، ص333.
[71] - فرانكل، جوزيف، العلاقات الدولية، ترجمة: غازي عبد الرحمن القصيبي، ط2، تهامة للنشر، السعودية-جدة، 1984، ص53.
[72] - طشطوش، هايل عبد المولى، مقدمة في العلاقات الدولية، بـ /ط، 2010، ص 276.وأيضا: عودة، جهاد، مصدر سابق، ص35.
[73] - غيّوم، اكزافييه، العلاقات الدولية، ترجمة: قاسم المقداد، مجلة الفكر السياسي تصدر عن اتحاد الكتاب العرب العددان 11-12 مزدوج، المؤسسة العربية السورية لتوزيع المطبوعات، دمشق 2003، ص57.
[74] - ابو خزام، ابراهيم، الحروب وتوازن القوى (دراسة شاملة لنظرية توازن القوى وعلاقاتها الجدلية بالحرب والسلام)، ط2، دار الكتب الجديدة المتحدة، بيروت-لبنان، 2009، ص45.
[75] - غيوم، اكزافييه، المصدر السابق، ص 56-57. وأيضا: توفيق، حكيمي، مصدر سبق ذكرة، ص 12.
[76] - ابو خزام، ابراهيم، المصدر السابق، ص 60. وأيضا: ابراهيم، عبد الأمير، مصدر سابق، ص 20-21.
[77] - توفيق، حكيمي، مصدر سبق ذكرة، ص 9.
[78] - غيوم، اكزافييه، مصدر سبق ذكرة، ص 65.
[79] - عودة، جهاد، مصدر سبق ذكرة، ص 27.
[80] - ميكيافيللي، نيقولا، الأمير، ترجمة: خيري حمادي، ط التاسعة، مكتبة التحرير، بغداد، 1988، ص 281.
[81] - فرج، انور محمد، مصدر سبق ذكرة، ص 244-245.
[82] - William A. Galston، Realism in political Theory،The Brookings Institution، Draft 1، August 2007،p.9. http://goo.gl/sKZAFs
[83] - وولت، ستيفن،"العلاقات الدولية: عالم واحد، نظريات متعددة ،ترجمة: زقـــــــــــاغ عادل و زيدان زياني، ص2. نقلا عن موقع: http://goo.gl/JS8Md2.
[84] - سالم، احمد علي، مصدر سبق ذكرة، ص119.
[85] - Nicholas Kitchen، op، cit، p.124.
[86] - توفيق، حكيمي، مصدر سبق ذكرة، ص 11. وأيضا: شاهين، سوسن زهدي، هل النظرية مفتاح لفهم الأحداث الدولية، http://www.alalam.ir/news/28333
[87] - عودة، جهاد، مصدر سبق ذكرة، ص24. وأيضا: نصيب، عتيقة، مصدر سبق ذكرة، ص38.
[88] - Nicholas Kitchen، op، cit، p.124
[89] - راضي، سمير جسام، مفهوم التعاون الدولي في المدارس الفكرية للعلاقات الدولية، مجلة العلوم السياسية، العدد45،جامعة بغداد/كلية العلوم السياسية، 2012، ص152.
[90] - مصطفى، نادية محمود، نظرية العلاقات الدولية بين المنظور الواقعي والدعوة إلى منظور جديد، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، 1985،ص9.
[91] - برايار، فليب، مصدر سبق ذكرة، ص 30.
[92] - عودة، جهاد، مصدر سبق ذكرة، ص30. وأيضا: برايار، فليب، المصدر السابق، ص 18.
[93] - مقلد، اسماعيل صبري، مصدر سبق ذكرة، ص18-19. وأيضا: العقابي، علي عودة، مصدر سبق ذكرة، ص16.
[94] - صالح، دانا علي، المتغيرات المؤثرة في التعاون الدولي بعد الحرب الباردة(دراسة في تأثيرات ثورة الاتصالات)، اطروحة دكتورا، كلية العلوم السياسة، جامعة السليمانية، 2011،ص 11.
[95] - ابراهيم، بولمكاحل، تطور اتجاهات المدرسة الواقعية في تحليل العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، http://politics-ar.com/ar2/?p=3062.
[96] - عبد الحافظ، عادل فتحي، النظرية السياسة المعاصرة(دراسة في النماذج والنظريات التي قدمت لفهم وتحليل عالم السياسة، ط1، الدار الجامعية، الاسكندرية، 2007، ص267.
[97] - غيوم، اكزافييه، مصدر سبق ذكرة، ص54.
[98] - توفيق، حكيمي، مصدر سبق ذكرة، ص 10.
[99] - برايار، فليب، مصدر سبق ذكرة، ص 19-20.
[100] - عودة، جهاد، مصدر سبق ذكرة، ص 43-44.
[101] - سلمان، عبد الحكيم، مصدر سبق ذكرة.
[102] - توفيق، حكيمي، مصدر سبق ذكرة، ص 13.
[103] - Anne-Marie Slaughter، International Relations، Principal Theories، http://goo.gl/AQX5YN.
[104] - ابراهيم، بولمكاحل، مصدر سبق ذكرة.
[105] - غريفيش، مارتن، مصدر سبق ذكرة، 454.
[106] - راضي، سمير جسام، مصدر سبق ذكرة، ص 148. وأيضا: ابراهيم، بولمكاحل، مصدر سبق ذكرة.
[107] - ميرشايمر، جون، العالم الحقيقي والعالم الاكاديمي، ترجمة جلال خشيب، الحوار المتمدن، العدد 3854، 20012. http://goo.gl/FrvTIz.
[108] - ابراهيم، بولمكاحل، مصدر سبق ذكرة.
