تأملات قانونية في رسالة القضاء للإمام علي عليه السلام
تتملكني هيبة عظيمة، عندما أكتب في الفكر القانوني للإمام علي (عليه السلام) في القضاء، ذلك الإمام المقدس، الذي كلما زاد الإنسان به معرفة زاد له حباً وتعظيماً. وهو الذي يقول لو أحبني جبل لتهافت، فكيف بنا ونحن نملك قلوب آدمية. وهذا الحب لم يأت من فراغ. فقد أخذ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بيد الإمام علي (عليه السلام) وقال له أرفعها إلى السماء وأسأل ربك يعطيك شيئاً، فرفع الإمام يده وقال: ((اللهم أجعل لي عندك ودا))، فنزلت الآية الكريمة: (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا))( ). والإمام علي (عليه السلام) لايحتاج إلى تعريف، فهو صفحة رائعة من الأشراق الإنساني، تضيف شرفاً إلى تاريخ الإنسانية. وثروة علمية لاتحد بحدود، إذ إتسم فكره بالأستقامة والواقعية التي كونت له رصيداً من الألق والثراء، لم نجده في غيره بالرغم مما يمتلكونه من هالة القدسية والعظمة في نفوس المسلمين.
المقدمة
تتملكني هيبة عظيمة، عندما أكتب في الفكر القانوني للإمام علي (عليه السلام) في القضاء، ذلك الإمام المقدس، الذي كلما زاد الإنسان به معرفة زاد له حباً وتعظيماً. وهو الذي يقول لو أحبني جبل لتهافت، فكيف بنا ونحن نملك قلوب آدمية. وهذا الحب لم يأت من فراغ. فقد أخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد الإمام علي (عليه السلام) وقال له أرفعها إلى السماء وأسأل ربك يعطيك شيئاً، فرفع الإمام يده وقال: ((اللهم أجعل لي عندك ودا))، فنزلت الآية الكريمة: (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا))([1]). والإمام علي (عليه السلام) لايحتاج إلى تعريف، فهو صفحة رائعة من الأشراق الإنساني، تضيف شرفاً إلى تاريخ الإنسانية. وثروة علمية لاتحد بحدود، إذ إتسم فكره بالأستقامة والواقعية التي كونت له رصيداً من الألق والثراء، لم نجده في غيره بالرغم مما يمتلكونه من هالة القدسية والعظمة في نفوس المسلمين وأذكر في هذا المجال الشاعر المبدع المتنبي، حين عوتب في تركه مدح الإمام علي (عليه السلام) فأنشد هذين البيتين:
وتركت مدحي للوصي تعمداً |
إذ كــان نــوراً مستــطيـلاً شــامــلا |
وبالرغم من قضاء الإمام (عليه السلام) يعد ثروة علمية، فإنها لم تحظى بأهتمام المختصين بالقانون بالدراسة والتحليل وبالعمق الذي تضمنته هذه الرسالة، وإنما إنصب جهد الفقهاء على سرد الوقائع التي قضى بها الإمام علي سبيل الحكمة والموعظة.
ويجمع الباحثون على ان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((أقضاكم علي)) و((أقضى أمتي علي))([2]). وأن الإمام محمد الباقر(عليه السلام) قال: ((ليس أحد يقضي بقضاء يصيب في الحق الا مفتاحه قضاء علي))([3]). ويقول الإمام علي (عليه السلام) بهذا الصدد: ((لو ثنيت لي الوسادة، لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم واهل الأنجيل بأنجيلهم واهل الفرقان بفرقانهم، حتى ينطق كل واحد ويقول قد قضى علي فيّ بما أنزل) وأقر المخالف كالمؤالف أنه أقضى الأمة([4]).
فالإمام علي (عليه السلام) أقضى أهل زمانه، لأنه أعلمهم بالفقه والشريعة وهما الوجدان، الذي أعطاه القدرة في أستخدام علمه في القضاء أصدق توجيه. وفي المأثور عن عمر بن الخطاب قوله للإمام علي(عليه السلام): ((لابارك الله في معضلة لم تحكم فيها يا أبا الحسن)) وقوله: ((لولا علي لهلك عمر)) وقوله أيضاً: ((لايُفتين أحد في المسجد وعلي حاضر))([5]). ولاريب أن التأمل القانوني في قضاء الإمام علي(عليه السلام) يعد بحثاً عن القضاء الإسلامي بأعلى مستوياته وستقتصر دراستنا على رسالة القضاء التي كتبها الإمام علي(عليه السلام) للصحابي الجليل مالك بن الأشتر النخعي رضوان الله تعالى عليه حين ولاه على مصر والذي يكفيه فخراً أن الإمام قال فيه: ((رحم الله مالكاً فلقد كان لي كما كنت لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم))).
وهذا البحث أسهامة متواضعة، آملاً أن يأخذ بها المشرع العراقي بنظر الأعتبار من أجل بناء نظام قضائي عادل، ذلك أن القضاء ولاية جليلة القدر في الإسلام ويعد من أجل المناصب خطراً وأشرفها قدراً وأعظمها ذكراً، لأنه مقام عليّ ومنصب نبوي، به الدماء تعصم وتسفح والأبضاع تحرم وتنكح والمعاملات يعلم ما يجوز منها وما يحرم. وقد وردت آيات كثيرة تدل على أهمية القضاء، لأنه تلو النبوة، أي ما يتلوها ويتبعها إذ بعث الله تعالى الأنبياء للناس بوصفهم مبشرين وقضاة ليحكموا بينهم، فقد ورد قوله تعالى: ((كان الناس أمة واحدة، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيماأختلفوا فيه))([6]). ورسالة القضاء للإمام علي(عليه السلام)، تعد نظريةً متكاملة في القضاء، تفوق أرقى نظم القضاء في العصور الحديثة دقة وعدالة، فهي من الوثائق العلمية التي أستنبط منها الفقهاء تحديد صفات القاضي وشروطه([7]). وسنتناول دراسة هذه الرسالة بتوزيعها إلى المبحثين الآتيين:
المبحث الأول – صفات وشروط إختيار القاضي في رسالة الإمام علي(عليه السلام).
المبحث الثاني – ضمانات التقاضي عند الإمام علي(عليه السلام).
نسأل الله الموفقية والسداد وان يهدينا إلى سواء السبيل والحمد لله رب العالمين.
المبحـث الأول: صفات وشروط إختيار القاضي في رسالة الإمام علي(عليه السلام)
تعد رسالة القضاء للإمام علي(عليه السلام) من الوثائق المهمة التي أستند إليها الفقهاء في تحديد صفات إختيار القاضي وشروطه وتحقيق العدالة والمساواة أمام القضاء والتي كانت معطلة بين الحكام والناس، فقد درج غالبية الحكام على تولية القضاء رجالاً ذوي صفات تستلزمها مصالح هؤلاء الحكام، حتى إذا ما ساوى القانون بين طبقات الناس فإن القاضي يعطل هذه المساواة ويحكم بمصالح الحكام وأصحاب الأمتيازات. ويشير الأستاذ جورج جرداق([8]) إلى أن تاريخ أوربا في القرون الوسطى، يفيض بإختيار هذا النوع من القضاة، وكذلك تاريخ الشرق العربي أيام الأمويين والعباسيين و المماليك والأتراك وغيرهم، إذ ان الجرائم التي أرتكبها القضاة المنحرفون بأسم العدالة، لما يخزي جبين الإنسانية وتستوجب اللعنة على رؤوس أولئك القضاة.
