بواكير التفاعل الفني بين الشكل والمضمون في الرواية العراقيـة
بواكير التفاعل الفني بين الشكل والمضمون في الرواية العراقية لاشك في ان التعرض لموضوع كهذا يستلزم الوقوف عند الجذور الأولى لولادة هذا النمط الروائي، الذي يمكن تسجيل بداياته مع النصف الثاني من العقد السادس من القرن الماضي، وهذا يدعونا – بالضرورة – الى تحديد العوامل الذاتية والموضوعية التي ساعدت على ظهوره نسقا فنيا جديدا، يحمل سمات متميزة في الشكل والمضمون، اشتركت في خصائص فنية محددة، جعلتنا نميل الى الزعم بانها كونت بمجموعها بداية اتجاه فني جديد، وأطلقنا عليه(الاتجاه الواقعي الحديث) في الرواية العراقية، ستتجلى معالمه الرئيسة في ثنايا البحث، ومع علمنا بانه قد تجاوز مرحلة البداية، غير ان الكثير ما زال ينتظره لكي يصل الى حقيقة البواعث التأريخية والنفسية لذلك التفاعل العضوي القائم بين الواقع الموضوعي المتجدد للمجتمع، والقوانين البنائية التي تحكم شبكة العلاقات الداخلية الخاصة بين عناصر العمل الفني المعروفة.
مستخلص:
بواكير التفاعل الفني بين الشكل والمضمون في الرواية العراقية
لاشك في ان التعرض لموضوع كهذا يستلزم الوقوف عند الجذور الأولى لولادة هذا النمط الروائي، الذي يمكن تسجيل بداياته مع النصف الثاني من العقد السادس من القرن الماضي، وهذا يدعونا – بالضرورة – الى تحديد العوامل الذاتية والموضوعية التي ساعدت على ظهوره نسقا فنيا جديدا، يحمل سمات متميزة في الشكل والمضمون، اشتركت في خصائص فنية محددة، جعلتنا نميل الى الزعم بانها كونت بمجموعها بداية اتجاه فني جديد، وأطلقنا عليه(الاتجاه الواقعي الحديث) في الرواية العراقية، ستتجلى معالمه الرئيسة في ثنايا البحث، ومع علمنا بانه قد تجاوز مرحلة البداية، غير ان الكثير ما زال ينتظره لكي يصل الى حقيقة البواعث التأريخية والنفسية لذلك التفاعل العضوي القائم بين الواقع الموضوعي المتجدد للمجتمع، والقوانين البنائية التي تحكم شبكة العلاقات الداخلية الخاصة بين عناصر العمل الفني المعروفة.
أولا - مهاد تأريخي:
من المعروف أنَّ الأثر الأدبي لا يمكن له أن يخلق مرتكزاته الأساسية من دون أن يحقق الصلة الطبيعية بين القوانين الأساسية التي تسيطر على السلوك الإبداعي في المجال الثقافي عامة، وتلك التي تتحكم في السلوك اليومي لكل إنسان في الحياة اجتماعياً واقتصادياً، وهذا ما يدعو الكاتب إلى التكيف مع الواقع المحيط به لكي يكتسب السلوك معنى خاصاً بالنسبة للبيئة الاجتماعية، ومن ثمَّ فهو يدفعه إلى أن يكون شاهداً على عصره، معبراً عن ضروراته عبر مواقف تاريخية، مؤثرة ومتأثرة، ومرتكزة على رؤى جديدة تتطلع إلى المستقبل بأمل كبير، بصرف النظر عن حدود السن لدى الكاتب.
ولعلَّ أول ما يستأثر اهتمام الدارس وهو يعرض لموضوع كهذا الوقوف على مسألة معروفة تقودنا إلى التسليم بأنَّ هذا النوع الأدبي شأنه شأن سائر الأنواع الأدبية الأخرى يخضع في تطوره لمجمل التحولات الاجتماعية في البلد، والتي يفرزها واقع التغيير السياسي والاقتصادي فيه، فالفن القصصي – مثلما هو معروف – يشكل الوعاء المناسب لاحتواء التجارب الإنسانية، فردية كانت أم جمعية، فضلاً عن كونه أخصب الأشكال الفنية وأليقها لحمل الفكرة الجديدة، والتأثير في قارئها، إذ يمكن أن تتغيَّر نظرته للحياة وموقفه العام منها([1]). وقد كان للتطور النوعي الذي شهده المجتمع العراقي منذ الحرب العالمية الثانية وإلى الآن دوره الفاعل في تجسيد رؤية كتاب القصة في العراق – أسوة بغيرهم – سواء أحدث ذلك في مجال الرواية أو في القصة القصيرة، في أشكالها أم في مضامينها([2]).
ولا بدَّ لنا من الاعتراف – ونحن نقدم دراسة من هذا النوع – بأنَّ الفرصة غير سانحة – في هذا المجال – للإيفاء بكل متطلبات الدرس والموضوعية، ونحن نواجه مثل هذا الكم الهائل من النتاج القصصي الذي يشهده مدار الأدب القصصي في العراق، ولهذا آثرنا الاكتفاء بالتعرض إلى جانب خطير منه، ونعني به الفن الروائي، وقد استأثرت الرواية بالدرس – عندنا – لاعتبارات عدَّة تمثَّلت بميلنا الشديد للتعامل مع هذا النوع القصصي لما له من آفاق واسعة ومتميزة لنقل الواقع بكل تناقضاته المنظورة وغير المنظورة، مستهدفة من ذلك تحليل المجتمع ونقده، فضلاً عن تصوير أزمة الإنسان المعاصر وهو يواجه قوى الطبيعة والمجتمع والسلطة وتحدياتها المتنوعة.
ومن هنا برزت ظاهرة تأثير التطور الاجتماعي في طبيعة الفن الروائي ووظائفه لدى كتابنا الشباب، بوصفها قضية حضارية فاعلة رسمت مسيرة المجتمع العراقي، ومن ثمَّ دفعت مثقفيه وكتّابه إلى التصدي لها وكشف آثارها الحضارية وبخاصة كتاب الرواية (الحديثة).
ولا شك في أنَّ طرح مصطلح (الرواية الحديثة) عن روايات الشباب ليس له أن يجد مداه الموضوعي من دون التعرض لجذور هذا الاتجاه في الرواية، والذي يمكن تسجيل بداياته مع نهاية العقد السادس من القرن الماضي، وهذا يدعونا إلى تحديد العوامل الذاتية والموضوعية التي ساعدت على ظهوره اتجاهاً فنياً جديداً يحمل في رحمه ولادة أعمال روائية متميزة في المعالم، اشتركت في خصائص فنية محددة، وسمات فكرية واضحة جعلتنا نميل إلى الزعم بأنها كونت بمجموعها بداية لاتجاه فني جديد أطلقنا عليه الاتجاه الواقعي (الحديث).
فعلى صعيد الواقع الموضوعي نجد أنَّ الصورة الجديدة للأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية قد أخذت تخطو نحو الاستقرار والوضوح نتيجة عوامل ثقافية واجتماعية عديدة، تمثلها الأديب بوعي جديد (خلاق) أمكنه من أن يجد – نتيجة لذلك – أساليب معاصرة تسعفه في إنجاز عمليتي (الهدم والبناء) على حد سواء، وأن يكشف عن وظائف جديدة للعمل القصصي كانت خافية عليه وعلى غيره.
أما الظروف الذاتية التي أسهمت في ظهور هذا الاتجاه الجديد بصيغته السليمة فهي تتعلق بواقع الانتماء الطبقي لهذا الجيل القصصي الذي تجلَّت لديه الرؤية الواقعية (المعاصرة) فجعلته ينظر إلى الإنسان ومستقبله بروح التفاؤل والثقة، موائماً بين أسلوبي النقد والبناء عبر أشكال حديثة تتجاوز - في آن واحد – ضيق الآفاق الجمالية والتكنيكية والفكرية للاتجاه التجريبي في الستينات، والرؤية الضيقة للاتجاهات الواقعية الانتقادية التي عرفها القاص الخمسيني([3])، فقد نشأ نتيجة لتلك التغيرات الاجتماعية بعد عام 1958 وما سبقها، التي أشرنا إليها باقتضاب شديد جيل أدبي جديد انحدر عن فئات اجتماعية متوسطة الدخل، ظلَّ جاهداً ما أمكنه المجاهدة من أجل توصيل مفهومه المعاصر لوعيه الطبقي في عناصر إنتاجه الأدبي.
ولما كانت الواقعية النقدية التي لونت قصص الرواد قبل مرحلة البحث تميل إلى التركيز على هذه الأوجه، من جانب واحد بعض الشيء، فإنها قد تثبت أنها حليف له قيمته يسهم باستبصارات جديدة ويصحح ما اصطلح على تسميته (المنهج الواقعي الاشتراكي) الذي لا يقل عنها تركيزاً على جانب واحد([4]).
وعلى هدي الصورة (الجديدة) للواقعية التي آثرنا تسميتها (الواقعية الحديثة) نتيجة لمزاوجتها بين مفاهيم الواقعية الاشتراكية وبعض مفاهيم الواقعية (النقدية) مستجيبة بذلك لمتطلبات المرحلة التاريخية الجديدة.
جاء تحديدنا للخصائص المشتركة التي رسمت ملامح الأشكال الروائية لهذه المدة التي يمكن تحديد بداياتها منذ حرب حزيران 1967، إذ شهد ميلاد أدب جديد يحمل سمات تقدمية واضحة بعد أن تعرف أصحابه على أصول الواقعية الأوربية المعاصرة صفى كتاباته من كثير من التناقضات التي ظهرت مع كتابات الأجيال التي سبقتهم بمن فيهم كتاب الاتجاه الانتقادي.
