تطور النفقات العامة وهيكليتها في العراق
المقدمة :-
يشكّل الإنفاق العام أداة مهمة في إطار السياسة الاقتصادية لتحقيق أهداف النمو والاستقرار والإصلاح الاقتصادي...، وبغض النظر عن اتجاه النظام وفلسفته وطبيعة الملكية فيه. وتصاعدت هذه الأهمية مع النمو المطرد في النفقات الحكومية ونسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي في دول العالم المختلفة المتقدم منها والنامي إلا ما ندر في بعض السنوات ولأسباب استثنائية. ومن هنا انطلقت فكرة البحث الحالي، إذ سعى الباحث للوقوف على طبيعة التطور في النفقات العامة في العراق واتجاهات هذا الإنفاق، معرجاً في حيثيات ذلك على دور السياسة الإنفاقية ومدى فاعليتها.
شمل البحث خمسة مباحث خصص الأول منها لتناول الأساس النظري لظاهرة زيادة النفقات العامة والأسباب الكامنة وراء ذلك، في حين تطرق المبحث الثاني لأسباب تلك الزيادة ولكن على صعيد العراق، أما المبحث الثالث فحاول الباحث من خلاله تتبع مسيرة النفقات وما طرأ عليها من تغيرات مع إجراء المقارنة بينها وبين بعض المتغيرات الأخرى مثل الإيرادات العامة والناتج المحلي الإجمالي، وبالنسبة للمبحث الرابع فتم من خلاله الوقوف على هيكل الإنفاق العام العراقي واتجاهات هذا الإنفاق، ثم أخيرا في المبحث الخامس خلص الباحث إلى أبرز الاستنتاجات والتوصيات التي يراها مناسبة.
مشكلة البحث :-
تنحصر المشكلة في أن هناك نقاط ضعف في السياسة الإنفاقية في العراق، وإنه لا يمكن الاستمرار بتلك السياسة نفسها التي سادت خلال الفترة الماضية، لأن ذلك يؤدي إلى آثار سلبية تحد كثيراً من النتائج الإيجابية المبتغاة على صعيد دفع عجلة التنمية وتحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي والحد من معدلات البطالة المرتفعة.
هدف البحث :-
تقويم سلوك الإنفاق العام في العراق واتجاهاته من خلال التعرّف على طبيعة هذا الإنفاق ومكوناته، وتحليل علاقته ببعض المتغيرات الاقتصادية الكلية. والوصول إلى بعض المؤشرات التي يمكن الاسترشاد بها من قبل متخذي القرار في توجيه الموارد نحو فقرات الإنفاق الأكثر أهمية وإعادة هيكلية الإنفاق العام.
فرضيات البحث:-
- مفردات السياسة الإنفاقية المتوازنة والمتكاملة مع السياسات الاقتصادية الأخرى، تعد الركيزة الأساسية التي يمكن الاعتماد عليها للوصول إلى الإصلاح الاقتصادي المنشود.
- إن اختلال التوازن بين الإنفاق الجاري والإنفاق الاستثماري، يعيق التطور والنمو الاقتصادي في البلد.
- إن مسار الإنفاق العام في العراق أسوة بالعديد من البلدان النامية، يشكل في الغالب زيادة ظاهرية لا تنعكس على المنفعة العامة وزيادة الخدمات لأفراد المجتمع.
أهمية البحث :-
تنبع هذه الأهمية من أن الإنفاق العام، يعد أداة هامة بيد الدولة لتصحيح أوضاعها الاقتصادية، ولذلك فإن التوقف عند نقاط الضعف التي تعاني منها السياسة الاقتصادية في هذا الميدان ودراستها دراسة معمقة لمعرفة أسباب ضعفها ومعالجة هذه الأسباب، تشكل مسألة في غاية الأهمية وذلك من أجل التوصل إلى السبل الفعالة التي يمكن استخدامها من قبل صانعي القرار في تحسين الوضع الاقتصادي.
منهج البحث :-
اعتمد البحث على المنهج الوصفي التحليلي في تتبع واستقصاء مادته، بالإضافة إلى المنهج الإحصائي المستند على تحليل سلسلة زمنية (1991 – 2010)، وإجراء بعض الطرق الإحصائية عليها لأجل استنباط النتائج.
المبحث الأول :- التحليل النظري والواقعي لزيادة النفقات العامّة
من الظواهر التي باتت شائعة بالنسبة لمالية الدولة، ظاهرة التزايد المطّرد في النفقات العامة عبر الأعوام وتنوعها بالتزامن مع تطور دور الدولة وازدياد درجة تدخلها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وخلص الاقتصاديون استناداً إلى استقراء الإحصاءات في البلدان المختلفة إلى أن جعلوا هذه الظاهرة "قانوناً عاماً" من قوانين التطور الاقتصادي والاجتماعي.([1])
ويعد الاقتصادي الألماني فاجنر (Wagner) أول من لفت الانتباه إلى ظاهرة زيادة النفقات العامة، إذ قدّم في سنة 1883 ما عرف باسم قانون "التزايد اللانهائي في نشاط الدولة". وتوصّل إلى هذا القانون من خلال دراسة تطور الإنفاق العام في بعض الدول المتقدمة اقتصادياً في القرن التاسع عشر. ويفيد هذا القانون أن نصيب الإنفاق العام في الناتج القومي الإجمالي يتزايد بمرور الزمن، حيث أن زيادة متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي تؤدي إلى زيادة في الطلب الخاص على السلع عموماً والسلع العامّة بصورة خاصّة.
ومن هنا يمكن القول أن فرضية فاجنر تتلخص في وجود علاقة طردية بين متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي بوصفه متغيراً مستقلاً ومتوسط نصيب الفرد من السلع العامة (مثل خدمات الصحة والتعليم والمرافق العامة) بوصفه متغيراً تابعاً، وإن زيادة المتغير الأول تؤدي إلى زيادة المتغير الثاني وبنسبة أكبر والعكس بالعكس. بمعنى أن مرونة الطلب الدخلية على السلع العامة تكون أكبر من الواحد الصحيح، وعليه فإن زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة معينة تؤدي إلى زيادة وبنسبة أكبر في الإنفاق العام لإشباع الطلب على هذه السلع العامة.([2])
وإذا كان فاجنر أول من استرعى الانتباه لظاهرة زيادة النفقات العامة، فإن هنالك تفسيراً آخر لهذه الظاهرة، والذي يتطلب الوقوف عنده، وهو ما تقدّم به الأستاذان في مدرسة لندن للاقتصاد وهما بيكوك ووايزمان (Peacock – Wiseman) في عام 1961، إذ قاما بدراسة الإنفاق العام في المملكة المتحدة خلال المدة 1890 – 1955. حيث انطلقا في دراستهما من أن الزيادة في الإنفاق العام لا تتم عادة بأسلوب مستمر ومتدرج بل تتم بطريقة متقطعة وعلى فترات. وأرجعا ذلك إلى ثلاثة تأثيرات هي أثر الاستبدال (Displacement Effect) وأثر التفتيش (Inspection Effect)وأثر التركيز(Concentration Effect)
يحدث أثر الاستبدال عندما تحصل قلاقل وإضرابات اجتماعية تتطلب وجود مستويات مرتفعة من الإنفاق العام، وزيادة الإيرادات الضريبية بالقدر الذي يفي بتمويل هذا المستوى من الإنفاق. ونتيجة لهذا، فإن مستوى كل من الإنفاق العام والإيرادات الضريبية سوف يكون أكبر من مثيله الذي كان سائداً قبل حدوث هذه الإضرابات. وبعد انتهاء الإضرابات الاجتماعية يرفض المجتمع العودة ثانية إلى الوضع السابق قبل حدوثها، فيكون لدى المجتمع رغبة في تمويل الإنفاق العام المرتفع من خلال تحمل العبء الضريبي بالقدر المطلوب. ومن ثم سيستقر الإنفاق العام عند مستوى أعلى ولن يعود إلى مستواه الأول قبل حصول الإضرابات.