وقد ركز الإمام علي(عليه السلام) في رسالته في القضاء على قواعد صارمة في أختيارالقاضي وشروطه ليحول دون الغبن الذي يلحق بالناس عن طريق القاضي. والشروط التي أستنتجها الفقه من رسالة القضاء يمكن تحديدها على النحو الآتي:-
أولاً – شرط الكفاءة العلمية
شرط الكفاءة العلمية، يعد من أول الشروط التي يجب أن تتوفر عند القاضي، لأنه بدون هذا الشرط، سوف يضطر القاضي إلى أن يحكم أما بعلمه المحدود وأما وفق هواه وكلاهما لايكفي لأن يقيم حدود المساواة بيــن الناس، فالكفاءة العلمية تعـني معرفة القــاضي الــشاملة بــالقــوانيــن والأحــكــام وتحــديــد الواقــعة التــي يــريــد الحــكـم فيــها تحــديــداً دقيــقاً فهو يستند بذلك على خبرة الأجيال والقوانين والشرائع التي سبقته. ويجب أن يستند كذلك على قوانين موحدة، تكون نافذة في جميع أنحاء البلاد، فلا يصدر قاضي البصرة مثلاً، حكماً في قضية، يكون قاضي الكوفة قد أصدر حكماً معارضاً له في قضية مشابهة لها، ويكون قاضي بغداد قد أصدر حكماً ثالثاً لايتفق مع واحد من هذين في أساس ولافرع. وشرط الكفاءة يستوجب على القاضي أن يكون لديه علم مرتبط بالقانون والأحكام وعلم يرتبط بالواقع، ويعتمد في تطبيقه للأحكام والقوانين على قدرة القاضي على الأستنباط عند ربطه بين النظرية والواقع.
وقد أختلف الفقه في درجة الكفاءة العلمية للقاضي، فهل تصل هذه الكفاءة إلى حد الأجتهاد فمنهم من أوجب([9]) الاجتهاد، وهو ملكه استنباط الأحكام الفرعية من ادلتها التشريعية التفصيلية. والرأي([10]) الراجح حصر الاجتهاد بقدرة القاضي على الترجيح بين الأقوال. وأشار الإمام علي(عليه السلام) على شرط الكفاءة العلمية في رسالته والتي جاء فيها: ((ثم أختر للحكم ((أي القضاء)) أفضل رعيتك، وأشتراط أفضل الرعية لايعني أن يكون القاضي أعلم زمانه وأنما يفهم منها الترجيح في الصفات التي يجب أن تتوفر في القاضي على غيره وان يحيط علماً بمعرفته بتفاصيل القضايا التي تعرض عليه. وقد عبر عنها الإمام(عليه السلام) بأنه ((لايكتفي بأدنى فهم دون أقصاه)) أي انه لايكتفي عند أصدار حكمه بما يبدو له بأول فهم ويقر به دون أن يأتي على أقصى الفهم بعد التأمل، فهو لايكتفي بأقوال الخصوم، وأنما يحاول أن يستزيـــد ويضيــف إلـــى معلومــاته، معلومــات أخــــرى حتى يحيط بالـقضيةالمـعروضة أمامه من كل جوانبها،لأن الأحـــاطة بـــذلك ستمكنه من الوصول إلى جعل الحقيقة القضائية مطابقة للحقيقة الواقعية، ولذلك وصف الإمام هذا القاضي بـ((وأوقفهم في الشبهات)) وهي ما لايتضح الحكم فيه بالنص، فلا يحكم إلا وقد دله علمه على أصل الحادثة الصحيح بعد الصبر على تكشف الأمور وبعد الأخذ بالحجج والمقاييس. وينتقد الإمام علي(عليه السلام) القاضي الجاهل الذي أوصلته إلى منصب القضاء أمور غير الكفاءة العلمية، بأنه: ((قد سماه أشباه الناس عالماً وليس به فأستكثر من جمع ما قلّ منه خير ما كثر. حتى إذا أرتوى من ماءاً جن وأكتنز من غير طائل، جلس بين الناس قاضياً ضامناً تخليص ما ألتبس على غيره، فأن نزلت به أحدى المهمات هيأ حشواً رثاً من رأيه ثم قطع به فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت)).([11])
ولتحقيق شرط الكفاءة العلمية، كان الإمام علي(عليه السلام) يجمع القضاة والفقهاء بين حين وحين، ليوحد الأسس التي تقوم عليها الأحكام القضائية في كافة أنحاء البلاد ويجعل من القضاة على علم واسع بما بلغ إليه الأجتهاد.
ثانياً – شرط العدالة
العدالة ملكة في النفس،تمنع صاحبها من أرتكاب الكبائر والرذائل والأصرار على الصغائر فهي أستواء أحوال الإنسان في دينه واعتدال قوله وأفعاله([12]).وشرط العدالة يمكن أن نستنتجه من عهد الإمام لمالك بن الأشتر والذي جاء فيه:(ولايكونّن المحسن والمسئ عندك بمنزلة سواء، فإن ذلك تزهيداً لأهل الأحسان في الأحسان وتدريباً لأهل الأساءة على الأساءة، وألزم كلاٍ منهم ما ألزم نفسه)).([13]) وجاء في هذا العهد أيضاً قوله(عليه السلام) ((وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها لرضا الرعية)).
ولما كانــت شخصيــة الإمــام علي(عليه السلام) من الأصالة والتماسك،فــقد ضــرب بنفسه أروع الأمثال على المساواة المطلقة بين الناس أمام القضاء، فقد شكا أحد الناس الإمام علي(عليه السلام) إلى عمر بن الخطاب في خصومه، وكان عمر خليفة، فأحضرهما وقال لعلي قف يا أبا الحسن بجانب خصمك، فبدا التأثر على وجه الإمام علي(عليه السلام): فقال عمر: أكرهت يا علي أن تقف إلى جانب خصمك، فقال لا ولكني رأيتك لم تُسوّ بيني وبينه، إذ عظمتني بالتكنيه ولم تُكنُه. ([14])
والعدالة عند الإمام علي(عليه السلام) تستند إلى روح التشريع الإسلامي ونصوصه، فهي ليست مجرد فضيلة من الفضائل، بل بوصفها جزءاً من الشريعة، وقد وردت كثير من الآيات القرآنية في الحثعلى الأخذ بالعدالة، منها ((أن الله يأمر بالعدل)) ([15])، بل ذهبت العدالة في الإسلام مدى بعيداً، ابعد مما عرف في آية شريعة أخرى من الشرائع السماوية أو الوضعية، إذ نجد القرآن الكريم يحث على العدالة حتى ضد نفس المرء وحتى مع الأعداء، فقد ورد قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط، شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين))([16]). فإن الله يأمرنا في هذه الآية الكريمة أن نكون عدولاً حتى ولو جاء ذلك العدل ضد أنفسنا أو الولدين أو ذوي القربى ولحقنا الضرر من ذلك. وقوله تعالى: ولايجرمنكم شنان قوم على ان لاتعدلوا، أعدلوا هو أقرب للتقوى)) ([17]). والإسلام لايتطلب العدالة من القضاء فحسب، وأنما هي مفروضة على كل من يملك سلطة أيضاً، فقد أوجب الإسلام على الحكام، ألتزام العدالة حتى مع الأعداء ([18]).
وشرط العدالة يمكن أن نستنتجه أيضاً من أختيارالأفاضل للقضاة فكلما كان القاضي فاضلاً عادلاً،فإن له فاعليةأكبرفي إصدارالحكم القضائي بالعدل ومعيارالعــدالة التي يجب أن يتوفــرفي القــاضي هوأجتناب الكــبائر وعــدم الأصرار على الصغائر، لأن أرتكاب الكبائر يؤدي إلى الأخلال بالعدالة اما أرتكاب الصغائر، فإنه لا يؤدي إلى الأخلال بالعدالة إلا عند الأصرار عليها. والأصرار حالة نفسية، تعني كون الإنسان مرتكباً للذنب، لا بوصفه صدفه عابرة على النفس، بل بأقبال نفسي ثابت والكبائر هي كل ذنب توعد الله عليه بالعقاب بالكتاب العزيز أو هي كل ذنب توعد الله عليه بالنار ([19]). وهي أرتكاب المحرمات المتفق عليها، وهي الكفر بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وأكل الربا ومال اليتيم ظلماً والفرار من الزحف. اما الصغائر، فهي حسب تعبير العلامة الحلي، ترك المندوبات وان أصر عليها ما لم يبلغ الترك إلى التهاون بالسنن ([20]).
