تصنیف البحث: السياسة, تاريخ
من صفحة: 434
إلى صفحة: 468
النص الكامل للبحث: PDF icon 180609-041330.pdf
خلاصة البحث:

ادى السيد محمد صادق الصدر دوراً مهما في تاريخ العراق المعاصر، فقد أسهم وبفاعليه في تحريك أبناء الشعب العراقي و العربي و الإسلامي لتغيير الحكم القمعي و أللإنساني، من خلال مرجعيته الناطقة، و إحياء صلاة الجمعة المليونية والتي كانت ممنوعة على الشيعة، فلا يزال صداها يرسم أفق الحيـاة بمرافقها العامة، ولاسيما ما حصل في الانعطافة التي حـدثت في المرجعية (الناطقة) في النجف الأشرف، و الدور الذي لعبه السيد محمد الصدر في تغييـر واقع الشعب العراقي من خلال مرجعيته ((الناطقة)) لذا كان جديراً ان يرصد هذا الاسهام المهم في بحث، عمدنا فيه ان يكون اضافة للمكتبة البحثية الاكاديمية ولا يخفى أن سبب اختياري لدراسة المسيرة الجهادية لهذا الرجل، هو ذلك الكفن الذي كان يرتديه، في مسجد الكوفة، و الذي كان يعني الكثير في ظاهره و باطنه، كما قال السيد الصدر: ((من كان يريد الآخرة و الجنة فليرتدي كفنه مثلـي، ومن أراد الدنيا فليتنعم بحريرها)) اضافة الى ما نراه اليوم مـن توبة الشباب من الموبقات و التوجه إلى المساجد و عبادة الله الواحد الأحد، وهذا كله بفضل الله عز وجل ودور السيد محمد محمد صادق الصدر من خلال إقامته لصلاة الجمعة، و الفتاوى التي كان يصدرها.

أما إطار البحث فقد جرى تقسيمه إلى مقدمة ومدخل وثلاث مباحث و خاتمة لائم بعضها بعضا تقريباً، من حيث الترتيب الزمني و المرحلي لشخصية السيد محمد محمد صادق الصدر، فبعد المدخل الذي تناول فيه الباحث ولادة ونسب السيد الصدر الثاني وادلة اعلميتة، جاء المبحث الاول بعنوان (دور السيد محمد محمد صادق الصدر في الانتفاضة الشعبانية) ليوضح اولى ادوار الحراك الاسلامي السياسي في تاريخ العراق والنتائج التي تمخض عنها هذا الحراك، تلاه المبحث الثاني راصداً وجه اخر لهذا الحراك الا وهو اقامتة لشعيرة صلاة الجمعة والتحديات التي رافقت ذلك، فحمل المبحث عنوان (دور السيد محمد محمد صادق الصدر في إقامة صلاة الجمعة) هذه المواقف ادت بطبيعة الحال للمواجهة العلنيه بين السيد الصدر الثاني والسلطة الدكتاتورية آنذاك مما انتهى بأستشهاده عام 1999، فكان المبحث الثالث راصداً لتفاصيل المواجهة والاستشهاد، وهو بعنوان (المواجهة بين السيد محمد محمد صادق الصدر والسلطة)، ثم الخاتمة التي سجل فيها الباحث ابرز ملاحظاته وماتوصل اليه.

البحث:

مدخل

يعد السيد محمد محمد صادق الصدر احد اعلام الحوزة العلمية في النجف،ومجتهد له شريحة واسعه من المقلدين، وهو ايضا قائد الحركة الاسلامية في العراق في العقد الاخير من القرن العشرين. ولد من ابوين عراقيين في السابع عشر من ربيع الأول عام 1362هـ الموافق الثالث و العشرين من آذار 1943([1])، وهو سليل عائلة ال الصدر العريقة النسب. ابوه محمد صادق بن محمد مهدي بن إسماعيل بن صدر الدين بن صالح بن محمد بن إبراهيم شرف الدين (جد ال شرف الدين) بن زين العابدين بن السيد نور الدين علي بن السيد علي نور الدين (جد ال نور الدين) بن الحسين بن محمد بن الحسين بن علي بن محمد تاج الدين أبي الحسن (جد ال أبي الحسن) بن أبي الحسن علي بن عبد الله أبي طاهر بن أبي الحسن بن أبي الطيب طاهر بن الحسين القطعي بن موسى بن أبي سبحة (جد ال أبي سبحة) بن إبراهيم المرتضى بن الإمام أبي إبراهيم موسى بن جعفر بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب  عليهم السلام ([2]).

عاش السيد محمد الصدر في كنف جده لأمه الشيخ العلامة محمد رضا آل ياسين([3]). وكذلك في كنف أبيه السيد العلامة محمد صادق الصدر، وكان لنشأته في هذا الوسط الديني الحوزوي العلمي انعكاس واضح على تربيته و أخلاقه([4]).

وبالرغم من ان السيد محمد محمد صادق الصدر قد حصل على درجة الاجتهاد والافتاء في سن مبكرة من قبل خيرة علماء الدين في النجف الأشرف في النصف الثاني من القرن العشرين، إلا انه اثر السكوت على الاجتهاد وذلك لسببين اولهما: ان السيد محمد الصدر لم يفكر يوما ان يكون مرجعا او زعيما للحوزة العلمية، بل انه كان يقضي وقته في العبادة والتدريس طالبا للعلم من جهة و مدرسا للعلم من جهة اخرى، أي كان هدفه الوحيد هو خدمة الدين والمذهب وطاعة الله، سبحانه وتعالى.

أما السبب الثاني: فكان يرى في الامر تنازعا دنيويا على المرجعية فعليه ان يكتم هذا الامر ولم يهتم بنشره رغم الاجازة التي حصل عليها من افاضل زعماء الحوزة الدينية في النجف الأشرف انذاك([5]).

وهناك دليل ملموس على اجتهاد السيد محمد الصدر، حيث انه قبل سنة 1970م اصدر الجزء الاول من موسوعته القيمة حول الامام الحجة  عليه السلام  والموسوعة فيها من سعة الافق وقوة الاستدلال ما قد تكون قرينة على اجتهاد مؤلفها([6]).

وقد كتبها قبل سنة العشرين من عمره وهي مؤلفة من ستة اجزاء اربعة فيها مطبوعة ومطروحة في المكتبات و اثنان مخطوطة باقية في داره بعد استشهاده([7]).

و كتب كذلك اشعة على اصول الدين، و كتاب (نظرات اسلامية في حقوق الانسان) و فيه مناقشة لكبار فلاسفة الغرب في العصور الوسطى وما بعدها مثل جون لوك([8]) صاحب النظرية الحسية والتي اعتمدتها الماركسية([9]) وكذلك جان جاك روسو ([10]) وكتابه العقد الاجتماعي والذي اكد فيه على (ان الانسان يولد حرا لكنه مقيدا بالاغلال في كل مكان)([11]).

لقد باشر سماحته بتدريس الفقه الاستدلالي (الخارج) اول مرة عام 1978م، وكانت مادة البحث انذاك من (المختصر النافع) وبعد فترة باشر ثانية بالقاء ابحاثه العالية في الفقه و الاصول (ابحاث الخارج) عام (1410هـ- 1990م)([12])، واستمر في ذلك متخذا من مسجد الرأس الملاصق للصحن الحيدري الشريف، مدرسة وحصنا روحيا لانه اقرب بقعة من جسد امير المؤمنين علي  عليه السلام ([13]).

بذل الصدر الثاني جهودا كبيرة في بحوثه عن الإمام المهدي  عليه السلام  واصدر موسوعة الامام المهدي  عليه السلام  كما ذكرنا ذلك سابقا والذي قال عنها الشهيد الأول محمد باقر الصدر([14]): ((وسأقتصر على هذا الموجز من الافكار تاركا التوسع فيها وما يرتبط فيها من تفاصيل إلى الكتاب القيم الذي أمامنا فأنا بين يدي موسوعة جليلة في الأمام المهدي  عليه السلام  وضعها أحد اولادنا وتلامذتنا الاعزاء وهو العلامة البحاثة السيد محمد الصدر حفظه الله تعالى وهي موسوعة لم يسبق لها نظير في تاريخ التصنيف الشيعي حول الإمام المهدي  عليه السلام  في احاطتها وشمولها لقضية الامام المهدي المنتظر من كل جوانبها، و فيها من سعة الافق وطول النفس العلمي واستيعاب الكثير من الكلمات و اللفتات مما يعبر عن الجهود الجليلة التي بذلها المؤلف في انجاز هذه الموسوعة الفريدة واني اشعر بالسعادة بما تملأه هذه الموسوعة من فراغ وتعبر عنه من فضل ونباهة والمعية واسأل الله المولى- سبحانه وتعالى- ان يقر عيني به ويريني فيه علما من اعلام الدين))([15]).

المبحث الاول: دوره في الانتفاضة الشعبانية عام 1991م

لعب السيد الصدر الثاني دورا مهما في قيادة الانتفاضة الشعبانية عام 1991م، ويذكر الشيخ اليعقوبي قائلاً ([16])(في نهاية عام 1988م، انخرط السيد الصدر الثاني في الحياة الحوزوية والاجتماعية، وبدا بتدريس سطح الكفاية في جامعة النجف الدينية على امل ان تكون حلقة الدرس نواة البحث الخارج الذي يعقده بعدئذ، واتمّ الجزء الاول من الكفاية ثم اعاقته احداث عام 1991م، وتفرقت حلقته الدراسية، فاعتقل قسم من طلبته وهرب السيد علاء نجل السيد محمد كلانتر إلى خارج العراق، وهذا ما سمعته من السيد الصدر الثاني نفسه) ويضيف الشيخ اليعقوبي قائلا (في هذه المرحلة بدا بتاليف كتاب ما وراء الفقه حيث طلب مني كتابة بحث (الرياضيات والفقه)، فكتبته وظل المخطوط عنده إلى ان طبعه باسمي بعد سنين عديدة)([17]).

ويضيف الشيخ اليعقوبي قائلا (وقال لي السيد الصدر انه عاود اقامة الصلاة جماعة في الروضة الحيدرية الشريفة بعد انقطاعه عنها لعقد من الزمان وكان قد شغل المكان في تلك الفترة أحد المحسوبين على النظام السابق، فمانع الأخير بحجة ان هذا المكان مكاني منذ ثلاث سنين فارسل إليه السيد ان هذا مكان الاسرة منذ خمسين سنة فحاول ذلك الرجل الايحاء إلى السيد الصدر الثاني بانني قد اضرك من جهة السلطة لكن السيد ثبت على موقفه بحزم وظل محتفظا بالمكان))([18]). ((وخلال أيام القصف الامريكي وحلفائه الذي امتد من ليلة 17/1/1991م حتى 28/2/1991م، كان الوضع الامني في العراق متسببا خلال قصف الحلفاء للعراق فيما اسموه (بعاصفة الصحراء)([19]) بهدف معلن هو تحرير دولة الكويت من سيطرة القوات العراقية، وفي الايام الاخيرة كنا لا نشعر بوجود يذكر للنظام، نعم في بعض الحالات الطارئة كان يعزز النظام قبضته او يوحي بذلك على الاقل وعندما اعلن الحلفاء ايقاف الحرب يوم الخميس 28/2/1991م، ومن حينه سرت في اوساط الشعب اخبار عن انطلاق مظاهرات معارضة للسلطة و الناس بين مصدق ومكذب، لان الرعب الذي زرعه النظام في قلوب الشعب مازال موجودا نتيجة لاعماله الشنيعة وبطشه الشديد، واعلن ان موعدها يوم الجمعة 1/3/1991م([20])، ثم اجلت بسبب انشغال الناس بزيارة النصف من شعبان إلى مرقد ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) التي صادفت ليلة السبت وكانت كربلاء مشتعلة بالعواطف الثورية المتاججة، وساهم في تصعيدها وجود السيد الخوئي نفسه في الزيارة الذي لم يستطيع الوصول إلى الحرم الشريف بسبب الازدحام و اجتماع الناس لاستقباله بعد ان علموا بوجوده بكربلاء، فاكتفى بالزيارة من سيارته خارج الصحن الشريف لكن الزوار هتفوا بشعارات ضد النظام السابق، واعلنوا ولائهم للحوزة الشريفة وبدات المواجهات بين رجال الامن والزوار واعتقلت السلطات الامنية عددا من المتظاهرين المنددين بسياسة القمع والعدوان التي ينتهجها النظام"([21]).

ويسترسل في حديثه الشيخ اليعقوبي قائلا"وقد سبقت مدينة البصرة في حصول الانتفاضة حيث حصلت مواجهات مسلحة بدأها الجيش المنسحب من الكويت، والذي نجا باعجوبة من قصف الطائرات الامريكية وحليفاتها حيث اعلنت القيادة العراقية الانسحاب من طرف واحد قبل ان يعلن الحلفاء وفقا لاطلاق النار، وحين دخول الناجين من هؤلاء إلى مدينة البصرة حصل ارباك وفوضى فارادت القوات المرتبطة في البصرة و قوات الامن و الجيش الشعبي التي تدافع عن النظام السيطرة على الموقف المتدهور فحصل اشتباك مسلح حتى بالاسلحة الثقيلة بين الطرفين وامتدت إلى مدن البصرة الاخرى وقصباتها".

اما النجف فقد انطلقت المظاهرات فعلا ظهر يوم الاحد 3/3/1991م المصادف 16/ شعبان/ 1411هـ([22])، ولم يكن الشعب مسلحا بشكل معتد به إلا ان معاقل السلطة في مركز المدينة كمديرية الشرطة وبعض مراكزها ومقرات الحزب سرعان ما تهاوت امام تضحيات الشعب، فغنم المجاهدون اسلحتهم ثم اتخذوا الصحن الحيدري الشريف مقرا للقيادة، وفي يوم الاثنين 4/3/1991م([23]).

انطلقت جماهير الشعب بموكب حسيني يردد شعارات الولاء والثأر لأهل البيت  عليهم السلام ، ويتقدم الموكب مجموعة من المسلحين و قد اعتلى لبعضهم سيارة اطفاء، وتابع الموكب سيره على شارع الكوفة الذي تقع اكثر مراكز السلطة كمديرية الامن ومقر قيادة الجيش الشعبي و مقرات ادارة المحافظة مع بعض جيوب المقاومة لافراد الحزب الذين تحصنوا في بعض الاحيان الابنية لمقاومة زحف ابناء الشعب، واخذ الثوار يطهرون الموقع تلو الاخر حتى تمت السيطرة عليها جميعا عصر ذلك اليوم، فعاد الثوار إلى الصحن الحيدري الشريف ليحتفظوا بالنصر وتخليص المدينة من رجال النظام([24]).

اما عن الانتفاضة فلم يكن مخططا لها ولمستقبلها ولم تكن لها قيادة تذكر فكان من الطبيعي ان يلتجا زعماء الحركة الجماهيرية إلى علماء الدين وظنوا انهم سيستقبلونهم بالزهور لما حققوه من نصر، لكن الامر كان بالعكس فقد قوبلوا بحسب ما نقله لي السيد الصدر الثاني بالاعراض والجفوة و الاستهجان ولتقريع على هذه التصرفات([25])، واختفى كثير من ائمة الجماعة في بيوتهم و لم يبق احد منهم مستمرا على صلاة الجماعة إلا السيد محمد محمد صادق الصدر فيما اعلم، حيث كان يقيم صلاة المغرب والعشاء في الروضة العلوية الشريفة وصلاة الظهر والعصر في مسجد الهندي، وسارع إلى اصدار بيان يدعو فيه إلى نصرة الثورة الإسلامية المباركة في العراق، وكان السيد الصدر الثاني هو اول رجل دين في النجف الاشرف يؤيد الثورة ويدعو إلى نصرة الثوار، واول رجل دين يبقى محافظا على صلاة الجماعة ويدعو في كل صلاة المصلين إلى مساعدة الثوار بالسلاح والمال والانفس([26])، ثم بعد ذلك اصدر السيد السبزواري بيانا حماسيا([27])، اما السيد الخوئي فقد كان متحفظا يدعو إلى الحفاظ على النظام الاجتماعي العام وصيانة ممتلكات الشعب وعدم ارتكاب مخالفات للشرع المقدس ونشرت البيانات جميعا في العدد الاول من الصحيفة التي اصدرتها قيادة الانتفاضة واستمرت اربعة او خمسة اعداد وكنت احتفظ بها الا انني اتلفتها حينما اقتحمت قوات النظام بيوتنا للتفتيش)([28]). ويستمر الشيخ اليعقوبي في كتابه قائلا (وبعد يوم أو اكثر ارسل إلي سماحة السيد الصدر الثاني سيارة من تلك التي غنمها الثوار من المؤسسات الحكومية وفيها ولده السيد مؤمل والاخ زيد البغدادي([29]) يدعوني للاجتماع به فذهب فورا والتقيت به في داره وقال ان الذي دعاني إلى هذا اللقاء امران:

احدهما: ضرورة تعيين قائد مدني أو على الاقل سياسي للثورة ولا يمكن ان تبقى الامور بلا قرار سياسي بعد استقرار الوضع العسكري ولا يمكن ان نصبر حتى ياتي قائدٌ للثورة من الخارج.