ولسنا نود هنا استباق الأحداث وإطلاق الأحكام النقدية على روايات هذا الاتجاه، فهذا ما سيتبين لنا في أثناء تناولنا تلك ألأعمال بالدراسة، بيد أننا نطمح إلى إلقاء القليل من الأضواء على بعض السمات البارزة فيها بغية الإفادة منها في مراحل دراستنا لها، بوصفها ليست مجرد تكرار للصيغ التقليدية الانتقادية.
فالعمل الروائي إذن على وفق هذا الأنموذج الذي يعري السلبيات ويدينها من ناحية ويشيد بالإيجابيات ويعمقها من ناحية ثانية أسهم بوعي أخاذ في تحقيق مهمة بناء الإنسان الجديد، وهو بالضرورة سيحتاج إلى جهد مثابر للإمساك بمقومات فن صناعة هذا النمط من العمل الروائي ذي الرؤية الفنية.
ولا شكَّ أنه في أعقاب ثورة 14 تموز 1958 وتوفير الأجواء الملائمة والمحفزة على الإنتاج الأدبي (البناء) قد ساعد كثيراً في بلورة ملامح هذا الاتجاه وتحديد سماته الجديدة في القصة العراقية، فقطاع الريف شهد ثورة لم يسبق لها مثيل، وكذا الحال بالنسبة للعمال والطلبة في المدينة، مما دفع بكثير من القصيين إلى استثمار ذلك التحول السياسي والفكري في إغناء موضوعاتهم بعد استيعابهم لحدود التغيير الاجتماعي ومؤشراته المختلفة الذي انعكس على رؤيتهم الفنية والفكرية للحياة، ولهذا ظهرت قصصهم تحمل خصوصية معينة تمثلت بعمق الإحساس النفسي والرؤية الفنية الشاملة للواقع منعكسة على طبيعة اختيارهم لأحداث رواياتهم وشخصياتهم، ومن ثمَّ فقد كان ذلك حافزاً على استخدام أدوات فنية ملائمة يمكنها التعبير عن الوظائف الجديدة للعمل الروائي التي حددتها متطلبات الظرف التاريخي الذي مرَّ به المجتمع العراقي.
إنَّ هذا الفهم الواعي للواقع المبني على إدراك حقيقي لحاجات المجتمع المرحلية لوَّن نتاجهم القصصي بسمات مشتركة لأنه نتاج مرحلة تاريخية واحدة ومواقف فكرية متماثلة جعلتهم يلتقون ضمن هدف مشترك أثَّر – إلى حد بعيد – في تحديد مسارهم الفكري والفني داخل العمل الروائي، تجلى في ارتكازهم على محور معين، تمثَّل في إصرار الإنسان على تكوين رأيه وتأكيد دوره الفاعل ضمن إطار الجماعة، هادفاً إلى تحقيق مصالحه الحيوية المتمثلة بخلق الغد المشرق له ولمجتمعه العربي معبراً – في الوقت ذاته – عن أشواق ألإنسان في كل مكان.
ولا شك في أن هذا المحور – المشترك – الذي جعل منه هؤلاء مرتكزهم الفني والفكري في بناء الرواية وتخطيطها قد ساعدهم كثيراً على السير بخطى واعية نحو خلق الوشائج الضرورية بين المنهج الخاص والفكرة العامة لأعمالهم الروائية، وهذا ما جعلنا نقرر أن الهدف المشترك هذا قد فرض عليهم نهجاً فنياً متميزاً شمل كل عناصر العمل الروائي ابتداءً من تحديد الإطار الزمني لأحداث رواياتهم واختيارهم المقصود لإطارها المكاني، وانتهاءً بتصوير النهايات الفنية، فعلى صعيد الإطار الزمني وجدناهم يؤثرون اختيار فترات احتدام المقاومة بين طرفي الصراع في عملية التغيير – في الريف والمدينة –([5]) سواء أكان ذلك إبّان الفترة التي سبقت ثورة 14 تموز كما تجسَّد في روايات معينة مثل (القمر والأسوار) للربيعي، و (المناضل) لعزيز السيد جاسم، و (ضجة في الزقاق) للدباغ، و (خمسة أصوات) لفرمان، و (المبعدون) لهشام الركابي، وكذا الحال بالنسبة للروايات التي تناولت فترات تلت ثورة 14 تموز 1958 وأعقبت هذه الفترة مثل (الوشم) و (الأنهار) للربيعي، و(الاغتيال والغضب) لموفق خضر، و (القلعة الخامسة) للعزاوي و (الضفاف الأخرى) و (الحبل) لإسماعيل فهد إسماعيل، و (المخاض) لفرمان، و (نافذة بسعة الحلم) لعبد الخالق الركابي، و (رموز عصرية) لخضير عبد الأمير، و (الراحلون) لقاسم خضير عباس و (الأشجار والريح) للمطلبي، و (عرزال حمد السالم) لعادل عبد الجبار، و (تماس المدن) لنجيب المانع، و (يوميات السيد علي سعيد) لعدنان رؤوف، وروايات غيرها.
أما ألإطار المكاني لرواياتهم فقد تحدد باختيارهم لبيئاتهم المتماثلة سواء أكانت في الحقل أم المعمل أم الكلية أم الشارع أم المعتقل أم حتى خارج الوطن، إذ شهدت هذه الأماكن صوراً حية للصراع والمقاومة الحادة ضد الاستغلال والتعسف وقهر الطبيعة، كما أشارت إلى ذلك معظم الأعمال الروائية السالفة، فضلاً عن تصوير بعض منها لمشاهد النضال الإيجابي والتجارب الحية للبناء الاقتصادي والتنموي، مثل رواية (الراحلون) التي نأمل أن تشكل النواة الأولى للروايات الحديثة التي تصور عن كثب وعمق فني مجمل التجارب الإنسانية الرائدة على صعيد التغيير الثوري والبناء على الصعيد الثقافي والاجتماعي المتطور، كرواية (تماس المدن)، و (يوميات علي سعيد)، و (رموز عصرية).
ولنا أن نعتقد إزاء ذلك بأن اختيارهم لشخصياتهم لم يأت اعتباطاً، بل تحدد على وفق مؤشرات فكرية وضوابط فنية معينة، نابعة عن التصور المعاصر لدور الإنسان في التغيير نحو الأفضل حين تتهيأ له الظروف الموضوعية بحيث تتمكن هذه الشخصيات أن تتمثل بعمق وأصالة جوهر الصراع الدائب، سواء أكان ذلك الصراع خارجياً مع الآخرين أم داخلياً مع النفس، يقودهم في ذلك حرصهم على تحقيق الفعل الإيجابي للفرد ضمن إطار الجماعة متجاوزين بذلك مفهوم البطل الفردي بطرحهم للكثافة (الفعل) للجماعة البشرية وفاعليته في حركة تطوير المجتمع.
ولهذا فإنَّ هذه الروايات قد نظرت إلى الفرد من خلال نظرتها إلى الفعل الجماعي وبذلك بررت تناولها لقطاعات شعبية من خلال منظور اجتماعي وسياسي يشكل الإطار العام لصورة العالم الثر، الذي تعيشه تلك الشخصيات متحققاً بنشاطها السياسي والاجتماعي والعاطفي وبمنظور مختلف من شخصية إلى أخرى.
والواقع إنَّ عالماً واسعاً كهذا يجعل القاص مضطراً إلى رسم شخصيات ذات أفكار مختلفة في تفسيرها الصراع الذي تعيشه بسبب تنوع الوعي، مما يحتم وجود أساليب مختلفة أيضاً في أشكال النضال الذي تتخذه في سبيل الخلاص مما تعانيه من اضطهاد وقهر وتعسف في الجانب الحيوي، ومما تعانيه من أزمة وحيرة وغربة روحية ولدتها تلك الظروف القاهرة في الجانب النفسي([6]).
ولهذا السبب استخدم كتاب هذا الاتجاه أساليب حديثة في العرض، استهدفوا منها تركيز دور البطولة الجماعية في تطوير الأحداث وشمول حركتها كان من أبرزها طريقة التعبير عن المضمون من خلال وعي الشخصية، أو عبر ما يسمى (المنولوج الداخلي) ضمن الإطار السردي، تلك الطريقة التي استطاعت أن تصور – من الداخل – البشر الذين يكرسون طاقاتهم لبناء مستقبل مختلف على وفق تكوينهم النفسي والخلقي المكتسب، أما لغة الحوار فقد توزعت بين العامية (الدارجة) والفصحى المبسطة التي أسهمت في تدفق الحوار وشاعريته بصورة جعلته شديد الصلة بملامح تلك البيئة (المحلية) معبراً بصدق عن مستوى وعي الشخصيات وطبيعة معاناتهم الذاتية والمشتركة، فضلاً عن تجسيد طموحهم المتنوع لإعادة تشكيل واقعهم الجديد.
ولا شكَّ في أننا عندما نتعرض سلفاً للإشارة إلى بعض سمات الرواية الواقعية (الحديثة) فإننا قصدنا من ذلك محاولة رصد العوامل (الحقيقية) التي كان لها تأثير معين في طبيعة بناء الشكل الفني لأعمالهم، فضلاً عن رصدنا للملامح الفنية التي رافقت كل عنصر من عناصر الرواية وآثارها الإيجابية والسلبية في تحديد قيمة العمل الفني بشكل عام.