ثالثاً – شرط العقل والبلوغ
أجمع الفقهاء المسلمون([21]) على هذين الشرطين، لأن كل منهما شرط طبيعي، ذلك ان فاقد العقل الذي هو مناط التكليف غير مكلف، فإنه من باب أولى ان تكليفه بالقضاء لايصح. وعليه لاتصح ولاية المجنون ولا السفيه للقضاء، وكذلك لايجوز تقليد الصبي القضاء، لأنه لايملك الولاية على نفسه، فكيف يملك الولاية على غيره. ذلك ان العقل هو وسيلة مثلى يستطيع بها القاضي ان يكون قادراً على إداء وظيفته القضائية على أفضل شكل. وفي رسالة القضاء للإمام علي(عليه السلام) ما يؤكد على ان هناك بعض الصفات، لاتتم إلا بتسديد العقل، ليس فقط العقل بوصفه مقابلاً للجنون، وإنما الأستفادة من العقل في مراحله العليا، التي يتوصل بها القاضي إلى الكشف على الحقائق الواقعية المطابقة للحقائق القضائية. فجاء في رسالة الإمام(عليه السلام) بأن يختار القاضي الذي تتوفر فيه بأن يأخذ ((بالحجج وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم وأصبرهم على تكشف الأمور وأصرمهم عند أتضاح الحكم، من لايزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء. وتعتمد هذه الأمور على قدرة وإرادة ووعي، وهذه كلها من معطيات العقل.
رابعاً – شرط سلامة الحواس
نقصد بشرط سلامة الحواس، ان تكون حواسه سليمة من أي عيب، وذلك بأن يكون القاضي سليماً في سمعه وبصره ونطقه، ونتفق مع الرأي الراجح من الفقه ([22]) إلى عدم جواز قضاء الأصم والأعمى والأخرس، لأن الأعمى لايستطيع التمييز بين الخصوم وكذلك الأصم لايفرق بين أقرار وأنكار، بل ان جانب من الفقه ذهب إلى أستحباب صفات آخرى في القاضي، منها سلامة أطرافه وبهجة صورته وزيادة ورعه وأتصافه بكل جميلة، تزيده هيبة في النفوس وعظمة في القلوب وخلوه عن كل ما ينقص من قدرته ومنزلته ([23]).
وبالرغم من ان الإمام علي(عليه السلام)، لم يشر إلى هذه الصفات بصورة مباشرة في رسالته، غير ان هذا الشرط، يمكن ان نجده في وصاياه، فقد أمر القاضي شريح بقوله: ((واسي بين المسلمين بوجهك ومنطقك ومجلسك))، وهذه المساواة لاتتحقق إلا لمن سلمت حواسه على النحو الذي بيناه.
خامساً شرط المزايا الخلقية الكريمة
الخلق العظيم، الكريم مصدر كل قضاء شريف، لذلك يجب أن يتوفر في شخص القاضي، شرط خلقي لاينفع وجود الشروط التي ذكرناه بدونه، وقد أشترطت رسالة القضاء للإمام علي(عليه السلام) شروطاً أخرى تؤكد على توفر المزايا الخلقية وهي على النحو الآتي:-
1- ولا تضيق به الأمور
أي يمتلك سعة الصدر وضبط النفس والرفق بالمتخاصمين حتى ولو أسمعوه كلاماً عنيفاً يضيق به الصدر، فهو يسيطر على عواطفه بما يمتاز به من كفاءة علمية ونفس عزيزة.
2- ولاتُمحِكُهُ الخصوم
ويقصد بهذه الصفة ان لايضيق خلق القاضي عندما يثيره الخصوم ومبالغتهم بالأمور الهامشية، وانما يجب ان يكون حيادياً، يقتصر دوره على ما يقدمه الخصوم من أدلة في الدعوى، وان ينطلق أقتناعه دائماً من أثباتهم فيما قدموه من أدلة وما أتخذوه من موقف وان يسيطر على مشاعره، مهما أثاره الخصوم، وذلك بأن يلتزم الحياد وان يقف بين الخصوم موقف الحكم الذي يزن المصالح القانونية للخصوم بالعدل ([24]).
3- ولا يتمادى في الزّلة.
يجب على القاضي ان لايصر على الخطأ، لأنه إنسان عادل يهدف عمله إلى رفع الظلم عن الخصوم، فعليه ان يقدر الأمور كما هي ويعمل بموجبها، وان يعمل دائماً على تصحيح الخطأ ولايصر عليه.
4-ولايحصّرُ من الفئ إلى الحق إذا عرفه.
من الصفات التي يجب على القاضي أن يتصف بها، هي ان لايضيق صدره من الرجوع إلى الحق، فهو يعود إلى الحكم السابق إذا عرف صواب هذا الحكم لأن القاضي بشر، وقد يخطأ لذلك فإن الإمام(عليه السلام) أجاز له تصحيح هذا الخطأ والرجوع إلى الحكم الصحيح، لأن تصحيح الحكم خير من التمادي فيه([25]).
5-ولا تُشرف نفسه على طمع.
الطمع من سافلات الأمور، ومن نظر إليه وهو في أعلى منزلة النزاهة، لحقته وصمة النقيضة، فكيف بمن هبط إليه وتناوله. لذلك يؤكـد الإمــام علي(عليه السلام) عــلى الــقاضي بأن لايـشرف على طمـع ويجــب
عليه ان لايتسرع إلى كسب الغنائم، لأنــه لايـخاف ان يفوته شــئ مــن الربح إذا حكم بما أراد الله([26]).
6-ولايكتفي بأدنى فهم دون أقصاه.
وهذه الصفة تعني ان لايكتفي القاضي في الحكم بما يبدو له بأول فهم ويقربه وانما يحيط بالحكم إلى أقصى درجة من الفهم والتأمل، لأنه يمتلك شرط الكفاءة العلمية، وهي شرط أساس في الشخص الذي يجب ان يتولى وظيفة القضاء، فهو يتبصر بأمور القضية تبصراً طويلاً، ولايكتفي بالمعلومات الأولية التي يحصل عليها كل قاض وأنما يزيد عليها من أستنباطه الأبداعي، و عملية الأستنباط عملية شاقة، تتطلب من القاضي بذل مجهود ذهني في تكوين أعتقاده. وبما ان أستنباط القاضي يقوم على الأحتمال والترجيح، فإنه يكون معرضاً للخطأ، لأن القاضي بشر وقدراته محدودة، ولذلك يجب عليه أن يظهر كثيراً من الحكمة والحذر فيما يستنبطه من وقائع الدعوى([27]).
7-وأوقفهم في الشبهات.
ويقصد بهذه الصفة أن لايأخذ القاضي بما لايتضح فيه الحكم إلا بالدليل الواضح، فإذا لم يتضح له الدليل، فيجب عليه عدم أصدار الحكم في القضية المعروضة عليه إلى أن يصل إلى أصلها الصحيح، لذلك يجد صاحب الحق نفسه مضطراً إلى ان يقنع القاضي بإقامة الدليل على وجوده إذا ما تعرض هذا الحق للأنكار من جانب الغير، وبدون إقامة هذا الدليل، لايستطيع ان يحصل على الحماية القضائية، فيتعرض لفقدان حقه، لأن القاضي لن يكون ملزماً بأن يسلم بصدق هذا الأدعاء ويستطيع القاضي ان يحسم المنازعات بين الخصوم وان يدحض الأدعاءات الكاذبة والكيدية، تحقيقاً للعدالة لصالح جميع المتخاصمين ([28]).
8-وآخَذَهُم بالحجج.
أي يجب أن يستند القاضي في حكمه على الأدلة التي يقدمها الخصوم أمامه، لذلك ان الحق دون دليل، يصبح هو والعدم سواء بسواء وإذا كانت الشريعة الإسلامية ترسم لكل فرد حدود حريته وتبين حقوقه وواجباته، فإن أسباب النزاع، قد تنعدم بين الناس إذا ما ألتزم كل شخص حدوده وأدى حق غيره، غير أنه لما كانت النفس الإنسانية مطبوعة على الأثرة، ميالة إلى الأستزاده مما لها، للتخلص مما عليه ولو بغير حق، كان ذلك مثاراً للمنازعات بين الأفراد([29]). ولقد جاء في الحديث الشريف إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((لو يعطى الناس بدعواهم لأدعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه)) ([30]). ولذلك يجب على القاضي ان يجعل الدليل هو الأساس في قبول الدعوى ويجب عليه ان يرد كل دعوى لأتستند إلى دليل.
9-وأقلهم تبرماً بمراجعة الخصم.