إن إحلال مستوى مرتفع من كل من الإنفاق العام والعبء الضريبي محل المستوى المنخفض منهما (والذي يعرف بأثر الاستبدال)، لا يعني الاستقرار عند هذا المستوى، بل سيعمل أثر التفتيش كدخول الحكومة في أنشطة اجتماعية جديدة فضلاً عن الحروب والهزات الاجتماعية الأخرى على زيادة الإنفاق العام. أما أثر التركيز فيتمثل في ميل الحكومة لزيادة الإنفاق العام كنسبة من النشاط الاقتصادي.([3])
وخلاصة لما تقدم يمكن القول أن الفرضيات التي فسّرت سلوك الإنفاق العام عبر الزمن مكملة بعضها للبعض الآخر، فقانون فاجنر أعطى تفسيراً جيداً لزيادة الإنفاق في الظروف العادية، في حين تم استخدام فرضية بيكوك ووايزمان في تفسير التغيرات في الإنفاق العام أوقات الاضطرابات الاجتماعية وما بعدها مباشرة. وفي كل الأحوال علينا أن لا ننسى الدور الهام الذي تؤديه الاعتبارات السياسية في تحديد مستوى الإنفاق العام ومعدل نموه.
وإذا كانت هذه التفسيرات قد وضحت الأسباب النظرية لظاهرة تزايد الإنفاق العام، فإن هنالك أسباباً واقعية ترتبط بكل بلد وظروفه ومستوى تقدمه ودور الدولة فيه. وإن كانت البلدان بعامة تشترك، وبمستويات مختلفة، في تلك الظاهرة. بل أن المطّلع على الموازنة العامة لأي بلد من البلدان ولسنوات عدة، يلاحظ أن النفقات العامة فيها تتنامى سنة بعد أخرى وبنسب متصاعدة أكثر من نسب التزايد في إيرادات الدولة العامة، بالنظر إلى سهولة الإنفاق وصعوبة فرض الإيراد وبخاصة الضرائب والرسوم وجبايتها لذلك قيل وبحق "الخرج أسرع إلى النمو من الدخل".([4])
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الزيادة في النفقات العامة لا ترجع كلها لأسباب حقيقية بل ترجع في الكثير من الأحيان لأسباب ظاهرية. ولكل من الزيادة الظاهرية والحقيقية أسباب معينة نلخصها فيما يأتي :-
أولا:- الزيادة الحقيقية:
وتعني زيادة في المنفعة العامة المترتبة على زيادة النفقات العامة، وارتفاع عبء التكاليف العامة بنسبة ما، كما تشير في معظم الأحيان إلى ازدياد تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي والاجتماعي لأفراد المجتمع وذلك بزيادة متوسط نصيب الفرد من الخدمات العامة. ولكن تطور مستوى الإنفاق العام وإن كان عاملاً مشتركاً في معظم الدول، إلا أن أسبابه متعددة ومتباينة في أهميتها النسبية من بلد لآخر (كما تم ذكره) وذلك بحسب الظروف والأوضاع ومستوى التقدم لكل بلد. وفيما يأتي استعراض موجز لأبرز الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه الظاهرة :-
1/ الأسباب الاقتصادية :- وتتمثل بشكل عام في زيادة الدخل القومي وقيام الدولة ببناء المشروعات العامة ومواجهة التقلبات الاقتصادية وبخاصة حالة الانكماش الاقتصادي والمنافسة بين الاقتصادات القومية وارتفاع تكاليف الإنتاج في منشآت القطاع العام. فزيادة الدخل القومي تؤدي إلى زيادة العوائد أو الإيرادات التي تحصل عليها الدولة، الأمر الذي يشجع الدولة على استغلالها في زيادة الإنفاق على الأوجه المختلفة. كذلك يؤدي التوسع في إقامة المشروعات العامة الاقتصادية إلى زيادة النفقات العامة. وتهدف الدولة من قيامها بهذه المشروعات إما الحصول على موارد إضافية لخزينة الدولة وإما التعجيل بالتنمية الاقتصادية ومحاربة الاحتكار وهذا ما يكون استناداً إلى فلسفة الدولة وسياستها الاقتصادية. ومن ناحية أخرى عندما تسود حالة الانكماش الاقتصادي، بكل ما تتضمنه من جو تشاؤمي بين أصحاب رؤوس الأموال وانخفاض في مستوى الاستثمار الخاص ومستوى الأجور وزيادة البطالة وانعكاس كل ذلك في تدني مستوى الطلب الكلي، فإن هذه الآثار الضارة تحتم على الدولة القيام بالمزيد من الإنفاق لزيادة مستوى الطلب الكلي الفعلي إلى الحد الذي يسمح بتحقيق الاستخدام الكامل في حدود الطاقة الإنتاجية للاقتصاد القومي، وهذه السياسة وإن كانت تنسجم مع ظروف الدول المتقدمة، إلا أنها لا تصلح دائماً بالنسبة للدول الآخذة بالنمو.
كذلك من الأسباب المؤدية لزيادة الإنفاق العام، هو ما يتمخض عن التنافس الاقتصادي الدولي، سواء في صورة إعانات اقتصادية للمنشآت الوطنية لتشجيعها على التصدير ومنافسة المنتجات الأجنبية في الأسواق الدولية، أم في صورة إعانات للإنتاج لتمكين المنشآت الوطنية من الصمود في وجه المنافسة الأجنبية في الأسواق المحلية.([5])
أخيراً لا بد من الإشارة إلى ارتفاع مستوى الإنفاق العام بسبب زيادة نفقة إنتاج الوحدة من الخدمات التي تقدمها الدولة. فزادت الإنتاجية في القطاع العام للاقتصادات عموماً بمعدل أبطأ من معدل زيادة الإنتاجية في القطاع الخاص (نتيجة التخلف النسبي للفنون الإنتاجية والقصور النسبي في استخدام الآلات الحديثة في قطاع الدولة، فضلاً عن غياب المنافسة وباعث الربح في هذا القطاع)، فإذا ما اقترن انخفاض الإنتاجية هذا بزيادة أكبر في مرتبات العاملين (لمواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة) ترتب على ذلك زيادة نفقة الوحدة من الخدمات التي تؤديها الدولة، الأمر الذي يتطلب زيادة في حجم الإنفاق العام.([6])
2/ الأسباب الاجتماعية :- وتتمحور هذه الأسباب في تركز السكان في المدن، وتنامي الوعي الاجتماعي، فأدى ميل السكان في العصر الحديث إلى التركز في المدن والمراكز الصناعية، نتيجة للهجرة من الريف، إلى زيادة النفقات العامة المخصصة للخدمات المختلفة، ويرجع هذا بالطبع إلى أن حاجات سكان المدن أكبر وأعقد من حاجات سكان الريف. كذلك أدى زيادة التعليم كماً ونوعاً إلى تنامي الوعي الاجتماعي، فبات الأفراد يطالبون الدولة بوظائف لم تعرفها سابقاً، مثل تأمين الأفراد ضد البطالة والفقر والمرض والعجز والشيخوخة وغير هذا من أسباب عدم القدرة على الكسب، ونتيجة لقيام الدولة بهذه الإعانات والخدمات الاجتماعية ازدادت النفقات العامة وبخاصة النفقات التحويلية.
3/ الأسباب السياسية :- وتتضح من خلال بعض العوامل التي تؤدي إلى ارتفاع الإنفاق العام. وأهم تلك العوامل انتشار المبادئ الديمقراطية وزيادة نفقات التمثيل الخارجي. فترتب على اتساع المبادئ والنظم الديمقراطية اهتمام الدولة بحالة الطبقات الكادحة والقيام بالكثير من الخدمات الضرورية لها، فضلاً عن أن التعددية الحزبية تدفع عادة بالحزب الحاكم إلى الإكثار من المشروعات الاجتماعية أرضاءً للناخبين، وإلى الإفراط في تعيين الموظفين مكافأة لأنصاره، الأمر الذي يسهم في زيادة النفقات العامة. كذلك يؤدي رسوخ مبدأ مسؤولية الدولة أمام القضاء إلى تنامي الإنفاق الحكومي لمواجهة ما يحكم به على الدولة من تعويض للأفراد جراء ما يلحقهم من ضرر نتيجة للقيام بالأعمال العامة. ومن ناحية أخرى أدى تطور العلاقات الدولية وتزايد عدد الدول المستقلة إلى اتساع درجة التمثيل الدبلوماسي من جهة وارتفاع نفقات المساهمة في المنظمات الدولية (المتخصصة وغير المتخصصة) والإقليمية من جهة ثانية.