وقد حاولنا أن نظم تلك العوامل في هدف حيوي واحد خضع له كتاب هذا الاتجاه كل من زاوية رؤيته الخاصة تمثل في حرصهم على كشف رؤيتهم للواقع عبر فهم معاصر يمجد دور الإنسان العراقي في صنع حاضره ومستقبله على وفق ما يتجه ذلك الواقع من دلالات خفية أدركها معظمهم بحساسية عالية وذكاء متميز، أعانتهم على اختيار الصورة والمواقف التي حققت لهم أهدافهم الفنية والفكرية متجســدة في (تأكيد دور الإنسان الفاعل) ضمن إطار الجماعة لحماية مصالحه الحيوية المتمثلة بخلق الغد المشرق له ولمجتمعه، معبراً في الوقت ذاته عن أشواق الإنسان في كل مكان.
ثانيا – مباحث تطبيقية:
اختيار الأحداث ذات الدلالة (الواعية) المؤثرة:
وأول هذه العناصر التي تأثرت بالهدف السابق – المشترك – فأكسبته بعض الخصائص الفنية المعينة هو عنصر (الحدث)، فقد دفع الهدف السابق كتاب هذا الاتجاه إلى اختيار الأحداث ذات الدلالة (الواعية) التي اشتملت على أبعاد اجتماعية تمثلت بالصراع ضد التقاليد، أو أبعاد (ذهنية) تمثلت بالصراع السياسي والاجتماعي أو بكلا البعدين.
فحادث طلاق (سعاد) من زوجها المتعســــف وبإرادتها الحرة في رواية (رموز عصرية) لم يكن حدثاً تقليدياً مألوفاً تسبب عن اعتبارات معروفة، تمثلت بالإدانة الصارخة للمواضعات العرفية السيئة فحسب، بل خرج إلى وظائف أخرى أكثر خطورة في مسار التطور الاجتماعي تمثلت باختيار (سعاد) الحر لآفاق مستقبلها الجديد من خلال مواقفها الحاسمة في تحديد صيغ العلاقة مع الآخرين بشكل يمنحها الفرصة لتأكيد موقع المرأة التاريخي من حركة المجتمع الذاتية إلى أمام. لقد آثرت صيغ المواجهة الحادة في تغيير الواقع المدان، بعيداً عن صور الشكوى أو ذرائع الحظ والنصيب، أنها تخلق البديل المتكافئ عبر قرارها مواصلة الدراسة كمعادل موضوعي ليس لسد الفراغ المرتقب، بل لشحن الوجود الحياتي بطاقات متوهجة من العطاء المتواصل للآخرين، فهي – إذن – تعبر بعمق واقتدار عن إحساس المرأة في كل مكان وزمان لتأكيد دورها الفاعل – جنباً إلى جنب – مع الرجل لبناء المجتمع العراقي الجديد، وبخاصة في مرحلة تاريخية كالتي يمر بها مجتمعنا الناهض اليوم([7]).
فالقاص خضير عبد الأمير لم يدع حدثه يعوم فوق زبد الأعراف، بل دفع به إلى الغوص في لجج المشكلة ليجعل منها قضية حضارية، تسجل بفخر دوراً ريادياً للمرأة في حركة التاريخ، مستنفراً كل طاقاتها المعطلة بهدف بناء الغد الأفضل عبر مواقف فنيه مقنعة لا يشوبها الافتعال أو الغرابة من دون أن يجردها من بعدها الرمزي ذي الإيحاءات المدببة.
وحادت نقل المنشورات المعادية للسلطة في الخمسينات من بيوت المبعدين في (بدرة) إلى منطقة (الكلال) لتتوزع على المواطنين هناك، والذي أنجزته(نضال) بجدارة في رواية (المبعدون) للركابي لم يكن يحمل في دلالاته أبعاداً سياسية فحسب، بل تجاوز ذلك إلى الأبعاد الاجتماعية التي ترتبت على بعده السياسي، وخاصة إذا علمنا بأن نضال لم تقم بذلك بسبب من التزامها السياسي، فهي لم ترتبط بالتنظيم أصلاً، وإنَّ ما حدث – وبهذا الشكل المتحمس – نتيجة لاقتناعها بصدق مشاعر السياسيين وسلامة نظرتهم للمرأة، كما تجسدت لها عبر تأكيدات (كمال الكاتب) على أهمية المرأة في المجتمع وضرورة جهادها لتطمين حقوقها المشروعة، وأنها ليست جسداً فقط كما يعدها البسطاء بتشجيع من الحكومة وتأييدها([8]).
ومقتل الفلاح (عبد) على يد الإقطاعي (منصور الراضي) في رواية(القمر والأسوار) للربيعي الذي حدث بسبب مقاومته لمحاولات الإقطاعي الاستغلالية، مما دعا فلاحي قرية (أبو هاون) إلى التصميم على الثأر له لولا تدخل الشيخ (علي) الفلاح النازح إلى المدينة بضرورة التروي موضحاً لهم عدم جدوى الانتقام الفردي بل عليهم أن ينتظروا حتى تحين ساعة الخلاص الشامل قائلاً: (عندما تحين ساعة الانتقام ستنتقمون ليس من أجل (عبد) بل من أجل كل الفلاحين الآخرين الذين قتلهم)([9])، ويستجيب له الفلاحون بعد اقتناعهم بتحليلاته لطبيعة النظام الحاكم وسبل الخلاص منه.
فاختيار الربيعي لهذا الهدف لم يكن اعتباطياً إذ إنه استطاع أن يجمع فيه بين الدلالتين الاجتماعية والسياسية في آن واحد، فموقف الفلاح (عبد) الذي مهد لحادث القتل لم يكن سوى نتيجة لوعي الفلاح وإدراكه لحقيقة واقعه الطبقي المستغل، الذي أصرَّ على تغييره على الرغم من نصائح عمه له بضرورة الهجرة، وموقف الفلاحين الآخرين من مسألة الانتقام الفردي (الأخذ بالثأر) بعد اقتناعهم بوجهة نظر الشيخ (علي) المعاصرة في هذه المسألة، منطلقاً في ذلك من تشخيصه السليم لطبيعة المرحلة التاريخية قد هدف منه الكاتب لتغيير المفهوم السلبي التقليدي لظاهرة الثأر وتحويلها – في عقول الفلاحين أنفسهم – من إطارها الفردي السلبي (الخاص) إلى إطار إيجابي عام فضلاً عن البعد السياسي المتمثل بالحرص على عدم التفريط بأية فرصة قد تتيح لهم إزالة النظام القائم آنذاك([10]).
فالهدف – إذن – هو الصراع ضد الواقع السياسي المتخلف، فضلاً عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي المتهافت، ولنا أن نعتقد بعد ذلك بأن هؤلاء الكتاب وغيرهم قد استطاعوا أن يعبروا حقيقة عن مواقف حضارية جديرة عبر منظور إنساني رحيب باختيارهم الواعي للأحداث الدالة وقدراتهم الفنية المتجددة، فموقف الرواية الفنية في اختيار الحدث وبناء العقدة يكاد يكون مناقضاً لموقف الرواية غير الفنية لأنها تعكس موقفاً حضارياً يختلف عن الموقف الذي تعكسه الأشكال الروائية الأخرى من حيث الثورة على التقاليد واحترام التجربة الإنسانية ومواجهة الواقع ورفض المثاليات والمجردات والتعميمات واحترام الحس الفردي([11]).
ولا شكَّ أنَّ هذه الخصائص الفنية التي حملتها هذه الرواية متجسدة بطبيعة اختيارهم للحدث وبناء العقدة جاءت تعبيراً صادقاً عن سمات سائر الأعمال الروائية المعاصرة، التي انتهجت نفس الاتجاه، غير أننا آثرنا الاقتصار على دراسة الروايات السالفة مكتفين بالإشارة إلى الشواهد المماثلة في روايات هذا الاتجاه، إذ حرصت في عرضها للأحداث على أن تكون ذات دلالة سياسية أو اجتماعية تعبر بعمق عن دور الإنسان – الفرد – ضمن إطار الجماعة في حماية مصالحه الحيوية عبر مصالح مجتمعه المتجه نحو النمو والتطور([12]).
تأثير مفهوم (جماعية البطل) في بناء الحدث:
وكان لمفهوم (جماعية البطل) الذي يعد السمة البارزة في روايات هذا الاتجاه الفني، بسبب التقاء كتابها على تحقيق الهدف العام – المشترك – تأثير كبير في بناء الحدث وطريقة تشكيله، فقد اضطرَّ هؤلاء إلى توزيع الوقائع التي تشكل الأسس الأولى في بناء الحدث، عبر تلاحمها المنسجم في نسيج محكم الصنع، على شخصيات متعددة تمتلك رؤى منفردة، قد تلتقي وقد تفترق، ولكنها تعبر – من خلال مواقفها المتطورة والمتشابكة – عن وجهة نظر القاص، متمثلة في تجسيد هدفه العام عبر خيط رفيع حساس، ينتظم كل تلك المواقف ليشيد بمجموعها البناء العام للحدث (الدال) المؤثر.