يجب على القاضي ان لايكون ضجراً من كثرة مراجعة الخصوم له، وانما عليه أن لايمل من هذا الأمر، وان لايقضي وهو غضبان أو جائع أو ممتلئ أو عطشان، لأن هذه العوارض تشوش عليه نظره وفكره، مما يشغله عن الحق. وهذه الصفات من آداب القضاء المعروفة في الفقه الإسلامي.
10-وأصبرهم على تكشف الأمور.
يشترط الإمام(عليه السلام) على القاضي ان لايتسرع عند أصدار الحكم وإنما يجب عليه ان يتبصر في الأمور تبصراً طويلاً وان يتحمل الصبر من اجل كشف الملابسات التي تحيط بالقضية المعروضة عليه.
11-وأصرمهم عند اتضاح الحكم.
أشترط الإمام(عليه السلام) في القاضي الحب المطلق للعدالة والميل الأصيل لدفع الظلم، فمجرد ان يصل إلى الحقيقة الواقعية، يجب عليه ان يكون صارماً في قطع الخصومة وإصدار الحكم العادل بها.
12 – ممن لايزدهيه إطراء.
على القاضي ان لايخشى في الحق أحداً ولايتأثر بالمديح أو الإطراء، لأنه يمتلك شخصية قوية في كل حكم يجب أن يصدره.
13- ولايستميله إغراء.
وهذه الصفة تعني ان على القاضي ان لايتأثر بالإغراءات المادية التي يقدمها الخصوم أحياناً من هدية أو رشوة، أو يكون فيه حنين إلى الحظوة لدى الوجهاء، فهو لايشرف على طمع، لأنه من أفضل الرعية، ولأن الإغراء يؤدي بالقاضي إلى الأنحراف عن العدل. وقد عالج الإمام علي(عليه السلام) هذا الأمر كما سنرى ذلك بتأمين القاضي أقتصادياً، كي لايطمع برشوة أو منفعة فينحرف عن العدالة ([31]).
سادساً – وهناك شروطاً أخرى ذكرها الفقهاء وهي محل خلاف لديهم وهما شروط الحرية والذكورة والإسلام وطهارة المولد وسنتناول دراسة هذه الشروط في النقاط الأربعة الآتية:
1-شرط الحرية.
ذهب جانب من الفقه ([32]) إلى إعتبار الحرية شرطاً للقضاء، ذلك ان القضاء من باب الولاية ولا ولاية لغير الحر على نفسه، فمن باب أولى أن لاتكون الولاية على غيره. ووضع فقهاء الإمامية ([33]) قاعدة أكثر وضوحاً في القواعد التي تقضي بأن كل من ((لاتقبل شهادته، لاينفذ حكمه)) كالولد على والده والعبد على سيده والعدو على عدوه. ولما كانت شهادة العبد مقبولة فإن له الحق في تولية القضاء.
2- شرط الإسلام
وذلك لأن القضاء ولاية لغير المسلم على المسلم. وقد ورد قوله تعالى ((ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا))([34]) فضلاً عن ذلك ان القضاء، يتطلب معرفة بأصول الأحكام الإسلامية وانه نوع من المسؤولية والأمانة لا يتحملها إلا من يخشى الله. وعليه لابد ان يكون القاضي مسلماً، فلا ينعقد القضاء للكافر لأنه ليس أهلاً للأمانة.
3- شرط الـذكورة.
تذهب غالبية المذاهب الفقهية إلى ان الذكورة شرط لجواز ولاية القضاء، لذلك أختلفوا في قضاء المرأة، وذهب الرأي السائد إلى عدم جواز ولاية المرأة للقضاء ([35]). ويذهب رأي آخر إلى ان المرأة يجوز ان تكون قاضية في الأمور المدنية ولايجوز ان تكون قاضية في الأمور الجزائية، لأن هذا النوع من القضاء، لايتناسب وطبيعة المرأة وان إعفاءها من تحمل مسؤولية القضاء الجنائي والإمارة، يرجع إلى تخفيف المسؤولية عنها والرفق بها وليست لنقصها وعدم أهليتها. ونعتقد ان هذا الرأي جدير بالتأييد.
4-شرط طهارة المولد.
وأشترط جانب ([36]) من الفقه هذا الشرط، لأن شهادة أبن الزنا تكون باطلة، ومن باب أولى تكون توليته للقضاء باطلة أيضاً، وبالرغم من أنه لم يعزل شخص عن منصب القضاء، لأنه يفتقر إلى شرط طهارة المولد، غير ان الأهتمام بهذا الشرط جاء بسبب الهالة والمهابة التي يجب ان يمتلكها القاضي، ليكون على أفضل صورة وأحسن سمعة حتى لايستطيع أحد النيل منه، ويترتب على ذلك أضعاف سلطته القضائية. وهذا ما يفهم من رسالة الإمام علي(عليه السلام)، عندما طلب من مالك الأشتر ان يختار للقضاء أفضل رعيته ممن يتصف بصفات وفضائل لايتصف بها عامة الناس.
المبحث الثاني: ضمانات التقاضي عند الإمام علي(عليه السلام)
تستند رسالة القضاء للإمام علي(عليه السلام) على أسس مهمة تهدف إلى تنظيم حسن سير القضاء وإجراءاته وضمان حقوق الخصوم وعدم الأضرار بهم، فضلاً عن ذلك يحرص الإمام علي(عليه السلام) على إيجاد قواعد خاصة لضمان نزاهة القضاة وحيدتهم وحماية أستقلالهم تجاه الخصوم. والغرض من هذه الضمانات، هي حماية القاضي من نفسه، التي قد تدفعه إلى التعسف في أستعمال السلطة القضائية أو إلى نوع من التعدي على حقوق المتقاضين، ورسالة الإمام(عليه السلام) وضعت حداً لهذه التصرفات التي قد تأثر على نزاهة القاضي وحياده لأن القاضي بشر والنفس أمارة بالسوء([37]) وقد وضع الإمام علي(عليه السلام) أسساً لضمان وظيفة التقاضي ندرجها على النحو الآتي:
أولاً – إختيار الأكفاء للقضاء.
ثانياً – تأمين الأمن الوظيفي والأقتصادي للقضاة.
ثالثاً – أستقلال القضاء والرقابة الدقيقة على أعمال القضاة.
رابعاً – مراعاة وحدة الأحكام القضائية.
خامساً – مراعاة حق الدفاع والمساواة بين الخصوم.
ولاريب ان هذه الأسس تعد من الضمانات المهمة لصحة التقاضي وسنخصص مطلب لكل أساس منها ونضيف عليها مطلباً آخر نخصصه للمقارنة بين شروط القاضي عند الإمام علي(عليه السلام) والتشريع العراقي. ولما كان إختيار الأكفاء للقضاء سبق وان تم بحثه، فإننا سنوزع دراسة هذه الأسس إلى المطالب الخمسة الآتية:
المطلب الأول: تامين الأمن الوظيفي والأقتصادي للقضاة
يستند النظام القضائي عند الإمام علي(عليه السلام) على ضرورة تأمين وسيلتين أساسيتين، وهما تأمين الأمن الوظيفي والأقتصادي للقضاة، لأن عدم ضبط هاتين الوسيلتين، قد تؤدي إلى أضطرار القضاة إلى الأنحراف وقد اوضح الإمام(عليه السلام) هذا الأمر إلى مالك بن الأشتر والتي جاء في رسالته: ((وأعطه أي القاضي)) من المنزلة لديك ما لايطمع فيه غيره من خاصتك، ليأمن بذلك إغتيال الرجال له عندك، فأنظر في ذلك نظراً بليغاً)). وبهذه الرسالة يوصي الإمام علي(عليه السلام)، ان تكون للقاضي منزلة رفيعة عند السلطة التنفيذية بحيث لايستطيع أحد مهما كانت درجته ان يعيق عملهم،ذلك لأن القاضي إذا ما تم تأمين الأمن الوظيفي له، فإن الخاصة أو العامة سوف تهابه، ولايجرؤ أحد على الوشاية به عند السلطة خوفاً منها وأجلالاً لعظمة القاضي، لأنه من دون تأمين هذا الأمن الوظيفي للقاضي وبوصفه بشر فإنه يخاف من السلطة أن تغدر به أو نقضي عليه، أو يخاف من التهديد بالقتل ومن ان ينال الوجهاء المتنفذين من كرامته والأعتداء عليه إذا قضى عليهم لصالح مظلوم أو لغير مصلحتهم. وقد أقرت التشريعات المعاصرة هذا المبدأ الذي أعتمده الإمام علي(عليه السلام) وأخذت به غالبية التشريعات المعاصرة. وأعتبر المشرع العراقي ([38]) تدخل المسؤولين أو أي مواطن في شؤون القضاء، جريمة يعاقب عليها القانون.