علاوة على ما تقدم (من أسباب سياسية واجتماعية) فإن عدم توافر الصفات والقيم الأخلاقية لدى بعض الموظفين، كالنزاهة والحرص على المال العام، من شأنه أيضاً أن يحدث أثراً مدمراً في زيادة الإنفاق العام، ولنا في مظاهر الفساد المالي والانحرافات الأخرى في بعض الدول دليلاً على ذلك.
4/ الأسباب الإدارية :- ترتب على نمو وظائف الدولة وتنوعها تضخم حجم الإدارة الحكومية نتيجة لاستحداث العديد من الوزارات والإدارات من أجل تقديم الخدمات العامة والإشراف على حسن سير المشروعات العامة المختلفة. ومن المنطقي أن يؤدي ذلك إلى ازدياد الإنفاق العام، وكلما كانت الإدارة الحكومية رشيدة استطاعت أن تجعل هذا الازدياد مقبولاً، وبعكسه إذا كان التنظيم الإداري سيئاً وقاصراً عن ملاحقة متطلبات العمل بكفاءة، فإن هذا الازدياد يمثل عبئاً ثقيلاً على موارد الدولة. والملاحظ هنا أن المبالغة في عدد الموظفين واتساع ظاهرة البطالة المقنعة والإسراف في ملحقات الوظائف العامة من مباني وأثاث وسيارات دائماً ما يؤدي إلى زيادة الأعباء العامة بصورة غير مقبولة لكونها غير منتجة لا يصاحبها زيادة في النفع العام.([7])
5/ الأسباب المالية :- في السابق لم تكن الدولة تلجأ إلى القرض العام إلا في الظروف الاستثنائية والطارئة، لكن في الوقت الحاضر أصبحت الدولة تقترض بشكل أوسع نطاقاً، بل أن بعض الدول باتت تعطي أفضلية، في بعض الأحيان، للقروض العامة على الضرائب لما تتطلبه الأخيرة من تشريعات قانونية معقدة، فضلاً عن ردود الفعل الاجتماعية والسياسية التي تتولد من تصاعد العبء الضريبي. وهنا تكمن الزيادة في النفقات العامة وذلك من خلال اتساع خدمة الدين العام علاوة على أعباء التسهيلات والمزايا التي تقدمها الدولة للمكتتبين في القرض العام لتشجيعهم على الاقتراض. كذلك يؤدي وجود فائض في الإيرادات أو مال احتياطي غير مخصص لغرض معين إلى إغراء الحكومة في إنفاقه على أوجه غير ضرورية وبذلك تزداد النفقات العامة. وتكمن خطورة ذلك في الأوقات التي تتطلب فيها السياسة المالية الحكيمة على الدولة العمل على خفض نفقاتها لما هو معلوم من صعوبة خفض كثير من بنود الإنفاق والعودة بها إلى ما كانت عليه قبل الزيادة.
6/ الأسباب العسكرية :- وتعد من أهم الأسباب المؤدية إلى التزايد المطرد في النفقات العامة، والإنفاق العسكري هو من أهم فقرات الإنفاق الحكومي وقد درجه فقهاء الاقتصاد والمالية في غالب الأحيان ضمن الأسباب السياسية، ولكن بالنظر للطبيعة الخاصة لهذا الإنفاق وأهميته الإستراتيجية، فقد تناوله الباحث ضمن هذه الفقرة الخاصة.
وتكمن أهمية الأسباب العسكرية في أن الدولة وحدها هي المعنية بتنفيذها حتى في ظل أفكار المدرسة الكلاسيكية التي جعلت مهمة الدفاع الخارجي من أولويات واجبات الدولة تجاه مواطنيها، علاوة على ذلك فإن مهمة الدفاع ترمي إلى تحقيق منفعة عامة تتمثل فيما تخلقه هذه النفقات من شعور لدى الأفراد بالأمن والطمأنينة.
وتتضمن النفقات العسكرية النفقات الموجهة إلى رواتب العاملين من عسكريين وفنيين، وإلى قيمة الآلات والمعدات ونفقات الصيانة سواء في فترة الحرب أم السلم، وكذلك تشمل رواتب المحاربين القدامى وإعانات وتعويضات ضحايا الحرب وأسرهم، فضلاً عن ما تدفعه الدولة سداداً للديون الخارجية والداخلية التي ترتبت بذمتها نتيجة الحرب.([8])
ثانياً :- الزيادة الظاهرية :
قد تعزى الزيادة في النفقات العامة كلها أو جزء منها إلى أسباب ظاهرية تؤدي إلى تعاظم الإنفاق العام دون أن يرافقها زيادة في المنفعة العامة، وبعبارة أخرى، فإن الزيادة الظاهرية هي تلك التي لا يقابلها زيادة في نصيب الفرد من الخدمات التي تؤديها الدولة من خلال هيئاتها ومشروعاتها العامة.
ويمكن تناول أبرز هذه الأسباب كما يأتي :-
1/ تدهور قيمة النقود: ويقصد به هبوط القوة الشرائية لوحدة النقد على السلع والخدمات نتيجة لارتفاع المستوى العام للأسعار. ومن الملاحظ، بصورة عامة، أن قيمة النقود آخذة بالانخفاض بشكل مستمر في معظم الدول، وإن كانت نسبة التدهور تختلف من دولة إلى أخرى. ويترتب على تدني قيمة النقود زيادة النفقات العامة لمواجهة هذا التدني، فالدولة تدفع عدداً من وحدات النقد أكبر مما كانت تدفعه من ذي قبل للحصول على المقدار نفسه من السلع والخدمات. فالزيادة هنا في رقم النفقات العامة زيادة ظاهرية، تعكس ما يسمى بخداع النقود، إذ لا يترتب عليها أية زيادة في المنفعة العامة.
2/ اختلاف الفن المالي :- قد تعزى الزيادة في النفقات العامة إلى التغيّر في الفن أو الأسلوب المالي. فمن المبادئ الفنية المعروفة في إعداد الموازنة العامة للدولة، الأخذ بفكرة الموازنة الصافية أو الإجمالية. وتقوم فكرة الموازنة الصافية، والتي كانت شائعة في الماضي، على ما يسمى بظاهرة (تخصيص الإيرادات العامة لنفقات معينة) ومؤدى ذلك أن تجري مقاصة بين إيرادات الهيئات العامة ونفقاتها، بحيث تخصم النفقات من الإيرادات المتحصلة، ومن ثم فإنه لا يظهر في موازنة الدولة إلا فائض الإيرادات على النفقات. أما فكرة الموازنة الإجمالية فإنها لا تقوم على مبدأ تخصيص الإيرادات ومن ثم تظهر في الموازنة العامة النفقات كافة التي تنفذها المرافق والمؤسسات العامة. لذلك فمن المتوقع أن يؤدي الأخذ بمبدأ الموازنة الإجمالية في سنة مالية معينة إلى وجود قدر من الزيادة في مستوى الإنفاق العام بالمقارنة مع السنة السابقة لها، حيث كان يعتمد مبدأ الموازنة الصافية، ولكنها زيادة ظاهرية ليس إلا.
ومن الصور الأخرى في تغيّر الفن المالي، هو أن يزداد الإنفاق العام زيادة ظاهرية لتغيّر الأساليب الحكومية، إذا ما حصل تعديل في بدء السنة المالية الجديدة، وأيضاً فإن تعدد الموازنات العامة وما ينشأ عن ذلك من تداخل فيما بينها، يؤدي في الغالب إلى ما يعرف بظاهرة التكرار في حساب الإنفاق العام بالموازنة الأمر الذي يحدث كذلك زيادة ظاهرية للنفقات.