فرواية (الأشجار والريح) للمطلبي طرحت أحداثاً محبوكة ومحسوبة، توزعت وقائعها بين مجموعة من الشخصيات، تربطها فكرة واحدة وهدف محدود على الرغم من بروز بعض صور الالتقاء والافتراق بين موقف وآخر خلال عملية البناء الدرامي للأحداث، فحادث نصب ماكنة الفلاحين لسحب الماء إلى أراضيهم عبر أراضي المالك المستغل (عناد) على الرغم من تهديده ووعيده دفع بالمطلبي إلى توزيع البطولة على جميع الفلاحين دون استثناء، على الرغم من أنه خصَّ (مهدي) بالإحساس الحاد، الناجم عن الصراع الداخلي بين ما تهفو إليه مطامحه الذاتية في حب (هيلة) ابنة (حمد) المستغل، وبين التزامه بأهداف طبقته التي تمثلت بشرائهم الماكنة ومحاولتهم انتهاج الأسلوب التعاوني في الزراعة بجهود ذاتية، متجاهلين إرادة المالك المستغل (عناد) وتابعة المصلحي (حمد) وفق مفهوم طبقي معاصر، عبر محور الإحساس الفردي للشخصيات إزاء الأشياء، بمنظور تقدمي يمجد دور التجربة الإنسانية في كل مكان وزمان([13]).
وحادث توزيع المنشورات المعادية للسلطة – ذاته – في رواية (المبعدون) لم تكن فيه البطولة مقصورة على واحد دون غيره، إذ شاركت في بنائه شخصيات عدَّة تكاتفت على رصف وقائعه المادية والنفسية، عبر مراحل نموه المتتابعة، بدءاً من مرحلة نقل المنشورات إلى (بدرة) من بغداد بواسطة (أم أركان) لتذهب إلى بيتها، ثم لتسلمها إلى (حسن مصطفى) مسؤول التنظيم، ومنه إلى (نضال) التي تنقلها في غاية الحذر والترقب إلى المدينة، إذ يتم تسليمها إلى (رؤوف) ليقوم بتوزيعها ليلاً ولصق بعض منها على جدران المدينة، وتتم العملية بنجاح، محققة أهدافها السياسية على الرغم من عظم المخاطر المتوقعة التي كادت تؤدي بحياتهم ومستقبل التنظيم كله لولا الحذر والتوجس الدائم من كل طارئ محتمل([14]).
وحادث نقل الرسالة إلى التنظيم في دمشق في رواية (عرزال حمد السالم) وكذا الحال بالنسبة لعملية نقل الأسلحة إلى العراق عبر طريق بادية الشام، قد تم كل ذلك عبر مروره بين مستويات متعددة ومتفاوتة من البطولة، فحميد مزبان ومنذر وحمد السالم (نفسه) ودارمي صاحب السيارة وغيرهم، وحتى (مرهون) الذي مثل الجانب المهم من خلق العنصر الدرامي في بناء الحدث، عبر موقفه الخياني المتمثل بالوشاية بهم لدى أجهزة الأمن بواسطة الإقطاعي فدعم العواد وصلال وسواهم لتتحقق بذلك لوحة فنية مدهشة تعبر عن واقع الصراع المادي والنفسي بين قوى الخير والشر عبر المطاردة المتواصلة حتى هروبهم خارج الحدود العراقية([15]).
والواقع إنَّ هذه الخصوصية الفنية في بناء الحدث قد لفتت انتباه سائر كتاب الرواية الحديثة، على الرغم من تفاوتهم في القدرة على استخدام أدواتهم الفنية في تحقيق هذا الامتياز الفني في بناء الأحداث فمنهم من وفق في جعل أحداث روايته ذات طابع شامل، ففرش فيه البطولة على أماكن متعددة وأزمنة متفاوتة وشخصيات متباينة ضمن وحدة فنية يجمعها محور الفكرة الأساسية للحدث الدال المقصود كما فعل هؤلاء، وغيرهم كالربيعي في (القمر والأسوار) وخضير عبد الأمير في (رموز عصرية) وعدنان رؤوف في (يوميات السيد علي سعيد) بينما تورط آخرون في أخطاء بسيطة تتعلق بنزعة الاستطراد في عرض المواقف المتباينة والإطالة في رسم ملامح الشخصيات الخارجية، كما فعل الكاتب نجيب المانع في روايته(تماس المدن) وموفق خضر في روايته (الاغتيال والغضب) وقاسم خضير في (الراحلون).
عناصر خلق الشخصية، وصور التفرد في اختيار المواقف والإجماع على تنفيذها:
إنَّ روايات الشباب وهي تنحو متجهة إلى تحقيق هدفها العام المبني على رؤية تقدمية معاصرة للواقع وخبرة عميقة بجزئياته استطاعت عبر شخصياتها الفاعلة أن تتلمس بوعي وثقة معظم السمات (الأخلاقية) للقرية والمدينة العراقية، بما فيها من تناقضات بارزة، فرضتها طبيعة الواقع الموضوعي الماثل إلى آفاق التطور المستمر جنباً إلى جنب مع مستوى التطور المادي في المجتمع العراقي. إن مهمة تقديم الحياة الجديدة تتطلب بالضرورة تقديم نماذج إنسانية عديدة ذات أفكار مختلفة، ذلك أن لوحة الواقع الخارجي تتضمن عملية هدم وبناء في آن واحد وخلال عملية موت القديم وميلاد الجديد تتوافر عناصر غنية في الصراع الإنساني ويتوفر المناخ لبروز نماذج إنسانية من طراز جديد تواجه هذه المهمة المعقدة بموقف إيجابي ووعي تقدمي للمستقبل.
ومن هنا برزت حاجة القاص إلى تحديد بعض خصائص هذا النموذج من الشخصيات ولكن عبر ارتباطها الحيوي الأصيل بالواقع، فالقاص غير مطالب بفرض نماذج مصنوعة تفتقد الأصالة الموضوعية لصالح قيمة فكرية معينة أو رؤية مفتعلة، وإذا سلمنا بأن هؤلاء الكتاب قد جسدوا رؤيتهم الواقعية الحديثة للحياة بتأكيدهم دور الإنسان – الفرد – في حماية مصالحه الحيوية – ضمن إطار الجماعة – فإنهم بالضرورة سيتفقون في اختيار أنموذج (البطل الجماعي) لتحقيق تلك الرؤية داخل الرواية، فالبطولة توزع على مجموعة من الشخصيات تؤلف عالماً ذا سمات معينة، يعتمد في تكوينه على كل العناصر المثابرة لبناء الواقع الجديد على أنقاض العهد القديم، وهذه العناصر تنحصر بالضرورة في طبقات السفح العريضة، متمثلة بالطبقة الواعية من الفلاحين المنتجين في الريف والعمال والطلبة والمثقفين كافة في المدينة، ولا يعني هذا إنكار وجود النماذج السلبية والمتخاذلة، ففي خضم الصراع الدائب تفرز الحياة نماذج متباينة عديدة بعضها يرتبط بالمسار التقدمي الصاعد للأحداث وبعضها يرتبط بأوجه التخلف والسلبية إزاء هذا التطور المشهود([16]) وهذا ما تحسسناه فعلاً في أثناء محاولتنا دراسة شخصياتهم ومتابعتنا لحركة تطورها التلقائي ونموها النفسي في خضم الصراع الدائب على المستويين الاجتماعي والاقتصادي. إنَّ حديثنا عن التركيب النفسي لعناصر طبقة السفح لا يعني دخولها في صراع جانبي يضر بوجود الطبقة، بل على العكس من ذلك فإنها تشخص الصورة الدقيقة لأسلوب مواجهتها المستمرة لعناصر الاستغلال ومظاهر التخلف، فضلاً عن اهتدائها إلى أسلم الطرق في بناء المستقبل المنشود.
ولا شك في أن التصور السابق لمفهوم البطولة هو الذي جعل الكتاب يحرصون في رسم شخصياتهم على تأكيد دورها الفاعل لحماية مصالحها الحيوية ضمن إطار الجماعة، إذ لا سبيل لهم في مواجهة تلك الضغوط والمعوقات لخلق الواقع الجديد في الريف والمدينة إلا بالتحرك الجماعي (الواعي) مما أفادهم كثيراً في تحقيق مظهرين متلازمين، تجلى (المظهر الأول) في إبراز الطابع الشخصي (المتفرد) لموقف الشخصية، بحكم توزيع المسؤولية على حين تجلى (الثاني) في استجابة تلك الشخصيات لتغيير مواقفها لصالح الموقف الأسلم نتيجة انتهاج أسلوب الحوار المستمر وتبادل الآراء في اتخاذ القرار المناسب، ففي مجال إبراز الطابع الشخصي(المتفرد) صادفتنا شخصيات عديدة في روايات هذا الاتجاه عبرت عن وجهة نظر متميزة للواقع، فشخصيات (خضير عبد الأمير) مثلاً في (رموز عصرية) ظهرت تحمل خصوصياتها الفكرية والنفسية المتميزة التي استمدتها عن قنوات عديدة كالبيئة والتراث، فضلاً عن مواضعات الحضارة الأوربية الجديدة، وهو ما صير منها عناصر أساسية لبروز الرأي الخاص (المتفرد) الساعي نحو تأكيد منطلقاته الذاتية والموضوعية وفق رؤية جديدة للواقع، تحرص على الوصول إلى موقف جماعي سليم، يسهم بفعالية عالية في خلق الظروف المناسبة للوثوب بحركة التطور الاجتماعي – عبر مسار جدلي – إلى مواقع متقدمة استهدفها القاص بعمق واقتدار من خلال إطار فني بارع.