أما الوسيلة الثانية التي تضطر القضاة الى الأنحراف عن الحق، فهي عدم تأمين الأحتياجات الأقتصادية لهم. ولذلك حقق الإمام علي(عليه السلام) الأمن الوظيفي للقضاة في رسالة لمالك بن الأشتر والتي جاء فيها: ((وأفسح له – أي القاضي – في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته إلى الناس)) ولذلك ألزم الإمام(عليه السلام) السلطة بأن توسع على القاضي وعلى عياله، خوفاً من ان يطمع في أموال الناس. لذلك كان عطاء القاضي في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أكبر عطاء يناله عامل من عمال الدولة الإسلامية. وهذا ما دأبت عليه تشريعات الدول المتقدمة، يمنح القاضي راتباً يصل إلى اعلى مسؤول في الدولة، لكي لايطمع لرشوة أو منفعة وينحرف على جادة الحق.
المطلب الثاني: أستقلال القضاء والرقابة الدقيقة على اعمال القضاة
يعد أستقلال السلطة القضائية من الأسس المهمة التي يستند إليها النظام القضائي والذي أقرته غالبية التشريعات المعاصرة. ويقصد به ان لكل من السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وظيفة تختلف عن الأخرى ولايجوز التداخل بين هذه الوظائف وألا فإن التوازن المنظم للمجتمع سوف يختل ([39]). ويترتب على هذا الأستقلال عدم جواز نقل القاضي أو نقله ([40]).
وبالرغم من ان السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، كانت موحدة وغير منفصلة، فإننا نجد فكرة أستقلال السلطة التشريعية في منهج الإمام علي(عليه السلام)، وذلك من خلال ممارساته القضائية عند تأمينه الأمن الوظيفي والأقتصادي للقضاة، فأكسبهم بذلك الحصانة وضمان عدم عقاب السلطة التنفيذية لهم. غير ان القضاة بالرغم من كل أسباب الوقاية التي كفلها لهم الإمام(عليه السلام) في رسالته، فإنه أجاز للسلطة العليا مراقبتهم والنظر في أحكامهم ومراجعتها في ضوء العقل والوجدان. فجاء في رسالته: ((ثم أكثر تعاهد قضائه)) أي تتبعه بالأستكشاف والتعرف على افضل القضاة الذين تتوفر فيهم الشروط التي أشارإليها الإمام(عليه السلام) في رسالته.فقد كان يمارس الأشراف المباشرعلى عمل القضاة بنفسه ونظراً لمــا يحــظى به الجــهاز القـضائي من موقــع ممـتاز فــي إصــلاح شــؤون المجتمع، فقد كان يحرص على ممارسة القضاء والفصل في القضايا من خلال موقع أطلق عليه ((دكة القضاء) بالرغم مما عليه من مهام ومسؤوليات ([41]).
والرقابة الدقيقة للإمام علي(عليه السلام) بهذه المواصفات للقضاء لاتتعارض مع أستقلال القضاء، بل تعد عاملاً مساعداً في دعم هذا الأستقلال، لأن هذه الرقابة، تهدف إلى التأكيد على تقويم الجانب الأخلاقي والسلوكي للقاضي وتضمن عدم أنحرافه وأستقلاله للحرية الممنوحة له.
وبالرغم من ان التشريعات المعاصرة نصت على أستقلال السلطة القضائية، إلا ان هذا الأستقلال مقيداً ولاوجود له في الواقع، فلا تزال السلطة القضائية، تحت هيمنة السلطة التنفيذية والتشريعية، فالقانون أعطى الحق للسلطة التنفيذية، ان تقوم بعزل القاضي، فمثلاً نصت المادة (58) من قانون التنظيم القضائي العراقي رقم (160) لسنة 1979، على: ((إنهاء خدمة القاضي إذا ثبت عدم أهليته في الأستمرار في الخدمة القضائية.
وإستناداً للرقابة التي فرضها الإمام(عليه السلام) على القضاء، فإن القاضي إذا خرج عن حدود الضوابط التي رسمها الإمام له في رسالته، فإنه يجوز لولي الأمر ان يتدخل ويعزل هذا القاضي. ونتفق مع الرأي (41) الراجح في الفقه الإسلامي والذي أعتمده الإمام(عليه السلام) في ممارساته القضائية بعدم جواز عزل القاضي من قبل ولي الأمر، إلا إذا كانت هناك اسباب مسوغة ومشروعة تجيز هذا العزل. وقد عزل الإمام(عليه السلام) أبا الأسود الدؤلي لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة، كما سنرى ذلك لاحقاً.
المطلب الثالث: مراعاة وحدة الأحكام القضائية
الأصل في القضاء الإسلامي عدم جواز أختلافهم في إصدار الأحكام القضائية بل لابد من وحدة الرؤية فيها ومن مطابقة الحقيقة القضائية للحقيقة الواقعية، على قدر الأمكان. وأحكام الإمام(عليه السلام)، هي أحكام مطابقة للحق وهي أحكام ثابته لاتتقيد بتغير الزمان والمكان، لأنه يستقي علومه وقضاءه من العلم الإلهي، وبهذا الصدد يشير الإمام(عليه السلام): ((لوأختصم إليّ رجلان، فقضيت بينهما ثم مكثا أحوالاً كثيرة ثم أتياني في ذلك الأمر لقضيت بينهما قضاءً واحداً، لأن القضاء لايحول ولايزول))([42]) وبالتأكيد فإن هذا الحكم أمر يتفرد به الإمام(عليه السلام) وحده، لأن الحقيقة القضائية عنده، تكون دائماً مطابقة للحقيقة الواقعية،أما الحقيقة القضائية عندالقضاة العاديين فإن الأحكام التي يصدرونها بعيدة من ان تكون محل يقين مطلق، وإنما قناعتهم بها تبنى في الأساس على احتمال قوي بقدر الأمكان، يكفي للأقرار بوجود الحق المدعى به، إذ ان من المسلم به ان القاضي يستند على ادلة أثبات لاتؤدي مهما كانت قوتها إلى حقيقة يقينية، بل مجرد أحتمال يقتنع به القاضي على انه الوضع الأرجح والأقرب إلى الواقع. فالحقيقة القضائية، قد لاتكون مطابقة للحقيقة الواقعية في بعض الأحيان ([43]).
وقد كان الإمام(عليه السلام) يجمع القضاة والفقهاء بين حين وآخر ليوحد الأسس التي يقوم عليها الأحكام في كافة أرجاء دولته، ويجعل كلا من القضاة على علم واسع بما إليه الأجتهاد وكان(عليه السلام) يقول: (ترد على احدهم القضية في حكم من الأحكام، فيحكم فيها برأيه، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه. ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي أستقضاهم فيصوب آراءهم جميعاً ([44]).
وعلى حد تعبير الأستاذ الفرنسي ((هنري كابيتان))، ان المحاكم أقامت شيئاً فشيئاً بناء خاصاً من القواعد القانونية وفقهاً يكمل ويثري العمل التشريعي، وبغير هذه الثروة الدائمة من قضاء المحاكم، تشيخ القوانين ويلحقها الذبول))([45]). وعليه فإن إطلاع الفقه القانوني على أحكام المحاكم والتعليق عليها، يعزز من رصانتها العلمية ومن الوصول إلى الحقيقة الواقعية.
والتشريعات الحديثة تعمل على ان يكون الأصل في إصدار أحكام قضائية موحدة، ولذلك نظمت هذه التشريعات التقاضي على درجتين وجعلته من الأسس المهمة التي يستند إليها القضاء. ومقتضى هذا النظام ان للخصوم الحق في إعادة طرح النزاع بعد الحكم به مرة أخرى على محكمة أعلى درجة لإعادة النظر في قضاء المحكمة التي أصدرت الحكم فيه وتصحيح الأحكام لأحتمال وقوع خطأ فيها، وبذلك تحقق رقابة قضائية ذاتية للمحكمة الأعلى على المحكمة الأدنى، مما يجعل حكم المحكمة الأخيرة أكثر دقة بدراسة موضوع الدعوى والتدقيق فيها للوصول إلى العدالة ووحدة الأحكام وهذا ما أشار إليه الإمام(عليه السلام) بقوله السابق، فالإمام هو المحكمة العليا التي تصحح الأخطاء التي يقع بها القضاة.
