محاضرات العقائد2 - المحاضرة 24 - لغوية الخلق بدون المعاد
- لغوية الخلق بدون المعاد:
لولا المعاد لكان أصل الخلق لغواً باطلاً عبثاً. وبما أن الثابت عندنا والعقيدة الصحيحة تقودنا للإيمان بأننا لم نخلق عبثاً وان الله تبارك وتعالى لم يترك الإنسان سدى، ولم يخلق السماوات والأرض باطلاً وإنما لا بد هناك من حقيقة: (أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً وإنكم إلينا لا ترجعون) المؤمنون: 115.
القرآن الكريم يركز على هذه الناحية بأنه مجرد تصور الفرد واحتماله بأنه لا توجد هناك قيامة ولا معاد، هو نفس هذا التصور يؤدي ويلازم الاعتقاد بان كل ما في الوجود عبث وباطل. فلولا المعاد لكان الخلق باطلاً. وبما أن الخلق ليس باطلاً إذن لابد من وجود المعاد.
للوصول إلى هذه الحقيقة نحتاج إلى بيان مقدمات ثلاث:
- المقدمة الأولى: إن كل شيء في هذا الوجود إنما هو في مكانه المناسب.
يعني لا يوجد شيء اسمه الباطل والفوضى واللانظام وإنما كل شيء مودع في مكانه ووضعه الخاص. بحيث أي تغيير من مكانه يحدث مجموعة من الآثار السلبية فلو اقتربت الشمس من الأرض بضعة أمتار لاحترقت الأرض ولو حصل العكس لتجمدت الأرض.
- المقدمة الثانية: القرآن الكريم يعرف الإنسان على أنه خليفة الله في الأرض: ( وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) البقرة: 30.
وخلق الإنسان وجعله خليفة في الأرض لهدفين:
- الأول: الامتحان والاختبار: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) الملك:2.
- الثاني: العبادة والمعرفة: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات: 56.
هذان الأمران (الابتداء والعبادة) يذوبان في حقيقة واحدة وهي أن الإنسان مختار، والتكاليف التي يكلف بها إنما هي لصقل مواهبه وإمكاناته واستعداده، ففي هذه الاختبارات والابتلاءات وفي طريقه نحو العبادة، إما أن يصل إلى أعلى عليين أو ينزل إلى أدنى مستوى إلى أسفل سافلين، إذن اما أن يختار بنفسه طريق الهداية ويتسامى أو ينزل إلى طريق الضلال ويتسافل.
إن الله تبارك وتعالى لا يجهل شيئاً حتى يختبر البشر فهو العالم المطلق، عالم بالبشر وبالحقائق لا يخفى عليه شيء. والاختبار إنما هو لصقل مواهب البشر وقابلياتهم وخروجها من درجة الشأنية والإمكان والقوة إلى درجة الفعلية. والقابليات الموجودة، تبرز إلى عالم الوجود من خلال المعاناة ومن خلال التجربة والتكليف.
ثم إن الله تبارك وتعالى غني عن عبادة الخلق. فإن من أساسيات الفكر الإسلامي قوله تعالى:
(يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) فاطر:15.
- المقدمة الثالثة: خلق الله الإنسان ليصل عن طريق الاختبار والعبادة إلى الكمال. ولكن هذا الكمال النهائي لا يتناسب مع المحن في هذه الحياة: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) البلد: 4.
إن الإنسان للوصول إلى الكمال النهائي لابد أن يمرّ بسلسلة من الاختبارات والامتحانات والمحن والمصائب ومن خلالها تصقل شخصيته وتتبلور، وهذه حقيقة الايمان، فلا يذوق عبد طعم الإيمان حتى يمر بالمحن والمصائب. إذن هناك تناسب حقيقي وتناسب طردي بين مستوى الكمال والتكامل مع كثرة المصائب التي يمر بها الإنسان.
مثلاً الزيت الصافي لا يصفى إلا بعد أن يمر بمراحل من التهذيب والتقنية والسحق والعصر. يصف الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) هذه الدنيا وصفاً دقيقاً في إحدى خطبه: (دار بالبلاء محفوفة وبالغدر معروفة. لا تدوم أحوالها ولا يسلم نزّالها، العيش فيها مذموم والأمان منها معدوم وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسهامها وتغنيهم بحمامها.
وكما يقول أحدهم عن اللذة: اللذة في الدنيا كالقطرة من البحر.
إذن أن المعاناة والمشاكل في هذه الحياة، والكبد بالتعبير القرآني تدل على أن هناك مرحلة يحصل فيها الإنسان على نتائج أعماله ويقطف ثمار المعاناة الطويلة التي عاناها في الدنيا. فلا يعقل أن يخلق الله تبارك وتعالى وهو حكيم، عليم، قادر مطلق، هذه الحياة ويخلق في الإنسان حب الكمال والسعي المتواصل للوصول إلى الكمال المنشود، وجعله يعاني المشاكل والمصائب، ولا يخلق حياة أخرى يجني فيها ثمارها ما عاناه في الدنيا. فهذا عبث ولغو.
- الآيات القرآنية التي تشير إلى هذه الحقيقة:
1- (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار أن نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) ص: 27-28.
2-(أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم، ساء ما يحكمون وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون) الجاثية 21-22.
3- (أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً وإنكم إلينا لا ترجعون) المؤمنون: 115.
4- سورة القيامة الآيات: 36-37-38-39-40.
إذن: الله تبارك وتعالى ينفي العبثية واللغوية. ويجعل ذلك مناقضاً للهدف الأصلي والغاية الأصلية من خلق الإنسان.
إذا تم شيء بدا حسنه***** لو مع زوالاً إذا قيل تم