فموقف (سعاد) من قضية طلاقها، ثم عزوفها عن الزواج من (خالد) رغم إلحاحه، إحساساً منها بأنه سيفقد كل أمل في بناء مستقبله إن هو اقترن بها، كانت له دلالته النفسية من جهة والحضارية من جهة ثانية، حيث التمرد على التقاليد المتخلفة، يقابله النضال الدؤوب من أجل التعلم الذي سيفتح لها آفاق العمل الشريف بغية تحقيق الاستقلال الاقتصادي عن الرجل، ومن ثمَّ يمنحها حرية الاختيار الكاملة، كما هي الحال لدى الرجل، ولا شكَّ بأن القاص (خضير) اختار التفسير الاقتصادي للعائلة في تحليله لهذه الظاهرة الإنسانية، غير أنه واجه صعوبة – كما نعتقد – في مهمة تحقيق عنصر الإقناع بالواقع من الناحية الفنية – في الأقل – بخاصة ونحن على صلة بظروف سعاد العائلية التي لا تؤهلها للتمرد والهروب بهذا الشكل الحاسم([17]).
وموقف (خالد) الواعي من مفهوم الحضارة الحقيقي، كما جاء في تعقيبه على رأي (سلا) ثم حاز على تأييدها كان صورة واضحة المعالم لأسلوب التحليل الموضوعي المبني على التفسير التاريخي لظاهرة التطور، مرتكزاً على مختلف عوامل التغيير في المجتمع، ذلك ان الانطلاقة الحقيقية هي التي تبدأ من الداخل وتسير جنباً إلى جنب. والانطلاقة الاجتماعية الحقيقية تمشي بجانب الانطلاقة الصناعية والزراعية والعلمية والثقافية ككل، لا أن تتقدم واحدة وتتخلف أخرى كما قد تبدو الصورة لدى كثير من الناس([18]).
وشخصيات المطلبي في (الأشجار والريح) تبدو في غاية الاعتداد بالنفس وامتلاك الرأي المتفرد فضلاً عن تعمقها الواعي في تحليل المواقف، ومن ثمَّ فقد أظهرت اقتداراً على اكتشاف الأداة المناسبة للواقع الجديد، فمقتل (حمد) المصلحي على يد الفلاح (مهدي) في (الأشجار والريح) بعد أن خيب أمله في الزواج من ابنته (حسنة) فضلاً عن تنكره لمشروع الفلاحين التعاوني المتمثل بـ (الماكنة) قد جعل هذا الحدث مدار نقاش طرحت فيه كثير من الآراء المتباينة لاتخاذ موقف جديد فضلاً عن ضرورة تحديد موقف واحد أمام الشرطة وبخاصة بعد أن تضررت الماكنة بكسر الحافة نتيجة الحادث، ولعل في هذا النقاش تصويراً لطبيعة الاختلاف في آراء الشخصيات المتعددة من جهة وتقديراً لمستوى التزامها بالمنطق الموضوعي في حل المشكلة من جهة ثانية، مقدرين ما توحي به المواقف من دلائل معينة توحي إلى الجوانب الإيجابية لصورة التحرك الواعي نحو بناء المستقبل المشرق، ضمن احتمالات الواقع فـجويسم وعبد الله الناعم وأبو محسن وسلطان كانوا يعتقدون أن مهدي هو السبب في كسر حافة الماكنة ومقتل (حمد)، بل فعل ذلك نكاية بهم بغية توريطهم ومن ثم تدميرهم لأنه لم يكن معهم منذ البداية، والصحيح أنه كان من طلائع الفلاحين المبادرين إلى تحقيق مشروع (الماكنة) التعاوني قبل أن يسقط في مسارب الذات بسبب حبه لهيلة ابنة المصلحي (حمد)، ولهذا وجدنا بعض مواقف الإشفاق تميل إلى تبرئته من تهمة العداء والانتقام من الفلاحين، مؤكدين ضرورة الاهتمام الجماعي بمستقبل الماكنة وإصلاحها بوصفها المحور الأساسي الذي يجب أن تدور حوله كل الجهود والتضحيات الفردية كما تحسسنا ذلك عبر مواقف الفلاحين الآخرين أمثال هاشم وحسين وعباس، بينما وجدنا موقف (موسى) أكثر انحيازاً إلى جانب مهدي) من خلال تبريره لضرورة قتل (حمد) بعد أن تخلى هذا عنهم دونما عذر مقبول سوى تطلعه إلى التحول إلى طبقة أكثر رفاهاً وأعز جاهاً، وإذا صحَّ هذا التحليل فإن ما يمكن أن يرجحه الفلاحون من تلك المواقف الثلاثة هو الموقف المعتدل، فقد جعل له القاص ثقلاً موضوعياً راعى معه احتمالات الواقع في ذلك الظرف، فضلاً عن استثماره لطبيعة الشخصيات الصافية، من حيث انتماؤها الطبقي ومدى إحساسها بذلك الانتماء وتطبيقها له في سلوكها اليومي منفردة ومجتمعة، غير أن هذه الآراء المتعددة والأصوات المتداخلة لم تجد – أحياناً – سبيلها الواضح للتعبير عن الفكرة المحورية داخل الرواية نتيجة الاستغراق المستمر واستخدام أسلوب التداعي ممتزجاً (بالمنولوج الداخلي) وهو عنده إطار لاحتواء الآراء والمواقف المتباينة([19]).
ويذكرنا هذا الموقف بمواقف (هاتف) و (عزيز) في رواية (القمر والأسوار) وصلاح كامل في (الأنهار) ومهدي سعيد في (الأشجار والريح) ومنصور وحسنة في (الراحلون) وعلي سعيد في (يوميات علي سعيد) وأمينة ومسلم وأحمد ومجدي في (تماس المدن).
ولما كانت شخصيات هذا الاتجاه تعمل جادة منفردة ومجتمعة من أجل بناء مستقبلها الأفضل، سالكة في ذلك الصراع الدائب لتجاوز التحديات الاجتماعية والطبقية، وإقامة الأسس السليمة لذلك المستقبل المنشود، فهي بالضرورة تعمل مخلصة على إطلاق الإمكانات الذاتية والمواهب المنفردة (المتميزة) ومن ثم استخدامها أداة ذكية في عملية تغيير واقعها التقليدي (المتخلف) والتحرك الواعي نحو خلق الظروف الملائمة للتغيير والتطور، ومن البديهي أن تلك الامكانيات والمواهب لم تأت الروائيين من فراغ وإنما جاءت استجابة طبيعية لارتباطهم بالبيئة وانعكاس خصائصها المتميزة في تكوين أفكارهم وملامح نفسياتهم، مما حدد مواقفهم الخاصة تلك المواقف التي جاءت معبرة بأمانة عن خصائص بيئاتهم المحلية من الزوايا التي تشع بالملامح الإنسانية المشتركة، فالروائي الواقعي مطالب – قبل كل شيء – بالاختيار من الواقع على وفق ما تمليه عليه رؤيته التقدمية المعاصرة، وحين ينحاز الأديب بالضرورة إلى القوى التي تدفع إلى طريق المستقبل وتجسد أشواق الإنسان وأحلامه فيصبح أدبه بالضرورة إنسانياً، لأن أحداً لا يتصور وجود تناقض أساسي وجذري بين أشواق الإنسان وأحلامه في أي بيئة وفي أي زمان([20]). إن تركيز هؤلاء على الجانب الفردي من وعي الشخصية ألزمهم انتهاج أسلوب التحليل والتفسير في تحقيق ذلك عبر منظور الواقع، وهذا دفعهم إلى ضرورة الإحساس بالمكان والزمان لكي يمنحوا تجربتهم الفنية بعدها الواقعي المطلوب([21])، وعندما نقرر أنهم قد أجادوا فنياً في بناء شخصياتهم وبخاصة تلك التي تناولوا عالمها الداخلي بكل تناقضاته، سلبياته وإيجابياته، استقراره واضطرابه، فلا يعني ذلك أن بعضهم لم يسقط في منزلق الاستغراق النفسي العميق – الذي غالباً ما أبعد شخصياتهم عن مهمتها في التعبير بمواقفها (المتفردة) عن الفكرة المحورية الأولى للرواية. إن في مبالغتهم التوغل إلى أعماق النفس البعيدة متجسدة بتخبطهم في متاهات نفسية وفلسفية ليس لها أي مبرر فني أو موضوعي فاضطرهم ذلك إلى الإفراط في استخدام (المنولوج) الممزوج بالتداعي في صورة غير منضبطة فنياً، وبخاصة في مسألة الترابط والانسجام والتماسك بين تلك المقاطع والصور، بغية الكشف عن إحساس الشخصية الحقيقي وتجديد معاناتها ومطامحها كدليل على ذلك. ولعل بروز مثل هذا الانحراف الفني لدى هؤلاء لم يكن مستغرباً فهو قبل كل شيء ناتج عن بقايا ترسبات الصياغة – الستينية – المضطربة في العراق، ومن ثم فإنها قد تلتقي مع بواعث رواية الشخصية، التي تعد رد فعل لرواية الحدث، فقد واجهتنا رواية المطلبي الثانية (الأشجار والريح) بالعديد من تلك الصور وبخاصة عندما يجري الحديث على لسان (مهدي) الذي لا يكتفي بعرض مشاعره الداخلية المضطربة، بل يضمنه مقاطع عديدة لأفكار الشخصيات الأخرى مستثمراً دور الراوي كلي العلم، من دون مراعاة الطبيعة الفنية للسرد الموضوعي الخارجي في اقتصار مهمته على رواية أقوال الشخصية ووصف حركتها من الخارج من دون الخوض في البواعث النفسية([22])، بحيث لا تشكل في مجموعها إطاراً يتضمن صوراً تامة المعالم، بقدر ما تعمل على تهشيم المعالم البارزة لعالم الشخصية الحقيقي، كل هذه في حوار يسوده الغموض ويستغرق عدة صفحات من الرواية([23])، وهذا ما يجعلنا نعتقد بأن القاص قد أخفق بعض الشيء في قدرته على تمثل هذا الأسلوب في عرض الأفكار، كما استخدم في الاتجاهات الأوربية للرواية المعاصرة عندما أصبح (البطل) هو الذي يفرض أسلوبه على الرواية لا الكاتب([24])، وهو لذلك أثقل كاهل الشخصية بأفكاره وتأملاته هو وقلل من ارتباطها بالأحداث، ومن ثمَّ فقد أضرَّ ببناء الرواية عامة لأنه أغفل الفعل الخارجي وركز على تيار الوعي فحسب، غير أن المطلبي لم يحرمنا من ظهور بعض الشخصيات الحية، النابضة بالحركة الواعية، التي مثلت الوجه المشرق للفلاح المعاصر كشخصية (سعيد) فضلاً عن أنه وفق في أن يحملها تبعة تغيير واقعها كممارسة لها، عبر أحداث الرواية حتى نهايتها الطبيعية.