ثانيهما: ضرورة الاتصال بايران وطلب النجدة والسلاح وحول الامر الاول فقد رشح الاخ الاستاذ محمد عبد الساعدي([30]) لذلك المنصب ولكنه اعتذر من قبول ذلك وكان السيد متوقعا لذلك فامرني بتولي المنصب في حال رفض الاستاذ محمد ذلك، فابلغت السيد بالخبر وقلت له ان الخطوة الاولى هي التعرف على العناصر الرئيسية في الانتفاضة ودراسة ان كان بالامكان التأثير فيهم بهذا الاتجاه وذهبت إلى الصحن الشريف واطلعت على الوضع عن كثب فوجدت ان فرصة السيد في ممارسة دور قيادي بعيدة فقد كان الاتجاه العام نحو السيد الخوئي ولا يمكن تجاوزه وتحييده، واصبح القرار فعلا بيد مكتب السيد الخوئي([31]) واخبـرت السيد الصدر الثاني بذلك وقلت له باختصار ان دور العلماء يتسـم بالحذر الشديد بانتظار انجلاء الموقف، قال ومن الذي يجلي الموقف؟! اليس العلماء هم الذين يقومون بتسيير الامور و قيادتها نحو وجهتها الصحيحة وليس دورهم التفرج والخوف على انفسهم من الانتقام في حال فشلت الانتفاضة([32]).

وفي احد الايام لم يحضر السيد إلى صلاة الجماعة في الروضة الحيدرية و سالته في اليوم التالي عن السبب في عدم حضوره صلاة الجماعة، فقال ان السيد الخوئي دعا مجموعة من العلماء وفضلاء الحوزة ليخبرهم بعزمه عن تشكيل لجنة لادارة شؤون المجتمع في هذا الوضع المتازم ودار النقاش ست ساعات وقد اقترح ان يكون السيد محمد محمد صادق الصدر منهم، فرفضت ذلك لانني علمت ان هذه اللجنة سيكون دورها هامشيا، وانما الامر بيد مكتب السيد الخوئي والمتنفذين فيه وبعض ابنائه([33]).

ولما بدات قوات الحرس الجمهوري بالزحف إلى كربلاء ومحاصرتها نادي منادي الجهاد من اذاعة الانتفاضة و مقرها الصحن الحيدري الشريف على المقاتلين التوجه إلى كربلاء لانقاذها من الحرس الجمهوري، انطلق الاف المجاهدين من النجف باسلحتهم من مختلف الصنوف بما فيها الثقيلة وقد غنموها من قوات القدس التابعة للحرس الجمهوري التي كانت مرابطة حول مدينة النجف، وخرجت مع المجاهدين انا والشيخ قاسم الطائي وهو احد طلبة السيد الصدر الثاني، وعندما وصلت كربلاء وجدنا الشوارع فارغة الا من المقاتلين، اما سكانها فقد نزحوا نحو النجف الاشرف مشيا على الاقدام، و عندما رجعت إلى النجف بعد ايصال المقاتلين إلى كربلاء، توجهت إلى دار السيد محمد محمد صادق الصدر فقال لي اكتب مقالا حماسيا بعنوان (حي على الجهاد ايها العرقيون) إلى صحيفة الثورة، وسمعت بعض فقراته تتلى من الاذاعة المنطلقة من الصحن الشريف([34]). ولما شعر بعض زعماء المجاهدين ان الثورة بدات تضمحل وتتميّع في ظل هذه القيادة الدينية الخائفة من فشل الثورة، والذين لم يفكروا في توسيع الثورة إلى بقية المحافظات والزحف نحو بغداد وتدعيمها احسوا بالحاجة إلى قيادة (حركية) جديدة تجتمع فيها صفات الوعي والشجاعة والحزم والرصيد الاجتماعي فوجدوها متمثلة في شخص الشهيد الصدر الثاني، فعرضوا عليه الامر فوافق، ولكن بعد فوات الاوان([35]).

هذا وقد بدات قوات الحرس الجمهوري بالزحف نحو مدينة النجف وبدا قصف مدفعي بعيد يطول احيانا البيوت المتطرفة في شمال شرق المدينة باتجاه مثلث الحدود بين النجف والحلة وكربلاء. حيث عبرت القوات نهر الفرات جنوبي مدنية الكفل، وكان ذلك بعد ظهر يوم الثلاثاء 12/3/1991م، وفي يوم الاربعاء التالي كانت اصوات قذائف المدفعية والدبابات تسمع في ارجاء المدينة لكن دون ان يطالها والشارع العام تحدث عن معارك بالاسلحة الثقيلة وتراجع قوات الحرس الجمهوري الزاحفة على النجف([36])، اقول في ذلك اليوم([37])، صليت الظهر والعصر خلف سماحة السيد الصدرالثاني في جامع الهندي وبعد انتهاء الصلاة احيط بحماية مكثفة من رجال مسلحين وصيحات التكبير و التهليل والصلاة على محمد وال محمد، و مئات الثوار تحيط بالسيد الصدر الثاني وهي تنادي (عاش عاش عاش الصدرهو الزعيم القائد)، حتى دخول الحرم الشريف، ومذيع الانتفاضة يطلق كلمات الترحيب (اهلا بالزعيم المجاهد سماحة اية الله العظيم السيد محمد محمد صادق الصدر) و كنت ضمن المجموعة التي رافقته بـعد ان صليت خلفه و لكن من دون ان اعلم بسر هذا التغيير الذي حصل اليوم لدى قـادة الثورة و الثوار، وصعد السيد إلى سطح (لاالكيشواتيةلا)([38]) المواجهة لباب القبلة والناس تجتمع في الصحن الشريف وهم يقابلونه بالهتافات، والقى السيد الصدر الثاني كلمة ارتجالية مختصرة حث فيها علـى نصرة الثورة الإسلامية المباركة ودعمها والمشاركة فيها لعل الله سبحانه يرحم هذا المجتمع وينشر لواء الإسلام في ربوع هذا البلد المقدس.

ثم نزل السيد وركب السيارة (شوفرليت- جي ام سي) وصعدت معه واكتضت السيارة بالمسلحين واوصلنا السيد إلى داره، و بقي العشرات من المسلحين لحماية السيد وهو في داره، وكان السيد قد امرني بتشكيل لجنة لقيادة الانتفاضة و يكون هو على راسها، وفي صباح اليوم التالي وانا مهتم بتنفيذ الامر فاستخرت الله تعالى في ان اقصد احدهم فكانت النتيجة غير جيدة و لم اكن اعلم ان السر في ذلك اعتقال السيد الشهيد الصدر ووأد القيادة الجديدة في مهدها، فقد دخل الجيش مدينة النجف من جهة شمال الشرق يوم الخميس 14/3/1991م([39])، واسترجع المراكز الرئيسية على شارع الكوفة و وصل إلى جامعة النجف الدينية حيث كان السيد وعائلته مع السيد محمد كلانتر وعائلته وبعض طلبة الجامعة يختفون في سرداب تحاشيا للقصف، واعتقلوا جميعا وسيقوا إلى منطقة الرضوانية في الضواحي الشمالية الغربية لبغداد حيث خصصت الاحتواء (المعارضة)([40])، وكان وفد السيد ومن معه اول الداخلين إلى المعسكر المخصص لاعتقال القادمين من النجف، اما المعسكر المعد لاهالي كربلاء فقد كان يغص بالمعتقلين- هكذا نقل لي السيد الصدر الثاني، وفوجئت ظهر الخميس وان استمع إلى الراديو بالمذياع يجري لقاءا مع السيد الصدر و توقعت ان لقاء قديم اعلنوه للتمويه على المجاهدين الذين لا يزالون يقاومون حول بيت السيد الخوئي، ولما انصت إليه جيدا وجدته جديدا فعلا ويذكر احداث البارحة (ظهر الاربعاء) و يساله المذيع عنها، ولم تنته المقاومة إلا يوم الاحد 17/3/1991م، بعد تهديد السلطة باستخدام الاسلحة السامة([41]).

اما السيد فقد اخبرني، انه اجرى اللقاء التلفزيوني معه وهو بين مجموعة من الضباط بعضهم برتب عالية ثم حققوا معه وسجلوا بيانات كثيرة واملوا صحائف عديدة. وبعد خمسة عشر يوما اطلق سراح السيد الصدر الثاني))([42]).

المبحث الثاني: دور السيد محمد محمد صادق الصدر في إقامة صلاة الجمعة

في بلد مثل العراق محكوم بنظام (دكتاتوري) شمولي، كان ولا زال أي تجمع يمثل مشكلة من المشاكل الكبيرة في نظر النظام السابق، اللهم إلا التجمعات التي يعمل هو على تنظيمها وتعبئتها لاهدافه السياسية الخاصة، اما التجمعات الدينية فقد كانت تثير حساسية اكبر لدى السلطة، لا بسب ان الطابع الابرز الذي ميز المواجهة السياسية الداخلية كان طابعا إسلاميا، وان اجهزة السلطة استنفذت كل احتياطها التخويفي والامني ازاء عناصر الظاهرة الدينية في العراق، و بالاخص بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران وخوف النظام السابق من الشيعة في العراق بالقيام بثورة مسلحة بقيادة رجال الدين واقامة دولة إسلامية في العراق على غرار ما حصل في ايران، فكانت السلطة تمنع أي تجمع ديني يحصل في الداخل([43])، و ما يفسر خوف السلطة من هذه التجمعات هو استنفارها الدوري التقليدي في شهر محرم الحرام، ذكرى استشهاد الإمام الحسين  عليه السلام  وتطويق المدن المقدسة (كربلاء- النجف- الكاظمية)، بالدبابات والاسلحة الثقيلة خوفا من تحول هذه التجمعات إلى مظاهرات احتجاجية ذات طابع سياسي([44]).

وانطلاقا من هذا الواقع الذي حكم مواجهة السلطة للشارع العراقي في عواطفه وميوله الإسلامية، يمكن فهم ابعاد ظاهرة صلاة الجمعة التي اقامها السيد محمد محمد صادق الصدر، اذ يبدو للوهلة الأولى، ان مجرد تصور اقامة مثل هذه الصلاة قبل حصولها في ظل نظام مثل النظام السابق في العراق، كان السيد الصدر الثاني اكير الناس دراية به وباساليبه التي يعرفها الناس، والتي لا يعرفونها، يكاد يكون امرا مستحيلا، حتى لو ضمنت السلطة علـى سبيل الفرض ضوابط و حدود هذه الصلاة مسبقا، و وضعها تحت السيطرة والمراقبة الدائمة، اذ ان أي تجمع تحت الشعار الديني في العراق سيكون مشروعا مؤجلا ضد هذه السلطة([45]). وبعد كل ما مر بالعراق من احداث سياسية داخلية اوصلت هذه السلطة إلى وضوح بان معظم شرائح الشعب العراقي هي شرائح رافضة لسياستها وتعرضت لاضطهادها وقمعها بشكل ربما يفوق الوصف والتصديق لمن هو غير عراقي لاسيما وان هذه الصلاة اقيمت بعد انتفاضة شعبان- اذار 1991م، التي مثلت استفتاءا شعبيا لا نقاش فيه ولاجدل على غضب الشارع العراقي ضد السلطة السياسية التي تتحكم به، وهي انتفاضة سقطت فيها اربع عشرة محافظة عراقية بيد الثوار من مجموع ثمان عشرة محافظة، مجموع محافظات العراق([46]).

وعلى هذا الاساس لا يمكن من الناحية النظرية فهم حصول صلاة الجمعة التي اقامها السيد الصدر الثاني، وفق أي تفسير خارج براعته وشجاعته حتى لو بدات هذه الصلاة محدودة ثم تطورت وتصاعدت شيئا فشيئا، فالسلطة محكومة كما اشرنا إلى عقد عدم ثقة هائلة بالشارع العراقي، هذا اولا، وثانيا فان حسابات هذه السلطة للسماح باقامتها او عدم التعرض لها، هي الأخرى خضعت (لدهاء) السيد الصدر الثاني، الذي استطاع ان يؤسسها ويعطيها الصفة الطبيعية التي لا تتعارض مع اهداف السلطة في البداية، ومن ثم ينقلها إلى عالمه الآخر، ودلالتها الاخرى التي لا تعيها السلطة فالسيد محمد محمد صادق الصدر يعلم تماما ومن خلال اصراره على قيامها، بعد ان عارضتها السلطة وامراته بالامتناع عنها، كان السيد الصدر الثاني يعلم ان هذه الصلاة تعني:-

اولا: ان صلاة الجمعة هي فريضة عبادية – سياسية – اجتماعية، وتعتبر من الفرائض التي تشكل المنظومة المفاهيمية للإسلام السياسي، وما يمكن ان تقوم به هذه الفريضة من ادوار كبرى في مسار المواجهة التي يخوضها الإسلام مع اعدائه وهي فريضة وان تعددت الاسباب في تعطيلها لدى الشيعة، إلا ان المضمون السياسي لها كان في مقدمة اسباب التعطيل هذه، فخرج السيد الصدر الثاني في اول صلاة جمعة يقيمها مرتديا الكفن وامر العراقيين بالتوجه إلى مسجد الكوفة قائلا (من لا يملك سيارة، اولا يحصل عليها فليركب دابة او ياتي مشيا على الاقدام)([47]).

ثانيا: ان صلاة الجمعة ليست مناسبة سنوية او شهرية، انما تقام اسبوعيا، وهذه الاقامة الدورية المتقاربة لها تعطيها بعدا تاثيريا اكبر في تراكم الوعي السياسي لدلالتها، وهي اجراء مفتوح ومتواصل لضخ وتراكم الدلالة السياسية في الوعي الجمعي للأمة، وهي تفصيل متواصل، واحضار دائم للخطاب الإسلامي والوعي الإسلامي في الساحة العراقية ولذا فانها بهذه الصفة التكرارية- الزمنية ستشكل محور المواجهة، ومحور الاصرار على اقامتها، دون غيرها من الامور التي لا ترتقي لاهميتها ودورها. وهذا ما دعا السيد الصدر الثاني إلى رفض الخضوع لاوامر السلطة بالامتناع عن اقامتها لانه يعلم ان ايقافها يعني ايقاف شبه كلي للمسيرة الإسلامية المندفعة الفاعلة في العراق التي اسسها في جيلها الثالث، جيل ما بعد انتفاضة شعبان- اذار 1991م([48]).

وقد اكد السيد الصدر الثاني في الجانب التوعوي قائلا ((ان من فوائد صلاة الجمعة هو الوعي الديني الذي حصل في الحوزة والمجتمع ومنها عرف الناس ان عددا كثيرا من الحوزوين غير ما كانوا يتصورون، وفهم الناس ان الاسلوب القديم عند بعض الحوزوين قائم على القصور والتعقيد حيث ورد انه اذا كثر الفساد في المجتمع فعلى العالم ان يظهر علمه، وإلا فعليه لعنة الله ولكن الواقع الذي يعيشه بعض المنتسبين إلى الحوزة العلمية غير ذلك حيث قال بعضهم عندنا امور اربعة فقط، الاستخارة والدرس وصلاة الجماعة وقبض الحقوق واهمها في نظرهم قبض الحقوق التي يجب ان تصرف لقضاء حاجة المحتاجين، ولكنهم لايصرفونها كذلك إلا قليلا منها))([49]).