[109] - ابو زيد، أحمد محمد، كينيث والتز: خمسون عاما من العلاقات الدولية (1959_2009) دراسة استكشافية، مجلة المستقبل العربي للعلوم السياسية، العدد ٢٧، مجلة دورية تصدر عن الجمعية العربية للعلوم السياسية بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت ٢٠١٠، ص101.
[110] - النعيمي، احمد نوري، مصدر سبق ذكرة، ص 60.وأيضا: نصيب، عتيقة، مصدر سبق ذكرة، ص 50.
[111] - جندلي، عبد الناصر، النظريات التفسيرية للعلاقات الدولية بين التكيف والتغير في ظل تحولات ما عد الحرب الباردة، مجلة المفكر، مجلة علمية محكمة متخصصة في الحقوق والعلوم السياسية، العدد 5، جامعة محمد خيضر-بسكرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، 2010، ص126.
[112] - Nicoletta lasan and vasily goldis، Neorealist / neoliberal and Security،p39. http://goo.gl/ttnxk4.
[113] - Anne-Marie Slaughter، op،cit.
[114] - نصيب، عتيقة، مصدر سبق ذكرة، ص 49.
[115] - Nicoletta lasan and vasily goldis، op،cit،p.40.
[116] - توفيق، حكيمي، مصدر سبق ذكرة، ص 14.
[117] - ابراهيم، عبد الأمير عبد الحسن، مصدر سبق ذكرة، ص 47.
[118] - John J. Mearsheimer، an offensive realist between geopolitics and power، Palgrave Macmillan، Volume 8، Number 4، December 2005، p.8. http://goo.gl/UZrKqZ.
[119] - فرج، انور محمد، مصدر سبق ذكرة، ص 384-385.
[120] - Gideon Rose، Neoclassical Realism and Theories of Foreign Policy، World Politics، Volume 51، Issue 1 (Oct.، 1998)، p157.
[121] - توفيق، حكيمي، مصدر سبق ذكرة، ص 20. وأيضا: ابراهيم، بولمكاحل، مصدر سبق ذكرة.
[122] - ابراهيم، عبد الأمير عبد الحسن، مصدر سبق ذكرة، ص 48.
[123] - وولت، ستيفن، مصدر سبق، ص3.
[124] - Richard rosecrance، powar and International Relations: The Rise of China and Its Effects، 2006، http://goo.gl/F5BS2K
[125] - Anne-Marie Slaughter، op،cit.
[126] - وولت، ستيفن، مصدر سبق ذكرة، ص5. وأيضا: توفيق، حكيمي، مصدر سبق ذكرة، ص 20.
[127] - ابراهيم، بولمكاحل، مصدر سبق ذكر.
[128] - فرج، انور محمد، مصدر سبق ذكرة، ص 385-386.
[129] - توفيق، حكيمي، مصدر سبق ذكره، ص 19.
[130] - حمزاوي، جويد، التطور الأمني الأوربي: نحو بنية أمنية شاملة وهوية استراتيجية في المتوسط، مذكرة مكملة مقدمة لنيل درجة الماجستير في كلية العلوم السياسية، جامعة الحاج لخضر-باتنه، كلية الحقوق والعلوم السياسية / قسم العلوم السياسية، الجزائر، 20011، ص21.
[131] - ابراهيم، بولمكاحل، مصدر سبق ذكرة.
[132] - المصدر نفسة.
[133] - Gideon Rose، op،cit،p.149.
[134] - وولت، ستيفن، مصدر سبق ذكرة، ص6.وأيضا: بإسماعيل، عبد الكريم، مصدر سبق ذكرة، ص11-12.
[135] - John J. Mearsheimer،World Offensive Realism and the Struggle for Security، New York:2001،p.101. http://goo.gl/aGPMV4.
[136] - وولت، ستيفن، مصدر سبق ذكرة، ص 3.
[137] - باسماعيل، عبد الكريم، مصدر سبق ذكرة، ص 11.
[138] - John J.Mearsheimer، world offensive Realism and the Struggle for Security، op، cit، p.104.
[139] - توفيق، حكيمي، مصدر سبق ذكرة، ص 21. وأيضا: بأسماعيل، عبد الكريم، مصدر سبق ذكرة، ص 12.
[140] - John J. Mearsheimer، an offensive realist between geopolitics and power، op، cit،p.3.
[141] - فرج، انور محمد، مصدر سبق ذكرة، ص 388.
[142] - John J. Mearsheimer، I bid، p.5.
[143] - John J.Mearsheimer، world offensive realist، op، cit، p154.
[144] - John J.Mearsheimer، an offensive realist، op، cit، p.5-6.
[145] - I bid، p.5-6.
[146] - I bid، p.4-5.
[147] - I bid، p.3.
[148] - I bid، p.18-19..
[149] - I bid، p.21.
[150] - Anne-Marie Slaughter، op، cit..
[151] - John J.Mearsheimer، an offensive realist، op، cit، p.8.
[152] - ابراهيم، عبد الأمير عبد الحسن، مصدر سبق ذكرة، ص 50.
[153] - وولت، ستيفن، مصدر سبق ذكرة.
[154] - John J.Mearsheimer، an offensive realist، op،cit، p.20.
[155] - Umran ucbas، neoclassical realism in anlysiv grlsis mangemnt: the case of Turkish foreign policy crises، p.1. http://goo.gl/zMUfGzn.
[156] - I bid، p.1-2.
[157] - Gideon Rose، op، cit، p.149.
[158] - Umran Ucbas، op، cit، p.5.
[159] - I bid، p.3.
[160] - I bid، p.2.
[161] - Gideon، Rose، op،cit، p.157.
[162] - Nicholas، kitchen، op، cit، p118.
[163] - I bid، p.127.
[164] - ابراهيم، بولمكاحل، مصدر سبق ذكرة.
[165] - Gideon، Rose، op، cit، p.157.