وكذا الحال بالنسبة لبطل موفق خضر في (الاغتيال والغضب) عندما تحمل (سمير أحمد رؤوف) مشقة الملاحقة الذاتية الحادة لسلوكه العام في الواقع، ولكنه كان أكثر عمقاً ووضوحاً من سابقه، فضلاً عن استخدامه المتواصل لطريقة التداعي سواء أكان ذلك بالصور أم بالمعاني كما جرت في ذهن سمير([25]).
والروائي (قاسم خضير) ركز أيضاً على شخصية (حسنة) فتوغل إلى أعماقها واقتحم عالمها الداخلي الخاص، فقد جعلها تسقط تجربتها الفاشلة مع منصور – عبر منولوجها الداخلي – على فلاحة أجيرة مثلها عندما شاهدتها منزوية مع ابن صاحب الأرض المستغل، فخاطبتها في سرها قائلة: ((إياك أيتها الناكولة له أن تمنحيه ثقتك ما دام من غير أبناء جلدتك، فهل لنا القوة الكافية التي تمكننا أن نثبت لهم أن باستطاعتنا أن نسعد قبل أن يتكرم علينا الآخرون بسعادة زائفة))([26]).
دور (السرد الفني) وأهميته في اختيار طريقة العرض المناسبة للموضوع:
من الطبيعي أن يكون للهدف العام الذي اعتمده كتابنا الشباب سبيلهم الفني في تحديد طبيعة أحداثهم وشخصياتهم تأثير كبير في اختيار الإطار السردي الذي يسهم – مع الحوار – في عرض الفكرة المحورية للرواية، ومن هنا جاءت أهميته، فقد استخدم بعضهم طريقة السرد الموضوعي الخارجي ولكن عبر عملية التصوير والتحليل لا التقرير، كما استخدم بعضهم الآخر طريقة (تيار الوعي) ضمن السرد الذاتي الداخلي، ونعني به التعبير عن المضامين عبر وعي الشخصية، غير أنهم لم يلتزموا – جميعاً – بهذا الأسلوب أو ذاك – على طول الرواية – وإنما غلبوا ما كانوا يعتقدون أنه الأسلوب المعبر عن هدفهم المشترك، إذ إنهم وجدوا أن الأسلوبين يعبران عن هدفهم السابق، فالسرد الخارجي قائم عندهم على تصوير حركة الأحداث وتطورها من الخارج فضلاً عن التعبير النفسي عن مواقف الشخصيات وعمق ارتباطها بالواقع وأحداثه، ومن هنا فقد استطاعوا تحقيق مهمة الرصد الدقيق لمعالم شخصياتهم الداخلي والخارجي، سواء أكان عن طريق الوصف المركز أو عن طريق الأفعال والحركات الصغيرة التي تمتلك – في الوقت نفسه – قدرات إيجابية كبيرة، وهذا ما تحقق من خلال الراوي كلي العلم ضمن سرده الموضوعي.
فالقاص (خضير عبد الأمير) يختار لروايتيه أسلوباً يكاد يكون واحداً في عرض الفكرة عبر المواقف والأحداث، ذلك أنه فضل استخدام ضمير الغائب في عملية تركيب السرد الفني، لما فيه من فرص متاحة لنقل أفكاره الحية عن طبيعة الشخصيات وتكوينها النفسي ودقة توصيف عالمهما المضطرب، عبر عمليتي التشخيص والتحليل، وبخاصة لدى (خليل) في(ليس ثمة أمل لكلكامش) و(خالد) في (رموز عصرية)، فقد أفاده استخدامه الواعي لهذا الأسلوب المتطور من أساليب العرض إلى تحقيق هدفه المحوري الأول الذي تمثَّل بتأكيد دور الإنسان (المنفرد) ضمن إطار الجماعة لتحقيق طموحاته المشروعة على الرغم من كل صور التحدي، طبيعية كانت أم اجتماعية أم نفسية، غير أن مبالغته في ذلك كادت تقيد حركة شخصياته وتصادر خصوصيتها بل مسخها.
والروائي (عبد الرحمن الربيعي) ينقل لنا أحداث روايته وحركة شخصياتها عبر أسلوب السرد الموضوعي الخارجي بضمير الغائب أحياناً والمتكلم أحياناً أخرى، فقد آثر هذا الأسلوب بالذات لأنه وجد فيه الوعاء المناسب لتحقيق هدفه الأول من الرواية، هذا الهدف الذي تحقق في قيامه بعملية تصوير للواقع بكل جزئياته الدالة وبأسلوب وصفي دقيق يعتمد على التشخيص والتحليل، مما جعل القارئ يتحرك مع القاص في عالمه الصغير ذي القدرات والطاقات الواسعة متابعاً بانتظام حركة تطوره المستمرة، فإيقاع القصة والوصف المجزأ الذي يمتزج به هو الذي يحرك في نفس القارئ أكثر من دافع للبحث عن الناس الذين يعيشون الأحداث، فعندما يحاول الكاتب أن يسلط الضوء على شخصية (الشيخ علي) الذي نزح من الريف إلى المدينة نجده يعمد إلى الوصف الدقيق المجزأ للأماكن والأشياء التي ارتبطت برحيله، وكان لها تأثير بيّن في مجرى حياته، فضلاً عن تحديد خطوط شخصيته ومواقفها، بالإضافة إلى كشف دوافع الرحيل مركزاً على دور الزمان والمكان في تعميق الصورة الداخلية للشخصية عبر الراوي العليم([27]).
وكذلك فعل (عزيز السيد جاسم) في (المناضل)، و (موفق خضر) في (الاغتيال والغضب)، وغيرهم لا مجال لحصرهم ضمن هذه الدراسة.
أما الأسلوب الآخر في العرض ونعني به تيار الوعي من خلال السرد الذاتي فقد اعتمده سائر الكتاب أداة فنية (واعية) لنقل المضمون عبر وعي الشخصية مجسداً بعرض أفكارها وأحاسيسها الداخلية، التي تمثَّل الباعث الحقيقي لمواقفها المتسمة بالتطور المستمر، مازجة بين صراعها مع نفسها وصراعها مع غيرهـا، وبذلك حققوا قدراً من الفاعلية في تأكيد الهدف المحوري العام للرواية، مما جعل القارئ يشعر باتحاده مع الشخصية التي تدخل في فكر الكاتب ذاته فيتوغل في أعماقها بدلاً عن وصفها من الخارج، وهذا ما كان ينهجه كتاب الرواية الحديثة في أوربا مع بداية القرن الماضي([28]) من خلال السرد الذاتي عبر الراوي محدود العلم.
لقد استغرق هذا الأسلوب معظم صفحات رواياتهم، جنباً إلى جنب مع الأسلوب السردي الخارجي، فكانت تلك الصيغة الجديدة في بناء الرواية سمة تجمع بين هؤلاء في تقنية متقاربة استطاعت أن توفر لهم قدراً أكبر من الحرية في الحركة والشمول، فهم قد قصدوا إلى التوغل في أعماق الشخصية ليحللوا مواقفها وتفسير تصرفاتها بعد إخضاعها للمنظور البشري ليحققوا هدفهم في تحقيق دور الإنسان الفرد في إطار الجماعة، ولنفس هذا الهدف ظهرت شخصياتهم وهي تحمل عوامل نموها وتطورها فتحتم عليهم استخدام أسلوب المنولوج بمختلف صوره، فالمطلبي أجاد استخدام طريقة تيار الوعي و (المنولوج الداخلي) بالذات وبخاصة في رواية (الظامئون) على حين لم يحالفه النجاح التام في روايته التالية (الأشجار والريح) بسبب سقوطه بمنزلق فني في الصياغة، فقد أراد أن يبتدع تقنية جديدة مغايرة يخرج بها عن طبيعة المنولوج الداخلي نفسه، [أن حاول أن يجري أفكار شخصياته وبخاصة شخصية (مهدي) المأزومة، عبر أصوات متعددة متداخلة خرجت عن كونها إطاراً لحوار وهمي يفترض حدوثه بين شخصيات عديدة، ,إنما ظهر مشحوناً بالغموض والإبهام وكأنه تراكم من المفردات المتداخلة التي لا تحدها فكرة ولا يربطها محور فني معين، ولا شك في أن المبالغة في استخدام هذا الأسلوب فضلاً عن المحاولات المتعددة لاستخدام التقطيع (السينمائي) بشكل مفتعل قد أساء إلى وحدة الفكرة وتلاحم العناصر داخل الرواية ورسوخ البناء الدرامي فيها.