3/ زيادة مساحة الإقليم أو زيادة عدد السكان :
قد تعود الزيادة الظاهرية في النفقات العامة إلى اتساع مساحة إقليم الدولة أو ارتفاع عدد سكانها، كما في قيام الدولة باحتلال دولة أخرى، أو استرداد جزء من إقليمها. وهذا ما ينعكس بالطبع على حجم الإنفاق العام بالزيادة، لكنها زيادة ظاهرية بالنظر لعدم حدوث تحسّن في النفع العام. ومن الجدير بالملاحظة هنا أن زيادة النفقات العامة حقيقية إذا تأثر بها ايجابياً متوسط نصيب الفرد من الخدمات العامة، كما مر ذكره، أما إذا تزايد الإنفاق لمجرد مواجهة التوسع الحاصل في مساحة الدولة أو زيادة عدد السكان، دون أن يمس السكان الأصليين فهنا تعد الزيادة في الإنفاق العام مجرّد زيادة ظاهرية.
ولا تتأثر النفقات العامة بالزيادة المطلقة في حجم السكان فحسب وإنما بالتغييرات الهيكلية في السكان، فارتفاع عدد الأطفال في سن التعليم يؤدي إلى زيادة في النفقات العامة التعليمية لمواجهة تلك الزيادة الحاصلة في نسبة عدد الأطفال إلى إجمالي السكان، كما أن زيادة عدد الشيوخ يؤدي إلى زيادة في المرتبات التقاعدية والنفقات الصحية.
المبحث الثاني :- أسباب زيادة النفقات العامة في العراق
شهد العراق خلال العقدين الأخيرين مستويات عالية من التضخم، وصلت إلى نسب قياسية، وبخاصة أبان التسعينيات من القرن المنصرم، إذ أدى الحصار الاقتصادي الذي فرضته الأمم المتحدة على العراق (بسبب غزوه للكويت) إلى انقطاع شبه تام لتصدير النفط الخام الذي يشكّل عصب الحياة الاقتصادية في العراق، لذلك أغلقت السبل في وجه تمويل الإنفاق العام لاسيما في ظل ضعف الإيرادات الأخرى ومنها الضريبة التي تعاني تخلفاً كبيراً. ولذلك أختار أصحاب القرار السياسي والاقتصادي اللجوء إلى تمويل الموازنة العامة من خلال الإصدار النقدي الجديد. وكان هذا القرار باعتماد سياسة نقدية توسعية كارثياً على سعر صرف العملة العراقية التي وصلت إلى مستويات متدنية جداً تجاه العملات الأجنبية ولاسيما الدولار الأمريكي، ورافق ذلك طبعاً، ارتفاعاً هائلاً في المستوى العام للأسعار نتيجة لندرة السلع والخدمات المنتجة محلياً والمستوردة بفعل الحصار الاقتصادي وتدني مساهمة القطاعات الإنتاجية في الناتج المحلي الإجمالي العراقي.
وإذا كان هذا هو حال الاقتصاد العراقي لفترة ما قبل الاحتلال الأمريكي في نيسان من عام 2003، فإن الفترة التي أعقبت ذلك شهدت هي الأخرى نسب مرتفعة من التضخم فاقت في مستوياتها السنوات السابقة. فخلال سني الاحتلال تعطلت العديد من المنشآت الاقتصادية وارتفعت بشكل كبير أسعار المشتقات النفطية، فضلاً عن الانفتاح الاقتصادي غير المدروس فكان من جراء ذلك تصاعداً في كلفة المنتج المحلي واستيراداً للتضخم النقدي، قابله زيادة في الطلب المحلي نتيجة لارتفاع المرتبات والأجور لمنتسبي الدولة وشبكة الرعاية الاجتماعية، وحماية المسؤولين ومرافق الدولة (التي تفاقمت في ظل حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي)، الأمر الذي انعكس بمجمله على أسعار السلع والخدمات التي تصاعدت بوتيرة عالية خلال السنوات 2003 – 2010.
وبناء على ما تقدم، ولأجل الوقوف على تطور النفقات العامة في العراق، والأسباب الحقيقية التي تكمن وراء هذا التطور، لابد من استبعاد التغيرات التي طرأت على القوة الشرائية للنقود خلال مدة البحث، ويكون ذلك من خلال اعتماد الأرقام القياسية لمستوى الأسعار.
وفي هذا الإطار يمكن الاستعانة بالمعادلة الآتية لاستخراج الزيادة الحقيقية في النفقات العامة واستبعاد الزيادة الظاهرية المتمثلة في تصاعد المستوى العام للأسعار.([9])
النفقات العامة بالأسعار الثابتة = × 100
وبتطبيق المعادلة أعلاه على النفقات العامة في العراق للسنوات 1991 – 2010 يتضح أثر التضخم وارتفاع الأسعار على تلك النفقات، وكما هو مبين في الجدول رقم (1) .
جدول رقم (1)
النفقات العامة بالأسعار الجارية والثابتة في العراق للمدة 1991 – 2010
السنة |
النفقات العامة بالأسعار الجارية (مليار دينار) |
الرقم القياسي لأسعار المستهلك 1993 = 100 |
النفقات العامة بأسعار 1993 (مليار دينار) |
1991 |
17.5 |
18 |
97.22 |
1992 |
32.9 |
33 |
99.70 |
1993 |
69.0 |
100 |
69.00 |
1994 |
199 |
549 |
36.25 |
1995 |
691 |
2673 |
25.85 |
1996 |
543 |
2242 |
24.22 |
1997 |
606 |
2759 |
21.96 |
1998 |
921 |
3167 |
29.08 |
1999 |
1034 |
3565 |
29.00 |
2000 |
1499 |
3743 |
40.05 |
2001 |
2070 |
4355 |
47.53 |
2002 |
2518 |
5197 |
48.45 |
2003 |
9233 |
6943 |
132.98 |
2004 |
33657 |
8816 |
381.77 |
2005 |
35981 |
12074 |
298.00 |
2006 |
37494 |
18501 |
202.66 |
2007 |
39308 |
24206 |
162.39 |
2008 |
67277 |
24851 |
270.72 |
2009 |
55590 |
29555 |
188.09 |
2010 |
70134 |
30281 |
231.61 |
المصدر:- وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي، الجهاز المركزي للإحصاء، المجموعة الإحصائية لسنوات متعددة.
ملاحظة :-
تم حساب العمود الثالث من قبل الباحث بموجب المعادلة ( × 100)
يتضح من الجدول السابق أثر الارتفاع في الأسعار على النفقات العامة، بحيث انخفضت أرقام النفقات العامة بالأسعار الجارية لبعض السنوات من عشرات الترليونات من الدنانير لتصبح بضع مئات فقط من مليارات الدنانير بالأسعار الثابتة (بفعل تطبيق المعادلة أعلاه)، ويمكن الوقوف جلياً على تأثير ارتفاع الأسعار على الإنفاق العام من خلال طرح النفقات الحقيقية (بأسعار 1993) من النفقات الجارية، إذ يعكس الفرق الزيادة الظاهرية الحاصلة في النفقات العامة والتي تعود إلى التضخم .
وإن استبعاد الزيادة الحاصلة في الإنفاق نتيجة الانخفاض الحاصل في النقود، واستخراج النفقات بالأسعار الثابتة، لا يعني الحصول على الزيادة الحقيقية في الإنفاق العام للدولة، بل يتطلب الأمر أيضاً إلغاء أثر الزيادة السكانية على النفقات العامة .
ولبلوغ هذا الهدف يمكن الاستعانة بالخطوات الموضحة في الجدول رقم (2)، فابتداءً يجري استخراج نصيب الفرد من النفقات العامة وذلك من خلال تقسيم النفقات العامة بالأسعار الثابتة (التي تم حسابها سابقاً) على عدد السكان في كل سنة من سنوات البحث، ثم حساب التغيّر الحاصل في السكان وبضرب هذين المؤشرين يتم الحصول على الزيادة الظاهرية في نفقات الدولة التي تذهب لمواجهة الزيادة السكانية .