(ان صلاة الجمعة التي اخذ يؤمها السيد الصدر الثاني، اخذت تتطور بحيث اصبحت المتنفس الوحيد للكلمة الدينية و الموعظة الإسلامية وصولا إلى كسر طوق السكوت و التكلم باسلوب المعارض، لما فيه الكثير من النقد للسلطة، ومن ذلك مطالبته موظفي الدولة بالتوبة والعودة إلى الإسلام الحقيقي، ويبدو ان المواجهة الحقيقية مع بغداد، كانت لدى دعوته إلى الصلاة في 15 شعبان (تاريخ ولادة الإمام المهدي  عليه السلام )، وكان متوقعا تجمع مئات الالاف من الشيعة العراقيين عند ضريح الإمام الحسين  عليه السلام  في كربلاء)([50]).

ثالثا: ((ان صلاة الجمعة تمثل ضمنا اجراءاً تعبويا مهما، ان لم يكن الاهم، من كل الفرائض الإسلامية، ذات البعد الجمعي السياسي- الإسلامي، كموسم الحج، ومسيرات البراءة من المشركين، او صلاة الجماعة التي ولو كانت تحقق البعد التكراري- الزمني لها، إلا انها لا تحقق البعد التعبوي الذي تحققه صلاة الجمعة، ولقد تجلى هذا البعد التعبوي بشكل صارخ في صلاة الجمعة التي حصلت في العراق، على يد آية الله الشهيد محمد صادق الصدر، فهي سرعان ما تحولت إلى صلاة مليونية متصاعدة في ارقامها العديدة بشكل خطير، ولقد اوجد هذا الجانب التعبوي احساسا ثوريا في الوسط، كالوسط العراقي، يخضع للقمع والاضطهاد ومصادرة الحريات السياسية من الداخل، ويخضع إلى حصار ودورات متواصلة من الدمار الخارجي، لذلك وجدت مرجعية الصدر الثاني شعبية واسعة غير متوقعة، خصوصا مع انتشار المد الاسلامي الكبير في العراق تحت ظروف القهر والحصار.

و بعد اقامة السيد الصدر الثاني صلاة الجمعة في مسجد (الإمام علي  عليه السلام ) في الكوفة ومختلف المدن العراقية، وافتائه بوجوب ادائها عينا، و مطالبة الجماهير بعدم جواز الاكتفاء بمتابعة الصلاة خلف التلفاز، مما ادى إلى تقاطر المصلين على ادائها من مختلف انحاء العراق، خصوصا في النجف وكربلاء والناصرية والكاظمية والديوانية وهو ما افزع السلطات من تحول الصلاة إلى بؤرة ثورية يمكن ان تنفجر في المستقبل)([51]).

رابعا: ((وبالاضافة إلى الدور السياسي والتربوي والتعبوي الذي تنطوي عليه صلاة الجمعة، فهي تؤدي دورا اخر لا يقل اهمية عن هذه الادوار التي تعتمد في انجازها عليه، وهو دور العلاقة بين المرجعية والأمة في العراق، وهذا الدور التواصلي بين المرجعية والأمة، ربما يدخل في صميم المنظومة المفاهيمية الدينية التي اعتمدها السيد محمد صادق الصدر، و تلك التي انفرد بها عن سواه من المراجع والمتصدين في خطابه الديني والسياسي وهو يقول في هذا الجانب (من فوائد صلاة الجمعة هو الاتصال بين المجتمع والحوزة العلمية))([52]).

وتضيف الصحيفة (هذه الصلاة التي اصر السيد الصدر الثاني على القيام مهما كان الثمن، كانت تمثل جسرا تواصليا والتقائيا بين المرجع والأمة من خلال لقاء دوري شمولي عام، وليس لقاءا شخصيا مع المرجع، قد لايتسنى للكثير من الناس الذين لم تتح لهم الظروف الالتقاء مع المرجع او انهم لا يعرفون آليات الوصول إليه، وبالتالي فانهم يتواصلون معه عبر ادبياته وفتاواه فقط، دون ان يعيشوا تصوراته وجها لوجه، ودون ان يعيش تصوراتهم بصورة مباشرة. ان ظروفاً سياسية وغير سياسية قاهرة ادت إلى ايجاد نمط من العلاقة المحدودة بين المرجعية و الأمة، و لقد ادى هذا النمط إلى انحسار في التفاعل، أو إلى غموض حول دور المرجع و وظائفه ومهماته، لاسيما في ساحة مثل الساحة العراقية، كانت اسباب انعزال المرجعية في ظل قمع السلطة ومحاصرتها، وبحثها عن ذرائع لايذاء المرجعية، الأمر الذي انعكس سلبا على دور المسيرة الإسلامية في العراق وحجمها ونفوذها))([53]).

لقد ادرك السيد محمد محمد صادق الصدر خطورة هذا الجانب بعيدا عن ارائه في مواصفات المرجع وقناعاته الفقهية والفكرية، وسجل خروجا على السائد في هذا الاطار، واعلن نظريا وعمليا عن ضرورة ازاحة النمط القديم الذي يحكم علاقة المرجع بالأمة قائلا ((ان الاسلوب القديم عند بعض الحوزويين قائم على القصور والتقصير))([54]).

ويؤكد السيد الصدر الثاني على صلاة الجمعة في الذكرى السنوية الأولى لقيامها قائلا ((تحتفل صلاة الجمعة بالسنة الأولى على اقامتها، الحقيقية هذا الامر جاء بتوفيق من ربي وبمشيئة الله سبحانه وتعالى، إلا كان بالامكان مسبب الأسباب، ان يجعل أي سبب لازالتها، ولكنه سبحانه وتعالى كانت له الاولوية الأولى في الامداد و لهمة المؤمنين وتكالبهم علينا جزاهم الله خير الجزاء.... والحمد لله والشكر وانشاء الله سوف تبقى لامد بعيد سواء بقيت الحياة ام لم تبق للسيد محمد الصدر وانما المهم ان المجتمع المؤمن وأهل المذهب باقون جزاهم الله خير الجزاء، وسوف تستمر بعدي صلاة الجمعة، وان بعض العلماء رفض الحضور إلى صلاة الجمعة أو حتى تاييد اقامتها، ان صلاة الجمعة هي عكس ما يقال عنها، و هذا شيء احسسنا به واحسوا هم ايضا ولكن بمعنى المكابرة فانهم ينكرون ذلك.. وهي عز للدين، و عز للمذهب وعز للحوزة وللحالة الإسلامية وللفقه عموما.. وليس مثلما يقولون.. فمحمد الصدر فضل المصلحة العامة على مصلحته الخاصة – كما يقولون - من خلال اقامته لهذه الشعائر، فالمهم هو دين الله ودين محمد ودين علي بن ابي طالب.

فالذي نتج عن عدم مشاركة البعض في اقامة صلاة الجمعة فانه ربما يفيد العدو من داخل الحوزة او خارجها، وكذلك الكلام ضد صلاة الجمعة وابعاد الناس عنها ايضا يفيد اعداء الإسلام والمجتمع))([55]).

وتحت كل ظروف العراق المعروفة في ذلك الوقت داخليا وخارجيا استطاع السيد الصدر الثاني، ان يستنفر كل الممكنات لانتزاع ارضية وازاحة النمط القديم للعلاقة بين المرجع والأمة، وتاسيس نمط اخر، لتحقيق التواصل والتفاعل والاندكاك في شؤون الأمة. ومعرفة مشكلاتها وطموحاتها وتعقيدات اوضاعها الاجتماعية والفكرية والسياسية.

((كما انه استطاع ان يقيم الصلاة في اكثر من سبعين منطقة في العراق، ولا يقل الحضور في أي مكان من اماكن هذه الصلاة عن الخمسين الف شخص، وكانت صلاة الجمعة في 15 شعبان 1419هـ 4/12/1998م، والتي حضرها اكثر من مليوني شخص في الكوفة، بمدينة النجف بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لقيام صلاة الجمعة تظهر مدى الشعبية التي كان يتمتع بها السيد الشهيد، كما انها اكدت قدرته الفذة على جمع المؤمنين حول مراجع الدين، بالاضافة إلى انها اظهرت لنظام بغداد بان كل ممارساته لمحاربة الدين قد باءت بالفشل))([56]).

لقد اقر الصدر الثاني صلاة الجمعة فقهيا وميدانيا وعمل بها في ظروف عراقية داخلية قاهرة، ولم يات هذا الاقرار فوريا، مع تصدي السيد محمد صادق الصدر للمرجعية بل انه جاء بعد جهد تمهيدي كبير، وبعد تاسيس جهازه المرجعي وما يحتاج من وكلاء ووسائل إعلام مطبوعة، جاءت صلاة الجمعة تتويجا لاوليات ومفاهيم، ما كان لهذه الصلاة ان تحصل لولاها. فالسيد الصدر الثاني اقام صلاة الجمعة (45 اسبوعا)، و تشكل هذه الفترة زمنا متاخرا بالنسبة إلى زمن تصديه للمرجعية واعداده المرير لجهازها، ولهذا شكلت صلاة الجمعة فترة المواجهة مع السلطة، وبالتالي محور المعركة معه التي ادت به إلى الاستشهاد([57]).

و مهما يكن من امر، فان الصدر الثاني اسهب في احاديثه على ضرورة قيام صلاة الجمعة قائلا ((يجب ان لا نفرط بصلاة الجمعة لانها تربطنا ببعضنا البعض مهما كانت الاسباب([58]).

ان صلاة الجمعة ضرورية واقول للذين يابون الحضور لاداء هذه الصلاة جملة من النقاط:

  1. ان صلاة الجمعة وان كانت واجبا تخييريا إلا انه بوجود الإمام القائد للأمة تكون واجبة ولقد كانت هذه النقطة محط خلاف بين الفقهاء.
  2. كان الناس كأنهم يغلقون ابواب بيوتهم بايديهم وها قد جاءتهم هذه الصلاة لتنفس عنهم، وجعلتهم يقتربون من المصلحة العامة، وهذه شجاعة من عندهم وهي من نعم الله سبحانه وتعالى علينا))([59]).

واكد الصدر الثاني على صلاة الجمعة قائلا ((ولنا في رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  اسوة حسنة، كان الرسول يصلي صلاة الجمعة ويحث الناس على اقامتها، وهناك عدة روايات تدعم ذلك، فلماذا لا يقيمون بعض الناس هذه الشعيرة: ومنها جاء اعرابي للنبي  صلى الله عليه وآله وسلم ، يقال له قليب، فقال له اني تهيات للحج كذا مرة فما استطعت فقال الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم ، عليك يا قليب بصلاة الجمعة فانها حج المساكين... حتى قال ان الجمع حق كل مسلم وفريضة إلا اربعة:

عبد مملوك او امراة او صبي او مريض.

اما لماذا علماؤنا لايقيمون صلاة الجمعة؟([60]).

فهذا ناشئ من الغفلة في تاريخ الإسلام والتشيع:

فاولا: اننا لا نستطيع ان نقول انهم لم يقيموها اصلا وبتاتا.

ثانيا: فان قلنا انها لم تكن مقامة من قبل علمائنا فاننا يمكن ان نحملهم على محمل الصحة لانها واجب تخييري فيقيمون الصلاة الجماعة كون صلاة الجمعة تتطلب تحضيرا.

ثالثا: لا يقيموها حتى لا تحصل مفسدة...؟!.

وهي ان احد العلماء اذ اقامها ولا يقيموها علماء اخرون او لا يحضروا فيها فان هذا خلاف بين العلماء([61])..

رابعا: ان صلاة الجمعة والعيدين فيها خطبة... وهذا مالا يطيقه العلماء في الحوزة وليس عادة لديهم، أي غير معتادين على ذلك، وقيل من يستطيع ان يخطب او يعطي الخطبة حقها، ومن تعود منهم على الخطبة فانه تعود على الخطابة الحسينية، وهذا لا يعول عليه في القاء خطبة الجمعة التي يجب ان تكون موجه إلى الشارع والعامة، في حين ان الخطابة الحسينية او قارئ المنبر الحسيني يمتلك ذلك([62]).

خامسا: ان اختلاف مستوى المجتهد او المرجع عن مستوى الناس فهو لايجد سبيلا لافهامهم، فهو معتاد على لغة المكاسب والفقه، فهو لا يستطيع ان يتنازل ليتكلم بلغة الشارع مع الناس اذا افترضنا ان هؤلاء قد قبلوا بالنزول إلى العامة والناس... وانه لمن العرف والمشهور هو ان الذي يقيم صلاة الجمعة، يجب ان يقوم للناس خطيبا فهذا غير جزاء لان نص هذا القائم للخطبة غير مفهوم للناس بمعنى من المعاني..

سادسا: ان صلاة الجمعة خلاف السياسة المرجعية وجيلا بعد جيل ومنذ حوالي ثلاثمائة سنة تقريبا... او اكثر من ذلك.

لاننا قد اعتدنا من تلك السياسة ان نحافظ على اربعة اشياء تقليدية لاغير:

  1. صلاة الجماعة.
  2. الاستخارة.
  3. الفتوى.
  4. الدرس....

هذه الطريقة القديمة والتي سبحانه وتعالى انقذني منها و انقذكم منها... بحيث انه يلبس كفنه ويتقلد سيفه... ويتكلم بلغة الشارع ولغة الجرايد... على المرجع ان لا يجلس في قصر ويسكت كالصنم فعليه التفاعل مع الشارع ومعرفة هموم الناس نحن افضل ام رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  على كل حال غفر الله لنا ولهم))([63]).

وفي خطبة اخرى يواصل السيد الصدر الثاني حديثه حول صلاة الجمعة قائلا ((اود ان ابين لكم شيئا بسيطا و ليس بسياسي لان الجمعة الاتية انشاء الله، هي الذكرى الأولى لاقامة صلاة الجمعة في وسط العراق وجنوبه فيحسن على من يستطيع منكم من اهل الفن و الاختصاص ان يجعل لنا ويفكر لنا بوجود مجسمة رمزية تمثل صلاة الجمعة..

اولا: ان تكون فيها جهة دينية، وليس فيها عصيان للتعاليم الدينية من قبيل مجسمة ذات الارواح.

ثانيا: ان يكون تجسيما للذوق لا حديث وليس بالذوق القديم.

ثالثا: نقبل الاعمال من الان إلى نهاية شهر رجب انشاء الله تعالى))([64]).

((وبكل هذه الجهود المضنية استطاع الصدر الثاني ان يحكم آليات التواصل بين المرجع والأمة، ويدون العلاقة الوثيقة بين المرجعية يبقى الخلل قائما في الجانبين، فاما ان تتحول المرجعية إلى مؤسسة فتوائية وتفقد صفة القيادة، او ان يتحول المجتمع إلى مجرد افراد مشتتين لا قائد لهم))([65]) واذ ((كانت الايجابيات التي تركها الشهيد الصدر الثاني واضحة فان عمقها كان في اطار الحوزة والمرجعية، فمن خلال تفاعله معهم وحضوره كان يشيد بهم و يقول لهم (لقد اثبتم انكم اهل للطاعة، فاذا قالت لكم الحوزة قوموا تقومون، و اذا قالت لكم اقعدوا تقعدون)، فتحقق المبدأ الاساس و العنصر الاهم في عملية الانفصال التي يبحث عنها القادة و هي الطاعة، وبحركته الحوزوية المرجعية ركز مفهوما عمليا وعته الجماهير، و تمسكت به، و هو انه لن نتفاعل إلا مع من يحمل همومها و يعيش قضاياها و بذلك اتعب الشهيد الصدر الثاني من ياتي بعده من المراجع))([66]).

وكان الصدر الثاني يؤكد على حب وطاعة الحوزة بكل علمائها دون تفريق قائلا ((بحب وطاعة الحوزة الشريفة صلوا على محمد وآل محمد، بحب وطاعة المحكمة الشرعية للحوزة العلمية صلوا على محمد وآل محمد))([67]) ((ان عائلة الصدر الثاني تمثل النهر الثالث للعراق، هذا النهر، نهر الدم ونهر العلم والوعي والفقه، وان الشهيد محمد صادق الصدر يمثل مشروعا إسلاميا حضاريا، قادرا على مواجهة الاوضاع الخانقة في العراق بعد ان ايقن الكثيرون انه لا مجال لعمل جماهيري علني ضد السلطة بعد الانتفاضة الشعبانية، لقد استطاع الشهيد السيد محمد الصدر، بالعمل الدؤوب والعلاقات القوية بشرائح المجتمع، والتضحيات المتواصلة ان يخلق قاعدة قوية من الأمة تمكن من استدعائها إلى الحضور في الشارع لاداء صلاة الجمعة، ولقد استطاع ان يختصر ازمانا طويلة و يجلب هذه الجماهير إلى الشوارع لتؤكد الحضور الإسلامي المستمر في الشارع العراقي.