وإذا كان الأسلوب يخضع عند كتاب الواقعية (الحديثة) إلى طبيعة الوعي الفكري للكاتب، متفاعلاً مع التطور الحضاري المتلاحق قد جعلهم يختارون لعرض أفكارهم صيغاً متطورة من التقنية الروائية، تلبي رغبتهم في تحقيق هدفهم المحوري (المشترك)، فإنَّ (لغة السرد) خضعت هي الأخرى في صياغتها لمثل هذا العامل، وبخاصة في الروايات التي انتهجت أسلوب (المونولوج الداخلي) في عرض الأحداث والأفكار فهي ملزمة – والحالة هذه – بصياغة لغوية تراعي المستوى الفكري للشخصية المتحدثة ما دامت هي التي تعبر عن مضمون الرواية من زاوية رؤيتها الخاصة الذاتية للحياة والأشياء ((ضمن السردية الدلالية التي تعنى بمضمون الأفعال السردية))([29]) ولغة السرد من هذه الزاوية تلتقي مع الحوار في ضرورة تعبيرها عن خصائص المتحدثين كأن تكون في لغتهم لازمة معينة أو اهتماماً خاصاً أو ألفاظ تشي بالمهنة أو الهواية، وقد حصل هذا فعلاً أو جزء منه عند بعض الكتاب.
أما القسم الآخر من الروايات الواقعية الحديثة، التي استخدمت أسلوب السرد الموضوعي الخارجي فإنها آثرت استخدام لغة فصيحة، بسيطة، هدفها توصيل المعنى الدقيق للقارئ عبر تراكيب لغوية تتسم بالشاعرية والسلاسة، مع احتفاظها بقيمتها اللغوية والنحوية السليمة، فالقيمة الجمالية للغة – في نظرهم – مرتبطة بقدرتها على التعبير عن أحاسيس الإنسان وعواطفه الداخلية بعيداً عن البهرجة البيانية وفخامة التراكيب التي من شأنها إعاقة القارئ عن تتبع الحركة الداخلية للمواقف والأحداث وهي العمود الفقري للرواية، فهي من هذه الزاوية ((تمزج بين لغة الراوي ولغة الشخصية بخصوصيتها بحيث نسمع في السرد – كما في الحوار – رنين صوتين))([30]).
الحوار الفني، طبيعته ومهماته في روايات الشباب:
لقد كان الهدف العام – المشترك – الذي حدد رؤية كتابنا الشباب دوره الكبير في صياغة الحوار، إذ جعلوا منه وسيلة لإظهار خصائص الشخصية المنفردة وعرض وجهة نظرها المتميزة إزاء الأحداث والمواقف المحيطة، ومن ثمَّ فإنه يرسم للشخصية نفسها موقفاً فاعلاً ومؤثراً في مجريات الواقع، ولا شك في أن هذا التوضيح لطبيعة الشخصية الخاصة وتحديد دورها الحر المستقبل في الواقع يظهره حوار الشخصية ذاتها عبر طريقة استخدام اللغة وطريقة ترتيب الفكرة وزاوية الرؤية ومجالات المواقف الخاصة والعامة، فهو يدل على ردود فعل مميزة للشخصية، وهو – من هذه الزاوية – يتصل اتصالاً وثيقاً بالمواقف بصورة مقنعة، فيطور الموقف ويكشف عن طبيعة الشخصية – المتحدثة والفاعلة – في آن واحد، ويتطلب من الروائي أن يعمل على تنويع أسلوب الحوار على وفق ما يحتمله وعي الشخصية وواقعها الحياتي، وبذلك يمكنها من التعبير عن نفسها بصدق وأمانة.
فحوار حسن مصطفى في (المبعدون) أظهر بجلاء الصورة الصحيحة لتفرد الرأي واستقلالية الموقف، مسترشداً بتجاربه النضالية العريقة عندما اقترح تكليف البنت الخبازة (نضال) بمهمة القيام بنقل المنشورات المعادية للسلطة وتلسمها لرؤوف في المدينة، بوصفها متعاطفة مع المبعدين وبخاصة بعد استشهاد اختها على يد السلطة من ناحية، وأنها ليست موضع شك من سلطات الأمن في (بدرة) من ناحية ثانية، وبذلك استطاع المؤلف أن يمنح هذا الموقف المنفرد للشخصية على الرغم من أنه لم يجد قبولاً حسناً بين الآخرين لمبررات نجاحه الذاتية والموضوعية مما أكسبه صفة الإقناع بالواقع، وألبسه رداء الصدق الفني، دونما سقوط في لجة الافتعال والمبالغة، على الرغم من معارضة الآخرين من رفاق حسن، ويتم له ما أراد وتنجح المهمة فعلاً([31]).
وبنفس التفرد والحيوية جاء (دوار) الرجل الغريب الذي يمثل الوجه الآخر (الوهمي) لشخصية (سمير) ذات البعد السيكولوجي المتميز في رواية (الاغتيال والغضب)، فقد وفق المؤلف في تحقيق التقنية العالية لتصوير هموم سمير من الداخل عبر تحريكه للشخصية الوهمية، المعبرة عن ضميره بزيها الغريب الذي ظل يلاحقه أينما ذهب، وبذلك فقد عبَّر حوارهما عن حقيقة حياتية كادت تغيب عن ذهن سمير، ونعني بها الصدق مع الذات، التي أوشكت أن تشهد مأساة اغتيالها بمقصلة الإغراء اليومي والثراء المرتقب من علاقته بموكلته الأرملة الثرية هنا([32]).
وهاتف في (القمر والأسوار) يجسد لنا حواره مع عمه (حميد) صورة أخرى لتفرد الرأي واستقلاله وأثره في حيوية الموقف عندما فنَّد رأي عمه والآخرين عن مستوى الواقع المعاشي للأسرة، رافضاً دعوتهم إلى القناعة والاستكانة([33]).
ولا شك في أن الروايات الأخرى قد أشارت إلى كثير من مواقف التفرد وسيادة الرأي الشخصي (الحر) الذي كان له دوره الفاعل ضمن حركة الأحداث وتطورها إلى الاتجاه الذي يعزز من رسوخ البناء الدرامي داخل الرواية، كما ظهر جلياً في الحوار الداخلي (المونولوج) الذي أداره المطلبي في نفس (هاشم) عن موقفه المتفرد من ظاهرة الزواج بابنة العم.
ولقد ظهر الحوار نتيجة تعدد آراء الشخصيات وتفردها، يحمل سمات التنوع في مضامينه المقصودة، فإذا سلَّمنا بأن الموقف الواحد يحمل أكثر من وجهة نظر، ويستلزم تناوله طرق آفاق مختلفة من الأفكار والموضوعات فرضتها طبيعة النقاش وتقليب الفكرة على وجوهها المختلفة، فإن من البديهي أن تظهر أعمال هؤلاء الكتاب مشحونة بالأفكار الغنية والآراء الصائبة ما داموا يهدفون إلى تغيير معظم المفاهيم القديمة البالية بمفاهيم معاصرة تتجاوب مع هدفهم الفكري المشترك، متوسلين في ذلك بمحاولة تفجير واقع عالمهم الإنساني الفسيح، المتميز بالجدية والعمق، فالجزء السابق من الحوار الذي أشرنا إليه من رواية (القمر والأسوار) عن تفرد (هاتف) بموقفه الخاص من بواعث الواقع المعاشي المتدهور يبين بجلاء مدى تشعب الأفكار عند ظاهرة واحدة، فـ (حميد) يعتقد بأنها تعود إلى القضاء والقدر، ولا مجال لغير القناعة وعدم الاعتراض، على حين يرى (هاتف) عكس ذلك، عبر تحليل دقيق وتبرير جاد، معتبراً ذلك المظهر نتيجة حتمية لواقع الاستغلال الطبقي في الريف والمدينة، وهذا ما دفعه لكتابة الشعارات المناوئة للسلطة على الجدران، في الوقت الذي لا يتفق فيه (كامل) مع الاثنين، فله وجهة نظره الخاصة النابعة من نزعته الدينية الحادة، إذ يعتقد بأن الدافع الحقيقي للتدهور يكمن بغياب النظام الاقتصادي السليم متمثلاً بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
والحوار الطويل في رواية (تماس المدن) بين مجدي وضيفه د. رائد بمشاركة بقية الضيوف خرج هو الآخر لمآرب جانبية عما كان يحتمله الموقف، أوشك معه أن يفتقد بسمة الترابط والوضوح لولا تدارك القاص في لحظاته الأخيرة، ليعيد إليه خطوطه العريضة، ويصل به إلى هدفه الرئيس متمثلاً بتحديد معالم الإنسان العربي الأصيل، فقد انتقل موضوع الحوار من الشعر والأدب إلى طبيعة النظرة الإنسانية للواقع من خلال مستوى الإحساس بأزمة زميلهم المعتقل (سليم) ثم يعود ليتحول إلى بعض سمات الحضارة الأوربية (صدقها وزيفها) وما تغرزه من قيم متضاربة ومتداخلة قد تعمل على إغراق الإنسان في معمعة الآلة، وهذا ما يقودهم إلى موضوع رابع يتعلق بالمشاعر والأحاسيس([34]).