جدول رقم (2)
أثر نمو السكان على زيادة النفقات العامة في العراق للمدة 1991 – 2010
السنة
|
النفقات العامة بأسعار 1993 (مليار دينار) (1) |
السكان (مليون نسمة) (2)
|
متوسط نصيب الفرد من النفقات (3)=(1÷2) |
التغيّر في السكان (4) |
الزيادة الظاهرية (5)=(3×4)
|
النفقات الحقيقية (6)=(1-5) |
1991 |
97.22 |
18.42 |
5.278 |
|
|
|
1992 |
99.70 |
18.95 |
5.261 |
0.530 |
2.789 |
96.911 |
1993 |
69.00 |
19.48 |
3.542 |
0.529 |
1.874 |
67.126 |
1994 |
36.25 |
20.01 |
1.812 |
0.529 |
0.958 |
35.292 |
1995 |
25.85 |
20.54 |
1.259 |
0.529 |
0.666 |
25.184 |
1996 |
24.22 |
21.12 |
1.147 |
0.588 |
0.674 |
23.546 |
1997 |
21.96 |
22.05 |
0.996 |
0.922 |
0.918 |
21.042 |
1998 |
29.08 |
22.70 |
1.281 |
0.656 |
0.840 |
28.240 |
1999 |
29.00 |
23.38 |
1.240 |
0.680 |
0.843 |
28.157 |
2000 |
40.05 |
24.09 |
1.663 |
0.704 |
1.171 |
38.879 |
2001 |
47.53 |
24.81 |
1.916 |
0.727 |
1.393 |
46.137 |
2002 |
48.45 |
25.57 |
1.895 |
0.757 |
1.434 |
47.016 |
2003 |
132.98 |
26.34 |
5.049 |
0.770 |
3.887 |
129.093 |
2004 |
381.77 |
27.14 |
14.067 |
0.799 |
11.240 |
370.530 |
2005 |
298.00 |
27.96 |
10.657 |
0.824 |
8.781 |
289.219 |
2006 |
202.66 |
28.81 |
7.034 |
0.847 |
5.958 |
196.702 |
2007 |
162.39 |
29.68 |
5.471 |
0.872 |
4.771 |
157.619 |
2008 |
270.72 |
31.90 |
8.488 |
2.213 |
18.784 |
251.936 |
2009 |
188.09 |
32.11 |
5.859 |
0.210 |
1.230 |
186.860 |
2010 |
231.61 |
32.48 |
7.131 |
0.376 |
2.681 |
228.929 |
المصادر:-
العمود الثاني :- الجدول رقم (1) .
العمود الثالث :- وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي، الجهاز المركزي للإحصاء، المجموعة الإحصائية لسنتي 2010 – 2011 .
الأعمدة (4 – 7) :- حسبت من قبل الباحث .
يتبين من الجدول السابق أن الزيادة في النفقات العامة هي زيادة ظاهرية بدليل أن استبعاد أثر النمو السكاني أدى إلى تدني في النفقات بل إلى تناقصها في بعض السنوات .
المبحث الثالث :- تحليل اتجاه الإنفاق العام في العراق
جدول رقم (3)
تطور النفقات العامة ونسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي في العراق خلال المدة 1991-2010
السنة |
النفقات العامة (مليار د.ع) |
الزيادة السنوية (%) |
الناتج المحلي الإجمالي (مليار د.ع) |
نسبة النفقات العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي(%) |
الإيرادات العامة (مليار د.ع) |
الفائض أو العجز المالي |
1990 |
14.2 |
|
|
|
|
|
1991 |
17.5 |
23.2 |
21 |
83.33 |
4.2 |
-13.3 |
1992 |
32.9 |
88.0 |
57 |
57.72 |
5.0 |
-27.9 |
1993 |
69.0 |
109.7 |
141 |
48.94 |
9.0 |
-60.0 |
1994 |
199 |
188.4 |
704 |
28.27 |
26 |
-173.0 |
1995 |
691 |
247.2 |
2252 |
30.68 |
107 |
-584.0 |
1996 |
543 |
-21.4 |
2556 |
21.24 |
178 |
-365.0 |
1997 |
606 |
11.6 |
15093 |
4.02 |
411 |
-195.0 |
1998 |
921 |
52.0 |
17126 |
5.38 |
520 |
-401.0 |
1999 |
1034 |
12.3 |
34404 |
3.01 |
719 |
-315.0 |
2000 |
1499 |
45.0 |
50214 |
2.99 |
1133 |
-366.0 |
2001 |
2070 |
38.1 |
41315 |
5.01 |
1289 |
-781.0 |
2002 |
2518 |
21.6 |
41023 |
6.14 |
1971 |
-547.0 |
2003 |
9233 |
266.7 |
29586 |
31.21 |
15986 |
6753.0 |
2004 |
33657 |
264.5 |
53235 |
63.22 |
32989 |
-668.0 |
2005 |
35981 |
6.9 |
73534 |
48.93 |
40436 |
4455.0 |
2006 |
37494 |
4.2 |
95588 |
39.22 |
49056 |
11562.0 |
2007 |
39308 |
4.8 |
111456 |
35.27 |
54965 |
15657.0 |
2008 |
67277 |
71.2 |
155982 |
43.13 |
80641 |
13364.0 |
2009 |
55590 |
-17.4 |
139330 |
39.90 |
55244 |
-346.0 |
2010 |
70134 |
26.2 |
171957 |
40.79 |
70178 |
44.0 |
|
معامل الارتباط بين النفقات العامة والناتج المحلي الإجمالي |
0.954 |
معامل الارتباط بين النفقات العامة والإيرادات العامة |
0.987
|
المصدر: وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي، الجهاز المركزي للإحصاء، المجموعة الإحصائية لسنوات متعددة.
ملاحظة :- الأعمدة (3، 5،7) حسبت من قبل الباحث .
توضح البيانات المتاحة في الجدول رقم (3) إلى أن (قانون فاجنر) يحكم النفقات العامة في العراق (كما هو الحال في معظم دول العالم) . إذ تشير التقديرات إلى قفزات كبيرة في الإنفاق العام شهدتها فترة البحث وصلت فيها نسبة الزيادة السنوية في بعض السنوات إلى قرابة (250%)، كما هو الحال في السنوات (1995، 2003، 2004). وإذا كانت هذه الزيادة في النفقات العامة في جانب كبير منها زيادة ظاهرية، مبعثها التضخم بالدرجة الأساس وزيادة السكان بدرجة أقل، كما تم تبيانه، إلا أن الأمر الواضح أيضاً أن هناك زيادة حقيقية في النفقات تعكس مدى تدخل الدولة في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي وبغض النظر عن السياسة الاقتصادية المتبعة والاختلاف الحاصل في نهج النظام الاقتصادي وفلسفته .
فعلى الرغم من التحولات الاقتصادية الهامة التي رافقت احتلال العراق في عام 2003، والتي تمثلت بالتحول من النظام المركزي إلى الاقتصاد الحر والانفتاح على الاقتصاد العالمي والمؤسسات النقدية الدولية ...، إلا أن وتيرة التصاعد في الإنفاق العام استمرت بفعل ديمومة الارتفاع في فقرات مهمة مثل رواتب منتسبي الدولة والنفقات التحويلية ودعم البطاقة التموينية .
ويمكن الاستدلال أيضاً عن درجة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية من خلال قياس نسبة النفقات العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي، والذي يعد مؤشراً يعكس درجة إشباع الحاجات العامة من قبل الدولة ومدى نجاح السياسة الإنفاقية في إعادة توزيع الدخل القومي .
إن نسبة الإنفاق العام إلى الناتج المحلي الإجمالي ([10])، تجاوزت (30%) في معظم سنوات البحث، أما السنوات التي كانت فيها هذه النسبة متدنية، فهي التي انحصرت بين عامي 1996 و 2002، إذ شهدت هذه المدة تطبيق الأمم المتحدة لاتفاقية النفط مقابل الغذاء والدواء، بحيث تقلصت إلى حد كبير أمكانية الحكومة العراقية في التصرف بالإيرادات النفطية، فضلاً عن دفع الأمم المتحدة للتعويضات من تلك الإيرادات سواء للكويت التي غزاها العراق أو للدول الأخرى ورعاياها التي تضررت من هذا الغزو .