ان اقامة صلاة الجمعة ليست بالأمر السهل في الشارع العراقي ان التجمع الجماهيري بحد ذاته رفض للنظام واستفزاز لسلطته.

كانت خطب السيد محمد صادق الصدر، تتضمن العديد من المفاهيم الإسلامية و السياسية و الانتقادات المباشرة و غير المباشرة للسلطة و سياستها، و ان ارتداء السيد كفنه اثناء صلاة الجمعة يوحي ان الرجل كان مصمما على الشهادة فانه يعلم ان المضي في هذا الطريق سيتوج بالشهادة))([68]) ((خاطب الصدر الثاني من خلال صلاة الجمعة كافة مكونات الشعب العراقي، خاصة والإسلامي عامة، دون ان يحدد أي مذهب وطائفة او عرق او لون ودعاهم إلى الاعتدال وعدم التطرف والحوار مع الآخر مهما كان بالطرق السلمية وان خصم الأمة الوحيد هم الطغاة و الغزاة وسواهما من ابناء الأمة، هم نسيج واحد و مصير واحد.. و مستقبل واحد... و هنا يجب تفويت الفرصة على المتصيدين في الماء العكر.. والطارئين على سجايا هذا الشعب الساعين لتمزيق وحدة نسيجه الوطني و تشتيت لحمته الوطنية..))([69]) ((ان ابرز ما اشتهر به السيد الصدر الثاني اقامته صلاة الجمعة وتصديه بنفسه لإمامتها في مسجد الكوفة، وهو يرتدي كفن الشهادة، وتعميم اقامتها بمختلف مدن العراق مهما كانت النتائج، وهو مالم يشهده تاريخ العراق السياسي منذ حقبة طويلة، وعبر هذه الحركة النوعية والفريدة والتي اصبح منبرا اعلاميا لتوعية ابناء الأمة، وهذا ما وجد فيه النظام السابق في العراق خطرا مباشرا على مستقبله فسارع إلى تدبير عملية اغتياله..))([70]).

((لقد صلى السيد الصدر الثاني جميع صلوات الجمعة، في جامع الكوفة إلا واحدة في جامع السهلة في 15 شعبان 1419هـ/ الموافق 4/2/1998م، و التي حضرها حوالي المليوني مصل، و مع ان هذا العدد الكبير و الاسناد الواسع، استطاع السيد الصدر الثاني ان يتحرك بكل قوة في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، متحركا بالمفاهيم التي طرحها بالتقية الايجابية، لا خوفا على نفسه، بل إلا اذا كان هناك خوف على الإسلام، وبمفهوم الصبر لا على الظلم، بل على مقارعة الطاغوت والظلم والظالمين. ومن هذا المنطلق امتنع عن الدعاء لرئيس العراق السابق، ومنع جميع وكلائه من الدعاء لرجال السلطة، وكان هذا الموقف بمنظار السلطة السابقة، هو اكبر تحد لها، فحاول رجال السلطة اجبار السيد الصدر الثاني و وكلائه وبجميع الوسائل الدعاء لهم اثناء الخطبة، لكن السيد لم يستجيب لهم، فعينت السلطة مجموعة من ائمة المساجد كائمة لصلاة الجمعة، وبث بين الناس ان هؤلاء هم وكلاء السيد محمد محمد صادق الصدر، فاضطر السيد ومن جامع الكوفة للاعلان وعلى الملا واثناء صلاة الجمعة، بان هؤلاء لا يمثلونه وليسوا بوكلائه، فقامت جماهير المصلين بطردهم من المساجد بالقوة ووضعوا مكانهم وكلاء السيد كائمة لصلاة الجمعة))([71]).

((ولم يكتف السيد الصدر الثاني بكل ذلك، بل وضع النظام السابق في خانة قتلة الحسين  عليه السلام  حين قال في احدى خطب الجمعة (لماذا الصلاة في شارع البصرة والعمارة مسموحة وفي الكوفة ممنوعة؟ نحن لانقبل بذلك، فللحسين قتلة كثيرون في كل جيل وفي الاجيال القادمة –وما استطيع ان اتكلم)).

لقد حاولت السلطة بكل الوسائل ايقاف السيد الصدر الثاني من اداء صلاة الجمعة فرفض الاذعان وتحداهم بلبس الكفن اثناء الصلاة موطنا نفسه على الشهادة.

لقد خاطب السيد الصدر الثاني المقربين منه (جهزوا اكفانكم... لم يبق لنا من الخيار سوى الشهادة)([72]).

اما عن الجهاز المرجعي للسيد الصدر الثاني و وكلائه وائمة الجمع فقد ركز على بعض المواصفات التي يجب عليهم الالتزام بها:

اولا: ركز على التحصيل الاكاديمي المسبق للوكيل، لذا فان الكثير من وكلائه هم من خريجي الجامعات، في اقسام اللغات والهندسة والعلوم الإسلامية، والإنسانية بمختلف اصنافها، اذ ان هذا التحصيل يجعل من الوكيل اكثر فهما لواقع المجتمع واساليبه وتحدياته ومشاكله.

ثانيا: كما ركز السيد الصدر الثاني على ان يكون وكلاؤه على درجة معقولة بالثقافة الاجتماعية والإنسانية العامة.

ثالثا: اكد على عنصر الشباب الذين يشكلون جزءا حيويا من شروط التفاعل مع اجيال الأمة الجديدة لصناعة المستقبل.

رابعا: كان يؤكد لوكلائه (هيأوا اكفانكم)، في اشارة إلى منهجه الثوري، الذي يحتاج إلى وكلاء اشداء يتمتعون بالشجاعة، في وسط امني خطير([73]).

خامسا: كان لا يعطي وكالة لشخص لديه وكالة من مرجع آخر، وكان يسعى من وراء ذلك إلى صناعة جهاز وكلائي متماسك ومتميز.

سادسا: لقد فرض السيد الصدر الثاني شروطا قاسية على وكلائه، فيما يخص التصرف بالحقوق الشرعية واستلامها وذلك بما ينسجم مع المنهج الثوري، ويبتعد عن المنحج المادي الذي يتاثر به بعض رجال الدين([74]).

ومن اجراءات الضبط التي كان يمارسها الصدر الثاني هي ((عدم اطلاق صلاحيات الوكلاء في المناطق، سواء بمقدار الاجازة الشرعية في التصرف بالامور بتحديد المدة الزمنية، فكان يحدد الوكالات التي يمنحها بفترات زمنية معينة حسب الوكيل لكي يراقب عمله وبالتالي هل يجدد الوكالة او يمنعها عنه، وهو نوع من انواع النظام في الحوزة ومراقبة الطالب الوكيل، لكي لا ينصرف عن راي المرجعية))([75]).

سابعا: ومع كل ذلك فان فترة تصدي السيد الصدر الثاني القصيرة للمرجعية حالت دون طموحه فيما يتعلق بالمستوى المعرفي والثقافي لبعض وكلائه([76]).

لقد وجه السيد الصدر الثاني الخطباء وائمة الجمعة بعدد من التوجيهات قائلا:

  1. ان يكون الخطيب متفاعلا مع الحاضرين، لا ان يلقي الخطبة ويسردها فقط.
  2. ان ياخذ الخطيب بنظر الاعتبار القضايا الاجتماعية التي تخص المنطقة التي يخطب فيها فضلا عن باقي المناطق، وفضلا عن مشاكل المسلمين جميعا.
  3. ضبط اللغة العربية، والاهتمام الشديد بنقل الالفاظ بصورة صحيحة خاصة الايات الكريمة والاحاديث النبوية.
  4. ضرورة تكرر اللقاءات للرقي بمستوى صلاة الجمعة([77]).
  5. التركيز على الحمد الذي يكون في اول الخطبة، وانه ينبغي ان يكون مطولا لامختصرا.
  6. ان يتصف إمام الجمعة ويهتم بالجوانب الاخلاقية كترك حب الدنيا والتخلق باخلاق الانبياء([78]).

من خلال ما تقدم، نرى السيد الصدر الثاني كان مهتما ومؤكدا على اعداد جيل من خطباء وائمة الجمعة متسلحا بسلاح الثقافة العلمية واللغوية والدينية، لمواصلة اقامة شعيرة الجمعة المعطلة في العراق، والتي سبق وان اكد عليها الصدر الاول قائلا ((انني اطالب باسمكم جميعا ايها العراقيون، باطلاق حرية الشعائر الدينية وشعائر الإمام الحسين  عليه السلام ، كما واطالب باعادة الاذان وصلاة الجمعة والشعائر الإسلامية إلى الاذاعة))([79]).

كما اكد السيد الصدر الثاني على المسير إلى كربلاء في النصف من شعبان من كل عام وكذلك زيارة اربعينية الإمام الحسين  عليه السلام  في العشرين من شهر صفر قائلا ((انه بالرغم من ان السير إلى كربلاء لم يتم بالشكل الموسع الذي تمنيناه له، إلا انه اثمر ثمرة طيبة وانتج نتاجه الحسن في سبيل الله سبحانه، ونصرة دينه والمذهب، من حيث انه اظهر تكاتف الشعب العراقي كله وخاصة في الوسط والجنوب على العمل في سبيل الله، وفي سبيل الدين والاشادة بشريعة سيد المرسلين، وان السير الطويل لعدة ايام في البراري و القفار في سبيل دم الحسين الذي اهرق ظلما في كربلاء، مع عدم توفر الاقل المجزي من وسائل العيش انما هو دمعة مضيئة في جبين المؤمنين الذين ادوا ما عليهم و لم يقصروا في هذا الطريق، جزاهم الله خيرا.... بحيث راينا الكثيرين منهم حين وصلوا إلى كربلاء لم يكن لديهم اية قدرة على شراء الطعام او النزول ليلة واحدة في الفندق....))([80]).

المبحث الثالث: المواجهة بين السيد محمد محمد صادق الصدر والسلطة

تحول الصدر الثاني إلى رمز يقود ظاهرة إسلامية مليونية، إلا ان رموز العراق لا يظهرون على صفحات الإعلام العربي والاجنبي إلا بعد التصفية على يد انظمة الحكم، والذي مهد لاعتيال الصدر الثاني عبر تحركات واحتياطات كبيرة، والتي كشفت عنها بعض الصحف العربية([81]). حيث قام النظام السابق بتوجيهاته إلى كافة قوات الحرس الجمهوري، في حالة استعداد قصوى تحت غطاء مشروع تدريبي اعطي الاسم الرمزي له الفارس الذهبي واستخدم فيه العتاد الحقيقي، وصممت هذه الفرضيات طبقا لحصول تهديدات جوية وتدخل قوات محمولة جوا، تستهدف احتلال اهداف حساسة داخل العراق لاثارة الاضطرابات، حيث تم نقل بعض الوية الحرس الجمهوري من المناطق الشمالية إلى منطقة الفرات الاوسط منها (لواء القوات الخاصة 33 حرس جمهوري) بقيادة العميد الركن قوات خاصة (عباس جاسم) ولواء المشاة الرابع حرس جمهوري بقيادة العميد الركن (علي عطشان جادر عبد القهار)([82])، ولواء المشاة الرابع حرس جمهوري بقيادة العقيد الركن (صباح عبد نجم شبيب)([83]) و كان لقرار فصل محافظة (السماوة) عن قيادة منطقة الفرات الاوسط بقيادة (محمد حمزة الزبيدي)([84])، و الحاقها بمنطقة العمليات الجنوبية بقيادة (علي حسن المجيد) صلة بالتدبير لعملية الاغتيال، و ذلك لتخفيف العبئ عن قيادة الفرات و التي تقود محافظات الفرات الاوسط و هي بابل و النجف و كربلاء و واسط و القادسية، فيما تتولى قيادة المنطقة الجنوبية و السيطرة على ثلاث محافظات هي البصرة والناصرية و العمارة، فضلا عن فصل الترابط و عمليات التنسيق بين عشائر السماوة و النجف ([85])، وقبل تنفيذ عملية اغتيال الصدر الثاني، قام النظام السابق بنقل قوات حمورابي (حرس جمهوري) إلى منطقة الصويرة وفرقة نبوخذ نصر، حرس جمهوري إلى كربلاء، فضلا عن الالوية التي نقلت من شمال العراق إلى النجف، كأحد الاساليب للسيطرة على الموقف([86]).

وفضلاً عن ذلك الاستباق الامني الاحتياطي الذي جاء قبل تنفيذ عملية الاغتيال، فقد حدث تصعيد بين الصدر الثاني والسلطة، وكانت كلها تنذر بوقوع الجريمة، ((ففي شهر رمضان الذي سبق جريمة الاغتيال، حاولت السلطة ان تتدخل في مسار صلاة الجمعة، في الكثير من المدن العراقية))([87]) فهي:

  1. حاولت ان تبتز هؤلاء الوكلاء من خلال الطلب المتكرر منهم بالدعاء إلى الرئيس العراقي السابق، ولم يكن هذا الطلب جديدا، بل حاولت السلطة مرات عديدة دون جدوى، لذلك قررت ان تستخدم هذا الطلب ورقة ضغط من اجل تصعيد المواجهة([88]).
  2. وعندما فشلت السلطة في انتزاع الدعاء لصدام، ذهبت تلجا إلى اسلوبها التهديدي المعروف من اجل ايقاف صلاة الجمعة والتي اصر الصدر الثاني على اقامتها واوصى باقامتها حتى بعد استشهاده بعد ان اصر على رفض الدعاء لصدام بهذه الصلاة مهما كان الثمن([89]).
  3. وفي سياق هذا التهديد حاولت السلطة ان تفرض أئمة جمعة تابعين لوزارة الاوقاف التي تريدها الدولة، إلا أن كل محاولاتها في هذا المجال فشلت لان الناس رفضوا الصلاة وراء عملاء الدولة.
  4. وتطورت المواجهة بعد ذلك إلى صدامات سبقت اغتيال الصدر الثاني في عدد من المدن العراقية، منها الناصرية حيث سقط عدد من الشهداء واعتقلت الدولة عدد من وكلاء الصدر الثاني([90]).
  5. ثم واصلت الدولة اعتدائها عندما قامت بعملية انزال على مسجد الكوفة والذي له أثر تاريخي واجتماعي كبير في نفوس المسلمين وبذريعة المناورة العسكرية، فقامت قوات الأمن ورجال السلطة والجيش الشعبي بفتح الابواب الرئيسية بالقوة، وكانت هناك قوة عسكرية متحصنة داخل المسجد، واعتبرت هذه العملية استفزازا لمشاعر المصلين والمسلمين بشكل عام وتأتي انتهاكا لحرية اماكن العبادة واستخدم النظام هذه الممارسات لنشر الارهاب والخوف([91]).
  6. لم توقف هذه الاجراءات الشهيد محمد صادق الصدر عن الاستمرار في المواجهة والمطالبة العلنية من على منبر صلاة الجمعة في جامع الكوفة باطلاق سراح المعتقلين من خلال هتافات امر جمهور المصلين بترديدها ((نريد.. نريد.. فورا.. فورا.. اطلاق سراح المعتقلين))([92]) ثم قال السيد الصدر الثاني ((لاجل استنكار اعتقال خطباء الجمعة ارفعوا اصواتكم بالصلاة على محمد و آل محمد، ولاجل المطالبة باطلاق سراحهم فورا، صلوا على محمد و آل محمد، و لاجل عدم حصول ذلك مستقبلا الصلاة على محمد وآل محمد وهناك فكرة انشاء بناء في مسجد الكوفة ليعيق المصلين في يوم الجمعة، ولاجل استنكار هذه الفكرة الخبيثة الصلاة على محمد وآل محمد))([93]).

لقد قام الصدر الثاني بتحويل المطالب إلى شعارات يرددها ويأمر الجمهور بترديدها في سياق خطابه الذي اتسم بالوضوح، ولعل هذه الظاهرة هي الاولى من نوعها في العراق، حيث لم يعتد الشارع العراقي على ان يردد الفقيه الشعار بنفسه مع الجمهور([94]).