أما القاص (قاسم خضير) فإنه يكشف لنا عن تحول موضوع الحوار الذي أداره بين (حسنة) وأمها وانتقاله من قضية إلى أخرى ولكنه من منطلق الصلة العضوية لجزئيات الفكرة المرتبطة بعامل السببية، ولا شك أن تنوع الحوار ساعد على تطوير الموقف، ومن ثمَّ دفع بحركة الأحداث وتطورها، عندما قاد (شكير) إلى التحرك نحو أخذ الثأر، غير أن تحول موقفه وتطوره – نتيجة لنصيحة الأم – جعله يذهب إلى (السيد جابر) لاستخدام نفوذه الاجتماعي في حل المشكلة وردع المعتدي بدلاً من التهور الذي يؤدي إلى مضاعفات لا تخدم أحداً([35]).
ولم تقتصر ظاهرة تنوع الحوار على هاتين الروايتين دون غيرهما، فقد ظهرت جلياً في رواية (الاغتيال والغضب) عندما أدى الحوار – الطويل – بين سمير وغريمه الوهمي إلى تطور المواقف حتى وصل الأمر إلى درجة المبارزة الوهمية – بالمسدسات -بغية التخلص من كابوس الازدواجية الرهيب الذي طوق سمير بحصاره النفسي القاتل([36]).
ومن الأمور التي تلفت نظر الدارس وهو يتناول عنصر الحوار لدى هؤلاء الكتاب أن بعضهم قد بالغ في استخدام طريقة (تيار الوعي) بمختلف صورها سواء أكان حواراً مع النفس من طرف واحد، أم حواراً وهمياً بين أطراف عدَّة يجري في ذهن الشخصية داخل الرواية إلى الحد الذي جعله يغرق الفكرة (المحورية) ضمن الفعل الجماعي في متاهات المعالجة الفلسفية والنفسية لشخصياتهم المستنبطة، كما فعل المطلبي في (الأشجار والريح) على سبيل المثال([37]).
فهو ينتقل من فكرة إلى أخرى وهو ساكن لا يتحرك، وكل ما يفعله هو الاستجابة الذهنية لصور المواقف والأحداث، فتدفعه إلى التفكير فيها عبر عملية الارتداد الذهني (Flash Back) دونما هدف فني ينعكس في بناء حدث جديد له علاقة بمحور الرواية.
والآن، لكي يتمثل القاص العراقي الشاب -بعمق وحساسية عالية – أبعاد التطور الذي يشهده ضمن إطار المرحلة التاريخية الراهنة الاستفادة من تأثيراتها المتعددة والمتنوعة في تطوير سبل التقنية الفنية لإنتاجه القصصي، تنتظره مهمة شاقة – في غاية الخطورة - تتلخص بضرورة متابعته الجادة وكشفه المتواصل لكل ما يقع من مواقف وأحداث تحمل في طياتها حلقات التغيير الاجتماعي من حوله، ومع علمنا بأنه قد تجاوز في مهمته هذه مرحلة البداية، غير أن الكثير ما زال ينتظره لكي يصل إلى حقيقة البواعث النفسية والذاتية فضلاً عن العوامل التاريخية لذلك التفاعل العضوي القائم بين الواقع الموضوعي (سريع التطور) للمجتمع والقوانين (السرية) التي تحكم العلاقات الخاصة بين عناصر العمل الفني المعروفة.
قائمة المصادر والمراجع
اولا - مصادر البحث (الروايات) ذات الصلة بالدراسة:
1. الاشجار والريح / عبد الرزاق المطلبي: دار الحرية، بغداد، 1971.
2. الاغتيال والغضب / موفق خضر، بغداد، 1970.
3. تماس المدن / نجيب المانع، بغداد، 1976.
4. عرزال حمد السالم / عادل عبد الجبار، بغداد، 1975.
5. الراحلون / قاسم خضير عباس، بغداد، 1975.
6. القمر والاسوار / عبد الرحمن مجيد الربيعي: دار الحرية، بغداد، 1977.
7. الظامئون / عبد الرزاق المطلبي، دار الحرية، بغداد، 1967.
8. المبعدون / هشام توفيق الركابي، دار الحرية، بغداد، 1977.
9. نافذة بسعة الحلم / عبد الخالق الركابي: دار الحرية، بغداد، 1977.
ثانيا – المراجع:
1. الاتجاهات الادبية في القرن العشرين: ر. م. البيريس: ت جورج طرابيشي: بيروت سنة 1965.
2. الاتجاه الواقعي في الرواية العراقية: د. عمر الطالب: بيروت 1971.
3. الأدب القصصي في العراق: د. عبد الاله احمد: بغداد سنة 1977.
4. البناء الفني في الرواية العربية في العراق: د. شجاع العاني: اطروحة دكتوراه.
5. تأريخ الرواية الحديثة:ر. م. البيريس:، ت جورج سالم: بيروت 1973.
6. تطور الرواية العربية: د. عبد المحسن طه بدر: القاهرة سنة 1963.
7. السردية العربية: د. عبد الله ابراهيم: اطروحة دكتوراه على الالة الكاتبة: كلية الاداب: جامعة بغداد: سنة 1991.
8. الشعرية: تودوروف: ت شكري المعلوف ورجاء بن سلامة: المغرب: وكذلك: نصوص الشكلانيين الروس.
9. مختصر محاضرات في نظرية الرواية: د. سهير القلماوي: القاهرة: 1973.
10. ينظر:عبد الرحمن الربيعي بين الرواية والقصة القصيرة عبد الرضا علي: بيروت 1976.
11. معالم جديدة في ادبنا المعاصر: فاضل ثامر: بغداد سنة 1975.
12. معنى الواقعية المعاصرة: جورج لوكاش: القاهرة سنة 1974.
نظرية المنهج الشكلي: ت ابراهيم الخطيب: بيروت: 1982.
الهوامش
[1] - ينظر: د. سهير القلماوي: مختصر محاضرات في نظرية الرواية: القاهرة: 1973: ص32.
[2] - د. عبد الإله أحمد: الأدب القصصي في العراق: بغداد سنة 1977: ص228.
[3] - ينظر: فاضل ثامر: معالم جديدة في أدبنا المعاصر: بغداد سنة 1975: ص14-16.
[4] - ينظر: جورج لوكاش: معنى الواقعية المعاصرة: القاهرة سنة 1974: ص
[5] - ينظر: د. عمر الطالب: الاتجاه الواقعي في الرواية العراقية: بيروت 1971.
[6] - ينظر: عبد الرضا علي: عبد الرحمن الربيعي بين الرواية والقصة القصيرة: بيروت 1976: ص60.
[7] - ينظر: رواية (رموز عصرية): خضير عبد الأمير: ص66-67.
[8] - ينظر: رواية (المبعدون): هشام الركابي: ص242- 243.
[9] - ينظر: رواية (القمر والأسوار): عبد الرحمن الربيعي: ص159.
-[10] نفسه: ص160 – 166.
-[11] د. عبد المحسن طه بدر: تطور الرواية العربية: القاهرة سنة 1963: ص94.
-[12] ينظر على سبيل المثال روايات: الأشجار والريح ص165، الراحلون: ص87-88، النهر والرماد: ص379.
-[13] ينظر: رواية (الأشجار والريح): عبد الرزاق المطلبي: ص165.
-[14] ينظر: رواية (المبعدون): ص201 – 243.
-[15] ينظر رواية (عرزال حمد السالم): عادل عبد الجبار: ص303-415.
-[16] ينظر: فاضل ثامر: المصدر السابق: ص67.
-[17] ينظر: رواية (رموز عصرية): ص67.
-[18] المصدر السابق ص40-41.
-[19] ينظر: (الأشجار والريح): ص236-239.
-[20] ينظر: د. عبد المحسن طه بدر: المصدر السابق: ص32.
-[21] يمكن الرجوع إلى روايات: القمر والأسوار، الراحلون، المبعدون، رموز عصرية، تماس المدن.
-[22] ينظر: تودوروف: الشعرية: ت شكري المعلوف ورجاء بن سلامة: المغرب: 1987: ص13، وكذلك: نصوص الشكلانيين الروس: نظرية المنهج الشكلي: ت إبراهيم الخطيب: بيروت: 1982: ص189.
-[23] ينظر: (الأشجار والريح): ص205-213.
-[24] ينظر: ر. م. البيريس: الاتجاهات الأدبية في القرن العشرين: ت جورج طرابيشي: بيروت: سنة 1965: ص24.
-[25] ينظر: الاغتيال والغضب: موفق خضر: بغداد: ص145 – 149.
-[26] رواية (الراحلون): قاسم خضير: ص128-129.
-[27] ينظر: القمر والأسوار: ص240.
-[28] ينظر: ر. م. البيريس: تاريخ الرواية الحديثة، ت جورج سالم: بيروت: 1973: ص49.
-[29] ينظر: د. عبد الله إبراهيم: السردية العربية: أطروحة دكتوراه على الآلة الكاتبة: كلية الآداب: جامعة بغداد: سنة 1991، ص8.
-[30] ينظر: د. شجاع العاني: البناء الفني في الرواية العربية في العراق: أطروحة دكتوراه: بغداد: 1987: ص419-420.
-[31] ينظر: المبعدون: ص198-210، 243-244.
-[32] ينظر: الاغتيال والغضب: ص125-130.
-[33] القمر والأسوار: ص206 – 207.
-[34] ينظر: تماس المدن: نجيب المانع: ص276-292.
-[35] الراحلون: ص102-105.
-[36] ينظر: الاغتيال والغضب: ص125-131.
-[37] ينظر: الأشجار والريح: ص182 – 183 وما بعدها.