وبالقياس النسبي أيضاً إلى الناتج المحلي الإجمالي فإن النفقات العامة انخفضت خلال تلك السنوات (1996 – 2002) بفعل السياسة المالية الانكماشية التي اعتمدتها الحكومة العراقية . فبعد أن وصلت نسبة التضخم في عام 1995 إلى مستوى قياسي، وشهدت العملة العراقية تدهوراً خطيراً جرى تعديل في السياسة النقدية من التوسع إلى الانكماش، إذ تم الحد من المعروض النقدي (الإصدار النقدي الجديد)، ورافق ذلك إجراءات أخرى ومنها بيع بعض ممتلكات الدولة ورفع أسعار الخدمات (مثل الماء والكهرباء) لتوفير الإيرادات فضلاً عن التقليص النسبي للنفقات العامة وترشيدها .
إن اتجاه النفقات العامة نحو الزيادة، واتخاذها شكل القفزات في أرقامها، فضلاً عن كون غالبيته زيادة ظاهرية، لا يعني نجاحاً في السياسة المالية، إذ أن دور هذه السياسة محدود، وإن الإنفاق العام يحدد، بصورة رئيسة، بناءً على مستوى الإيرادات المتاحة .
ولأجل إثبات ما تقدم، قام الباحث بحساب معامل الارتباط بين النفقات العامة من جهة وكل من الإيرادات العامة والناتج المحلي الإجمالي من جهة أخرى خلال المدة ( 1991 – 2010)، إذ تبين أن معامل الارتباط بين النفقات العامة والناتج المحلي الإجمالي بلغ (954,.)، في حين كان معامل الارتباط أعلى بين النفقات العامة والإيرادات العامة، إذ بلغ (987,.) .
إن هذا الارتباط الموجب والقوي بين تقلبات الإنفاق وتقلبات الناتج المحلي الإجمالي والإيرادات العامة، هو خير دليل على ما تم ذكره من أن السياسة المالية لا تستخدم بشكل نشيط سواء في تحقيق الاستقرار الاقتصادي أم في إعادة توزيع الدخول ([11])، بل من الواضح أن النفقات العامة يجري تحديدها في ضوء توافر الإيرادات الممولة لها، وبشكل خاص الإيرادات النفطية . فارتفاع العوائد النفطية ينجم عنه زيادة العملات الأجنبية الداخلة إلى البلد، وهذه الزيادة ستحقق ارتفاعاً في الودائع الحكومية لدى السلطات النقدية مما يؤدي إلى تنامي قوة مركز الحكومة النقدي، الأمر الذي يتمخض عنه زيادة في الأنفاق الحكومي .
ففي عام 2008، مثلاً، حينما حصل الارتفاع غير المسبوق في أسعار النفط الخام الذي تجاوز (137) دولاراً للبرميل ([12])، ازدادت نتيجة لذلك العوائد النفطية في العراق، وهذا ما أدى إلى إتباع سياسة مالية توسعية، بحيث ارتفع الإنفاق العام بنسبة تجاوزت (71%) مقارنة بعام 2007، وشمل ذلك كلا نوعي الإنفاق الاستثماري والجاري، بما في ذلك تحقيق زيادة كبيرة في معدلات المرتبات والأجور للعاملين في الدولة، بعد تآكل الدخل الحقيقي خلال السنوات الماضية . ولكن ما أن حصلت الأزمة المالية العالمية في أواخر عام 2008 (وما رافقها من انكماش اقتصادي وشحة في السيولة النقدية تمثلت بتراجع الطلب على أنواع السلع والخدمات المختلفة)، حتى شهدت السوق العالمية انخفاضاً كبيراً في الطلب على النفط الخام، ومن ثم شهد عام 2009 جراء ذلك تدنياً كبيراً في أسعاره، الأمر الذي أنعكس سلباً على إيرادات العراق من النفط (أسوة بالعديد من البلدان المصدرة للنفط الخام)، وعليه سرعان ما تحولت السياسة المالية إلى الانكماش، إذ انخفضت نسبة الإنفاق العام في العراق بحوالي (17%) قياساً بعام 2008 . ولكن هذا الانخفاض لم يكن بمستوى نقصان الإيرادات العامة، الأمر الذي أدى إلى حصول عجز مالي فعلي في عام 2009 ( ولأول مرة منذ عام 2005) .
وفي عام 2010 عادت العلاقة الطردية بين الإيرادات النفطية والإنفاق العام لتؤكد نفسها من جديد، فما أن رجعت أسعار النفط لوتيرتها المتصاعدة ([13]) ومن ثم زادت العوائد النفطية، حتى ارتفعت وتيرة الإنفاق العام وبنسبة قاربت (26%) مقارنة بعام 2009 .
إن الارتفاع المستمر وغير المحسوب في الإنفاق العام سيولد بدوره آثارا سلبية متمثلة بارتفاع الأسعار التي تستتبع بموجات تضخمية متوالية، وذلك لأن زيادة الإنفاق العام في ظل الجهاز الإنتاجي غير المرن وغير القادر على تلبية الزيادة في الطلب الكلي الناجمة عن تصاعد الإنفاق العام ستؤدي إلى هذه الموجات من التضخم ([14]). كذلك فإن زيادة النفقات وبمعدل يفوق الإيرادات (كما في بعض السنوات) سيكون له أثرا سلبيا على الادخار الوطني .
المبحث الرابع:- هيكل الإنفاق العام في العراق:
صاحب الاتساع المستمر في نطاق الإنفاق العام والزيادة المستمرة في حجمه تغيّر في هيكله (أي النصيب النسبي لكل نوع من أنواع النفقة في مجموع الإنفاق الكلي) نظراً للتغيّر في الأهمية النسبية لكل وظيفة في علاقتها بالوظائف الأخرى التي تقوم بها الدولة .
وبشكل عام، أخذ العراق بنظام الموازنة الموحدة للدولة التي تتكون من الموازنة التشغيلية التي تضم النفقات الجارية (رواتب الموظفين، المستلزمات السلعية والخدمية،المنح والإعانات والمنافع الاجتماعية...)، والموازنة الاستثمارية التي تضم النفقات الرأسمالية على صعيد الوزارات والدوائر غير المرتبطة بوزارة فضلاً عن المحافظات وإقليم كردستان .
وبنظرة على الحسابات الختامية وما نفذ على صعيد النفقات الجارية والاستثمارية الموضحة في الجدول رقم (4) يلاحظ ما يأتي :-
1- على الرغم من الاتجاه الصعودي الجلي للنفقات العامة، إلا أنه لا يوجد هناك اتجاه واضح بالمقابل في تغير الإنفاق الجاري والاستثماري (تصاعدي أو تنازلي)، فالتذبذب هو الصفة الغالبة خلال السنوات 1991 – 2010، لكلا نوعي النفقات .
2- في معظم السنوات قيد البحث كانت النفقات الجارية تشكل أكثر من ثلاثة أمثال النفقات الاستثمارية، فلم تتجاوز النفقات الأخيرة نسبة (30%) في أية سنة، في حين تجاوزت النفقات الجارية في أكثر من نصف السلسلة الزمنية نسبة (80%) من إجمالي النفقات العامة .