  1. وفي ظل رفض السيد الصدر الثاني ووكلائه المتكرر لطلبات السلطة الدعاء لرئيس الدولة، وفي سياق تصاعد وتيرة المواجهة بين الطرفين قام محمد حمزة الزبيدي([95])، ونيابة عن الرئس العراقي على مطالبة الصدر الثاني وقبل يومين من عملية الاغتيال بفتوى ((تحرير الكعبة)) وآخرى دعوة صدام للشعوب العربية للاطاحة بحكامها وثالثة تتعلق باغتيال الشهيدين البروجردي والغروي([96]) ورابعا اعلان الجهاد بما يتوافق مع سياسات الرئيس العراقي([97]).
  2. طالبت السلطة الصدر الثاني بمنع المسيرة السنوية التي يقوم عشرات الالوف من المشاة إلى كربلاء من مختلف مدن العراق([98])، لكن السيد اصدر امرا إلى الناس بالتوجه إلى كربلاء وذلك خرقا للمنع الذي اصدرته السلطة الامنية وقد استجاب الزوار لطلب الصدر الثاني وتوجهوا إلى كربلاء لكن السلطات سرعان ما طلبت من الصدر التراجع عن موقفه فرفض، فهدد بالقتل وطلب منه ان يكتب ان الظروف لا تسمح بمثل هذه التظاهرة فرفض وكتب امرا يقول ((ان الدولة تمنع الزيارة وعلى الناس الاستجابة))([99]).

ثم طلب النظام منه ان يقلص الحضور لصلاة الجمعة خارج مسجد الكوفة، وحصرها بداخل المسجد فقط لكنه رفض ذلك في الخطبة ووجه توبيخا إلى رجال الامن الذين ضيقوا على الزائرين والمصلين([100]).

وفي خطبته الاخيرة قال السيد الصدر الثاني حول المسير إلى كربلاء ما يلي ((لاشك ان افضل ما تفعله أي دولة لمجتمعها ولشعبها هو اعطاء الحرية للتصرف والقيام بالشعائر الدينية والتنفيس عن قناعاته النفسية والعقلية بالشكر الذي لا يضر الدولة اصلا ولا يمت إلى سياستها وإلى كيانها باي صلة اننا الان في نظرهم في ظروف الحصار الاقتصادي الغاشم من الراجح ان نواجه الاستعمار بما يغيضه وخاصة الشعائر الدينية والسير إلى كربلاء المقدسة اذن ستكون هذه الشعير المقدسة إلى جانب السائرين ضد الاستعمار والمستنكرين للحصار وخطوة جيدة يمكن ان تكون تدريجيا لفك الحصار والضغط الشعبي على الاستعمار فما قيل هنا من ان الظرف الحصاري يناسب القول بالمسير إلى كربلاء، ليس امرا مقبولا بطبيعة الحال بل الامر بالعكس ولا يحتاج ذلك الحد إلى التفاته بسيطة إلى واقع الحال الاجتماعي الذي نعيشه))([101]).

  1. وبعد ذلك اتصل صدام تلفونيا بالصدر الثاني وطلب منه منع التحرك فرفض، فصدر امر بوضعه في الاقامة الجبرية، واعتقل وكلاءه في المدن العراقية، لكن الصدر الثاني خرق امر الاقامة الجبرية مع ولديه مصطفى ومؤمل وذهب إلى الكوفة وصلى اخر صلاة جمعة وهي الجمعة (45) مما اغضب السلطة فقررت التخلص منه ودبرت له عملية الاغتيال([102]). ويقول السيد الحكيم ((ان المواجهة في اشكالها السرية والعلنية بدات بشكل حاد بين الصدر الثاني والسلطة منذ الاسابيع الاولى لاقامة صلاة الجمعة وحتى اغتياله))([103]). وفي سياقات استعداد السلطة لتنفيذ اغتيال السيد الصدر قامت مجموعة من عناصر الامن الخاص بالتحرك من بغداد إلى النجف مساء الخميس 18 شباط 1999م([104])، وابلغت كافة نقاط السيطرات والمفارز الامنية على الطريق بين بغداد والنجف، بان مجموعة خاصة ستجتاز الطريق في اوقات محددة، مما يتطلب الكتمان والحذر والتاهب وتامين وصول الجميع إلى مناطق امنية لتنفيذ مهمة على جانب من الخطورة، وبعد غروب يوم الجمعة 19 شباط 1999م اغلقت هذه العناصر كل المحلات العامة في الشارع الذي تمت فيه عملية الاغتيال وابلغ اصحاب المحلات ان شخصية قيادية ستزور الامام علي  عليه السلام  مما استوجب هذه الاجراءات كما ان مفارز خاصة من وحدات الطوارئ والامن الخاص اغلقت منافذ المدينة والشوارع القريبة من مكتب الصدر الثاني ومنزله))([105]).

عملية اغتيال الصدر الثاني واستشهاده مع نجليه:

استشهد الصدر الثاني مع ولديه مصطفى ومؤمل في الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم الجمعة 3 ذي القعدة 1419هـ 19/2/1999م([106]).

لقد استطعت بتوفيق من الله العلي القدير ان احصل على ادق التفاصيل حول عملية اغتيال الصدر الثاني وولديه، من خلال المقابلات الشخصية للمشايخ والعلماء الذين عاشوا مع الصدر الثاني منذ اول يوم صلى في مسجد الكوفة وحتى استشهاده حيث ودّعهم في باب صحن الإمام علي  عليه السلام  وتوجه إلى داره الواقعة في احد احياء النجف والذي يسمى (منطقة الحنانة)([107]).

وكذلك حصلت على المعلومات من العديد من المصادر التي كتبت حول عملية الاغتيال ولقد كتب اية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي وهو أحد طلاب السيد حول عملية اغتيال الصدر الثاني([108]) قائلا.

((وفي صبيحة يوم الجمعة 19/2/1999م، ذهبت إلى مكتب الشهيد الصدر الثاني، والذي يقع مقابل الصحن الحيدري الشريف من جهة باب القبلة، وكنت اجلس يوميا في غرفة خاصة، مقابل الغرفة التي اتخذها السيد نفسه للاجابة عن اسئلة الناس وقضاء حوائجهم بعد ان اتسعت مرجعيته في الاشهر الاخيرة وازداد ازدحام الناس، فلم يبق له وقت لهذه المسؤولية فحولها عليّ([109])، وبقي هو لإدارة الامور العامة وقد شهدنا في ذلك اليوم ان مدينة النجف على غير عادتها فالقوات العسكرية منتشرة في كل مكان والاجواء مكهربة وتسألنا عن سر ذلك فقيل لنا اليوم هو 19/2/1999م([110])، وهو اليوم الذي تحتفل به المدينة رسميا تحت اسم يوم المحافظة لكننا قلنا ان هذه المناسبة ليست جديدة ولم يكن يحتفل بها بهذه المظاهر من قبل وفي الساعة الحادية عشرة قبل الظهر غادرنا انا والسيد الصدر إلى مسجد الكوفة لاداء صلاة الجمعة، بامامة السيد الصدر الثاني، حيث كان يحجز مكان خلف السيد مباشرة لاعضاء المكتب، ولان اغلب الصفوف المتقدمة تشغل المكان من وقت مبكر، أي قبل طلوع الشمس، لان المصلين ياتون من جميع المحافظات القريبة من النجف لاداء صلاة الجمعة خلف السيد الصدر الثاني([111])، وعندما وصلنا إلى مسجد الكوفة، ارتدى السيد كفنه والقى خطبتي الصلاة وكانت الخطبة الاخيرة الخامسة والاربعين وهي تخص الغجر وان الملفت للنظر في تلك الجمعة هو زحام الناس للصلاة بحيث امتلأ المسجد وشوارع الكوفة القريبة من المسجد، ووصل الزحام إلى جسر نهر الكوفة بالاضافة إلى التواجد العسكري غير المسبوق في النجف والكوفة([112]). وبعد انتهاء صلاة الجمعة ذهب السيد إلى البراني مع اعضاء المكتب والطلبة وذهبت انا إلى داري وعند اذان المغرب قام السيد بصلاة المغرب والعشاء في حرم الإمام علي  عليه السلام  وكنا نصلي خلفه وبعد انتهاء الصلاة وذهبنا إلى البراني لان السيد الصدر الثاني كانت لديه عادة يوم الجمعة يقيم مجلس عزاء في البراني يستمر حتى الساعة الثامنة مساءا([113]) بعدها خرج مع ولديه مصطفى ومؤمل وسلم على الحضور من وكلاء وطلاب وركب بسيارته مع ولديه وكانت من نوع متسوبيشي رصاصية اللون إلى داره في منطقة الحنانة وفي تقاطع ساحة ثورة العشرين تصدت له سيارة امريكية الصنع (نوع اولدزموبيل)([114]) وامطرت سيارة الصدر بوابل من الرصاص من رشاشات نوع كلاشنكوف، فاصطدمت سيارة السيد بشجرة كانت على الرصيف قرب جامعة الصدر الدينية فسمع طلاب جامعة الصدر اطلاق الرصاص وعند خروجهم وجدوا سيارة السيد الصدر الثاني وفيها السيد واولاده وشاهدوا ثلاثة مسلحين يركبون السيارة المفتحه الابواب لهم لتنطلق السيارة بسرعة فائقة باتجاه كربلاء([115])، وفي نفس اللحظة جاءت سيارات الامن الخاص ومعها سيارة الاسعاف لنقل المصابين إلى المستشفى فاسرع إلى اثنان من جامعة الصدر هما الشيخ نديم الساعدي معاون العميد لشؤون الطلبة والشيخ علي خليفة من طلبة المرحلة الثانية، وقالوا لي ان السيد واولاده قد اطلق عليهم النار وهم الان في المستشفى الرئيسي فذهبت فورا إلى المستشفى وكانت مطوقة برجال الامن والباب موصدة بوجه المئات من طلبة السيد الصدر ورجال الدين فاقتربت من الضابط المشرف على الباب وعرفته بنفسي فاذن لي بشرط تخلي الناس عن الزحام وابتعادهم عن باب المستشفى فطلبت منهم ذلك فاستجابوا لي على ان اعود إليهم بالخبر الصحيح وعندما دخلت إلى جناح الطوارئ وجدت السيد مقتدى والسيد سلطان كلانتر([116])، والشيخ اسعد الناصري([117]) والشيخ احمد الكوفي([118])، والشيخ جابر الخفاجي([119])، فحاولت الدخول إلى غرفة العمليات للتأكد من حالة السيد فمنعوني لكن الوضع يشير إلى انتهاء كل شيء فدخل الشيخ اسعد الناصري إلى غرفة العمليات فوجد السيد الصدر الثاني والسيد مؤمل قد قضي نحبهما اما السيد مصطفى فقد بقي يعاني النزعات الاخيرة([120]) فانسحب السيد مقتدى والشيخ اسعد الناصري إلى دار السيد الصدر الثاني ليكون السيد مقتدى قريبا من العائلة وبقينا نحن في المستشفى حتى استدعينا إلى غرفة الطبيب لاخذ المعلومات من اجل املاء شهادات الوفيات ثم انتظرنا اكثر من ثلاث ساعات لتسليم الجثامين إلينا وقد اغلقت الشوارع العامة ومنع التجوال وكنا لا نرى سوى سيارات الامن والامن الخاص والسيارات العسكرية وقد قمت بالاتصال ببعض زعماء الحوزة ورجال الدين في النجف من اجل الحضور لاستلام الشهداء والصلاة عليهم ولكن دون جدوى([121])، وفي تمام الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل قمت انا واخواني من طلبة الصدر الثاني بحمل الاجساد في سيارة مكشوفة ترافقنا اكثر من اربعين سيارة صغيرة وكبيرة وهي تحمل القوات المدججة بالسلاح إلى المغتسل([122])، فقام طلبة السيد باجراء عملية الغسل والتكفين واستمرت عملية الغسل حتى صلاة الصبح وكان من بين قادة الامن طاهر جليل الحبوش مدير الامن العام وقائد حسين العوادي محافظ النجف وعدد من ضباط الجيش والامن والامن الخاص وكان محمد حمزة الزبيدي وحمايته الخاصة ينتظرون في بناية محافظة النجف اكمال عملية الدفن، وعلمت انه كان على اتصال مباشر بالهاتف مع قصي الذي يامره باكمال عملية الدفن قبل شروق الشمس، ثم قمنا بحمل الاجساد الثلاثة إلى ضريح الإمام علي  عليه السلام  للصلاة عليها وكان السيد الشهيد يقول لنا اذا قال استشهدت او مت فلا يقوم احد باطافة جنازتي حول الضريح المقدس لانه يقول فيها اشكال معنوي، وتقدمت للصلاة باذن ولي الفقيد السيد مقتدى وصلى خلفي خمسة عشر من اخواني طلبة السيد ولكن محاطين بعشرات من رجال اشترى السيد قطعة لتكون مدفنا له([123]). وبدانا بدفن الاجساد وكان الجو ممطرا وطلبت من السيد محمد الصافي ان ينشدنا ابياتا في رثاء الحسين  عليه السلام  فانشد عينية الجواهري([124])

فداء لمثواك من مضجع
شممت ثراك فهب النسيم

 

 

تنور بالابلج الاروع
نسيم الكرامة من بلقع([125])

 

 

وقبل ان ندفن جسدي الشهيدين مصطفى ومؤمل انسحب محافظ النجف قائد حسين العوادي ومدير الامن العام طاهر جليل الحبوش ليزفا البشرى إلى محمد حمزة الزبيدي وقصي بانتهاء كل شيء([126]).

وقد سجل الدكتور علي حسين الشمري المختص بامراض الباطنية والقلبية مشاهداته للحظات الاخيرة من حياة السيد الصدر الثاني ونجليه حيث كان هو الدكتور الاختصاصي الخفر الموجود في داخل المستشفى عند حصول عملية الاغتيال وكانت مشاهداته مطابقة لما ذكره الشيخ محمد اليعقوبي وطلاب السيد الصدر الثاني والذي اجرى الباحث معهم عدة لقاءات([127]).

ولقد نقلت صحيفة الحياة([128]) في اول تاكيد من نوعه على المستوى الخارجي من اغتيال السيد الصدر الثاني واتهام قصي النجل الاصغر للرئيس العراقي باعطاء الاوامر باغتيال الصدر الثاني واكدت الصحيفة نقلا عن النقيب في جهاز المخابرات خالد ساجت عزيز الجنابي([129])، انه كان في وقت الحادث في غرفة العمليات الخاصة التابعة لجهاز المخابرات حيث استمع إلى مكالمة هاتفية جرت بعد وقت قصير على عملية الاغتيال بين قصي وعضو القيادة القطرية رئيس الوزراء السابق محمد حمزة الزبيدي والذي كان موجودا في مستشفى النجف واوضح النقيب الجنابي ان قصي عندما علم ان الصدر الثاني لم يقتل وانما كان مصابا امر الزبيدي بقتله واكد النقيب انه تمكن من الاستماع إلى المكالمة مع ثلاثة من ضباط المخابرات حيث كان مناوبا لتامين الاتصالات في غرفة العمليات التابعة لجهاز المخابرات لحظة حصول الاغتيال وعدد الجنابي اسماء الضباط وهو النقيب محمد جاسم عطية العاني والنقيب مصلح صالح الدليمي والملازم الاول عباس حسن خضر الدوري وذكر ان العقيد صافي بحر هزاع العزاوي والذي كان يعمل في الشعبة الفنية للعمليات الخاصة ومرافقا للزبيدي في المستشفى اكد بان الزبيدي نفذ الامر باطلاق رصاصة من مسدسه على راس السيد الشهيد الصدر ويذكر ان خالد الجنابي غادر العراق بعد اشهر على اغتيال الصدر الثاني([130]).