المطلب الرابع: مراعاة حق الدفاع والمساواة بين الخصوم أمام القضاء
حق الدفاع من الأسس المهمة التي يستند عليها نظام التقاضي في التشريعات المعاصرة، إذا أعطت هذه التشريعات للخصوم حق الدفاع أمام القضاء سواء كانوا مدعين أو مدعى عليهم في الدعوى.وأشترطت حضورهم عند اتخاذ الأجراءات القانونية في مواجهة الخصوم، لكي يحيطوا علماً بكل هذه الأجراءات التي أتخذوها وإعطاءهم الفرصة في الرد عليها. وقد حضر الإمام علي(عليه السلام) بنفسه إلى المحكمة للأجابة عن أسئلة القاضي الذي نصبه، وهو بهذا السلوك يدلل عملياً على الموقع الممتاز الذي يحظى به القضاء وأستمد الإمام(عليه السلام) هذه المبادئ من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أوجب على القاضي ان يسمع دعوى اطراف النزاع، فلا يحكم لأحد الخصمين دون ان يسمع كلام الآخر، وذلك عملاً بما رواه الإمام علي(عليه السلام) ان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال يا علي إذا جلس إليك الخصمان، فلا تقضي بينهما حتى تسمع من الآخر، كما سمعت من الأول، فإنك ان فعلت ذلك تبين لك القضاء)) ([46]).
وطبق الإمام علي(عليه السلام) هذه القاعدة في القضية التي روي فيها (ان أمرأة شهد عليها الشهود أنهم وجدوها في بعض مياه العرب مع رجل بطؤها ليس ببعل لها، فأمر عمر برجمها وكانت ذات بعل، فقالت اللهم إنك تعلم أني بريئة، فغضب عمر، وقال: و تجرح الشهود أيضاً ؟
فقال أمير المؤمنين(عليه السلام) ((ردوها وأسألوها فلعل ّ لها عذراً، فردت)) وسئلت عن حالها، فقالت كان لأهلي إبل فخرجت في إبل أهلي وحملت معي ماءً، ولم يكن في إبل أهلي لبن، وخرج معي خليطنا وكان في إبله لبن، فنفذ مائي، فأستقيته فأبى أن يسقيني حتى أمكنه من نفسي، فأبيت، فلما كادت نفسي تخرج أمكنته من نفسي كُرها، فقال أمير المؤمنين(عليه السلام) ((الله اكبر)) ((فمن أضطر غير باغٍ ولاعادٍ فلا إثم عليه))([47]) فلما سمع ذلك عمر خلّى سبيلها ([48]). فالخليفة عمر أخذ بالعرف السائد في مثل هذه القضايا وهو اعتماد رأي الشهود مع وجود الدلائل التي توحي بأن المرأة قد أرتكبت جريمة الزنا، ورفض ان يسمع إلى حقها في الدفاع عن نفسها والطعن بشهادة الشهود، لكن مع تطبيق قاعدة حق الدفاع عن نفسها تغير الأمر الذي أثبت بأنها كانت مجبرة ولاتوجد عقوبة على المضطر.
أما المساواة بين الخصوم فجعل منها علي(عليه السلام) قاعدة أساسية في القضاء، فلا يجوز الأنحراف عنها، فالناس أمام القضاء متساوون وحق اللجوء للقضاء مضمون للجميع ودون ان يكون هناك أي تمييز بينهم بسبب اللغة أو الجنس أو اللون أو الدين. وتجلت هذه المساواة بأبهى صورة لها في عهد الإمام(عليه السلام) فنقل عن أبن فرحون (2) أنه: ((ذُكر أن علياً(عليه السلام) خاصم يهودياً عند القاضي شريح، فجلس علي(عليه السلام) في صدر المجلس وجلس شريح والذّمي دونه، وقال علي: لولا ان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) عفا عن مساواتهم في المجالس لجلستُ معه)). وأستدل أبن فرحون وغالبية الفقه من هذا الموقف على وجوب التساوي بين الخصمين في النظر والكلام والسلام. ولقد عزل الإمام(عليه السلام) أبا الأسودالدؤلي عن القضاء لما بلغه أن صوته علا على صوت الخصم، فقال له لم عزلتني وما خنت وما جنيت فقال الإمام(عليه السلام) إني رأيت كلامك يعلو كلام خصمك)) ([49]).
مما تقدم يتضح الشعور العميق لدى الإمام(عليه السلام) في مساواته الخصوم وان هذا الخُلق العظيم هو مصدر كل قضاء أصيل وعادل.
المطلب الخامس: أختيار القضاة في التشريع المقارن
أختلفت التشريعات في إختيار القضاة على الطرق الآتية:-
أولاً: طريقة أختيار القضاة بالأنتخاب العام
وهذه الطريقة أخذت بها الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا ويكون إختيار القضاة من قبل الشعب شأنه في ذلك شأن إختيار السلطة التشريعية وأنتقدت هذه الطريقة، لتأثير النظام السياسي والأقتصادي بصورة واضحة، ذلك أن الناخبين يميلون إلى تفضيل من يراعي ميولهم السياسية والأقتصادية، بصرف النظر عن مدى كفاية وصلاحية القاضي لتولي منصب القضاء فضلاً عن ذلك ان وظيفة القضاء وظيفة سامية، يجب ان تكون بعيدة عن المبادئ الديمقراطية البراقة وما يغالى من أساليب في عملية الأنتخاب.
ثانياً: طريقة إختيار القضاة بالتعيين.
ومقتضى هذه الطريقة ان السلطة التنفيذية، هي التي تقوم بتعيين القضاة، بوصفها أقدر من جمهور الناخبين على معرفة الكفاية والصلاحية التي يجب توافرها فيمن يتولى وظيفة القضاء، وأخذت بهذه الطريقة غالبية الدول ومنها فرنسا ومصر والعراق. وأنتقدت هذه الطريقة خشية وقوع القضاة تحت سيطرة الحكومة التي عينتهم. وحلاً لهذا الأنتقاد، فقد حرصت هذه الدول على ان لايترك أمر تعيين القضاة للسلطة المطلقة للحكومة وإنما أستلزمت توافر شروطاً خاصة فيمن يتعين قاضياً فضلاً عن تنظيم ضمانات تكفل أستقلال القاضي في مواجهة الحكومة ([50]).
ثالثا: إختيار القضاة عن طريق نظام المسابقة
وهو ان تجــري مسابقة للمتـقدميــن إلـى وظيـفة القــضاء من قبـــل لجنــة يعينها الـوزيـر المختـص من كبار القـضاة لإختيار المتـقدمين إلى هذه الوظيفة. وقد أشار قانون أستــقلال القضاء الأردني لسنــة 1972المــعدل إلى هــذه الطريقــة في إختيـــار القضاة فأوجب في المادة (12) من هذا الـــقانون بأن تجــري مسابقـــة للمتقدمين لمــلأ الوظيفة الشاغرة للقضاء من قبــل لجنة يعينها الوزير من ثــلاثة من كبار القضاة.
اما في التشريع العراقي فإن وزارة العدل هي التي تقوم بتعيين المتخرجين في المعهد القضائي([51])، إذا توافرت فيهم الشروط الآتية:
1. ان يكون عراقياً بالولادة ومتمتعاً بالأهلية المدنية الكاملة.
2. ان لايزيد عمره عند قبوله في المعهد على أربعين سنة ولايقل عن ثمان وعشرون سنة.
3. ان لايكون محكوماً عليه بجناية غير سياسية أو جنحة مخلة بالشرف.
4. ان يكون محمود السيرة وحسن السمعة.
5. ان تتوافر فيه الجدارة البدنية واللياقة.
6. ان يكون متخرجاً من احدى كليات القانون في العراق أو أية كلية قانون معترف بها بشرط إجتيازه إمتحاناً بالقوانين العراقية، يحدده مجلس المعهد ومواده وكيفية إجراءه.