جدول رقم (4)
تطور النفقات الجارية والاستثمارية في العراق خلال المدة 1991-2010
السنة |
النفقات العامة (مليار دينار) |
النفقات الجارية (مليار دينار) |
نسبة النفقات الجارية إلى النفقات العامة % |
النفقات الاستثمارية (مليار دينار) |
نسبة النفقات الاستثمارية إلى النفقات العامة % |
1991 |
17.5 |
15.7 |
89.7 |
1.8 |
10.3 |
1992 |
32.9 |
25.9 |
78.7 |
7.0 |
21.3 |
1993 |
69.0 |
50 |
72.5 |
19 |
27.5 |
1994 |
199 |
172 |
86.4 |
27 |
13.6 |
1995 |
691 |
606 |
87.7 |
85 |
12.3 |
1996 |
543 |
506 |
93.2 |
37 |
6.8 |
1997 |
606 |
534 |
88.1 |
72 |
11.9 |
1998 |
921 |
825 |
89.6 |
96 |
10.4 |
1999 |
1034 |
832 |
80.5 |
202 |
19.5 |
2000 |
1499 |
1152 |
76.9 |
347 |
23.1 |
2001 |
2070 |
1491 |
72.0 |
579 |
28.0 |
2002 |
2518 |
1763 |
70.0 |
755 |
30.0 |
2003 |
9233 |
7363 |
79.7 |
1870 |
20.3 |
2004 |
33657 |
28543 |
84.8 |
5114 |
15.2 |
2005 |
35981 |
28431 |
79.0 |
7550 |
21.0 |
2006 |
37494 |
30745 |
82.0 |
6749 |
18.0 |
2007 |
39308 |
32720 |
83.2 |
6588 |
16.8 |
2008 |
67277 |
52301 |
77.7 |
14976 |
22.3 |
2009 |
55590 |
45941 |
82.6 |
9649 |
17.4 |
2010 |
70134 |
54581 |
77.8 |
15553 |
22.2 |
المصدر:- وزارة المالية العراقية، الحسابات الختامية لسنوات متعددة.
ملاحظة :- العمودان (4،6) حسبت من قبل الباحث .
3- إن فقرة تعويضات الموظفين (الأجور والرواتب بضمنها المخصصات المختلفة) وفقرة المنح والإعانات والمنافع الاجتماعية وفقرة المستلزمات السلعية والخدمية للقطاع العام تشكل حسب التوالي الفقرات الثلاث الأساسية في الإنفاق الجاري العراقي . فلو أخذنا على سبيل المثال السنوات الثلاث الأخيرة من البحث (2008 – 2010)، لوجدنا أن تعويضات الموظفين شكلت نسبة (38%) من إجمالي النفقات الجارية لعام 2008، في حين تصاعدت هذه النسبة لتبلغ (53%) في عام 2009، ثم عادت النسبة لتنخفض إلى (49%) في عام 2010 .
أما فقرة المنح والإعانات والمنافع الاجتماعية،فشهدت انخفاضا من (29%) إلى (22%) ثم إلى (20%) خلال السنوات المذكورة على التوالي، بالمقابل فإن الإنفاق على السلع والخدمات سجل اتجاها صعوديا للسنوات الثلاث من (13%) إلى (14%) ثم إلى (17%) ([15]). وهذه النسب جميعها تدل على أن الفقرات الثلاث سالفة الذكر، أسهمت بأكثر من (80%) من الإنفاق الجاري خلال السنوات (2008 – 2010) .
وتشكل فقرة تعويضات الموظفين الثقل الأساس ليس على صعيد النفقات الجارية فحسب، إنما على مستوى إجمالي النفقات العامة المنفذة، وخير دليل على ذلك أنها أسهمت بحوالي (30%، 44%، 38%) من إجمالي النفقات الأخيرة للسنوات 2008، 2009، 2010 على التوالي.
4- في حالة ضغط النفقات (كما حصل في عام 2009 على أثر الأزمة المالية العالمية) فإن المفاضلة بين الإنفاق الجاري والاستثماري عادة ما تذهب إلى التضحية بالجانب الاستثماري على حساب الاستهلاكي، فالأخير يرتبط بالأجور والرواتب بالدرجة الأساس، وهي فقرة من الصعب المساس بها، لذا يتم التضحية غالبا بالنفقات الاستثمارية، التي يمكن التخلي عن بعض برامج الحكومة من خلالها، وذلك لأن آثارها على أفراد المجتمع تكون غير مباشرة وغير محسوسة على العكس من تخفيض النفقات الجارية ذات المساس المباشر بالأفراد، وهو ما تتجنبه الحكومات في العادة . ولكن الأمر كان أسهل في حالات الرواج ونمو الإيرادات وما يتمخض عنه من تصاعد النفقات، ففي مثل هذه الحالات، فإن الزيادة شملت كلا شقي الإنفاق العام (الاستهلاكي والاستثماري) .
5- إن اتجاه الإنفاق العام العراقي الواضح لصالح الموازنة التشغيلية على حساب الموازنة الاستثمارية، لا يسهم بحل مشكلة البطالة التي يعاني منها البلد . فالبطالة تعد من أعقد الأزمات الاقتصادية التي تواجه المسؤولين عن السياسة الاقتصادية، وإن حلها لا يكون من خلال بضعة آلاف من فرص العمل التي تتيحها الموازنة العامة السنوية في كل عام لينضموا إلى القطاع العام الذي يعاني بدوره من استشراء البطالة المقنعة، إنما يكون الحل، كما نعتقد، من خلال الترشيد ورفع إنتاجية النفقة وبما يدفع باتجاه توفير المال الضروري للاستثمار، سواء أكان استثمار حكومي أم استثمار خاص وأجنبي تهيئ له الدولة سبل الدعم والنجاح، وبما يسهم بإيجاد فرص عمل واسعة تحد فعلا من مشكلة البطالة .
6- من المعلوم أن زيادة الإنفاق الاستثماري ومن ثم زيادة التراكم الرأسمالي سوف يسهم في رفع معدلات النمو الاقتصادي في أي بلد، وهذه الميزة لا يمكن لها أن تتحقق في العراق في ظل تدني مستوى الإنفاق العام الموجه نحو الاستثمار.
المبحث الخامس:- الاستنتاجات والتوصيات:
أولا : الاستنتاجات :-
- إن المتتبع لحركة الإنفاق العام في العراق وبخاصة خلال العقدين الأخيرين، يلاحظ ارتفاعا مهما في الأرقام عبر السنوات، ولكن في حقيقة الأمر هي زيادة ظاهرية في غالبيتها، والسبب الرئيس وراء ذلك هو معدلات التضخم العالية التي شهدها البلد. بحيث كان معظم زيادة الإنفاق العام لمواجهة الارتفاع في المستوى العام للأسعار، ولم يصب في تحقيق المنفعة العامة للمجتمع .
- في العديد من سنوات البحث أسهمت النفقات العامة بنسبة تجاوزت (30%) من الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يدل على اتساع مدى تدخل الدولة في الميادين الاقتصادية الاجتماعية.
- أظهر البحث وجود معامل ارتباط مرتفع بين النفقات العامة من ناحية وكل من الإيرادات العامة والناتج المحلي الإجمالي من ناحية ثانية، بحيث بلغ حوالي (99%)، (95%) على الترتيب . وهذا يدل على ضعف في فعالية السياسة المالية في تحقيق أهداف الاستقرار الاقتصادي، إذ أن المحدد الرئيس لتغيرات الإنفاق العام يتمثل في مدى توافر الإيرادات العامة وبخاصة الإيرادات النفطية، وليس استخدام النفقات أداةً من أدوات السياسة المالية.
- أشارت الإحصائيات الواردة في البحث إلى أن معظم النفقات العامة يجري تنفيذها في إطار ما يعرف بالموازنة التشغيلية، وإن الرواتب والأجور لمنتسبي الدولة ومنهم العاملين في القطاع الأمني والعسكري، فضلا عن المنح والإعانات والمنافع الاجتماعية ومشتريات الدولة من السلع والخدمات ... شكلت النسبة الغالبة من الإنفاق الجاري في البلد .
- أبرزت الظروف الطارئة التي مر بها العراق (الحروب، الحصار، الاحتلال) الحاجة إلى الاستثمار من أجل إعادة تعمير وإنشاء البنى التحتية، والنهوض بواقع قطاعات النفط والصناعة والزراعة ... وهنا قد يكون هنالك دور للاستثمار الأجنبي وللقطاع الخاص في العراق لتحقيق ذلك، إلا أنه قدر تعلق الأمر بموضوعنا فإن دور الاستثمار الحكومي ضعيف في تحقيق هذه الأهداف، والدليل على ذلك النسبة المتواضعة للإنفاق الاستثماري بالقياس إلى الإنفاق الجاري خلال سنوات البحث .