ونتيجة لردود الفعل ضد اغتيال الصدر الثاني ونجليه في داخل العراق وخارجه والتي سنتطرق إليها في الصفحات القادمة دفعت السلطة لاعداد سيناريو للهروب من مسؤولية الاغتيال ((وكانت مديرية الامن العامة في العراق اعلنت اعتقال اربعة رجال دين شيعة([131]) واتهمتهم باغتيال الزعيم الديني الراحل محمد محمد صادق الصدر ونجليه الاربعة هم الشيخ عبد الحسين عباس الكوفي، والشيخ علي كاظم حماز، والطالبان في الحوزة العلمية احمد مصطفى حسن اردبيلي، وحيدر علي حسين وقال بيان مديرية الامن العامة ان نتهما خامسا لايزال هاربا وان الهدف من اغتيال الصدر هو احداث فتنة لخدمة المخططات الامريكية والصهيونية و وصف المعتلقين بانهم مخابرات وعملاء ماجورين))([132]). وقد عرض التلفاز العراقي تسجيلا روي فيه قصة المعتقلين والذين يرتدون زي رجال الدين الشيعة، واكد انهم هم الذين قاموا باغتيال الصدر الثاني ونجليه. واعلنت السلطة الحاكمة بعد ثلاثة اسابيع عن تنفيذ حكم الاعدام بهؤلاء الاربعة اتهمتهم باغتيال السيد الصدر الثاني ونجليه([133]) وارجعت اسبابه إلى صراعات مرجعية. لكن السيد حسين الصدر([134]) رد على هذه المزاعم بقوله ((ان ما يقال عن وجود خلافات بين اجنحة المرجعية الشيعية في داخل النجف وخارجه وان مايشاع عن هذه الخلافات باعتبارها مسؤولة عن اغتيال محمد صادق الصدر وولديه وقبلهم البروجردي والغروي اوهاما في اذهان الناس))([135]).

الخاتمة

يتضح مما تقدم:

  1. مثلت التجربة الصدرية الثانية في العراق صورة تصاعدية من صور حركة الإسلام السياسي في المسيرة الإسلامية العامة في العالم الإسلامي وفي العالم اجمع، وبقدر ما عكست هذه الصورة، وهذا مشروع الصدر الثاني من خصوصية نابعة من الظروف والجغرافية والابداع الذاتي الفقهي الثوري، فانها عكست من خلال الاداء العام لهذا المشروع وابياته تواصلا مع الحركة الإسلامية العالمية بكل صورها ومظاهرها الاخرى، وان نصا من نصوص السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر في هذا الاطار يكفي لوضوح هذا المعنى في مكامن مشروعه التغييري، المعنى المعبر عن وحدة مصير الإسلام في هذا العالم، وهاجس اكتشاف تنسيق اجزائه ((حيا الله جمهور المؤمنين المخلصين في العالم كله الناصرين لدينه والذابين عن شريعته والمجاهدين في سبيله)). هذا النص يكفي لاكتشاف الوعي التكاملي لحركة تغييرية تقوم على تعدد ولاية الفقيه وولاية الامر مع الحركة الاجمالية بكل تجلياتها للعالم الإسلامي،فاذا كان الطريق إلى التكامل والوحدة والانسجام، لا ياتي عبر المناهج المباشرة فعندئذ سنكتشف ان الخطاب ((المتوتر)) ازاء الفقهاء ((الساكتين)) وان انقسام الشارع العراقي حول ((المرجعية)) وان جهود الاصلاح للحوزة ستصبح شرطا ضروريا للوصول إلى تاسيس المشروع التغييري السليم، لانجاز وحدة حقيقية، وتكامل حقيقي، ومن هنا يقدم لنا الصدر الثاني منهجا عمليا للوصول إلى هذا التكامل، وهو منهج الجدل الداخلي لا من اجل الجدل الداخلي بذاته انما من اجل الوصول إلى الاهداف الكبرى.
  2. قدم السيد محمد محمد صادق الصدر نموذجا جديدا لتعاطي الفقيه مع السلطة، وهو نموذج يجد له مصاديق في تاريخ اشكالية العلاقة بين الفقيه والسلطة. إلا ان الجديد فيه كما اشرنا في ((المفارقات)) هو سلطة صدام حسين بكل خصوصياتها الدموية وامكانية ((تحييدها)) لفترة، وانتزاع بعض الادوات من يدها، والدخول معها في معادلة صراع علنية معادلة، هي بحاجة إلى قراءة دقيقة للمتغيرات التي مرت بها السلطة، والمؤثرات الخارجية عليها، ومن ثم تثمير هذه المتغيرات والمؤثرات لصالح المشروع بأصح ذاتي من جهة، وبناء إسلامي جديد من جهة ثانية. لقد خاض الصدر الثاني هذه المعادلة والتقط كل الفرص الداخلية والخارجية لكي يكون طرفا قويا فيها، وهذا ما لم يفكر فيه فقيه او مرجع في العراق. ولذلك فهو تحمل ما سيقال عنه كثمن لذلك. ولو ان ما يقال سيكون قاسيا ومريرا، فهو ازاء من كان يقول عنه بانه ((فقيه السلطة)) او ((مرجع السلطة)) مارس خطابا لا ينفك يوضح، ويحاول ان يحيد خصومه، ويحاول باتجاه التوحيد، رغم بعض ((التوتر)) الذي انطوى عليه، مزودا بحسه الاستشهادي و بخبرة متراكمة هضمت صورا و انماطا للصراع مع السلطة و العلاقة معها، و لتجارب ثورية وتغييرية داخلية وخارجية كبيرة اذ ان مؤهلاته الفقهية والفكرية وهذه الخبرة، وقرار الاستشهاد وسلوكه المطابق لقوله، شكلت جميعا مادة انطلاقته في اتخاذ القرار والشروع بمشروعه التغييري.
  3. انطلق مشرع، السيد الصدر الثاني اول ما انطلق نحو بناء قاعدة شعبية متفاعلة وجاء هذا البناء متصاعدا عبر خطوات تحرك كبرى باتجاه الوسط الاجتماعي والعشائري، تطلبت الخروج على ((المالوف)) المرجعي او على ((العرف)) المرجعي وقيامه بجولات وزيارات إلى العشائر العراقية والاطلاع على اوضاعها وبناء علاقات معها ومن ثم اخيرا وضع فقه خاص بها اندرج في السياق، كما تطلب بناء القاعدة الشعبية، تجاوز خطاب ((الفقيه)) المكتوب إلى خطاب الفقيه المسموع، وإلى تنشيط الاتصالات مع الناس، وإلى مواكبة همومهم وشؤونهم والعمل بفقه الواقع او فقه الحياة بكل ما تلد من جديد مع مرور الزمن اضافة إلى التواجد الميداني معهم، وربط مصير الفقيه مع مصيرهم. وبالطبع ان هذا الواقع لم يالفه الشعب العراقي من قبل لذا فانه شكل ووضوحا له بدور الفقيه، ومن ثم تعاطفا معه.
  4. اثبتت تجربة الصدر الثاني ان الشعب العراقي يختزن الاستجابة للعمل الإسلامي وان هناك قصورا قياديا دينيا في تحريك عوامل التفاعل لديه، ومن ناحية اخرى فان الظروف الاستثنائية التي يمر بها هذا الشعب و المتمثلة بالحصار والجوع والارهاب آنذاك قد مثلت عاملا اضافيا في انجاح التجربة الصدرية الثانية، اذ ان هذه الظروف القاسية تدفعه - أي الشعب - دائما إلى التطلع نحو البديل، عبر قيادة ميدانية جديدة تدفع به على الدوام نحو البحث عن متنفس يعبر به عن مشاعره و الأمة، وبحكم تجريب هذا الشعب لتجارب سياسية عديدة لم توصله إلا إلى هذا الواقع السيء، فانه تفاعل و لازال يتفاعل مع طرح الإسلامي اذ بمجرد ان تحرك السيد محمد محمد صادق الصدر باتجاهه فانه استجاب استجابة واضحة لا تخلو من الشجاعة، و ربما ان هنالك من يقول ان استجابة هذا الشعب انطلقت في جزء منها من وعيه بموقف السلطة التي – سمحت - للصدر الثاني، بالتحرك الامر الذي ازال جزءا من المخاوف لديه، ومن ثم قرر الالتحاق بهذه التجربة ولذا فان الناس الذين التقوا بركب الصدر الثاني لم ينتفضوا كلهم بعد اغتياله. وربما تكون وجهة النظر هذه ((صحيحة)) بشكل جزئي ومحدود واذا قيست التجربة بنتائجها وكلياتها وظروفها واحتياطات السلطة وطبيعتها فان الامر لا يبدو كذلك فالجمهور الصدري الثاني كان له رد فعل ولو انه لا يتناسب مع ما حصل بحكم الظروف الامنية القاسية التي تقيده إلا انه ومن المؤكد قد اختزن وعي هذه التجربة المهمة من تاريخه المعاصر.
  5. تمثل المحور الآخر الذي شكل معلما من معالم مشروع الصدر الثاني التغييري بالعلاقة بين الحوزة والأمة، واكتشاف الاليات والاساليب والطرق الكفيلة بايجاد علاقة من نوع اخر بينهما، وكانت صلاة الجمعة اكبر آلية تواصلية بين الفقيه والمجتمع وبين الحوزة والأمة، اذ لم يعمل بهذه من قبل، إلا بشكل محدود، ولوعي السيد الصدر الثاني باهميتها فانه اعطاها اهمية استثنائية، واوصى بضرورة او وجوب مواصلتها حتى بعد موته، فاستطاع بذلك ان ينجز شبكة من المفاهيم الخاصة، مفاهيم دينية- اجتماعية، ومفاهيم حول شؤون القيادة ومفاهيم حول الشؤون الثقافية والسياسية الاخرى شكلت بمجملها نسيجا معرفيا متجانسا، ميزه عن سواه من الفقهاء، وحدد ملامح مشروعه و تجربته، فلقد جاء هذا النسيج المعرفي بشيء من الفرادة والخصوصية والابتكار، فهو تجاوز المشتركات والثوابت من خلال استيعابها، وابرز معالم قراءته الخاصة لتعاليم الإسلام التي تنتمي للاجتهاد البشري، او الفهم البشري للدين والرسالة السماوية، ولذا فهو لم ينتمي بعد استشهاده إلى تاريخ (الفقهاء التقليدين) بل انه انتمى إلى تاريخ الفقهاء الثوريين المبدعين المطورين المجددين، واضاف إلى تراكمهم المعرفي تجربة جديدة لها فرادتها في كثير من الامور والمسائل.
  6. وما بدى على هذا المشروع انه جاء في جزئه العملي والنظري الاكبر اكمالا او ترجمة لطموح الشهيد الصدر الاول (محمد باقر) الذي بقى حبيسا في صدره ولم تسمح له الظروف، لا ظروف الصراع مع السلطة ولا ظروف المؤسسة الدينية الشيعية الداخلية ولا ظروف الوعي المجتمعي ان يتصدى لها اذ على رغم المغايرة الواضحة في امور عديدة فكرية وغير فكرية بين الصدرين الأول والثاني، ورغم احتفاظ تجربة الصدر الثاني ببعض الخصوصيات الميدانية إلا ان التجربة بشكل عام جاءت وكانها صدى لاماني الصدر الأول لاصلاح الحوزة وفي وجوبية توجهها نحو المجتمع وفي ابراز الوجه السياسي لحركة الإسلام وفيما قضى الصدر الأول حياته في بحوث فكرية متطورة بغية ارساء جذور واساس المدرسة الإسلامية بكل ابعادها الفلسفية والاقتصادية والاجتماعية وبدا بدايات في تطوير المنهج الحوزوي واعلن خطابا نظريا لا يخلو من النقد لواقع هذه الحوزة وتحرك سياسيا تحت ثقل الظروف الخارجية التي ربما تكون ساعدت على دفعه على تسريع الجانب السياسي العملي من مشروعه، جاء الصدر الثاني من شقين شكلا الافراز العلوي الغائب أو الذي غيب في مشروع الصدر الأول الشق المتعلق بدور الفقيه العملي، الميداني الاجتماعي، الإسلامي المندك في الأمة والمرابط معها بعد ان اكتشف آليات واساليب تعبئتها، والشق الثاني الذي يواكب حركة التجديد الفقهي بما يتناسب مع المستجدات والتطورات وهكذا بدا المشروعان متغايران في ادوارهما تبعا لاختلاف الظروف والقدرات الذاتية، وفي نفس الوقت كملا بعضهما البعض، في صيرورة تصاعدية تكاملية، قائمة على تواصل معرفي في حياتهما قبل الاستشهاد، وعلى رابطة دم شاء الله ان يجعلها هكذا، ولو انها فسرت من البعض، تفسيرا ثاريا من الصدر الثاني لدماء الصدر الاول والقدرات الذاتية والخصوصيات الشخصية فان مغايرة اخرى اساسية بين التجربتين او المشروعين، جاءت كتمايز في المنهجين، وايضا تبعا للظروف في تعاطي الصدرين مع اشكالية الفقيه والسلطة، ففيما رفض الصدر الاول ((تحييد)) السلطة لاكمال مشروعه، اجتهد الصدر الثاني بهذا التحييد الذي لولاه لما تم لنجاز مشروعه، وبالتالي لما حصل هذا التكامل التصاعدي بين المشروعين.
  7. ان الدور العملي الميداني الاجتماعي التجديدي للسيد الصدر الثاني الذي ميز مشروعه التغييري لم يات إلا وفق خطة تحرك عليها هذا المشروع، خطة لمرتكزات وآليات واولويات بدات بـ ((تحييد)) السلطة ومن ثم مرتكز ايجاد قاعدة شعبية ومرتكز اصلاحي داخلي للواقع الإسلامي وواقع الحوزة ومرتكز تاسيس منظومة مفاهيم متجانسة ومتكاملة مثلت خصوصية التجربة الصدرية الثانية، وكل تلك المرتكزات كانت ممزوجة بواقع سياسي وخطاب سياسي يحاول ان يؤهل المشروع التغييري سياسي يشكل افرازا علويا لهذا المشروع التغييري إلا ان السطلة الحاكمة قطعت الطريق على تجسيد هذا الافراز العلوي (المشروع السياسي) مثلما قطع الطريق على تجسيد الافراز العلوي الذي مثله فيما بعد مشروع الصدر الثاني على الصدر الأول. ان (قانون) الموت والقتل والاغتيال الذي عمل به النظام السابق لعرقلة حركة المشروع الإسلامي العام في العراق، لم يحل رغم بشاعته دون تنامي هذا المشروع.
  8. ان قرار اغتيال الصدر الثاني، بعد ان شكل ظاهرة ملفتة للنظر وملابسات هذا الاغتيال وتوصيف المواقف الخارجية، ولا سيما الامريكية ازاءه لابد ان يقود إلى فهم هذه الظاهرة من خلال المواجهة الامريكية الإسلامية الكلية اذ ان فهم الموقف الامريكي السلبي من اغتيال آية الله محمد محمد صادق الصدر يتطلب تحليلا على مستويين، المستوى العراقي البحث المحدود بدائرة العراق في الاهتمام الامريكي، ومسار الدور الامريكي المتصاعد في ملفه، ومستوى المواجهة الامريكية الغربية الاوربية مع ((الإسلام السياسي)) الصاعد منذ انتصار الثورة الإسلامية في ايران، وحتى اليوم، وفي المستوى الاول ربما شكل اغتيال الصدر الثاني هدفا مشتركا امريكيا صداميا.، فواشنطن التي تبحث عن بديل صدام حسين على مدى ما يقارب التسع سنوات كانت ترصد نمو الظاهرة الإسلامية في العراق التي قادها واسسها الشهيد محمد محمد صادق الصدر، وانطلاقا من سلبياتها ازاء الإسلاميين والمعارضة العراقية الإسلامية التي تجلت في محطات مهمة من تاريخ الازمة العراقية الراهنة كانتفاضة شعبان/ اذار/ 1991م، وحصار السلطة للإسلاميين في الاهوار، والتفرج على ابادتهم وخلق ((معارضات)) عراقية تعرقل عمل المعارضة الإسلامية وتخفف من لونها، ومحاولة اختراق المعارضة الإسلامية العراقية.. انطلاقا من كل ذلك فان شعورها ازاء ظاهرة الصدر الثاني الإسلامية ومشروعه التغييري سيكون شعورا متسما بالخوف على مصالحها من تطور هذه الظاهرة ونجاحها ولقد تجسد هذا الخوف الامريكي السلبي من خلال مواقفها من عملية اغتيال الصدر الثاني، فهي مواقف جسدت سلبية عميقة لمن يحاول ان يصل إلى حقيقة ((الضوضاء)) الامريكي الذي سبق اغتيال الصدر الثاني باربعة أو خمسة اشهر تقريبا، أي قبل وبعد ما سمي بقانون ((تحرير)) العراق الذي اتخذه الكونغرس الامريكي والـ((97)) مليون دولار التي رصدها كمساعدات للمعارضة العراقية فلقد ملئت الدعاية الامريكية العالم ضجيجا حول ((جديتها)) في الغيير هذه المرة، عبر كل السيناريوهات بما فيها سيناريو تفجر انتفاضة جديدة ضد النظام الحاكم في العراق، إلا ان درجة وسياق التوتر الذي خيم على الشارع العراقي، وانفجاره على شكل صدامات واحتجاجات محدودة مع قوات امن السلطة في العراق، كان يشكل احتمالا شبه اكيد لانفجار كلي في الشارع العراقي لو ان واشنطن تدخلت بشكل من الاشكال، إلا انها أي واشنطن بقيت متفرجة على الاغتيال وما بعده من ردود فعل، من وحي الاحساس والشعور المشترك مع صدام حسين برغبة التخلص من هذه الظاهرة الصدرية الثانية، ومن هنا فان الاغتيال تحول إلى هدف مشترك للاثنين، الولايات المتحدة وصدام حسين.
  9. بيقى ان نؤكد في خاتمة هذه ((الخاتمة)) حجم المعاناة والصبر والتحمل والاصرار للشهيد محمد محمد صادق الصدر من اجل انجاز هذا المشروع التغييري الاصلاحي الجذري، الذي اسسه ورعاه، ورسم ملامحه من خلال خطوط عامة ومحاور ومرتكزات وضحها هذا البحث بشكل توثيقي، مشروع ختمه باستشهاد ((مرجعي)) لا ينتمي إلى تاريخ الاستشهاد المتعارف انما ياتي حصيلة لثقافة حسينية ونبض عرفاني ينتمي إلى عرفان ((الواقع)) وليس إلى عرفان الانعزال والخرافة، وقرار استشهادي واضح واع، اكدته المنقولة عنه، واكده السلوك الذي مارسه، واكده الكفن الذي لفه واقفا في صلاة الجمعة قبل ان يلفه في قبره الذي وضع فيه، بلا تشييع وبطريقة سرية، تحت جنح الظلام، حاضنا ولديه ((مصطفى)) و ((مؤمل)) كما دفن الشهيد الصدر الاول مع اخته ((بنت الهدى)) وسوف لن يستطيع احد ان يغير او يزور هذا التاريخ للصدر الثاني الذي حكمته وتيرة من السجن والدرس والتقوى والثورية.
  10. اما ما قيل عن علاقته بالسلطة اثبتت الاحداث الاستغناء عن العودة إلى مناقشته واثبت هذا البحث في سياق الاشكالية التاريخية لعلاقة الفقيه الشيعي مع السلطة انه اكبر من جراة البعض واستيعابهم على هضمه وفهمه، هذا اذا ما تجاوزنا القصدية المسبقة لدى البعض الاخر الذي اطلق العنان لتوصيفات متحاملة بتسميته بفقيه السلطة. لقد اثبتت الاحداث وهذا البحث الاستغناء عن العودة إلى تسمية بـ((فقيه السلطة)) إلا بما الحقته هذه التسمية به من ظلم فادح، كابده في حياته وواجهه كما واجه الالام الاخرى التي تحملها من اجل ان يؤسس مشروعه التغييري ويترك ((بصمة)) في تاريخ العراق السياسي وفي تاريخ العمل الإسلامي الحركي والمرجعي.