7. ان لايكون قد سبق فصله من المعهد.
8. ان تكون له ممارسة فعلية بعد التخرج في الكلية، مدة لاتقل عن ثلاث سنوات في المحاماة، أو في وظيفة قضائية او قانونية في دوائر ومؤسسات الدولة([52]). ويعفى من شروط الممارسة الطلبة من حملة الشهادات العليا في الدراسة القانونية من درجة الماجستير أو أعلى.
9. وأشترطت المادة السابعة المعدلة من قانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنة 1979، فيمن يعين قاضياً أو نائب مدع عام، ان يكون متخرجاً من المعهد القضائي ومتزوجاً.
وعند مقارنة هذه الشروط مع الشروط التي أستلزمها الإمام علي(عليه السلام) في رسالته القضائية، نجد ان هناك شروطاً مهمة، أغفلت هذه التشريعات عنها وهو شرط الكفاءة العلمية والتي حددها الإمام علي(عليه السلام) بأن يكون القاضي من أفضل الرعية وكذلك شرط تمسك القاضي بالآداب الشرعية للقضاة.
الخاتمة والأستنتاجات
تعد رسالة القضاء للإمام علي(عليه السلام) من الرسائل الأصيلة، التي أرست الأسس التي يستند إليها النظام القضائي الإسلامي، وإذا كانت هناك رسائل أخرى، كرسالة الخليفة عمر بن الخطاب، ساهمت في هذا البناء الإسلامي للقضاء، فإن رسالة الإمام علي(عليه السلام) تعد من أكثر الرسائل إصالة وسعة في بناء هذا النظام. ولم نجده في غيرها من الرسائل الأخرى بالرغم مما يمتلكه أصحاب هذه الرسائل من هالة القدسية والعظمة في نفوس المسلمين. وأصبحت أفضلية هذه الرسالة من المسلمات التي لايستطيع أحد إنكار حقيقتها. ولايبدو ذلك الأمر غريباً، لأن النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) أكد على أن ((أقضى أمتي علي). وقد أوضحت لنا رسالة الإمام علي(عليه السلام) الشروط والصفات التي يجب أن تتوفر في الشخص الذي تسند إليه وظيفة القضاء، وقدمت لنا الوسائل الكفيلة لضمان هذه الوظيفة والتقاضي أمامها. نأمل من المشرع العراقي، أن يأخذ هذه الرسالة بنظر الأعتبار وفي ضوءها نقترح تعديل قانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنة 1979 وإضافة شرط الكفاءة العلمية لتصبح الفقرة السادسة من المادة التاسعة من هذا القانون على النحو الآتي:
((ان يكون حاصلاً في الأقل على شهادة الماجستير في القانون أو متخرجاً من احدى كليات القانون بشرط ان لايقل معدله عن 80%)) فضلاً عن ذلك يجب ان تكون هذه الرسالة من ضمن المناهج المقررة التي تدرس في المعهد القضائي، ضمن رسائل القضاء في القضاء الإسلامي.
مراجع البحث
1- أبن فرحون (برهان الدين المالكي) تبصره للحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام طبع دار المعرفة – بيروت – دون سنة نشر.
2- أبن قيم الجوزية – إعلام الموقعين عن رب العالمين – طبع بيروت – ط2 – ج1 – 1977.
3- أحمد الرحماني الهمداني – الإمام علي بن ابي طالب(عليه السلام) من حبه عنوان الصحيفة – ط1 – منشورات التاريخ العربي – بيروت 2005.
4- د.آدم وهيب النداوي – المرافعات المدنية – طبع جامعة بغداد / كلية القانون 1988.
5- الحائري السيد كاظم الحسيني – القضاء في الفقه الإسلامي – طبع مجمع الفكر الإسلامي 1423 هـ.
6- الشيخ محمد تقي التستري – قضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) - طبع أهل الذكر – ط1 صفر 1426 هـ.
7- الشيخ المفيد محمد بن النعمان – المقنعة في الأصول والفروع – سلسلة الينابيع الفقهية – طبع طهران 1406 هـ.
8- د. شوكت عليان – الوجيز في الدعوى والأثبات في الشريعة الإسلامية. طبع بغداد 1978.
9- الشيخ الطوسي (شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن)، الأمالي – طبع مؤوسسة الوفاء ط2 1981.
10- الحلي (العلامة) القواعد الفقهية – سلسة الينابيع الفقهية – ط1 طهران 1406 هـ.
11-الحلي (المحقق) أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن – شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام – طبع طهران الجزء الرابع – دون سنة نشر.
12- النووي – شرح صحيح مسلم – ج12 – المطبعة المصرية – 1972.
13- جورج جرداق – الإمام علي صوت العدالة الإنسانية – المجلد الأول –طبع بيروت – دار المهدي – ط1 منقحة 2004.
14- د. عباس العبودي – تاريخ القانون – طبع دار الثقافة عمان – الأردن – 1998.
15- د. عباس العبودي – شرح احكام قانون الأثبات المدني – طبع دار الثقافة – الإصدار الثاني – الأردن 2005.
16- د. عباس العبودي – شرح أحكام قانون أصول المحاكمات المدنية – طبع دار الثقافة – الأردن 2006.
17- د, عبد الحميد متولي – مبادئ نظام الحكم في الإسلام – طبع الأسكندرية 1974.
18- د. عبد الكريم زيدان – نظام القضاء في الشريعة الإسلامية – طبع بغداد 1984.
19- د. فتحي والي – الوسيط في قانون القضاء المدني – طبع القاهرة 1987.
20- محمد باقر الصدر – التفسير الموضوعي للقرآن الكريم – طبع مجمع الثقلين العلمي – طبع بغداد – دون سنة النشر.
21- د. محمد باقر الموسوي – القضاء في النظام القضائي عند الإمام علي(عليه السلام) طبع الغدير – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى – 1999.
22- د. هشام آلـ قطيط – الكل يسأل وعلي يجيب – طبع دار آوند اش للكتاب – إيران – 2005.
Legal Contemplations in thesis of Justice by Imam Ali (P.B.U.H)
Imam Alis Thesis of Justice is considered one of the novel theses that have established the foundations of the Islamic Judicial system. Although there are some other theses that have taken part in this foundation, Imam Alis thesis is regarded one of the novelist and broadest theses in building this system. One cannot find this in other theses despite of the holiness that most Muslims show to the people who presented them. The superiority of this thesis has becomea fact that no one can deny. This does not seem a strange matter as the prophet Muhammed (P.B.U.H) stressed that Ali is the best Judge in my nation , that is, the Islamic nation. Imam Ali thesis has shown the characteristics that should be available in a Judge. He has also presented the appropriate means to safeguard justice. We hope that the Iraqi legislater take this thesis into consideration.
الهوامش
[1]-سورة طه – الآية الكريمة -96، ويشيربهذا الصدد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) إلى أن حب الله في قلب هذا الإمام العظيم، أستقطب وجدانه إلى الدرجة التي منعته من أن يرى شيئاً آخرغير الله، فهذا الحب يرتبط أرتباطاً وثيقاً بالقلوب الخاشعة لحب الله والنبي وأهل بيته :.
محمد باقر الصدر – التفسير الموضوعي للقرآن الكريم – طبع مجمع الثقلين العلمي طبع بغداد دون سنة نشر ص267.
-[2] للمزيد من التفصيل راجع د. محسن باقر الموسوي – القضاء والنظام القضائي عند الإمام علي(عليه السلام) طبع بيروت – الطبعة الأولى 1999 ص9 وما بعدها. وأنظر كذلك هشام آل قطيط – الكل يسأل وعلي يجيب – طبع دار آوند دانش للكتاب – إيران 2005 ص662.
-[3] الشيخ محمد تقي التستري – قضاء أمير المؤمنين علي أبن أبي طالب(عليه السلام) طبع أهل الذكر – الطبعة الأولى صفر 1426 هـ ص1.
-[4] التستري – المرجع السابق – ص5.
-[5] الأستاذ جورج جرداق – الإمام علي صوت العدالة الإنسانية – المجلد الأول طبع بيروت – دار المهدي – الطبعة الأولى منقحة 2004 ص82.