- إن تغيرات النفقات العامة، وهيكليتها الحالية، لا تصب فقط في حل مشاكل الاقتصاد العراقي وأزماته، بل قد تسهم في تعميقها، فزيادة الإنفاق العام، وما يترتب عليه من توسع في الطلب الكلي، يشكّل أحد العوامل الدافعة نحو مزيد من التضخم، ولاسيما في ظل غياب الجهاز الإنتاجي المرن القادر على الاستجابة لارتفاع الطلب، كما أن ضعف الإنفاق الاستثماري، وقلة دعم الاستثمار الخاص والأجنبي ( سواء بسبب تشريعي أم سياسي أم أمني أم اقتصادي....)، شكلت بدورها عوامل معرقلة للتخفيف من البطالة واسعة النطاق في البلد .
إن هذه الاستنتاجات تنسجم وفرضيات البحث، فالزيادة الظاهرية للنفقات العامة، وانعدام التوازن بين الإنفاق الجاري والاستثماري لصالح الأول، كانت أحد عوامل ضعف السياسة الإنفاقية ودورها في السياسة الاقتصادية بعامة لتحقيق أهداف الاقتصاد في الإصلاح والتنمية .
التوصيات :-
- ضرورة تكثيف مساعي الدولة لضبط الإنفاق وترشيده، ويتطلب ذلك إصلاح بنود الإنفاق العام وجوانبه المتعددة، وتحسين كفاءة إدارات الإنفاق والدين العام ووضع الموازنات من منظور متوسط المدى يأخذ في الحسبان الموارد المتاحة والأهداف التنموية . وأن يكون شعار من يصنع القرار ويتخذه هو أن العبرة ليس في حجم الإنفاق، بل بمدى انعكاس هذا الإنفاق بالمنفعة على أفراد المجتمع.
- العمل على كسر حلقة الربط بين تقلبات النفقات وتقلبات الإيرادات (وبخاصة النفطية) والناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يؤدي إلى تفعيل دور السياسة المالية في مواجهة تقلبات الدورة الاقتصادية .
- إن استخدام الفوائض المالية الكبيرة في الإنفاق على تنمية البنى التحتية وتطويرها وتحسين التعليم والصحة يكون أكثر فاعلية إذا ما رافقه إحداث المزيد من التخفيض في الدين العام (التزامات الدولة)، وإنشاء وتغذية صناديق تثبيت الإيرادات وصناديق الادخار وذلك لضمان استقرار الوضع المالي .
- من الأمور التي ترهق كاهل موازنة الدولة مسألة الدعم وبخاصة البطاقة التموينية، وقد يكون إلغاؤها في الوقت الراهن أمرا غير مقبول سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، لأنه يشكل عبئا إضافيا على الطبقات الفقيرة في المجتمع، إلا أنه بالمقابل على أصحاب القرار وصانعي السياسة الاقتصادية أن يضعوا برنامجا مستقبليا يتم من خلاله إيجاد البدائل الواقعية لأجل الاستغناء عن البطاقة التموينية، علما أن إلغاء الدعم، وإن كان بصورة تدريجية، سيكون أحد العوامل الهامة في معالجة عجز الموازنة العامة الذي عانى منه الاقتصاد العراقي خلال العديد من السنوات الماضية .
- إن المطلوب في ظل واقع الاقتصاد العراقي، رسم سياسة إنفاقية تبنى على أساس وضع الأولويات في تحقيق الأهداف . مثل تحقيق الاستقرار المالي والنقدي والوصول إلى مستويات متقدمة من النمو الاقتصادي، وإجراء تعديل على الإختلالات الهيكلية في الموازنة العامة وفي الاقتصاد بعامة، والحد من معدل البطالة . وعلى الرغم من الترابط والتأثير المتبادل بين هذه الأهداف، وما يتمخض عنها من إشكاليات فرعية أخرى، وعلى الرغم من أهميتها جميعا، إلا أن الباحث يرى ضرورة إعطاء أولوية وأهمية استثنائية لهدف معالجة البطالة وذلك لكونها من المشاكل الخطرة التي يعاني منها البلد ليس على الصعيد الاقتصادي فحسب إنما على الصعيدين الاجتماعي والسياسي أيضا الهوامش:لمنطلق يوصي الباحث بضرورة توجيه الإنفاق الحكومي نحو خفض معدلات البطالة، الأمر الذي يستلزم التركيز في السياسة الاقتصادية على المشروعات التي توفر فرص العمل، ومن ذلك إعادة إعمار المشروعات المدمرة والمتوقفة عن العمل، وإنجاز مشروعات البنى التحتية والتوجه نحو مشروعات التنمية الصناعية والزراعية وأن يتم ذلك أيضا بتنشيط القطاع الخاص، وخلق البيئة الملائمة للاستثمار الأجنبي المباشر .
كما هو معلوم، فإن العراق غني بموارده ولكنه فقير في انجازاته، والسبب الرئيس في ذلك هو ضعف الكفاءة الإدارية وانتشار الفساد المالي والإداري (بشهادة المؤسسات الدولية والمحلية)، لذلك يرى الباحث، على قدر تعلق الأمر بالجانب المالي، بضرورة إعطاء موضوع الرقابة على تنفيذ النفقات الأهمية الاستثنائية، سواء أكانت رقابة مجلس النواب أم رقابة مالية مستقلة .
1 – عادل أحمد حشيش، أساسيات المالية العامة – مدخل لدراسة أصول الفن المالي للاقتصاد العام، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2005 . ص98.
[2]- مجدي الشوربجي، اقتصاد المالية العامة، القاهرة، 2008 .ص142.
[3] - المصدر نفسه . ص143-144.
[4] - جهاد سعيد خصاونة، علم المالية العامة والتشريع الضريبي، دار وائل للنشر، عمّان، 2010 . ص37.
[5] - عادل أحمد حشيش، المصدر السابق .ص 100-101.
[6] - محمد دويدار، دراسات في الاقتصاد المالي، منشأة المعارف، الإسكندرية، سنة الطبع (بلا)، ص91.
[7] - مجدي شهاب، أصول الاقتصاد العام – المالية العامة، دار الجامعة الجديدة، الأزاريطة، 2004، ص222-223.
[8] - خالد شحادة الخطيب، أحمد زهير شامية، أسس المالية العامة، دار وائل للنشر والتوزيع، عمّان، 2005، ص87.
[9] - عادل العلي، المالية العامة والقانون المالي والضريبي، إثراء للنشر والتوزيع، عمّان، 2011، ص59.
[10] - أو ما يعرف بالميل المتوسط للنفقات العامة ويقاس بقسمة النفقات العامة لسنة معينة على الدخل القومي أو الناتج المحلي الإجمالي للسنة نفسها.
[11] - إن الخلل في السياسة المالية في العراق يعود أيضاً إلى الضعف في السياسة الضريبية، إذ يعاني الجهاز الضريبي من تخلف نسبي، ولا زالت الإيرادات الضريبية متدنية جداً، ودورها لا يكاد يذكر بالقياس لإجمالي الإيرادات المملة لموازنة الدولة .
[12] - صندوق النقد العربي، التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2009، أبو ظبي . ص105.
[13] - زاد متوسط أسعار النفط العربي في عام 2010 بنسبة تجاوزت (25%) بالقياس إلى عام 2009، بحيث بلغ سعر النفط كحد أدنى في عام 2010 حوالي (75) دولارا للبرميل الواحد.
للمزيد من التفاصيل أنظر :-
صندوق النقد العربي، التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2011، أبو ظبي . ص96 .
[14] - محمد صقر، محمد معن ديوب، هيفاء غدير، واقع وآفاق السياسات المالية والنقدية في البلدان النامية، مجلة جامعة تشرين للدراسات والبحوث العلمية – سلسلة العلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد (27)، العدد(3)، 2005 . ص118 .
[15] - وزارة المالية، الحسابات الختامية للسنوات (2008 – 2010).