المصادر

  1. المقابلات الشخصية:
  1. مقابلة للباحث مع الشيخ أسعد الناصري في مكتب الشهيد الصدر في النجف الأشرف 7/11/2006م.
  2. مقابلة للباحث مع الشيخ أحمد الكوفي في مكتب السيد الشهيد الصدر في النجف الأشرف 7/11/2006م.
  3. مقابلة للباحث مع الشيخ جابر الخفاجي في مكتب السيد الشهيد في النجف الأشرف 7/11/2006م.
  4. مقابلة للباحث مع الشيخ كاظم الناصري في مكتبه، النجف الأشرف 7/11/2006م.
  5. لقاء مع جابر الخفاجي، مكتب الشهيد الصدر، النجف الاشرف، 1/12/2006م.
  1. الكتب والموسوعات
  1. احمد ابو سعيدة، الشعر والشعراء في العراق، بيروت، 1959م.
  2. ادهم الجندي، اعلام الادب والفن، ج2، دمشق، 1378هـ.
  3. باقر أمين الورد، أعلام العراق الحديث، راجعه وقدم له ناجي معروف، ط1، أوفسيت الميناء، بغداد، 1978.
  4. خليل علي مراد و آخرون، دراسات في التاريخ الاوربي الحديث والمعاصر، مديرية دار الكتب للطباعة والنشر، الموصل، 1988.
  5. زكي نجيب محمود، حياة الفكر في العالم الجديد، ط1، مكتبة الانكلو مصرية، القاهرة، ب ت
  6. د. سمير كاظم الخليل وآخرون، الجواهري شاعر العرب الأكبر، شركة الوفاق للطباعة، ط1، 2005م.
  7. عادل رؤوف، محمد محمد صادق الصدر، مرجعية الميدان، المركز العراقي، للإعلام والدراسات، ط8، سوريا، دمشق، 2005م.
  8. عباس الزيدي المياحي، السفير الخامس، استعراض لحياة ومرجعية الامام الصدر والعلاقة بين الحوزة و الجماهير، ط1، بيروت، 2001م.
  9. عبد الستار آل محسن، قبسات من حياة زعيم الحوزة العلمية آية الله العظمى السيد محمد محمد صادق الصدر، دار الأضواء، بيروت، ط1، لبنان، 1998
  10. علي محمد صادق الصدر، آل الصدر في التاريخ، مطبعة بغداد، ط1، بغداد، 2000م.
  11. ألقاب آل الصدر، الانحدار الجغرافي والأعقاب، ط1، بغداد.
  12. المجموعة الكاملة لمؤلفات محمد باقر الصدر،ج11،دار التعارف للمطبوعات،قم المقدسة،ب ت.
  13. محمد باقر الصدر، فلسفتنا، ط1، مطبعة ليلى، طهران، 2001م.
  14. محمد حسن آل ياسين، على هامش العروة الوثقى، ط1، دار المعارف، بغداد 1974م.
  15. الشيخ محمد اليعقوبي، الشهيد الصدر الثاني كما أعرفه، مؤسسة بقية الله لنشر العلوم الإسلامية، النجف الأشرف، 1424هـ.
  16. السيد محمد الصدر، أضواء على ثورة الحسين، ب ت.
  17. محمد عباس الدراجي، القصائد الخالدات في حب آل البيت، مكتبة الامير، بغداد، 1989م.
  18. مختار الأسدي، الصدر الثاني، الشاهد والشهيد، مؤسسة الأعراف، مطبعة أمين، ط1، 1999م.
  19. نخبة من الباحثين، الصدر الثاني دراسة في فكره و جهاده، مؤسسة بقية الله لنشر العلوم الإسلامية، مكتبة دار المجتبى، الطبعة الأولى، لندن، 2004.
  1. خطب الجمعة
  1. السيد محمد محمد صادق الصدر، خطبة الجمعة رقم (1) في 1 ذي الحجة 1418هـ الموافق 17/4/1998م.
  2. السيد محمد محمد صادق الصدر، خطبة الجمعة رقم (3) في 4 محرم 1419هـ الموافق 1/5/1998م.
  3. السيد محمد محمد صادق الصدر، خطبة الجمعة رقم (10) في 14 صفر 1419هـ الموافق 19/6/1998م.
  4. السيد محمد محمد صادق الصدر، خطبة الجمعة رقم (35) في 21 شعبان 1419هـ الموافق 11/12/1998م.
  5. السيد محمد محمد صادق الصدر، خطبة الجمعة رقم (42) في 13 شوال 1419هـ الموافق 29 كانون الثاني 1999م.
  6. السيد محمد محمد صادق الصدر، خطبة الجمعة الاخيرة، رقم (45) بتاريخ 3 ذي القعدة 1419هأ الموافق 19/2/1999م.
  1. المجلات
  1. مجلة البلاد في 27/شباط/1999م.
  2. مجلة المجلة، العدد (994)، الصادرة في 6 اذار 1999م.
  3. مجلة الهدى، العدد (7) 9السنة الأولى، 1 رجب 1419هـ، ص40.
  4. مجلة الهدى، الصادرة عن الحوزة العلمية الشريفة في النجف الاشرف، العدد السادس، السنة الاولى، 1 جمادي الثانية 1419هـ
  5. مجلة الوسط، العدد (370)، في 1/ اذار/ 1999م.

5- الصحف

  1. صحيفة اشراقات الصدر، العدد (217)، في 27/11/2006م.
  2. صحيفة اشراقات الصدر، العدد (217)، في 28/11/2006م.
  3. صحيفة البلاغ،، العدد (135) الاسبوع الاخير من تشرين الثاني 2006م.
  4. صحيفة البلاغ، العدد (135)، والتي تصدر عن مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي، الاسبوع الاخير من شهر تشرين الثاني، 2006م.
  5. صحيفة الحياة 20 شباط 2001م.
  6. صحيفة الحياة البنانية الصادرة بتاريخ 19 آذار 1999م.
  7. صحيفة الحياة اللبنانية في 19/ اذار/ 1999م.
  8. صحيفة الحياة اللبنانية في 19/اذار/ 1999م.
  9. صحيفة الحياة اللبنانية، اذار 1999م.
  10. صحيفة الحياة في 15 نيسان 1999م.
  11. صحيفة الحياة في 20 شباط 1999م.
  12. صحيفة الحياة، في عددها الصادر في 20/2/2001م.
  13. صحيفة الرافدين، العدد (195)، قم المقدسة، آذار 1999م.
  14. صحيفة الصباح، العدد (986)، في 7 ذي القعدة 1427هـ، 28/11/2006م.
  15. صحيفة القبس الكويتية، في 27 شباط 1999م.
  16. صحيفة القدس العربي الصادرة في لندن 23 شباط 1999م
  17. صحيفة الموقف السورية، العدد (188)، 4 شباط 1999م.
  18. صحيفة الموقف العدد (190) في 25 شباط 1999م
  19. صحيفة الموقف، العدد (191) في 4/ اذار/ 1999م.
  20. صحيفة الموقف، العدد (192) في 18/ اذار/ 1999م.
  21. صحيفة نداء الرافدين، العدد (195)، 11/ اذار/ 1999م.
  22. صحيفة نداء الرافدين، قم المقدسة، العدد (194) آذار 1999م.
  23. صحيفة الوفاق الإسلامي، العدد 117، الصادر بتاريخ 23/2/1999م.

 

 

 

[1] - نخبة من الباحثين، الصدر الثاني دراسة في فكره و جهاده، مؤسسة بقية الله لنشر العلوم الإسلامية، مكتبة دار المجتبى، الطبعة الأولى، لندن، 2004، ص20؛ مختار الأسدي، الصدر الثاني الشاهد و الشهيد، مؤسسة الأعراف، مطبعة أمين، 1999م، ص27؛ عبد الستار آل محسن، قبسات من حياة زعيم الحوزة العلمية آية الله العظمى السيد محمد محمد صادق الصدر، دار الأضواء، بيروت، ط1، لبنان، 1998، ص4-5.

[2] - السيد محمد الصدر، أضواء على ثورة الحسين، ب ت ص6؛ نخبة من الباحثين، المصدر السابق، ص19؛ علي محمد صادق الصدر، ألقاب آل الصدر، الانحدار الجغرافي والأعقاب، ط1، بغداد، 2001، ص65؛ باقر أمين الورد، أعلام العراق الحديث، راجعه وقدم له ناجي معروف، ط1، أوفسيت الميناء، بغداد، 1978، ص123.

[3] - ولد الشيخ محمد رضا آل ياسين في مدينة الكاظمية عام 1297هـ/ 1879م، وهو أحد أعلام الأسرة المعروفة (آل ياسين)، وهو نجل الشيخ عبد الحسين آل ياسين، والذي كان أحد مراجع التقليد، حاز على درجة الفقاهه في الثلاثين م عمره، و تتلمذ على يديه أبن أخته السيد محمد باقر الصدر، ترأس جماعة العلماء للوقوف أمام الانحراف العقائدي في الخمسينات من القرن الماضي، له العديد من المؤلفات منها (بلغة الراغبين في فقه آل ياسين)، و الحاشية عبى العروة الوثقى، و غيرها من المؤلفات.توفي عام 1370هـ/ 1950م، ودفن في النجف الأشرف، ومن المعلوم أن مرجعيته تزامنت مع مرجعية أبو الحسن الأصفهاني، للمزيد من المعلومات، ينظر محمد حسن آل ياسين، على هامش العروة الوثقى، ط1، دار المعارف، بغداد 1974م، ص50 وما بعدها.

[4] - مختار الأسدي، المصدر السابق، ص28.

[5] - المصدر نفسه، ص28.

[6] - عباس الزيدي المياحي، السفير الخامس، استعراض لحياة ومرجعية الامام الصدر والعلاقة بين الحوزة و الجماهير، ط1، بيروت، 2001م، ص52.

[7] - المصدر نفسه، ص52.

[8] - ولد جون لوك الفيلسوف الانكليزي عام 1932م، وكان في طليعة من استخرجوا النتائج الفلسفية للعلم الحديث، توفي عام 1704م، للمزيد من المعلومات ينظر، زكي نجيب محمود، حياة الفكر في العالم الجديد، ط1، مكتبة الانكلومصرية، القاهرة، ب ت، ص16- ص17.

[9] - محمد باقر الصدر، فلسفتنا، ط1، مطبعة ليلى، طهران، 2001م، ط51.

[10] - ولد جان جاك روسو عام 1712م في فرنسا، ويعد من ابرز الكتاب الفرنسيين اثارة لعواطف الشعب الفرنسي ضد لويس السادس عشر، اصدر كتابه (العقد الاجتماعي)، الذي اصدره سنة 1762م، وكان اول من اباح الثورة والخروج على الحكومة، توفي عام 1778م، للمزيد من المعلومات ينظر، لجنة في وزارة التربية، التاريخ الحديث، ط35، مطبعة النور الاردن، 1997م، ص ص 8-9؛ خليل علي مراد و آخرون، دراسات في التاريخ الاوربي الحديث والمعاصر، مديرية دار الكتب للطباعة والنشر، الموصل، 1988، ص136.

[11] - المصدر نفسه، ص136.

[12] - عادل رؤوف، محمد محمد صادق الصدر، مرجعية الميدان، مشروعه التغييري و واقع الاغتيال، المركز العراقي للاعلام و الدراسات، ط8، دمشق، 2005م، ص75.

[13] - صحيفة الوفاق الإسلامي، صور من حياة الأمام الشهيد السيد محمد الصدر، العدد 117، الصادر بتاريخ 23/2/1999م.

[14] - المجموعة الكاملة لمؤلفات السيد محمد باقر الصدر،ج11،دار التعارف للمطبوعات،قم المقدسة،ب ت،ص ص64-65.

[15] - عادل رؤوف،المصدر السابق، ص75؛المجموعة الكاملة لمؤلفات السيد محمد باقر الصدر، ج11، المصدر السابق، ص65.

[16] - الشيخ محمد اليعقوبي، الشهيد الصدر الثاني كما أعرفه، مؤسسة بقية الله لنشر العلوم الإسلامية، النجف الأشرف، 1424هـ. ص76 وما بعدها.

[17] - المصدر نفسه، ص76.

[18] - المصدر نفسه، ص76.   

[19] - اسم اطلقه الامريكان على حربهم ضد العراق بحجة تحرير الكويت.

[20] - الشيخ محمد اليعقوبي، السيد الشهيد الصدر الثاني كما اعرفه، ص82.

[21] - المصدر نفسه، ص28.

[22] - المصدر نفسه، ص82.

[23] - المصدر نفسه، ص84.

[24] - المصدر نفسه، ص84.

[25] - المصدر نفسه، ص85.

[26] - المصدر نفسه، ص86.

[27] - المصدر نفسه، ص86.

[28] - المصدر نفسه، ص87.

[29] - وهو احد طلاب السيد الصدر الثاني ومن المقربين له، وقد شارك السيد في قيادة الانتفاضة وبقي ملازما له حتى استشهاده.