-[6] سورة البقرة الآية الكريمة 213.
-[7] ذكر الشيخ المفيد في شروط القاضي ان يكون ((عاقلاً، كاملاً، عالماً بالكتاب وناسخه ومنسوخه، وعامه وخاصه،وندبه وإيجابه، ومحكمه ومتشابهه، عارفاً بالسنة، وناسخها، عالماً باللغة، مطلعاً بمعاني كلام العرب، بصيراً بوجوه الأعراب، ورعاً عن محارم الله عز وجل، زاهداً في الدنيا، متوفراً على الأعمال الصالحات،، متجنباً للذنوب والسيئات، شديد الحذر من الهوى، حريصاً على التقوى)) الشيخ المفيد – محمد بن النعمان – المقنعة في الأصول والفروع – سلسلة الينابيع الفقهية طبع طهران 1406 هـ ص195 وما بعدها.
-[8] جورج جرداق – المرجع السابق ص357.
-[9] الشيخ المفيد – المقنعة – المرجع السابق ص19.
-[10] لمزيد من التفصيل – راجع سماحة آية الله السيد كاظم الحسيني الحائري – القضاء في الفقه الإسلامي – طبع مجمع الفكر الإسلامي 1423هـ ص5- ص66 والذي يرى أن كلمة ((أفضل)) لاتعطي معنى ((اعلم)) كي يثبت المقصود، بل تعطي الترجيح من حيث مجموع الجهات.
-[11] جورج جرداق – المرجع السابق ص358. ومعنى ذلك أي أستكثر من جمع معلومات تافهة قليلها خير من كثيرها.
-[12] راجع مؤلفنا أحكام قانون أصول المحاكمات المدنية – المرجع السابق ص41.
-[13] جورج جرداق – المرجع السابق ص353.
-[14] جورج جرداق – المرجع السابق ص354.
-[15] سورة النحل الآية الكريمة (90).
-[16] سورة النساء الآية الكريمة (125).
-[17] سورة المائدة الآية الكريمة (8).
-[18] د. عبد الحميد متولي – مبادئ نظام الحكم في الإسلام – الأسكندرية 1974 ص218.
-[19] الحائري – المرجع السابق ص110 وص130.
-[20] العلامة الحلي – القواعد الفقهية سلسلة الينابيع الفقهية – ط- طهران 1406 هـ ص445.
-[21] للمزيد من التفصيل راجع د. محمد باقر الموسوي – المرجع السابق ص136. وراجع كذلك مؤلفنا في شرح أحكام أصول المحاكمات المدنية – المرجع السابق ص40.
-[22] للمزيد من التفصيل راجع د. عبد الكريم زيدان – نظام القضاء في الشريعة الإسلامية – ط بغداد 1984 ص25 وما بعدها.
-[23] راجع مؤلفنا في شرح أحكام قانون المحاكمات – المرجع السابق – ص41.
-[24] للمزيد من التفصيل راجع مؤلفنا في الأثبات – شرح أحكام قانون الأثبات المدني – طبع دار الثقافة – الإصدار الثاني – عمان 2005 ص87 وما بعدها.
-[25] وهناك رسالة القضاء تنسب إلى الخليفة عمر بن الخطاب جاء فيها أنه: ((لا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم، فراجعت فيه رأيك، فهديت فيه لرشدك، ان تراجع الحق فيه، لأن الحق قديم، لايبطله شئ ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل – للمزيد من التفصيل راجع أبن قيم الجوزية أعلام الموقعين عن رب العالمين – طبع بيروت – ط2- ج1 1977ص48.
-[26] د. محسن باقر – المرجع السابق ص146.
-[27] د. محسن باقر – المرجع السابق ص146.
-[28] مؤلفنا في شرح أحكام قانون الأثبات المدني – المرجع السابق ص10.
-[29] مؤلفنا في شرح أحكام قانون الأثبات المدني – المرجع السابق ص10.
-[30] رواه مسلم: راجع النووي – شرح صحيح مسلم – ج1 – المطبعة المصرية 1972 ص2 ويشير النووي إلى ان هذا ((الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع، ففيه انه لايقبل قول إنسان فيما يدعيه بمجرد دعواه، بل يحتاج إلى بينة أو تصديق المدعى عليه، فإن طلب يمين المدعى عليه فله ذلك، وقد بين النبي (ص) الحكمة بوصفه لايعطى بمجرد دعواه، لأنه لو كان أعطى بمجردها لأدعى قوم دماء قوم وأستبيح، ولايمكن للمدعى عليه ان يصون ماله ودمه، واما المدعي فيمكنه صيانتها بالبينة)).
-[31] وقد اعتبرت المادة (286) من قانون المرافعات المدنية النافذ قبول القاضي منفعة مادية لمحاباة أحد الخصوم من الأسباب التي تؤدي مسؤولية القاضي عن تعويض الخصوم عن الضرر الذي لحق بهم من جراء هذه المحاباة.
-[32] للمزيد من التفصيل راجع مؤلفنا في شرح أحكام قانون أصول المحاكمات المدنية – المرجع السابق ص40.
-[33] للمزيد من التفصيل راجع د. محسن باقر الموسوي – المرجع السابق ص141.
-[34] سورة النساء – الآية الكريمة 131.
-[35] للمزيد من التفصيل راجع مؤلفنا – تاريخ القانون – طبع دار الثقافة – الأردن 1998 ص278.
-[36] الحلي (المحقق) ابو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن – شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام – طبع إيران دون سنة نشر – ج4 ص881 وأنظر كذلك الحلي العلامة – المرجع السابق ص394.
-[37] جاء في سورة يوسف الآية (53) قوله تعالى: ((وما أبُرئ نفسي إن النفس لأمارةً بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفوراٌ رحيم)). وجاء في الآية (28) من سورة النساء قوله تعالى: ((وخلق الإنسان ضعيفا)).
-[38] المادة (33) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل. وللمزيد من التفصيل راجع مؤلفنا في شرح أحكام قانون أصول المحاكمات المدنية المرجع السابق ص16.
-[39] لقد حرص دستور جمهورية العراق لعام 2005 على تأكيد هذا المبدأ، فنصت المادة (84) منه على ان ((السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على أختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفقاً للقانون)). ونصت المادة (85) منه علماً ان: ((القضاة منقلون، لاسلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولايجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة)).
-[40] أحمد الرحماني الهمداني – الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) حبه عنوان الصحيفة – ط1 منشورات التاريخ العربي – بيروت 2005 ص38.
-[41] للمزيد من التفصيل راجع د. محسن باقر الموسوي – المرجع السابق – 112
-[42] الشيخ الطوسي (شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن) – الأمالي – طبع مؤوسسة الوفاء – ط2- 1981 ص39.
-[43] راجع مؤلفنا في شرح أحكام قانون الأثبات – المرجع السابق ص103.
-[44] الأستاذ جورج جرداق – المرجع السابق ص 359.
-[45] أشار إلى ذلك أستاذنا الدكتور آدم النداوي – المرافعات المدنية – طبع جامعة بغداد / كلية القانون 1988 ص27.
-[46] للمزيد من التفصيل راجع – د. شوكت عليان – الوجيز في الدعوى والأثبات في الشريعة الإسلامية – طبع بغداد 1978 ص39.
-[47] سورة البقرة الآية الكريمة 173.
-[48] للمزيد من التفصيل راجع د. محسن باقر الموسوي – المرجع السابق – ص39.
-[49] أبن فرحون (برهان الدين المالكي) تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام طبع دار المعرفة – بيروت – دون سنة نشر – ص47.
-[50] د. فتحي والي – الوسيط في قانون القضاء المدني – طبع القاهرة 1987 ص160.
-[51] راجع المادة السابعة من قانون المعهد القضائي رقم 33 لسنة 1976.
-[52] وأجازت الفقرة الثانية المضافة إلى المادة الرابعة من القانون رقم (16) لسنة 1988 والمعدل لأحكام قانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنة 1979، تعيين المحامي قاضياً بمرسوم جمهوري إذا مضي مدة ممارسة في مهنة المحاماة، لاتقل عن عشر سنوات ولم تجاوز عمره الخامسة والأربعين أستثناء من شرط التخرج في المعهد القضائي.