[30] - يقول الشيخ اليعقوبي، عرفت الاستاذ الساعدي عام 1974م، عندما كنت طالبا في مدرسة الإمام الجواد  عليه السلام  الاهلية، والتي كانت من المؤسسات الشيعية التي تخطى بتاييد السيد الشهيد محمد باقر الصدر، وكانت شقيقته بنت الهدى مشرفة على مدرسة الاناث، وكان الاستاذ محمد مشرفا عاما على المدارس، وقد اصدر عدة كتب وهو لايزال طالبا في كلية القانون في منتصف الستينات من القرن الماضي، ومنها كتاب (الإسلام ومعركة المصير الإنساني)، وبعد فراق عدة سنين وجدته قاضيا لمحكمة الاحوال الشخصية في النجف، واستمرت علاقتنا ومن ثم تعرف على السيد الصدر الثاني واخذ يتردد على داره ضمن مقلديه.

[31] - الشيخ محمد اليعقوبي، السيد الشهيد الصدر الثاني كما اعرفه، ص89.

[32] - المصدر نفسه، ص90.

[33] - المصدر نفسه، ص92.

[34] - المصدر نفس، ص93.

[35] - المصدر نفسه، ص93.

[36] - المصدر نفسه، ص94.

[37] - الحديث لازال للشيخ محمد اليعقوبي، في كتابه السيد الشهيد الصدر الثاني كما اعرفه، ص94.

[38] - مكان لوضع احذية الزوار قبل دخولهم إلى الحرم الشريف.

[39] - الشيخ محمد اليعقوبي، السيد الشهيد الصدر الثاني كما اعرفه، ص98.

[40] - المصدر نفسه، ص98.

[41] - المصدر نفسه، ص100.

[42] - المصدر نفسه، ص101.

[43] - عادل رؤوف، مرجعية الميدان، ص 142.

[44] - المصدر نفسه، ص143.

[45] - المصدر نفسه، ص143.

[46] - المصدر نفسه، ص144.

[47] - مجلة الوسط، ضربة وقائية او مشروع فتنة، اغتيال الصدر، سبقه حوار هاتفي قاتل، العدد (370)، في 1/ اذار/ 1999م.

[48] - المصدر نفسه.

[49] - صحيفة الموقف، العدد (191) في 4/ اذار/ 1999م.

[50] - مجلة الوسط، العدد (370)، في 1/ اذار/ 1999م.

[51] - مجلة الوسط، العدد (370)، في 1/ اذار/ 1999م.

[52] - صحيفة الموقف، العدد (191)، في 4/ اذار/ 1999م.

[53] - صحيفة الموقف، العدد (191)، في 4/ اذار/ 1999م.

[54] - السيد محمد محمد صادق الصدر، المصدر نفسه.

[55] - السيد محمد محمد صادق الصدر، صحيفة الموقف، العدد (191) في 4/ اذار/ 1999م.

[56] - محمد باقر الحسني، صلاة الجمعة الاولى اخافت صدام فاغتاله وقال من هو الرئيس؟ صدام ام محمد الصدر؟، مجلة البلاد في 27/شباط/1999م.

[57] - عادل رؤوف، مرجعية الميدان، ص 152.

[58] - السيد محمد محمد صادق الصدر، خطبة الجمعة رقم (1) في 1 ذي الحجة 1418هـ الموافق 17/4/1998م.

[59] - السيد محمد محمد صادق الصدر، خطبة الجمعة رقم (1) في 1 ذي الحجة 1418هـ الموافق 17/4/1998م.

[60] - السيد محمد محمد صادق الصدر، خطبة الجمعة رقم (1) في 1 ذي الحجة 1418هـ الموافق 17/4/1998م.

[61] - السيد محمد محمد صادق الصدر، خطبة الجمعة رقم (3) في 4 محرم 1419هـ الموافق 1/5/1998م.

[62] - السيد محمد محمد صادق الصدر، خطبة الجمعة رقم (3) في 4 محرم 1419هـ الموافق 1/5/1998م.

[63] - السيد محمد محمد صادق الصدر، خطبة الجمعة رقم (3) في 4 محرم 1419هـ الموافق 1/5/1998م.

[64] - السيد محمد محمد صادق الصدر، خطبة الجمعة رقم (35) في 21 شعبان 1419هـ الموافق 11/12/1998م.

[65] - الشهيد محمد صادق الصدر، مجلة الهدى، العدد (7) 9السنة الأولى، 1 رجب 1419هـ، ص40.

[66] - جواد المالكي، غياب الصدر افقد المشروع الوطني الإسلامي قوة هائلة، صحيفة الموقف، العدد (192) في 18/ اذار/ 1999م.

[67] - السيد محمد محمد صادق الصدر، خطبة الجمعة رقم (10) في 14 صفر 1419هـ الموافق 19/6/1998م.

[68] - ابو جعفر المهندس، من كلمة له في اعتصام 26/2/1999م، في العاصمة السياسية لهولندا، لاهاي، نقلا عن عادل رؤوف، مرجعية الميدان، ص156.

[69] - صحيفة الصباح، محمد محمد صادق الصدر درس الدنيا وعبرة الآخرة، العدد (986)، في 7 ذي القعدة 1427هـ، 28/11/2006م.

[70] - صحيفة البلاغ، الشهيد الإمام الصدر، بساطة تجوقها هيبة المتقين وتواضع يشعرك بعظمة الاولياء، العدد (135) الاسبوع الاخير من تشرين الثاني 2006م، ص8.

[71] - صحيفة اشراقات الصدر، العدد (217)، في 28/11/2006م، ص2.

[72] - صحيفة اشراقات الصدر، العدد (217)، في 27/11/2006م، ص7.

[73] - عادل رؤوف، مرجعية الميدان، ص170.

[74] - الشيخ عبد الحليم الزهيري، الشيهد الصدر الثاني يواكب حالات الجيل، صحيفة الموقف، العدد (192) في 18/اذار/ 1999م.

[75] - الشيخ عبد الحليم الزهيري، المصدر السابق.

[76] - المصدر نفسه.

[77] - المصدر نفسه.

[78] - مجلة الهدى، الصادرة عن الحوزة العلمية الشريفة في النجف الاشرف، العدد السادس، السنة الاولى، 1 جمادي الثانية 1419هـ.

[79] - محمد باقر الصدر، النداء الاول للإمام الشهيد الصدر إلى الشعب العراقي، النجف الاشرف، في 20 رب 1399هـ، وان نص النداء موجود لدى الباحث.

[80] - مختار الأسدي، الصدر الثاني، الشاهد والشهيد، ص73.

[81] - صحيفة القبس الكويتية، في 27 شباط 1999م، ص3.

[82] - المصدر نفسه.

[83] - صحيفة الحياة، في عددها الصادر في 20/2/2001م.

[84] - من مواليد بابل، ناحية الإمام، عضو قيادة قطرية في حزب البعث، ورئيس الوزراء العراقي السابق، وقائد عمليات الفرات الاوسط اثناء دخول القوات الامريكية العراق عام 2003م.

[85] - صحيفة القبس الكويتية، المصدر السابق.

[86] - صحيفة الحياة، مصدر سابق.

[87] - صحيفة الحياة البنانية الصادرة بتاريخ 19 آذار 1999م.

[88] - عادل رؤوف، مرجعية الميدان، ص250.

[89] - عادل رؤوف، مرجعية الميدان، ص 250.

[90] - للمزيد من المعلومات حول علميات الاعتقال، والشهداء واسمائهم ومدنهم، ينظر بيان حزب الدعوة الإسلامية حول اغتيال آية الله العظمى السيد محمد محمد صادق الصدر، بتاريخ 20 شباط 1999م، نقلا عن عادل رؤوف، مرجعية الميدان، ص251.

[91] - صحيفة الموقف السورية، العدد (188)، 4 شباط 1999م.

[92] - السيد محمد محمد صادق الصدر، خطبة الجمعة رقم (42) في 13 شوال 1419هـ الموافق 29 كانون الثاني 1999م.

[93] - خطبة الجمعة رقم (42).

[94] - محمد باقر الحكيم، صحيفة الرافدين، العدد (195)، قم المقدسة، آذار 1999م.

[95] - كان محمد حمزة الزبيدي المسؤول المباشر من قبل حكومة بغداد على محافظات الفرات الاوسط والقائد العسكري العام فيها.

[96] - لقد رفض الصدر الثاني طلبا للنظام قبل خمسة اشهر من استشهاده ان يقول ضمن خطبة الجمعة بان السلطات لازالت تسعى إلى اعتقال المسؤولين عن قتل الشيخين، للمزيد من المعلومات ينظر، صحيفة الحياة اللبنانية في عددها الصادر 24 شباط 1999م.

[97] - صحيفة نداء الرافدين، قم المقدسة، العدد (194) آذار 1999م.

[98] - يتوجه الزوار إلى كربلاء سيرا على الاقدام بذكرى اربعينية الإمام الحسين  عليه السلام  من كل عام في العشرين من شهر صفر.

[99] - لقاء مع جابر الخفاجي، مكتب الشهيد الصدر، النجف الاشرف، 1/12/2006م.

[100] - نبيل ياسين، الإمام المغدور، صحيفة الحياة اللبنانية، اذار 1999م، ص8.

[101] - السيد محمد محمد صادق الصدر، خطبة الجمعة الاخيرة، رقم (45) بتاريخ 3 ذي القعدة 1419هأ الموافق 19/2/1999م.

[102] - نبيل ياسين، المصدر السابق.

[103] - محمد باقر الحكيم، صحيفة نداء الرافدين، العدد (195)، 11/ اذار/ 1999م.

[104] - صحيفة الحياة اللبنانية في 19/ اذار/ 1999م.

[105] - صحيفة الحياة اللبنانية في 19/اذار/ 1999م.

[106] - لقاء لباحث مع الشيخ اسعد الناصري في مكتب الشهيد الصدر في النجف الاشرف، يوم الاربعاء 7/11/2006م.

[107] - وهو احد احياء النجف الاشرف والذي يقع شمال مرقد الإمام علي  عليه السلام  باتجاه الشارع المؤدي إلى الكوفة، قرب ساحة ثورة العشرين.

[108] - الشيخ محمد اليعقوبي، الشهيد الصدر الثاني كما اعرفه، ص 123 وما بعدها.

[109] - المصدر نفسه ص 124.

[110] - كان النظام السابق قد خصص لكل محافظة يوم يحتفل به (يسمى يوم المحافظة)، وهو اما مناسبة دينية او مناسبة سياسية لتلك المحافظة.

[111] - الشيخ محمد اليعقوبي، السيد الشهيد الصدر الثاني كما اعرفه، ص 125.

[112] - المصدر نفسه، ص127.

[113] - المصدر نفسه، ص128.

[114] - كان يستخدم هذا النوع من السيارات رجال المخابرات العراقية من ذوي الرتب العالية، لانها حديثة وسريعة.

[115] - المصدر نفسه، ص128.

[116] - لقاء للباحث مع الشيخ احمد الكوفي، مكتب الشهيد الصدر في النجف الاشرف يوم الاربعاء 7/11/2006م.

[117] - من مواليد 1972م الناصرية، احد طلاب الصدر الثاني، من عام 1993م وحتى 199م، امام صلاة الجمعة في الناصرية عشرون جمعة، ومدينة الصدر 10 جمع، صلى خلف السيد الصدر الثاني في جامع الكوفة (45صلاة)، وصلى مع السيد صلاة المغرب والعشاء في يوم ضريح الإمام علي  عليه السلام ، لقاء للباحث مع الشيخ اسعد الناصري في مكتب الشهيد الصدر، النجف الاشرف في 7/11/2006م.

[118] - ولد في الكوفة عام 1970م، استاذ فقه واصول في الحوزة العلمية، تتلمذ على يد الصدر الثاني في الفقه والاصول والبحث الخارج، حضر مع السيد جميع صلوات الجمعة، له مؤلفات منها خطواات رسالية 1999م، نحن والعولمة 2003ن، شارك في العديد من الندوات والدراسات الدولة، القى العديد من المحاضرات في جامعات بغداد والكوفة وكربلاء، لقاء للباحث مع الشيخ احمد الكوفي في مكتب الشهيد الصدر في النجف الاشرف يوم 8/11/2006م.

[119] - ولد في الكوفة عام 1963م، درس على يد السيد الصدر الثاني الفقه والاصول والبحث الخارج، مسؤول الرواتب في مكتب الصدر الثاني، امام جمعة في المشخاب والشامية، اعتقل عدة مرات في حياة الصدر الثاني، قاضي شرعي في مدينة الصدر، يشغل الان احد اعضاء مكتب الشهيد الصدر الثاني في النجف الاشرف وكذلك تدريس طلبة الحوزة العلمية، لقاء للباحث مع الشيخ الخفاجي يوم 1/11/2006م.

[120] - الشيخ محمد اليعقوبي، السيد الشهيد الصدر الثاني كما اعرفه، ص134.

[121] - المصدر نفسه، ص135.

[122] - المصدر نفسه، ص136.

[123] - لقاء للباحث مع الشيخ اسعد الناصري والشيخ احمد الكوفي والشيخ جابر الخفاجي والشيخ كاظم الناصري، مكتب الشهيد الصدر الثاني في النجف الاشرف، ودار حوار صريح حول عملية الاستشهاد والتغسيل والدفن للشهيد الصدر الثاني كما شاهدوه.

[124] - هو محمد بن الشيخ عبد الحسين الجواهري، شاعر العرب الاكبر، ولد في النجف الاشرف عام 1900م، انتقل إلى بغداد وعمل في الصحافة، اغترب اكثر من مرة ثم عاد إلى الوطن، ثم اغترب اغترابه الاخير في سوريا حيث توفي في مستشفى دمشق عام 1997م، للمزيد من المعلومات بنظر، د.سمير كاظم خليل واخرون،الجواهري شاعر العرب الاكبر، ط2، شركة الوفاق للطباعة، 2005م، ص52 وما بعدها؛ احمد ابو سعيدة، الشعر والشعراء في العراق، بيروت، 1959م، ص112؛ ادهم الجندي، اعلام الادب والفن، ج2، دمشق، 1378هـ، ص187.

[125] - كتبت هذه القصيدة بماء الذهب على الرواق الحسيني الشريف، للمزيد من المعلومات ينظر، محمد عباس الدراجي، القصائد الخالدات في حب آل البيت، مكتبة الامير، بغداد، 1989م، ص90 وما بعدها.

[126] - الشيخ محمد اليعقوبي، السيد الشهيد الصدر الثاني كما اعرفه، ص139.

[127] - للمزيد من المعلومات التي ذكرها الدكتور علي حسن الشمري وكذلك ما كتب عن عملية الاستشهاد في الروايات الأخرى، ينظر الشيخ محمد اليعقوبي، السيد الشهيد الصدر الثاني كما اعرفه، ص143 وما بعدها؛ صحيفة الموقف العدد (190) في 25 شباط 1999م؛ صحيفة القدس العربي الصادرة في لندن 23 شباط 1999م؛ عبد الامير الركابي، السلطة العراقية والمعارضة والمجتمع، دلالات في ضوء مقتل الإمام الصدر، صحيفة الحياة في 15 نيسان 1999م.

[128] - صحيفة الحياة 20 شباط 2001م.

[129] - وهو شقيق الفريق الركن كامل ساجت عزيز الجنابي، والذي كان يشغل منصب قائد فيلق في الجيش العراقي، والذي قتل في بغداد عام 1998م، واتهم قصي نفسه بقتله.

[130] - صحيفة الحياة 20 شباط 2001م؛ صحيفة البلاغ، العدد (135)، والتي تصدر عن مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي، الاسبوع الاخير من شهر تشرين الثاني، 2006م، ص5.

[131] - عادل رؤوف، مرجعية الميدان، ص259.

[132] - بارعه علم الدين، معارضة خارج العراق، كتبت هذه المقال تحت عنوان، (لماذا تجاهلت واشنطن ولندن تحذيرا من تصفية الصدر عندما اتصل بنا الصدر وقال صدام يريد ان يقتلني)، فسارعت المعارضة للاتصال بالامريكان والبريطانيين وطلبنا منهم ان يتحركوا لانقاذ الصدر فلم نجد تجاوبا من الحكومتين، ولم تصدر حتى بيان اسنتكار بعد عملية الاغتيال، صحيفة الحياة في 20 شباط 1999م.

[133] - عادل رؤوف، مرجعية الميدان، ص259.

[134] - للمزيد من المعلومات عن السيد حسين الصدر، ينظر علي محمد صادق الصدر، آل الصدر في التاريخ، ص123.

[135] - مجلة المجلة، العدد (994)، الصادرة في 6 اذار 1999م.